رواية سدفة الفصل العاشر 10 - بقلم اية شاكر
“استني… نـ… نداء…”
التفتت له نداء وزم رائد جفونه بتركيز مترقبًا ما يفعله رامي…
دنا منها رامي، فقالت باضطراب:
“نعم!!”
الحلقة العاشرة
#رواية_سدفة
بقلم آيه شاكر
أشار للأسورة حول معصمها وقال بتردد:
“هو… هو الأنسيال ده بتاعك؟!”
رفعت ذراعها لتُطالع معصمها، وقالت بتلعثم:
“أ… لـ… أيوه… ليه بتسأل؟!”
تنحنح وقال:
“أصل…”
صمت هنيهه ومسح ذقنه ثم أردف:
“لا أبدًا مفيش أصل كنت عايز أجيب لوئام وهيام شبهه… اتفضلي ادخلي”
قال أخر كلمتين وهو يشير لباب البيت فرمقته نداء باستغراب واستدارت لتدخل للبيت وهي تمط فمها متعجبة….
وقف «رامي» يُحدق بالفراغ في حيرة ويتذكر ما حدث ذلك اليوم مبررًا أنه ربما تكون أسورة مشابهة أو ربما وجدتها «نداء» ولم تلحظ تلك الفتاة وجودها من الأساس! وربما هي نفسها تلك الطفلة الصغيرة!! أطلق ضحكة كالزفرة وهو يردد:
“حاجه تحير”
“هي إيه دي اللي تحير؟”
انتفض رامي حين ربت رائد على كتفه بعد أن باغته بسؤاله! قطب رائد جبينه وأردف:
“فيه ايه؟! كنت بتقولها ايه؟”
ابتسم «رامي» وغمز بعينه وهو يقول متخابثًا:
“غيران ولا إيه؟!”
زفر «رائد» متنهدًا وقال بنظرة حادة يشوبها الصرامة:
“رامي… متتكلمش بالطريقه دي لو سمحت…. إنت عارف إن مفيش حاجه”
نظر «رامي» لعمق عيني «رائد» وقال بجدية مؤكدًا:
“لأ فيه… ولو خبيت على الدنيا كلها مش هتعرف تخبي عليا لأني بعرف أقرأ نظراتك يا رائد”
تذبذبت نظرات «رائد» وكاد أن يرد لولا هتاف والده:
“هاتوا الشنط يا ولاد إنتوا بتعملوا ايه عندكم؟!”
طالع «رامي» أخيه المرتبك ونظراته المشتته وهو يردد بابتسامة ويرمقه بـ فطنه:
“حاضر جايين يا بابا”
زفر «رائد» الهواء من فمه، فقد أصبح كتابًا مفتوحًا يقرأه أخوه وذلك يربكه…
وحملا الحقائب للداخل دون أن ينبس أي منهما بكلمة أخرى.
ظل «رامي» شارد الذهن ينسج خيالات وأفكار بشأن الأسورة وتتسع ابتسامته ببلاهة حين يتخيل أن «نداء» هي نفسها تلك الفتاة الصغيرة…
ظل ينظر للأسورة بين حين وأخر بطرف خفي ونداء تلاحظ نظراته تلك!
يريد أن يحكي لـ رائد عله يساعده ولكن حتى وإن فعل فلن يتعرف رائد عليها! هو وحده من يستطيع معرفة حقيقة الأمر، أفاق من شروده على صوت والده:
“بصوا يا جماعه البيت واسع زي ما انتوا شايفين يعني هيسعنا كلنا ان شاء الله”
قالها دياب وهو يشير لأرجاء البيت فربت رشدي على كتفه وهو مبتسم وقال:
“واسع يا غالي ويسع كل الحبايب”
أخذوا جميعًا يتفقدون أرجاء البيت ويقتسمون الغرف، ورائد يتحاشي النظر نحو نداء حتى لا يُكشف أمره أمام باقي أفراد العائلة فيكفيه أخيه!
كان البيت له ردهة واسعة بها طاولة سفرة يحاوطها ثمانية مقاعد، وتضم الردهة أربعة غرف ومرحاض ومطبخ كانت الغرف مكتنزة تحوي بداخلها سريرين من طابقين أي أربعة أَسِرة، ومخدع صغير للملابس ومرحاض…
ويحاوط البيت من جميع الاتجاهات شرفة واسعة دائرية تُفتح في الحديقة تلك التي تضم على الجانبين أحواض من الورود وأرضيتها من النجيلة الخضراء…
وبعد دقائق من تفقد البيت تم تقسيم الغرف واحدة لـ نداء والثلاث بنات، والثانية لـ رائد وأخوته الأولاد، والثالثة لـ دياب وزوجته والأخيرة لـ رشدي وزوجته ونادر…
كان اليوم هو الجمعة وخرج الرجال للصلاة في حين الفتيات خلدن للنوم دون تبديل ملابسهن..
وبعد أذان العصر استيقظ الجميع وتناولو الطعام عدا نداء وريم الغارقتان في النوم فاقتربت هيام من ريم وقالت:
“قومي بقا يا كسوله إنتِ وهي هتناموا طول اليوم ولا ايه…”
وجلست وئام جوار نداء وقالت بحمـ…اس:
“قوموا بقا عشان نعمل جدول كده للفسح والخروجات واللعب والذي منه”
سحبت «ريم»الغطاء على وجهها وقالت بكسل:
“سيبوني عايزه أنام…”
ولم ترد «نداء» فقد كانت غارقة في النوم لا تشعر بما حولها فلم تنم مذ يومين وهي تفكر في رائد…
تأملتها «وئام» بإعجاب ثم نظرت لـ هيام وهمست بابتسامة :
“عسوله أوي بحب ملامحها”
استطردت وئام متنهدة وبنفس الهمس:
“بحبها أوي ونفسي تتجوز حد من أخواتي بجد”
لمعت فكرة لـ وئام فوثبت وقالت لأختها:
“تفتكري هي لايقه على رائد ولا رامي؟!”
نظرت «هيام» نحو ريم وقالت غامزةً:
“المسكر هو اللي لايق على رامي”
وئام وهي تُشير لـ نداء:
“اشطا يبقا دي لـ رائد…”
أردفت وئام بحمـ..اس:
“إيه رأيك لو نقربهم من بعض ونخليهم يحبوا بعض وأكيد بعدها هيتجوزا؟”
تحمـ…ست هيام وقالت مبتهجة:
“الله بجد! تفتكري ممكن يحصل اللي في بالنا!!”
أومأت وئام وقالت وهي تبسط إحدى يديها:
“هيحصل”
صافحتها هيام وهي تومئ رأسها وكأنهما داخلتان لإحدى التحديات وهما لا تقبلان الخسارة…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
خرجتا من الغرفة مبتسمتان تغمزان لبعضهما بخبث، اوقفهما صوت رشدي:
“هتيجوا معانا البحر يا بنات”
وئام بتعجب:
“إنتوا هتروحوا دلوقتي؟! دا نداء وريم نايمين!”
دياب:
“تعالوا انتوا معانا وسيبوهم نايمين”
نظرنا لبعضهما وقالتا في نفس اللحظه:
“ماشي”
★★★★★
وعلى صوت أذان المغرب فتحت «نداء» جفونها بخمول، جلست أعلى الفراش تمط ذراعيها فوجدت ريم تخرج من المرحاض، ابتسمت ريم وقالت:
“صباح الخير أو مساء الخير المغرب بيأذن”
نداء بصوت ناعس:
“مساء النور… يا نهاري هو أنا نمت كل ده!!”
ريم بضحك:
“إحنا كنا في غيبوبه باين! يلا قومي دا أنا سمعت إنهم راحوا البحر وسابونا… خلينا نلحق نفسنا بقا ونروح معاهم الملاهي”
وثبت نداء من فراشها وهي تردد:
“أيوه أنا نفسي أروح الملاهي”
وقبل أن تدلف للمرحاض أوقفها سؤال ريم:
“إحنا متعرفناش إنتِ عندك كم سنه يا نداء؟!”
التفتت لها «نداء» وهي مبتسمة وكانت ريم تمد يدها وتقول:
“خلينا نتعرف يا ست الكل أنا ريم عندي ٢٠ سنه في كلية علوم…”
مدت نداء يدها لتصافح ريم وقالت:
“وأنا نداء ١٧ سنه وإن شاء الله هدخل كلية تربية”
ريم بابتسامة:
“فرصه سعيده يا نداء”
نداء بابتسامة:
“أنا أسعد”
سارت ريم نحو باب الغرفة وهي تردد:
“يلا هجهز الغدا على ما تلبسي كده وتصلي”
أومأت «نداء» ودلفت للمرحاض ومازالت الإبتسامة عالقة على شفتيها تفكر في تلك الفتاة بشوشة الوجه التي آلفتها وتشعر وكأنها تعرفها من زمن طويل…
وفي غضون دقائق كانت تجهزت وخرجت…
بقلم آيه شاكر
★★★★★
كان الأطفال يركضون خلفت بعضهم بالشرفة مصدرين أصوات صاخبة، ودينا وشيرين تجلسان على الأريكة وتتحدثان، ورشدي ودياب يجلسان على طاولة مستديرة ويلعبان طاولة…
أما وئام وهيام ورامي ورائد فيجلسون معًا على الأرض في حلقة دائرية بالحديقة ويلعبون الأوراق، وثبت هيام وقالت:
“يلا بقا عايزين نخرج أنا زهقت من اللعب”
نهض «رائد» عن الأرض ونفض يده ثم قال وهو يبدل نظره بينهم:
“قولولي الأول الدقن حلوه عليا ولا أحلقها؟”
وثبت وئام هي الأخرى وحملقت بوجهه وقالت بحيرة:
“مش عارفه هو أنا متعوده عليك من غير دقن…”
نظر رائد لـ رامي وقال:
“إيه رأيك يا رامي؟”
وضع رامي ما بيده من أوراق على الأرض ونهض وهو يقول بنفاذ صبر:
“يابني قولتلك مره حلوه والله… بطل تردد بقا وسيبها”
نظر رائد لـ هيام وقال:
“وإنتِ إيه رأيك يا يوما؟”
لمحت «هيام» نداء تقبل نحوهم مع ريم، فلمعت لها فكرة قالت بمكر:
“بص هو احنا متعودين على شكلك فممكن نسأل حد ميعرفكش”
عقد «رائد» بين حاجبيه مترقبًا فقد ظن أنها ستسأل رشدي لكنها باغتته وصدمته حين نظرت نحو نداء وقالت:
“نداء إيه رأيك في رائد؟..”
ران الصمت بينهم، فقد صُدم الجميع وصُعقت نداء أثر سؤال هيام المباغت كان قلبها يرتجف خلف أضلعها تسارعت نبضاته وتلون وجهها بالحمرة أخذت تنظر لوجوه الموجودين عدا وجهه لم تستطع تحريك مقلتيها تجاهه، وحين طال الصمت أردفت هيام متخابثة:
“بصيله كده يا دودو وشوفي الذقن حلوه عليه ولا ايه!”
وضحت وئام:
“أصله عايز يحلق ذقنه فقولي رأيك؟”
ابتلعت نداء ريقها في اضطراب وأصبحت مغيبه لا تعرف كيف تتصرف فحركت مقلتيها ورمقته بنظرة خاطفة ثم قالت بارتباك حاولت اخفاؤه:
“حـ… حلو… حلو كده”
أقبلت إليها «وئام» وتأبطت ذراعها وهي تقول بابتهاج:
“والله إنتِ إللي حلوه وزي القمر”
نظر رامي لـ رائد وابتسم بمكر، وحاول رائد تجاوز الموقف فقال بلجلجة:
“يلا يا جماعه نخرج…”
نظر. امي نحو والده وقال:
“إحنا خارجين يا بابا”
رد دياب:
“ماشي يا حبيبي… خلي بالك من إخواتك”
أومأ رامي بالإيجاب وهو يقول بابتسامة:
“حاضر يا غالي”
ثم وقف رامي يجيب على هاتفه الذي صدع بالرنين، فرمقه رشدي بإعجاب وقال:
“محترم أوي رامي… ورائد كمان ربنا يباركلك فيهم”
من ناحية أخرى مال رائد على أذن هيام وقال بوعيد:
“هحاسبك على اللي عملتيه ده!”
ابتسمت بمكر وقالت:
“وأنا عملت إيه؟!”
رفع إحدى حاجبيه وقال:
“مش عارفه إنتِ عملتِ إيه!!!”
ابتلعت هيام ريقها باضطراب وهي ترمقه بتوجس وهو يُطالعها بنظرات مدلهمة ظنته سينهرها عما فعلت لكنه وحين تذكر قول نداء “حلو كده” ابتسم وابتهج وأخذ يلمس ذقنه ثم حاوط كتف هيام بذراعه وهو يقول بحمـ…اس:
“تأكلي بيتزا ولا شاورما يا بت”
اطمئنت لرد فعله وتحمست هي الأخرى فرفعت إصبعيها السبابه والوسطى مرددة:
“الإثنين”
وضحك الإثنان …
خرجوا من البيت كانت وئام تتأبط ذراع نداء وريم تمضي بجوارهم شاردة تنظر لرامي الذي يتحدث عبر الهاتف خلفهم ويسير وحده واضعًا إحدى يديه بجيبي بنطاله واليد الأخرى يرفع بها الهاتف على أذنه.
تأخرت ريم عنهم قليلًا متصنعة أنها تربط حذائها حتى أتاها صوته:
“إيه يا مسكر بتعمل إيه؟!”
قالها رامي مبتسمًا فردت وهي تعتدل واقفة:
“بربط الجزمه… إنت بقا كنت بتكلم مين؟”
“دا إسلام صاحبي… المهم إنتِ عامله إيه؟!”
“الحمد لله وإنت؟!”
تنهد بعمق وقال:
“أنا يا ست الكل عامل كويس من الصبح لكن من جوايا مكنتش تمام كنت عايز أشوفك… أعمل إيه بقا بتوحشيني”
قال جملته الأخيرة بلوعة وارتسمت الإبتسامة على مُحياه فابتسمت ريم.
أصبح وقع كلماته يُربكها، وكلما نظرت إليه أو سمعت صوته تحرك شيء في داخلها، تسائلت كيف لها أن تنسى رائد وتتجاهل وجوده بتلك الطريقه فقد باتت بين يوم وليلة ترمي جُل تركيزها مع رامي وضحكاته وكلماته وكل تصرفاته وانفعالاته، فلابد وأنها لم تحب رائد أبدًا!! قاطع سيل أفكارها صوت رامي:
“كنت عايز منك خدمه يا مسكر”
توقفت وطالعته عاقدة حاجبيها وقالت:
“خدمة إيه؟!”
أخذ نفسًا عميقًا وزفرة ثم قال:
“نداء معاها أنسيال كده لونه ذهبي كنت عايزك تسأليها هي جيباه منين!!”
هزت عنقها بخفة مستفهمة:
“أنسيال! ليه عايز تعرف؟”
“هقولك بعدين المهم هتقدري تعرفي؟”
رفعت كتفيها لأعلى وهي تردد:
“مـ…. ماشي عادي”
ابتسم رامي فهو يعرف أن ريم ليست فضولية كأختيه وستساعده دون أن تسأل أو تُصر على معرفة السبب….
خيم عليهما الصمت طويلًا حتى قطعه رامي قائلًا بابتسامة عابثة:
“على فكره يا سكر إنتِ مردتيش على عرضي وأنا مستنيكِ عشان أخد خطوه”
فهمت ما يرمي إليه لكنها تظاهرت بالجهل وسألته بلجلجة:
“عـ…. عرض إيه؟”
“إننا نتجوز ونسافر سوا”
صمتت هنيهه وسارت جواره خطوتين دون تعقيب أو التفاف إليه وكان يرمقها بطرف خفي مترقبًا حيائها وملامحها التي ارتسم القبول عليهما دون إدراك منها، ابتلعت ريقها في اضطراب فحتى البارحة كانت حائرة ومشتتة المشاعر لكن الآن علمت بحقيقة ما تريد، قالت:
“أنا فعلًا نفسي أسافر و… وموافقة أسافر معاك عشان بحب السفر”
عقد جبهته وسألها متخابثًا:
“موافقه عشان بتحبي السفر بس!!”
انتفض قلبها بقـ..وة حتى كاد يثب خارج أضلعها من فرط الإنفعال، طال سكونها ولم تُعقب فاستطرد:
“على العموم أنا هكلم عمي بعد ما نرجع… ونكتب الكتاب علطول أصل أنا مستعجل أوي”
وقف قبالتها فتوقفت عن السير وأطرقت بصرها أرضًا فقال هو بمكر:
“أنا مستعجل على السفر طبعًا أصلي بحبه أوي يا ريم”
لم تصدر أي رد فعل فضلًا عن الإبتسامة التي تجلت في عينيها ولم تبلغ حد شفتيها أما هو فاتسعت ابتسامته برضا وتنهد بارتياح…
من ناحية أخرى وقفت نداء أمام المطعم وقالت لـ وئام:
“أنا مش باكل بره البيت مش بحب الأكل بره… كنت بحسبكم رايحين الملاهي”
وئام بتعجب:
“يعني إنتِ مبتاكليش الشاوما ولا البيتزا!!”
هزت نداء عنقها يمنة ويسرة نافية فقالت هيام:
“دا إنتِ فايتك كتير أوووووي… تعالي ندخل ومش لازم تأكلي اشربي عصير او كلي أيس كريم مثلًا”
اضطرت نداء للموافقة وجلسوا جميعًا على طاولة مستطيلة في انتظار الطعام، قام رائد ليدلف للمرحاض، ووئام وهيام تتغامزان وتتهامسان على طريقة ما لجذب رائد ونداء لبعضهما، وكان رامي يغمز لـ ريم كل لحظة وهو يشير بعينه للأسورة حول معصم نداء لتسألها ريم، فابتلعت ريم لعابها وقالت بمكر وهي تشير للأسورة:
“الله حلو أوي الأنسيال ده يا نداء جيباه منين!”
ارتبكت نداء وطالعت الأسورة لبرهة ثم قالت بتلعثم:
“دا… دا أنا… أنا لقيته في الشارع و… و… وقعدت خمس سنين أدور على صاحبه قصدي صاحبته وبعدين لبسته بقا…”
باغتها رامي بقوله:
“لقيته فين؟!”
بللت نداء شفتيها في اضطراب وقالت بنبرة مرتجفة:
“ما أنا قولت لقيته في الشارع!”
رامي بتدقيق:
“شارع إيه يعني؟!”
تنحنحت نداء وقالت بحرج:
“مش فاكره”
لم يجذب ذلك انتباهها لأي شيء سوى أن رامي يتدخل فيما لا يعنيه! أشاحت ببصرها بعيدًا وظلت صامتة حتى أتى رائد وجلس قبالتها وظلت تنظر يمينها متحاشية النظر إليه وهو يختلس النظر إليها في هدوء…
لم يأبه أي منهما لغض البصر جهلًا منهما! فكل أمراض القلب تبدأ من نظرة ولو حفظ كلٌ منا بصره لما انفتحت أبواب غرفات القلب إلا لمالكها…
لم تمر عليهم أكثر من ساعة وعادوا إلى البيت ورامي ينسج الأفكار وهو يُطالع الأسورة حول معصم نداء…
كانت «نداء» تشعر بثقل شديد في معدتها أثر تناول قطعتين من البيتزا فلم تعتد على تناول الطعام خارج البيت مطلقًا…
جلسوا جميعًا في حديقة البيت وسحبت «دينا» ابنتها «نداء» لتجلس جوارها وأخذت تمدحها قائلة بابتسامة:
“نداء بنتي غير كل البنات مش عشان هي بنتي والله يا أم رامي لأ… بنتي دي المطيعه الهاديه الرقيقه… نسمه بترفرف في البيت والله”
كانت نداء تُطالع والدتها بأعين متسعة متعجبة مما تسمح، ليزيد والدها في المدح المبالغ ويا ليته لم ينطق، قال:
“فعلًا نداء بنتي موهوبه من صغرها يعني عندها قدره تعمل أكتر من حاجه في نفس الوقت… ممكن تزاكر وهي نايمه… تاكل وهي في الحمام… تغسل المواعين وهي بتغني رهيبه بنتي دي رهيبه”
انفـ…جر الجميع بالضحك ووضعت نداء يدها على وجهها بحرج، فاستأنفت والدتها المدح قائلة:
“وكمان بتعرف تتكلم مع العصافير والقطط أصلها بتحبهم أوي… وفوق كل ده في بينها وبين ربنا عمار يعني دائمًا تصلي الفجر في ميعاده وتصوم رمضان من وهي في ٦ ابتدائي دا غير إنها بتروح درس قرآن وحافظه خمس أجزاء…”
أخذ والدها اللجام من والدتها وقال:
“ودايمًا محافظه على صحتها وبتلعب رياضة وبتأكل أكل صحي يعني عروسه كامله يا دياب”
قالها رشدي بابتسامة أي أفهم أيها الأحمق واطلب يدها لأحد أبنائك الآن! فهمت نداء ما يرمي إليه والدها ووالدتها فاستفزها ذلك هبت واقفة وخلعت رداء الخجل قائلة بسخرية:
“وفيه حاجه كمان بابا وماما نسيوها أنا كمان بطير يعني ساعات بكون قاعده كده وألاقي طلعلي جناحين وأرفرف في قلب الشقة”
جذبتها والدتها بعنـ..ف لتجلس وضحكوا جميعًا لتقول دينا بخجل:
“وكمان د***مها خفيف زي ما انتوا شايفين”
ربتت شيرين على فخذ دينا وهي تقول:
“ربنا يباركلك فيا يارب وفي نادر”
نهضت نداء بضجر بعد أن استأذنتهم وسارت نحو البيت كانت تمسك حذائها بيدها وتدعس على أرضية الحديقة حافية القدمين…
على نحوٍ أخر كان الطفلان عمرو وعامر يضعون الصواريخ في أماكن متفرقة من الحديقة ويضعون أيديهما في أذنهما تحسبًا للضجيج المترقب، وفجأة صدر دوي مزعج وصرخت نداء حين دعست على صاروخ! وانتفض الجميع أثر الصوت…
وثب رائد غاضبًا وطالع عمر وعامر بحدة ثم ركض خلفهما وهما يوجهان أسلـ…حتهم المائية نحوه ويركضان ضاحكين..
وقف دياب يقول:
“خلاص يا رائد دول عيال”
رائد بغضب عارم:
“والله ما هسيبهم يا بابا عشان أنا كنت مخبي الصواريخ دي ومحذرهم وبرده جابوها”
لم يفلتا من يد رائد إلا بعد أن نهرهما وعاقبهما بأخذ الألعاب قائلًا بحزم:
“مفيش لعب من دي تاني عشان الشقاوة دي”
نظر عمرو وعامر لبعضهما بفم مشدود يوشك على البكاء متوعدين رائد على ما فعل…
تنهد رائد بضجر ودخل البيت بعد أن رمق نداء بطرف خفي…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
وبعد الفجر عند اختلاط الضوء والظلم معًا كان السكون يعم أرجاء البيت والجميع نيام، ارتدت نداء حجابها وخرجت بهدوء من الغرفة دلفت للمرحاض العمومي للبيت دون أن تنتبه لإغلاق بابه بالمفتاح ولتعبث قليلًا في هاتفها دون أن يشعر بها أحد وكي لا يرى أحد هاتفها جلست في حوض الإستحمام المحاط بستارة وشردت وهي تقلب بأخر أخبار تطبيق الفيسبوك…
على نحوٍ أخر استيقظ رائد من نومه وخرج من غرفته في هدوء كي لا يوقظ إخوته لم يكن يعلم بأن أحد ما يراقبه…
دلف للمرحاض العام للبيت ليغتسل وأخذ يخلع ملابسه في هدوء شديد حتى كشف جزعه العلوي، وبمجرد أن أغلق الباب وقبل أن بوصده بالمفتاح سمع صوته يُغلق من الخارج فأجفل وأخذ يُحاول فتحه ويطرق الباب بخفوت كي لا بوقظ باقي البيت وفي تلك اللحظه أجفلت نداء حين فتحت الستار ورأته، اتسعت حدقتيها وأخفت الهاتف خلف ظهرها، ثم استدارت وولته ظهرها ليصيح رائد:
“إنتِ بتعملي إيه هنا؟!”
لم تُعقب وكان قلبها يختلج وأخذ رائد يحاول فتح الباب حتى فُتح من تلقاء نفسه وظهر رشدي ودياب، مد رشدي رأسه لداخل المرحاض فرآى ابنته تقف في حوض الإستحمام والأخر عاري الصدر فاتسعت حدقتاه ووجه حديثه لـ دياب قائلًا بفزع:
“في الحمام يا دياب… ابنك وبنتي في الحمام!!”
حاول رائد التوضيح وهو يجذب ملابسه ليرتديها وهو يقول:
“حضرتك فاهم غلط يا عمي دا….”
قاطعه رشدي قائلًا:
“فاهم إيه غلط ما أنا شايف بعنيا أهوه!!!!”
قالها رشدي منفعلًا وهو يشير لصدره العاري ولابنته التي تسارعت أنفاسها هلعًا وفزعًا!
استطرد رشدي:
“إنت لازم تصلح غلطتك… ابنك لازم يصلح غلطته يا دياب”
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية سدفة ) اسم الرواية