رواية لهيب الروح الفصل العاشر 10 - بقلم هدير دودو
صرخات مرتفعة دوت تشق سكون الليل وأرجاء المستشفى، وكانت رنيم تتطلع أمامها بذهول وعدم تصديق، هل حقًا كانت نائمة وهذا حلم بل كابوس بالتحديد.
هل جواد يود قتـ لها حقًا انتقامًا لابن عمه الذي قُتل على يديها؟! هل سيفعلها بها ويتحقق كابوسها؟ عقلها سيجن من فرط التفكير، تتطلع حولها في كل شئ بجنون محاولة تتأكد أنها لازالت حية لم تُقـ تل كما رأت في كابوسها مررت يدها فوق جسدها بعدم تصديق.
أجهشت في دوامة مريرة من البكاء، تبكي على كل شئ في حياتها لم تحصل على يوم تتذكر أنه مرّ عليها بسلام وسعيدة به سوى بعض لحظاتها القليلة مع جواد قبل زواجها الذي دمر كل ذلك لكن آين هو؟! وآين تلك اللحظات؟ أصبحت ذكريات في عقلها يداهمونها، هو الآن يراها مجرمة قا’تلة متجردة من الرحمة تستحق القـ تل وإن استطاع سيفعلها بذاته ناهيًا حياتها كما رأت في منامها.
أغمضت عينيها ضاغطة فوقهما بقوة ضارية متمنية ألا تعيد فتحهما مرة أخرى محاولة التقاط أنفاسها بانتظام لتدخل لرئتيها اكبر قدر من الهواء متخيلة صورته أمامها لكن هُناك سؤال ضرب عقلها بضراوة لماذا هي حية إلى الآن؟! ماذا ستستفاد من حياتها الحزينة المنتهية منذُ زواجها؟! هل تنتظر المزيد من الحزن والألم؟ الأجابة بالطبع لا، قلبها اكتفى بالحزن المتواجد به إلى الآن اكتفى وأخبرها أنه لن يستطع تحمل حزن جديد، عينيها تعبت وتورمت من البكاء ودموعها على وشك النفاذ.
لماذا هي حية؟! ترددت الفكرة داخل عقلها كثيرًا مقررة تنفيذها، ليتها كانت فعلتها قبل حدوث كل ذلك، كانت قـ تلت ذاتها بدلًا من عصام.
لم تتردد في تنفيذ فكرتها بل قامت بمسك آلة حادة بجانبها ومررتها على معصم يدها مقررة الإنهاء حياتها السوداء التي كانت مفعمة بالحزن والقسوة، الظلم والقهر لقلبها، الدموع والبكاء، بدأت الدماء تسيل من يدها تملأ أرضية الغرفة وهي فاقدة لوعيها لم تشعر بشئ مما حولها.
❈-❈-❈
في الصباح…
كانت جليلة تعد ملابس فاروق بعناية ابتسم باستحسان ما أن رآها وطبع قبلة هادئة فوق يدها مردفًا بخشونة وجدية
:- تسلم ايدك خلاص انزلي شوفي الفطار على ما أخلص عشان مستعجل انهاردة.
وقفت خلفه تريد التحدث لكنها تشعر بتردد خوفًا من أن يرفض حديثها أو يذهب تاركًا المنزل، تنهدت بصوت مرتفع ولازالت تقف صامتة.
طالعها بدهشة متعجبًا من وقوفها خلفه لما لم تتحرك كما أخبرها؟ غمغم متسائلًا بتعجب وحدة
:- إيه يا جليلة هتفضلي واقفة كدة؟ في إيه انزلي زي ما قولتلك جهزي الفطار، خلاص مش عاوز حاجة تاني هنا.
طالعته بتوجس وخوف من رد فعله مبتلعة ريقها بتوتر، قطب جبينه بذهول من صمتها فصاح بها بحدة
:- ايه يا جليلة انتي واقفة بتصوريني هتقولي في إيه ولا هتفضلي ساكتة؟
انتفضت بخوف من نبرته الحادة المشددة وأردفت متحدثة بتوتر والقلق ينهش في قلبها
:- كـ… كنت عاوزة اكلمك عشان خاطر سما، أنا متكلمتش امبارح عشان كنت متعصب بس مينفعش اللي قولته دة ازاي متروحش تحضر في الكلية دة هي اخر سنة ليها.
أضاف معقبًا بغضب صارم بعد أن انتهت من حديثها الذي جعل الدماء يغلي بداخله متذكرًا فعلة ابنته
:- ومش هتخرج خالص من البيت كمان إيه قولك بقى، وكلامي يتسمع يا جليلة.
التقطت أنفاسها بعدم انتظام وردت عليه متلعثمة بعدم رضا متسائلة حتى تفهم ما الأمر
:- طـ.. طب هو في ايه؟ هي عملت ايه لكل دة؟! ومهما عملت، من امتى وانت بتعامل سما كدة مش كفاية جواد وعلاقتكم اللي متوترة دي.
صاح بها بعنف وحدة أخرستها ضاربًا الخزانة بقوة فاقد سيطرته على ذاته وانفعالاته
:- عملت اللي عملته انشالله تكون معملتش حاجة وأنا قولت كدة يبقى كلامي يتنفذ بعدين علاقتي بجواد كدة بسبب دلعك ليه وتربيتك الغلط قويتيه عليا، يبقى متدخليش مع سما كمان سمعاني.
عادت إلى الخلف عدة خطوات مبتعدة عنه خوفًا من غضبه الشديد الذي بدا عليه، تمتمت ترد عليه بضعف
:- أنا مقولتش حاجة يا فاروق أنا بس بفهم في إيه عشان مش متعودة عليك تعمل معاها كدة وايه اللي بتقوله دة جواد معملش حاجة ولا متدلع والله هو بس تفكيره مختلف عنك ودة اللي مش عاجبك.
لم يعطِ لحديثها أهمية بل دفعها بقوة إلى الخلف وسار بخطى واسعة غاضبة وجسد متشنج متمتمًا بضيق حاد
:- كل شوية كلام كلام ملوش فايدة هو في إيه، مش معقول كل ما اجي اكلم حد الاقيكي بتدخلي، مش عيالي هما كمان زيك.
طالعته بصمت لم تعقب على حديثه بل فقط تنظر إليه وإلى غضبه الشديد لكنها أسرعت تلاحقه عندما وجدته يخرج من الغرفة تاركًا إياها معد ذاته على الذهاب، كانت تصيح باسمه بحزن
:- فاروق… فاروق استني مش هتفطر الأول
وقف وعاد إلى الخلف متطلع نحوها مردفًا بغضب حاد وعصبية مفرطة غير واعٍ لما يتفوهه
:- مش عاوز حاجة منك ولا فطار ولا حاجة، خليكي انتي بس دلعي فيهم دة اللي بتعرفي تعمليه.
تطلعت بحرج وحزن نحو مديحة التي خرجت من غرفتها ووقفت ترى مايحدث متسائلة بذهول نع ذاتها ولما فاروق غاضب؟ هل حقًا يتشاجرون أم يتحدثون في نقاش هادئ؟!
صمت هو الآخر بعدما علم بوجود مديحة وغمغم بجدية محاولًا التحكم في ذاته حتى لا يجرحها أمام احد
:- معلش يا جليلة بس انتي عارفاني متضايق مش عاوز افطر هلحق امشي عشان متأخرش عالشغل.
انهى حديثه مقبلًا رأسها بهدوء، ابتسامة خفيفة هادئة زينت محياها لإهتمامه بها أومأت برأسها أمامًا ولم تتحدث كتيرًا بل تمتمت بخفوت
:- ماشي تروح وترجع بالسلامة.
سار من أمامها مستكملًا طريقه مردفًا لمديحة بخشونة جادة
:- صباح الخير يامديحة..
مرّ من جانبها من دون أن ينتظر ردها فرمقته بعصبية والغضب يملأها كيف له أن يتجاهلها هكذا؟ تطلعت نحو جليلة بغضب وابتسمت ابتسامة ماكرة خبيثة تشبه نواياها الحقيقية، اقتربت منها مردفة بمكر
:- شكل فاروق مستعجل جامد ومتعصب كمان منك سمعاه بيزعق.
اومأت برأسها أمامًا مبتسمة عنوة عنها وأجابتها بهدوء
:- لأ مش كدة هو مضغوط بس في الشغل وأنا عمالة احاول معاه عشان يفطر، تعالي انتي يلا ننزل نفطر مع بعض بس شوفي أروى وأنا هشوف سما هصحيها.
تسألت بنبرة ماكرة موزعة عليها نظرات خبيثة لم تفهم جليلة معناها
:- هو جواد فين مش هيفطر ولا ايه؟
أجابتها باتزان ولازالت لم تفهم حقيقتها السيئة وطباعها الماكر
:- لا جواد مش هنا من بليل وراه شغل هو على طول كدة..
مصمصمت شفتيها بعدم رضا وتفوهت بحيلة مخادعة كالحية تلقي سمها في الخفاء
:- والله ما عارفة حوار شغله دة تعب ليه على الفاضي بس انتي السبب يا جليلة الصراحة كان زمانه دلوقتي شغال مع ابوه ومتجوز أروى من زمان حرام فاروق مضغوط لوحده بعد مو’ت عصام ابني حبيبي ربنا يرحمه وياخد اللي كان السبب.
قالت جملتها الأخيرة مدعية الحزن بمهارة تقطع أنياط قلب مَن يستمع إليها، يظن أنها ستـ قتل ذاتها حُزنًا على ابنها وكأن حياتها قد توقفت عند لحظة موت ولدها.
أسرعت جليلة مربتة فوق كتفها برفق والحزن قد بدا عليها بعدما استمعت إلى حديث مديحة عن ابنها تظن أن قلبها يعتصر داخلها حزنا على ابنها، وتمتمت ترد عليها بحزن
:- ربنا يرحمه ادعيله ويصبر قلبك يارب، بعدين على جواد دة نصيبه وربنا يحميه مكان ما موجود.
سارت معها بهدوء محاولة التخفيف عنها بالحديث في أي شئ لكن الحمقاء فمديحة لم تهتم بكل ما تتفوه به هي فقط تود أن تصير الآمرة الناهية لتلك العائلة ما تتفوه به يحدث دون نقاش أو اعتراض منهم، وأهمهم زواج ابنتها من جواد حتى تضمن لها هي وابنتها مستقبل آمن، سيكون مستقبلها مع جواد الهواري ابن عمها والابن الوحيد لعائلة الهواري، تود القضاء على جليلة لتصبح هي أهم واحدة في العائلة.
❈-❈-❈
استعادت رنيم وعيها بعقل مشوش بعد أن تم إنقاذها تطلعت أمامها بحزن لكونها مازالت حية على قيد الحياة، حزينة لأنها لم تمُت كما كانت تريد، لكنها تفاجأت بوجود جواد معها في الغرفة الذي كان يجلس في أحد الأركان بجسد متشنج الغضب يبدو بوضوح فوق قسمات وجهه.
انكمشت فوق ذاتها بخوف فلاحظ أنها استعادت وعيها، أسرع مقتربًا منها موزع عليها نظراته الحادة الغاضبة مردفًا بحدة
:- ايه عاوزة تمو’تي نفسك وتهربي من اللي عملتيه.
أغمضت عينيها ضاغطة فوقهما بقوة مانعة ذاتها من رؤيته ورؤية نظراته الغاضبة التي تعكس كرهه لها، نظراته المرهقة لها ولقلبها، لكنها ابتعدت عنه متمتمة بضعف خوفًا من تنفيذ كابوسها ويكون قـ تلها على يده
:- ا… اوعا ابعد عني أنت عاوز مني ايه، انت مالك بيا ولا إيه عاوز انت اللي تقـ تلني.
اومأ رأسه أمامًا مؤكدًا حديثها ببرود والنيران مشتعلة بداخله بغضب شديد، صائحًا بها بعصبية مسيطرة عليه بضراوة
:- اه عاوز اقتـ لك وقولتلك لو اطول اعملها هعملها مش هتردد ولا حياة واحدة زيك تفرقلي.
تنهدت بصوت مرتفع محاولة إخفاء وجعها من حديثه الذي كان كالنصل الحاد غُرز في قلبها بلا رحمة لها ولمشاعرها لم تعتاد على القسوة منه لذلك تشعر بوجع قسـ وته أكثر من كل ما مرّ عليها، تمتمت بخفوت من بين دموعها التي سالت فوق وجنتيها بحزن
:- لما أنا مفرقلكش جاي ليه أنت عاوز إيه مني مش عيب تزور واحدة زيي.
ضرب الحائط بقوة في لحظة غاضبة منه موجه نحوها نظراته الحادة المخترقة لجسدها الهزيل ورد عليها متعاليًا بحدة
:- وانتي فاكرة اني جاي ازور واحدة زيك ولا واحدة زيك تفرقلي أنا بس جاي أعرف حاجة واحدة.
شعرت بالوجع من حديثه الذي يردفه صراحةً أنها ليس لها أهمية عنده مثله مثل الجميع يخبرها الآن انها لا قيمة لها، تمتمت متسائلة بحزن
:- ا..ايه هو اللي عاوز تعرفه؟
تطلع داخل عينيها بضراوة يود استماع إجابة سؤاله بصدق للتأكد من ظنونه بها، غمغم متسائلًا بجدية حادة مشددًا فوق كل حرف يتفوهه
:- أنتي اللي قتـ لتي عصام ولا لأ؟
هربت من أمام عينيه ونظراته المحيطة بها شاعرة بالخوف من سؤاله، وتسائلت هي الأخرى بدلًا من الرد عليه
:- و… وأنت بتسأل ليه عاوز إيه مني تاني مش سألتني قبل كدة وجاوبتك؟
لم يهتم لحديثها وسؤالها بل كرر سؤاله عليها بعصبية ونبرة مرتفعة غاضبة
:- انتي اللي قتـ لتيه ولا لأ؟
تعلم إذا أجابته أنها لم تقـ تله لن يصدقها وتظل في نظره مجر’مة قا’تلة قتـ لت ابن عمه البرئ، لكن ابن عمه حقًا يستحق القـ تل هي فرحة بموته ترى أنه نال جزاءه، جزاءه من عذابها على يده وذ’بح روحها في كل مرة تمر عليها معه، تراه يستحق القتل، لكن تعلم أنه هو يرى عكس ذلك، لم يرى حقيقة ابن عمه التي أخفاها عنه والده وزوجة عمه، حقيقته السادية البارزة فوق جسدها وروحها.
قررت ألا تنكر قتله وتعترف به لأن ذلك سيعجل من حكم إعدامها وانهاء حياتها كما تريد من تلك الدنيا التي وزعت القسوة والحزن عليها هي فقط سالبة منها السعادة والفرحة، لذلك أومأت برأسها تمامًا مجيبة إياه بتأكيد محاولة التمسك بثقتها أمامه حتى لا تثير ظنه بها
:- آه يا باشا قولتلك قبل كدة وبقولهالك تاني أيوة أنا اللي قتـ لت عصام ابن عمك ولو طولت اعملها الف مرة هعملها ومش هزهق.
اقترب منها أكثر مثبتًا بصره عليها جيدًا لم يتحرك للنظر في أي شئ آخر سواها انكمشت على ذاتها بقلق وعادت بجسدها إلى الخلف تاركة مسافة قليلة بينهما خوفًا من ضعفها أمامه واحتياجها الشديد للبكاء داخل حضنه التي تمنت كثيرًا أن تلقي ذاتها بداخله بعد كل مرة يقترب منها عصام ويضربها لم تتمنى شئ سوى وجوده والبقاء داخل أحضانه لكن كل ذلك أحلام لن تتحقق ستظل داخل عقلها تتمناها مثلما تمنت العديد من الأشياء.
غمغم بغضب عارم أمام شفتيها، غضب شديد أخافها وجعلها تشعر بنغزة قوية في قلبها
:- مش هسيبك يارنيم، مش هسيبك ومش هرحمك.
كانت تود الفرار هاربة من أمامه ومن نظراته التي ازدادت حدة واشتعالًا إلا أن الأصفاد الحديدية التي كانت فوق يديها وفي الفراش منعتها وقيدتها مكانها، طالعته بقهر عندما رأته يخرج من الغرفة بعدما أشاح بصره مبتعدًا عنها وكأنه لا يطيق رؤيتها بدأت في البكاء بقوة، الشئ الوحيد الملازمها طيلة حياتها، لم تفعل شئ دومًا سوى البكاء، لكن تلك المرة تختلف، تلك المرة هي الأقوى
كانت كل مرة تبكي وجعًا والمًا من ضربات تُسدد لها تبكي من حديث يجرحها ويهينها، لكن الآن تبكي حزنًا وقهرًا على عشق انتهى وتبدل بالكره، نعم رأت نظرات الكره داخل عينيه، عينيه العاشقة لها اختفى منهما العشق تمامًا لم تراه قبل ذهابه مثل كل مرة، وكأنه تبخر واختفى بعد إجابتها عليه.
خرج جواد هو الآخر بعصبية شديدة وجسد متشنج غاضب بعدما استمع الى إجابتها المتبجحة المؤكدة لقـ تل ابن عمه ولخيانتها أيضًا، لكن عنوة عنه وجد دمعة حزينة فرت من عينيه زالها مسرعًا بقوة مقررًا إخفاء حزنه في قلبه مثلما أخفى حبها، مقررًا عدم الحزن على مجرمة مثلها واستكمال سيره في انتقامه منها.
❈-❈-❈
ولجت جليلة غرفة ابنتها التي كانت تجلس تبكي طالعتها بحزن شديد وأسرعت تقترب منها محتضنة إياها بصمت ظلت تربت فوق ظهرها بحنان.
شددت سما من أحتضانها لوالدتها باحتياج وتمتمت بضعف من بين دموعها التي لم تتوقف للآن
:- ماما انا والله مغلطتش بابا هو اللي فاهم غلط، وحتى لو غلطت مينفعش افضل قاعدة كدة ومحضرش محاضرات.
تنهدت والدتها بحزن طابعة قبلة حانية فوق وجنتها متسائلة بهدوم محاولة فهم الأمر التي لم تستطع فهم سببه حتى الآن
:- طب اهدي بس يا روح ماما وعرفيني ايه السبب أنا سألته والله مرضيش يقولي ايه اللي حصل عشان يقولك كدة، انتي عارفة هو بيحبك قد ايه.
أجابتها بحزن حركت رأسها نافية معترضة على حديث والدتها
:- لا ياماما هو مش بيحبنا زي ما بتقولي هو بيحب نفسه على رأي جواد بيحب نفسه واسم ومكانة العيلة لكن احنا لأ، عمره ما فكر يفرحني لا أنا ولا جواد عاوز يفرح ويرضي نفسه بس.
صاحت جليلة باسم ابنتها بحزن من حديثها غير راضية عن أفعال زوجها التي تدمر علاقته بأبناءه
:- ســمــا… عيب كدة دة أبوكي وعمل كتير عشانك انتي وجواد وعمر جواد ما قدر يقول عليه كدة، وبنتي اللي مربياها متقولش كدة على ابوها.
تطلعت أرضًا بخجل من والدتها التي بدا الحزن عليها وابتعدت عنها فأسرعت تحتضنها هي معتذرة بحزن
:- خلاص ياماما أنا اسفة والله ما هقول كدة تاني بس متزعليش.
اومأت جليلة برأسها أمامًا وعادت تكرر سؤالها مرة أخرى لفهم ما يدور بين ابنتها وزوجها
:- طب هو ايه اللي حصل ولا أنتي عملتي ايه عشان يقول هو كدة؟
لم تخبرها بالحقيقة خوفًا من رد فعلها وخجلًا من والدتها التي لا تعلم هل ستتعامل مع جواد بهدوء وتعقل أم مثل والدها بحزم وغضب لذلك تمتمت بهدوء
:- مفيش ياماما أنا حكيت لجواد كل حاجة متقلقيش.
اسرعت تواصل حديثها متسائلة تسبق والدتها
:- هو صح ياماما جواد فين مش شايفاه من بعد ما مشي امبارح.
علمت جليلة أنها تود إخبارها عما حدث فلم تضغط عليها بل ربتت فوق يدها بحنان وأجابتها بهدوء بعدما نهضت لتخرج من الغرفة
:- ماهو فعلا مرجعش من امبارح عنده شغل على فكرة انا كلمت ابوكي الصبح عشانك بس هو زعق فسيبيه شوية يهدى.
ابتسمت لوالدتها بسعادة حامدة ربها على وجودها معها هي وشقيقها فلولا وجودهما كانوا سيعانون كثيرًا، ردت عليها بحزن خوفًا على والدتها من عصبية والدها الشديدة
:- لا ياماما متكلميهوش تاني نسيبه شوية لما يهدى أحسن.
سارت والدتها وتركتها بمفردها بعدما جعلتها تهدأ وتتوقف عن البكاء، جلست منتظرة عودة جواد حتى تطمئن قلبها القلق.
بالفعل ما أن عاد صعد متوجه نحو غرفته لكن استوقفته والدته التي سألته باهتمام وحنان
:- ايه ياحبيبي اجهزلك حاجة خفيفة تاكلها في السريع كدة عشان شكلك ماكلتش.
رد عليها رافضًا بتعب هو فقط يود الذهاب إلى غرفته مسرعًا ليحظى على قسط قليل من الراحة وقيلولة صغيرة حتى يذهب مرة أخرى إلى عمله.
تفاجأ بشقيقته التي دقت الباب مستأذنه بهدوء
:- جواد ممكن أدخل لو فاضي.
فتح لها الباب مسرعًا ممسك يدها جالسًا بجانبها متمتمًا بمرح ليخفف من حزنها
:- انتي تدخلي وتعملي كل اللي عاوزاه هو أنا عندي كم سما.
ابتسمت بسعادة من حديث شقيقها الحاني وتمتمت متسائلة مسرعة حتى تتركه يرتاح
:- أنا مش هطول عشان تلحق ترتاح عاوزة اعرف بس عملت ايه في موضوعي.
صمتت لوهلة وأكملت حديثها متلعثمة بتوتر وخجل
:- يـ… يعني قصدي… سـ سألت عليه ولا لأ عملت إيه؟
ابتسم على خجلها ثم أجابها بهدوء وجدية محاولًا تخفيف الأمر عليها
:- وللله لسة ماعملت حاجة مكنتش فاضي نهائي، بعدين لسة كدة كدة أنتي مستعجلة على إيه
ضحكت بهدوء وأسرعت متمتمة بتوتر نافية حديثه
:-لـ… لأ لأ والله مش كدة مش مستعجلة أنا بس قولت اسألك واتطمن مش اكتر أنا هسيبك ترتاح واخرج.
نهضت تاركة الغرفة ليرتاح بعدما علمت أنه لم يفعل شئ حتي الآن، علم أن شقيقته تحب ذلك الشخص كثيرًا طريقتها تعكس ذلك بوضوح فابتسم شاعرًا بأنها تكبر حقًا وهناك من في قلبها متمني أن يكون شخص جيد يستحق كل ذلك الحب المتواجد في قلب شقيقته ولم يخذلها، فهو أكثر من يعاني الآن من خذلان الحب وسوء الإختيار..
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
في المنزل الخاص بعائلة رنيم..
نهض المحامي ذاهبًا بعدما أخبرهم بما سيفعلوه في الجلسة الخاصة بمعقابة رنيم، طالعتهم مديحة بنظرات حادة وأردفت بمكر مشددة فوق كل حرف تتفوهه
:- فهمتوا كدة كل حاجة وإيه اللي هتقولوه.
اومأت لها هالة والدة رنيم وردت عليها مسرعة بخوف من تلك الإمرأة جاحدة القلب التي تستطع فعل كل شئ بكل الطرق الخبيثة
:- ا… اكيد طبعا ياهانم كل اللي المحامي قاله هننفذه.
تابعت حديثها بتوعد رافعة سبابتها أمامهما وموزهة نحوهما نظراتها المليئة بالغرور
:- لو حصل غير كدة مش هيحصل لكم كويس أنتم عارفين أوي أنا اقدر اعمل إيه فبلاش تلعبوا معايا.
لم تستمع إلى ردهم بل سارت هي الأخرى تاركة المكان بخطوات متعالية مبتسمة بمكر حالمة بما ستفعله لـ رنيم.
بعد ذهابها غمغم والد رنيم برفض وعدم ارتياح لما سيفعله في ابنته
:- ازاي ياهالة نعمل كدة دي مهما راحت أو جت بنتنا ازاي هنشهد ضدها انتي عارفة كويس تربيتها وأنها محترمة، لأ انا مش هعمل كدة.
ضربت صدرها صارخة بعنف والخوف ملأها من حديث زوجها، تعلم جيدًا مصيرهم إذا رفض زوجها الشهادة ضد رنيم
:- يا نهار اسود يانهار اسود بتقول ايه، يعني ايه مش هتقدر تعمل كدة بعدين خلاص البت دي احنا راميين توبتها من زمان وهي لو محترمة قـ تلته ليه كلنا عارفين انها قـ تلته وكدة كدة هتتعدم، يبقى قتلته وخانته كمان مش مهم.
طالعها بذهول ولازال رافض الفكرة بإصرار
:- لأ يا هالة مش كدة بعدين ماهي بنتنا برضو يعني سمعتنا احنا كمان، وانا واثق أن رنيم متعملش كدة.
مصمصت شفتيها بضيق من تمسكه برأيه ورفضه لتنفيذ ماتريده مديحة وتمتمت بحزن زائف تذكره بما سيحدث لهم إذا استمر في رفضه
:- خلاص براحتك بس لو موافقتش هنتحبس كلنا بالشيكات اللي معاهم ولا أنا ولا محمد ابني هنسامحك، كدة هتضيع مستقبله ولا ناسي أنهم ممضينا كلنا اعقل كدة وبلاش تدمرنا عشان رنيم احنا كدة كدة سايبينها من زمان وأنت كنت موافق إيه اللي جد بقى.
لم يجد حديث يرد به عليها ماذا سيختار ذاته وزوجته وابنه أم ابنته؟ اختياره لها سيفقده العديد، أغمض عينيه بضعف لم يجد أمامه سوى الموافقة عنوة عنه، وفعل ما تريده مديحة التي كانت واثقة من موافقتهم وتنفيذ ما تريده.
اقتربت هالة منه محتضنة إياه بهدوء بعدما علمت قراره من صمته، بالطبع لن يضحي بعائلة كاملة مقابل فرد واحد فقط..
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
وقفت رنيم داخل القفص الحديدي بعدما حررها المجند من الأصفاد الملفاه حول معصمها، وقفت متمكسة بالحديد بخوف مسيطر على قلبها، سيُقال الآن ما يحدد مصير حياتها، تقف تنتظر حكم الإعدام الذي سيصدر لها، تقف والدموع تسيل بصمت فوق وجنتيها لم تتخيل أن نهايتها قد وصلت كانت ترتعش بخوف عالمة أنها ستترك الحياة والجميع بعد إصدار حكم القاضي التي تعلمه قبل بداية جلسة محاكمتها.
كانت جميع عائلة الهواري حاضرون يطالعونها بغضب وكره وكأن كل منهم يود قـ تلها بيده، اشاحت بصرها سريعًا مبتعدة عنهم لا تريد أن ترى نظراتهم لها.
تطلعت نحو جواد بحزن شديد هاربة من نظراته لها التي جهلت عن تفسيرها، كانت تتمنى أن تستكمل حياتها معه لكن أحلامها قد انتهت بزواجها من عصام الذي سلب منها روحها بلا شفقة لها ولوجعها المسببه هو وعائلته ذات القلب والطباع القاسية.
بدأت الجلسة لكنها تفاجأت بوجود ذلك المحامي الكبير للدفاع عنها لاتعلم مَن أحضره لها والجميع أيضا بدت الدهشة على وجوههم ظنت لوهلة أن والديها هما مَن احضروه لها لكنها تراجعت في فكرها بعدما رأتهم يقفون بجانب مديحة يتحدثون معها.
بدأ المحامي بالدفاع عنها بمهارة وغمغم بثقة وعملية
:- يا سيادة القاضي دي كاميرا كانت موجودة في البيت اللي تم فيه الحادثة اتمنى تتطلع عليها لترى الحقيقة كاملة.
ابتسمت رنيم من بين دموعها غير مصدقة ما تستمع إليه هل حقًا ستحصل على براءتها وإظهار الحقيقة التي تعلمها جيدًا.
اتطلع القاضي على مافي الكاميرا حيثُ ظهر عصام وضربه المبرح لها الذي ثار شفقة القاضي، كان سيواصل ضربه المميت لها لكنه توقف عندما استمع الى صوت طرقات فوق الباب ابتعد عنها مسرعًا بتوتر وتمتم بقلق
:- ر…روحي افتحي انتي الباب روحي شوفي مين.
لم تقوى على الرفض والاعتراض بسبب هيئتها واثار الضرب الظاهرة عليها بوضوح والدماء التي تسيل منها أسرعت تفتح الباب لكنها تفاجأت بعدة أشخاص ملثمين كادت على الصراخ لكن أسرع واحد منهم واضعًا يده فوق فمها يكتم أنفاسها تمامًا ووضع المخدر بعدها عليها لتقع في وقتها فاقدة وعيها تمامًا ونفذ المجرمون جريمتهم وقاموا بوضع المسدس في يدها دلالة أنها القاتلة وهربوا تاركين المكان من دون وجود أثر واحد عليهم..
وظهر بعد ذلك صوت القاضي الجهوري بقوة
:- بعد الإطلاع على ما تقدم إلينا من الدفاع وإثبات صحته قررنا نحن وبإجماع الأراء براءة المدعوة رنيم أحمد السيد وإلزام النيابة بإحضار المتهم الحقيقي رفعت الجلسة.
حالة من الهرج والمرج حدثت في القاعة بعد الصدمة التي حلت على جميع عائلة الهواري بعد إثبات براءة رنيم، بينما رنيم فقد ارتفع صوت بكاءها شاكرة ربها على وقوفه معها غير ما مصدقة أنها نالت براءتها بدلًا من حكم الإعدام التي كانت تنتظره، لاتعلم كيف نالتها حقًا؟!
تطلع المحامي الخاص برنيم نحو جواد مقتربًا منه مبتسمًا بثقة ومهارة، لنجاح ما يريدونه واتفقوا عليه سويًا..
❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈
يتبع
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية لهيب الروح ) اسم الرواية