Ads by Google X

رواية ملاك يغوي الشيطان الفصل الحادي عشر 11 - بقلم مايسة ريان

الصفحة الرئيسية

   

رواية ملاك يغوي الشيطان الفصل الحادي عشر 11 - بقلم مايسة ريان

وقفت زينه تقبض بيدها على سور القارب تنظر الى ميناء باليرمو …..
وقد أنتشرت مراكب الصيد واليخوت حول المرفأ فبدت لها من بعيد حيث يرسو مركبهم كلعب الأطفال , كانوا قد توقفوا خلال الأيام السابقة عند عدة جزر صغيرة حول ايطاليا وجزيرة سردينيا ولكن دون الأقتراب من الجزر والمدن الكبرى ..
كانوا يقومون بالغطس والصيد وزيارة الجزر لشراء المؤن وتناول الطعام على السواحل أحيانا ويبدو أن هذا النشاط لم يكن من ضمن خططهم فقد لاحظت تذمر النساء الثلاثة وتأففهم من تغيير مسار الرحلة وعبرت جليلة عن رأي الأخريات قائلة وهم يرسون بالقرب من جزيرة ليبارى قبالة ساحل صقلية
– بصراحة .. الى الأن لا أفهم السبب الذي يجعلنا ندور حول أنفسنا بهذا الشكل .
كان من المفترض أن نكون بميلانو منذ يومين على الأقل .
قال حميد متأففا
– ألا تشبعان من التسوق أبدا .. ما نفعله الأن هو المعنى الحقيقي للأبحار وليس التنقل بين الفنادق ومتاجر الملابس ومراكز التجميل .
كانت زينة راضية ومستمتعة على العكس منهن وبرغم القلق الذى كان يعتمل فى داخلها على مستقبلها الا أنها أستمتعت بزيارة هذه الجزر والتمتع بالمناظر الجديدة وتأخيرها عن مواجهة مصيرها المجهول ولكن ..
ها هى آخر ساعات لها معهم ولا تعلم ما ينتظرها بعد ذلك .. لم يعد الأمان أمرا مسلما به كما فى السابق حيث كانت تستيقظ فى فراشها وهى أكيدة من عودتها للنوم فيه ليلا .. أنها الأن لا تعرف ماذا سيفعلون بها .. هل سيسلمونها الى الشرطة ليقوموا بترحيلها .. وهل ستضعها الشرطة فى السجن ليتحروا عنها أولا وبذلك سيعرفون بالجريمة التى أرتكبتها ؟ .. وهل سيصدقونها عندما تقسم لهم أنها كانت تدافع عن نفسها ؟ ..
سمعت أصواتا آتيه من المياة بالأسفل , مالت زينة على الحاجز ورأت ادم وحميد وفراس وبيدرو يسبحون بأتجاه القارب وأقنعة الغطس تتدلى من أعناقهم
صعدوا الى القارب وهم يضحكون ويتمازحون , رآها حميد أولا وأبتسم لها بمرح وهو يتجه نحوها بحماس
– زينة .. لماذا لم تنضمى الينا ؟
– أنا لا أعرف الغطس .
قال مشجعا يعرض عليها العرض الذي لا ييأس منه
– سأعلمك .. ستحبينه أنه متعة حقيقية .. هيا بدلى ملابسك وتعالى لأعطيك أول درس .
لم يتسنى لها الرد فكالعادة جاء صوت ادم حادا من خلفه
– لقد أخبرتك من قبل أنها لا تجيد السباحة ولا تريد تعلم الغطس فلماذا تصر عليها ؟
غمز لها حميد بعينه وهمس بمرح قبل أن ينصرف
– هذا الرجل يعرفنى جيدا .. أنه يحاول حمايتك منى .. وفى الحقيقة لا ألومه .
أنصرف وهو يصفر بمرح وأبتسمت زينة رغما عنها فحميد رغم عيوبه التى لا ترضى عنها كان خفيف الظل ومشاغبا ولا يكف عن المزاح طوال الوقت وقد حاول سابقا أقناعها بالنزول الى البحر وأضطرت أن تخبره كذبا أنها لا تعرف السباحة وتخشى الماء وكانت فى الحقيقة تخجل من أرتداء ثوب السباحة الذى أعارتها نيكول أياه , ألتقت نظراتها بنظرات ادم وهى مازالت تبتسم فأشاح بوجهه عنها بضيق فتجمدت الأبتسامة على شفتيها .. أنه يكرهها ولا تروق له ولقد تأكد لديها هذا الأحساس وأصبح يقينا الأن فطوال الأيام الماضية كان يتجاهلها وفى نفس الوقت يراقبها كالصقر ويجعلها بأستمرار تعرف حجمها الحقيقى فلا تزيد معاملته لها عن معاملته لبيدرو وأحيانا تكون أقل من ذلك ومن ناحيتها لم تكن تشارك كثيرا فى الأحاديث والنشاطات التى يقومون بها مما جعلها تبقى على مسافة من الجميع خاصة هو .. فحميد يتفنن فى ايجاد الفرص للكلام معها فى غفلة من آدم ومداعبتها واطلاق النكات لأضحاكها وفراس يحاول بأستمرار دمجها بينهم والأهتمام براحتها .
أقترب فراس منها وهو يضع منشفة حول كتفيه وسألها مازحا
– ما هو أحساسك وأنت سوف تفارقيننا قريبا ؟ .. أنا عن نفسى حزين وأتمنى لو تظلى معنا لبقية الرحلة .
لأول مرة يفاتحها أحد بموضوع الرحيل والدموع التى كبحتها منذ أيام هددت بالأنهمار فأطرقت برأسها
سألها برقة
– هل أشتقت الى أسرتك ؟ سيقوم ادم بالأتصال بصديق مهم له فى وزارة الخارجية ليساعدك على السفر دون الحاجة الى أتباع الأجراءات الروتينية الطويلة التى تتخذ فى مثل حالتك.
ردت بصوت مبحوح تخالجه العبرات
– أنا لن أعود الى مصر … سأبحث لى عن عمل هنا فى أوروبا .
– ولماذا ؟ .. أنا واثق من أن والديك سيتفهمان موقفك .. أنت تقولين ان والدك رجل حكيم وله قلب طيب و ..
قاطعته بأسى والألم يطعن قلبها عند ذكره لوالدها الذي لا تعرف كيف هو شعوره الأن من أختفاءها وهى لا تستطيع أن تخبره بالسبب الحقيقى
– من الصعب أن أعود لأعيش فى بيت واحد مع نبيلة بعد ما فعلته بي .. والموت عندى أهون من مواجهة أبي وفضحها أمامه .. يكفي خيبة أمله في فقلبه مريض ولقد قبلت بالعمل على ذلك اليخت كى أوفر مصاريف عمليته الجراحية والتى لا أعرف ان كان قد أجراها أم لا .. بالرغم من أننى أتمنى أن لا يكون قد أجراها بذلك المال النجس .
أنصرفت من أمامه بسرعة بعد أن عجزت عن كبح دموعها , وكانت تقف فى المطبخ تعد أبريقا من الشاى عندما نزل ادم وراح يتفحص وجهها الباكى عابسا , أنكمشت ملتصقه بالخزانة عندما دخل الى المطبخ وقد مد يده الى الرف فوق رأسها ليأخذ كوبا فارغا فأنسحبت الى الخلف تفسح له المجال ليصب كأس من العصير لنفسه , لم يكن يرتدى سوى سروال السباحة القصير وهو أكثر أحتشاما من الذى كان يرتديه فراس وحميد ولكن تأثير وجود آدم قربها كان أكثر وطأة على أعصابها من كلاهما وقد جعلها تشعر بالحرج وعدم الراحة
– أريد أن أتحدث اليك .
أنتفضت زينة مجفلة بلا سبب وتراجعت خطوة حادة الى الوراء مما دفعه ليقول بغيظ
– لماذا أنا الوحيد الذى يلاقى ردة الفعل هذه منك ؟ .. هل تعتقدين أننى مغتصب أطفال أم أننى أشبه ذلك الرجل الذى حاول الأعتداء عليك ؟
شهقت زينة .. لا يمكن ابدا مقارنة ذلك الرجل المثير للقرف به , وضايقتها أيضا فكرة أنه يراها طفلة .. هذا ان كان يعتبر سن الخامسة والعشرين سن طفولة ؟
ردت عليه متلعثمه
– أنا آسفة .. لم اقصد …
هذا كل ما أستطاعت قوله وتوقفت .. أنها فى الواقع تشعر بالخوف الشديد منه .. ربما بسبب فظاظته معها وأحساسها انه لا يحبها أو لأنها أصبحت حذرة من كل الرجال ولم تعد تثق فى نواياهم ولكنها فى نفس الوقت لا تشعر بهكذا شعور تجاه حميد وفراس أو بيدرو .. لذلك أضطرت للأعتراف أنه كان محقا فهو يشبه شخصا آخر تكرهه بشدة وتحاول قدر الأمكان عدم التفكير به رغم صعوبة ذلك .. أنه يشبه خالد .. ليس فى الشكل وانما فى الطباع .. طباعهم تتشابه الى حد كبير فكلاهما صارم وسريع الغضب .. مسيطر ولا يتقبل الخطأ .. كلاهما له وجود طاغي ويستطيع أن يكبل روحك بنظرة أو أقل حركة منه .
سألها ساخرا
– ما هو هذا الذى لم تقصديه بالضبط ؟
توترت أعصابها وهو يطل عليها من أعلى ونظراته الحادة تحاصرها فلوحت بيدها بعصبية وأندفعت تقول بأول شئ خطر على بالها دون تفكير
– بصراحه أنا لم أعتاد على الوقوف والحديث مع رجلا عاريا .
تراجع رأسه بحده وكأنها صفعته
– عاريا ؟
وتمتم بكلمات غير مفهومة وتصاعدت الحرارة الى رأسها .. ها قد أغضبته بحماقتها مره اخرى
– أبتعدى .
سألت ببلاهة
– ماذا ؟
قال بحدة
– قلت أبتعدى عن طريقى .
كانت تسد عليه طريق الخروج بجسدها فأفسحت له الطريق حريصة على أن لا يلمسها أثناء مروره بجوارها فزادت حركتها من أستفزازه فلعن وضرب الحائط بقبضة يده وهو يخرج .
نظرت زينة الى كأس العصير الذى تركه خلفه وقررت قائلة بأحباط
– سوف آخذه اليه ولكن بعد أن يهدأ .. هذا ان لم يلقى بي خارج قاربه أولا .
******
رصت الحقائب على السطح ليقوم بيدرو بأنزالها الى الزورق وظهرت السيدات بأناقتهن التى تخطف الأنظار يرتدين قبعات واسعة الحواف لتقيهم أشعة الشمس وكان يملئهن الحماس والاثارة فبعد أيام فى البحر يتشوقن لقضاء يومين فى فندق فخم حيث يجدن الخدمة الجيدة ومراكز التجميل والتسوق , فكرت زينه بحرج أنها ستضطر أن تطلب منهم أن يعيروها بعض المال الى أن يستقر بها الحال .
نزل فراس وحميد أولا الى الزورق ثم ساعدا السيدات بالنزول وعندما همت زينة باللحاق بهم أمسكها ادم من ذراعها وسحبها الى الخلف فنظرت اليه متساءلة ولكنه تجاهلها وهو يحل الحبل ويلقى به الى حميد , صرخت جليلة بحدة
– ادم .. لماذا لم تنزل ؟
رد بهدؤ
– سوف ألحق بكم فيما بعد .. لدى عمل ضرورى أقوم به .
أشارت الى زينة وقالت وهى تثبت قبعتها على رأسها بيدها الأخرى
– وماذا عن هذه ؟
لم يجبها وأشار الى بيدرو لكى ينطلق , لوح لهم حميد وفراس والزورق يبتعد متجها الى الميناء وأخر ما طبع فى عقل زينة هو وجه جليلة الغاضب وهاجمتها حفنة جديدة من الأسئلة .. لماذا لم تذهب معهم ولماذا أبقاها ادم معه ؟ وماذا يريد منها ؟ أستدارت اليه ولكنه كان قد أختفى , ذهبت لتبحث عنه ولم تجده .. لا فى حجرة الجلوس ولا فى كابينة القياده أو فى أى مكان على السطح والمكان الوحيد المتبقي كان غرفة نومه وهي لن تجرؤ على الذهاب اليه هناك فجلست على السطح حتى يقرر بنفسه الظهور.
مرت ساعتان وزينة جالسة تحت المظلة على السطح وقد كانت تأمل أن تقيها حرارة الشمس القوية ولكن الجو كان خانقا وجعلها تتصبب عرقا وتساءلت بحنق .. أين ذهب نسيم البحر المنعش ؟ جعلها الضيق من حرارة الشمس تكره ادم اكثر .. وفهمت انه يعاقبها على طريقة حديثها معه فى الصباح .. شخص مثله مغرورا ومتكبرا لن يجعلها تذهب دون عقاب مناسب , جليلة ايضا تكاد تجن من معاملته الباردة والمتعالية معها .
– أنت هنا ؟ . آسف جعلتك تنتظرين طويلا .
ظهر أخيرا وكان قد بدل ملابسه وبدا منتعشا وشعره مبتلا فشعرت بالغيظ , تقدم منها وأبتسامة ساخرة على شفتيه , كان يكذب فهو لا يبدو آسفا أبدا .. بل سعيدا بمضايقتها , لم ترد وأكتفت بالنظر اليه , جلس فى المقعد المواجه لها وقال متسليا وهو يتناول كوب الكولا الخاص بها
– أين ذهب لسانك ؟
ضغطت على شفتيها بقوة خوفا من ان تقول شيئا يغضبه منها فهما الأن وحدهما ولا يوجد من تحتمى به , تراجع الى الخلف فى مقعده براحة أكبر وهو يرتشف المشروب المثلج بأستمتاع
قال بهدؤ بعد قليل يشرح لها
– أنت لا تملكين جواز سفر ولا أية أوراق ثبوتية لذا لن تستطيعى الحصول على تصريح خروج من الميناء .. سيحاول فراس وحميد الحصول لك على تصريح خاص بدعوى فقدانك لأوراقك .
قالت بحدة
– ولماذا لم تخبرنى بذلك من قبل بدلا من أن تتركنى هكذا حائرة كل ذلك الوقت …
توقفت عندما أدركت أنها بدأت تحتد فى كلامها وقال آدم بضيق
– حاولت أن أخبرك هذا فى الصباح ولكنك لم ترغبي فى الأستماع الي .
كان هذا عندما قال بأنه يريد التحدث معها , حاولت أن تكون مهذبة وقد تلون وجهها بحمرة الخجل
– آسفه لأنك بقيت من أجلى .. السيدة جليلة كانت غاضبة لعدم ذهابك معهم .. لماذا لم تطلب منها البقاء معنا على الأقل حتى لا .. لا تشعر بالملل .
أبتسم ساخرا فقد فهم تخوفها من البقاء معه بمفردها وقال
– جليلة كانت غاضبة لأننى لم أذهب معهم صحيح ولكنها كانت ستغضب أكثر لو جعلتها تبقى فقط من أجلك .. وقد أخبرتك من قبل أن لا خوف عليك منى فأنا أقدر ظروفك وأحاول مساعدتك بقدر أستطاعتى وكنت قد نويت أن أحدث أحد أصدقائى فى وزارة الخارجية لتسهيل رجوعك الى مصر ولكننى غيرت رأيي …
قاطعته بمرارة تقول كمن يشعر بالغدر
– غيرت رأيك ولم تعد ترغب فى مساعدتى لأننى ضايقتك وأغضبتك هذا الصباح أليس كذلك ؟
جز على أسنانه بغيظ
– تجعليننى بسبب غباءك وسرعة استنتاجاتك الفظيعة أرغب بشدة فى حملك وألقاءك فى البحر والتخلص من سؤ ظنك الذى تلاحقيننى به على الدوام .
قالت بضعف والدموع تلمع فى عينيها وقد أنهارت فى لحظة كل محاولاتها للتظاهر بالشجاعة
– أنا آسفه .. والله لا أعرف كيف أو بماذا أفكر .. خائفة .. خائفة وأشعر بأننى وحيدة .. لا أعرف بمن أثق بعد أن خدعنى أقرب الناس الي … أريد العودة الى بيتى ولا أستطيع .. يقلقني التفكير فى حال والدي وكيف تقبلا فكرة أختفائي أو ربما يكونا قد علما من نبيلة بالمكان الذي ذهبت اليه فخاب أملهما بي .
وانخرطت فى البكاء بشدة فوقف ادم عن مقعده وسار الى حاجز المركب وأعطاها ظهره وبعد لحظات أستدار اليها بوجه هادئ جاد بعد أن شعر بأن عاصفة بكاءها قد أنتهت وقال
– غيرت رأيى عندما أخبرنى فراس على القرار الذى اتخذتيه بعدم العودة الى عائلتك وأنك تنوين البقاء والعمل فى أوروبا .. وقد رأينا أنك مازلت صغيرة ولا خبرة لديك فى الحياة لتبقى بمفردك واتفقنا معا أن نساعدك ان بقيت مصرة على رأيك .
نظرت اليه بأمل وتابع
– كل عام كنت اسافر مع حميد وفراس وحدنا وكنا نعتمد على انفسنا فى كل شئ .. لكن هذه السنة الوضع أختلف والحمل أصبح ثقيلا على بيدرو لأن السيدات معنا لا يرتبن حتى الأسرة التى ينامن فوقها وقد كنت مفيدة خلال فترة وجودك معنا .. لذلك فكرت أن أعرض عليك عملا على متن القارب وسيكون مقابل أجر بالطبع كما سنسعى لأستخراج أوراق رسمية لك حتى اذا ما تعرضنا للتفتيش البحري يكون وضعك معنا قانونى .. وبعد أن تنتهى رحلتنا سنكون قد فكرنا فى طريقة تؤمن لك مستقبلك وان قررت العودة الى أهلك سنساعدك فى ذلك أيضا .. القرار سيكون لك فى أى شئ .
ظلت زينة جالسة فى مكانها بعد ذهابه تشعر بالسعادة ولا تصدق حظها فقد أمنت لبعض الوقت ووجدت عملا تجيده ومكانا لن تجد أفضل منه لتعيش فيه .
لم ترى ادم الا وقت الغداء وجاء ليطلب منها ان تصنع له بعض الشطائر وان تجلبهم له فى كابينة القيادة وعندما انتهت من تحضيرهم حملتهم على صنية وأخذتهم اليه وكانت المرة الأولى التى تدخل فيها الى هناك وكما توقعت رأت خرائط ملاحيه وأجهزة رادار وبضعة شاشات تشير الى أشياء لا تعرفها وألواح للتحكم واشارات ولمبات .. تماما كما كانت ترى فى الأفلام وفى غرفة ملحقة بكابينة القيادة تفصلها عنها نافذة زجاجية بعرض الجدار رأت ادم جالسا وراء مكتب وحاسوبة المحمول مفتوحا أمامه , لم ينتبه لدخولها أو انه تجاهله فقد وضعت الصينية على حافة المكتب دون ان يجفل او يرفع بصره اليها , فتأملت المكان من حولها بفضول .. بدا كمكتب فى شركة مجهز بكل ما قد يحتاج اليه اى رجل أعمال , لفتت نظرها مكتبة صغيرة عند أحد جدران الغرفة رصت بها مجموعة لا بأس بها من الكتب ودون تردد سارت اليها مبتسمة وهى تدخل الى العالم الذى تعشقه وتربت على الشغف به , فلدى والدها مكتبة تحتوى على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكتب .. يستطيع أن يتنقل فيها المرء بين عوالم من العلوم والفنون .. الأدب والرواية والشعر .. التاريخ والسياسة بكل توجهاتها .. لا يمكن ان يشتهى عقلك لشئ من المعرفة ولا تجده فى مكتبة والدها مختار .. لقد علمها حب القراءة وأحترام صفحات الكتاب وعلمها ان تحت كل غلاف تجد عصارة فكر يجب ان يقدر ويحترم حتى وان اختلفت معه فى الرأى , عرفها أن الكتاب هو صندوق يخفى بين صفحاته خفايا وأسرار جانب من جوانب الحياة ويجعلك ترى الدنيا بوجهات نظر مختلفة وثقافات متعددة .
ترددت زينة أن تطلب من ادم ان يعيرها بعض الكتب لمطالعتها وتمنت أن لا يرفض .. تنهدت وارتسم على وجهها نظرة حنين ثم أستدارت الى آدم ووجدته قد توقف عن العمل وتراجع فى مقعده وكان يراقبها بتأمل , لقد أخذت وقتا فى التفرج على مكتبته ونسيت وجوده فقالت بحرج
– آسفة ان كنت قد عطلتك عن عملك .. ولكن هل أستطيع أن أستعير كتاب لأقرأه ؟
لوح بيده بلامبالاة وهو يعود الى عمله
– خذي ما تريدين .
أنتقت ثلاثة كتب .. روايتين وديوان شعر أخذتهم وخرجت مسرعة , صنعت لنفسها بعض الشطائر وكانت الشمس قد خف قيظها فحملت كتبها وصعدت الى السطح وراحت تقرأ ومر الوقت سريعا وكان قد أختفى جزء من قرص الشمس تحت سطح الماء عندما سمعت صوت زورق يقترب من المركب .. وقفت وأقتربت من الحاجز وقد رجحت أن يكون القادم بيدرو ولكنها فوجئت بعودة جليلة برفقته ورأت أن ادم فوجئ مثلها وهو يستقبلها وكان قد خرج بدوره عند سماعه لصوت الزورق يقترب وقال ساخرا
– جليلة .. غريبة قد عدت .
رمقتها المرأة بنظرات قاتلة بعد أن كانت تتجاهلها بتكبر من قبل وقالت ردا على تعليق آدم الساخر
– لم أشأ أن نتركك جميعا وحدك .. فلا ذنب لك فى كل هذا .
ورغم كره المرأة الواضح لها الا أن زينة قد شعرت بالراحة لعودتها ففكرة أن تقضى الليل وحدها مع رجلين غريبين لم ترق لها .
ضحك بيدرو بخفوت ومال على اذن زينة قائلا
– لقد جعلت الساعات الماضية جحيما على الجميع بسبب عدم ذهاب السيد آدم معهم.
ردت بخفوت مماثل
– أعتقد أنهم سعداء الأن بالتخلص منها .
ضحك بيدرو بمرح
– بالفعل .
ضحكا معا بمرح حتى جاء صوت آدم حادا لاذعا كالكرباج من أعلى عند كابينة القيادة
– أليس لدى أحدكما عملا يقوم به ؟
تحركا بسرعة مجفلين .
بعد العشاء دخلت زينة الى غرفتها متجهمة وتشعر بالضيق .. لقد أستفزها سلوك جليلة الغير لائق فى تعاملها مع آدم والملابس التى اختارت أن ترتديها فى غياب شقيقها .. صحيح أنه لا يعلق ولا يعترض على أرتداءها لأثواب السباحة المكشوفة جدا ولا مطاردتها المستمرة لآدم ولكنها لم ترتدي ثوبا فاضحا كهذا أبدا فى وجوده كما أنها لن تجرؤ على الألتصاق بآدم ومداعبته بتلك الطريقة الوقحة أمامه .
جلست زينة غائمة الوجه على طرف الفراش لقد خاب أملها به .. ظنته أفضل من فيهم .. لديه شرف ويحترم صديقه ويصون عرضه ولكنه لا يختلف شيئا عنه .. لقد تجاوب آدم مع جليلة .. لم يصدها ولم يهتم بوجود متفرجين عليهما فلا يفصل غرفة الجلوس عن المطبخ شئ .. وكان يهمس بأشياء فى اذن جليلة طوال الوقت تجعل ضحكتها الموسيقية تجلجل فى المكان وفى مرة قبلته على وجنته قبلة طويلة أحمر لها وجه زينة حرجا وهي تجبر نفسها على عدم النظر تجاههم وكان قد أمسك بعينيها مرة وهي تنظر اليهما عابسة بغضب فما كان منه الا أن أبتسم لها ساخرا وبعد أنتهاء العشاء كان بيدرو قد تركها لتنهي جلي الصحون وحدها وعندما كادت أن تنتهي فوجأت بآدم يقف خلفها مستندا بظهره على البار فسألته بفظاظة لم تقصدها
– نعم ؟
رفع حاجبيه بتساؤل ساخر فأجلت صوتها وتابعت بلهجة أحترام
– هل تحتاج الى شئ سيد آدم ؟
تقريبا ضحك وهو يقول
– لا .. أذهبي الى غرفتك فلا حاجة لنا لك لهذه الليلة .
أتسعت عيناها بشدة وخفق قلبها .. فهمت أنه يريد صرفها ليستفرد بجليلة .
****
وقفت نبيلة أمام فراش والدها المريض بجسد متوتر
– ماذا تعنين بأنها لا ترد على الهاتف ؟ .. مر خمسة أيام على سفرها ولم تتصل بنا ولا لمرة واحدة وهذا ليس من عادتها .. كانت اذا تأخرت فى العمل لسبب ما ولو لدقائق كانت تتصل حتى لا نقلق عليها .
ردت نبيلة بصوت أبح وهي تتحاشى النظر الى عينيه
– قد تكون مناوبتها ليلية .
هز رأسة بقوة وقال بقلق
– لا .. لا هذا ليس عذرا .. أنا منذ البداية غير مرتاح لسفرها .. وكنت أشعر بها قلقة وغير سعيدة كذلك .
قالت نبيلة بسرعة
– سأحاول الأتصال بادارة الفندق وأترك لها رسالة لكي تتصل بنا .
– نعم افعلي والا أضطررت أن أسافر اليها بنفسي .
تدخلت أمها قائلة وقد كانت تجلس صامتة على طرف الفراش
– أرجو أن تهدأ حتى لا تسؤ حالتك يا مختار .. ان شاء الله ستتصل بنا وسوف نطمئن عليها .
– لا .. قلبي غير مرتاح .. أشعر بأن الفتاة بها خطب ما .
فى تلك اللحظة رن جرس الباب فانتفض جسد نبيلة دون سبب وسألها أبيها بشك وريبة
– ماذا بك ؟
قالت بوجه شاحب
– لا شئ .. أنا بخير .
كانت أمها قد وقفت وهي تقول
– سأذهب لأرى من القادم فى تلك الساعة من الليل .
أمسكت نبيلة بذراعها وقالت بخوف وصوت خافت
– ماما .. لا تفتحي الباب .
سألتها أمها بدهشة وهي تنظر الى وجهها المذعور بقلق
– لماذا يا أبنتي ؟
أصبح جسدها يرتجف بشكل ظاهر وجرس الباب عاد ليرن بألحاح , تقطعت أنفاسها وهي تقول برجاء أقرب الى التوسل
– فقط لا تفتحي أرجوك .
ثم فكرت بشكل محموم .. كان عليها أن تهرب قبل مجيئه .. لقد أتصل بها كثيرا ولكنها أغلقت هاتفها كى لا تجيبه .. وكانت تعلم أنه سيأتي من أجلها .. بالتأكيد أكتشف ما حدث وسيأتي لينتقم منها خاصة وقد جاءتها أخبار بأن زينة قد أنتحرت .
صاح والدها بصرامة فى أمها التى وقفت حائرة وقلقة وقد جلس مستقيما بتحفز
– أذهبي وأفتحي الباب .
استدارت اليه نبيلة واصطدمت بنظرة عنف فى عينيه فأخفضت نظراتها .. لن يسامحها والدها أبدا عما فعلته بزينة وبنفسها .. لن تجد بقلبه المريض مثقال ذرة من رأفة بها عندما يعرف بجريمتيها لذلك أحتفظت بالمال لنفسها .. سوف تهرب بعيدا بالطفل الذي بأحشاءها .
صاحب رنين الجرس طرقات عنيفة على الباب فأسرعت أمها لتفتح الباب وقالت بتوتر.
– خالد .. كيف حالك يا بني ؟ .. حمدا لله على سلامتك .
– أين زينة ؟
– زينة مسافرة في ..
– هي لم تعد ؟ ألم تتصل بكم ؟
– لا أنها ..
كانت نبيلة قد خرجت خلف أمها ووقفت من بعيد تتنصت عليهما وعندما سـأل عن زينة راودها أمل بأنها لم تمت كما سمعت .. ومالت فى تلك اللحظة قليلا لتنظر اليه ثم شهقت بفزع عند رؤيته .. بدا كأميرا للأنتقام .. عبرت نظراته العنيفة أمها وقد شعر بوجودها وركزها عليها وببضعة خطوات كان بالداخل .. صرخت نبيلة بذعر وحاولت الهرب عائدة الى غرفة والدها ولكن خالد كان قد لحق بها بسهولة وجذبها من شعرها بعنف .. صرخت أمها من خلفه
– ماذا تفعل .. أترك أبنتي .
ولكنه تجاهلها قائلا بعنف
– هل ظننتي أنك ستفلتين بعملتك تلك .. هل تعرفين ما الذي فعلته بها ؟
تلوت نبيلة بعنف وصرخت به
– فعلت بها ما أردت أنت فعله بي .. أردت أن تتزوج بها هي وأنا تبيعني فى سوق النخاسة .
جذب رأسها الى الخلف بعنف
– لأنك رخيصة حقيرة وهذا ما تستحقيه .
دفعته عنها بقوة وسقطت على اثر ذلك على الأرض تزحف بعيدا عنه وكان والدها قد خرج ووقف بينهما بوجه أزرق من القلق والمرض وقد وقفت أمها مذهولة عاجزة عن التحرك أو الكلام
– ماذا حدث لأبنتي زينة … ماذا فعلتم بها أنتما الأثنان ؟
وقف خالد ينظر الى نبيلة على الأرض يمنع نفسه بصعوبة من خنقها وهي تقول بحقد
– لقد تخلصت منها .. ما كان لها أن تكون فى حياتي من الأساس .
شهقت أمها بالبكاء
– ماذا فعلتي يا أبنتي ؟ .. أين أختك ؟
صرخت بها بجنون
– أنها ليست أختي .. ألا تفهمين .. لم تكن أبدا أختا لي .. ما كان لكم أن تأتيا بها الى حياتي .
رد عليها والدها بأنهاك شديد
– بل ما كان علينا أن نأتي بك أنت الى هذه الدنيا .. لكن اللهم لا أعتراض .. اللهم لا أعتراض .
ثم استدار عائدا الى غرفته بخطوات متثاقلة وهو يردد جملته بلا توقف فأسرعت أمها اليه تحيطه بذراعيها لتسنده .
وجدت نبيلة نفسها وحدها مع خالد فهبت واقفة بذعر واسرعت تعدو تجاه غرفتها وتحاول اغلاق بابها بسرعة ولكنه لحق بها وأمسك برقبتها مستمتعا برؤية أحتقان وجهها وصوت حشرجة حنجرتها وهو يعصرها بأصابعه قائلا بكراهية شديدة
– لا تخافي .. لن أقتلك الأن .. سأعود اليك عندما أجدها ولسوف أقتلك أمام عينيها .
قالت بصوت متحشرج
– أنا حامل بأبنك .
لم يهتز لتصريحها وقال بصوت كالفحيح
– أقتليه .. فأنا سوف أقتلكما معا على أية حال .
ثم دفعها بقوة فسقطت على الأرض بعنف .. جلست على الأرض تلهث وتشهق بالبكاء وسمعت باب الشقة وهو يغلق خلفه بعنف بعدها سمعت صوت نحيب أمها يأتي عاليا من غرفة والديها فأنتفض جسدها
– بابا .. لا .
ما ان جلس خالد فى سيارته حتى أخرج هاتفه المحمول وطلب رقما وبعد لحظات قال بالأنجليزية ..
– ألم يظهر أثر للقارب بعد ؟
ثم قال بلهفة بعد أن استمع لمحدثه
– جهز اليخت للأبحار وسوف أكون عندك خلال ساعات .
****
google-playkhamsatmostaqltradent