رواية ملاك يغوي الشيطان الفصل الخامس عشر 15 - بقلم مايسة ريان
كان العشاء متوترا تلك الليلة الى أقصى حد الى درجة الصمت …
حتى زينة وبيدرو تجنبوا الحديث فيما بينهما تماشيا مع الجو السائد .
أنهت زينة تجفيف الأطباق وكانت تمني نفسها أن تلوز بغرفتها بقية الليل ومعها كتاب تاركة ذلك الجو المشحون لأصحابه فبعد بضعة ساعات سيكونون فى موناكو ومن هناك سترحل نيكول الى فرنسا وساء زينة أن تكون السبب فى فراقهما برغم أن العلاقة التى كانت بينهما لا يجب ان تحزن لأنتهاءها .. حميد سينتظر ردها على طلبه والذي سيكون بالرفض طبعا فهي لم تهرب من شيطان لتلقي بنفسها بين يدي شيطان آخر ياخذ منها غايته ثم يلقي بها ويبحث عن غيرها أو على أقل تقدير سيخونها .
– زينة .
كانت فى طريقها الى غرفتها عندما ظهر فراس أمامها وأبتسم لها فقالت
– نعم سيد فراس .
– هل لك أن تصنعي لي كوب من القهوة الثقيلة ؟
أبتسمت له بأدب ومن داخلها تشعر بالأحباط
– حاضر .
أخبرها
– سأكون بالأعلى .
حضرت زينة القهوة وصعدت الى السطح ولكنها لم تجده هناك فرجحت أن يكون فى كابينة القيادة ولكنها قابلت بيدرو وهو خارجا منها وقال لها أنه غير موجود ونصحها أن تبحث عنه فى مؤخرة القارب فهو عادة ما يحب الجلوس هناك وحده .
وجدته زينة جالسا فى المكان الذي أشار اليه بيدرو وقد وضع مقعدا آخر بجواره وعندما شعربخطوات زينة تقترب منه استدار اليها مبتسما
– لقد وجدتني .. هذا جيد فقد خشيت أن لا تفعلي .
ناولته كوب القهوة فقال وهو يشير الى المقعد المجاور له
– أجلسي أرجوك .
رفعت حاجبيها بدهشة وتلفتت حولها فقد يكون المقعد محجوزا لزوجته فقال وكأنه يعلم فيما تفكر
– أنا لا أنتظر أحدا .. لقد جئت به من أجلك .
جلست زينة ببطئ وبدأ القلق يعتريها فهو الوحيد حتى الأن الذي لم يقل لها أشياء تحيرها وتقلقها .. فهل حان دوره ؟
– هل مازلت مستاءة مما حدث من حميد ؟
أجلت حنجرتها وقالت
– لا أبدا لقد اعتذر مني وأنا قبلت أعتذاره .. لم يقصد حقا أن ..
قاطعها بأنفعال غريب
– بل كان يقصد .. أنا أعرفه جيدا .
تفاجأت زينة بأنفعاله ونظرت اليه متسعة العينين فهذه أول مرة تراه عصبيا هكذا وتابع بنفس الحدة
– لقد رأيت نظراته التى لم تفارقك طوال الوقت .. أنه ينوي شيئا وأنا لن أسمح له بمضايقتك .. أنه يسعى للتخلص من صديقته ويبحث فيك عن بديل لها .. وان كان آدم لم يستطع أن يوقفه عند حده فأنا من سيفعل .
هبط قلب زينة بين قدميها وتأوهت من داخلها خائفة مما هو آت فوجدت نفسها تقول
– لقد طلب مني الزواج .
حدق بها فراس بذهول للحظات وقد أحتقن وجهه بشدة ثم قال بعدم تصديق غاضب
– ماذا فعل ؟ .. زواج ؟ .. هل جن لكي يتلاعب بك بهذا الشكل ؟.. أنا لن أسمح له بأن يفعل .
ثم وقف على قدميه بحدة ووقفت زينة وقد أسقط فى يدها .. أرادت أن تمنعه عن قول ما شعرت بأنه سيقوله أيا ما كان فقد كانت لا تستبشر خيرا فهو رجلا متزوجا من أمرأتين ولكن فكرتها قد جاءت بعكس ما تمنت فقالت بسرعة
– ولكني لن أقبل بالطبع .
توقف فراس ونظر اليها متمعنا وسألها بشك
– حقا سترفضين ؟
قالت بجد وهي تنظر الى عينيه مباشرة
– بالطبع سأرفض .. أولا لأنني لا أحبه وثانيا لأنني لا أسعى أبدا للأرتباط برجل مرتبط بأمرأة أخرى .
أحمر وجه فراس وقال
– ولكنه أنفصل عن نيكول .
– لا فرق عندي .. الرجال المرتبطين أو المتزوجين خط أحمر لا أتخطاه أبدا .
وانتظرت تعليقه كاتمة أنفاسها فقال بكآبة
– كاميليا لم تشتكي .
تنهدت زينة بتعب
– لكل منا شخصيته .
رفع رأسه وقال بصراحة
– أنا متزوج من أخرى .
– أعلم .
– لا أجعل شيئا ينقصها أبدا .. كل ما تطلبه مجاب .. أي شئ تحتاجه عندها .. أنا قادر عل أعالة أكثر من زوجة .
– أعلم هذا أيضا .. ولكن ليس هذا كل شئ فى الزواج .
لم تكن تريد الخوض فى مثل هذا النقاش وتمنت لو يظهر أحد ليقاطعهما ولكنه يقف وينتظر أن تتابع
– قد يكون لديك المال والصحة التى تجعلك قادرا على اعالة أكثر من زوجة .. ولكن هذا لن يجعلك قادرا على تطيب جراح قلب أمرأة جعلته ينزف ألما بسبب غدرك به .. ماذا يعني لها المال والمنزل الكبير وحبيبها لا يراها تصلح الا لكي تكون مشروعا للأستيلاد وخادمة له وللأولاد فى حين يذهب بعيدا عنها بجسده ومشاعره ويبحث عن المتعة فى أحضان غيرها .. وماذا يعيب حضنها هي .. أليست انسان تحتاج للشعور بنفس الأحساس ؟ وان كنت لم تحبها ولا تريدها .. فلماذا تزوجتها ؟
قال حميد بحنق
– أنها لم تفهمني أبدا .. وانت صغيرة لكي تستوعبي شيئا كهذا .
ردت بحنق مماثل
– نعم أنا صغيرة ولم أختبر الحياة مثل غيري ولكن فى النهاية وصلت الى هنا .. ولكني لست وحدي هنا .. كاميليا ونيكول وجليلة ونبيلة ونجلا جميعهم هنا .. فى نفس المنطقة التى أقف فيها الأن ولكني أقف وحدي فى جانب الأمان وهم غارقون فى الأوحال .. آسفة لأنني ساويت بين كاميليا وجليلة وبين غيرهم ولكن كما يقول المثل .. كل الطرق تؤدي الى روما .. أيا ما كان الطريق الذي نختاره للوصول الى هدفنا فهو يؤدي الى نفس المكان وينظر الينا بنفس النظرة العرجاء .. جميعنا جسدا للمتعة .
قال بلهفة
– لا .. أنت مختلفة .
– عنهن نعم .. وأنا أفخر بذلك ولكني لا أختلف شيئا عن زوجتك الأخرى ولا عن شقيقاتك ولا عن والدتك وبنات جيرانك وعائلتك .. لو نظرت جيدا لرأيت الكثيرين مني فى كل مكان ولكنك ترى الأمر من منظور ضيق .. البريق هو ما يخطف بصرك .. أنا لست حقا مميزة بين من هن مثلي .
قال
– الفتاة التي تقتل لكي تحمي شرفها هي حقا مميزة .
شحب وجه زينة ونظرت اليه
– أي فتاة شريفة ستفعل كما فعلت وستقتل ان اضطرت لهذا لكي تدفع عن نفسها الشر .
أطرق برأسه بحزن
– أردت أن أكون حاميا لك .
– ما فعلتموه من أجلي يكفي .
– هل مازلت تحبينه ؟
– من ؟
– ذلك الشاب الذي خدعك .
– لا أستطيع الجزم بأنني كرهته كما أنني عاجزة عن كراهية أختي كذلك .. شعرت بالغضب والقهر منهما .. هذا هو وصف أحساسي تجاهه حاليا .. ولكن أحيانا أتمنى لو يكون بريئا .. ربما أنا فى حاجة لذلك حتى لا أكره الدنيا والناس ولكي أشعر بأن مازال هناك حب حقيقي وليس فقط غش وخداع .
هز فراس رأسه متفهما وقال
– نعم أفهمك .. وأتمنى حقا أن تجدي من يستحقك ويعوضك
– شكرا لك .
قال محاولا المزاح
– سأذهب لأنام .. كاميليا كانت تعاني صداع نصفي أخذت مسكن ونامت مبكرا .. تصبحين على خير فغدا لدينا موناكو .
أبتسمت له وهي تشعر بالراحة لأنتهاء الأمر
– تصبح على خير .
ها قد تخلصت من احدى العقبات ولم يتبقى أمامها الا حميد وعندما يطلب سماع ردها
حملت كوب القهوة الذى تركه فراس على الأرض وعادت الى داخل القارب وتركته فى المطبخ وذهبت الى غرفتها مباشرة .
ظنت زينة أنها ستسقط فى النوم سريعا لأنها قد أستيقظت مبكرا وما حدث تلك الليلة أنهكها نفسيا ولكنها لم تستطع فعل شئ سوى التقلب فى الفراش بعدم راحة وكانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بساعتين على الأقل عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفة آدم .. كتمت أنفاسها وأرهفت السمع .. توقفت الخبطات للحظات ثم تعالت من جديد .. أبتسمت زينة بحقد .. أنها جليلة بالتأكيد ويبدو أن آدم يرفض أن يجعلها تدخل الى غرفته وتمتمت زينة بتشفي
– أحسن .. تستحقين ما يحدث لك أيتها الوقحة عديمة الأخلاق .
وقفت عن الفراش وذهبت الى الباب ووضعت أذنها عليه تستمع بطرب الى خطوات جليلة وهي تبتعد .. لم تجرؤ على الألحاح عليه خوفا من أن يسمعها أحد وخاصة زينة … وعندما أطمأنت الى رحيلها فتحت الباب وخرجت راغبة فى صنع كوب من اللبن الدافئ قد يساعدها على النوم .. مرت من أمام باب غرفة آدم فى نفس اللحظة التى فتح فيها بابه ووجدها أمامه .. توقفت ونظر هو اليها بدهشة .. كان النور خافتا فأخفى أحمرار وجهها
– زينة ؟ .. أهذا أنت ؟
قالت بأبتسامة
– نعم .. لم أستطع النوم .
أقترب منها فى خطوتين
– فكرت بأن الطارق شخص آخر لهذا لم أفتح الباب .. لو كنت أعلم أنها أنت ..
فتحت فمها لتصحح له الخطأ ولكنه لم يمهلها الوقت لتفعل فقد سحقها على الجدار قائلا بشغف
– أنا أيضا لم أستطيع النوم .. لقد جفاني منذ اليوم الأول الذي سكنت فيه بجواري .. كم تمنيت لو تأتين الي .. لا تعرفين كم تمنيت ذلك .
حاولت زينة دفعه عنها وقد أنعقد لسانها من الصدمة .. سمع صوت باب يفتح ويغلق فسحبها الى داخل غرفته وأغلق الباب بسرعة فقالت تحاول الشرح
– لا .. ليس أنا من ..
ولكنه وضع كفه على فمها يمنع صوتها عن الخروج وقال هامسا وهو يبعدها عن الباب
– هششش .. هناك شخص مستيقظ قد يسمعنا .
تيبس جسدها فزعا .. فقد يكون هذا الشخص جليلة ولو رأتها هنا لحدثت فضيحة هي فى غنى عنها الأن فهي لا تريد المزيد من التعقيدات وعاد يهمس
– تعالي .
سحبها معه الى الفراش وهي تقاومه بصمت خشية أن يسمعها أحد ان هي صاحت
حاول تمديدها على الفراش ولكنها تخشبت فى جلستها وأنكمش جسدها وقد بدأ الذعر ينتابها فقال محاولا تهدأتها بصوت يختلج بالمشاعر
– أعدك أن لا أؤذيك .
وعندما أمتدت يده الى جسدها يتلمسه شهقت بصوت عال ودفعته عنها بعنف فتراجع الى الخلف ونظر اليها مرتبكا متأملا الرعب على وجهها قائلا
– لا تخافي حبيبتي أنا لن أؤذيك أو أجبرك على شئ لا تريدينه .
تراجعت عنه وراحت تقف ببطئ وحذر وعيناها مترقبتان لأى حركة قد يقوم بها بأتجاهها .. كان ينظر اليها بحيرة وعندما أصبحت بعيدة عنه وقريبة من الباب وظل هو جالسا مكانه لم يتحرك فارقها جزء من خوفها وقالت وجسدها يرتجف من الخوف والغضب معا
– لم يكن أنا من طرق بابك وما كنت لأفعل أبدا .
شحب وجه آدم فتابعت وشفتها ترتجف والدموع تهدد بالأنهمار من عينيها
– كنت ارغب فقط فى كوب لبن دافئ يساعدني على النوم ولم أكن أرغب بشئ آخر.
ظل جالسا فى مكانه وقد أظلم وجهه بنظرة غضب عنيفة وقال بعد لحظة صمت من بين أسنان مطبقة
– أذهبي من هنا حالا .
فتحت الباب بسرعة وكأنها كانت تنتظر الأذن منه … عادت الى غرفتها وأغلقت الباب ومزيدا من الحرص دفعت بالطاولة الخشبية الصغيرة وراءه ومن ثم تركت لدموعها العنان .. أنها الأن مضطرة للرحيل .. صعب أن تظل بينهم بعد كل ما حدث .. ثم فكرت .. مازال هناك عرض زواج حميد .
****
مدينة مونت كارلو بأمارة موناكو هي وجهة الأثرياء ومرسى اليخوت الأشهر فى العالم .. رأت زينة العشرات .. بل المئات من اليخوت والقوارب بكل الأشكال والأحجام والسفن السياحية التى تبدو كمباني عملاقة تطوف فوق سطح الماء ورغم فخامة المنظر والخلفية الجبلية المهيبة للمدينة الساحلية الا أن زينة لم تكن تشعر بالفرح والحماس كما كانت تفعل عند كل مرفأ ومدينة يقفون عندها .. وكذلك كان حال الجميع ..
لم يكن أحد يتحدث الى أحد ..
الكل صامت ومتجهم ولا يطيقون النظر الى وجوه بعضهم …
ستودعهم زينة قريبا كما ودعتهم نيكول منذ ساعة قبل أن تترك القارب بصحبة حميد الذي عرض أن يقوم بتوصيلها بنفسه الى المطار .
– زينة
أستدارت مجفلة الى بيدرو قائلة بحدة لا لزوم لها
– ماذا .. ماذا تريد مني ؟
تراجع الشاب مذهولا وقال
– أنت أيضا ؟ ماذا حدث للجميع ؟ لما الكل غاضب هكذا ؟
زفرت زينة وقالت بأعتذار
– آسفة يا بيدرو .
كانت آسفة حقا فبيدرو على علاقة حب مع فتاة اسبانية ويخططان للزواج .. أنها العلاقة الصحية والصحيحة الوحيدة التى قابلتها حتى الأن فسألته
– ماذا كنت تريد ؟
– كنت سأسألك ان كنت أنهيت ترتيب الغرف .
– آه نعم .. لقد أنهيت تنظيفهم .
– هل ستقيمين معهم فى الفندق أم ستبقين هنا معي .
– لا أعرف .. لم يقولوا لي شئ بعد .
وهبط قلبها بين ضلوعها وهي تفكر الى أين سوف تذهب عندما تتركهم ؟ فبعد ما حدث من آدم ليلة أمس لم يعد بقاءها محمودا وكانت ماتزال مترددة بقبول عرض زواج حميد,
هز بيدرو كتفيه وعاد الى كابينة القيادة وعادت زينة لتتأمل المنظر من حولها وتفكر.
****
تم الحجز لهم فى فندق الأرميتاج ..
حاولت زينة الحديث مع آدم لتخبره بأن لا داعي ليحجز لها غرفة فهي عازمة على الرحيل ولكنه لم يعطها الفرصة للكلام معه فقد كان تقريبا يتجنبها وكانت هي أيضا تجد صعوبة شديدة لمجرد النظر الى وجهه ..
ولم يتوقف الأحراج عند آدم وحده كان هناك فراس أيضا .. صحيح أنه حافظ على ابتسامته الطيبة وتهذيبه معها ولكنه فى نفس الوقت كان متباعدا ويتجنب الكلام معها بعفوية كعادته ولم يتبقى سوى حميد ومن حسن حظها لم يعد الى القارب بعد أن أخذ نيكول الى المطار وما سمعته أنه سيلقاهم بالفندق ..
كاميليا وجليلة كانت حالتهما متباينة .. جليلة كانت هادئة وبدت فى حالة تفكير عميق وكاميليا مازالت تتحجج بألم رأسها لكي تبرر سبب شحوب وجهها . تسلم الجميع مفاتيح غرفهم وسارت زينة الى المصعد وبيدها حقيبتها الصغيرة فلم تكن بحاجة لحمال من أجلها .
كانت غرفتها تطل على المرفأ فجلست على حافة الفراش وعندما طرق باب غرفتها نهضت لتفتحه
– كيف الحال ؟
أحمر وجهها عندما وجدت آدم أمامها وقالت
– الحمد لله .
– هل ستسمحين لي بالدخول ؟
نظرت اليه بحده فقال بتجهم
– ليس فى نيتي أي سؤ .
تراجعت لتسمح له بالدخول وتوجه مباشرة الى الشرفة ولحقت به زينة فأشار لها لتجلس ثم أحتل المقعد المواجه لها وقال دون مقدمات
– ما حدث بالأمس كان سؤ فهم فى منتهى الغباء مني ما كان يجب أن أتسرع بالأستنتاج وأنا أعتذر بشدة عن فرض نفسي عليك بتلك الطريقة .
أزداد وجهها أحمرارا وأطرقت برأسها محتارة بماذا يجب أن ترد فتابع
– لن أدعي أنني لم أكن فى كامل وعيي ولا أنني لم أكن أقصد كل كلمة قلتها .. أنا أردتك حقا ومازلت أريدك وسأقبل بجميع مطالبك وسوف أعطيك كل الوقت الذي تحتاجينه كي تعتادي علي وعلى فكرة أن نكون معا .
رفعت وجهها اليه وحدقت فى وجهه بصدمة وقالت
– ما الذي تطلبه مني بالضبط ؟
هل هو عرض زواج ؟ لقد بدا وكأنه ليس كذلك .. أيريد علاقة بدون زواج ؟ .. سيكون شئ غريب ليصدر عنه خاصة وهو يعرف جيدا طريقة تفكيرها
زم ما بين حاجبيه وقال بجدية شديدة
– لا أعرف .. دعينا نقول لنبقى معا كفترة تعارف .. فكرة الزواج كنت قد ألغيتها من عقلي منذ زمن واعادة التفكير فيها صعب حاليا ولكن … ولأكون صريحا معك .. حاجتي اليك قوية وفكرة ابتعادك عني تؤرقني .. ربما نزعة الحماية لدي هي التى تدفعني للأحساس هكذا نحوك ولكن واقعيا .. أجد صعوبة فى أن أتركك تبتعدين .
أصبحت الأن فى حالة ذهول تام وحيرة شديدة وقالت وهي تهز رأسها وتسأله بألحاح
– ماذا تريد مني ؟ أنا لا أفهم .
سحب مقعده الى الأمام فجأة مقتربا منها حتى أن ركبتيه لامست ركبتيها ومد يديه وأمسك بيدها وقال
– فقط أن تكوني معي .. لن طلب منك شئ لا تريدينه .. كصديقين مثلا .. ما رأيك ؟
رددت بحذر
– صديقين ؟
– نعم .. وبدون علاقة جسدية ان كنت لا ترغبين بذلك .. ليس لديك مكان تذهبين اليه ولا أحد تلجأين اليه فأبقي معي .
هل تثق به ؟ .. هل تعطيه وتعطي نفسها فرصة ليتعارفا كما يقول ؟ هو لم يعرض عليها الزواج كما فعل حميد وكما لمح له فراس وكان صريحا معها كاشفا أمامها مشاعره بدون كذب أو تصنع ولكن حميد قدم لها عرضا حقيقيا مباشرا وكذلك فراس ..فما الذي يجعلها تقبل بعلاقة غير واضحة المعالم وترفض الأخران .. فما حقيقة ما تشعر به تجاهه ؟
كان مايزال يحتفظ بيديها بين يديه ويضغط عليها فنظرت فى عينيه مباشرة لأول مرة منذ الأمس ورأت الترقب فى نظراته .. أنه مهتم بردها ويبدو أن موافقتها تعني له الكثير فقالت تدفعها ثقة لا تعرف كنهها
– حسنا أقبل .
رمش بعينيه وكأنه تفاجأ من ردها أو كما لو أنه لم يتوقع موافقتها السريعة على طلبه ومن ثم أبتسم براحة .. وكالعادة كلما أبتسم تتغير ملامح وجهه القاسية وتأخذ شكلا جذابا آثرا وقال
– شكرا لقبولك بي ولثقتك في .. وأعدك بأنك سوف تكوني معي بأمان ولن أجبرك على شئ أبدا .
حاول أن يقربها منه لمعانقتها ولكنها أرجعت رأسها الى الخلف ورمقته بنظرة قلقة ومتجهمة فقال ضاحكا وهو يتراجع
– حسنا .. لا عناق بدون ألتزام .
صححت له قائلة بعبوس
– بل لا عناق بدون زواج .
لم تختفي ضحكته كما توقعت بل أتسعت ولمعت عيناه قائلا
– لك ما تريدين .
ثم غمز لها بعينيه مازحا ثم وقف وقال
– سأتركك ترتاحين وسوف أنتظرك بالأسفل لنتناول الغداء معا .
عبست متردده فقال
– يجب أن تعتادي على فكرة أنك جزء من حياتي وليس مجرد موظفة عندي .
أبتلعت ريقها بصعوبة وقالت
– وماذا عن الأخرين ؟
قال بقسوة
– وماذا عنهم ؟ لا أحد منهم وصيا عليك أو علي .
قالت بخفوت
– وجليلة ؟
– قريبا سوف تفهم ان لم تكن قد فهمت حقا أن لا وجود لها فى حياتي ومنذ سنوات .
ترددت للحظات ثم قالت
– عندما نقرر الزواج .. أو أقصد اذا ما حدث وقررنا ذلك هل تقوم بخطبتي من أبي ..
وعندما رأته يعبس قالت
– سيفرق هذا معي كثيرا .. مازلت أشعر بالذنب لأنني أتجاهل العائلة التى تبنتي وأحتضنتني .
– أنهم يعرفون أنك بخير .. ومن مصلحتك عدم التحدث اليهم والتواصل معهم فى هذه الفترة وكما قلت لك لقد أرسلت من يطمئنهم عنك .
ثم زفر بقوة وقال وهو يرى كآبتها
– ولكن أعدك أن ألبي لك طلبك عندما يحدث .
****
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ملاك يغوي الشيطان) اسم الرواية