رواية ملاك يغوي الشيطان الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم مايسة ريان
وضعها خالد فى حجرته الخاصة وأغلق الباب عليها من الخارج بالمفتاح .. كانت قد أستسلمت لمصيرها ولم يعد لديها القدرة على المقاومة ..
دارت بعيناها تتأمل ما حولها .. فراش أسود وأغطيته حريرية سوداء وسجادة الأرض ةالستائر أيضا كانت سوداء الجدران وحدها كانت شديدة البياض .
طلب منها خالد أن تستعد لكتب الكتاب ولكنها لا تعرف كيف تستعد ..
أنسابت دموعها من جديد وهي تقف فى منتصف الغرفة لا حول ولا قوة لها .
فتح الباب ودخل خالد ونظر اليها عابسا وقال
– هل مازلت تقفين هكذا ؟
أقترب منها وكان يحمل شيئا مغلفا بين ذراعيه وعلبة مستطيلة وتابع
– أرتدي هذا .. لقد وصل المأذون .
تجمدت الدماء فى عروقها واتسعت عيناها من الخوف , جز خالد على أسنانه غاضبا من ردة فعلها وصاح
– لا تختبري صبري يا زينة .. حتى الأن أنا أتعامل معك بطريقة جيدة فلا تدفعيني لكي أغير معاملتي لك .
ثم ألقى بما فى يده على الفراش وقال قبل خروجه
– أمامك نصف ساعة فقط بعدها سأعود وان لم أجدك جاهزة سأضطر الى مساعدتك بنفسي .
أنكمش جسدها وارتجفت شفتها السفلى فتابع بنفاذ صبر
– وبالله عليك كفي عن البكاء .
****
رن جرس الباب وانتظر ولكن لم يجيبه أحد ..
أنتظر قليلا وطرق الباب بقوة وكانت النتيجة واحدة ..
أصابه اليأس فأمله الأخير كان في أن تكون قد عادت الى بيت والديها ولكن لا يوجد أحد هنا .
جلس آدم على درجة السلم المواجه للباب ودفن وجهه بين كفيه بتعب .. أخبره فراس من قبل أن غضبه سوف يفقده
وقد فقد أهم شئ حصل عليه فى حياته .. لو كان فكر وتريث لأدرك أن زينة ليست فتاة تلقي بنفسها على رجل وكان من الأولى أن يكون هو ذلك الرجل .. لقد أحبته وكان من السهل عليه أن يكتشف ذلك من شدة تعلقها به وعيناها التى تبحث عنه بأستمرار .. أنها شفافة كطفل صغير يسهل قراءة مشاعره .. أراد أن يحتفظ بها بجواره سعيدا بأمتلاكها .. أعجبه شعور الصفاء الذي يشعر به وهي بجواره .. فكرة أن يمتلك امرأة بمواصفتها كانت تغريه وعندما شعر بمنافسة أصدقاءه له هب ووقف كجدار عازل بينها وبينهم ووكان على أستعداد لخسارتهم من أجلها وأدرك أخيرا أن ما يدفعه لذلك لم يكن حب الأمتلاك ولكنه حب من نوع آخر .. مشاعر الغيرة الحارقة صدمته وهو يراها بين ذراعي حميد .. أعمته الغيرة والغضب الى حد جعله يفكر بقتلهما فى تلك اللحظة .. ذهب وقرر تركها وهو يلعن نفسه لأنه أحب بعد أن كان يعتقد بأنه أصبح محصنا ضد مشاعر الضعف التي تسمى الحب .. فقد خانته جليلة وأحس بالقهر مما فعلته به ولكن خيانة زينة كادت أن تفقده عقله وحرقت قلبه وتقريبا تمنى الموت عن ذلك الأحساس .. أمر بيدرو بتحضير القارب للأبحار ولم يجيب على أسألة الشاب عن الآخرين وصرخ فى وجهه أن ينفذ الأمر أو يترك القارب هو الآخر وظل يدور حول نفسه ككتلة من النار يلعن نفسه ويلعن الجميع وكان تقريبا فى منتصف الطريق الى اسبانيا عندما بدأ يفكر .. فقط عندما بدأ يشتاق اليها .. فقدها كان أكثر قسوة على قلبه من أي شئ آخر .. تذكر عندما هجروها وحدها في ميلانو .. عندما أختفت وكاد يفقد الأمل فى العثور عليها ثم رآها وهي تعبر الطريق شاردة وجسدها النحيف منكمش بخوف وكادت سيارة أن تصدمها فتوقف قلبه لحظتها عن الخفقان .. صورتها وهي تحدق فى وجهه بلهفة وعدم تصديق ثم ألقاءها بنفسها بين ذراعيه تحتضنه قوة وتتهمه باكية بأنه تركها وحدها وذهب .. كل ذلك جعله يفكر بعيدا عن الغضب المدمر الذي كان يلغي عقله وجملة واحدة ظلت تتردد .. مستحيل أن تكون زينة خائنة ولا يمكن أن تتحول لفتاة مستهترة .. لذلك أمر بيدرو بأن يدور بالقارب والعودة به الى مونت كارلو وهو يدعو أن لا يكون تأخر كثيرا وأن لا تكون قد سقطت بين أيدي مطارديها .. لقد فعل الكثير كي يمنعهم عنها ويخفيها , وفى الفندق وجد الجميع قد رحل وكانت حجرتها الوحيدة التي لم يتم تسليمها ووجد ملابسها القليلة مازالت هناك ولكن هي كانت قد أختفت بحث عنها فى كل المدينة ولم يعثر لها على أثر وقد قابل أحد أصحاب القوارب التي كانت ترسو جوارهم وأخبره أن فتاة كانت تبحث عن قاربه وبدت قلقة وخائفة .. وكانت تبكي .. بكى قلبه وتقريبا دمعت عيناه التي لم تعرف البكاء يوما وكان أمله الأخير والواهي أن يجدها قد عادت الى بيت والديها .. رفع وجهه ونظر الى الباب الموصد والذي يعتليه الغبار .. فى المرة السابقة التي جاء فيها الى هنا لم يكن يكسوه الغبار وفتحت له الباب فتاة جميلة شاحبة الوجه بدت خائفة ومضطربه فعرف على الفور من تكون .. أنها أخت زينة فشعر بالأشمئزار وسألها بقسوة
– هل السيد مختار موجود ؟
كان هنا فى مهمة مقابلة والد زينة وطمئنته عليها قبل أن يباشر بتغيير هويتها لأخفاءها عن من يطاردها بعد أن جاءته التحريات التي طلبها بأن أصحاب ذاك اليخت يبحثون عنها .
دمعت عينا الفتاة وقالت صوت يرتجف
– لقد مات أبي .
عبس آدم شدة وشعر بالتعاطف مع زينة وليس مع تلك الفتاة وقال
– البقاء لله .. وزوجته هنا .
سألته بريبة
– من أنت ؟
ابتسم ساخر وقال بلهجة آمر جعلت الفتاة تقفز فزعا دون سبب حقيقي لذلك
– أريد مقابلتها من فضلك .
– تبدو مثله .. هل هو من أرسلك ؟
ضاقت عيناه
– من هو .
تراجعت الى الخلف فتبعها الى الداخل وسمع صوت مرهق يقول
– من بالباب ؟
ألتفت برأسه الى أتجاه مصدر الصوت
– هل هذه والدتك ؟
لم تجب وظلت تحدق به بخوف, خروج والدتها شتت أنتباهه بعيدا عنها وسألت
– من الأستاذ يا نبيلة ؟
ولدهشته ظهر الخوف عليها هي أيضا وتساءل عن السبب وان كان هناك من يرهبهما
– أنا هنا بخصوص زينة .
كادت المرأة أن تفقد وعيها فأسرع يمسك بيدها فقالت له بتوسل
– هل تعرف أين هي زينة ؟ .. هل هي بخير ؟ .. طمني عليها .
ثم انخرطت فى البكاء وأخذها الى أحد المقاعد وأجلسها عليها وقال يطمأنها
– زينة بخير .. أنها تعمل عندي ولكن خارج مصر .. لا تقلقي عليها جئت لكي أطمأنكم عليها فهي كانت قلقة من أجلكم .. وآسف بشأن وفاة والدها فقد كانت متعلقة به جدا كم كما فهمت منها .
– حمدا لله .. حمدا لله .. أنها فتاة طيبة ويتيمة وتستحق الخير .. مات أبوها حزينا ومقهورا عليها .
جاء صوت نبيلة ضعيفا ومترددا من خلفه
– هل هي بخير حقا ؟ .. لم تمت أليس كذلك ؟
استدار اليها ووجد الدموع تغرق وجهها وتتابع
– لا تجعله يجدها .. أنه يبحث عنها ولن يرتاح الا اذا وجدها .
سألها بحدة
– من هذا ؟
– أنه الشيطان الذي فعل بنا كل هذا .
وكانت قد وضعت يدها على بطنها بطريقة جعلت عينا آدم تتسع بأدراك .. أنها حامل ومن ذاك القواد .. فهزت له رأسها
– نعم .. وهو يريدها كذلك وأكثر مما أراد أي شئ فى حياته .
قالت أمها بتوسل
– ولا تخبرها بأن والدها قد مات يا بني .. ليس فى غربتها هذه .
خرج يومها من عندهم وهو مصر أكثر على حمايتها وبأي شكل .
****
في الحديقة كان فراس يحمل ابنه حمدان على كتفيه ويدور به والأخير يضحك بمرح ثم أنزله أخيرا وقال
– هذا يكفي لقد أتعبتني .
وضعه على الأرض وبحث بعيناه عن أروى ولم يجدها .. كانت تجلس تراقبهم وتضحك ولكنها أختف وهذا أشعره بنوع من الحرمان ..
فكر بمكر .. ربما تكون قد صعدت الى غرفة نومهما وهذا هو المكان الذي يتمنى أن يجدها فيه .. أسرع يعتلي الدرج وهو يمني نفسه بساعة من الراحة بين أحضانها .
وجدها هناك بالفعل تجلس على حافة الفراش وظهرها اليه .. صعد الى الفراش وطوقها بذراعيه من الخلف دافنا وجهه فى عنقها يتنشق رائحتها التي لا تشبه غيرها
– أين ذهبت ؟
لم تجيبه وبعد لحظات أدرك أنها لا تتجاوب معه كما أعتاد خلال الأيام القليلة الماضية منذ عودته والخجل الذي أصبح يثيره أكثر من الأغراء الوقح .
سألها
– هل أنت بخير ؟
رفع وجهه ونظر الى جانب وجهها ولاحظ أنها شاحبة وشاردة وكأنها لا تشعر بوجوده فأعتدل جالسا لى جوارها وأدار جسدها اليه وهاه نظرة الخواء فى عينيها فقال بقلق شديد
– حبيبتي ؟ .. ماذا بك ؟
لم تنظر الى عينيه فهزها برفق
– أروى ؟
ودون سابق أنظار أنسابت الدموع غزيرة من عينيها ونظرت الى عينيه .. حزن ولوم وعتاب .. مرارة وخيبة أمل .. رسائل وصلت اليه من خلالهما فقال بضعف وغصة بحلقة
– أروى .. أنا ..
مدت له يدها التي تحمل هاتفها فأخذه منها وهو يحاول أبتلاع ريقه ..
العديد من الصور له مع كاميليا ومنها صور لهما أخذت فى غرفة نومهما .. شعر بالبرودة تجتاح جسده وغار قلبه
– من أرسلهم ؟
وقفت ببطئ وابتعدت عن الفراش تحدق به .. للحظات ثم قالت بصوت متحشرج
– وهل من المهم أن تعرف من أرسلهم ؟
عجز عن الرد فتابعت بصوت أقوى قليلا
– المهم هو هل هذه الصور حقيقية أم لا .
وعندما لم يقل شيئا وأطرق برأسه صاحت
– صحيحة ؟ .. تتركني هنا بالأيام والأسابيع وحدي أشتاق اليك بحجة الأعمال وأنت تقضي أوقاتك بين ذراعي النساء .. كم مرة خنتني ؟
– كنت متزوجا منها .
قالها بخجل شديد غير قادر على النظر الى وجهها فقالت بمرارة
– تزوجتها ؟ .. وكم امرأة تزوجتها دون علمي .. الشرع حلل لك الزواج ولكن حرمه ان لم تعلم زوجتك به .. فهل أعلمتني .. هل خيرتني بين الموافقة عليه أو تركي لك .
رفع اليها وجهه متفاجئا فتابعت بمرارة
– هذا حقيقي .. من حقي أن أرفض وأطلب الطلاق ان لم يناسبني زواجك بأخرى علي .. هذا هو شرع الله الذي ذهبت وخالفته .. لقد خنتني وأهنتني وبسبب امرأة يستطيع أي رجل الحصول عليها .
وقف فراس وقد شحب وجهه بشدة .. حتى أروى تعرف عن كاميليا ما لم يكن يريد أن يصدقه عنها .. مد يده محاولا لمسها فأنتفضت تبتعد عنه وهذا آلمه بشدة
– لقد أخطأت ولكني عرفت خطأي وتعلمت منه وجأتك نادما تائبا وأريد أن أكرث بقية عمري لك ولأولادنا .
ضحكت بمرارة ساخرة
– وهل علي أن أصدقك ؟ .. وهل يجب علي أن أسامحك بهذه البساطة ؟
قال يترجاها
– أعرف ان مسامحتك لي لن تكون سهلة ولكن ..
قاطعته بغضب وعنف شديد أذهله أن يراه منها
– لن يكون هناك سماح من الأصل .. لقد أنتهى كل شئ .. تحملت أنانيتك وجفاءك على أمل أن يأتي يوم وتراني فيه كما أراك .. كنت أصبر نفسي بأنك نوع من الرجال يأتي عمله فى المرتبة الأولى قبل زوجته وقدرت تعبك من أجلنا وقمت بدور الزوجة الوفية العاقلة ولكن أتضح لي انني مجرد زوجة غبية .. هل تعرف ما الذي ضحيت به من أجلك ..
لم يرد لأنه لا يعرف فتابعت
– كنت قد بدأت بتحضير أوراقي للسفر الى أوروبا لعمل دراسات عليا وكان هذا حلمي وأمل أبي ورغبته وكان يشجعني .. أراد أن يراني أستاذة جامعية يفتخر بها وعندما تقدمت لخطبتي تركت حلمي وحلم عائلتي من أجلك ورضيت أن أصبح فقط زوجة وأم وكنت فخورة بذلك .. وهل تعرف بماذا أشعر الأن ؟ .. أشعر بأنني ضيعت سنين عمري هدرا .. على رجل لا يستحق مجرد التفكير به .
ابتئست نظرات فراس وانقبض قلبه وهو ينتظر ما هو آت
– أريد الطلاق .. سوف أعود الى بيت أبي وأرجو أن تتم أجراءات الطلاق دون مشاكل .
تركته وانصرفت برأس شامخ ووقف هو مطرق الرأس يتجرع مرارة الهجر .
****
خرجت زينة من الغرفة ترتدي ثوب زفاف أبيض وحذاء أبيض عالي الكعبين .. وقف خالد أمامها ببذلة سهرة وكان رائعا .. يخطف أنفاس أية امرأة بوسامته المدمرة وشخصيته الطاغية وأبتسم لها بحب ورقة وقال وعيناه تلمعان
– رائعة كما تخيلتك دائما .
أمسك بيدها فأرتجفت فقال وهو يحتضن يدها الى صدره
– أحبك .. أستطيع أن أبادل العالم كله بك .
ثم وضع ذراعها بذراعه وسار بها الى الصالون حيث يوجد المأذون وأثنين من الرجال .
تم كتب الكتاب ومرت الأجراءات كالحلم على زينة وأنهالت المباركات ن الشيخ والشهود وبعد لحظات كانوا قد رحلوا وأصبحت وحدها مع خالد .. مع زوجها .
****
تفاجأت نبيلة بذلك الرجل يجلس على درجة السلم أمام باب بيتهم
– أنت ؟
رفع آدم نظره بلهفة ورأى أخت زينة تقف أمامه وكان الرهاق جليا على وجهها فسألها على الفور بلهفة
– هل عادت زينة ؟
قالت بحدة
– ألم تقل أنها معك ؟
– لقد أضعتها ولا أستطيع العثور عليها .
شحب وجهها أكثر وقالت
– قد يكون خالد وجدها .
هب واقفا وقال
– هل تعرفين أين يمكن أن أجده ؟
– أعرف بيته .. نعم .
سحبها من يدها الى السلم بعنف
– خذيني اليه .
تراجعت برعب وهزت رأسها بذعر
– لا .. لا .. انت لا تعرف ماذا يمكن ان يفعل بي .. سوف يقتلني ..
غلى صدره وسرى الخوف فى اوصاله .. زينة .. قد تكون الأن تحت رحمة ذلك الشيطان .
جذبها بشدة
– كفري عن ذنبك فى حقها .. يجب أن أجدها .
******ا
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ملاك يغوي الشيطان) اسم الرواية