رواية لهيب الروح الفصل الثاني 2 - بقلم هدير دودو
صــرخـات متألمة ترتفع في المكان وخارجه، ترتفع بقهر وهو يضربها بجنون وقوة شديدة كأنه يخوض معركة ضارية لابد من أن ينتصر فيها عليها، يريد قتل روحها تمامًا بقتل طفلها، يضربها بتلك الطريقة عن عمد، يصب تركيزه على بطنها يركلها بقدمه بقوة شديدة.
تحاول بكل جهدها وطاقتها النافذة أن تحمي طفلها لا تريد أن تفقده، تحاول التمسك به، تحاول أن تصمد امامه في معركته التي يخوضها، لكن كيف ستقف أمامه وهي في تلك الحالة الهزيلة الضعيفة، لازال هو يضربها بتلك الطريقة الجنونية المتوحشة، يتعامل وكأنه يهاجم وحش مفترس لكنها هي عكس ذلك تمامًا هي كالهشة أمامه ضعيفة منكسرة، تضع ذراعيها أمام بطنها بضعف، تمتمت بخفوت من بين صرخاتها مقتربة منه زاحفة ارضًا
:- خلاص يا عصام…خلاص عشان خاطري كـفـايـة يا عصام كفاية، ابوس رجلك كفاية متقتلهوش دة ابنك..
انهت حديثها ممسكة بقدمه تقبلها بقهر، بكاءها يزداد وصوتها ينتحب مما يحدث لها، لكن هل سيكتفي ويتركها؟ هل هو ساذج ليعفو عنها ببضع الكلمات التي تفوهت بها وبتلك الحركة المهينة التي افتعلتها؟
بالطبع لا لن يتركها، هو لا يريد حملها ضغط بقدمه التي تمسكها فوق وجهها بقوة شديدة، وقدمه الاخرى يركلها بها في بطنها العديد من الركلات القوية حتى بدأ الدماء يسيل من بطنها بغزارة، صائحًا بغضب عارم مستمر في ركلاته لها
:- مش عاوزه، أعمل اللي يعجبني فيه.
أغمضت هي عينيها مستسلمة بضعف بعدما رأت الدماء التي بدأت تسيل منها شعرت بالدماء اللزجة بين قدميها، علمت أنها لم تستطع أن تحافظ على طفلها وقد نجح في قـ ـتله، ألم شديد تشعر به لكنه لم يضاهي ألم قلبها وحسرتها التي توجد بداخلها، استسلمت تمامًا لتلك الدوامة القوية المؤلمة التي دلفت بها..
وقف يطالعها بانتصار وهي فاقدة لوعيها والدماء تسيل من أسفلها معلنة عن فعل ما كان يريده وهو قـ ـتل ذلك الطفل الذي لم ياتي على الدنيا، قـ ـتل مجرد نطفة تتكون بداخلها، قـ ـتله لمجرد أنه لم يريده، قـ ـتل روح بريئة لينفذ ما يريده فقط.
جلس فوق الفراش غير مبالي بتلك المُلقاة أرضًا ودمائها حولها، كأنه فعل شئ معتاد مألوف يفعله الجميع.
بعد مرور بعض الوقت عليه خرج من الغرفة متوجه إلى غرفة والدته التي كانت تجلس ببرود فوق الفراش تستمع صرخات تلك المسكينة الضعيفة ببرود لم تبدى أي رد فعل أو شفقة عليها، تقابل تلك الصرخات المرتفعة التي تقطع انياط القلب بلا مبالاه وبرود من دون أدنى اهتمام لما يحدث في تلك الغرفة اللعينة..
طالعته بنظرات مندهشة عندما رأته يدلف الغرفة عليها، تحدثت مردفة بنبرة متسائلة لم تخلو من الدهشة والسخرية
:- إيه يا عصام خير عاوز إيه لو أن من وراك ميجيش خير؟
لم يرد عليها أو يعير لحديثها أي اهتمام بل تعامل كأنه لم يستمع إليها، سار مقتربًا منها في عجالة مقبض فوق يدها يغمغم مسرعًا
:- تعالى بصي جوة في حاجة مهمة حصلت.
نفضت يدها الممسك بها وتنهدت بضيق، ثم نهضت على مضض متمتمة بتهكم ساخرًا
:- اما نشوف في إيه تاني ماهي جوة صوتها كان مسمع إيه ماتت، اهو يكون احسن برضو هتغور.
ولجت الغرفة ووقفت متطلعة ببرود نحو تلك الساقطة كالجثة الهامدة أرضًا ببركة الدماء التي تحطيها، كيف لها أن تقابل رؤيتها لذلك المشهد ببرود؟ كيف لم تثور وتغضب عليه بسبب ما فعله؟ هل انتزعت الرحمة من قلبها أم قلبها متوقف من الأساس ألة تنبض بلا مشاعر؟
مدت شفتيها إلى الأمام بغضب وسارت مقتربة منها نزلت إلى مستواها وبدأت تضرب فوق وجنتها بقوة، متحدثة بضيق ساخر
:- ما تقومي يا بت أنتِ هتستهبلي علينا ولا إيه، أنتِ كدة كدة مكانك في الزبالة حتى لو موتي قومي ومتستهبليش.
ظلت تكرر ضرباتها عدة مرات متتالية بقوة أكثر تزداد عن كل مرة سابقة حتى فقدت الامل من أن تجعلها تستعيد وعيها، فنهضت تقف قبالته مغمغمة له ببرود شديد وصرامة
:- لأ بص أنا مليش دعوة ماتت عاشت متهمنيش شوف أنتَ هتعمل إيه فيها بس مع نفسك بقى، أنا مليش فيه او روح للي خلاك تتجوزها هو يتصرف ويشوف عاملتك هو.
أنهت حديثها وسارت متوحهة نحو الخارج بلا مبالاه كأنها لم ترى شئ غير مألوف، هي بالاساس تعامل تلك الفتاة كالدمية، تتعامل معها وكأنها شئ لا يشعر ولا يؤثر بها أي فعل يفعله ابنها، حتى أن حدث لها شئ لن يعنيها، بل من الممكن ان تشارك في اذيتها أيضًا لما لا فـ عصام مثلها يشبهها كثيرًا، ولكن هو على نسخة أسوأ منها.
وقف هو لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله، بالطبع من المستحيل أن يذهب بها إلى مستشفى أو أي مكان للرعاية الطبية لأن ذلك سيجعله يدلف في العديد من التحقيقات والتساؤولات لم يجد أمامه حل سوى الاتصال بعمه كما تحدثت والدته قبل ذهابها من الغرفة وتركها له بمفرده.
أسرع ممسك هاتفه ودق على فاروق الذي كان في تلك الأثناء يجلس في منزله مع زوجته وابنته، قطب جبينه بدهشة عندما علم أن الأتصال من عصام وفي ذلك الوقت المتأخر يعلم جيدًا أن هناك كارثة قد حدثت أو قد افتعلها.
نهض مبتعد عن الجميع ليستطع التحدث بأريحية، غمغم متسائلا بجدية شديدة ونبرة حازمة مشددة
:- إيه يا عصام في إيه عملت إيه أنتَ دلوقتي؟
رد عليه يخبره بما حدث معه بتوتر وقلق، بالطبع لم يكن قلق عليها بل كل قلقه من أن يحدث له شئ بسببها، لكن أن كان الأمر عليها كان سيتركها بدمائها من دون أدنى اهتمام بها
:- الموضوع مش هينفع في التليفون يا عمي، تعالى بس بسرعة في حاجة مهمة.
همهم يرد عليه ثم أغلق معه وسار مسرعًا نحو الخارج في عجالة ليفهم ما الذي فعله عصام وماذا يريد منه، انطلق سريعًا بسيارته..
وصل فاروق المنزل ترجل من سيارته بشموخ والصرامة بادية بوضوح فوق قسمات وجهه، وجد ذلك يقف في انتظاره والتوتر يبدو عليه، اقترب منه متسائلًا بعدم اطمئنان
:- في إيه يا عصام أنتَ جايبني على ملى وشي ليه، عملت مصيبة إيه لكل دة؟
لم يتفوه أو يخبره بأي شئ بل توجه به إلى داخل ممسكًا بيده وسار صوب غرفته جعله يشاهد ما فعله من دون أن يتحدث.
وقف فاروق يشاهد ذلك المنظر الشنيع الذي أمامه من دون أن يبدى أي رد فعل، كان من المتوقع أن يُصدم مما فعله أبن أخيه، ذلك المشهد ليس هين بل يهز له الأبدان، مسكينة غارقة في دمائها ولم يهتم أن يطمئن عليها إن كانت لازالت على قيد الحياة وتلتقط أنفاسها، أم توفت وانتهت حياتها بعد الذي حدث لها..
تخلى فاروق عن صمته الذي طال وهو يشاهد ما حدث، متحدثًا بضيق وحدة
:- يعني أنتَ متصل بيا عشان دي، ما خلاص مش عملت اللي عملته أنتَ عاوز إيه مني ماتت ولا عايشة ما تشوفها أنا هعمل إيه يعني.
هل هؤلاء بشر مثلنا؟ كيف يتعاملون معها بتلك الطريقة؟ هي حياتها أو موتها لم يهم أحد ولكن كيف يتحدثون عن الأمر كأنه أمر طبيعي متداول لدى الجميع..
تنهد عصام متمتم بجدية تامة شارحًا له الأمر الذي يريده منه
:- لا عايشة يا عمي لو ماتت مكنتش جبتك، بس مش هعرف اوديها مستشفى أنتَ عارف اللي هندخل فيه لو دة حصل.
اومأ برأسه إلى الأمام متفهمًا ما يريده منه، فاردف بجدية شديدة وهو يوليه ظهره
:- طب شوف ارفعها من الأرض ولا هتعمل إيه وأنا هجيب حد اعرفه يتصرف هو.
نفذ الاخر ما قاله عمه توجه نحوها يرفعها فوق الفراش بلا مبالاه، يعاملونها كشئ نكرة ليس له قيمة أو أهمية سوى أن تُهان وتلبى رغبات ذلك المريض، بينما فاروق فقد اجرى اتصاله ثم التفت نحوه متحدثًا بصرامة شديدة
:- في دكتور هيجي مش هيسأل عن أي حاجة حصلت، والحوار هيخلص خالص على كدة.
ابتسامة ماكرة زينت محياه ووقف في الغرفة يشعر بالأنتصار والسعادة مما فعله معها، يطالع هيئتها بسعادة حقيقية وكأنه انتصر في حرب، لم يستطع أن يستخدم قوته سوى عليها هي، لكن مهلًا هل ما يفعله هو بها قوة؟ بالطبع لا ذلك ليس له علاقة بالقوة بل هو اعتراف صريح منه على عدم رجولته وعجزه.
خرج فاروق من الغرفة متوجه إلى أسفل بعدما قد أنهى ما جاء لأجله، لكن قبل أن يذهب استوقفته مديحة التي تفوهت باسمه
:- فـاروق استنى.
تنهد بصوت مسموع يئس ثم عاد ببصره متطلعًا نحوها، غمغم متسائلا بجدية صارمة
:- نعم يا مديحة عاوزة ايه؟ لو على الحوار اللي عمله ابنك فخلاص أنا خلصته.
بالطبه هي لن تتحدث عما فعله ابنها كما يقول فذلك أمر لن يهمها ولن تعطيه أهمية فقد اعتادت على أفعال ابنها مع تلك الفتاة إذا قـ تلها لن تهتم، وقفت قبالته وتحدثت ترد عليه بعدم رضا وجدية هي الأخرى مثله تمامًا
:- لأ اكيد أنا مالي باللي عمله ابني ما انشالله يموتها وتغور في داهية، أنا هتكلم في اللي ابنك أنتَ بيعمله مع بنتي يا فاروق، أنا وأنتَ متفقين أن جواد لـ أروى زي ما أروى لـ جواد وأنا بنتي فاهمة دة ومتقبلاه، ابنك أنتَ ماله بيعاملها وحش ومزعلها دة بيعامل الوسـ*ـة الزبـالة اللي فوق احسن منها.
أغمض عينيه بضيق مزمجرًا بغضب من أفعال ابنه التي يعلمها، غمغم متحدثًا بتعقل
:- خلاص انا هتصرف وهشوف الحوار وأحله انا معاه بنفسي، قوليلي لـ أروى متزعلش جواد كدة كدة ليها.
حركت رأسها باستحسان لما يتفوهه متمنية أن ينفذ ما يردف به يقوم بالسيطرة على ولده ليجبره بالزواج من ابنتها، لكنها لم تصمت بل تمتمت بشراسة تهدده بوضوح حاد
:- ماشي يا فاروق بس أنتَ عارفة الليلة واللي أنا أقدر اعمله كمان، أنا بسكت بمزاجي.
ازدادت ملامحه غضب وحدة، رامقًا إياها بنظراته المشتعلة بضراوة، سار بخطواته الشامخة متوجه صوب الخارج من دون أن يعقب على حديثها، لكنها استوقفته مرة أخرى مردفة بسخرية
:- صح يا فاروق ابقى سلملي على جليلة حبيبتي، أنتَ عارف بحبها ازاي.
رد عليها بلهجة مشددة حازمة يملأها الصرامة والغضب معه
:- مديحة ملكيش دعوة بيها، أنتِ عاوزة ايه دلوقتي جليلة متخصكيش اصلا.
سار بخطوات واسعة مسرعة نحو الخارج من دون أن ينتظر ردها، يشعر بالغضب الشديد يجتاح كل ذرة به خاصة أنه يعلم المعنى الخفي لحديثها الملئ بالشفرات، تلك الشفرات الخاصة الذي يستطع هو فقط أن يفكها ويفهم ما تريده من خلالها.
صعدت هي متوجهة نحو غرفتها مرة أخرى بابتسامة شيطانية واسعة تزين ثغرها الماكر تعكس شعورها الداخلي الذي تخفيه في قلبها لذاتها فقط.
بعد المرور بعض الوقت
جاء الطبيب الذي احضره فاروق وكان يقف في الغرفة يمارس عمله متكلت نحو جسد تلك الفتاة الملئ بالكدمات المتنوع زمنها من بين الحديث والذي حدث للتو، محاولًا فهم ما يحدث معها، لكنه لم يجرؤ على التساؤل أو التفوه بأي شئ، بل ظل مع حيرته في صمت تام.
قام الطبيب في النهاية بحقن بعض الأدوية في وريدها، ثم عاود بصره نحو عصام قائلًا له بعملية
:- كدة تمام يا عصام بيه، المدام هتبقى كويسة خلاص وهتفوق كمان.
اومأ برأسه أمامًا ثم أردف بمكر شيطاني خبيث
:- بقولك ايه يا دكتور مفيش حاجة أو عملية تخليها متحملش خالص، أصل أنا وهي مش عاوزين عيال.
تطلع الطبيب ارضًا بأسف، وغمغم بحزن متنهد تنهيدة حارة
:- هو للأسف يا عصام بيه دة اللي كنت هقوله لحضرتك المدام بعد اللي اتعرضتله دة كله أثر على الرحم بتاعها هي مش هتقدر تحمل تاني، دة مسكن ضروري تاخده لأنها ضعيفة وتعبانة جدًا دة هيحاول يقلل معاها الوجع.
ابتسم بسعادة عندما يستمع إلى كل كلمة بتفوهها الطبيب عما فعله بها، هو جعلها غير قادرة على الإنجاب نهائي سيستخدم كل ذلك للضغط عليها سيجعلها تتألم نفسيًا ايضًا ليس بدنيًا فقط كما كان يفعل من قبل..
نعم هو يفعل كل ذلك من اجل رؤية ألمها وذلها بعينيه متلذذًا فرحًا بدموعها التي تسيل من عينيها، بصرخاتها المتألمة التي ترتفع بعد كل ضربة يهوى بها فوق جسدها، نظرات الرهبة والرعب الظاهرة بوضوح داخل عينيها عندما تراه فقط، أنفاسها التي تكتمها عندما فقط يدلف الغرفة، كل ذلك يرضيه بشدة ذلك يسعى لفعله، سار مع الطبيب بعد ذلك متوجه به إلى أسفل ليصل به خارج المنزل.
في تلك الأثناء قد استعادت تلك المسكينة الهزيلة وعيها، لكن لأنها تعيسة الحظ لا هي ليست تعيسة فقط بل هي ليس لديها حظ من الأساس قد استمعت إلى كلمات الطبيب تخترق أذنيها بقوة، نعم قد علمت أنها أصبحت غير قادرة على الإنجاب مرة أخرى في حياتها باكملها، وضعت يدها فوق بطنها بضعف شديد، فقدت صحتها، قوتها، وجمالها كل ذلك بسببه وها الآن اكتمل شعور الفقدان لديها بعد فقدانها لطفلها مصطحبًا لشعور الأمومة التي كانت تحلم أن تحظى به يومًا منذ صغرها.
تود الصراخ…الصراخ حتى الفناء من تلك الحياة القاسية عليها بضراوة، تريد أن تصرخ من حسرتها ووجع قلبها على ما فقدته تلك المرة، لا تعلم ماذا يجب عليها فعله لتنهي ذلك الألم الذي تعيش فيه، لم يكن ألم طبيعي مثل الذي يشعر به الجميع لفترة ويزول بل ألم مستمر معها حتى نهاية الدهر.
تفكر في الهروب منه، لكنها فعلتها ثلاث مرات من قبل، هل ستفعلها الرابعة؟! تتذكر هروبها في المرة الاولى عندما قد عادت إلى والديها ثم بعد ذلك بدأت تهرب منه في الشوارع من دون أن تحدد هدفها لكنه كان يبحث عنها ويعيدها الى سجنه وجحيمه مرة اخرى، كان فقط يشدد السجن عليها، يزود عدد الحراسة في المنزل بالخارج والداخل، لكن من أكثر المرات التي حُفرت في عقلها عندما هربت وعادت إلى منزلها مع والديها ورد فعلهما القاسي معها.
شرد عقلها في أحداث تلك المرة القاسية عليها بشدة، ذكرى من اسوأ الذكريات الغير مستحبة لديها
❈-❈-❈
أخبرته في ذلك اليوم قبل أن يذهب أنها ستجلس في الحديقة الخاصة بالمنزل، لكنها لم تكن نواياها الجلوس في الحديقة بل كانت خطتها الهروب من الباب الصغير الموجود في الحديقة والذي لم يعلم حتى يومها هذا أنها تمتلك مفتاح ذلك الباب.
استخدمت ذلك الباب في الخروج من المنزل وسارت من خلاله نحو الحارة الشعبية التي كان يسكن فيها والديها، لكنها تفاجأت حينها بعدم وجود أي شخص بها، وبعد العديد من التساؤولات تتذكر جارتها التي اخبرتها بتعجب مدهش
:- إيه دة يا رنيم يا حبيبتي أنتِ متعرفيش ولا إيه غريبة، ما أهلك نقلوا با بت في شقتهم الجديدة داخلين في شهرين تلاتة.
بدت معالم الدهشة حقًا فوق قسمات وجهها هي الأخرى متذكرة حديثه عن أهلها وكلمته الدائمة لها بأنه قد اشتراها ودفع ثمنها الزهيد الهابط نسبةً له، تمتمت متسائلة بخفوت شديد وقلق
:- طـ… طب يعني يا طنط، هو…حضرتك متعرفيش العنوان الجديد معلش لو بتعب حضرتك أصل بتصل محدش بيرد نهائي.
طالعتها السيدة في ذهول وتعجب من تلك التي تقف تسأل عن عنوان منزل والديها الجديد، لكنها أسرعت تجيبها مسرعة بتعجل
:- أه يا حبيبتي استني أمك كانت مدياني العنوان في ورقة عشان لو حبينا نزورها، ثواني هدخل اشوفهولك، ادخلي طب يا حبيبتي.
ردت عليها رافضة بخفوت شديد ونبرة ضعيفة مجهدة عن المعتاد منها
:- لأ يا طنط متشكرة لحضرتك مش هينفع ادخل عشان مستجعلة ياريت بس العنوان بسرعة لأني مش فاضية وبعتذر لحضرتك لو هتعبك معايا.
ردت عليها بهدوء وهي تسير صوب الداخل تبحث عن تلك الورقة التي تريدها التي يوجد بها العنوان الجديد لوالديها
:- لا يا حبيبتي تعب إيه مفيش تعب ولا حاجة.
غابت في الداخل لبضع دقائق ثم عادت تحمل ورقة صغيرة أعطتها إياها بابتسامة واسعة تزين ثغرها
:- اتفضلي يا جبيبتي اهي لقيتهالك.
أخذتها منها وفتحتها تقرأ العنوان الذي يوجد بها وجدته عنوان في منطقة راقية بشدة، أغمضت عينيها تحاول أن تخفي ما تشعر به، تمتمت بخفوت تشكر تلك السيدة التي ساعدتها باحترام شديد
:- شكرًا لحضرتك يا طنط بجد مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه.
سارت متوجهة إلى اسفل ثم بدأت تسأل بعض الناس المتواجدة في الشارع عن كيفية ذهابها إلى ذلك العنوان المدون في الورقة التي معها، نجحت في النهاية في الوصول.
وقفت أمام الباب تشعر بالحيرة والتردد قبل أن تدق الباب، لا تعلم صِحة ما يدور داخل عقلها، حسمت أمرها ودقت فوق الباب دقات هادئة.
وجدت والدتها تفتح لها الباب وتطالعها بعدم تصديق في دهشة وتعجب، قبل أن تتحدث وجدت تلك تلقي ذاتها داخل حضنها تعانقها باحتياج شديد، متمتمة بنبرة باكية ضعيفة وجسدها يهتز بضعف شديد
:- ماما متسيبونيش تاني عشان خاطري، أنا تعبت أوي مش عاوزة حاجة غيركم.
ظلت والدتها متسنرة في مكانها لم تبدي أي رد فعل سوى الدهشة المسيطرة عليها، لكنها سهقت بعد ءلك بصوت مرتفعة تبعدها عنها وغمغمت متسائلة بجدية أدهشت تلك الواقفة أمامها
:- إيه دة أنتِ إيه اللي جابك الله يخربيتك هتعمليلنا مصيبة جوزك عرف ازاي أنك جاية، تعالى يا حسين شوف البت دي هتعمل فينا إيه بالبي بتعمله دة.
جاء والدها وقف يطالعها هو الاخر بعدم تصديق متمتمًا بجدية وقلق بدا على منحنيات وجهه
:- رنيم إيه اللي جابك دلوقتي، أنتِ عارفة جوزك لو عرف هيعمل فينا إيه، ادخلي دلوقتي ادخلي الله يخربيتك أنتِ وحركاتك.
وقفت تستمع إلى حديثهما وهما يعاملونها بحزم وشدة جعلت أنياط قلبها تتقطع وقلبها ينشق منقسمًا داخل صدرها، لم تتخيل في حياتها أنهما يخبرونها بذلك الحديث القاسي الحازم معها..
يرى كل منهما حالتها الهزيلة الضعيفة، أثر علامات ضربه عليها، كل ذلك يظهر بوضوح شديد عليها، فهو منذُ أن تزوجها وقام بتحويل جسدها إلى لوحة يرسم عليها ما يريد من علاماته الذي يتخذ بعضها ألوان مختلفة، لم يهمها كل ذلك بل كل ما فكروا به هو أن وجودها سيسبب لهما كارثة حقيقية مع ذلك المختل زوجها الذي أعطاهما المال مقابل اخذها وامتلاكها..
دلفت معهما بخطوات متهالكة، تتطلع الى أركان تلك الشقة الذي يبدو عليها الفخامة، تلك الشقة التي أمامها، علمت أنهما قد تخلو عنها مقابل تلك الرفاهية التي يعيشونها الآن.
جلس والدها فوق المقعد بضيق، يرى حالتها الهزيلة وما بها لكنه يدعي عدم رؤيته لها، ويتعامل على هذا الأساس، أردف متسائلًا بتعجب
:- جيتي هنا ازاي، جوزك سابك ازاي، دة هو قايل اننا مش هنشوفك تاني إيه اللي جد.
أغمضت عينيها بألم شديد ودموعها نزلت فوق وجنتيها بصمت، تشعر أنها فقدت روحها حقًا بعد استماعها لذلك الحديث القاسي من والدها، ردت تجيبه بنبرة خافتة
:- هربت منه وجيت من غير ما يعرف.
وضعت والدتها يدها فوق صدرها وصرخت بقلق وريبة تخشى أن يفعل لهما زوجها اي شي بسبب فعلتها المتهورة
:- يا مصيبتي إيه اللي عملتيه دة الله يخربيتك زي ما عاوزة تخربي بيتنا، تهربي منه ازاي، منك لله وجاية عندنا ليه هتلبسينا مصيبة.
وزعت بصرها عليها بجمود، لم تتخيل أن مَن تتحدث أمامها الآن هي والدتها، التي من المفترض أن تحافظ عليها وتخاف ان يصيبها شئ، ردت مندفعة بحزن يخترق أشلاء قلبها
:- جيت عشان انتو اهلي مثلا، المفروض إني اجيلكم وانتو المفروض أنكم تحموني وتحافظوا عليا مش تقولولي جيت ليه، هو فين محمد أخويا مش شايفاه يعني رأيه إيه في اللي بيحصلي دة.
اندفعت والدتها ترد عليها بحدة ونبرة مشددة حازمة
:- وأنتِ مالك بأبني عاوزة ايه من محمد، هو ملوش دعوة بيكي وباللي بيحصلك دة متدخليهوش في حاجات مش عاوزينها، بعدين تيجي ليه وتهربي ليه من جوزك أصلا هو دة تربية واحترام.
عندما كانت منشغلة في التحدث مع والدتها، استمعت الى صوت والدها المرتعش الذي صدح مرتبكًا خائفّا
:- ا…الو يا عصام بيه، كـ…كنت بس عاوز أقول لحضرتك يا بيه أن رنيم جت عندنا مستنيين حضرتك تيجي تاخدها، أو شوف لو حضرتك يا بيه عاوز نجيبهالك، خلاص تمام يا باشا احنا مستنيين حضرتك وهي مش هتتحرك غير على ايد سيادتك.
شعرت أن قلبها توقف عن النبض قي تلك الوهلة بعدما استمعت إلى حديث والدها، روحها تهالكت تمامًا، وجعها تضاعف عما كان في البداية، الجميع تخلى عنها وتركها ماذا يجب عليها أن تفعل.
اقتربت من والدها بعدما اغلق الهاتف وتمتمت بنبرة متوسلة راجية، ودموعها تهطل بوجع وحسرة
:- بابا عشان خاطري بلاش…بلاش ترجعني ليه والله ما هقدر استحمل بيعمل فيا حاجات محدش يستحملها، عشان خاطري يا بابا لأ بلاش أنا عشان خاطر محمد ابنك حبيبك طيب أنا هرجع اشتغل تاني واصرف عليا وعليكم بس بلاش ترجعني بيه بص حتى بيعمل فيا إيه.
رفعت شعرها عن عنقها ليظهر تلك الجروح التي تملأه، اكملت حديثها مجددًا
:- بص بيعمل فيا إيه، والله جسمي كله كدة، دة بيقتلني كل يوم بيضربني بكل حاجة ممكن تتخيلها، عشان خاطري يا بابا بلاش أنا تعبانة معاه بجد هيقتلني والله.
اشاح والدها بصره مبتعد عنها لا يريد أن يرى بشاعة جروحها التي تعلن بوضوح ما يحدث لها وما يفعله بها ذلك المختل، رد عليها بجدية
:- مش هينفع يا رنيم احنا مش قده ممكن يقـ ـتلنا احنا، بعدين انتي الللي عملتي كدة لما روحتي اشتغلتي عنده في شركته هو وعمه، كل واحد يبقى قد اختياراته، هو هيجي دلوقتي ياخدك.
حركت راسها عدة مرات برفض لفكرة عودتها معه مرة اخرى، كيف لها أن تعود إلى السجن الذي تعيش فيه؟! هل أحد يحب ان يعود الى الجحيم مرة أخرى؟
تمتمت برفض شديد حازم
:- أنا خلاص مش عاوزة منكم حاجة، أنا همشي مش عاوزة حاجة، أنا همشي وهتصرف أنا.
نهضت بسرعة جنونية متوجهة صوب الباب لتذهب وتترك المكان، لكن امسكتها والدتها بإحكام متمتمة بحدة وصرامة
:- تمشي إيه أنتِ اتجننتي، لأ بجد اتجننتي خلاص هتمشي وتلبسينا ليه إيه الجنان دة، اقعدي لغاية ما جوزك يجي.
جلست ارضًا تبكي بعنف شديد، وجسدها يهتز بألم، تشعر بالقهر يستحوذ على كل أنش بها، الجميع تخلى عنها وتركها له كالفريسة يفترسها ويفعل ما يشاء بها، ظلت على حالتها حتى وصل عصام إلى المنزل، فتح له والدها مشيرًا له عليها متمتمًا بتوتر
:- أ…اهي يا عصام بيه.
اقترب منها وهي وجهه ابتسامة شيطانية منتصرة، وضغط بحذاءه على قدمها مما جعلها تصرخ بألم، واعتلت صرختها المتألمة تطرب أذنيه فصدحت أصوات ضحكته المرتفعة بصخب وسعادة، ثم اخرج من جيب سترته حفنة من المال القاها ارضًا باتجاه والدها، مغمغمًا له بتعالي
:- خد دول ليك عشان اللي عملته مكافأة مني ليك.
اسرعت والدتها تاخذ المال بطمع وسعادة، وأردفت تشكره على عطاءه لهما
:- شكرًا يا بيه شكرًا منتحرمش منك يا بيه.
لم يعير لحديثها اهتمام بل ضغط بقوة فوق قدم تلك المسكينة يهرسها اسفله جعلها تصرخ بصوت مرتفع متألم اكثر، لكنه اردف بحدة شديدة
:- أنتِ يومك معايا أنا اسود يا وسـ*ـة، عاوزة تهربي مني دة بموتك يا ز*ـالة بموتك.
أمسك شعرها بقوة يجبرها على النهوض أمامه ثم صفعها بقوة عدة مرات متتالية جعلت الدماء تسيل من فمها وأنفها، ضرب رأسها في الحائط بقوة مستمتع بصرخاتها أمام الجميع، ثم جرها من شعرها يسحبها خلفه ويسير بها نحو الخارج تاركًا المكان بها بتلك الطريقة المهينة.
بعدما ذهبت معه إلى المنزل فعل بها أضعاف ما فعله عند والديها، تتذكر أن تلك المرة هي التي قص لها شعرها بها عنوة عنها، تتذكر ضربه لها بطريقة جنونية تزداد عن كل مرة أخرى..
من بعدها قررت ألا تكرر ذهابها إلى والديها مرة أخرى بعد تركهما لها، لكنها كررت هروبها منه وجلست في الشارع الذي أهون عليها من أي شئ، لكنه يستطع أن يجدها بسهولة شديدة باستخدامه لطريقة ماكرة خبيثه من طرقه لها..
❈-❈-❈
دمعة حزينة فرت من عينيها عند تذكرها لتلك الذكرى الحزينة المحفورة في عقلها، ظلت على حالتها تلك مستيقظة تغمض عينيها لا تريد رؤيته أمامها في ذلك الوقت.
ظلت على حالتها حتى شقشق الصباح وهي لازالت على وضعها، لكنها شعرت بالألم يشتد عليها من المتوقع أنه موعد دواءها، فتحت عينيها في ذلك الوقت بوجه متألم، حزين، شاحب خالي من أي معالم للحياة، وجدته يجلس فوق المقعد الذي أمامها عينيه لم تتحرك مثبتة عليها بضراوة بطريقة أرعبتها، نهض مقتربًا منها بوجه شيطاني تكرهه، مال عليها وغمغم بحدة صارمة داخل أذنيها
:- اخيرًا فوقتي دة أنا قاعد مستنيكي شوفتي قلبي طيب ازاي، معلش يا حبيبتي بس علقة امبارح كان سخنة وشديدة حبتين أنتِ لسة بعد كل دة جسمك متعودتش على الضرب.
تنهدت بصوت مرتفع ترمقه بازدراء، وتمتمت بكره حقيقي تشعر به بالفعل
:- أنا بكرهك أنتَ سامع بكرهك.
ضحك بصخب ضحكاته ترن في أذنيها تزعجها بشدة، ثم ضغط بيده فوق جرحها بقوة جعلها تصرخ بوجع شديد، فتمتم هو متسائلا بخبث وسخرية
:- إيه بيوجعك صح بيوجع أنا عارف، مش دة ابنك اللي انتِ كنتي عاوزاه للاسف ادعيله بالرحمة.
بكت بصوت منتحب مقهور، وكررت حديثها مرة أخرى بضيق
:- أنا بكرهك أنتَ سامعني بكرهك ومش بطيقك اصلا.
ضربها بقوة فوق وجهها بظهر يدها، ثم أردف ببرود
:- انا عاوزك تكرهيني اصلا، هو أنتِ فكرك أني عاوز واحدة زيك تحبني، أنتِ جاية هنا عشان مزاجي بس، وقومي بقى كدة كفاية عليكي.
جذبها من شعرها ارضًا يجبرها النهوض من فوق الفراش، لم ترد عليه بل فضلت أن تصمت الآن، واقتربت تتناول دواءها لعله يسكن لها الألم الشديد الذي تشعر به من جرحها، لكن قبل أن تتناوله جذبه هو من بين يديها وجلس ببرود يمد لها قدمه قائلًا بسعادة ومكر، وهو يحرك شفتيه بتسلية واستمتاع
:- بو.سي ر.جلي الأول عشان اوافق انك تاخديه.
ظلت جالسة ارضًا من دون أن تنفذ ما طلبه منها أو ترد عليه، فصرخ بها بعصبية وغضب
:- يــــلا مسمعتيش اللي بقوله يا وسـ*ـة
تخلت عن صمتها وردت عليه بتحدي وعناد معلنة تمردها عليه
:- مش هعمله مش عاوزة حاجة استحمل الوجع ارحملي، خلاص من انهاردة مش هعمل حاجة أنتَ عاوزها حتى لو هتـ ـقتلني.
ثار بغضب شديد، وهاج عليها كالثور، ضربها بقدمه في بطنها بقوة شديدة، جعلت الدماء تسيل من جرحها مرة أخرى، ثم وضع قدمه بقوة شديدة فوق وجهها وضربها بها عدة مرات، فارتفع صراخها وسالت الدماء مرة أخرى من وجهها، ثم تركها وسار نحو الخارج غالقًا الباب خلفه بقوة شديدة، تارك إياها تشعر بالالم شديد يعصف بداخلها، زحفت بألم شديد متوجهة نحو المرحاض لعلها تخفض ما تشعر به من الألم تحت المياة الدافئة، التي من الممكن تزيل وجع جسدها لكن ماذا عن وجع قلبها وروحها؟! ماذا عن قهرتها الشديدة لفقدان طفلها وشعور الأمومة إلى الأبد؟! لا شئ سيزيل كل ذلك مهما حدث..
سيظل ذلك الألم مصاحبًا لها حتى النهاية…تتألم حتى نهاية وجودها في الحياة التي لم يكن لها نصيب من السعادة بها..
❈-❈-❈
بعد مرور يومين…
كان جواد يجلس فوق مكتبه بشموخ وثقة تليق على ملامحه الجادة، كان يعد ذاته للذهاب لكن استوقفه رنين هاتفه وجد أن ذلك الإتصال من والده امتعضت ملامح وجهه وبدت عليه الضيق، أجاب عليه متسائلًا بجدية تامة
:- الو يا بابا خير في حاجة؟
جاءه رد والده الحاد ولهجته الحادة الصارمة متحدث معه بطريقة آمرة يبغضها جواد
:- أروى بنت عمك عاوزة تروح مشوار مهم وعصام معايا في شغل، روح وصلها أنتَ.
لو كان يتحدث بطريقة غير التي بتحدث بها الآن لكان وافق ولبى طلبه، لكنه يتحدث بطربقة يرفضها؛ لذلك رد عليه بلهجة حادة غاضبة
:- هو عصام بيشتغل وأنا بلعب مثلًا، ما أنا كمان بشتغل زيي زيكم بالظبط ومش فاضيلكم.
صاح بغضب وضيق من عناده معه الدائم
:- تشتغل تلعب ميهمنيش أنا قولتلك تروح تشوف بنت عمك محتاجة تروح مشوار مهم وأنت هتروح معاها سمعت اللي بقوله.
غرز أسنانه في شفته بغضب لو كان أحد غير والده هو الذي يقول له ذلك الحديث لكان سبه وتشاجر معه، لكن هذا والده، تنهد تنهيدة حارة ملتهبة وغمغم بعناد حقيقي ومكابرة
:- لا أنا مش رايح في حتة، أنا مش فاضي وورايا كذا حاجة عن إذنك عشان مش فاضي مضطر اقفل.
أغلق الهاتف معه بضيق متأفأفًا، لكن لم يمر عليه شئ حتى وجد والدته تدق عليه الهاتف هي الأخرى، رد عليها، فتمتمت بهدوء وتوتر يظهر في صوتها
:- جواد يا حبيبي عشان خاطري أنا روح شوف بنت عمك دي أبوك اتصل وبهدل الدنيا فعشان خاطري أنا يا حبيبي ساعة زمن وارجع تاني.
تنهد بيأس وضيق، مغمض عينيه بعدم رضا، لكنه أردف موافقًا على مضض
:- ماشي يا أمي عشان خاطرك أنتِ بس هروح أشوف عاوزة إيه ست أروى دي.
زفرت بارتياح لموافقته، وأردفت بهدوء تام توصيه
:- طيب يا حبيبي بس براحة عليها البنت ملهاش ذنب عشان خاطري عارفك لما بتبقى متعصب.
بدأ يلملم أشياءه مستعد للذهاب، مهمهمًا بهدوء وتعقل ليجعلها تطمئن وتهدأ
:- خلاص يا ماما متقلقيش..
ركب سيارته منطلقًا بها إلى منزل عمه رحمه الله، وعقله شارد بها من حين لآخر متمني رؤيتها هناك، سيكون حينها سعيد الحظ عندما يراها، فقلبه مشتاق إليها بضراوة، يريد أن يملأ عينيه برؤيتها..
في نفس الوقت..
كانت رنيم تجلس أسفل بوجه شارد، يدور في عقلها العديد من الأفكار، مقررة ألا تصمت مرة أخرى بل سترد عليهم جميعًا لن تصمت مجددًا يكفي ما حدث لها بسببهم حتى الآن..
جلست أروى أمامها تنتظر قدوم جواد بابتسامة منتصرة، ومديحة بجانبها واضعة ساق فوق ساقها الآخر بكبرياء وغرور، مغمغمة بتسلية معتلي ثغرها ابتسامة ماكرة تشبهها
:- عرفت من عصام أنك سقطتي لأ وكمان مش هتخلفي تاني، بصراحة تستاهلي أصل اللي زيك تخلف ليه يبقى عندنا حد من عيلة الهواري أنتِ امه متشرفيش بصراحة.
شحب وجهها بحزن شديد وفرت الدماء هاربة منه، شاعرة بنصل حاد يُغرز في قلبها بقوة، هيئتها جعلت تلك تضحك بشماتة مع ابنتها رامقين إياها بانتصار..
تحدثت مديحة مجددًا بشماتة واضحة عليها
:- تؤتؤ يا حرام صعبتي عليا بجد أصل برضو الامومة حاجة حلوة أوي مش هتعرفيها بقى أنتِ
نهضت تلك تقترب منها بجنون متخلية عن صمتها وضعفها صارخة بارتقاع وقهر
:-حرام عليكي انتي عاوزة ايه مني مش هسيبك والله ما هسيبك هوريكي انا مش هعرف إيه بالظبط.
اقتربت منها بسرعة جنونية تقبض فوق عنقها بقوة تمنع وصول الهواء إلى رئتيها، فارتفع صوت أروى صارخة تخشى ان يصيب لوالدتها مكروه، تحاول أن تبعدها عنها إلا أنها فشلت..
كانت رنيم تمسكها بقوة شديدة محكمة غير دارية بما يحدث حولها بل كانت تقبض فوق عنقها بقوة شديدة وغل، حاولت أروى أن تجعلها تتركها ألا انها جذبتها إلى الخلف بقوة شديدة أسقطتها أرضًا ولازالت ممسكة في عنق مديحة كما كانت..
في تلك الأثناء ولج جواد وقف يشاهد ذلك المشهد الذي أمامه بصدمة وعدم تصديق وعينيه متسعة باندهاش تام مما تفعله رنيم في زوجة عمه، رنيم التي كان دائمًا يراها كالملاك لا تستطع أن تفعل شئ ما الذي تفعله الآن…
❈-❈-❈
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية لهيب الروح ) اسم الرواية