رواية ملاك يغوي الشيطان الفصل التاسع 9 - بقلم مايسة ريان
لقد خلقنا الله على الصلاح فذهبنا وبحثنا بأيدينا عن الضلال .. غذينا بذرة الشيطان فنبتت وتأصلت جذرور الشر داخل نفوسنا وتمددت فروعها العجفاء حتى توارت خلفها زهور الخير .
الأنسان منا ليس ملاكا ولا هو شيطانا
لقد فطر على الخير والتقوى .. فطر على الحب والأنسانية ..
فطرعلى التسامح والمغفرة .. فطر على الأيمان .
خالد ليس شيطانا وانما أتبع خطواته فأصبح له عونا وكان له سندا ومرشدا .. سار بارادته فى طريق الضلال وهو يدرك جيدا أن جنة الشيطان ما هي الا وهم وخداع ولكن نفسه مالت لملذات تلك الجنان .. شهوة الجنس والمال .. صناعة اللذة الحرام أصبحت حرفته التى لا يضاهيه فيها الا أمثاله من أتباع الشيطان .
الأن هو فى ستوكهولم يمارس العمل الذي يجيده دونا عن غيره لصالح منظمات هو نفسه لا يعرف الكثير عن أصحابها
كان يقف فى غرفة الفندق يتابع معاونوه الذين يتراصون أمام شاشات الكمبيوتر والأرقام تجري بلا توقف فى صعود .. ملايين الدولارات تتسابق أمام صورة كل فتاة .. ففتياته ليسوا عاديات .. أنهن الأجمل فى العالم .. ومازلن صغيرات وعذراوات .. والأهم أنهن راضيات وراغبات بعرضهن للبيع .
أبتسم برضا .. فأفضلهن قد أحتفظ بها لنفسه .. ليست الأجمل فيهن ولكنها الأطهر والأنقى والأوفى قلبا .. لم يستطع أن يضعها بينهم فلن يقدرها أحد كما يقدرها هو وقد لا تجذب الملايين من المال كهؤلاء ولكنها قادرة على جذب القلوب والنبش بداخل الروح وكان قد تساءل يوم أن وجدها .. هل قلبه قابل للجذب من قبل أية امرأة !!! تعجب لخفقاته فى تلك اللحظة من شدة شوقه اليها .. أشتاق الى ذلك اللون الوردي الذي يصبغ وجنتيها كلما همس لها بكلمة شوق والى صوتها الذي يخفت ويتلعثم من الخجل والكسوف وفي تلك الليلة الأخيرة التي سبقت سفره أراد أن يودعها بطريقته .. لكي يحمل منها ذكرى يتذكرها بها .. ولكن براءتها وصدقها أثرا فيه بطريقة لم يتوقعها ولم يصدق نفسه عندما تراجع وخضع لمشيئتها .. أنه أكثر من قادر على أغواء مطلق أمرأة مهما كانت قوة مقاومتها ولكنه يعرف بأنها ستكرهه ان هو أجبرها .
– سيدي ؟
أخرجه صوت مساعده من أفكاره وتابع وهو يمد له يده بالهاتف
– أنها فريدريكا .. تقول أمر هام .
عبس خالد وهو يمد يده ليأخذ الهاتف .. أنها تعرف أنه من غير المسموح لها بمخابرته هنا .. العمل سري ولا مجال فيه للأخطاء فهو يمس سمعة شخصيات مهمة حول العالم وأي خطأ قد تطير فيها رقبته لذلك رد عليها بغضب .
****
نظرت زينة فى مرآة الحمام وهالها ما رأت ..
كيف كانت تجلس أمامهم وهي بهذا المنظر الشنيع .. بشعر أشعث لا شكل له ومتشابك ببعضه .. وعيناها كانتا حمراوان ومتورمتان من كثرة البكاء وقد تلطخت وجنتاها وأنفها وفمها بمزيج من الشحم الأسود وعصير البطيخ الأحمر .. أما عن رائحتها فحدث ولا حرج فقد أمتزجت رائحة الشحم من الغطاء البلاستيك الذى كانت تختبئ تحته فى اليخت مع رائحة السمك من البطانية التى نامت فوقها فى حجرة أدوات الغطس مع العرق ليصنعا مزيجا مقرفا ومنفرا ..
تأوهت ببؤس وقالت
– لا عجب انهم كانوا ينظرون الي وكأنني كائن غريب .. فأنا أبدو كالقطة الجرباء التى خرجت لتوها من احدى صناديق القمامة .
أخذت زينه وقتا طويلا فى فرك جسدها بالصابون المعطر وغسلت شعرها ثلاث مرات وعندما خرجت كانت تشعر بأنها انسانة جديدة .. نظيفة ومنتعشة وأكثر من هذا … انها فى أمان .. فراس رجلا طيبا وعاملها برقة ورغم فظاظة ادم وقسوته الا انه قبل بوجودها على قاربه وتركها تستخدم حجرته وأهتم بها وعالج جرحها .. كان قد جلب حقيبة الأسعافات الأولية وأجلسها على المقعد بغرفته وركع أمامها وكان فراس واقفا يشرف عليه ويبتسم لزينة مشجعا وآدم يشق سروالها بالمقص ثم وضع المطهر على الجرح وهو يقول
– أنه ليس سيئا كما يبدو .
بعد أن نظفة وضع عليه ضمادة مضادة للماء ثم تركاها وخرجا .
ارتدت زينة الملابس التى أحضروها لها .. سروال أبيض من الكتان وقميص أخضرفاتح قصير الأكمام كان ضيقا قليلا ولكنه مناسب على عكس البنطال فقد كان طويلا عليها بعض الشئ وأستنتجت أن صاحبتهم لابد وأن تكون طويلة القامة ونحيفة , أخذت فرشاة الشعر عن طاولة الزينة ومشطت شعرها ولم يكن معها شئ لتربطه به فتركته منسدلا , لم تعتاد على أستخدام أدوات الزينة الا اثناء العمل ولذلك لم تستاء كثيرا لأفتقارها لهم فقد كان لها وجها آسرا وبشرة نضرة ناعمة تشقى الكثيرات من النساء عند مراكز التجميل للحصول على بشرة مثلها وأكتشفت عندما همت بالخروج انها لا تملك حذاء فخرجت الى الممر حافية القدمين .
كانت الحوائط من الخشب اللماع وعلى طول الممر زينت بلوحات زيتية جميلة لعالم البحار وقد فرشت الأرض بسجاد ذات وبر عالى غاصت قدميها العاريتين براحة فى نعيم نعومتها وتعجبت .. كيف يمكن لسجادة ان تشعرك بالسعادة !!
أبتسمت للمسار الذى أتخذته أفكارها وقد كانت منذ ساعة واحدة فقط تتأرجح بداخل هوة عميقه تفذف فيها ما بين الخوف والقلق .
عندما وصلت الى حجرة الجلوس وقفت عند مدخل الرواق تراقب الجالسين هناك بحذر .. لم يشعر أحد منهم بوجودها , فراحت تتأملهم بفضول .
كان يوجد ستة أشخاص سبق لها أن تعرفت على أربعة منهم , وقف ادم مستندا على البار وبيده علبة مياه غازية وكان قد بدل ملابسه ببنطال قصير من الجينز وتى شيرت اسود يعكس مزاجه الحاد .. وعلى احدى الأرائك الجلدية الوثيرة جهة اليمين جلس فراس وبجواره زوجته السمراء الجميلة بعينيها الواسعتين الكحيلتين التي تتميز بهما النساء العربيات وكانت ذراعه تحيط بخصرها النحيف وهما يتحدثان معا بهمس وشعرت زينة فى تلك اللحظة بأن وجهها مألوف لها بطريقة ما, نقلت زينة نظرها جهة اليسار قليلا وفوق مقعد فردي جلس حميد بأسترخاء يستند برأسه الى الخلف وعيناه مغلقتان وعلى ذراع مقعده كانت تجلس فتاة شقراء رائعة الجمال ذات جسد طويل ونحيف وممتلئ فى الأماكن الصحيحة وكانت تداعب شعر رأسه بأناملها وعيناها مركزتان عليه برقة وقرب النافذة خلف الجميع وقفت أمرأة فى أوائل الثلاثين من عمرها تشبه الى حد كبير الممثلة المكسيكية سلمى حايك بجسدها المنمق وشعرها الطويل الحالك السواد الذى يكاد أن يغطى ردفيها وكانت ترتدى ثوبا قصيرا برتقالى اللون بحمالات رفيعه يظهر لون بشرتها الزيتونية وكانت تنفس دخان سيجارتها من النافذة وهى شاردة الذهن ضامة ما بين حاجبيها بعبوس , فكرت زينة بأنبهار انها تتواجد فى نفس المكان مع ثلاثة نساء فاتنات يتنافسن معا فى الجمال والأناقة والأغراء وثلاثة رجال وسيمون وأنيقون يستحقونهن عن جدارة , وعندما تقارن نفسها بهن لا تعدوا اكثر من فتاة صغيرة لا شكل ولا قيمة لها, أنبت نفسها بحنق … كيف فكرت انها لا تحتاج الى أدوات للتجميل ؟ على الأقل لتحديد عينيها التى تشبه عيون الأطفال وتزيد قليلا من حمرة شفتيها الباهتتين .. ولماذا بحق الله لم تبحث عن مجفف للشعر بدلا من ترك خصلاته مبللة وملتصقة بفروة رأسها كأذناب الفئران وتمنت كذلك لو كانت تنتعل حذاء عالى الكعبين لرفع حاشية البنطال الذى كان يغطى أصابع قدميها الصغيرتين .
فتح حميد عينيه الضجرتين ولوى رأسه فوقعت عيناه على زينة فتغيرت ملامحه على الفور وتدرجت من الدهشة الى الأعجاب وأعتدل فى جلسته بحماس فلفتت حركته انتباه الباقين وأحمر وجه زينة حرجا من الأفكار الحاقدة التى كانت تملأ رأسها منذ قليل وكأنهم قادرون على معرفة ما كان يدور فى عقلها بمجرد النظر اليها .
شملها ادم بنظراته التى أزدادت تجهما لرؤيته مظهرها الجديد
وقف فراس وأقترب منها مرحبا بأبتسامة واسعة قائلا
– أهلا زينة .. تعالى … أرى أن هناك تغيرا كبيرا قد حدث .
ثم دفعها بلطف الى وسط الحجرة وراح يعرفها على الجميع وبدأ بالشقراء
– نيكول عارضة أزياء لبنانية وهي صديقة حميمية لحميد .
لم تفهم ما يعني بصديقة حميمية وان كانت قد شبهت الأمر بتلك العلاقات التى يتميز بها الغربيون , صافحتها نيكول بأدب وكذلك فعل حميد وقد أبقى يدها فى يده أكثر مما يليق , لقد كان أكثر الرجال الثلاثة وسامة وجاذبية ولكن ما عرفته عنه جعلها تنفر منه
ثم عرفها فراس على السمراء التي تقف قرب النافذة .. الأميرة جليلة كما دعاها وقال
– انها شقيقة حميد الصغرى .
وتساءلت زينة بأنبهار هي تحدق بها .. هل هي أميرة حقيقية ؟!! .. وحميد .. هل هو أميرا كذلك ؟ هزت لها جليلة رأسها بتحية فاترة دون أن تمد يدها لمصافحتها ودخان السيجارة يخفى تعابير وجهها ثم عرفها الى زوجته كاميليا التى صافحتها بأطراف أصابعها وعيناها تتأملانها بحقد تعرف زينة سببه جيدا وعادت زينة تشبه عليها فقال فراس مبتسما وقد لاحظ الحيرة والتفكير على وجهها
– بالتأكيد تعرفيها .. أنها كاميليا حمدان .. المذيعة .
ثم ذكر لها أسم شبكة القنوات العربية الشهيرة التى تعمل بها فأدركها الفهم وعرفت أين رأتها من قبل فأبتسمت لها بأدب
– آه بالطبع أعرفها .
أشار حميد أخيرا الى ادم وقال ضاحكا
– وتعرفين صديقنا آدم .. بالطبع هو غنى عن التعريف .. انه دائما ما يقدم نفسه بطريقة تجعل من يقابله مرة لا ينساه بعدها أبدا .
نظرت زينة الى آدم ووجدته متجاوبا مع مزاح صديقه بأبتسامة جعلته مختلفا وأكثر جاذبية , جذب حميد أنتباهها بعيدا عن آدم وأخبرها
– عذرا لقد سبقناك وتناولنا الغداء .
ثم أخذها الى حجرة الطعام , وجدت الطعام مكونا من سباجتى ولحم مشوى وسلطه ومن شدة جوعها أجهزت على الأطباق كلها وبعد ان أنهت طعامها حملت الأطباق الى المطبخ وغسلتهم وكان الجميع قد صعدوا الى سطح القارب وقد وصلت أصواتهم اليها عبارة عن همهمات , وقفت زينة فى منتصف المطبخ حائرة ماذا يجب عليها ان تفعل أو اين تذهب حتى انها كانت محرجة من ان تصنع لنفسها كوبا من الشاى أو القهوة , لقد خف الألم فى ساقها بسبب المسكن الذى أعطاه آدم لها ولكنها تحتاج أيضا الى النوم لتستطيع التفكير بصفاء ذهن .. لقد تعقدت حياتها بين ليلة وضحاها فهي لا تصدق أنها تركت بيتها منذ يومين فقط وقد تركت كل ما تملكه من مال وملابس على اليخت الآخر , ضبطها ادم داخل حيرتها وكان خارجا لتوه من الممر المؤدى الى حجرات النوم وقد كانت تعتقد انه على السطح مع أصحابه ولكنه كان بالتأكيد يتفقد حجرته بعد ان خرجت منها فشعرت بالحرج فقد تذكرت أنها تركت ملابسها المتسخة ذات الرائحة الكريهة فى غرفة حمامه فقالت بصوت مبحوح
– أنا آسفة .. لقد تركت ملابسى المتسخة فى الحمام .. سأخرجها حالا .
وهمت بالتحرك ولكنه أوقفها بأشارة من يده وقال وهو يتقدم منها
– أتركيها الأن .. أريد أن أريك المكان الذى سوف تنامين فيه .. تعال معى .
أشار اليها كي تتبعه ثم سار وزينة من خلفه وعندما أستدار الى الممر المؤدى الى غرفة نومه أعتراها القلق .. هذا الجناح الرئيسي وليس به الا حجرة نوم واحدة وهى حجرته وفكرت بقلق فى انهم هنا ربما يعيشون حياة بوهيمية .. حميد معه عشيقته ويخون صديقه مع زوجته وآدم على علاقة ما بجليلة .. وهي لا تفهم الطريقة التى يعيشون بها وما خبرته ورأته خلال اليومين الماضيين يجعلها لا تستبعد شيئا ويجب أن يفهم منذ البداية أنها لن تنصاع له أو لغيره وأنها لم تعد تلك الساذجة البلهاء التى يسهل خداعها وتخويفها .
توقف ادم قرب باب غرفته وأستدار اليها وكان يهم بالكلام ولكن تعبير وجهها ألجم لسانه , كانت تنظر اليه بغضب وشفتيها مزمومتان وقبضتيها مضمومتان بقوة الى جانبها فقال بدهشة
– ماذا بك ؟
ردت بحدة وأنفاسها تتسارع
– أنا لن أنام معك فى غرفتك .. ومن الأفضل لك أن تذهب وتصالح صديقتك .
ضاقت عيناه وسألها بحيرة
– عما تتحدثين أنت ؟.. وكيف..
قاطعته بحده ليفهم أنها ليست سهله كما يعتقد ويجب أن يفهم كل رجل هذا قبل أن يفكر فى استغلالها
– لقد حاولت مصالحتك بالأمس ولكنك رفضت مصالحتها .. وان كنت تعتقد أننى سأكون بديلة عنها فأنت واهم .. وان كانت هى تتحول عند غضبها لفتاة شوارع وهي أميرة فلك أن تتخيل الى ماذا أتحول أنا ؟
سحبها من ذراعها بقسوة وقال
– كنت تتنصتين علينا ؟ .. ولديك من الوقاحة ما يجعلك تتبجحين بذلك أمامي ؟
هزها فأرتجفت وسألها بحدة
– هل تتحدثين الأسبانية ؟
أجابت وقد شعرت بأنها بالغت بردة فعلها
– أفهمها قليلا فقط .
وتابعت بسرعة عندما ضاقت عيناه عليها
– ولكننى لم أفهم ما قالته كله .
جز على أسنانه وتأملها بأحتقار
– لكنك أستنتجته .
لقد أغضبه أنها كانت شاهدة عليهما وأستمعت الى السباب الذى وجهته له جليلة , سحبها بغلظة من ذراعها بعيدا عن باب حجرته وفتح بابا فى نهاية الرواق قرب الزاوية لم تلاحظه زينة من قبل ودفعها الى الداخل وكأنه يلقى بشئ قذر من يده .. وجدت نفسها داخل غرفة صغيرة جدا تحتوى على فراش بعرض متر يلتصق بالحائط وخزانة ملابس بباب واحد وعلى الأرض الخشبية فرشت سجادة خضراء جميلة وكان هناك نافذة زجاجية مستطيله صغيرة ككل شئ فى الحجرة وقد علقت عليها ستارة باللون الماهوجني , عجزت زينة عن النظر اليه من شدة الحرج لقد أساءت الظن به وتسرعت بأفتراض سؤ النيه ولابد لها من أن تعتذر فأستدارت اليه والخجل قد صبغ وجهها بحمرة قانية وكان هو ينظر اليها بغضب ساخر وقبل أن تتفوه بكلمة عاجلها بقوله
– كنت أريد أن أعتذر لك عن صغر حجم الغرفة لكنها الوحيدة الخالية والقارب لا يحتوى الا على أربعة غرف نوم فقط جميعها مشغولة للأسف .
وأوضح لها ان فراس وزوجته فى حجرة وحميد وصديقته فى الثانية وجليلة فى الثالثة وهى لا تفضل ان يشاركها أحد بغرفتها .
تمتمت تعتذر بصوت منخفض وهى تشعر بالخجل الشديد من نفسها
– أنا أسفة .. والغرفة جميلة جدا وليس لدى أى أعتراض عليها .
جاء رده قاسيا متعجرفا وهو يقول
– ليس لديك الحق فى الأعتراض على أى شئ فأنا لم أدعوك فى الواقع .. وعلى العموم أنا مقدر للظروف التى ألقت بك فوق رأسى .. ولكن يجب أن تفهمى شيئا مهما ..
ومال عليها متابعا بتهديد
– تلك الظروف صنعتها أنت بغباءك وساذجتك .. ولن أحمل ضميرى شيئا أنا غير مسؤول عنه فاخفضى رأسك المتعالى هذا عندما تتحدثين الي .. فهمت ؟
سحقها ببضعة كلمات وكانت صادقة لكى تعترف بأنها تسببت بكل هذا لنفسها فقد أهانته بطريقة خرقاء وتابع وهو يشملها بنظرة متعالية ساخرة
– ولا تقلقى على نفسك منى .. فذوقى من الصعب أن ينحدر لهذا المستوى .
وتركها غارقة فى بحر من الذل والمهانة , وراحت تأنب نفسها على تسرعها .. فكيف فكرت فى أن رجلا تطارده أميرة كجليلة من عائلة أرستقراطية وتحمل لقبا ولها جمال كجمالها يمكن أن يفكر فى أستبدالها بها هى .. هى الفتاة الخرقاء اليتيمة التى بلا مال ولا جاه وهو كما يبدو ثرى جدا يصاحب الأمراء ويمتلك قاربا يساوى ملايين الدولارات ويمضى أجازته متسكعا بين الموانئ والمنتجعات , تنهدت بعمق وضيق .. ماذا دهاها وقد أصبحت ناقمة فجأة على حياتها وتتذمر كثيرا وتقارن نفسها بأناس لا صلة لها بهم وبحياتهم ..
ثم جلست على حافة الفراش منهكة القوى .. لقد أشتاقت الى والديها وخاصة والدها لكى تلتمس من قوته وحنانه الأمان والطمئنينة , وتذكرت عندما دعاها مرة بأبنتى الأغلى ويومها أعترضت نبيلة غاضبة
– وماذا عني .. ألست غالية عندك ؟
رد ضاحكا
– طبعا انت أبنتى الغالية وأغلى عندى من روحى .. لكن زينه أبنتى الأغلى .. ستدخلنى الجنه وعلى يديها سوف أجاور الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام .
يومها كانت فى العاشرة من عمرها تصدق حقا أن لها بيتا وعائله .. وتساءلت .. هل سيظل والدها يعتبرها أبنته الأغلى التى ستمنحه رخصة دخول الجنه ومجاورة حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام أم سيندم على ايواءها فى بيته وتربيتها مع أبنته ؟ وما الذى سيكون عليه رأيه لو عرف بأنها كذبت عليه حتى وان كان بنية طيبة .. وكيف سيتقبل فكرة أنها أصبحت قاتله هاربه والمكان الذى هربت منه لن يشفع لها عنده فعندما يصله الخبر لن تصله الحقيقة معه ولن تجرؤ نبيلة على فضح نفسها أمامه وتعترف بأنها قامت بخداعها لتنتقم منها على شئ لا تعلمه .. فما الذى فعلته لها وجعلها تلقى بها الى هذا المصير وكيف خدعت فى خالد الذى أحبته وصدقت أنه يحبها ويريدها زوجة له .. كل هذه أسئله كانت تدور وتدور بألحاح فى رأسها فالمستقبل بالنسبه لها لا يبشر بالخير والطريق الى السجن هو الطريق الوحيد الذى تراه بوضوح أمامها , تمددت على الفراش وعقلها لا يكف عن التفكير حتى أستسلم عقلها أخيرا للنوم .
****
سأل حميد آدم وهو يناوله زجاجة من البيرة وكان الثلاثة حميد وآدم وفراس يجلسون فى كابينة القيادة بدون النساء
– ماذا ستفعل بها ؟
كان يقصد زينة .. عبس آدم وقال معنفا
– تقصد ماذا سأفعل بشأنها وليس بها ..
رفع حميد عينيه الى السقف وزفر بضجر وقال
– يا صبر .. حسنا .. ماذا ستفعل بشأنها ؟
ضحك فراس وضاقت عينا آدم ولكنه تجاوز عن سخرية حميد وقال
– سوف أتحرى عنها أولا حتى أتأكد من أن ما أخبرتنا به حقيقي ثم سنحاول أسترجاع أوراقها ولو عن طريق التفاوض فمثل هؤلاء الناس أخطر مما نعتقد دائما .. فهم يديرون تجارة وقد يرون فى هروبها خطرا على وجودهم .
قال فراس بحزن
– يا للمسكينة .. حظها سئ .
قال آدم بقسوة
– أنها ليست مسكينة .. بل غبية .
قال حميد وقد لمعت عيناه
– الجميلات دائما عرضة للطمع فلو كانت قبيحة لما ..
قاطعه آدم محذرا بحدة فى حين نظر اليه فراس متأففا
– حميد … لا تفكر بالأقتراب منها وأكتفي بما لديك .
لوح حميد بيده وقال يدافع عن نفسه
– وماذا قلت أنا لكل هذا؟
رد عليه فراس هذه المرة بضيق
– أنت لا تحتاج للقول يكفي أن نرى تلك النظرة فى عينيك لنعرف نواياك .
قال حميد بحزن زائف
– أنتما دائما تتحاملان علي .
ولكن عيناه كانتا تضحكان بعبث فأبتسم فراس بتساهل فى حين أزداد تجهم وجه آدم .. رفع حميد يديه لأعلى وكانت أحداهما تحمل زجاجة البيرة
– سأقسم بالله ..
قاطعه فراس موبخا
– أتقسم وبيدك المنكر ؟ ألا تخجل من نفسك ؟
وضعها حميد فوق المنضدة وقال
– أقسم أن لا أقترب منها الا برغبتها الحرة
صاح به آدم بغضب
– حميد .
رد حميد ضاحكا
– يا اخي أمزح .. جديتك هذه تخنق أحيانا .
قال فراس مدافعا عن حميد كعادته
– أنه يمزح .. ولا تنسى أن معه صديقته الشقراء الجميلة فما حاجته الى فتاة صغيرة كزينة .
قال آدم ساخرا
– فراغة العين .. أنه لا يشبع .
قال حميد متحديا بخبث وهو ينظر الى عيونهما كل واحد على حدا
– وهل تنكران تأثركما مثلي بتلك الصغيرة .. هل تنكران أن براءتها تلك لم تستفز رجولتكما وحركت نزعة الحماية لديكما .. ألم ترغبا مثلا فى أمتلاك ما سعت بأستماته للحفاظ عليه وأنه سيكون كجائزة لا تقدر بثمن لرجال لم يحصلوا يوما الا على المستهلك والمباح من النساء .
أحمر وجه فراس وأرتبكت نظراته فى حين حدق آدم فى الفراغ وقد غامت عيناه
وتجرع حميد ما تبقى من شرابه وتابع قائلا بواقعية
– أرجو يا آدم أن تجد حلا سريعا لمشكلتها قبل أن نصبح نحن الثلاثة مشكلتها الحقيقية .
غير فراس مجرى الحوار وقد وجد أن آدم وحميد فى طريقهما للأصطدام لا محاله .. فحميد صريح يعبر دائما عما فى نفسه بلا مواربة وآدم يتفنن بالقسوة على نفسه وعلى من حوله ولن يتوقفا حتى يحدث شجار بينهما
– المهم أخبرنا متى ستبدأ بأتصالاتك بشأنها ؟
– لقد بدأتها بالفعل .
****
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ملاك يغوي الشيطان) اسم الرواية