رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل العاشر 10 - بقلم اية العربي
ومن ذا الذي ينتقي حبهِ ، كلنا مجبرون يا عزيزي العقل ، كلنا يحركنا هذا الأيسر .
يشير على من يريده ويجبرك .
وأن كان قلبك ذو حزم فأنه الغالب وسيبقى العذاب لك ، وإن كنت أنت الغالب فعزائي لقلبك وراحتك ، وإن اتفقتما سوياً فيا مرحب بحياةٍ هنية .
بقلم آية العربي
مر الوقت على صالح وهو يعاود حراثة أرضه بالجهد والراحة معاً .
عجيبٌ هو أمر أجسادنا فكلمةٍ تجعلها طريحة الفراش وكلمة أخرى تضخ بها شلالات الطاقة والأمل .
كان يعمل ويفكر بها وبعشقها الذي سرى فيه كتفشي الشفاء في جسد المريض .
يغمره يقيناً بأنه من الآن وصاعدا لن يهزم مجدداً ، لن يستسلم ليأسه ، لن يجعلهم يرقصون فوق رفاته ، سيحيا من حيث أحرقوه .
كانت بين الفنيةِ والأخرى تخرج إليه حاملة له على كفوفِ الراحة بعض كؤوس العصير الممزوجة بالحب والقليل من أكواب المياة المغمورة بالإبتسامة الصافية وخلطة سرية جمعت بين الدقيق والسعادة لتكوّن فطيراً لا يستطيع مقاومته أبداً .
حتى أنهما تناولا غدائهما خارجاً في هذه الأجواء التي تحمل خليطاً من الرومانسية والحب والبهجة معاً .
تجلس وردة على العشب تحت هذه الشجرة التي كانت شاهدة على عذابه والآن كأنها تهلل فرحاً لسعادته حيث تتمايل فروعها بخفة لتعطي جواً بهيجاً كأنه الربيع .
ترتشف وردة القليل من كوب الشاي الساخن وتطالعه قائلة بتساؤل :
– محدش من معارفك عنده چرار يا صالح ؟ ، إكدة تعب عليك ، ولسة في الأرض كتير .
جال أرضه بأنظاره ثم استقر عند عينيها قائلاً بنبرة حبٍ حنونة :
– مبتعبش من أرضي يا وردة ، تعبي كله بيهون وأني شايفها كيف العروسة قدام عيني ، وهرچعها تزهر تاني بيدي .
تعمقت وطالت نظرتها له ، تتفحص بعينيها ظاهراً وعقلها باطناً هذا الشخص الذي رزقت به ، أفكاره وحياته ومبادئه وملامحه ، حالته كاملةً تجعلها يوماً بعد يومٍ تهيم به عشقاً .
تنهيدة حارة أطلقتها ثم وضعت كوب الشاي على الصينية قائلة بنبرة متحشرجة من أثر أفكارها :
– أني هدخل بقى وأسيبك تخلص اللي وراك ، ولا تحب أساعدك في حاچة ؟
ابتسم لها وتحدث بعينيه العاشقة التي نطقت قبل لسانه حين قال :
– خليكي بس قريبة مني ؛ هو ده كل اللي محتاچه .
مدت يدها تربت على كتفه بحب وتحدثت بنبرة داعمة مشجعة :
– أصلاً مبقاش ينفع أبعد عنك يا صالح ، إنت نصيبي الحلو والعوض اللي ربنا طبطب على قلبي بيه ، أني في ضهرك ومعاك دايماً .
أدخل كلماتها إلى عمق رئتيه بتنهيدة قوية وانقلبت أفكاره رأساً على عقب والآن باتت تتلاعب به مشاعره ولكنها تحركت من أمامه وخطت تجاه المنزل فزفر بيأس وعادت أفكاره الجريئة تجلس عند زاوية عقله بإحباط وتنتظر اللحظة المناسبة ، ابتسم مستنكراً حالته تلك ثم نهض ليكمل ما بدأهُ .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
مساءاً في قصر السيوفي
تجمع في الأسفل جابر وولديه ينوون الذهاب إلى منزل حمدان الوزير ليتقدموا إلى خطبة ابنته .
يقف رامي بغرور يضع كفيه في جيبي بنطاله قائلاً بتعالي :
– عايزين نعدي على محلات فاتح نچيب منه الحاﺟات اللي موصيه عليها .
تساءل چابر بترقب :
– حاچات إيه دي ؟
تحرك خطوات نحو الخارج وهو يجيب ببرود :
– حلويات وورد ، ولا هندخل على العروسة بيدنا فاضية .
ضحك عادل وتحرك خلفه قائلاً بنبرة ساخرة رديئة :
– هندخل ع العروسة كيف ؟ ، دي مهمتك إنت لحالك .
لم يعره رامي اهتماماً بينما دعاء نظرت له بحرج ولوْم ولكنه تجاهلها وخطى للخارج مع والده واستقلوا سيارتهم وغادروا .
تنهدت دعاء تفكر فيما قررت فعله وتعمقت في أفكارها بينما أنظارها مازالت معلقة نحو الخارج فأتت شريفة تجلس على الأريكة قائلة باستفزاز ساخر :
– لحق يتوحشك يا مرت ولدي ؟
انتبهت دعاء لها فطالعتها بتساؤل قائلة :
– هو مين ده يا مرت عمي ؟
تحدثت شريفة بجرأة كاذبة بعدما غادروا :
– قصدي على چوزك ، أني واخدة بالي من كل حاچة يا دعاء ، عمايلك دي متنفعش واصل ، چوزك مهواش عيهرب ، خليه ياخد راحته متكتميش على نفسه إكدة .
ضيقت عيناها بتعجب من هذا الحديث وزفرت بضيق ثم قررت قطع هذا الحوار قائلة وهي تتحرك من أمامها :
– حاضر يا مرت عمي ، أني طالعة اوضتي بقى علشان تعبانة ونفسي أنام شوية ، عن إذنك .
تحركت وتركتها تنظر نحوها بضيق ، تريد أن تفرض سيطرتها على أحدهم ولكن لا أحد هنا يناولها تلك الفرصة حتى هذه الدعاء لذا نادت بعلو وحدة على نهال قائلة :
– بت يا نهااااال ، اعمليلي فنچان قهوة يابت .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
بعد وقتٍ عاد جابر وابنه عادل إلى القصر يتحدثان باندماج .
دلفا فوجدا شريفة في انتظارهما فلم يعرها جابر أي اهتمام لذا نظرت نحو عادل وتساءلت بترقب :
– ها يا عادل عملتوا إيه ؟ ، وفين رامي ؟
قالتها وهي تبحث عنه بعينيها فتحدث عادل بملل :
– هنعمل إيه يعني ؟ ، قرينا الفاتحة وابنك راح يحتفل مع اصحابه ، عالله يعقل شوية .
تحرك متجهاً نحو غرفته وتركها بينما جلس جابر على مخدعه فتنهدت وتحركت نحوه مجدداً وجلست بالقرب منه قائلة بتوجس :
– هتفضل إكدة يا چابر ؟ ، معتفتكرليش حاچة حلوة واصل ؟
لم ينظر نحوها بل تحدث بضيق وعينيه مغلقة :
– بقولك إيه ، أني مطايقش اسمع حديتك الماسخ ده ، قومي وسيبني دلوك .
فارت دمائها ونهضت من جواره وتحركت مبتعدة عنه لتنفس عن غضبها بينما هو انشغل في حديث حمدان الوزير عن ابنته وردة وكأنه يتعمد توبيخه .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
دلف صالح منزله بعدما أنهى أعماله اليومية ، ود لو يعمل طوال الليل في أرضه ولكن لمشاعره وأفكاره رأيٌ آخر ، كل ما به يطالب بها وبرؤيتها وبعناقها الذي اتخذه وطناً له .
دلف يبحث بعينيه عنها وتحركت قدماه نحو غرفته ينادى بنبرة حنونة قائلاً :
– وردة ؟
لم تجبه بل لم يجدها في غرفتها فتحرك نحو المطبخ ولكن تجمدت قدميه حينما رآها تخرج من الحمام بعد أن استحمت وارتدت قميصاً بدون أكمام وفتحة صدر منحنية ووصل طوله إلى فوق ركبتيها ليظهر تفاصيل أنوثتها التي كانت تخفيها مسبقاً .
الآن يتمنى لو أنها تختبئ فيه وتتخده منزلاً تسكن إليه ، يعلم أنها تشعر بالبرد ويريد تدفئتها بنفسه وظهر ذلك في أنفاسه التي تسارعت ونظرته التي التمعت ببريقٍ جديدٍ عليه لا ولن يظهر سوى أمامها .
تحمحمت وتفاجئت بوجوده لذا انتابها الخجل وتجلى ذلك على ملامحها التى توردت وهربت الأحرف من فوق لسانها ، والآن باتت تبحث بعينيها عن مأزرها الشتوي الذي تركته في الغرفة عمداً ، نظفت حلقها ثم تركت المنشفة الملفوفة على خصلاتها وبدأت تفرك يدها قائلة وهو تتحرك بخطواتٍ متمهلة نحو الخارج :
– مكنتش عارفة إنك چيت يا صالح ، تعالى ادخل استحمى وأني هجبلك هدوم .
مرت من جواره فالتقطتها يداه قبل أن تبتعد فارتعشت بين قبضته وتوقفت مكانها تنتظر ما ينوى فعله بخجل ، التفت إليها وابتلع لعابه وهو يرى خجلها الذي يضاعف رغبته بها لذا تحدث بنبرة متحشرجة تجلت فيها الرغبة حينما قال :
– عتهربي مني ليه ؟ ، أني چوزك يا وردة ، وطبيعي نتعامل كيف أي اتنين متچوزين .
أومأت له بتوتر وبرغم حنان قبضته ودفء قربه إلا أنها تود لو تفر هاربةٌ من فرط خجلها ، أدرك ذلك فتنهد بقوة يرغم نفسه عن الإبتعاد قليلاً ثم تحدث بنبرة آمرة ولينة :
– أني عارف إنك نسيتي تاخدي الروب بتاعك معاكي ، بس افتكري إننا مش عايشين إهنة لوحدينا يا وردة ، ابقي خدي بالك المرة الجاية .
رفعت أنظارها إليه بعدما تبخر خجلها من كلماته وأردفت بنبرة تبريرية قائلة :
– لاء يا صالح أني واخدة بالي زين ، أني أصلاً منسيتوش أني سبته چوة الأوضة لأني عارفة إن عمي مش إهنة .
ضيق عيناه يطالعها بترقب ثم ابتسم واستنتج نيتها وغمزها بطرف عينه اليسرى قائلاً بمرحٍ وقلبٍ هالكٍ من هيأتها :
– وه ؟ ، يبقى إكدة أني ﺟيت في الوقت المناسب صُح .
عاد خجلها فرفعت أنظارها إليه تخبره بصمتٍ عن قلبها الذي بات ينبض باسمه وبات يشتاق لرؤيته وبات عاشقاً لعناقه ودفئه .
تنهد تنهيدةً حارة وأصبح يرغب بها بكامل مشاعره ولكن بقي عائقاً وحيداً فقط بينهما لذا تحدث هامساً بأنفاسٍ ملتهبة :
– هدخل استحمى واچيلك علطول .
أومأت له فمرّ من جوارها مرغماً ليزيل أثر تعبه ويعود إليها سريعاً .
تحركت نحو الغرفة بعد أن دلف وانتشلت من خزانته ملابس تناسبه وعادت تعلقها في مكانها الملتصق بالحمام ثم عادت إلى الغرفة كي تتزين قليلاً قبل خروجه وقلبها عنيفاً ينبض بسرعةٍ غير مسبوقة من فرط سعادته .
خرج صالح من حمامه واتجه لغرفته بقلبٍ متضخمٍ عاشق بعدما أرهقته أفكاره ومشاعره وبات لا يتحمل البعد أكثر .
دلف غرفته فوجدها تجلس فوق الفراش تنتظره ، كانت دوماً جميلة ومتفتحة ولكن الليلة جمالها براقاً بدأ يتلألأ في عينيه .
تفرك يديها بتوتر وقلبها ينبض بصخب وهي تراه يتقدم منها ، ابتلعت لعابها ورفعت أنظارها إليه تبتسم فتوقف عندها ومد يده لها دون نطق أي أحرف .
وقفت تقابله بتوترٍ ملحوظٍ فدارت عيناه على ملامحها ثم تساءل بمَ يعلم إجابته قائلاً :
– إنتِ خايفة مني يا وردة ؟
أخفضت أنظارها خجلاً وهزت رأسها بلا فمد يده يرفع أنظارها مجدداً إليه لتطالعه فظلا ينظران لبعضهما لوقتٍ كانت الأفكار هي من تتحدث ولم يعد لأي حديث أهمية ، الآن كلٍ منها سيخبر الآخر بطريقته عن مخزون عشقه .
انحنى قليلاً فبات قلبه عنيفاً في نبضاته وهو في طريقه إلى شفتيها ليقطف قبلته الأولى ويتذوقها بكل شهيةٍ بعدما انتظرها أمداً .
ما أن لامس شفتيها لم يعد يشعر بعدها بمكانٍ أو زمان ، استلم جائزته الكبرى عن كل معاناته وعذاب البعد ، الآن يسعى لإطفاء نيران اشتياقه التي دامت مشتعلة داخله لسنواتٍ .
لا تعلم ماذا يحدث لها ولجسدها ولكنها في حالة جديدة لا تود رؤية نهايتها ، أصبح خجلها على حافة الهاوية فوضعت كفيها على قلبه تتحسس نبضاته الصاخبة كأن هناك حفلاً يقام داخله .
احتواها بذراعيه ولو أنها مادةً سائلة لتبخرت من حرارته ولكنها لينةً تذوب حباً به كلما أضاف من عشقه إليها .
تحركت أجسادهما بتخدرٍ يتمددان على الفراش ومشاعر كلٍ منهما تتناول من كؤوس خمر عشق الآخر .
يعبر كل طرفٍ عن حبه بطريقته ، تجمع الحب مع الخجل والشغف مع الحنان حتى انتجوا حالةً فريدةً من المشاعر
عندما تمتلك من تحب برغبته وبكامل إرادته فستشعر بأنك امتلكت حريتك بعدما كنت أسيراً للقيود والفروقات .
ستشعر أنك استعدت وطنك بعدما احتله عدواً خبيثاً يسمى الاشتياق .
أعطاها من حبه نهراً فارتوت وطابت كل جراحها كأنها لم تعاني يوماً ، كأنها ولدت لتوها بين يديه وكأن عيناها تنظر للمرةِ الأولى فلم تعد ترى سواه .
أعطته من عشقها سكناً تمنى أن يسكنه حتى ظن الأمنيات سراباً والآن هو يتربع على عرش جنته .
أصبحا روحاً واحدةً في جسدين ، لم يجد في سائر أبيات شعره ما يعبر عن حالته الآن ولن يجد مهما بحث لذا فإن الجمال يكمن في غموضها .
حين يجمتع الحب مع الشغف مع الحلال فإنك جمعت نخبة من مشاعر ليس لها مثيل .
يحتويها بين ضلوعه ويقبل مراراً وتكراراً جبهتها ، تختفي بداخله بعدما تبخر خجلها وبات عشقه متلازمة ستحيا معها .
سابحةً بأفكارها فيما عاشته تنقل له حرارة الأفكار فيعاود ضمها وتقبيل جبينها كأنه في حلمٍ يخشى فقدانه .
نظف حلقه ليتساءل أخيراً بصوتٍ جياشٍ متحشرج :
– وردتي ؟ ، إنتِ زينة ؟
تمتمت وأومأت برأسها المستقر داخله فعاد يقبل جبينها للمرة التي لا يعلم عددها ثم ضمها مجدداً وقال بنبرة احتلت السعادة كامل أركانها :
– اللي حُصل ده حلم ولا حقيقة ؟ ، إنتِ دلوك مرتي وملكي ؟ ، معقول يا وردتي بقيتي ملكي وبين يدي ؟
لم تستطع النطق وتخشاه كأن الحديث سيمتص من سعادتها بل كانت إجابتها فعلية كالقطة التي تتقلب بين أحضان صاحبها لثبت له أنها بين يديه حقاً فأطلق زفرةً خرجت من أعماق أعماقه واستكان يعاود طرح ما حدث على عقله لا يود تجاهله أبداً .
أما هي فغفت بين يديه لتنام مدخرة هذا القدر من الحب الذي كفى احتياجها ولم تعد تبالي شيئاً بعده .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
انتهت نهال من تنظيف المطبخ بعدما دلف الجميع إلى غرفهم .
زفرت وكادت تتحرك نحو غرفتها لتستريح ولكنها انتفضت حينما آتاها صوت رامي الذي جاء لتوه قائلاً وهو يستند على حافة باب المطبخ يطالعها بخبث وتنبعث منه رائحة السُكر :
– لحقتك قبل ما تنامي ؟ ، حظي حلو الليلة .
ارتعبت من هيأته وظهر ذلك في عينيها فتراجعت وتحدثت متسائلة بتوتر :
– أچبلك حاچة يا رامي بيه ؟
ضحك وأومأ يردف بنبرة خبيثة قائلاً :
– تعمليلي فنجان قهوة وتجبيه على أوضتي ، ولو بعتي أمك مكانك هكسر الفنجان في راسها ، يالا مستنيكي .
غمزها وتحرك يصعد للأعلى وتركها في رعشتها ورعبها منه ومن هيأته ونظرته ، ليتها تمتلك حق الرفض هنا .
وقفت متجمدة لثوانٍ لا تعلم ماذا تفعل ولكن نظرة من عينيها دلتها على تلك السكين الموضوعة مع أشقائها على السطح الرخامي فتنفست بقوة تفكر قليلاً ثم عزمت أمرها على التحرك وبدأت تحضر فنجان القهوة له .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
في غرفة عادل الذي يجلس مستنداً على فراشه يدخن لفافة تبغه بغضب وتعجب مما أصابه .
لأول مرة منذ أن تزوج تحدث مع تلك الحالة الغريبة ، دوماً كانت مشاعره حاضرة عند اقترابه من زوجته أما الليلة فكأن هناك أمراً ما يعجز عن استيعابه .
هروب غير مبرر لمشاعره فبات لا يستطيع ممارسة حقه الشرعي معها لذا فهو يجلس يدخن ويفكر بضيق وهي تجاوره وتنام بعمق بعدما حاولت بث الطمأنينة بداخله وما يزيد الأمر سخريةً أن من يرسل لك الدعمِ هو المتسبب في خسارتك .
فهي أرادت الانتقام بطريقتها على ما كان ينوي فعله ونجحت في ذلك وها هي تنام بعمقٍ بعدما رأت حصاد فعلتها .
ظل يفكر إلى أن أوشك عقله على الدخول في نوبةٍ جنونيةٍ أسعفه منها شيطانه الذي حثه على تناول عقاقير منشطة إن استمر الأمر هكذا .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
تحركت نهال تحمل صينية عليها فنجان القهوة وتتجه نحو غرفة رامي بخطواتٍ مترددة وقلبٍ متسارعٍ وعقلٍ معنفٍ لها يمنعها عن إكمال تلك الخطوات .
وبرغم ذلك وصلت أمام باب غرفته وطرقته ففتح لها بعد ثوانٍ ولم يكن يرتدي سوى سروالٍ فقط فأخفضت بصرها عن جذعه العاري ومدت يدها له قائلة :
– اتفضل القهوة يا رامي بيه .
طالعها بخبث وابتسامة ماكرة ومتوعدة ثم مد يده يلتقط الصينية منها ولكن بدلاً عن الصينية التقطت يديها وسحبها فجأة إلى غرفته وأغلق الباب فوراً ، وبرغم أنها أفلتت صرخةً فزعةً إلا أن صوتها الخاطف لم يُسمع .
سقطت الصينية من يدها ارضاً وانسكبت القهوة وانتفضت هي تطالعه بذعر ثم قالت مترجية بتلعثم :
– أأأ أبوس يدك افتح الباب وخليني أخرچ .
كان يقف يسد الباب بجسده ويطالعها بعين الشر ثم قال وهو يهز رأسه :
– تخرچي كيف ؟ ، داني ماصدقت دخلتي إهنة برجليكي ، من زمان قوي وأني مستني اللحظة دي .
ارتشعت وبات جسدها يطالب بالتحرر فبدلت ضعفها وقالت بنبرة مهددة قوية تظنها نافعة :
– لو مفتحتش الباب دلوك هصوت ، هصوت وأقول إنك دخلتني إهنة غصب عني .
ضحك عليها وبات يتقدم منها وهي تبتعد مرتعبة وهو يقول ساخراً :
– متقلقيش ، إنتِ كدة كدة هتصوتي يا حلوة ، بس هتصوتي من اللي هعمله فيكي ، بقى ياحتة خدامة إنتِ تضحكي علينا وتبلغي وردة باللي بيحصل إهنة ؟ ، فكرك يعني مهنعرفش ؟
صدمة جعلت عينيها جاحظة ثم هزت رأسها تردف باستنكارٍ ورعشة وضعفٍ عاد إليها :
– محصلش يا بيه ، مين قالك إكدة ؟ .
ابتسم بشر قائلاً وهو يتقدم منها بخطواتٍ لا تحسب على قائمة الحركة :
– وداني ، وداني سمعتك ، عتكدب عليا ولا إيه ؟
كادت تنطق ولكنها سقطت على فراشه فجأة فصرخت وكادت تبتعد لتنجو بنفسها ولكنه سبقها وهجم عليها يقيدها ويتحدث بعيونٍ سوداءٍ جحيمية وهو ملتصقاً بها :
– لو صوتك طلع هقطع رقبتك وسمعتك هتبقى على كل لسان ، محدش إهنة هيصدق إني دخلتك غصب عنك ، الكل هيصدق اللي هقوله وإنك دخلتي إهنة بكيفك ، ودلوك اسمعي اللي هقوله زين .
كان فمها مكمم بيده ويده الأخرى قابضة على يديها وهي محاصرة بين جسده بينما عيناها جاحظة فابتسم وتحدث وهو يطالعها بنظراتٍ شهوانية :
– عتخليكي حلوة معايا وتسمعي كلامي هوكلك الشهد ، لو مشيتي تحت طوعي إنتِ الكسبانة ، إنما هتتفرعني وتنقلي أخبارنا لل*** اللي اسمها وردة دي يبقى هتشوفي مني أيام سودة وبردك اللي في دماغي هنفذه ، أني الليلة هاخد اللي أني رايده من زمان سواء بكيفك أو غصبن عنك ، مهو لازم تتعاقبي على عملتك السودة اللي عملتيها .
أوشكت أنفاسها على الانقطاع وجسدها يرتعش وعيناها تطالعه بصدمة فصرخ بفحيح :
– يالا اختاااااري ، برضاكي ولا غصبن عنك ؟
لم تفكر مرتين ولم يعد أمامها سبيل ، تطالعه بعيون رسم بهما القهر وقلة الحيلة لذا أومأت له عدة مرات فضحك وأبعد يده عن فمها يردف بانتصار :
– إكدة إنتِ ذكية .
حرر قيد يديها وتحركت يداه تتلمس ملامحها بشهوة ، منذ زمن وهو يخطط ليستبيح شرفها ولكن كانت تقف له شقيقته بالمرصاد والآن بات طريقه خالياً واقترب من تحقيق مراده وها هو ينوي تقبيلها وهي تئن ألماً وحسرةً وضعفاً ولكن لم يعد أمامها سبيلاً سوى يدها التي حررها بغير وعيٍ منه فتحركت أسفل ثوبها تنتشل تلك السكين التي أخفتها وتقبض عليها بقوتها التي جمعتها فيها ثم عندما التهم شفتيها ومنع صرخاتها بفمه صرخت يدها بقوة وانتقام طاعنة جانبه الأيسر فزعق متألماً وابتعد منتفضاً يطالعها بصدمة والدماء باتت تنزف منه بغزارة وهو يحاول كتمها بيده فلم تجد نفسها إلا وهي تسرع وتطعنه مجدداً في منتصف بطنه وكأنها لا ترى بشراً وإنما شيطاناً تجسد في هيأته فباتت تهاجمه بضراوة وقوة لا تعلم كيف أتتها وهو جاحظاً عيناه لا يدرك ما يحدث .
خر أرضاً بين دمائه لا يقوى على النهوض فطالعته بعيونٍ انتقامية قوية ثم نظرت ليدها وللسكين الذي تقبض عليه والدماء المعلقة بهما جعلتها تستعيد القليل من وعيها لذا نفضت عن يدها السكين وألقته بعيداً وأصدرت صرخة مكتومة حبيسة وهي تبتعد عنه وتبكي بشدة وهو يجلس القرفصاء لا يستوعب ما يراه وما يحدث معه حتى غاب عن وعيه وانهار جسده أرضاً بين الدماء .
كانت تطالعه بتشفي برغم بكائها وهو يصارع الموت ولكن سكونه جعلها تقف عاجزة لثوانٍ ثم تحركت تغادر تلك الغرفة بعدما أغلقت بابها وتركته في الداخل مع الموت .
نزلت الدرج الذي صعدته منذ قليل ولم تكن هي نفسها بل كانت روحٍ جديدة في نفس الجسد ، روحٍ خاوية ضائعة لم تعد تشتهي شيئاً في هذه الحياة ، انتقمت لسنوات عمرها التي ضاعت هباءاً في هذا القصر .
تقدمت من باب القصر وفتحته وتحركت إلى الخارج ، كان الغفير يجلس على مقعده غافياً ورأسه متدلية على كتفيه فلم يرها أو يشعر بها وهي تمر من جواره نحو الخارج .
ظلت تسير في طريقها وبعض المارة يطالعونها بتعجب وتساؤلات من هيأتها ولكنها كانت كالعمياء لا تراهم بل سلكت طريق لا تعلم كيف سلكته ولكنها تعلم جيداً وجهتها ألا وهي مركز الشرطة .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
أشرقت الشمس على البلدة
صباحاً ثابتاً كعادته ولكن القلوب متقلبة
فمنهم من يراه أنه أجمل الأيام ومنهم من يراه أسوأها ومنهم من لم يره بعد ومنهم من لن يراه مجدداً .
تلك المرة لم تكن وردة هي المستيقظة بل كانت تغط في سباتٍ عميق داخل ضلوع زوجها الحبيب الذي يستيقظ منذ قليل يطالعها فقط وعقله يمرر جميع معاناته السابقة ، يتذكرها وداخله ينتفض مهللاً بمكافأته التي تلقاها من القدر ، أحبه الله فأرسلها له بطريقةٍ إلى الآن لا يستوعبها .
الآن تقبل ما مر به ، تقبل النيران التي اشتعلت في أرضه ، تقبل كل ما حدث معه في الأيام السابقة وعلم أنها كانت مجرد جسراً لعبورٍ آمنٍ دوماً ، ما عاشه معها ليلة أمس استحق كل المعاناة التي مرت على حياته ، عشقها وحالتها وخجلها أمس كانوا النصيب الأفضل والعوض لما وقع عليه من ظلمٍ .
تنهد بحرارة ثم اقترب من جبينها وقبله مجدداً ثم تململ لينهض بهدوء من جوارها حتى ابتعد قليلاً وترجل من فراشه ينوى الاغتسال ليبدأ يومه الأول بعد توليه عرش مملكتها .
كاد يتحرك مرغماً نحو الخارج ولكنها استيقظت بعدما تسربت البرودة إليها ورفعت رأسها قليلاً تطالعه ثم تساءلت بنعاسٍ ونبرة هامسة مثيرة :
– رايح فين يا صالح ؟
ابتسم وعاد إليها يدنو من وجنتها ويقبلها بعمق ثم ارتفع قليلاً يجيب أمام ملامحها بهيام :
– فاتتني صلاة الفجر يا وردتي ومتعودتش على إكدة .
ابتسمت له ثم أومأت قائلة :
– ماشي يا حبيبي ، روح استحمى وأني هحضر الفطار .
انتعش من نطقها كلمة حبيبي للمرةِ الأولى ودنا يقبل شفتيها بتمهل ثم ابتعد لاهثاً ومضطراً يفصل قبلته ثم نهض مجدداً وطالعها قليلاً قبل أن يتحرك ويترك الغرفة ، لديه الكثير من المشاعر ليعطيها لها ولكن ليضع كل شيءٍ في معاده المناسب .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂꧂
في قصر السيوفي
استيقظ الجميع ومن ضمنهم عزيزة والدة نهال التي بحثت عنها ولم تجدها ، تعجبت وانتابها القلق ولكن أتتها أوامر تحضير الفطور فبدأت تحضره سريعاً كي تنهيه وتبدأ بعدها في البحث عن ابنتها ربما ذهبت ترى وردة بعدما أخبرتها أنها تهاتفها .
اجتمعوا حول مائدة الطعام ولكن رامي لم يأتي فزفر چابر بضيق قائلاً :
– أهو ده اللي كنت خايف منيه ، عيروح يسهر مع أصحابه ويرچع تاني للقرف اللي بيشربه ينام الصبح ويصحى المغرب ، أخوك مش ناوي يعقل يا عادل .
كان يتحدث مع عادل الذي يجلس شارداً ويفكر في ليلة أمس التي تعد أسوء ليلة مرت عليه لذا لم ينتبه لحديث والده فتحدث جابر بحدة قائلاً :
– وه ؟ ، مالك إنت كمان ؟ ، لتكون لساتك مشبعانش نوم ؟
زفر عادل بضيق ثم طالعه يتحدث باستهزاء :
– بقولك إيه يابا ، سبني دلوك أني اللي فيا مكفيني ، إبنك عايز دماغ سليمة وأني مش ناقصه .
تعجب جابر من طريقه ابنه الجديدة غير الاعتيادية وكاد يسأل دعاء زوجته ولكن طرقات على باب القصر نبهت الجميع فترقبوا الزائر تحركت عزيزة تفتح الباب ليتفاجئوا بثلاثة رجال من الشرطة يقفون متجاورين ويلقون السلام .
نهض جابر وعادل متعجبان من حضورهم ثم تقدم جابر يسأل بترقب :
– خير ؟ ، حُصل إيه تاني ؟
نظروا لبعضهم بتعجب فعلى ما يبدوا أنهم إلى الآن لا يعلمون لذا تحدث أحدهم بترقب :
– الفجر جتلنا البنت اللي شغالة عندكوا يا جابر بيه واعترفت إنها ضربت ابنك رامي بالسكينة لما حاول يتعدى عليها ، وقالت إنها سابته في أوضته وجت سلمت نفسها .
جحظت عيناه بصدمة أفقدته النطق وكذلك عادل بينما صرخت شريفة من خلفهم قائلة بحسرة :
– ولـــــدي !
تحدث عادل متعجباً :
– كيف ده ؟ ، أخوي نايم فوق ؟
نظر الشرطي لرفقائه ثم عاد يردف وهو يتقدم نحو الداخل :
– عن أذنكوا نطلع نشوف .
أُفسح لهم المكان فمروا سريعاً ومنه للأعلى يبحثون عن غرفته حتى وجدوها وفتحوها ليتفاجئوا به ممدداً على الأرض وسط دمائه وفاقداً للحياة
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية عشق بين هشيم مشتعل) اسم الرواية