رواية ديجور الهوى الفصل الثاني عشر 12 - بقلم فاطمة طه
فليمرض الفؤاد شوقًا أنا خليد الكبرياء .
#مقتبسة
رأيتُ في عينيك شوقاً غريبًا تجاهي، شوقًا لم أراه عندما كُنت بجانبك، ولك اليوم رأيتُ نظرات الندمِ وكأنك خَسرِتَ شيئاً غالياً عليك ولن يعود، رأيت حسرةً في كلامك ،برُغم وجود الكثير من الكبرياء لديك, لرُبما الآن أحسست بقيمتي وقيمة إهتمامي وكلامي
الغريب أحيانًا.
#مقتبسة
انا مُتناقِض اُحاوِل نسيَانك واكتبُ عنكَ…
#مقتبسة
_____________
في أحد المطاعم.
كان هلال يجلس قبالة ثائر يتناول الطعام معه، لا يتقابلا كثيرًا ولكن من وقت لأخر كلاهما يقررا أن عليهما اللقاء.
أخذ ثائر (شريف) يخبره بكل ما حدث، وإتيان داغر وكل شيء تقريبًا حدث معه الفترة الماضية حتى قصته مع شمس لا يدري لما بمجرد جلوسه مع هلال يفصح له عن كل شيء، لا يتبقى بداخله أي شيء يستطع أخفاءه حتى لو لا يستطيع أن يفعل ذلك مع شخص أخر….
هتف هلال باعتراض شديد بعد أن توقف عن تناول الطعام:
-صراحة أنا من الأول معترض علي جوازاتك اللي ملهاش أي داعي دي وكنت كل ما أكلمك تقلب وشك ليا..
قاطعه شريف بنبرة واضحة:
-أنتَ كان معاك حق لو اتمتعت بكل حاجة في الدنيا النهاردة هفضل خايف من بكرا ومستنيه، وأنا فعلا قررت أبطل اكدب على حد أو أربط حد بيا بعد كده.
سأله هلال باستغراب وتهكم في الوقت نفسه:
-ده علشان هي طلعت رقاصة ولا علشان أنتَ اقتنعت بجد؟! صراحة أنا مكنتش عجباني علاقتك بيها من الأول بس برضو مش فاهم لو هي رقاصة قاعدة في منطقة زي دي ليه؟! وبتشتغل شغل تاني ليه؟!!! أنا مش فاهم حاجة…
أبتلع ريقه ثم أسترسل حديثه بسخرية:
-وبعدين أنا مش فاهم هي بطفشك يعني؟!! يعني ازاي تقولها في وشك وبرضو من الاول طريقة شغلها حاجة وهي حاجة ده شيء مُريب أكتر من حياتك أنتَ.
تمتم شريف بضيقٍ وهو يحاول التفكير معه بصوت مسموع فهو مخزن أسراره نصفه الآخر، لو لم يحكي إلى هلال لمن سوف يتحدث؟!.
-لو كانت عايزة تطفشني مثلا وبتقول حاجة مش حقيقية ليه لغايت دلوقتي بتحاول تكلمني؟!.
أنهى حديثه ثم غمغم بنبرة جادة:
-أنا بقول نقفل الموضوع ده أحسن، الله أعلم حكايتها ايه، أنا مش ناوي أربط حد تاني بيا وبفكر أسلم نفسي لو موضوع أفنان أتحل أصلا اللي خلاني مسلمش نفسي زمان اني عرفت موضوع حملها.
قال هلال بتعجب حقيقي من أحوال صديقه:
-أنتَ ليه مصمم على حوار تسلم نفسك ده؟! مبقاش له داعي أنتَ معاك بطاقة وحياتك كلها تمام مفيش أي حاجة متقدرش تعملها، هو كان يستحق انه يموت.
تمتم شريف بوضوح:
-معايا بطاقة ومعايا كل حاجة تمام بس أنا مش عارف أعيش كده، مش عارف أعيش وأكمل حياتي كأن مفيش حاجة، أنا مش عارف أعمل كده، ولأني خربت حياتي وحياة الكل أنا مش ندمان على قتله بس لازم أخد جزائي على الخراب اللي عملته في حياة كل اللي حواليا.
أردف هلال بضيق من فكرة أن يزج صديقه في السجن:
-قولتلك من زمان أنتَ اللي مش راضي، موضوع أفنان ده ليه الف إثبات وإثبات، حتى لو كان هيبقى في حكم كان هيبقى مخفف ساعتها.
-أهون عليا اني اتسجن واتعدم ولا أن حد يجيب سيرة أفنان في أي حاجة لأن الناس بتحور الكلام على مزاجها وأنا مش هقبل حد يجيب سيرة أختي.
تلك العقلية لن تتغير نظر له هلال بفقدان أمل، ثم أنتقل إلى الموضوع الثاني متمتمًا بنبرة عادية:
-طب وهتعمل أيه في موضوع اللي اسمه داغر ده؟!.
أجاب عليه شريف في ترقب:
-ادينا مستنين حكم داغر علينا وهيقول ايه.
أردف هلال بنبرة حكيمة:
-معتقدش أنه هيعمل مشكلة يعني واحد بشخصيته دي مش هيعمل حاجة لو كان ناوي يفضح الدنيا مكنش هو بنفسه اللي اتجوزها من الأول وهو عارف كل حاجة، معتقدش بعد السنين دي كلها هيغامر أنه يتكلم قدام حد أو يقول لا مهما كان حجم الصدمة اللي حصلت ليه.
تمتم شريف بعد تنهيدة طويلة وعقله كله في شقيقته وما الشيء الذي من الممكن أن يحدث معها؟! وأيضًا لأنه منذ الحديث الذي قاله إلى شمس وهو يشعر بالضيق الرهيب:
-اللي يحصل يحصل اديني مستني.
__________
في الوقت ذاته كانت تشعر بألم كبير…
لو أتى بسكين وقام بوضعها في قلبها ومنتصف صدرها لما كانت تشعر بهذا الألم التي تشعر به الآن….
أنطفأت روحها، كان هو الأمل، نعم هو الأمل في شروق شمس جديدة بين يديه، كانت تأمل في صباح جديد تشرق به بشكل مختلف معه، ذهب بكل أمالها في مهب الريح جعلها تتذكر بأنها أمرأة لا تساوي شيئًا قالها بكل صراحة، ليتها لم يخذلها بهذا الشكل..
لم تكن تنتظر هذا منه…
سخرت من نفسها حينما خطرت على بالها تلك الجملة هو رجل في النهاية، بماذا سيخبرها غير ذلك؟!!..
من بين كثير من الأسئلة التي تتردد في عقلها وهي تقف خلف المرأة وتقوم ب(كوي) شعر المرأة التي تجلس أمامها على المقعد وشردت مما جعل المكواة تقترب من رأس المرأة بشكل جعل الحرارة تلامس فروة رأسها فتأوهت معترضة…
-شمس، لسعتيني حاسبي..
ثم أسترسلت حديثها معبرة عن امتعاضه:
-أنتِ سرحانة خالص ومش مركزة النهاردة.
أبتلعت شمس ريقها وقالت معتذرة:
-أنا اسفة جدًا هنادي على لبنى تيجي تكمل شعرك معلش.
نظرت لها المرأة في عتاب ولكنها صمتت وبالفعل أتت لبنى بعد ثواني من مناداة شمس عليها، ثم غادرت شمس المكان بأكمله صاعدة إلى شقتها، غافلة تمامًا عن والدتها التي كانت تراقب الأمر بأكمله منذ البداية، وأنهت ما تفعله في وجه المرأة ثم صعدت هي الأخرى إلى المنزل وحينما لم تجدها في حجرة المعيشة توجهت صوب غرفة النوم الخاصة بها..
لتجدها جالسة على الفراش مستلقية عليه في وضعية الجنين..
تمتمت سوسن بضيقٍ:
-أنا عايزة أفهم أنتِ ليه غاوية الخراب علينا من كله؟! وعايزة توصلي لأيه امبارح مرضتيش تروح الفرح وضيعتي علينا شيء وشويات والنهاردة سرحانة وكلتي نص حاجب البت ولسعتي الست، أنتِ بتاجري في الخسارة؟!
انتفضت على صوت والدتها فهى تعلم أنها في الشقة بمفردها ولأنها كانت تعطيها ظهرها أستدارت لها شمس وجلست في نصف جلسة وهي تقول بانفعال:
-هو أنا مش من حقي زي البشر اني اخد راحة؟!! مش من حقي أكون زعلانة وعايزة أقعد لوحدي؟!!!!.
صرخت سوسن بغضب:
-كله بسبب الواد السمسار ده اللي جننك وقلب عقلك ومن ساعة ما بقيتي تكلميه وأنتِ اتهطلتي.
تمتمت شمس بحسرة وغضب جامح يفوقها بمراحل:
-ريحي نفسك هو مش في حياتي ولا أنا في باله؛ ولا اهمه في شيء.
أردفت سوسن بسخرية وتهكم:
-هما كده الرجالة واللي تمشي ورا راجل يبقى حالتها زيك كده من الاول حذرتك منه وحذرتك من علاقتك بيه، أي راجل بيعرف يكسر الست اللي معاه بعد ما يطلعها سابع سماء فجاءة يخسف بيها الأرض.
كلمات والدتها أوجعتها وبشدة ضغطت بها على جرحها، حتى لو كانت تستحق تلك الكلمات حتى لو ما كان يقوله صحيحًا ياليته لم يخبرها بتلك الطريقة.
-كفايا أرجوكِ.
تحدثت والدتها بانفعال:
-لا مش كفايا، أنتِ تنتبهي لحياتك وشغلك سيبك من الزعل ولا دمعة واحدة تنزل من عينك علشان راجل، ولا تخلي راجل يكسرك أنتِ سامعة؟!! والواد ده تقطعي معاه خالص.
نظرت لها شمس بانكسار وانهيار رهيب لم يكن يعرف طريقها قبل معرفته، أسترسلت سوسن حديثها بنبرة عملية:
-عبدة شافلك عربية مستعملة حلوة كده، وهيكتبها باسمي علشان أنتِ معكيش بطاقة وأنا هبيع دهبي علشان مترجعيش تقولي عايز يقلبك، ومن بكرا تتعلمي السواقة.
-سبيني لوحدي طيب دلوقتي، من حقي كإنسانه اني أقعد لوحدي لما أعوز.
تمتمت سوسن بنبرة ذات معنى:
-ماشي يا حبيبتي بس متخليش الحزن يطول ولا يأكل قلبك في داهية أي راجل، راح واحد يجي غيره عشرة…
من سيأتي؟!
من سيقبل بها؟!.
وحتى لو أتى سيكون له رغبة بها وستصبح زوجة للمتعة فقط….
والأهم من ستحب بعد ثائر؟!!!
جرح مشاعرها البكر التي لم تشعر بها إلا معه هو وحده لكنه ذبحها بطريقة مهينة…
عادت تستلقي على الفراش مرة أخرة بعدما تأكدت من مغادرة والدتها للحجرة….
يجب أن تستجمع نفسها في أسرع وقت.
___________
في حجرة المعيشة.
كانت تجلس مع أخيها بعد أن أغلقت باب الحجرة على طفلها حتى لا يستمع إلى شيء وهو نام على أي حال.
كانت تخبره بإتيان داغر وتخبره باختصار ما حدث بينهما وما قاله مما جعل شريف (ثائر) يصيح بجنون:
-هو اتجنن ده ولا ايه؟! وبعدين هو أصلا ليه يتكلم معاكِ أنتِ مدام أنا مش موجود كان المفروض يمشي ويستنى لما أجي ميجيش وأنا مش هنا.
نظرت له باستغراب..
على ما يبدو أنه تناسى معلومة مهمة أنه زوجها ولا تستطيع منعه من الدخول، حتى لو زواجهم زواج غريب، غير حقيقي…
ولكنها عقبت بتوتر:
-شريف وطي صوتك علشان فهد ميصحهاش ويسمعنا، وبراحة شوية.
حك شريف مؤخرة شعره بضيق شديد يجتاحه…
تمتمت أفنان بجدية وهي تعقد ساعديها وتنظر إلى شقيقها:
-بصراحة حاسة أن داغر عنده حق، وقوع البلاء ولا انتظاره سبع سنين وأنا مش عارفة أنام وخصوصا من ساعة ولادة فهد، وبعدين هو ابني مش حاجة ينفع اخبيها يا شريف وكل شوية الوضع بيتعقد أكتر، يعرفوا واللي يحصل يحصل.
أردف شريف في نبرة منزعجة وعاجزة لأنه لا يستطيع إيجاد حل:
-طيب لو كمال وجدك مقدور عليهم هتقولي لأمك أيه وفردوس وحطي تحتها ألف خط والبيت كله وعمك؟!
أبتلعت أفنان ريقها قائلة:
-مش عارفة يا شريف، أنا مش عارفة حاجة بس حاسة أنه أحسن حل يعرفوا في حقيقة مش هتتغير انه ابني، ولازم هما يعرفوا بكده والكل لازم يعرف، ياريتنا قولنا من الأول بس ده مش وقت الندم، أنا من الصبح بحاول أعصر دماغي اني هقول قدامهم ايه…
أسترسلت حديثها بسخرية:
-أنا حتى مش عارفة همهد موضوع السفر ده لفهد ازاي، اه هو عارف اني كنت بسافر ليهم وكده لكن هو مش بيسافر علشان تعبان، لكن مرة واحدة كده هغير كل واحدة ولو وقع بلسانة هناك وقال أننا كنا قاعدين معاك؟ هعمل ايه؟!.
-الموضوع مينفعش يا أفنان، لازم داغر يتراجع عن فكرة أنك تروحي أنتِ وفهد معاه.
غمغمت أفنان بلهجة ذات معنى:
-مبقاش ينفع اخبي، هستني لما يخش الجامعة علشان أعرفهم ان عندي ابن؟! مبقاش فيها حلول يا شريف، الأحسن تفكر معايا أقول لماما وعمو وفردوس أيه ده الأهم لأن صدقني الحلول كلها نفذت مجرد ما داغر جه مبقاش ينفع نخبي.
يشعر بالضيق من أجلها ولأول مرة يشعر بالعجز أيضًا، لا يعرف كيف يساعدها وما يفعل من أجلها، عقله توقف عن العمل، لا يستطيع إيجاد حلول مناسبة، يبدو أنها محقة جميع الحلول والبدائل قد انتهت وعليها المواجهة، ولذلك هو يشعر بالضيق لأنه عاجز وأيضًا لأنها سوف تتركه وتلك المرة بمفرده ورُبما لأنه بدأ يشعر بأنه في نهاية المطاف، ليس هي وحدها التي عليها ان تكف عن الهرب والمواجهة يبدو أنه هو عليه فعل ذلك أيضًا…
ومن أسباب شعوره بالضيق أنها لأول مرة عليها المواجهة بمفردها بدون استطاعته أن يحاول الدفاع عنها، ولأنها سوف تسافر مع داغر بمفردها..
الأسباب كثيرة ولكن النتيجة واحدة وهي قلة الحيلة.
وهنا قرر أن يتحدث لأول مرة مستسلمًا:
-اللي أنتِ شايفاه يا أفنان معاكِ حق روحي وواجهي القعاد والانتظار لا يُطاق، وأنا هحاول أفكرلك أيه اللي ممكن تبرريه، بس أنا مش فاهم يعني أحنا لو لقينا تبرير، داغر قدامهم هيقول أنه ابنه؟!…
قالت أفنان بتوتر وحقيقة تشعر بها:
-معتقدش داغر هيفكر يقول عكس كده ويعمل قلبان في العيلة، رغم انه عايز يقتلنا بس مش هيفكر أنه بعد السنين دي كلها يشوه سمعتي وهو اتجوزني علشان ينقذني وأعرف أكمل حياتي..
كانت هذا ما تعرفه، وما تقدره وتحترمه به..
لكنها لم تفهم لما لم يطلقها حتى الآن؟!…
هل سيفعل ذلك بعد عودتهما إلى البلدة؟!
لا تعلم اي شيء، وليس بوسعها التفكير في أي شيء غير محاولة إيجاد عبارات وكلمات مناسبة تستطيع إقناع الصغير بها، وفي اقناع عائلتها به…
______________
بعد مرور يومان.
تضع السماعات في أذنيها حتى تتوقف عن سماع صراخ المعتوهة التي تتواجد أمامها منذ ساعة تقريبًا لم تتوقف، وهي ظنت بأنها ستحصل على يوم هادئ في الحديقة التي أصرت على أن تهبط لها فهي قد سئمت من الجلوس في الغرفة منذ عدة أيام وهي تجلس بها.
هتفت فردوس التي كانت تسير وتعود أمامها، ثم تعود للسير بضعة خطوات ثم تعود مرة أخرى تخبرها بكل ما يؤلم صدرها ولا تنتبه أن في منتصف الحديث قررت دعاء أخذ قسط من الراحة:
-بقا مش مهتم خالص بيا، أنا مبقتش مهمة طالع نازل وخارج من البيت مش بيفكر يقولي ازيك رغم أنه بقاله يومين بيبات هنا.
أدركت فردوس أن دعاء لا تجب عليها لذلك أقتربت من المقعد التي تجلس فوقه دعاء بمسافة مناسبة:
-دعاء أنا بكلمك…
ثم صاحت بطريقة ليصل صوتها لمن تضع المساعات في أذنيها لتنفض دعاء أثرها وتسقط السماعة من أذنيها:
-أنتِ حاطة سماعة في ودنك وسيباني بكلم نفسي؟!..
-بسم الله الرحمن الرحيم، يابنتي أنا عاملة عملية علشان أخلف بتصوتي في وشي من الصبح علشان أقطع الخلف يعني؟!!.
قالت فردوس بغضب:
-أنا غلطانة، غلطانة بجد أني بتكلم معاكِ وأنتِ أصلا مش مركزة معايا الحق عليا.
أردفت دعاء في اعتذار:
-حقك عليا ياستي أسفة وبعدين أنا سمعت نص الكلام ولما لقيتك بتعيدي وتزيدي أنا زهقت ما أنا بشر برضو، وبعدين أنا عايزة أفهم حاجة.
تحدثت فردوس في ثورة تحاول إخمادها:
-اتفضلي عايزة تفهمي ايه وعلى العموم أنا مش هزعجك تاني.
كانت تقصد كلمتها الأخيرة لم يكن عليها الاحتكاك بدعاء، لم يكن عليها أن تخبر أحد بمشاعرها التي كتمتها طويلا حتى ما عاد قلبها أن يتحمل….
أردفت دعاء بضيق:
-بطلي كلام ملهوش لازمة.
جلست فردوس وعقدت ساعديها وهي تزفر بضيقٍ فأسترسلت دعاء حديثها:
-أنتِ مبقتيش عارفة تنامي كل يوم وبتقعدي تهري في نفسك صبح وليل، وتشتكي منه، في حين أن قدامه بتبيني أنه ملهوش لازمة عندك، طب أنتِ عايزة أيه؟!.
قالت فردوس بجدية:
-عايزاه يبطل يتجاهلني أنا مش متحملة فكرة أنه يتجاهلني يا دعاء، ومش متحملة فكرة أنه اتجوز وفي واحدة تانية في حياته أنا مش متحملة كل ده.
أشفقت عليها تدرك جيدًا بأنها تحمل الكثير والكثير بداخلها ولكنها لا تعلم ماذا عليها أن تفعل من أجلها؟!!
ليس بيدها شيء حقًا..
فغمغمت دعاء بوضوح:
-خلاص روحي قولي في وشه واعرفي هو ليه مش مهتم؟! مبهوش لازمة تقوليلي أنا
-هو أنا هشحت منه الاهتمام؟! ولا هقوله أنتَ مش بتسأل ليه؟!..
حقًا دعاء ستفقد عقلها من المرأة ذات المشاعر الغريبة والمتناقضة التي تجلس أمامها، ولكنها تحاول التبرير لها فهي لم تمر بما مرت به لذلك ليس عليها أن تصدر حكم بالجنون رُبما لو كانت في موقفها لفعلت أكثر من ذلك، فلا تنظر أبدًا وتعطي حكم تجاة الآخرين مادمت لم تمر بموقفهم ولم تكن بداخل الأحداث…
– يمكن ولو لمرة واحدة فتحتي قلبك وعرفتيه أنتِ حاسة بأيه هترتاحي، جربي يا فردوس جربي ساعات لما بنتكلم بنرتاح.
كيف ترتاح؟!
وهي تشعر بالجنون….
هل حقًا بمجرد أن وجد أمرأة أخرى غيرها لقد توقفت محاولاته؟! كانت محاولاته من أجل رغبته في الشعور بذاته وبرجولته وبأنه لديه زوجة…
ليست كما يدعي بأنه يُحبها….
حسنًا لديها كمية من الأفكار السيئة التي تجعلها تذهب بلا عودة إلى مكان لا يمكن لأحد أن يصل لها به، ولكن لما لا؟! لما لا تخبره حتى ولو بعشرة في المئة مما تكتمه بداخلها؟!! هل سيحترق العالم؟!!
وحتى لو أحترق ما المشكلة؟! فهناك حريق بداخلها لم تنطفأ نيرانه منذ سنوات عديدة…
هتفت فردوس وهي تستعد للرحيل:
-ماشي أنا طالعة.
قالت دعاء بيأسٍ يبدو أنها فشلت في اقناعها، هكذا ظنت:
-هتطلعي تكتئبي في اوضتك وتكلمي نفسك ولو زنقت هتاخدي المنوم وهتنامي..
قاطعتها فردوس قبل رحيلها:
-لا طالعة أشوف كمال في اوضته ولا في المكتب ولا بيعمل ايه…
رحلت وابتسامة ظهرت على وجه دعاء في انتصار حقيقي، وقررت أن تتحدث مع والدتها وابنتها وحتى تطلب منهما الاتيان فلقد أشتاقت لهم، رغم أنهما كان يتواجدا ليلة أمس…
يا ليتها تستطيع أن تجعل ابنتها بجوارها طوال الوقت لولا طليقها الذي دومًا يتسبب في شجار وهي لا تود أن يحدث شجار بينه وبين زوجها…
___________
ولجت أفنان إلى صالون التجميل…
استقبلتها سوسن بترحاب:
-أهلا وسهلا.
تمتمت أفنان باحترام:
-ازي حضرتك يا طنط؟!.
-بخير يا حبيبتي الحمدلله، أيه جاية تعملي ايه؟!.
أبتسمت أفنان ثم قالت بتوتر شديد:
-بصراحة مش جاية اعمل حاجة أنا جاية علشان عايزة شمس في موضوع.
أردفت سوسن بعدم فهم:
-عايزة شمس بنتي في ايه؟!…
ثم قالت وهي تحاول أن تتذكرها فهي ليست من النساء التي تردد إلى هنا كثيرًا وأخيرًا أستطاعت تخمين هاويتها:
-أنتِ أخت ثائر؟!.
تمتمت أفنان بنبرة متوترة:
-أه أنا…
قاطعتها سوسن بانفعال مبالغ فيه:
-طيب لو سمحت قولي لاخوكي المحترم يبعد عن بنتي علشان بنتي حالها اتقلب ومشافتش الهم والحزن غير لما عرفته…
قالت أفنان محاولة قول أي شيء:
-حضرتك فاهمة الموضوع غلط.
غمغمت سوسن بسخرية:
-لا يا حبيبتي أنا فاهمة الموضوع صح جدًا…
قاطعهما إتيان شمس من الداخل متمتمة بضيقٍ حينما وجدت والدتها واقفة بجانب أفنان وصوتها مرتفع بعض الشيء، فأقتربت منهما شمس قائلة بنبرة هادئة:
-أفنان، أهلا بيكي، نورتي..
أردفت سوسن بنبرة منفعلة:
-نورت هي وأخوها اللي جننوكي.
غمغمت شمس بنبرة لا تقبل النقاش:
-ماما لو سمحت ملهوش لازمة الكلام ده، روحي شوفي وراكِ ايه لأن بعد اذنك أنا هكون مع أفنان أشوفها محتاجة أيه..
كادت سوسن أن تتحدث ولكن منعتها شمس باستنكار:
-ماما لو سمحت.
زفرت سوسن بضيقٍ ثم رحلت لتجد أي شيء تفعله بينما وقفت شمس أمام أفنان قائلة:
-أسفة جدًا يا أفنان ماما بس طريقتها صعبة شوية.
أردفت أفنان وهي تلتمس لها العذر:
-عندها حق يا شمس؛ أنا بس جاية أقولك اني مسافرة علشان جوزي رجع، وحسيت اني مينفعش أسافر قبل ما أسلم عليكي، وكمان اعتذرلك على الكلام اللي قاله ثائر ليكي صدقيني هو ميقصدش أي حاجة من اللي قالها.
أبتلعت أفنان ريقها وهي تحاول أن تكن نبرتها منخفضة بقدر الإمكان:
-أنا حقيقي معرفش أيه اللي حاصل بينكم بس الفترة دي ثائر مضغوط لأسباب كتير ومشاكل عائلية صدقيني هو بيحبك وبيحبك أوي كمان، ساعات بيكون الزعل قد الحب وقد الغلاوة.
غمغمت شمس بسخرية من حالهما:
-اللي حاصل بيني وبين ثائر صدقيني ملهوش حل يا أفنان وأنا اللي غلطانة أخوكي معاه حق في كل حاجة؛ معنديش الجراءة أصلا اني اقولك ايه المشكلة..
هي حقًا لا تمتلك الشجاعة لأخبارها على الأقل لتظل أفنان تحترمها..
غمغمت أفنان بجدية شديدة:
-مفيش حاجة ملهاش حل بين اتنين بيحبوا بعض.
قالت شمس بأسف شديد:
-ساعات بيكون مفيش حل يا أفنان، ساعات بيكون مينفعش للأسف.
نظرت لها أفنان بضيقٍ شديد، هي لا تفهم حقًا لما أتت إلى هنا؟! تريد فعل أي شيء قد يجعله سعيدًا كما يحاول دائمًا أن يفعل معها، تريد فعل أي شيء ولكنها على ما يبدو لا تستطيع…
-ربنا يعمل اللي فيه الخير، أهم حاجة متزعليش منه.
أردفت شمس بجدية:
-متشغليش بالك بحاجة، أهم حاجة تسافري بالسلامة وهبقى على تواصل معاكِ ان شاء الله، يمكن مدخلتش عليتكم بس أعتقد أني انفع أكون صاحبة كويسة.
قالت كلماتها الأخيرة بنبرة بين المرح والحسرة:
-أكيد يا حبيبتي، أنا همشي بقا علشان معطلكيش ولا اضايق والدتك أكتر من كده، مع السلامة.
صافحتها شمس ثم قالت بابتسامة صافية:
-مع ألف سلامة..
رحلت أفنان وكانت شمس تشعر بنظرات والدتها المغتاظة لذلك تركتها وتوجهت صوب الداخل تستكمل ما كانت تفعله…..
_____________
بعد رحلة بحث قصيرة…
دخلت فردوس إلى المطبخ لتجد كمال يجلس على المقعد وفنجان قهوته ومفاتيحه تتواجد على الطاولة الخشبية التي تتوسط المطبخ…
كان شاردًا ينظر إلى هاتفه هكذا ظهر لها ولكنه في الواقع يقرأ رسائله التي تراها أفنان ولا تجب عليه فهي لا تجد رد مناسب، لولا قسم شريف بأنها بخير لظن أنه أصابها مكروه ولكنه على يقين بأن هناك شيء غريب يحدث ولا يشعر بالطمأنينة التي يشعر بها جده..
قاطعت فردوس شروده وهي تسحب مقعد لتجلس أمامه وهنا بدأ في الانتباه لها، ليغلق هاتفه ويضعه على الطاولة، ويمسك فنجان قهوته يأخذ منه رشفة وهو ينظر لها في صمت مُريب بالنسبة لها، فهي كانت تتسائل هل من الممكن أن عشقه لها قد بدأ في الزوال بحلول أمرأة أخرى في حياته؟!
تمتمت فردوس مقرره أن تأخذ هي زمام المبادرة للحديث:
-بقالك يومين يعني ملكش حس، ولا صوت.
أردف كمال بنبرة هادئة:
-مش فاهم قصدك ايه؟!.
قالت فردوس وهي تقوم بعصر فدان من الليمون كما تخبر ذاتها:
-قصدي أنك بطلت تتكلم معايا بقالك يومين رايح جاي على البيت وبتبات بس مش مهتم حتى تسألني عاملة أيه؟!.
ترك فنجان القهوة واستند بمرفقيه على الطاولة قائلا بجدية:
-يمكن علشان أنتِ بتعرفيني دايمًا أن سؤالي عليكي ملهوش لازمة ولا فارق معاكِ؟! ثم أنا بختصر الكلام معاكِ وكنت فاكر أن ده المفروض يريحك.
مستفز..
هل يجب عليها أن تقوم بكسر أسنانه أو تحطيم رأسه؟!
-حسبتها غلط أنتَ لأني مرتحتش لما مسألتش عليا.
أردف كمال بنبرة متعبة:
-عايزة أيه يا فردوس؟ فهميني عايزة أيه؟! أنا بسأل عليكي ألف مرة في اليوم عارف بتأكلي امته وبتأكلي ايه، عارف امته بتكوني مع دعاء وامته بتكوني لوحدك، متفتكريش أنك مش على بالي بس أنا بطلت أسالك أنتِ لما لقيت الكلام ملهوش لازمة فهمتي؟!.
-بس كلامك طلع له لازمة وبيفرق.
قالتها بعفوية منها لينظر لها بدهشة لا يعلم حقًا سر هذا التغيير الواضح؟! هذا كله لأنه تزوج؟!! كان أمامها منذ سنوات لم يتوقف يوم تقريبًا عن المحاولة بكل الطرق المختلفة ولكنها لم ترغب في أي يوم من الأيام حتى في حديث بل دومًا خذلته، لم تصدقه أبدًا في أي شيء يخبرها به مهما كان كبيرًا أو صغيرًا…
يدرك الهشاشة التي مرت بها بعد وفاة شقيقها حتى أنه ما عاد يستطيع أن يخبرها بالحقيقة الكاملة، لرغبة شريف الحمقاء بألا يعرف أي شخص شيئًا، ورغبته هو بألا يحزنها قبل بأن تكن صورته غير جيدة في عيناها أفضل من أن يخبرها بأن شقيقها الوحيد الذي كان بمثابة والدها الثاني وعائلتها بأكملها ما هو إلا مُغتصب تلاعب في مشاعر شقيقته في البداية وحينما سنحت له الفرصة نال ما أراده مغتصبًا أياها و….
تفاصيل كثيرة وذكريات سيئة تحوم في عقله ولكنها اقتحمت صندوق ذكرياته متمتمة بضيقٍ:
-للدرجاتي مش عايز تتكلم معايا؟!.
-معاكِ يا فردوس، معاكِ، أنا بس بحاول أفهمك.
عقبت فردوس بسخرية:
-حاول تفهمني وبعدين أنا قولت انبهك بس ان من حقي عليك ومن واجبك أنك تسأل عليا على الاقل..
قاطعها كمال في تهكم:
-ومن امته سيبتيني أقوم بواجباتي تجاهك أو أنتِ شوفتي الحقوق اللي عليكي؟!.
قالت فردوس في نبرة مماثلة لنبرتها:
-أنا قولت انبهك بس علشان خوفت عليك أن ذنوبك تكتر وهي كتير أساسا أنك مش عارف تعدل ما بينا.
غمغم كمال باستنكار :
-أنا ملاحظ أن الفترة الأخيرة دمك بقا خفيف يا فردوس، انا شايف أنك تعرفي أنتِ عايزة أيه يا فردوس لأني مش فاهم موقفك من بعد جوازي من داليا، مبقتش فاهمك، أنتِ غيرانة؟! ما أنا كنت قدامك سنين..
صاحت فردوس باستنكار يفوقه بمراحل مقاطعه أياه:
-أنا غيرانة؟! أنتَ بتهرج وبتحلم…
أدرك أنها انزعجت بسبب ذكره لتلك النقطة لذلك غمغم بهدوء:
-مدام قلة سؤالي عليكي مضايقاكي حقك عليا ، بس ياريت مش بعد يومين اما ارجع زي الاول بيكي تقوليلي أنتَ مالك بيا.
غمغمت فردوس برجاء حقيقي لا تعلم حتى كيف خرج منها ولا تعلم ما الذي يحدث لها:
-حتى لو قولت متبطلش ممكن؟!..
هو بالفعل بات لا يفهم شيء..
ولكن ليس بوسعه فعل شيء فهو يصف نفسه بالضعيف أمامها في بعض الأحيان، لا يستطيع فعل شيء سوى تحملها….
نهض تحت انظارها ووصل إلى مقعدها وترك قُبلة على رأسها لحقها ممسكًا بكف يدها تاركًا قُبلة عليه تحت انظارها المتوترة وسمعته يهمس لها بجانب أذنيها:
-ممكن جدًا وحقك عليا لو زعلتك اليومين دول مفيش حاجة بتشغلني عنك بس دماغي فيها كذا حاجة.
ثم أردف وكأنه يعرفها إلى أين يذهب:
-ورايا مشوار علشان الفوج السياحي الجديد ساعة وراجع لو مهتمة تعرفي.
قالت بلا مبالاة كاذبة فهي تشعر بالراحة على الاقل هو ليس ذاهب إلى زوجته:
-طيب؛ وممكن لو عايزة انزل زي الاول تسيبني انزل؟! أنا زهقت من قعدة البيت بجد.
قال كمال بنبرة ذات معنى وهو ينظر لها قبل أن يرحل:
-عرفيني قبل ما تنزلي رايحة فين وانا معنديش مشكلة بس ياريت متعمليش أي حاجة تهزي ثقتي فيكي تاني يا فردوس.
قالت بنبرة هامسة لم يسمعها فهو كان قد رحل ولم يتبقى سوى طيفه:
-حاضر.
_____________
في المساء..
تقوم بتصفيف خصلات صغيرها قبل نومه، فأنهى حمامه منذ قليل…
كانت شاردة تمامًا وهي تصفف خصلاته ولكنه أبتعد فجأة ونهض من فوق المقعد الذي يجلس عليه وجذب الفرشاة من بين يديها قائلا باعتراض طفولي:
-أنا اللي هسرح لنفسي أنا كبرت.
أبتسمت له أفنان تاركه أياه يفعل ما يريد، وهي تنظر له بدهشة هل حقًا بدأ في الكبر وبعد سنوات سيصبح مراهق؟!! كيف ستتعامل معه وقتها؟!..
أساسًا هي كانت صغيرة حينما كان جنينًا في أحشائها وفي أصعب فترة في حياتها، لم تكن قد بلغت التاسعة عشر وقتها، دفعت ثمن بسيط رغبتها في الشعور بأنها أنثى أنهت حديثًا فترة المراهقة تعلقت بشاب وبدأت تستجيب لرسائله، كما أقنعها بأنه على وشك الزواج منها بعد إتمام حفل زفاف شقيقته وشقيقها هكذا كان يخبرها من بداية تعارفه عليها حينما كانت في السابعة عشر من عمرها، لكن تغير الأمر كله حينما ولج إلى منزلهم تغير تمامًا كل شيء لم يعد هناك قصة الحب التي كان يخبرها بها تغير الأمر كله.
توقفت عن ذكرياتها تلك حينما وجدت فهد يخبرها بأنه انتهى، ووقتها نظرت عليه لتجد خصلاته مبعثرة كما هي، فتحاول أن تخبره ماذا يفعل وتساعده في تمشيطه جيدًا…
وفي النهاية جلس الصغير في أحضانها على الفراش تروي له قصة قبل نومه، ولكنها كانت قصة صغيرة اليوم، حتى تنتهي بسرعة وهنا صاح الصغير باستهجان معترضًا:
-القصة خلصت بسرعة أنا لسه منمتش.
تمتمت أفنان بهدوء وهي تعبث بأصابعها في خصلاته الناعمة:
-أيوة أنا عارفة أنها خلصت وقصيرة علشان أنا عايزة أتكلم معاك شوية.
احتضنها قائلا:
-اتفضلي.
غمغمت أفنان بنبرة هادئة:
-أحنا هنسافر يوم الخميس وبكرا هروح المدرسة علشان اديهم خبر أنك هتسافر معايا هنأخد أجازة لفترة ولما نسافر هجيب ليك حد يذاكرلك في البيت وأنا هذاكرلك وهتابع في المدرسة أنتَ واصل لفين.
أردف فهد باعتراض وهو يبتعد عنها بحنق طفولي ويعقد ساعديه:
-لو هنسافر عند بابا أنا مش عايز أروح عنده أو مكان ما هو موجود.
يا ألهي ماذا يجب أن أفعل؟!..
تمتمت أفنان بهدوء وتوضيح بسيط:
-أولا اللي حصل بين بابا وخالو ثائر حاجات بتحصل بين الكبار ومشاكل ملكش دخل بيها وبعدين هما أتصالحوا.
– بس بابا مبيحبنيش.
سألته أفنان بتوتر:
-ليه بتقول كده؟!.
أردف فهد بضيق شديد يعتريه وشعور لا يستطيع أن يتجاهله:
-علشان هو مكلمنيش ومش بيحاول يشوفني ويحضني أو يتكلم معايا زي ما بسمع من صحابي أو زي ما أنتِ بتعملي معايا.
غمغمت أفنان محاولة قول أي تبرير أحمق:
-هو في مشاكل وحاجات كتير كانت مزعلاه ومأثرة عليه مش أنا ساعات بضايق وببقى عايزة أقعد لوحدي ولا اتكلم معاك ولا خالو، وبعدين هو كان عنده مشاكل برا كتير وحاجات أنتَ مش هتفهمها.
هز الصغير رأسه، متمتمًا بعدم اقتناع:
-برضو أنا مش عايز اسافر عنده.
تمتمت أفنان بتوضيح:
-فاكر جدو وتيتا وكل الناس اللي حكيت ليهم عنك ومكنتش بينفع تسافر معايا علشان أنتَ تعبان، لكن دلوقتي أنتَ خفيت ولازم نسافر علشان تعرفهم وهما يعرفوك.
أردف الصغير بفرحة رهيبة:
-بجد هنسافر ليهم؟! وخالو هيسافر معانا صح؟!.
هنا جاءت للمشكلة الحقيقية وهو هذا الأمر.
أحتضنت أفنان وجه صغيرها بين يديها:
-ثائر مش هيجي علشان شغله، وفي شوية حاجات عايزين نتفق عليها، وحاجات هنخبيها لغايت وقت معين، زي أنك هناك مش هتجيب سيرة أننا كنا قاعدين مع خالو ثائر، هتقول أننا كنا قاعدين مع بابا برا.
سألها الصغير بعدم فهم:
-يعني أكدب؟!..
تمتمت أفنان بنبرة متوترة:
-الكدب مش حاجة حلوة صح أنا عارفة بس ده شيء ضروري وأوعدك أحنا هنخبي بس لوقت معين مش أكتر ولا أقل، وبعدين أنتَ مش بتسمع كلام ماما وبتثق فيها وعارف اني مش هقولك غير الصح؟!.
هز الصغير رأسه بعفوية فوالدته دائمًا على حق، فهي حبيبته وصديقته التي لا تخفي عنه شيء، حسنًا الوضع مخيف ولكنه يعرف بأن والدته هي المحقة دومًا…
غمغمت أفنان بنبرة هادئة:
-محتاجين نتكلم مع بعض في شوية حاجات قبل سفرنا وتوعدني أنك تسمع كلامي بالحرف ومتغلطش أو تعمل أي حاجة غلط علشان خاطري؟!.
-حاضر يا ماما هعمل كل اللي أنتِ عايزاه.
تركت أفنان قُبلة دافئة فوق رأسه بحنان وأستمرت في الحديث معه عما يجب أن يحدث عند سفرهم….
___________
في الصباح الباكر…
استيقظت على صوت طرقات على الباب…
سألت من الطارق، فأجابت عليها أحدى النساء التي تعمل في المنزل معرفة أياها بهاويتها.
فسمحت فردوس لها بالدخول وهي تمسح عيناه، فولجت المرأة وهي تحمل صندوق كبير..
أخذت فردوس تنظر لها حتى أنها نهضت من فوق الفراش قائلة باستغراب وهي تحاول معرفة ما الشيء التي تحمله:
-ايه ده؟!.
غمغمت المرأة بنبرة هادئة:
-دي أول حاجات طلعناها من أوضة أستاذ كمال.
تمتمت فردوس بعدم استيعاب:
-ليه هو ياخد حاجته بيته التاني؟!.
أردفت المرأة بتوضيح بسيط:
-الست أفنان وداغر جايين يوم الخميس وعايزين نجهز أوضة الضيوف اللي أستاذ كمال قاعد فيها، ولسه بنضفها وأي حاجة تاني هنلاقيها ليه هنجيبها هنا.
قالت فردوس بعدم فهم رغم اندهاشها بإتيان داغر للمرة الأولى:
-وهي أفنان ليه مش هتقعد في أوضتها؟! وكمال كده هيقعد فين؟!.
تمتمت المرأة بنبرة هادئة:
-الحاج توفيق قالنا نجيب حاجته هنا في الأوضة ومعرفش أي تفاصيل تانية، عن أذنك.
رحلت المرأة وأخذت فردوس تنظر إلى الصندوق بمشاعر متناقضة لا تفهم أي شيء؟!!!!…
وأيضًا لا تعلم لما شعرت بالاستغراب من اتيان داغر وأفنان سويًا، للمرة الأولى منذ سنوات…
ما الذي يخبئه القدر؟!.
وأين سيقيم كمال خلال تلك الأيام؟!…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية