رواية ديجور الهوى الفصل الثالث عش 13 - بقلم فاطمة طه
اذكروا الله
___________
– فِي الأمَس كُنْتُ أفتَقِدُك، اليَوم أيْضًا فِي السَّاعَاتِ الأولَى مِن الصَّبَاح أفتَقِدُك، وغَدًا عَلَى الأغلَب سَأفتَقِدُك، فِي الحَقِيقَة أنَا أفتَقِدُك طَوَالٌ الوَقَت.
#مقتبسة
“أما علمت بأن الشوق يحرِقُنا فَهل ينام الذي في جَوْفهِ نارُ؟”
#مقتبسة
«أفكر بك رغم كل الأسباب التي تجعلني أتراجع عنك، وحدك من أستطاع أن يضوّي هذا القلب»
#مقتبسة
هَل لِي برُكنِ قلبِكَ مَسكناً؟ فَالكونُ خارجَ قلبكَ مُظلِمُ
#مقتبسة
____________
تقف في الشرفة الخاصة بالمكتب تجيب على مكالمة والدتها، تصرخ بها بجنون وعصبية مبالغ فيها كعادتها، مرت ربع ساعة ولم تتوقف تتهمها دومًا بالعصيان مخبره أياها بأنها ابنه سيئة تعوق والدتها ولا تنفذ طلباتها في حين أنها تفعل العكس مع والدها كما تظن والأخص جدتها…
تمتمت بشرى بضيقٍ شديد يحتلها فهي تحتاج إلى الدعم النفسي في أولى أيامها في العمل لأول مرة في حياتها، لا تحتاج جنون وغضب والدتها:
-يا ماما حضرتك بس متعصبة ليه؟!..
جاءها صوت والدتها المتهكم بجنون:
“كل ده وتقوليلي متعصبة ليه؟! بقولك فرح بنت خالك وأنتِ تقوليلي مش هعرف أنزل؟! وتقوليلي متعصبة ليه؟!”.
غمغمت بشرى بتوضيح ونبرة مسالمة ليست عدائية حتى، فهي أعتادت على ضيق والدتها وغضبها الفظيع منذ أن كانت طفلة، دومًا والدتها غاضبة وحانقة على أتفه الأسباب، نادرًا ما تجدها راضية على أي وضع من الأوضاع:
-يا ماما أنا لسه شغاله مكملتش أسبوع هروح أقولهم عايزة أجازة ثلاث أيام علشان ماما عايزاني أحضر حنة وفرح بنت خالي وشوفي كمان السفر هياخد قد ايه رايح وجاي.
صاحت نرمين (والدتها) حتى كادت بشرى أن تصبح صماء بسبب صوت والدتها الذي أخترق طبلة أذنيها التي تضع فوقها الهاتف:
“مهوا لو ده كان فرح يخص أبوكي ولا ستك كنتي فضيتي نفسك ومقدرتيش تتكلمي، الحجج لأمك وعيلتها وبس”
قاطعتها بشرى بذهول للشيء الذي وصل له الحديث كالعادة:
-يا ماما هو أي حاجة تحصل ما بينا في الكون تقوليلي على ستو زينب وبابا أيه علاقتهم دلوقتي؟!..
“دي الحقيقة أنتِ بالنسبالك في داهية كلام أمك دايما كلامي ملهوش أي تلاتين لازمة عندك، أنا غلطانة أصلا أني وافقت أنك تتنيلي تشتغلي في المخروبة اللي أنتِ فيها”.
تنهدت بشرى باختناق تحاول أن تتنفس بصورة طبيعية فهي ترغب بجدية الصراخ في وجهها وأن تخبرها بأنها تعلم كل العلم بأنها لم تفعل هذا من أجلها بل فقط من أجل تتخذ قرار وأن يكن لها رغبة مضادة لزوجها ليس لاسعاد ابنتها او تنفيذ رغبتها هي تعلم كل شيء لم تعد صغيرة…
هتفت بشرى محاولة الاحتفاظ بنبرتها المهذبة والمنخفضة قدر المستطاع:
-مهوا برضو محدش يعمل الفرح في نص الأسبوع كده ويوم **** ده الجاي صح؟!.
صرخت والدتها بنبرة جنونية:
“متقعديش تحطي حجج أنتِ عايزة تكسفيني ومتحضريش الفرح كالعادة ليكي ألف حجة وحجة زي ما عملتي ساعة الخطوبة وقولتي امتحانات، ان شاء الله عنك ما جيتي يا بشرى بس أعرفي اني مش هفوتها أبدًا المرة دي”.
تمتمت بشرى بنفاذ صبر فهي لديها طاقة تحاول ألا تنفذ رغم أنها على وشك النفاذ:
-طيب يا ماما متزعليش نفسك هحاول اعمل اي عذر واي حجة، اغيب بيها يومين يدوبك صد رد، أهم حاجة متزعليش.
“لما نشوف هتعملي كده بجد ولا كلام، سلام”.
-سلام.
انتهت المكالمة بينهما بعشوائية وبضيق رهيب يحتلها، حقًا هذا ما ينقصها؟!…
ما ينقصها حتى تحبها والدتها وتتعامل معها بطريقة طبيعية؟! حسنًا هي تعلم أن الأمر لا يخصها بمفردها فهذه هي طريقة والدتها مع الجميع وحتى مع شقيقها ولكنه على الأقل أستقر في الخارج ووقتها جن جنون والدتها تزايدت حدة، أرتاح هو من كل شيء لكن بقيت هي لتشعر بأنها غير كافية.
لم تشعر بأنها فتاة كافية أو تستحق حب والدتها، أو والدها..
والدتها دومًا غاضبة ومهما فعلت لا تلمح بعيناها نظرة رضا بينما والدها هو يعيش في عالم أخر لحسن الحظ أن جدتها (زينب) موجودة وإلا كانت فقدت عقلها منذ زمن.
___________
في المكتب الخاص بهلال، ولج بعد أن كان في طريقه إلى الشرفة للتحدث مع والده ولكنه وجدها مشغولة وليست فارغة على ما يبدو لذلك عاد بإدراجه بعدما استمع لبعض كلمات تلك الفتاة التي تعطيه ظهرها..
وكان أثناء ذلك والده قد أغلق الاتصال، فعاد هلال مرة أخرى يحدثه:
-ألو يا حجوج، أيه مراتك لسه مصممة اني اروح اشوف العروسة دي؟!.
جاءه صوت والده الهادئ:
-جدا علشان قريبتها من بعيد وتعرفها وهتبقى قعدة تعارف عادي وهنكون كأننا رايحين نتغدى.
قال هلال بنبرة مهذبة:
-طيب أبعت الرقم القومي بتاعها وأسمها الرباعي وأنا هعمل عنها شوية تحريات وقيد عائلي وفيش وتشبيه.
جاءه صوت والده المستنكر:
-هو أنتَ رايح تتعرف عليها ولا رايح تترافع عنها في قضية؟!.
-هلبسها قضية، مهوا الجواز ده يعتبر قضية الناس بتلبسها لبعض واهي ماشية…
___________
في زيارة للخالة نجوى “والدة مراد”، التي تعشقها فردوس وتحبها ولكنها لا تقم بزيارتها كثيرًا ولكن بينهما اتصال من وقت لأخر..
لم تخبرها بأنها سوف تأتي لزيارتها جعلت الأمر لها مفاجئ، فرحبت بها على مضض ليست عدم رغبة في رؤيتها ولكن غضبًا منها ومن تصرفاتها..
هتفت فردوس وهي تتناول القهوة التي صنعتها نجوى من أجلها:
-خلاص بقا يا جوجو هتفضلي قالبة وشك كده كتير؟!.
-أنا زعلانة منك وزعلانة عليكي يا بنتي.
قالت نجوى كلماتها بعتاب حقيقي، فهي تحب ابنتها فردوس كابنه لها ولكنها لا تستطيع مساعدتها، فردوس عنيدة ولا تستمع إلى كلماتها..
نجوى أمرأة في أواخر الأربعينات من عمرها، لديها ثلاثة ابناء، ابنها الاكبر متزوج منذ عامين تقريبًا ويقطن بالقُرب من منزلها ويأتي لها دائما هو وزوجته، أما ابنتها الوسطى تزوجت منذ عدة أشهر وسافرت مع زوجها إلى السعودية والصغير هو مراد.
هتفت فردوس وهي تحاول تبرير النصف الأول من حديث نجوى:
-أنا غلطانة حقك عليا، والله كان غصب عني كمال منعني اخرج خالص وأول ما وافق أنا جيت عليكي علطول.
أردفت نجوى بسخرية:
-الحاجة الوحيدة اللي بتفق معاه فيها أنك مجنونة في واحدة تعمل اللي أنتِ عملتيه ده؟! أنتِ عايزة تلبسي نفسك مصيبة؟!! ده أنا بهدلت مراد لما عرفت أنه ساعدك في المصيبة دي.
لا أحد يشعر بها على ما يبدو.
تمتمت فردوس بضيقٍ:
-أهو خده وخلاص مني معرفش عمل فيه أيه؟!.
-مش مهم تعرفي عمل فيه أيه، المهم تعرفي أنتِ عايزة أيه.
تمتمت فردوس بجدية وبلا تردد:
-عايزة حق أخويا ومش عايزة حاجة غير كده، ومش بدعي غير بكده، اني قبل أموت أشوف شريف بيتعدم.
هتفت نجوى بألم هي الأخرى:
-حسن مكنش في زيه الله يسامحهم، بس شريف ال*** ده زمانه هرب من بدري وسافر كمان، ده كأنه فص ملح وداب.
قالت فردوس بوجع:
-القضية جوايا حتى لو خلاص اتنست واتحفظت، لأخر وقت هعافر وهعرف مكانه مهما حصل.
سألتها نجوى في تهكم صريح:
-وأنتِ في بيت كمال هتلاقيه؟! قعادك في البيت ده وأنك فضلتي مكملة في الجوازة دي غلط ومتقوليليش مبرراتك العبيطة دي بتاعت علشان أوصل لحاجة لأنك السنين دي كلها معرفتيش توصلي لحاجة، أنتِ بتحبي كمال لدرجة أنك مش قادرة تبعدي عنه ودي الحقيقة اللي مهما قولتي عكسها أنا مش هصدقها.
أردفت فردوس في إنكار غير حقيقي، إنكار تمارسه مع نفسها قبل الجميع:
-لا مش بحبه لو بحبه او لسه بحبه كان زمان حاجات كتير اتغيرت.
-أنتِ كدابة وبتكدبي على نفسك وبضيعي سنين من عمرك وأنتِ جنبه وفي النهاية هو راح اتجوز أهو، مطلقتيش ليه لسه على ذمته ليه؟!.
تحاول إيجاد إجابة قد تقنعها ولكنها لم تجد شيء..
أسترسلت نجوى حديثها ساخرة:
-علشان تعرفي اني عندي حق وان كلامي صح، أنتِ بتحبي كمال يا فردوس، وبتحبيه اوي يا بنتي وبتعذبي نفسك في كل الأحوال..
أردفت فردوس بنبرة مختنقة:
-في كل الاحوال بعذب نفسي جنبه او بعيد عنه، وعارفة أن مفيش حد هيخرج من الحرب دي خسران غيري، أنا عارفة كل ده كويس.
تمتمت نجوى بشفقة:
-نفسي متعذبيش نفسك يا بنتي، نفسي تسبيني أعمل اي حاجة، نفسي اساعدك ومش عارفة اعملها ازاي يا بنتي.
تمتمت فردوس بنبرة متعبة حقًا ذلك الطريق طويل لا تستطيع الاستراحة فيه أو حتى السير للوصول للهدف أو الرجوع إلى نقطة الصفر:
-ادعيلي ارتاح، أنا عايزة احس اني مرتاحة في أي قرار.
بقلة حيلة قالت نجوى لها:
– مفيش حاجة أقدر اقولها غير أن ربنا يريح قلبك وبالك يا بنتي ويعملك اللي فيه الخير
_____________
يجلس كمال في منزل عائلة داليا..
هذا هو اليوم الثالث على التوالي التي تجلس فيه داليا مع والدتها، وجاء هو بعد أنهى عمله لدعوة عزت “شقيق داليا” له على الغداء وفي ذات الوقت حتى يذهب مع زوجته إلى منزلهما، وبعد أن تناول الجميع مع الغداء كان يجلس كمال مع عزت ووالد داليا.
تحدث والد داليا بنبرة هادئة:
-أحنا أسفين يا ابني.
نظر له كمال بعدم فهم فهو ينتظر تفسير أو تكملة، لذلك وضح له والد داليا الأمر بنبرة عادية:
-يعني علشان داليا بقالها ثلاث أيام قاعدة هنا، خصوصًا أنكم لسه عرسان جداد معداش على جوازكم اسبوعين حتى.
تمتمت كمال بنبرة مهذبة:
-أهم حاجة الحاجة تكون بخير.
أردف عزت بنبرة هادئة:
-بإذن الله، هي داليا متعلقة بماما زيادة عن اللزوم والموضوع هوس بالنسبة ليها شوية ساعات مش بتثق في أي حد غيرها يكون جنبها.
على ذكر داليا التي جاءت من الداخل بابتسامة هادئة:
-ماما نامت، هي أحسن دلوقتي يعني شوية الحمدلله.
غمغم والدها بنبرة ذات معنى:
-الحمدلله يا بنتي يلا بقا غيري هدومك وروحي مع جوزك، ميصحش كده تفضلي هنا أنتم لسه في أول الجواز، روحي وتعالي الصبح.
شعرت داليا بالخجل فوالدها محق ولكنها تريد المكوث ليلة أخرى حتى تشعر بالراحة لترك والدتها والرحيل إلى منزلها..
تمتمت داليا بنبرة مرتبكة وهي تشير إلى كمال:
-ممكن يا كمال دقيقة.
-قوم يا ابني شوفها عايزة أيه، مع اني عارف بنتي عايزة ايه..
قال والدها كلمته الأخيرة بسخرية وتهكم وبالفعل نهض كمال وتوجه معها صوب الرواق، سألها كمال بصوت هادئ:
-ايه يا داليا؟!.
تمتمت داليا بحرج:
-عايزة أطلب منك النهاردة كمان أبات هنا علشان خاطري، يعني أنا مش هرتاح لو مشيت النهاردة خايفة تصحى تعوز حاجة ومكنش جنبها، خصوصا أن الممرضة مشيت وهتيجي الصبح وأول ما هتيجي هروح علطول، أنا عارفة اني بتقل عليك وان مفيش حد ممكن يوافق باللي انا بعمله ده بس علشان خاطري، لو سمحت.
هز كمال رأسه بإيجاب فهي تتوسل له، ورُبما لأنه يقدر شعورها ومشاعرها وبمجرد أن لمحت الموافقة في عيناه وحركة رأسه احتضنتها ليبادلها تاركًا قُبلة على رأسها بحنان، مما جعلها تشعر بالراحة والسكينة يبدو أنها لم تختاره عبثًا.
___________
بعد خروجه من منزل عائلة داليا تلقى رسالة من فردوس تخبره بأنها على وشك الرحيل من منزل السيدة نجوى فأخبرها بأنه بالقُرب منها وسيمر عليها؛ ولم تبدي أعتراض على غير العادة..
بالفعل أخذها وركبت بجانبه السيارة في صمت تام حتى وصولهم إلى المنزل، كانت تظن بأنه سيقوم بإيصالها وسوف يذهب فهي لم تفكر في المكان الذي كان يتواجد به..
حينما وجدت يهبط من السيارة سألته باستغراب:
-أنتَ مش مروح للهانم؟!..
كان تعقيبها ساخر بعض الشيء مما جعله يجيبها بنبرة عادية وهو يغلق باب السيارة:
-لا مش رايح هبات هنا النهاردة عندك مانع؟!.
أجابته فردوس بتهكم:
-لا معنديش مانع علشان ده بيتك، بس اللي متعرفهوش انهم فضوا الاوضة علشان اختك وجوزها جايين وجدك بعت حاجتك حطها عندي في اوضتي للأسف مبقاش ليك مكان .
فهم كمال لما لم يقوم بتحضير غرفة أفنان القديمة لهما، ولذلك تحدث بنبرة هادئة:
-ماشي شكرا على المعلومة.
سألته ببلاهة:
-هتنام فين بقا؟!..
تمتم كمال بنبرة متهكمة:
-في الشارع أو العربية، في المكتب في اي حتة تنفع انام فيها متزعلش حضرتك.
قالت فردوس بعتاب ورفض تلك المعاملة التي لا يعلم لما ترفضها الآن؟! فهذه هي علاقتهما التي وضعت شروطها منذ زمن ولا تقبل أن تخترق الاتفاقية وشروطها التي وضعتها بعناية:
-هو أنا كل ما أتكلم كلمة متعجبكش أنا غلطانة صحيح نام مكان ما تنام، المهم شوف مكان تحط فيه حاجتك ملهاش مكان في أوضتي.
عقب على حديثها بثورة:
-أنا شخصيًا مليش مكان مجتش على الحاجة ارميها في أي حتة.
سألته فردوس وكأنها لم تفعل شيء:
-هو أنتَ ليه متعصب أنا مش فاهمة؟! وبتعلي صوتك ليه؟!…
رُبما أغلب المشاكل كان سببها كلمة دافئة رغبنا بها، مواساة بسيطة نتمناها ولا نود أن نفصح عن رغبتنا بها، عن عناق دافئ تحتاجه أجسادنا ولكننا لا ندرك ذلك فلا نفهم سبب الثورة التي بداخلنا فنخرجها بأي كلمات وبأي طريقة لا تجرح شعور الاحتياج الذي يتواجد بداخلنا لأنه من الصعب الاعتراف بأنك تحتاج من أمامك خوفًا من ضعف الحب الذي يليه جلدك لذاتك بعدها…..
صرخ كمال بها:
-يمكن لأنك مش شايفة طريقة كلامك، وبتعصبيني تستفزيني ومش عايزاني أنطق؟!.
تمتمت فردوس وهي تضع يدها في جانبيها:
-دي طريقتي وده كلامي مش جديد عليك.
حاول كمال أن يتمالك أعصابه وهو يغمغم:
-أطلعي اوضتك يا فردوس يلا أنا مش ناقص وجع دماغ، أنا فيا اللي مكفيني ولو عايزة تتخانقي أعرفي أنه مش وقتك.
تركته بعد أن نظرت له بشذر ورحلت، فتوجهت صوب البوابة الخشبية الضخمة قامت بفتحها وصفعتها بعدها تحت أنظاره، منعت نفسها بصعوبة من أن تخبره بأنها ترغب بوجوده بجانبها ترغب في أن يصعد معها أن تشعر برائحته في غرفتها، بأن تشعر به، لكنها لا تعرف كيف تفعل ذلك؟!!!..
حقًا لا تعلم، وتخجل من تلك الرغبات التي تولدت لها، هي تغار بجنون ولكن يبدو تلك الحواجز التي رسمتها له، كانت ترسمها لذاتها أيضًا حتى صدقتها فهي لا تستطيع الاعتراف أو حتى الحديث مخبره أياه رغبتها، وكأن أحدهم قد قام بعقد لسانها، لو يعلم كيف تتمنى فقط تلك الأيام أن تشعر به بجانبها ولكنها لا تستطيع إخباره أو حتى التلميح له…
صعدت إلى الغرفة وصفعت الباب خلفها محاولة ألا تنهار، خلعت حذائها وبعدها حجابها بسرعة رهيبة وسترتها وظلت بتنورتها وكنزتها البيضاء ودخلت في الفراش متناولة زجاجة المياة التي تتواجد على الكوميدنو المتواجد بجانب فراشها وأخرجت ذلك الشريط الذي يتواجد به الأقراص المنومة التي تستخدمها بكثرة تلك الأيام، أخذت قرص ووضعته في فمها وتناولت بعده المياة وألقته في سلة المهملات التي تتواجد بجانب الفراش من الناحية الأخرى..
أستلقت الفراش تحاول كبح دمعة تهدد بالسقوط، وتدثرت بالغطاء محاولة ألا تفكر في شيء حتى يأتي القرص بمفعولة…
خرجت منها صرخة خافتة، وهي تدعو له بأن يذهب للجحيم، بل تذهب هي نفسها إلى الجحيم، بات كل شيء مُظلم، مُظلم جدًا وهي لا تتحمل، يبدو أنها لا تتحمل فكرة زواجه أكثر مما توقعت، ولا تعرف كيف تقترب منه كيف تشعره بأنها أنثى تحبه دون أن تتنازل عن رغبتها في الانتقام؟! هل هناك طريقة لتطفئ تلك النيران المشتعلة بداخلها؟!!!
كيف تخبره أنها تحبه وتستسلم له بدون أن تجلد روحها بعدها؟!!
وكيف تتناسى بأنه بات زوج أخرى؟!..
كل يوم الكثير من الأسئلة دون الوصول إلى أجابة، هي فقط تنتظر مفعول المنوم مادامت لا تستطيع أن تتخذ أحضانه وسادة وملجأ لها، وشفاء لروحها…
____________
بعد مرور ساعة تقريبًا..
ولج إلى حجرة النوم وهو ممسك بساعته التي خلعها قبل ولوجه، ليجدها نائمة في طرف الفراش، لم تكن تدثر جيدًا بالغطاء تظهر بعد أطرافها لذلك علم بأنها لم تغير ملابسها بل خلدت إلى النوم فورًا.
أقترب منها وجلس بجانبها على الفراش وأنفاسها منتظمة كما هي…
لا يعلم لما هذا النوم العميق؟!!
لا يصدق أنها حينما يأتي بجانبها لا تشعر به أبدًا، وهذا شيء عجيب، لولا انتظام أنفاسها لظن بأنها تتصنع النوم ولكنها بالفعل نائمة كحالتها حينما يزورها في غرفتها في بعض الأحيان
وضع ساعة يده على الكوميدنو المتواجد بجانب فراشها، ثم ترك قُبلة على جبهتها وعلى وجنتيها، وبعدها ترك قُبلة على شفتيها…
لم تتحرك ولو حركة واحدة لم يحدث أي عركلة في أنفاسها المنتظمة أنه لشيء لم يفهمه.
تأملها رُبما هذه هي الحالة الوحيدة التي يُسمح بها أن يتأملها كيفما يشاء، مُهلكة، ومُتعبة ولا مُفر من حبها وكأن عشقها بات يسير في الدماء التي تجري في عروقها…..
أهتز هاتفه المتواجد في جيبه يعلن عن اتصال من أحدهم فغادر الغرفة….
_________
في اليوم التالي..
استيقظت فردوس قُرب الظهيرة بكسل رهيب، أخذت نفس طويل، وهي تحاول أن تستيقظ وصداع يفتك برأسها.
أبتلعت ريقها وشعرت بجفاف حلقها، فأعتدلت في الفراش وهي تشعر برائحته لا تدري لما، هل أثر بها إلى تلك الدرجة؟!..
أنها تتخيله…
نظرت على الكوميدنو لتأخذ زجاجة المياة وتتناول منها ولكن لفت نظرها، ساعة يده المتواجدة على الكوميدنو..
هل كان هنا حقًا؟!!!!
__________
الوداع..
وما أثقلها كلمة..
كلمة تحبس الانفاس ها نحن طوال عمرنا نودع الأشياء والأشخاص، أحيانًا قد نودع أنفسنا معهم..
شعور بالغُربة مُخيف، الغربة على وشك البدء؛ منذ سبع سنوات لما يفارق شقيقته سوي بضعة أيام من كل عام، ووقتها يكون متزوج ومعه فهد الذي لم يغادر ولو مرة، فهد هو ألطف شيء قد حدث له من تلك الكارثة، ألطف وأخف شيء على الإطلاق، أحيانًا يشعر بأنه طفله هو، هو أول من حمله بين ذراعيه، وقتها شعر بإحساس بأن هذا الولد هو مكافأة له، جاء ليطيب بخاطره هو وشقيقته؛ جاء ليملأ الفراغ الذي حدث بحياتهم، وحتى يعوضهما، كانت مشاعره مخيفه وقتها من شعوره بالراحة من ناحية ورغبته في فعل أي شيء في الكون لأجله؛ ومن ناحية أخرى خوفه من المجهول…
صادفت ولادته أشد مراحل مرض والدته وقتها وانشغال كمال والجميع التام بها، لم يكن يستطيع إخبار أي شخص، ولأنهم لم يحملوه بين ذراعيهم ولم يشعروا بهذا الإحساس الممتع سيجدون أن وجوده على الدنيا خطر وكارثة، لذلك لم يغامر في إخبارهم، بل ترك الأمر برمته له وتعهد بأنه سيفعل أي شيء من أجله، وسيجعله يعيش حياة كريمة، لن يجعله يشقى من أجل خطأ ليس هو المتسبب به..
حقائب سفر عند الباب أوجعته وهو ينتظر خروج شقيقته وفهد من الغرفة بينما داغر يقف خارج المنزل مع السائق الذي أستأجره لتوصيلهم إلى الشرقية.
جاءت أفنان من الغرفة ممسكة بيد صغيرها المتذمر على أي شيء بسبب ضيقه الشديد من مفارقه خاله؛ ومن التعليمات الشديدة التي كان يتلقاها خلال الفترة الماضية والذي يخاف أن ينساها بسبب تحذيرات والدته التي كانت في الحقيقة توسلات ولكن ترجمها عقله بشكل أخر بأنها تحذيرات.
أنخفض ثائر على مستواه وجثى على ركبتيه أمامه وأمسك يديه الصغيرة مقارنة به وقام بتقبيلهما ثم غمغم محاولا أن يسيطر على دمعة رغبت في الفرار:
-هتوحشني أوي يا فهد.
تمتم فهد بنبرة مختنقة:
-وحضرتك هتوحشني اوي يا خالو.
ضمه شريف (ثائر) إلى أحضانه بحب وعمق شديد يشعر وكأن روحه ستنفصل من جسده بغيابهم..
أبتعد عنه ثم ترك قُبلة حنونه على رأسه متمتمًا بنبرة هادئة:
-خلي بالك على نفسك، وخلى بالك على ماما، واسمع كلامها وبلاش شقاوة خالص وأنا من وقت للتاني هكلمك.
-ليه مش عايز تيجي معانا؟ ليه تفضل لوحدك؟!.
تلك الكلمات أربكته..
يعلم سر سؤال الصغير، ولكنه سأل نفسه ألا تريد العودة يا شريف؟!.
هو يموت شوقًا للعودة إلى عائلته ولكن يا ليته يستطيع…
عقب بنبرة عفوية خرجت منه:
-أكيد هاجي في يوم يا حبيبي، ولغايت ما يجي اليوم ده زي ما قولتلك تخلي بالك من نفسك ومن ماما وتسمع كل كلمة بتقولها وقالتها.
سأله فهد بضيقٍ وحنق طفولي:
-طب وبابا أعمل معاه أيه؟!.
تمتم شريف محاولًا إيجاد كلمات قد يفهمها الصغير:
-سيبه وحاول متتكلمش معاه شوية كده لغايت ما الحاجات اللي مضايقاه تعدي وهتلاقيه لوحده بيتكلم معاك، لأنه بيحبك بس هي الظروف.
-طيب.
خرجت من فم فهد باستسلام تام..
نهض ثائر بعد أن ترك قُبلة على وجنتي الصغير وعبث في خصلاته الناعمة التي تشبه خصلات والدته.
وقبل أن يتحدث حتى عانقته أفنان وهبطت الدموع من عيناها بصمت رهيب حتى أنها بللت ملابسه تحاول كتم شهقاتها قدر المُستطاع، ضمها شريف إليه باحتواء، هي خائفة وخائفة جدًا، شريف هو الأمان بالنسبة لها، هو من دافع عنها، هو من صدق حديثها دون مجهود منها، لم ينظر لها أي نظرة شك، لم يكذبها…
لم يعاقبها بنظراته هو الوحيد الذي فعل ذلك، بل حاول إيجاد حلول من أجلها لم يحاسبها على طيشها في البداية، لم يتعامل مع الأمر بنظرة ذكورية…
وجد حل حتى قبل أن يرى أي دليل وبعد ذلك قام بمعاتبتها
كيف تبتعد عنه وتفارقه وتلك المرة مختلفة، مختلفة جدًا عن كل مرة…..
ابتعدت عنه أفنان قائلة بنبرة منخفضة لا تدري كم مرة يجب عليها الاعتذار منه؟!.
-أنا أسفة على كل حاجة.
تمتم شريف محاولًا أن يبث الطمأنينة بها:
-متتأسفيش اللي حصل حصل من بدري يا أفنان، أهم حاجة خلي بالك من نفسك ومن ابنك ولو في أي حاجة مهما كانت كلميني حتى لو كنت بعيد هعرف أتصرف.
عقبت أفنان بتوتر:
-حاضر المهم أنتَ خلي بالك على نفسك.
ابتسم لها ثم توجه صوب الحقائب وقام بجرها وخرج من الشقة وبعدها من المنزل، تتبعه أفنان التي تمسك يد فهد بقوة نابعة من خوفها الحقيقي من المواجهة..
أخذ السائق الحقائب من شريف بمجرد أن أشار له داغر بفعل ذلك، وولجت أفنان وفهد يجلسا في المقعد الخلفي من السيارة بينما ظل شريف يقف بجانب داغر.
تمتم شريف بنبرة هادئة:
-في حاجة مش عايزك تنساها يا داغر.
سأله داغر بضيقٍ وهو يضع النظارة الشمسية رغم أن الشمس في طريقها للغروب وهدأت قوتها:
-أيه هي؟!.
قال شريف بنبرة جادة:
-بعد اللي حصل واللي أنتَ كنت أول واحد عارفة وشهدت عليه وعرفت أنا ليه عملت كده أنتَ اللي جيت بنفسك وطلبت تتجوز أفنان علشان تعرف تكمل حياتها، أنتَ اللي قولتها ومحدش مننا طلب ده منك، وكان جميل عمرنا ما هننساه، فأنا بطلب منك تكمله للاخر، عارف أن أنا غلطان واستحق أي حاجة ممكن تقولها أو تعملها بس حط نفسك مكاني لو لمدة خمس دقايق هتعرف أن مكنش في حاجة أعملها غير كده.
كان داغر يسمعه دون أن يعقب فأسترسل شريف حديثه بجدية وهو يراقب أفنان والصغير فهد الذي يجلس في أحضانها في السيارة، من خلف زجاج السيارة:
-أفنان من لحمك وأنتم الاتنين دمكم واحد، وأحنا كلنا عيلة واحدة أفتكر ده قبل أي حاجة.
داغر هو حفيد شقيق “توفيق” وبعد أن توفى جده تلاه وفاة والده بات يقيم معهم في المنزل تحديدًا بعد أن تزوجت والدته منذ عدة سنوات وانشغلت في حياتها وبين الحين والاخر كانت تتصل به؛ حتى توفيت هي الأخرى، بات لا يمتلك عائلة حقيقية غير عائلة جدة توفيق…
تمتم داغر بنبرة جامدة يحاول ألا يظهر تأثره بحديث شريف:
-في أي تعليمات تانية ولا امشي؟!.
غمغم شريف بنبرة جادة:
-دي مش تعليمات دي توصية، وأنا عارف أنك راجل ومش هتخذلني في كل الأحوال.
ثم مد يده ليصافحه داغر على مضض…
وبعدها ركب السيارة بجانب السائق الذي أنطلق على الفور، بينما الصغير أخذ يلوح بيده إلى شريف مودعًا تاركًا أياه الدموع تهبط من عينه فلم يستطيع شريف أن يتحكم بنفسه أكثر من ذلك…
_____________
في أحدى لياليها البائسة والحزينة تجلس على الفراش في غرفتها، حسنًا تعترف بأنها منذ أن بدأت تدرك ما يتواجد حولها حينما كانت صغيرة تتعرف على الأشياء لم تكن هناك ليلة جيدة مرت عليها أو شعرت بأن حياتها طبيعية، ولكن رُبما لأنها الآن في أقصى مراحل نضجها التي تستطيع فيها استيعاب ما يحدث….
قمة النضوج وصلت لها بعد أن أصبحت عاشقة، تستمع إلى أحدى الأغاني البائسة كحال من تسمعها، عوضًا عن تلك الأغاني الصاخبة والشعبية التي تعشقها وترقص عليها وكأنها لم تعرف للحزن يومًا مكان لها
هكذا قد يظن من يشاهدها..
أما هي لم تعرف سوى الشعور بالحزن وقلة الحيلة تحديدًا في الفترة الاخيرة من حياتها..
حينما أدركت أنها ببساطة لا شيء ولا تمتلك شيء ولا تستحق شيء..
“بكل عيوبك انا قابلك… ده طبعي و مش هيتغير
نصيبي و اعمل ايه بحبك… انا مابقتش متخير
و رغم ان انتي بياعه…و بتحبي تعانديني
زعلنا لو يطول ساعة…بلاقيكي وحشتيني..
في وسط صدع صوت الأغنية من هاتفها كانت تردد معها بتأثر وفجأة قامت بإيقاف الأغنية قائلة بسخرية:
-والله يا أستاذ تامر محدش بيحب حد بعيوبه، ده كلام أغاني بس..
ثم قالت متهمكة:
-هو أنا بأكل ايس كريم بالجبنة القديمة وهو مش متقبلني؟! ده أنا قولتله أني رقاصة، وعايزاه يتقبلني قد ايه انا بحجة بجد.
صمتت لدقيقة وهي تستوعب ذاتها وكأنها تحاور نفسها:
-بس أنا بحبه ومحبتش حد ولا هحب حد زيه، ولا عرفت يعني أيه حب غير لما شوفته دي الحاجة الوحيدة اللي أنا متأكدة منها في الحوار ده كله، حتى لو هو محبنيش أنا حبيته وحبيته أوي..
أحتضنت نفسها في حركة عفوية وقررت أن تنهض وتغلق المصباح لكن توقفت عن هذا التفكير حينما أقتحم هاتفها باغنيتها الثاقبة أجواء معاتبتها لنفسها وحوارها الشيق وهو يعلن عن اتصال منه…
تجمدت…
تجمدت بالفعل تنظر للهاتف كالبلهاء لا تصدق بأن أسمه يزين هاتفها، منذ عدة أشهر لم يأتي هذا المشهد..
هل أزال الحظر بينهما؟!..
ولما يتصل بها؟!..
بعد ما قاله هل تذكرها هذا الوغد؟!!.
كان هذا حديث عقلها أما قلبها بالرغم من تحذيرات عقلها المميتة، ألتقطت الهاتف وقامت بالضغط على الشاشة بالزر الخاص بالإجابة قبل أن ينتهي الإتصال..
سمعته يتنهد قبل أن تتفوه بأي شيء وقال:
-أنا أسف.
ماذا؟!!.
هل يعتذر منها حقًا؟!
لولا أنها تسمع صوته بقلبها قبل أذنيها لظنت بأن المتصل شخص أخر..
-ليه؟! بتعتذر على أيه؟! أنتَ غلطت في أيه؟!
قالتها بعتاب مميت وهي تمنع دمعة تهبط من عيناها…
عقب على حديثها بجدية:
-أسف على الكلام اللي قولته، مكنش ينفع أقول كده، وأنا كنت متعصب بس الحقيقة أنا مقصدش ولو كلمة واحدة من اللي أنا قولتها.
تنهدت ثم قالت بوضوح:
-مش هتفرق المهم أن الكلام أتقال تقصده أو لا، في الآخر هو الحقيقة.
-بقالي كتير ناسي يعني أيه حقيقة بس أنتِ رجعتيني أراجع حياتي كلها تقريبًا.
لم تفهم عن ماذا يتحدث؟!.
-أنا مش فاهمة أنتَ قصدك أيه؟!.
جاءها صوته ساخرًا من حالهما:
-مش مهم تفهمي قصدي أيه، المهم تعرفي اني مقصدش الكلام اللي أنا قولته يا شمس أنا حبيتك وربنا يعلم ده بس واضح أنه مينفعش، في كل الأحوال مينفعش نكون مع بعض علشان كده حاولت أوجعك علشان تبطلي تفكير فيا بس من ساعتها وأنا مش مرتاح فحبيت أكلمك ونعتبرها مكالمة وداع.
سألته شمس بعفوية منها:
-علشان الاعتراف اللي قولته ليك؟! أنتَ مسمعتنيش يا ثائر في حاجات كتير متعرفهاش عني صدقني، وبعدين أنا علشانك كان ممكن أعمل أي حاجة حتى لو عايزني أبطل كنت على أستعداد أعمل كده أنا محبتش حد غيرك يا ثائر في حياتي والله ما حبيت حاجة في حياتي قد ما حبيتك أنتَ كنت الحاجة الحلوة في قلبي واللي كنت على أستعداد أعمل أي حاجة علشان انفع أكون ليك..
تبكي وهي تتحدث شعر بها…
تألمه، تصر على أن تعذبه، هي نفسها لا تفهم لما تتحدث بهذه الطريقة والعفوية، شيء عميق بداخلها يدفعها للمحاولة..
-يمكن أنا مستحقش ده كله، يمكن أنتِ اللي تستحقي تعملي كل ده علشان نفسك.
هتفت شمس بوجع:
-عمرك ما هتعرف تنسى صح؟! عمرك ما هتعديها ليا مهما عملت أنا عارفة ده كويس.
تمتم ثائر بتوضيح بسيط فالحقائق مؤلمة على أي حال:
-أنا بحسدك على جرائتك يا شمس أنك تواجهي اللي قدامك بحقيقتك مهما كانت صعبة ووحشة ده شيء احترمته فيكي.
مسحت دموعها بمنديل ورقي سحبته من العلبة المتواجدة بجانبها:
-بتحسدني علشان أنا بجحة؟!.
-علشان عندك شجاعة أكتر من أي حد وواقعية بطريقة صعبة.
“أكثر مني” كان يود إخبارها بذلك، فهو لا يستطيع أن يخبر أحد بسره، حتى في زيجاته السابقة بينما هي في دقيقة أخبرته بكل شيء ولم تحسب حساب شيء، لم حتى تهتم بنظرته لها ولم تهتم بأي شيء سوى أن تصارحه، رُبما تعتبرها هي وقاحة ولكن هو عكس أي رجل اعتبرها صراحة وشجاعة..
تمتمت شمس بضعف رهيب:
-قولي أنك بتحبني يا ثائر حتى لو دي أخر مكالمة ما بينا، قولي أنك حبيتني واني مكنتش زي أي حد عرفته أو واحدة حلوة حبيت تتجوزها خليني أفتكر كلامك دلوقتي مش اللي كسرتني بيه، قولي اني استحق اتحب.
أتاها صوته العذب رغمًا عن أنفه:
-حبيتك ولسه بحبك، حبيتك وحبيت كل حاجة فيكي، حبيتك في حب حياة حلوة زيك بعيدًا عن مرار الأيام، حبيتك بس للاسف مش كل حاجة بنحبها تنفعنا أو ينفع تكون لينا.
هذا قد يكفيها.
ويكفي روحها المنكسرة لتحاول أن تلملم شتات روحها من جديد..
سألته بجدية وهي تمسح دموعها براحة قليلة:
-اتصلت بيا ليه دلوقت؟!.
تمتم شريف بنبرة جادة:
-أفنان سافرت هي وفهد حسيت اني لوحدي لأول مرة؛ وحسيت بخنقة الحاجة الوحيدة اللي جت في بالي أعملها اني اتصل بيكي واسمع صوتك علشان اهدى، كنت حاسس اني محتاج أكلمك وشكلي مغلطتش في احساسي ده، وأنا أصلا كنت ناوي أتصل أعتذر ليكي.
أبتسمت يا ليته يستطيع رؤية أثر تصريحه هذا عليها…
فهي الواجهة الآمنة له هذا شعور يجعلك تموت من فرط السعادة ولأنه أعترف بحبه لها…
سمعته يسترسل حديثه بنبرة هادئة تحمل ما بين الوداع وبين التعهد بلقاء جديد:
-أنا هقفل دلوقتي، مش هقدر أقولك حاجة أكتر من أن لو احتاجتي حاجة في أي وقت كلميني ده اللي أقدر أقوله.
لا يدري لما قال ذلك رُبما بسبب حديث هلال الذي أخذ يشعر بأن تلك المرأة خلفها سر كبير لذلك صرح لها وأخبرها بتلك الكلمات فأذا وقعت في مأزق رُبما قد يستطيع مساعدتها.
-ماشي يا ثائر، تصبح على خير.
-وأنتِ من أهله، سلام.
-سلام.
أغلقت المكالمة رغمًا عن رغبتها في الحديث معه دون كلل أو ملل هي لا تكتفي منه على أي حال..
لكن ليست طامعة تكفي كلماته التي كانت كالبلسم على جرحها، هو من جرحها وهو من يستطيع أن يداوي كل ما يتواجد من داخلها من جروح حتى لو كان الفاعل..
______________
بعد ساعات قليلة جدًا.
في الشرقية.
قرع جرس المنزل وكان أقرب شخص إلى الباب هي (فردوس) لذلك توجهت صوب الباب لتفتحه، لتجد حقائب سفر خلفها تقف أفنان وبجانبها داغر، لم تكن تلك المشكلة، لكن المشكلة كانت وجود طفل تحتضنه أفنان رغم كبر سنه يضع يد حول عنقها وهي تحمله ويبدو أنه نائمًا…
هتفت أفنان بنبرة متوترة:
-مساء الخير يا فردوس.
-مساء النور يا أفنان….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية