رواية سدفة الفصل الثالث عشر 13 - بقلم اية شاكر
قالها رائد ثم هز عنقه مستنكرًا وعاد يطوي ثيابه ويضعها في حقيبته وكأنه لم يقل شيئًا.
رمقته نداء في سرعة وعادت تنظر عبر النافذة، وفي الواقع هي لم تندهش كثيرًا فقد كانت شبه موقنة بأنه هو!
ولكن لمَ قال لها رامي بأن له أخ أصغر يدعى رياض؟ التفتت لـ رائد وسألته بما يجول في رأسها فأجاب ببرود وهو منشغلًا بجمع مقتنياته ودون أن يلتفت لها:
“والله السؤال ده تسأليه لـ رامي مش ليا!”
صمتت لبرهة متضجرة من رده ولكن لم تستطع كبح فضولها فسألته مجددًا:
“طيب إنت إزاي رجعت تشوف؟!”
صمت ولم يلتفت لها حتى ظنته لن يجيبها لكنه اعتدل واقفًا وزفر متنهدًا ثم قال باقتضاب:
“اتعالجت”
رمقته بغيظ وأشاحت بصرها بعيدًا، فلمَ يعاملها بذلك الجمود؟ شعرت بالد**ماء تغلي برأسها واشتد غيظها منه لذا قررت ألا تُحدثه مجددًا، فحقًا هو كما وصفته في طفولتها غامض كالليل…
عادت «نداء» تنظر عبر النافذة تتمنى أن يصل أحد أفراد العائله لتخرج من غرفته تلك، عازمةً ألا تختلط به مجددًا فهو لا يشبه رائد الذي حدثته عبر الهاتف لأشهر ولم يكن هومن اشتاقت إليه! الآن يبدو كشخصٍ أخر لا يتشابه معه سوى باسمه!
سنتساه! حتمًا ستنسى فقط ليمر هذا اليوم وبعدها لن تراه أبدًا! هكذا حدثت حالها حتى سمعت صوت وئام وهيام تضحكان فأقبلت لباب الغرفة وطرقته بتلهف وهي تناديهما ففتحت هيام التي قطبت جبينها وهي تبدل نظرها بين أخيها وبين نداء وقالت:
“بتعملوا ايه؟! ومـ… مين قافل عليكم؟!”
“مش عارفه!!”
قالتها نداء بجمود ولم تنتظر تعليق أخر وهرولت خارج الغرفة، فنظر رائد لمكانها الفارغ ثم لـ أخته المبتسمة، واقترب منها قائلًا وهو يزم جفونه بتوعد:
“والله يا هيام لو عرفت إن إنتِ إللي كنتِ قافله علينا هتزعلي مني جامد”
تلاشت ابتسامتها ورفعت كتفيها لأعلى قائلة بنبرة مرتعشة:
“أ… أ… أنا معملتش حاجه”
ثم ركضت من أمامه كي لا يباغتها بكلمة أخرى، فصك رائد باب الغرفة وجلس على فراشه نفخ بحنق وأخذ يُطالع المكان حيث كانت نداء تقف أمام النافذة قبل قليل وارتسمت ابتسامة على شفتيه، أخذ يحدث نفسه أنه لابد أن يتجاهلها ويعاملها بجفاء كي لا تشعر بابنجذابه ناحيتها، فهو لديه أختين وما لا يرضاه عليهما لن يقبله عليها أبدًا، فلا يريد لقلبها ذاك العذاب الذي يجتاح خاطره…
لا أحد يعلم بما تخبه لنا أقدارنا! علها تأتينا بما نهوى، وتُثلج أفئدتنا بما نبغي، ولو لم يأتنا ما نريد فقد قال تعالى: …وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم…، فإرادة الله هي الخير على الدوام ولو لم تُرضِ رغبتنا!
أخذ رائد يحدث نفسه ويقنعها بعقلانية أنه ومازال أمامه وقت ليس بالقليل وطريق لابد أن يقطعه وحده قبل أن يفكر بالزواج أو الإرتباط…
فالزواج مسؤولية كبيرة ستقبع على عاتقه ولابد من الاستعداد الكامل قبل أن يخطو خطوة واحدة، فالحب وحده لا يكفي ولم يُسمع عن بيوت قد شيدت بالحب! هل سيطعم أسرته حُبًا!!
نعم! لابد وأن يُطعم رب الأسرة أفراد عائلته حُبًا ولكن هل سمعت عن أحدٍ قد أكل حبًا وشبع؟
قال رائد لنفسه أن البيت يبنى بالمال أولًا ثم الإحترام ثانيًا والمودة ثالثًا فهذا ما وجدنا عليه أوباؤنا! ومن يقل غير ذلك فحتمًا هو شخص يعيش عالم أخر! ولن ينجرف مع تيار تلك النزوة ستبلغ ذروتها ثم تعود لتنخفض تدريجيا حتى تتلاشى.
نهض واقفًا وخرج من الغرفة قبل أن يأتي رامي الذي يتجنب الحديث معه منذ أيام ورغم أنه يريد إفراغ ما بجعبته من أفكار كادت تطيح برأسه لكنه حسم الأمر فلن يُحدث رامي بما يعتمل بصدره مرة أخرى!
أخذ الجميع يستعدون للرحيل ووقف رائد بالشرفة يحمل هاتفه ليطلب رقم «يحيى» ويحكي له عما يمر به وعن مشاعره المتضاربة فـ «يحيى» صديقه الذي مهما طالت مدة ابتعاده عنه يفتح له ذراعية مُرحبًا كلما عاد….
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★★
في شرفة أحد المنازل كان هناك شاب يرتل آيات من القرآن وهو يسقى مزهرية من الورد وينحنى ليشم عبيرها مبتسمًا ثم يسير خطوتين لليسار ليسقى أعواد النعناع التي زرعها مؤخرًا…
“يا يحيى خذ الكتاب بقوة”
التفت الشاب أثر صوت والده الذي يقف أمام باب الشرفة ارتسمت الإبتسامة على شفتيه فدائمًا ما يقول له والده تلك الجملة فهو الإبن الوحيد لوالديه وقد انتظراه بشوق ولهفة لمدة عشرين عامًا بعد زواجهما….
عشرون عامًا قضياها داعين باكين متوسلين لله دون ملل ولا كلل، حتى رُزقا به لذا سماه والده يَحيَى.
فهو شابٌ نشأ على طاعة الله متأثرًا بأخلاق والديه الكريمة ويحفظ كتاب الله عن ظهر قلب.
اقترب «يحيى» من والده وانحى ليطبع قبلة دافئة على يده باحترم وقال:
“صباح الخير يا حاج”
رد الشيخ الذي بلغ من العمر عتيًا:
“يا صباح الورد على الورد”
أشار يحيى للزرع والورود وقال بحـ ماس:
“أيه رأيك بقا في الحديقه اللي عملتهالكم في البلكونه دي”
جلس الشيخ على مقعده وقال بإعجاب:
“إنت أصلًا مبتعملش حاجه وحشه الحلو ميعملش إلا الحلو”
“أيوه أقعد إنت انفخ فيا كده لحد ما هنفـ..جر ”
قالها يحيى وضحك فشاركه والده حتى أتاهما صوت تلك السيدة التي جاوزت الستين:
“صباح الخير”
التفت لها يحيى وقال والإبتسامة عالقة على محياه:
“يا صباح الورد على الورد”
ابتسمت السيده وهي تهندم عصابة رأسها وتردد:
“هجهزلكم الفطار حالًا”
ليرد يحيى:
“الفطار جاهز يا أمي من بدري”
أخذت تدعو لولدها الذي يساعدها بكل شيء، فقال الشيخ بابتسامة:
“اقعد إنت دلعنا كده لحد ما هنتعود”
غمز له يحيى قائلًا:
“طيب ما هو ده المطلوب انكوا تتعودوا”
وأردف بجدية:
“يا بابا دا أنا خدامكم”
نهض الشيخ بوهن وربت على كتف ابنه وهو يقول برضا:
“إنت حبيبنا وهديتنا اللي ربنا أهداها لنا يا يحيى… كده الواحد يموت وهو مرتاح هحتاج إيه في قبـ ـري غير ولد صالح يدعيلي!”
انحنى يحيى والتقط يد والده وقبلها وقال:
“ربنا يديك الصحة وطول العمر يا بابا”
ارتفع رنين هاتفه الذي كان قابعًا أعلى الطاولة فقالت والدته:
“دا مين اللي بيرن عليك بدري كده؟!”
أقبل إليها يحيى ونظر لشاشة هاتفه لوهلة قبل أن يقول بابتسامة:
“دا رائد! دا كان بيحلم بيا ولا إيه!!”
أجاب ليأتيه صوت رائد:
“وحشتني أوي”
يحيى بنزق مصطنع:
“لسه فاكرني!! من يوم ما رامي أخوك رجع من السفر وإنت بايعني خالص اخص عليك صاحب!”
“والله عارف إني مقصر معاك…. ممكن تسامحني؟”
يحيى مبتسمًا:
“عيب عليك ياسطا إنت أخويا ومهما تغيب عني مكانتك في قلبي زي ما هي”
“تصدق بالله… أنا بحبك”
يحيى بخجل مصطنع:
“لا إله إلا الله… يا رائد ميصحش كده أنا بتكسف ومبعرفش أرد على الكلام الحلو ده”
ضحك كلاهما ليباغتهما صوت أنثوي:
“رائد تعالى اقفلي السوسته دي…”
ابتسم يحيى فلابد أن تلك إحدى أختيه، نظر رائد لوئام ثم التفت أمامه متجاهلًا لها وهو يقول لـ يحيى:
“إن شاء الله يا يحيى أول ما أرجع من اسكندريه هقابلك”
“يا رائـــــد اقفلي السوسته مش عارفه أقفلها شكلي تخنت ولا ايه!!.. يلا يا رائد”
قالتها وئام وهي تقترب من رائد، فقال نازقًا:
“الله! يا وئام بتكلم في التلفون…”
قال يحيى:
“طيب يا غالي أسيبك تشوف حوار السوسته ده ونتكلم وقت تاني”
ضحك رائد وهو يقول:
“ماشي يا حبيبي بلغ سلامي للحاج والحجه”
وقفت وئام قبالة أخيها وقالت بضجر:
“يا رائــــــد… خلص هو أنا هتحايل عليك!”
زم رائد شفتيه ونظر لها متوعدًا وهو يقول:
“ماشي يا يحيى هكلمك تاني يا حبيبي ان شاء الله”
وضع رائد الهاتف في جيبه متوهمًا أنه أنهى المكالمة، فسمع يحيى صوته الهادر:
“والله العظيم عايزه تتأدبي قولت مليون مره لما أكون بتكلم في التلفون مسمعش صوتك”
ضحكت وهي تقول بسخرية:
“يعني كنت بتكلم مين يعني؟! أوعى تكون مزه ومخبي عليا!”
قالتها وئام غامزة بمكر، فقال مبررًا:
“مزة إيه! كنت بكلم يحيى صاحبي”
ضحكت وهي تقول:
“يَحيى اللي ضد الكسر… الواد أبو ياء مفتوحه ده؟”
لكزها في ذراعها وهو يقول:
“اتلمي”
ضحكت وئام فهي لم تره ولو مرة واحدة لكنها سمعت رائد يحكي عنه كثيرًا لـ رامي ووالديه ودائمًا يُصحح نطقهم لاسمه وهو يقول:” يَحيَي وليس يِحيى”.
على نحوٍ أخر ابتسم يحيى وأغلق الهاتف قبل أن يلتفت فيرى والديه يضعان الإفطار على المائدة فسارع إليهما وهو يقول:
“تعبتوا نفسكم ليه ما أنا جاي أهوه”
سبحان الله وبحمده ❤️
★★★★
وصلت السيارة التي ستصطحبهم ظلت نداء تتحاشى النظر نحو رائد الذي فعل مثلها ومر الطريق وهم يتحدثون ويتمازحون أحيانًا لكن لم يلتفت أي من نداء أو رائد لبعضهما…
وكان رشدي قد اتفق مع «علي» أن يقابلهما في نفس المكان الذي أحضرهما إليه أثناء الذهاب…
وحين وصلوا وقف «علي» يحملق بنداء بابتسامة واسعة فقد اشتاق لرؤيتها وفطن رائد لنظراته تلك التي تشي بمكنون قلبه فحدجه بنظرات ثاقبة ثم طالع نداء فوجدها تجر الحقيبة ولا تبالي بـ علي بل أنها وحين أخذ على الحقيبة من يدها التفتت واقتنصت نظرة أخيرة نحو رائد قبل أن تصعد للسيارة، فأشاح رائد بصره وتنحنح مرتبكًا وهو يحك أنفه ثم ابتسم!
بقلم آيه شاكر
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🌹
★★★★
مرت الأيام تباعًا وبدأت الدراسة أصر والد نداء أن تلتحق ابنته بكلية التربية الخاصة مثل وئام وهيام فوافقت دون اعتراض فالتعليم بالنسبة لها مجرد شهادة ستضعها بين أرفف مكتبتها…
مرت سنه كامله ولم يرى خلالها رائد نداء ولو صدفة، وكان هو من يتجنب التلاقي بها حتى أنه رأها عدة مرات واختبأ كي لا تراه…
وفي شارع متوسط الإتساع يضم بيوت متوسطة المعيشة كان رائد يسير جوار يحيى بعد أن انتهى من زيارته في بيته لدعوتهم لحضور عقد قران أخيه رامي
أخذ رائد يخبر يحيى عن مشاعره المضطربة ويحكي له عما يعتمل بصدره:
“مش عارف إنت هتفهمني ولا لأ يا يحيى بس أنا تعبان! كنت فاكر لما هبطل أشوفها وأبعد عنها مش هفكر فيها لكن الموضوع جاي معايا بالعكس وطول الوقت خايف تضيع مني”
توقف يحيى عن السير وقال بجدية:
“بقولك ايه يا رائد إنت حالتك دي ميتسكتش عليها! بص إنت تتقدملها وأنا واثق إن باباها هيوافق”
أطلق رائد ضحكة كالزفرة وسأل ساخرًا:
“وإيه اللي مخليك واثق كده ما يمكن يرفضوني”
“لأ مش هيرفضوك مش إنت بتقول إن باباها صاحب باباك! يبقا أكيد هيوافق ويا سيدي لو رفض هتبقى عملت اللي عليك”
عاد رائد يسير بخطى ضيقة يفكر في كلام يحيى ثم سأله:
“تفتكر دا الحل؟”
“أيوه هو ده الحل الوحيد”
تنهد رائد بعمق وقال:
“هصلي استخاره وبعد فرح رامي هاخد خطوة ان شاء الله”
ربت يحيى على كتف رائد وقال:
“ربنا يقدملك الخير يا غالي…”
قاطعهما هتافات مرتفعة:
” حـ ـــــرامي… إمسك حـ ـرامي”
“لااااا… الديك بتــاعـــي…”
قال الطفل تلك الجملة لاهثًا وهو يركض بأقصى سرعته ويمر من بين أرجل كل من يقابله…
طفلٌ صغير بجسدٍ عاري، يرتفع عن سطح الأرض عدة سنتيمترات، وبين ذراعه الصغير الهزيل ديكًا يحاوطه كـ لعبة تخصه ويأبى أن يتركها لغيره! وكانت ملامح الذعر ترتسم على قسمات وجهه وملامحه البريئة…
“استنى ياض… حد يمسك المفعـ ـوص ده يا اخوانا”
قالها صاحب المحل لاهثًا ولازال يركض خلف الطفل مع الزبون الذي دفع حق الديك قبل سرقته بلحظات.
ارتفع صوت نشيج الطفل الراكض وهو يقول بحشرجة:
“لااااا محدش هياخد ثونه ”سونه” ”
وطفق يركض بكل ما أوتي قـ ـوة، صاح الديك فقبل الطفل عُرفه الأحمر، وخاطبه بلوعة:
“متخافش يا ثونه محدش هياخدك مني”
نظر الطفل خلفه فلاحظ اقترب الرجال منه وما تبقى إلا خطوتين ويمسكون به، فحاول الإسراع من ركضه وهو يبكي صارخًا:
” ديكــــي… ديكــــي…”
وفجأة التقطه عن الأرض ذراع أحدهم، فأحكم الطفل ذراعه على الديك وأخذ يهز أرجله ويحاول التفلت من قبضة من حمله وعيناه مغلقتان صارخًا :
“ثيــــبني „سيبني„… لاااا محدش هياخد ثُونه… ديكـــي”
ضحك «يحيى» الذي حمل الطفل قبل لحظة قائلًا بسخرية:
“متخافش محدش هياخد ثُونه اهمد بقا فضحتنا”
انفرجت أسارير الطفل حين سمع صوت يحيى، وفتح عينيه يطالعه مبتهجًا، وقال:
“يَحيى حبيبي!!… الحمد لله إنك هنا”
تنهد الطفل بارتياح مردفًا:
“اثتحلفك „استحلفك „ بالله تنقذ ثُونه يا يحيى”
كان «رائد» يقف جوار يحيى ولا يستطيح كبح ضحكاته، فكيف لطفل صغير أن يُحير كل هؤلاء الرجال!
ضحك يحيى وخاطب الطفل:
“اثتحلفك إنت بالله ترحمني وترحم الغلبانه أمك”
رائد بضحك:
“مين ده يا يحيى؟!”
“آدم ابن عمي… دا بقا الغلطه اللي فضحانا في منطقتنا والمناطق والمجاورة”
وقف صاحب المحل قبالة يحيى وقال وهو يلتقط أنفاسه:
“هات الديك يا أستاذ يحيى ابنكم دوخنا”
نظر «يحيى» للطفل ثم للديك وقبل أن ينبس بكلمة أو يحرك ساكنًا خاطبه الطفل باستعطاف:
“أثتحلفك بالله ألا تفعل”
خاطب يحيى صاحب المحل:
“خلاص أنا هدفع تمنه يا عمي رضا وهاخده”
تدخل الزبون الذي دفع ثمن الديك قائلًا:
“لأ أنا اشتريته… ولا يجوز أن يشتري أحدكم على بيعة أخيه ويتدخل فيما لا يُعنيه”
عقد يحيى جبينه وهو يحدق بالزبون باستغراب مغلف بالسخرية:
“نعم يافندم!!! لا يجوز إيه؟”
مد صاحب المحل يده ليأخذ الديك وهو يردد:
“هات يابني الديك ده”
أحكم الطفل ذراعه على الديك، وقد التوى فمه لأسفل متأهبًا للبكاء، ثم ونظر ليحيى قائلًا بفم مشدود:
“اثتحلفك بالله تنقـ ـذه…”
هتف صاحب المحل بحنق:
“ادينا الديك يبني خلينا نمشي المحل لوحده…”
قال يحيى بنفاذ صبر:
“يا عمي رضا قولتلك هدفع تمن الديك!!”
وقال الزبون بإصرار:
“طلاق تلاته ما أنا متنازل عن الديك ده”
صاح الطفل بتصميم:
“ثونه محدش هياخده”
حاول الرجل نزع الديك من يد الطفل الذي صرخ:
“ثــــــونه”
وحاول يحيى إبعاد صاحب المحل والتفاهم معه ورائد يحاول فك الإشتباك وهو يهتف:
“يا جماعه مش هتخسروا بعض عشان حتة ديك بعرف أحمر”
هتف يحيى بحدة:
“استنى يا عم رضا اوعى كده!”
وهتف الزبون مجددًا:
“طلاق تلاته ما هسيب الديك ده”
وصاحب المحل يقول بضجر:
“سيب الديك ياض…”
ارتفعت أصواتهم، والديك يصيح بين يدي الطفل الذي يأبى أن يتركه، فطالع يحيى رائد قائلًا:
“رائد بتعرف تجري؟!”
ونستفيد من «آدم» أنه إذا أحببت شيئًا فإياك أن تتركه، حـ ـارب لأجل ما تريد وإن حاول أحدهم انتزاعه منك فلا تيأس فقط اسـ ـرقه واهرب!!
هل صدقت؟ انتظر!! فتلك حكمة خاطئة لا تفعلها! فإذا أحببت شيئًا سارع لامتلاكه وإن لم تستطع فاتركه لمالكه…
★★★★★★
“إنتِ أنانية يا ريم عشان وافقتِ تتجوزي قبل أختك الكبيره… اتخطبتِ من سنه وقولت ماشي أكيد مش هتتجوز قبلي لكن كمان تحددي فرحك!!! إنت أنانيه… أنانية ومبتفكريش إلا في نفسك”
قالتها «رغدة» بحرقة وصدرها يعلو ويهبط بانفعال، فردت ريم بنبرة خرجت هادئة:
“أنا مش أنانية بس مش عايزه أكون زيك…”
قاطعتها رغدة مستنكرة:
“زيي! يعني إيه زيي؟”
انفعلت ريم وقالت:
“مش عايزه أقعد جنب أمي ومحدش يتقدملي… وعلى فكرة إنتِ إللي أنانيه ومبتفكريش إلا في نفسك المفروض تفرحيلي…”
ازداد انفعال رغدة فاقتربت من ريم وجذبتها من شعرها وهي تصرخ:
“بكره هيطـ ـلقك وهيـ ـدوسك برجليه وهترجعلنا مكسـ ـورة… فاكراه بيحبك!؟ عيال عمك دياب مبيعرفوش يحبوا”
حاولت ريم الإفلات من قبضتها وهي تهتف بنبرة مرتفعة:
” بيحبني يا رغده بيحبني..”
استشاطت رغدة غضبًا وطفقت تضـ.رب ريم التي تحاول صد لكـ.مـ.ات أختها دون ضـ.ربها وهي تأن وتصـ.رخ حتى تدخل صالح بدلًا من أن ينقذ ريم من تحت يد رغدة، دفعها بقـ.وة لتسقط أرضًا ثم وبمنتهى القـ سوة سحبها من ذراعها وقال وهو يكز على أسنانه:
” اطلعي بره… إحنا زهقنا منك ومن قرفك”
قالها ثم دفعها لخارج الشقة وصك الباب في وجهها فطرقت ريم الباب وهي تصيح:
“إنتوا بتعملوا كده ليه! حرام عليكوا مستكترين عليا الفرحه!!”
طرقت الباب كثيرًا وهي تنادي والدتها ثم أخوتها ولكن ما من مجيب! نظرت لمنامتها الصيفية ذات الأكمام القصيرة وطرقت الباب مجددًا، ارتشفت دموعها وهي تقول بتوسل وبنبرة مبحوحة:
“ماما! افتحيلي… حرام اللي إنتِ سيباهم يعملوه فيا ده…”
هدرت والدتها فاطمة من خلف الباب:
“اسمعي يا ريم طلما وافقتِ تتجوزي ابن شيرين وعصيتني يبقى متنادينيش أمي… أنا مش أمك وخليكِ ماشيه ورا أبوكي يا بنت أبوكي”
هتفت رغدة بهمس:
“افتحيلها يا ماما لتروح لـ شيرين وعيالها!”
فاطمة بثقة:
“متقلقيش بنتي وأنا عارفاها مش هتمشي بالبيجامه في الشارع!”
ظلت ريم تطرق الباب عدة مرات تتوسلهم أن يفتحوا وما أن يأست أن يردوا عليها جلست على درج السلم تبكي بمرارة.
فقد مر عام كامل مذ أن تقدم رامي لخطبتها، حاولوا بكافة الطرق اقناعها أن ترفض تلك الزيجة ولكنها لم تتراجع قدر أنمله عن قرارها وستتزوج من رامي على أي حال وسينعقد قرانهما بعد يومين…
ومنذ أن علموا بموعد عقد قرانها تحولت معاملتهم من سيئة لأسوء، تصطدم بها رغدة متعمدة فتوقعها أرضًا وصالح ومؤمن لا يتوقفان عن ضـ. ـربها على كل شاردة وواردة وهي تكظم غيظها وتواسى نفسها بأن هانت وستنتقل لبيت زوجها…
مسحت دموعها ونهضت واقفة تبحث حولها على أي شيء تستر به جسدها لتذهب لبيت عمها فقد طفح الكيل ستشتكي لعمها ووالدها، سالت دموعها بغزارة حين أبصرت قماش سوداء طويلة كانت تمسح بها درج السلم اليوم، لم تتردد في لفها حول جسدها ثم نزلت الدرج بانكـ سار وفتحت البوابة وهي تلتفت يمنة ويسرة على المارة من الناس وتتمنى ألا يراها أحد حتى تصل لبيت عمها، هرولت حافية القدمين وقبل أن تصل حد بيت عمها ببضعة سنتمترات اخترقت زجاجة حادة قدمها فكتمت صرختها وأخذت تسير على قدم واحدة حتى وصلت لبيت عمها وهي تبكي.
صعدت السلم وعند كل درجة كان تتساقط من قدمها قطرة من الد**ماء حتى وصلت أمام باب البيت ودقت الجرس…
لتسمع صوت شيرين:
“حد يشوف مين على الباب يا ولاد”
ثم صوت رامي الذي يرنو من الباب وهو يهندم من ساعته وملابسه فقد كان مستعدًا للخروج…
“مين؟”
ريم بصوت خافت ومكسـ ور وهي تطرق براحة يدها على الباب:
“أ… أنا ريم افتح”
وحين سمع رامي صوتها فتح باب المنزل في سرعه مرددًا بابتسامة:
“إيه يا مسكـ….”
وحين وقع بصره عليها وهي منكسة رأسها تبكي والد**ماء تتساقط من قدمها حُبست الكلمات في صدره وهتف بلهفة واضطراب:
“في ايه يا ريم؟!”
شهقت باكية ولم ترفع رأسها إليه، صدع صوت شيرين:
“مين يا رامي؟!”
وحين أبصرت ريم اتسعت حدقتيها وشهقت بقـ.. وة…
رواية سَدفة
خاصة بصفحة “كتابات آيه شاكر” ولا أحلل نقلها لأي مكان دون إذني…
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★★
لم تستطع نداء كبح جماح مشاعرها، فقد غاب رائد عن ناظرها لكنها لم تنسه ومهما حاولت صرف تفكيرها عنه يأتي لمخيلتها دون استئذان ويزداد شوقها إليه يومًا بعد يوم!
كانت تردع نفسها وتنهرها على تفكيرها به، لكنها من ناحية أخرى أصبحت تدعو الله أن تراه!
كانت تتزين بأبهى حُلتها عند خروجها من البيت علها تقابله صدفة لكن لم يحدث، كانت تذهب لمحل عطارة والده دياب متمنية أن تصادفه ولكن دون جدوى، حتى أنها ذهبت لبيته برفقة أسرتها أحيانًا وبرفقة وئام وهيام أحيانًا أخرى ولم تقابله مطلقًا!
وأخيرًا لجأت لملفه الشخصي على تطبيق الفيسبوك، كانت تتابعه بدقة وتقرأ ما يكتبه باستمرار….
وفي هذا اليوم كانت تجلس على فراشها منكبة على هاتفها الصغير تتأمل صورة جديدة شاركها رائد قبل لحظات كان يقف جوار صديقه الذي يحمل طفلًا صغيرًا يحمل بيده ديك وترتسم الإبتسامة على محياهم، وكتب معها “أعرفكم بـ ثونه الديك اللي حيرنا”
اتسعت ابتسامتها ولم تلحظ حين ضغطت زر الإعجاب عن طريق الخطأ، تركت الهاتف من يدها لتُلبي هتاف والدها:
“يا نداء… يا بنتي”
وثبت من فوق فراشها وسرعان ما وقفت قبالته.
كان رشدي يجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى ويُصلح جهاز التحكم الخاص بالتلفاز، وأخذ يفك اللصقات الكثيرة الملفوفة حوله فقالت نداء متهكمة:
“بتعمل ايه يا بابا! دا مبقاش ريمود دي بقايا ريمود! اشتري واحد جديد بقا!”
تجاهل كلامها وأكمل ما يفعله وهو يقول:
“جهزي نفسك عشان هتيجي معانا عند عمك دياب بعد بكره كتب كتاب رامي”
“بس أنا مش عايزه أروح يا بابا”
قذفها رشدي بنظرة نارية دون أن ينطق مما جعلها تقول متلعثمة:
“حاضر يا بابا هجهز نفسي”
“واعملي كوباية قهوه”
“حاضر بس أنا نازله دلوقتي أشتري حاجه”
“حاجة إيه!!”
قالت بارتباك:
“كتب… هشتري كتب محتاجاها السنه الجايه ومتقلقش معايا فلوس”
اومأ رأسه وهو منهمكًا بما يفعلة، ودلفت هي للمطبخ لتعد القهوة ثم ارتدت ثيابها وخرجت!
لم تكن تريد شراء أي شيء لكنها أخذت تسير بلا هدف حتى وصلت قبالة عطارة العقيد، وقفت تتأمل الافته من بعيد وداخلها إحساس قوي وصوت لا تعلم مصدره يتردد بأذنها أن رائد بالداخل!
نهرت نفسها عما تفعل وابتعدت ريقها في اضطراب ثم ابتعدت عدة خطوات عن المحل وفجأة توقفت ونظرت خلفها ثم عادت مرة أخرى بخطى بطيئة…
وها هي مشاعرها تتناقض من جديد وتتأرجح بين رغبة به وبرؤيته ورهبة مقيته تلفح قلبها وتدفعها بعيدًا عنه…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
من ناحية أخرى وبداخل عطارة العقيد
تعالت أصوات ضحكاتهم ويحيى يحكي عن آدم ابن عمه وكيف منع الطفل والدته من الإقتراب من ذلك الديك فباغتتهزوالدته وباعت الديك لمتجر للدواجن أسفل بيتهم، فتربص آدم وأخذ يتابع المحل وكلما رأى الديك لازال حبيس القفص اطمأن فؤاده…
وحين كان الطفل على وشك الاستحمام ألقى نظرة من شرفة بيته على الديك فلاحظ ذلك الزبون الذي أشار للديك وطفق يدفع ثمنه، شهق آدم بصدمة واتسعت حدقتاه وخرج من بيته متعجلًا دون أن يرتدي ملابسه وسـ ـرق الديك على حين غفلة من صاحب المحل والزبون…
استطرد يحيى حديثه ضاحكًا:
“المهم إنوإحنا جرينا بس ابنك بطيء يا عمي والناس مسكته… فاضطريت أقول بعلو صوتي نزل إيدك إنت وهو عن سيادة الرائد الناس خافوا ورجعوا لورا”
ضحك دياب وهو يقول:
“بيقولك يعملوها الصغار ويقعوا فيها الكبار”
رائد بضحك:
“المشكله إن الواد صغير أوي ميبانش من الأرض والديك تقريبًا طوله ووزنه”
وبعد الإنتهاء من الضحك نهض دياب وقال:
“طيب يا ولاد بعد إذنكم أنا عندي مشوار كده وجاي…”
“اتفضل يا بابا”
قالها رائد وظل ينظر لأثر والده حتى اختفى نظر لـ يحيى وقال:
“إنت قاعد معايا شويه طبعًا”
اومأ يحيى قائلًا:
“قاعد يا كبير بس اطلبلي شاي”
ربت رائد على فخذه مبتسمًا فابتسم يحيى قبل أن يستأذنه ليجيب على هاتفه الذي صدع بالرنين…
فتح «رائد» هاتفه وأخذ يرى عدد المتفاعلين مع الصوره التي نشرها على تطبيق الفيسبوك وأصابه الذهول حين أبصر اسم نداء بينهم، أخذ يقلب في ملفها الشخصي بتركيز، تزامنًا مع نقرات صوتها طبلة أذنه حين قالت لأحد العمال:
“لو سمحت عاوزه سنامكي”
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية سدفة ) اسم الرواية