رواية بكل الحب الفصل الخامس عشر 15 - بقلم ناهد خالد
” تعديل الخطأ بالأفعال أفضل من كلمة آسف ”
تماسكت نفسها بقوه لا تعلم من أين اكتسبتها وهي تفرد ظهرها بجمود وقالت بنبره ظهرت مرتعشه رغمًا عنها :
– اتفضل يابشمهندس .
هتف سليم بخبث وهو يتجه لها :
– مانا هتفضل .
قطبت حاجبيها باستغراب وهي تراه يقترب منها متخطيًا المكتب حتي أصبح أمامها تمامًا …وفجأه .. وجدت نفسها في أحضانه عنوه , ما إن وقف أمامها حتي ارتمي بجسده عليها يحتضنها بقوه بغرضان .. الأول كي يتأكد أنها حقًا تقف أمامه , والثاني كي يروي شوقهِ لها الذي أضناه , كان عناق قوي علي جسدها الضعيف , لكنها ولتفاجئها لم تستطع إبعاده , من الأساس لا تصدق أن سليم يحتضنها هكذا ! , أما عنه فتنهد براحه شديده وهو يشعر بها بين أحضانه بعد أشهر من الغياب , يشعر بدقات قلبه تتراقص بسعاده لقربها منها , وكالعاده تأتي هي لتقطع كل لحظاته الفريده الممتعه حين دفعته بصدره تبعده عنها ونجحت .
تنهد بغيظ لكنه سيتحلي بالصبر هكذا حدث نفسه , نظر لها بصمت ينتظر حديثها ولم تجعله ينتظر كثيرًا حين قالت بغضب :
– أيه العشم الي عندك ده ! أنت ازاي تحضني كده ؟!
تنهد بهدوء وهو يرد :
– ايه الي فيها أنا جوزك لو ناسيه !
أحمر وجهها غضبًا وكادت تصرخ بهِ لكنه قاطعها يقول :
– داليا أرجوكِ لازم نقعد ونتكلم بهدوء .
أشاحت بوجهها وهي تقول بخوف , نعم خوف , تخشي أن تسمعه فتلين , تخشي أن يعتذر فتقبل , تخشي أن يغازلها فتخجل , تخشي أن يطلب منها العوده …فتعود !.
– لأ , مفيش كلام بينا , أنت بنفسك قولت ده في آخر كلام بينا وأنا…
قاطعها بصدق:
– كنت غبي , أنا قولت كلام كتير مكنش ينفع أقوله , أرجوكِ خلينا نتكلم عشان كل واحد يعرف الي له واللي عليه , أنا غلط و أنتِ غلطي .
التفت تهتف بحده :
– أنا مغلطش , أنا كانت نيتي خير .
هتف برجاء ظهر في عيونه :
– خلينا نتكلم ونتفاهم , عشان أعرفك غلطي ولا لأ .
والفضول بداخلها جعلها تقبل , الفضول لما سيقوله والرغبه منها في مجادلته وإصرارها أنها لم تُخطئ جعلها تدعوه للجلوس والتحدث .
أخذ نفس عميق قبل أن يبدأ في الحديث بتعقل :
– خلينا ناخد الموضوع من أول خالص , ماشي ؟
أومأت بموافقه فأكمل بنبره هادئه ورزينه :
– الأول أنتِ ليكِ في الدين ؟ يعني عندك معلومات كتير فيه ؟
قطبت حاجبيها باستغراب وقالت :
– أيه علاقة موضوعنا بالدين ؟
رد بنبره عاديه :
– ملوش علاقه أنا بس عاوز اسألك عن حاجه .
تنهدت بصبر وهي تقول :
– آه , أكيد مش مُلمه بكتير بس عندي معلومات .
أومئ برأسه يقول :
– كويس , طيب هقولك علي موقف وتقوليلي رأي الدين فيه أيه لو تعرفيه ؟
ردت بفضول وحماس :
– تمام .
– أنا زمان أول ما اشتغلت عند بابا في الشركه كنت باخد فلوس
من مكسب الشركه من غير علم بابا وكنت بطلعهم للفقراء كل شهر , ده غلط .
أومأت بـتأكيد تقول :
– طبعًا , في مره كنت بسمع برنامج ديني وكانت متصله بتسأل الشيخ بتقوله أن جوزها كل شهر بيديها مرتبه عشان تتصرف فيه يعني تاخد الي يكفي البيت ولو حد من الولاد عاوز حاجه وجزء للقساط الي عليهم , فبتقوله أنا كنت بشيل مبلغ ع جمب بس من غير ما اعرفه يعني بحوش عشان لو جه وقت والفلوس قصرت معاه أخرجهمله لأنه مصرف شويه ولما بيعرف أن لسه في فلوس بيضيعهم في اي حاجه , فكده حرام ولا لأ ع العلم أن الفلوس في الآخر له هو , قالها لازم يكون جوزك عارف بالمبلغ الي بتحوشيه لازم يكون بعلمه يأما يبقي حرام , هي كمان نيتها كانت خير بس مادام من غير علمه مينفعش , فأنت كان لازم تعرفه لأنها فلوسه في الآخر تخصه هو حتي لو أنت ابنه .
ابتسم بهدوء وقال :
– والفلوس متختلفش عن الحياه , يعني زي ما مينفعش أتصرف في فلوسك من غير علمك مينفعش اتصرف في حياتك من
غير علمك , ده اسمه التدخل في شئون الآخرين , ولو قرأتي عنه شويه هتعرفي إن الاسلام حرمه , معتقدش أن في حاجه الإسلام بيحرمها إلا لو كانت غلط , الرسول صلي الله عليهِ وسلم قال ” من حسن إسلام المرء ترك ما لايعنيهِ ” , والرسول كان بيتكلم هنا عن التدخل في حياة الغير بأي شكل كان , ومهما كنتوا قريبين مني في النهايه دي حياتي أنا مش حياتكوا تخصني أنا مش تخصكوا , خايفين عليا علي عيني وعلي راسي , كلموني انصحوني ياستي ادخلوا في حياتي بس بعلمي لما أنا اسمح بده وأشوركوا وأسألكوا اعمل ايه وقتها اتدخلوا واقترحوا وأنا برضو الي انفذ مش انتوا خالص , اكيد عارفه ان ربنا سبحانه وتعالي قال ” ادعي الي سبيل ربك بالحكمه والموعظه الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن ” مقالش اجبرهم علي ده , يعني لو شخص مبيزكيش مثلاً هل ينفع أني أخد من فلوسه غصب واروح اذكي بيها واقوله أصل ده غلط وأنا خايف عليك فبعمل كده ! , اكيد ربنا مأمرناش بكده بالعكس اكلمه مره واتنين وعشره واجادله براحه بس مجبروش ولا اخد الموضوع عنوه ولوي دراع , يمكن تشوفي ان المواضيع دي بعيده شويه عن موضوعنا بس صدقيني كلها واحد , واقولك كمان لو اخويا هيتجوز واحده أنا عارف انها مش كويسه واجبي اروح اقوله واحذره مش افرق بينهم او اتصرف انا بطريقتي ! ده مش من حقي , مفيش آيه ولا حديث ربنا أمرنا فيه أننا لم نشوف شخص بيغلط في حياته أوبيعمل حاجه ممكن تأذيه فنقوم نتدخل في حياته ونقوله اركن أنت بقي واحنا هنحددلك تكلم مين وتتعامل مع مين , وده طبعًا بيُستثني منه الحاجات الي بنضطر فيها للتدخل , زي مدمن مثلاً فبندخل لحد ما نعالجه وممكن نعالجه غصب عنه ونفرض عليه ده ونمنعه من صحابه الي شجعوه علي كده وهكذا , لأن ده شخص عقله مُغيب مهما اتكلمتي معاه مش هيستوعب , تقدري تقوليلي ليه محاولتوش تتكلموا معايا ! بدل كل الي حصل ده !, أنتِ ليه مجتيش حكتيلي ياستي في أول جوازنا حتي , ساعتها كنت هقدرك وأقدر أنك مش قابله تبدأي حياتك بكدب ومش قادره تعيشي معايا وأنتِ بتخدعيني , لكن لو مكنتش اكتشفت الموضوع مكنتيش هتقولي وهتكملي في خداعك , وآه تحت أي مسمي فهو في الآخر خداع , الي بيسرق بسبب حوجه , زي الي بيسرق لأنه طبع , زي اللي السرقه مرض فيه , زي الي شايفها أحسن حاجه تجبله فلوس , كلهم حراميه في الآخر رغم اختلاف الأسباب , لو أنتِ مكاني وفجأه لاقيتِ كل الي حواليكِ كانوا متفقين مع بعض وعاملين فيلم عليكِ وأنتِ زي المغفله وسطهم هتزعلي ولا لأ ؟ , حتي لو كان ده لمصلحتك , الإحساس واحد , آه مبيكونش زي الي بيعملوا ده عشان يأذوكِ بس برضو بتزعلي وتتضايقي وتحسي أنهم مش من حقهم يعملوا ده , لو مكاني مش هتحسي ده ؟
صممت وهي تتذكر حينما كانت تتحدث مع أبيها عن والدتها وتراه مصمم علي الكذب وإخبارها أنها قد توفت كي لا تحزن إن علمت الحقيقه , رغم معرفتها بغايته لكنها كانت تتضايق حقًا وكثيرًا ما أرادت أن تصرخ بوجهه وتخبره أنها تعلم الحقيقه ولا داعي لخداعها , كانت تشعر بالسوء رغم معرفتها بحسن نية والدها ..وللحقيقه بالفتره الماضيه وحينما فكرت جيدًا بالأمر بعيدًا عن المشاعر أدركت خطأها , ولكن لم تغفر له حديث رغم هذا .
تنهدت تقول :
– وأنا عارفه أني غلط ومش من دلوقتي لأ , وكنت مدياك العذر في أي حاجه هتعملها بس متجرحنيش بكلامك الي قولته .
رد بعقلانيه :
– طب قوليلي لو كان حد تاني مكاني مش وارد لما شاف رقم صاحبه عندك وبينكوا مكالمات كتير ورسايل يفكر أنك بتخو. نيه , وخصوصًا أنه لسه خارج من موضوع مشابه ومكتشف خيا. نة صاحبه الأولاني , وفضلت اسألك وأنتِ مبترديش عليا ومتبرريش , مش كان ممكن الدم يغلي في عروقه وغضبه يعميه وميتفاهمش معاكِ أصلاً ويضر. بك لحد ما يطلع عينك وفي الآخر يطلقك , ده مش كان وارد ؟ , أنا مش برر لنفسي , بس أنا بوريكِ أني بجد اتحكمت في أعصابي لأقصي درجه , وعارف أني غلط في كلامي ليكِ بس أعتقد المفروض تلتمسيلي العذر يعني دي اللحظه الوحيده الي انفجرت فيها , وأقسملك أني متخيلتش كلامي هيوجعك للدرجادي, عارف أنه يضايق ويوجع بس مش لدرجة احساسك الي وصلتهولي في الرساله .
آلمها لأنه وبجهل منهِ ضغط علي الجرح الذي تركته لها والدتها , لو لم تكن قصتها لما آلمها لهذه الدرجه التي يستغربها , حديثه عن كرامتها علي حق , فهي نفسها تسآلت لاحقًا أين كانت كرامتها وهي تتفق مع والده كي يغصبوه علي زواجها منهِ ويضعونه أمام الأمر الواقع , لما لم تعزز نفسها !؟ , إذًا ما يألمها حديثها عن كونها مُعقده تحتاج لمصحه وما شابه …و الأمر معها متعلق بقصة والدتها …التي لايعلم عنها شئ ! ؟
أوليس الإنسان في وقت غضبه يُفلت لسانه أحيانًا , أوليس هي أيضًا بوقت غضبها ممكن أن تجرح أحدهم ثم تندم أشد الندم ؟ , أوليس هذا أول خطأ يخطأه بحقها !؟ , أوليس العفو عند المقدره !؟ , وهي تشعر أنها تقدر رُبما تحتاج لقليل من الوقت بعد لتقدر تمامًا لكن عالأقل لديها بوادر القدره , نحن لسنا ملائكه .. نحن بشر , نستحق فرصه ثانيه وثالثه وعاشره مادُمنا نقدر علي إعطائهم , وإن كانت قدرتها تتوقف عند الثانيه فلتعطيها له إذن …وإن لم يقتنصها فسيكون هو الجاني علي نفسه .
تسائلت بهدوء :
– أنت عاوز أيه دلوقتي ياسليم ؟
رد بلهفه :
– تسامحيني علي الي قولته ليكِ .
أومأت بإيجاب تقول :
– سامحتك , وأنا كمان غلط أتمني تسامحني .
ابتسم باتساع وقال :
– أنا مسامحك من زمان يا داليا .
– طيب أنت ليه مطلقتنيش لدلوقتي ؟
سألها بمراوغه :
– أنتِ ليه مطلبيتهاش ؟
ردت بصدق :
– مكنش عندي استعداد اتواصل معاك تاني , ولا مع معتصم ولا مع عمي الحقيقه , بس كنت بتابع دايمًا مع مدير شركتي السابق وبسألها إذا كنت بعتله الورقه ولا لأ .
لوي شفتيهِ بضيق :
– وأنا الي فكرتك هتقولي عشان مقدرش ابعد عنك !
راوغته في الحديث وتسائلت :
– مفيش أخبار عن حسن وريهام ؟
جاراها في تهربها وهو يقول :
– عرفت أن حسن باع بيته وسحب فلوسه من البنك وسافر دبي , تقريبًا هيستقر هناك عشان يعرف يشتغل , وريهام الإتيليه بتاعها قفل , وفي مشاكل كتير بينها وبين أبوها , ومن بعدها مبقتش اسأل عن اي حاجه تخصهم .
– أحسن , ربنا يسهلهم .
حمحم بتوتر وهو يعتدل في جلسته ونظر لها بأعين صافيه وقال بنبره مُحبه صادقه :
– داليا أنا … أنا بحبك .
انحبست أنفاسها وهي تستمع لحديثه , لا تصدق أنها وبعد عناء سمعتها منه أخيرًا ! كتائه في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء وأخيرًا وبعد أن أضناه العطش عثر علي بئر ماء ليروي بهِ عطشه , شعرت بانتشاء كبير وكلمته تتسلل علي استحياء لأذنيها لتدلف بعدها لقلبها فتزلزله وتُسرع دقاته حتي يكاد …يتوقف !.
– أنا بحبك بجد , وكنت عارف أني مش هقدر أكمل من غيرك , مش هقدر أدخل حياتي حد غيرك ولا أشوف ست تانيه في بيتي ومراتي وعلي اسمي , في حاجات كتير اوي حسيتها معاكِ مش هقدر احسها مع حد تاني , لو كنت استنيتي اسبوع واحد كنتِ هتلاقيني جايلك وبعتذرلك وبقولك ندي لبعض فرصه تانيه , أنا أصلاً كنت ماشي من مصر وانا ناوي أني هرجع وهعمل ده , ووعدت قلبي أني مش هدخل جناحنا تاني إلا بيكِ , صدقيني أول مره أحب حد اوي كده بعد أمي الله يرحمها , أقدر أقولك أنك خدتي مكانها عندي , طبعًا محدش بيعوض الأم , بس أنتِ بديل ليها بنسبة 95% مثلاً , ودي حاجه عمري ما اتخيلت أني هلاقيها مع حد , أنا عرفت ارجع لحياتي تاني الي افتقدتها بعد موت أمي لمدة 5 سنين بسببك ومعاكِ , أرجوك ِ وافقي نرجع ومتخليش كلام في وقت غضب يهد حياتنا ويضيع حبنا , أنا مش هعرف أعيش إلا بيكِ .
ابتسمت بهدوء تقول :
– الكلام الي بتقول عليه وقت غضب ده معلم فيا وممرش بالساهل عليا , وعمري ماهعرف انساه .
احتل الحزن معالم وجهه وهو يقول :
– طب قوليلي اعمل ايه عشان تنسيه ؟
ردت بهدوء :
– أنا عمري ماهنساه مهما عملت , احنا مش بننسي يا سليم , احنا بنتناسي , وأنا ممكن اتناساه لو عملت الي هقولك عليه .
رد بلهفه حقيقيه :
– قولي وأكيد هعمله .
زفرت أنفاسها ببطئ وقالت :
– قرر نهائي ….. طلقني يا سليم .
يتبع…
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية بكل الحب ) اسم الرواية