رواية ديجور الهوى الفصل العشرون 20 - بقلم فاطمة طه
كيف أُخبرك بأني أشتقتُ إليك، بالطريقة التي تجعلك لا ترى من الدروب إلاطريقـاً يأتي بكَ إليَّ ؟ كيّف ؟
#مقتبسة
– تؤلمني نوبات الإشتياق لك، يحطمني غيابك، أشعر بفراغ منذ اختفاءك، لم أجد للسعادة سبيل إلا في ذكرى حُبنا الذي لن يعود.
#مقتبسة
– بالرغم من الحنين، لكنني سأبقى متمسكًا بذكرياتنا المؤلمة حتى لو كانت آخر ما تبقى لي في هذه الحياة البائسة.
#مقتبسة
كيف أفتح معك حديثاً يخبرك أنني إشتقت إليك ، دون أن أجرح كبريائي.
#مقتبسة
____________
بالتأكيد هذا خطأ!!
رُبما هذا الرجل من أشباهه الأربعين!!
رُبما يشبه وجهه في ملامحه هو لم يراه جيدًا على أي حال بسبب النظارة الشمسية التي كان يرتديها، ولكن الجسد والطول!!
أخذ يحاول ضبط نفسه وأفكاره فاستغرق الأمر عدة دقائق وهو يقف مكانه يشعر بالذهول والدهشة، رُبما الخوف وكأنه رأي لتوهه شبح..
ولج إلى المكتب وبمجرد أن وجد مريم سألها بنبرة سريعة:
-هو الراجل اللي لسه خارج من هنا مين؟!.
أجابته مريم بثرثرة وعفوية:
-ده أستاذ ثائر صاحب المتر هلال، صاحبه من زمان اوي من اكتر من خمسة عشر سنة، وجاره في المنطقة القديمة اللي كان ساكن فيها قبل ما يعزلوا، بس هو مش بيجي هنا كتير.
أخذ مراد يفكر في حديثها رُبما هذا الرجل يشبهه لا أكثر، أو رُبما هو توهم!!.
باغته مريم بسؤال اخر وكأنها الآن استوعبت وجوده:
-وبعدين أنتَ بتعمل ايه؟! مش المفروض تروح الشرقية وتقضي الكام يوم دول مع والدتك زي ما قولت؟!.
تمتم مراد موضحًا:
-ايوة بس قولت اجي اشوفكم النهاردة واسلم عليكم مسافر بليل ان شاء الله…
تمتمت مريم بنبرة عملية وهي تتوجه صوب مكتب هلال لأخذ بعض الملفات:
-ماشي ربنا معاك يا مراد، عن اذنك.
-اتفضلي.
رحلت مريم وظل هو واقف في مكانه لا يدري حتى ما الذي يحدث؟!
هل كان مجرد تخيل؟!!!…
فهي اخبرته بأنه يكون جار هلال منذ سنوات عديدة بالتأكيد ليس هو..
يبدو أنه اختلط عليه الأمر…
قاطع أفكاره صوت انثوي يقف بجانبه:
-ايه يا مراد، واقف مبلم كده ليه؟!.
نظر لها مراد متمتمًا:
-مفيش حاجة يا بشرى.
هتفت بشرى بعدم تصديق لتلك الإجابة:
-مفيش حاجة ازاي أنتَ واقف سرحان خالص، وبعدين صحيح ايه اللي جابك؟!.
أجابها مراد بنبرة مرحة عكس المشاعر المتناقضة التي يشعر بها الآن:
-جيت اسلم عليكم واسلم على المتر الأول أنا هسافر بليل.
هتفت بشري بأسف وهي تعقد ساعديها:
-المتر هلال مشى لأن دكتور عادل تعب شوية.
قال مراد بحزن حقيقي ظهر بسرعة على ملامحه:
-ايه دا؟! الف سلامة، هبقى اكلمه وخلاص، وبعدين مالك مكشرة كده ليه، فين غطاكي؟!.
استنكرت بشرى كلماته وهي تغمغم بنبرة ساخرة لوهلة ظنت بأن هناك مشكلة في ملابسها:
-غطايا؟! مش فاهمة؟!
تمتم مراد مداعبًا أياها:
-ملك، ما أنتم حلة ولقت غطاها وهي ما شاء الله توأمك في النكد وكل حاجة.
هتفت بشرى بنبرة فاترة:
-يعني تعبانة عندها دور برد النهاردة ومجتش.
عقب مراد بعفوية:
-طيب ابقى سلمى عليها…
_____________
“بني سويف”
تشرب نرمين قهوتها وهي تجلس تشاهد التلفاز، بذهن صافي فما أجمل تلك الليالي التي لا يتواجد زوجها في المنزل، وقتها تشعر بالحرية والسعادة حقًا…
الشيء الوحيد الذي يعكر صفوها في غيابه هي والدته “زينب” التي تغضبها، بسبب تحكماتها في المنزل وفي كل تفصيلة في حياتها وكأنها دومًا تخضع للمراقبة من قِبلها…
أمرأة لعينة في نظرها، رُبما لم تكن تلك علاقتهما في البداية ولكن تغير الأمر، تغير منذ معرفتها بكثير من الحقائق التي كانت غافلة عنها، لتستمر في زيجة من أجل مصالح العائلتين سويًا وبسبب ارغامها من قِبل عائلتها على الاستمرار…
وعلى ذكر زينب أتت وهي تستند على عكازها التي أحيانًا تقوم باستخدامه وجلست على المقعد الوثير متمتمة:
-ايه يا نرمين مالك قاعدة كده ليه؟!.
رفعت نرمين حاجبيها وتحدثت بنبرة باردة:
-والمفروض أقعد ازاي يا حماتي العزيرة؟!.
بتلقائية شديدة كانت زينب تتحدث:
-المفروص تقومي تجهزي نفسك وتقومي تعملي الأكل اللي جوزك بيحبه وتجهزي الدنيا مدام جاي من اسكندرية وبنتك جاية هي كمان نهاية الاسبوع، مش معقولة يعني التكشيرة دي.
ضحكت نرمين بسخرية وهي تعقب بنزق:
-ومن امته يعني أنا بستعد وبستقبل ابنك علشان تكوني مستغربة أوي المرة دي؟!.
أردفت زينب بتهكم صريح:
-والله الواحد معاكي شاف العجب، مش عارفة امته هتعملي حساب لبيتك وتلمي عيالك حواليكي، واحد قاعد في بلاد برا بينزل كل كام سنة وبنتك مبتفكريش حتى تقربي منها.
قالت نرمين وهي تترك القهوة على الطاولة بانفعال ملحوظ:
-كفايا حضرتك قريبة منها يا حماتي، وبتنفذي ليها كل طلباتها.
صاحت زينب بنبرة منفعلة:
-أنا مش فاهمة أنتِ غيرانة ليه من علاقتي ببشرى؟!! أنا كل اللي بعمله اني بعوض البنت على اهمالك فيها، وياريتني عارفة اعوضها، اهتمي بيها أنتِ احسن وساعتها اوعدك هقعد اتفرج مش هدخل في حاجة، أنا مش عارفة أنتِ ازاي ام أنتِ؟!.
صاحت نرمين هي الأخرى بجنون وهي تغمغم:
-ومقولتيش ليه الكلام ده لابنك؟!! مقولتيش ليه الكلام ده لابنك ومن سنين، من سنين لما كان متجوز واحدة من الشارع وابنه كان لسه حتة لحمة حمراء، مش كفايا القرف اللي كنت بستحمله لما كان كل شوية يكون ماشي مع واحدة، واخرتها راح اتجوز واحدة شمال…
غمغمت زينب بانفعال وهي تقاطع حديثها المستفز بالنسبة لها:
-اسكتي يا نرمين…
تمتمت نرمين بغيظ ونبرة هسترية:
-مش هسكت، هو أنتِ بس اللي من حقك تفضلي تدي اللي قدامك بالكلام وتحرقي في دمه؟!!…
-كل اللي بتقوليه ده ميديش مبرر لمعاملتك لولادك، وبعدين استمرارك في الجوازة دي كان معناه أنك موافقة على كل اللي بيحصل محدش ضربك على ايدك..
قالت نرمين ساخرة:
-ابويا الله يرحمه غصبني اكمل على امل انه هيتعدل بس ابنك لغايت دلوقتي متعدلش.
تمتمت زينب بنبرة جامدة وهي تتلو عليها الحقائق واحدة تلو الأخرى:
-هيتعدل ازاي وأنتِ بقالك اكتر من سبعة وعشرين سنة بوزك شبرين، كل ما تشوفي وشه مبتديهوش أي ريق حلو، وحتى لما حملتي في بشرى بعد سنين من خلافكم الواحد كان عنده أمل ان الامور ما بينكم بقت أحسن..
هتفت نرمين بنبرة منزعجة وجريئة:
-كانت لحظة ضعف مني اني اعتبره جوزي من تاني، مكنش المفروض أخلف منه تاني، مكنش المفروض ده يحصل أبدًا، وبعدين ابنك اللي مش عايز يطلقني من بعد موت ابويا وهو مش عايز يطلقني….
قاطعتها زينب بضيقٍ:
-طلاق ايه ما تتعدلي يا نرمين، ده عيالكم بكرا يخلوكم جدود، وأنتِ لسه بتتكلمي في غلطات الماضي، ما خلاص اقفلي عليها واللي حصل حصل ساعتها، واعقلي كده واهتمي بجوزك وعيالك بدل ما أنا مش فاهمة أنتِ بتعملي ايه في حياتك؟!..
أردفت نرمين بنبرة مختنقة:
-مش أنتِ اللي هتقوليلي اعمل ايه ومعملش ايه، كنتي ربيتي ابنك أولى.
قالت زينب بعدم استيعاب:
-أنتِ لسانك طويل ومتربتيش يا زينب، وأنا غلطانة في أي حاجة عملتها علشانك زمان او حتى لغايت دلوقتي، بالعكس كنتم اطلقتكم وخلصنا من القرف ده.
غمغمت نرمين بسخرية:
-أنتِ معملتيش حاجة غير أنك في كل السنين اللي فاتت كنتي بتحاولي تصلحي صورة ابنك لا أكتر ولا أقل عمر ما أي حد فكر فيا حتى أهلى مفكروش فمش هعاتب عليكي…
تمتمت زينب بنبرة عقلانية:
-على الأقل لو احنا غلطنا وأهلك غلطوا متكرريش الغلط ده مع عيالك يا بنتي واعقلي.
-أنا اتجننت من زمان، اتجننت واللي كان كان، كلامك اتأخر اوي.
أردفت زينب بنبرة هادئة وحانية:
-لسه في وقت أن كل حاجة تتصلح يا بنتي.
قالت نرمين بصدقٍ وتعب من كل شيء تمر به:
-مفيش خلاص..
ثم أسترسلت حديثها بجحود قبل أن تنهض وتغادر المكان:
-وياريت تكوني عارفة أن حوار جمال ده أنا مش قابلة بيه ولو في حاجة صح هعملها في حق بنتي هو انها متربطتش بأي راجل من عيلتكم.
____________
“في الشرقية”
فتح كمال بوابة المنزل بعد أن قرع أحدهم الجرس الخاص بالبوابة وكان رأى الطارق من هاتفه قبل أن يذهب بواسطة الكاميرا…
وجد أمامه شاب في مقتبل العشرينات من عمره، تحدث كمال بنبرة هادئة:
-اتفضل!!.
تمتم الشاب بنبرة عملية وهو يمد الحقيبة له:
-الاوردر ده باسم مدام فردوس.
نظر كمال على الحقيبة متفحصًا ليجدها من صيدلية، أخذها منه وسأل الشاب عن الحساب وقام بدفعه، وبعد رحيله أخذ يفتح الكيس البلاستيكي المدون عليه اسم الصيدلية والرقم وغيره…
ليجد به بعض المسكنات وأشياء من هذا القبيل، وباسط للعضلات، فتوجه صوب المنزل ثم صعد على الدرج وسار بضعة خطوات حتى وصوله إلى غرفة فردوس وفتح الباب ليجدها جالسة في نصف جلسة على الفراش تغطي نفسها بالغطاء للسميك وترتدي منامة محتشمة كأغلب ملابسها وتلف خصلاتها بمنشفة مخصصة للشعر، كانت لا تدري كم مر من الوقت وهي تجلس في مكانها رُبما ساعتين، أو ثلاث ساعات…..
تحدثت فردوس في نبرة متعبة وحانقة رغم سعادتها برؤيته:
-برضو مفيش تخبيط على باب الاوضة؟! ايه اقفله من جوا بقا؟!.
-ابقي اعمليها.
سألته فردوس باشتعال:
-وبعدين استنى كده مش النهاردة يوم ست الحسن والجمال بتعمل ايه هنا بقا؟!
عقب كمال على حديثها بنبرة باردة:
-انا اجي وقت ما اجي أنا حر ده أولا، ثانيا ايه العلاجات دي كلها؟! ايه المسكنات وايه دا كله؟!
رفع يده بالحقيبة البلاستيكية لتنتبه لها في نهاية كلماته، مما جعلها تعقب بنبرة حاولت جعلها عادية:
-روحت الجيم النهاردة اول يوم، وتعبانة مش قادرة اقوم من مكاني فلازم مسكن وباسط للعضلات ايمان قالتلي كده.
ذهب وجلس أمامها على طرف الفراش سائلا أياها باهتمام:
-ايه اللي تاعبك بالضبط؟!.
عقبت فردوس بهدوء:
-جسمي وعضلاتي هيكون ايه يعني؟! ايمان قالتلي علشان دي اول مرة اتمرن واحرك جسمي والعضلات تشتغل فطبيعي احس بالألم ده ومع الوقت ومع الاستمرار الموضوع هيكون احسن وطبيعي…
تمتم كمال بنبرة ذات معنى وهو يقاطعها:
-طبعا، أنتِ عضلاتك صدت من الركنة يا حبيبتي.
ضيقت عيناها وهي تقول بانفعال طفيف وخجل:
-كمال متعصبنيش وإلا…
قاطعها كمال وهو يرفع حاجبيه متمتمًا بسخرية:
-وإلا ايه؟!!!!.
قالت بارهاق ولضح فهي تشعر بالالم يعم في أنحاء جسدها كله:
-ولا حاجة أنا اصلا مش قادرة اتحرك من مكاني علشان اعمل فيك حاجة.
هتف كمال بنبرة متهكمة:
-ولا بتعرفي تعملي حاجة حتى وأنتِ كويسة.
-لو جاي تسم بدني بالكلام، يستحسن تمشي.
تحدث كمال بجفاء وسخرية:
-انا مش مستني منك الأمر امته اجي وامته امشي يا حلوة، واتعدلي.
عقدت ساعديها وهي تقول بضيقٍ:
-انا معدولة.
أردف كمال بتهكم:
-كويس، المهم مبعتليش ليه ولا كلمتيني لما رجعتي من الجيم؟!.
تحدثت فردوس بكل تلقائية:
-مهوا انا نسيت…
كز كمال على أسنانه وهو يغمغم بغضب ملحوظ:
-فردوس متعصبنيش.
أردفت فردوس بتوضيح:
-اسفة مركزتش في حاجة كل اللي كنت بفكر فيه اجيب علاج او اي حاجة تريحني، تعبانة اوي يا كمال، مكنتش متخيلة اني هتعب بالشكل ده، بس ايمان بتقول حاجة طبيعية يعني..
هتف كمال بضيقٍ ملحوظ:
-سلامتك يا حبيبتي، وبعدين كفايا كل شوية تجيبي سيرة ايمان علشان الست دي بضايقني.
نظرت له فردوس بانفعال محلوظ وتغيرت نبرتها الهادئة إلى أخرى شرسة:
-كمال ملكش دعوة بايمان، وبعدين دي غلبانة وكفايا اوي انها مش عارفة تكمل حياتها بعد حسن، حسن اللي أنتَ عارف خسرناه ازاي، مش لازم نفتح في القديم، ملكش دعوة بايمان لاني مش هتخلى عن صحوبيتي ومعرفتي بيها.
تمتم كمال بسخرية:
-طبيعي متتخليش، التخلي عندك شايلاه ليا أنا وبس على جنب، بس الشهادة لله شايلاه لوقت عوزة.
نهض بعد ان انتهى من كلماته توجه صوب الحقيبة والصندوق المتواجد في نهاية الغرفة مما جعل فردوس تعقب بجدية متجاهلة كلماته وهي تجده يعبث في صندوقه:
-تحب افضي حاجتك في الاوضة والدولاب؟!.
عقب كمال بجحود ولوم:
-عمرك ما عملتي اللي بحبه، فمتجيش في دي وتسألي ايه اللي حابه، اعملي اللي يريحك يا فردوس عايزة تفضيهم في اوضتك حطيهم مش عايزة نزليهم في المكتب اللي أنا بنام فيه.
زفرت فردوس بضيقٍ وهي تعقد ساعديها فهي تشعر بالغضب شديد، كونها دائما التي تلام في كل الأوضاع…….
بعد أن أخذ بعض الأشياء التي لم تهتم ما هي عاد ونظر لها وهو يقف بمسافة ليس بعيدة عن الفراش:
-وبعدين متكتريش في المسكنات دي علشان غلط، وبعدين اللي تعبان بياخد واحده يجيب شريط مثلا، لكن ايه العلب دي كلها؟!..
توترت فردوس وتحدثت بنبرة هادئة:
-يعني انا بحب اخلي الحاجات دي هنا احتياطي لأي وقت فقولت اجيب علب أفضل.
هتف كمال بنبرة عملية:
-ماشي بس المهم متكتريش اخرك واحدة بس، علشان المسكنات كترها غلط، وممكن تستحملي شوية ومتاخديش وخلاص، معلش دي ضريبة عدم استخدامك لعضلاتك الله يرحمها اللي صدت من الركنة وقلة الاستخدام…..
صاحت فردوس باسمه:
-كمال!!!!.
زينت ابتسامة رجولية خالصة ثغره وهو يقول بجدية:
-خلاص ياستي انا ماشي في العموم.
خرجت منها بطريقة عفوية وهي تقول:
-لا استنى خليك شوية..
نظر لها بعمق وهو يسألها بعبثٍ:
-ليه اخليني؟!.
تمتمت فردوس محاولة إيجاد اي سبب منطقي:
-يعني علشان عايزة أتكلم معاك.
أقترب منها وجلس بجانبها على الفراش لينكمش جسدها تلقائيًا..
عقب كمال باهتمام:
-ها عايزة تقولي ايه؟!.
-أنا رايحة بكرا ابيع الدهب علشان اكمل الحاجات اللي قولتلك عليها.
عقب كمال بنبرة عملية:
-برضو مش عايزاني اساعدك؟!.
قالت فردوس بجدية شديدة:
-أنا هكون مرتاحة كده أكتر.
-خلاص وأنا مش هدخل في قرارك اعملي اللي يريحك، بس ابقى عرفيني رايحة امته وهترجعي امته وكده علشان أكون معاكي على الخط.
عقبت فردوس بابتسامة هادئة:
-حاضر، وبجد شكرا أنك سيبتي اعمل اللي انا عايزاه في الموضوع ده.
قال كمال بنبرة واضحة:
-انا هسيبك تعملي اللي أنتِ عايزاه علشان أنتِ جيتي وصارحتيني، ودي بتفرق.
غمغمت فردوس بود:
-ماشي يا كمال.
هتف كمال بنبرة جادة وهو يميل عليها:
-مش عايزة اي مساعدة لعضلاتك، ادعكلك حاجة، ادهن ليكي حاجة، اعمل اي حاجة مش هتأخر عنك.
أردفت فردوس بنبرة خجولة وهي تنظر إلى داخل عيناه:
-لا مش عايزة حاجة شكرًا..
تمتم كمال بنبرة مرحة وهو يستند بيديه على الفراش متحجز جسدها بينهما:
-فكري أنا لو منك أفكر العرض مغري جدًا.
-لا كتر خيرك.
طبع قُبلة على جبينها وهو يغمغم بهمس بجانب أذنيها:
-أنتِ اللي خسرانة، خلي بالك من نفسك، ولو في اي حاجة كلميني…
-طيب.
تنفست الصعداء بعد أن ابتعد عنها ورحل تاركًا الغرفة فارغة بدونه كحياتها التي ينقصها وجوده، فمتي الوصل؟!..
تركها وذهب إلى بيته مع داليا…
وهذا كفيل بأن يفسد امسيتها، بات كمال يقضى ليلته مع أمرأة اخرى بفضلها، فمازالت لا تنسى كلماته حينما اخبرها أنها لو كانت اعترضت على زواجه لم يكن ليفعل..
يا ليتها أخرجت الثورة المتواجدة بداخلها أمامه..
_____________
تجلس ملك على الفراش باعياء نفسي قبل أن يكون بدني، لذلك قررت بألا تذهب إلى العمل اليوم لأسباب كثيرة..
أتت بشرى من عملها وأخذت تقوم بتنظيف المنزل وترتيبه فعلى ما يبدو أن ملك لم تنهض من فوق الفراش، وقامت بصنع الدجاج المسلوق والحساء لها، وأخذتهم وولجت إلى الغرفة قائلة بنبرة مرحة:
-أحلى فراخ ولسان عصفور هتأكليهم في حياتك.
نظرت لها ملك بشكٍ وهي تغمغم:
-متأكدة؟! ده أنتِ من الأيدي الناعمة يا بشرى اللي مش بتهوب ناحية المطبخ.
هتفت بشرى بحنق وهي تضع الطعام على الطاولة المتواجدة بجانب الفراش التي وضعتها بشرى منذ دقائق حتى تضع الطعام فوقها، وضعت يدها في جانبيها:
-يا حبيبتي ايدي ناعمة؛ ايدي ناعمة بس لما بدخل المطبخ هشرفك وبعدين بلاش الحكم من غير ما تدوقي، وبعدين فوقي كده يا ملك؛ أنتِ مالك يا بنتي؟!.
تمتمت ملك بنبرة عادية:
-ماليش يا بشرى عادي دور برد.
قالت بشرى بهدوء:
-ماشي ياستي؛ مش هتأكلي بقا؟!
أردفت ملك برفض وهي تلقي بنظرها على الدخان المتصاعد من الطعام:
-شكله لسه سخن اوي لما يبرد شوية هأكل، أنتِ مش هتأكلي معايا؟!.
هزت بشرى رأسها نافية وهي تقود بجدية مصطنعة:
-لا مينفعش نأكل أنا وأنتِ من نفس الحاجة افرضي حصلنا حاجة احنا الاتنين من أكلي مين ينجدنا؟! على الأقل لو حصلك أنتِ حاجة أنا هلحقك متقلقيش، حطي في بطنك بطيخة صيفي.
قالت ملك بامتنان:
-والله كتر خيرك يا بشرى.
ابتسمت لها بشرى ثم غمغمت بالسبب الحقيقي:
-كلت في المكتب، كلت انا ومريم واحمد وابراهيم وولاء على حساب مراد طلب لينا كلنا بيتزا الوداع…
تحدثت ملك بدهشة وهي تقول:
-مراد مين؟!.
عقبت بشرى بعدم فهم:
-هو ايه اللي مراد مين؟! هو احنا نعرف كام مراد؟!.
سألتها ملك بدهشة:
-طب ازاي؟! مش كان اخر يوم ليه امبارح وقال مش هيجي تاني؟!.
أردفت بشرى بعفوية وهي توضح لها الأمر:
-هو جه النهاردة وقال أنه مسافر بليل وحب يجي يودعنا، وبعتلك السلام على فكرة، بس وقال أنه عازمنا على حسابه على بيتزا الوداع زي ما بيقول.
زفرت ملك بضيقٍ وهي تعقد ساعديها، مما جعل بشرى تغير مجرى الحديث بعفوية شديدة منها:
-صحيح مش بابا اتصل بيا النهاردة وقالي أنه هيجيب ليا عربية…
قالت ملك بلهفة شديدة:
-بجد يا بشرى؟! وافق يعني؟!.
أردفت بشرى بعد تفكير لعدة ثواني:
-اتوقع يعني أن ستو ليها دخل كبير، بس أنا قلقانة أنها ترجع تضغط عليا تاني في حوار جمال وتبقى حاجة قصاد حاجة، بس برضو الموضوع هيبان بشكل أكبر لما أسافر أخر الأسبوع.
هتفت ملك برفض:
-مش عارفة مش حاسة من كلامك على ستك أنها هتحط حاجة قصاد حاجة أو بتشيلك جميل، بالعكس أنا شايفاها أكتر حد بيحبك وبيعملك اللي أنتِ عايزاه أكتر من مامتك وباباكِ.
-مش عارفة يا ملك المفروض أنا ازعل ولا افرح، بقيت بحس بكل حاجة وبعكسها ومش مطمنة في أغلب الأوقات.
قالت ملك بنبرة مرحة:
-يابنتي بطلي نكد بقا، وبعدين بقا بصراحة الواد قمور جدا ومز وألف مين تتمناه، وكفايا اهتمامه بيكي رغم وش الخشب بتاعك اللي بتصدريه ده؛ وبعدين مصيرك تتجوزي يعني مش هتعنسي العمر كله، بعيدا عن ان اسمه جمال ممكن نشوفله اسم تاني ندلعه بيه.
-لا ياستي مش مصيري اتجوز ولا حاجة ولا عايزة اتجوزه ولا هو ولا غيره، وبعدين يا حبيبتي لو عاجبك أوي كده ارشحك ليه ويابخت مين وفق رأسين في الحلال.
ضحكت ملك وهي تدغدها بمرح تحت رفض بشرى:
-لا مش هينفع علشان هو عينه منك أنتَ يا جميل…
تمتمت بشرى من وسط ضحكاتها:
-يابنتي بس بقا بطلي تتسلي عليا وكلي يلا الأكل تلج مش برد…
_____________
“في اليوم التالي”
-استني يا فهد….
قالتها أفنان بعد أن كانت تجلس هي وابنها في حجرة والدتها، ولكن بمجرد أن أتت شيماء التي تعمل في المنزل مخبره أياه بأن أطفالها في الأسفل هبط ولم يستمع إلى نداء والدته التي كان بين يديها طبق الفواكة وتقوم باطعامه…
هتفت منى بنبرة هادئة:
-خلاص يابنتي سبيه يلعب هو حابب عيال شيماء ولاقي نفسه معاهم، يبقى يكمل أكل بعدين..
أردفت أفنان بضجر:
-دايما مغلبني في أكل الفاكهة والخضار وأي حاجة مفيدة.
تمتمت منى بنبرة حانية:
-متقلقيش مع الوقت كل ده هيتعدل اللي في سنه اول ما بيجيله فرصة أنه يلعب بينسى كل حاجة، ما أنتم كنتم كده أومال يعني فاكرة أنكم كبرتوا بالساهل كده؟!
ابتسمت لها أفنان بهدوء وبالفعل بدأت تقدر ما كانت تفعله والدتهم من أجلهم حينما أصبحت أم، قدرت كل فعل كانت تفعله والدتها من أجل مصلحتها وكانت هي كطفلة تستنكره…
هتفت منى وهي تحاول أن تقوم بنصحها:
-عاملة ايه أنتِ وجوزك؟!.
وعلى ذكر زوجها تشعر بالقلق يطوف حولها…
زوجها الذي يكرهها ولا يطيق وجودها حتى..
ولا تدري ما تخلصه من همها وتتخلص هي من غضبه وبطشه بها….
تمتمت أفنان وهي تقرر بأن تمهد لوالدتها الأمل بالتأكيد لن يظل داغر مستمر في زواجهما..
-يعني الأمور ما بينا مش أحسن حاجة يا ماما.
سألتها منى بضيقٍ وكأنها لا تشعر بهذا من الأساس:
-ليه كده يا بنتي؟! ما تحافظي على جوزك وعلى ابنك بدل ما هو طفشان طول اليوم كده.
حاولت أفنان توضيح الأمر بطريقة منطقية وكأن حياتها كلها منطقية تحديدًا الأكاذيب التي تقوم بتأليفها منذ دخولها المنزل معه..
-داغر بينزل كل يوم علشان هو صحابه واحشينه ومنزلش ولا مرة من ساعة ما سافر، أما عن حياتي معاه فهي من الأول مش مستقرة وجه بعدها موضوع الحمل وبعدها تعب فهد وكله جه ورا بعضه.
تمتمت منى بنبرة حانية:
-لما عرفت أن داغر اتقدم ليكي في عز مرضي بعد اللي حصل، أنا واففت اول ما جدك قالي من غير ما أفكر، مش بس علشان كنت حاسة انه بيحبك، علشان داغر متربي على ايدي، وراجل يعتمد عليه، وبعتبره زي ابني وطول عمري شايفة اللي تكون مراته امها دعيت ليها في ليلة القدر، ساعتها رغم كل حاجة كنا فيها فرحت وقولت تونسيه في غربته وتكونوا سند بعض.
هتفت أفنان بخجل وتوتر:
-عادي يعني مش كل حاجة بتمشي زي ما احنا متخيلين يعني احنا الكيمياء ما بينا مش موجودة، ومش متفقين في حاجات كتير يا ماما، وعلشان كده أنا بقولك علشان لو حصل طلاق متستغربيش.
قالت منى بإصرار على موقفها:
-كل حاجة وليها حل يا بنتي لو في خلاف نقدر نحله واقعد أنا وجدك معاكي ونسمعكم، لكن الطلاق ده أخر حاجة بنلجأ ليها.
تمتمت أفنان بارتباك وانزعاج من فكرة أن الجميع يشعر بحبه لها رغم أنه لم يعبر عن مشاعره بأي شكل من الأشكال بل هو يفعل النقيض:
-يعني اكيد احنا حاولنا أكتر من مرة مع بعض بس الموضوع مش بينفع، يعني مفيش مشكلة أساسية بس احنا مش متفقين في العيشة مع بعض في أمور عادية…
هي لا تصدق أي كلمة تتفوه بها ابنتها الآن ورُبما ليس الآن فقط منذ عودتها هي وزوجها لا تصدق هذا كله ولكنها تحاول الاستمرار في أكذوبتهم…
-الكلام الخايب ده أنا مش بحبه، مدام الراجل محترم مرفعش ايده عليكي، لسانه مش عمال على بطال بيغلط، مش بيخونك، في أسباب كتيرة قطعًا لازم الست تطلق فيها، لكن في حاجات تانية مقدور عليها.
حاولت أفنان قول أي شيء:
-مش شرط في ناس بتطلق علشان هما مش مناسبين لبعض واكتشفوا ده بعد الجواز لأن العيشة مع بعض شيء ومعرفتهم ببعض قبل كده شيء تاني…
أردفت منى بعدم اقتناع:
-الكلام الخايب ده كلام ناس عايزة تخرب بيتها وحياتها ودلوقتي في بينكم ولد يا بنتي لازم تعملي حسابه علشان كده بقول أي حاجة ممكن تنحل…
قاطع حديثهم صوت طرقات الباب مما جعل منى تهتف:
-ادخل.
ولج داغر إلى الغرفة مبتسمًا والابتسامة تشق ثغره، مما جعل أفنان تنهض من مكانها عقب رؤيته وهي تشعر بالدهشة منذ أن أتى ولم ترى ابتسامته، لم تراها حتى منذ سنوات وليس الآن فقط…
هتف داغر بأدبٍ:
-ازيك يا ماما عاملة ايه؟!.
كان داغر معتاد على أن يناديها بلفظ “ماما” فهي من قامت بتربيته والاعتناء به منذ أن جاء إلى منزلهم…
وأثناء إجابة منى عليه كان سار عدة خطوات ووقف بجانب أفنان:
-الحمدلله يا حبيبي، أنتِ عامل ايه يا ابني؟!.
-بخير طول ما حضرتك بخير.
ثم وجه حديثه إلى أفنان بنبرة رقيقة لا تعتادها منه وقُبلة وضعها على جبينها جعلتها ترتعش:
-أيه يا أفنان فينك؟ قالب عليكي البيت لغايت ما أتوقعت أني هلاقيكي هنا مدام فهد بيلعب تحت.
لم تجد شيء مناسب تعقب به..
تلك المعاملة لا تفهمها…
ولا تصدقها ولا تستطيع أن تجاريه..
أردفت منى بنبرة لينة:
-اهي أخيرًا حنت عليا وجت قعدت معايا، ده احنا حتى كنا لسه جايبين في سيرتك.
تمتم داغر بنبرة عادية وفضول:
-جايبين في سيرتي أنا خير؟!.
هتفت منى بنبرة ذات معنى وهي ترمق ابنتها بنظرات غريبة:
-يعني كنت بسألها لو في أي مشكلة ما بينكم علشان كده بتنزل من الصبح وترجع بليل.
أردف داغر نافيًا وهو يحاوط أفنان بذراعه محكمًا يده عليها من ظهرها:
-أبدًا مفيش أي مشكلة يا ماما، كل الحكاية أن البلد وصحابي والناس كلها وحشاني لا أكتر ولا أقل، لكن مفيش بينا أي مشاكل خالص، مش كده يا أفنان.
عقبت أفنان بخوف فهي تخشاه بالفعل:
-فعلا مفيش مشاكل.
هذا الحديث المتناقض يؤكد صحة شكوك منى التي عقبت برفقٍ:
-ربنا يهدي سركم يا حبايبي.
تمتم داغر بنبرة هادئة:
-أنا هسيبكم لوحدكم بقا وامشي علشان ورايا مشوار؛ وان شاء الله هاجي على العشاء.
أردفت منى في حبور وحنان:
-بإذن الله يا حبيبي في انتظارك.
بعد تلك الكلمات رحل داغر، وبعد دقائق من رحيله كانت أفنان مازالت واقفة مما جعل منى تتحدث بلؤم:
-واضح اوي المشاكل اللي ما بينكم.
قالت أفنان بارتباك:
-مهوا يا ماما أنتِ عارفة داغر مش بيحب يقول اللي بيحصل ما بينا قدام حد، ولو عرفت أني حكيت ليكي حاجة هيضايق..
-هحاول اصدقك.
أردفت أفنان بقلقٍ:
-قصدك ايه يا ماما؟!.
-ولا حاجة يا حبيبة ماما، عايزاكِ تحافظي على نفسك وعلى ابنك وعلى جوزك لا أكتر ولا أقل ربنا يبعد عنكم الشيطان يا بنتي ويهدي سركم.
__________
في متجر خاص ببيع الذهب والمجوهرات، يملكه ياسين صديق مُقرب من كمال، يبلغ من العمر ثمانية وثلاثون عامًا، أرمل لديه طفلتين الكبيرة تبلغ من العمر عشر سنوات والصغيرة سبع سنوات، توفت زوجته أثر حادث منذ خمس سنوات تقريبًا ويقيم الآن مع والدته ووالده في منزل العائلة..
جاء كمال وولج إلى المعرض خلع نظارته الشمسية وكان أمامه يجلس ياسين وهو بين أصابعه قطعة ذهبية واليد الأخرى عدسة مُكبرة.
تمتم كمال بنبرة هادئة:
-السلام عليكم.
رفع ياسين رأسه ليترك ما بيده حينما علم من أتى ونهض من مكانه وتحرك بسرعة وحماس ليذهب ناحيته ويقوم بمصافحته:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ ازيك يا كمال؟!.
أجاب كمال عليه بابتسامة هادئة:
‐الحمدلله يا ياسين؛ أنتَ عامل ايه واخبارك ايه؟!.
-الحمدلله أنا تمام، اتفضل أقعد ده أنا لسه كنت هكلمك والله.
جلس كمال على المقعد ليجلس ياسين أمامه…
تحدث كمال بنبرة ذات معنى:
-ما أنا جيت علشان اللي كنت هتكلمني علشانه.
ضيق ياسين عيناه متمتمًا باستغراب:
-ليه أنتَ كنت تعرف أن مراتك كانت هنا؟!.
هز كمال رأسه ثم عقب بنبرة ذات معنى:
-ايوة ده أنا اللي مديها الإذن كمان…
استغرب ياسين من صديقه فحينما كانت تأتي فردوس منذ فترة طويلة لبيع شيء كان يتصل ليخبره ولكنها انقطعت منذ مدة طويلة، واليوم عادت وأتت مع صديقة لها، فظن أن كمال لا يعلم شيء…
ولكنه قرر أن يطلب لهما القهوة وبعد ذلك ليتحدثا وبالفعل جاءت القهوة، وأخذ يتناولها كمال أمامه
غمغم ياسين بنبرة عادية:
-على العموم انا شايل الحاجة زي ما هي بعلبتها، وكنت هكلمك علشان أقولك.
تحدث كمال بعبث:
-وكالعادة أنا هاخدهم.
لم يمنع ياسين نفسه من أن يعقب:
-بس غريبة يعني أنك المرة دي عارف وجاي لوحدك؟!.
تمتم كمال باختصار:
-يعني المرة دي هي بتعمل كده علشان عايزة تكمل تشطيب وفرش بيتهم، وهي مرضيتش أتكفل بالموضوع وهي عندية شوية، فقولت أوافق وخلاص…
كانت بالفعل فردوس تلك المرة تظن بأنه لن يذهب ليقوم بشراء ما أخذته لأنه وافق!.
هز ياسين رأسه بتفهم ثم تمتم:
-ماشي، بس على فكرة أنا بشكر مدام فردوس في كل الأحوال أنها بتخلينا نشوفك، يعني لولا الحركات دي الواحد ولا كان هيشوفك ولا هيلمحك.
-على رايك، بس اعمل ايه يعني، شوية في البنك وشوية في الشركة، غير البيت.
غمز له ياسين ثم أردف وهو يمزح معه:
-البيتين ياعم، وبعدين أنا واخد على خاطري منك، كده متعزمنيش في جوازتك أعرف زيي زي الغريب؟!.
شعر كمال بالحرج وهو يجيب عليه مفسرًا الأمر:
-زي ما أنتَ عارف الموضوع جه بسرعة وبعدين مكنش فيه فرح ولا حاجة ده مجرد بس كتب كتاب وكانت العيلة بس اللي حاضرة وكان ساعتها الدنيا مدربكة خالص.
أردف ياسين بتفهم وبنبرة مرحة:
-أنا بهزر معاك ياعم، ربنا يسعدك أنتَ تستاهل كل خير عمومًا.
ابتسم له كمال بألم فلا يدري لما لا يشعر بأنه حقًا يستحق كل الخير…
لما حتى الآن لا يشعر بأنه سعيدًا حتى بالرغم من زواجه من أخرى تكون برعايته وفعل كل ما يتمنى، تعطيه كل ما حُرم منه من اهتمام ورعاية، وتشعره برجولته بتصرفاتها دومًا ولكنه لا يشعر بالسعادة، انطفاء غريب يرافق روحه…
-سيبك مني، المهم أنتَ عامل ايه وبناتك عاملين ايه؟!.
تمتم ياسين برضا:
-الحمدلله بخير، كل أمورنا تمام، على فكرة فرح اخويا الشهر الجاي هستناك بقا.
-ان شاء الله..
ثم أسترسل حديثه بنبرة عملية:
-قولي بقا باعت ايه، وخدت كام علشان أحول ليك علطول..
-مستعجل على ايه، خليك بس قاعد معايا شوية واحشني والله الواحد مش عارف يتلم عليك..
____________
في منزل عائلة عادل النشرتي الجديد.
كان شريف يجلس مع هلال في بهو المنزل، بعد أن اطمأن على صحة عادل الذي ارتفع ضغط دمه في صباح يوم أمس، ووقتها اكتفى شريف بمحادثة هلال على أن يذهب له في الصباح واليوم كان في حالة أفضل وقام شريف بالقاء التحية عليه ثم هبط وجلس مع علاب
هتف هلال بنبرة هادئة وشاحبة فهو بمجرد أن يشعر بأن والده أو والدته في حالة مرضية كبيرة او صغيرة يشعر بالذعر والخوف..
-تعبت نفسك يا ثائر…
رُبما أكثر شخص أعتاد على مخطابته في أغلب الاوقات بثائر هو هلال، إلا حينما يشعر بالغضب من تصرفاته..
تمتم شريف بنبرة صادقة:
-تعبت نفسي ايه؟!!! أنتم اهلي يا هلال، ووقفتوا جنبي في عز ما كان مفيش حد جنبي، اللي عمله والدك علشاني أنا عمري ما هنساه لأخر يوم في عمري، وبعتبره زي أبويا بالظبط.
-وهو بيعتبرك زي ابنه، وأنتَ اخويا اللي عمري ما هتخلى عنه.
-ربنا يخليك ليا.
ابتسم له هلال وربت على كتفه ثم تحدث باستغراب:
-صحيح أيه اللي وداك المكتب امبارح؟! أنتَ عمرك ما بتجيلي على هناك ابدًا هو في العادة أنا اللي بلف وراك وبشوفك فين.
حك شريف مؤخرة رأسه وغمغم بنبرة مترددة حاول جعلها عادية:
-مفيش حاجة.
-لا ازاي؟! اكيد في حاجة خليتك تيجي المكتب علطول من غير ما تكلمني هو أنا هتوه عنك يعني؟!.
تمتم شريف بتردد كبير:
-يعني خليها وقت تاني أفضل.
غمغم هلال بإصرار وفضول:
-قول يا شريف علطول!!
-كنت عايزك في حوار يخص شمس.
تحدث هلال بضيقٍ:
-هو أنتَ لسه على علاقة بالست دي؟! وبعدين أنا هعملها ايه يعني أو اية علاقتها بيا؟!!!.
فجر شريف القنبلة من دون تفكير مما جعل هلال ينظر له مدهوشًا عقب كلماته:
-عايزك تعمل ليها بطاقة…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية