رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الرابع 4 - بقلم رحاب ابراهيم
وابتسم أشهد مرةً أخرى عندما لاحظ الصدمة الظاهرة على شقيقة “رقة” .. وتعجب بآنٍ واحد، المفترض أنها تعرف نتيجة مقابلة الأمس وتتوقع ما قاله!
ولكن تلك الصدمة توضح إنها لا تعرف أي شيء .. !
بينما ارتمت نيللي على مقعدها في ذهول، لم تشك لحظة واحدة أن تلك الخطوبة عبارة عن كذبة !
أما الآن فأشهد شاهين ذاته قد أكد الأمر أمام الجميع !!.
وكانت حالة كلا من رباب وكرما لا تقل عن نيللي من قوة الصدمة!..
أما شهد فقد دخلت بنوبة ضحك هيسترية وهي تشك أنها تحلم، فقالت لها صديقتها نور بذهول :
_ انتي كنتي بتكدبي عليا يا شهد ومخبية أن الخبر صحيح ! .. فهميني بقا ؟!
قالت شهد بعد موجة ضحك قوية :
_ مش لما افهم أنا الأول .. طب وربنا شكلي بحلم ودقيقة وهلاقي رقة بتصحيني وتقولي قومي يابت افطري وروحي الجامعة !.
قرصتها نور بغيظ في ذراعها وقالت :
_ لأ مش بتحلمي … أشهد شاهين قدامك بشحمه ولحمه وقال بلسانه أن اختك رقة تبقى خطيبته .. يا بنتي ده عارف حتى اسمك الخماسي واسم أختك !.
قطبت شهد جبينها من الحيرة والتساؤولات .. وقالت بصدمة :
_ طب أزاي ؟! إيه الواقع الجميل ده ؟!.
ولكن حينما وقعت عينيها على مظهر نيللي ورفقاء السوء وهن جالسون ووجوهن مسودة من الصدمة والحرج ضحكت شهد مرةً أخرى وهي تشير عليهن والفتيات حولها يخفين ابتسامتهن من مظهر نيللي وصديقتيها المثير للشفقة، ثم قالت لصديقتها نور بضحكة :
_ أنا مش عارفة هما التلاتة مصاحبين بعض أزاي ؟ … طايقين غتانة بعض أزاي مش قادرة افهم؟!
استدارت لها كرما وقالت بحقد :
_ صحاب وأخوات وهنفضل كده … مالكيش دعوة أنتي يا غلاوية !.
انفجرت شهد بالضحك وقالت بصوتٍ عال وبسخرية:
_ خنفسة شافت عيالها على الحيط .. قالت ده لولي وملضوم في خيط .. مثل اتعمل عشانكم والله.
وضحكت بسخرية ثم قالت بتحذير :
_ ما تسكتي أحسنلك ! .. هتتكبسوا اكتر من كده إيه؟!…
ارتفعت أصوات الضحك من الفتيات حول شهد وشاركتهن في ذلك، ولكن عندما رأت شهد أن أشهد قد نهض وقرر المغادرة بعدما صافح بعض هيئة التدريس نهضت وقالت بثقة وابتسامة واسعة :
_ أما أقوم أسلم على خطيب أختي … يـــا أشهد، يا جدع أنتظر ده أنا أخت رقوقة أجمل صدفة في حياتك …
وانفجرت شهد بالضحك عندما اشتد الغضب على وجه نيللي وصديقتيها، ثم ركضت خلف أشهد قبل أن يغادر، ولكن من سرعة خطواته وهو يتوجه خارجًا لم تستطع ملاحقته حتى توقف أشهد فجأة، ودهشت شهد عندما وجدت شقيقتها رقة تقف أمام مبنى الجامعة وعلى وجهها بعض القلق، إلًا أن هذا القلق قد تبدل بحمرة الخجل والحياء والأبتسامة المتوردة عندما وقعت عينان رقة على أشهد، والأخير قد قابلها بابتسامة لطيفة والصادم أنه ترك سيارته وتوجه نحوها !!… فغرت شهد فاها من الصدمة، ثم قالت وهي تغلق عينيها وتفتحها من الذهول :
_ أشهد شاهين والبت رقة أختي ! .. أزاي يا جدعان ؟!
اقتربت شهد منهما بخطوات بطيئة وهي فاغرة فاها كالبلهاء .. بينما وقف أشهد أمام رقة مبتسمًا وقال بلطف زائد :
_ اللي أنتي عايزاه حصل يا رقة..
ابتسمت رقة له ابتسامة صادقة نقية، وقالت بأمتنان وحياء أربك إجابتها :
_ كلمة شكرًا مش كفاية أبدًا ..
اقتربت شهد وقالت بذهول بوجه شقيقتها :
_ عملتيها أزاي دي؟!
قالت لها رقة بحياء وتورد وهي تتهرب من نظرات أشهد الصريحة لها :
_ هو ايه اللي أزاي ؟
وتابعت:
_ مالحقتش أقولك امبارح على اللي حصل يا شهد .. بس ..
قاطعتها شهد بعدم فهم :
_ أنتوا تعرفوا بعض من أمتى ؟ … وأنا اللي كنت فاكرة أن أول مقابلة ليكم كانت في حلمي ؟! ده أنا جالي ارتجاج في أفكاري !
ابتسم أشهد وقال :
_ عربيتي معايا ممكن اوصلكم ..؟
قالت شهد بابتسامة واسعة :
_ أحنا وصلنا فعلًا .. أنا مخي كان حاسس باللي هيحصل.
نظرت رقة بقوة لشقيقتها كي تتوازن أمام أشهد وقالت مبتسمة له :
_ مش عايزين نعطلك .. أحنا هنركب تاكسي.
نطقت شهد بغيظ :
_ محصلش .. قصدك أتوبيس النقل العام وهنقف في الآخر ..
وكزتها رقة بذراعها وتابعت حديثها لأشهد وقالت :
_ حقيقي متشكرين جدًا ليك ..
همست شهد بابتسامة جاهدت لتخفيها وقالت :
_ يا قلبي!!
فقال أشهد اخيرًا:
_ أنا موجود في أي وقت تحبي تقابليني فيه…
همست شهد لشقيقتها بشاعرية :
_ يوم ما تتقابلوا هاجي معاكوا ..
ابتسم أشهد ابتسامة ماكرة وابتعد وهو يعرف حق المعرفة أنها ستأتي له مرةً أخرى قريبًا، وقريبًا جدًا .. وبعدها ابتعد وغادر بسيارته .. أشارت شهد لشقيقتها” رقة” التي شردت عينيها بابتسامة عميقة وتتبعت خطوات أشهد المبتعدة وقالت :
_ وحدووه !!
انتبهت رقة بحرج وقالت :
_ لا إله إلا الله .. مالك في إيه يا شهد ؟!
غمزت لها شهد وقالت بمكر :
_ أنزلي بالطريقة والمقادير يابت، طلعتي مية من تحت تبن يا رقوقة .. ذوقك متكلف وعريض المنكبين وطالع من رواية حالًا.
ضحكت رقة وقالت :
_ تعالي نرجع البيت وهفهمك كل حاجة ..
وفي الطريق عند محطة الأتوبيسات الشعبية وقفت رقة أمام شقيقتها بدهشة، ويبدو أن شهد أخبرتها بما قاله أشهد في الندوة، بعد أن أخبرتها رقة بلقاء الأمس .. فقالت رقة بتوتر وارتباك :
_ بس أحنا ما أتفقناش أنه يأكد ؟! .. هو قالي هنهي الموضوع ده من غير ما حد يحس ! ..
ضحكت شهد وقالت :
_ كفاية هو حس ! .. أنتي ماشوفتيش تسبيله ليكي النهاردة ؟!.. ده لما شافك جري عليكي … هي دي الأختيارات النضيفة مش تقوليلي شوقي أبو حتة الجربان؟ … ده بقا مش حتة، ده التورته كلها ..
وابتسمت شهد ببهجة، وتسربت ابتسامة حالمة على وجه رقة قائلة :
_ هو معقول يبصلي أنا ؟ ..
أكدت شهد بثقة :
_ وهو ايه جابره يعمل ده كله؟ .. اكيد معجب، وعموما هنعرف قريب .. ما هو لو كده هيخطفك لعش الزوجية ومش هيستنى يا روقة.
تصبغ وجه رقة بحياءً شديد وعادت للمنزل مع شقيقتها والأمل والسعادة يداعبان قلبها ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
القت ” نهال” بنظرة نارية شرسة الجريدة التي نشر فيها خبر خطوبة أشهد شاهين على فتاة بسيطة .. ونهضت من مقعدها الجلدي بمكتبها في أحد فروع شركات زوجها، ثم ضربت يديها ببعضهما في غضب مميت وقالت :
_ لأ مش معقول يكون خطب .. مستحيل اسمحله يعمل كده.
وفكرت بشيء ثم توجهت إثره لهاتفها وأجرت اتصال سريع، وأجاب عليها أحد الرجال فقالت له بأمر :
_ عايزة تكذيب للخبر اللي اتنشر عن خطوبة أشهد شاهين بكرا الصبح ..
ضاق الرجل من أوامرها الذي لا تنتهي بخصوص هوسها بأشهد شاهين وترصدها لجميع أخباره .. فوافق على مضض ثم أنتهى الإتصال ..
ضربت نهال المكتب الخشبي بقدمها في غضب شديد، ثم صاحت بنظرة أنتقامية شرسة:
_ يا ويل أي واحدة تفكر تاخده مني ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عاد أشهد لمنزله باكرًا عندما هاتفته والدته وأخبرته بضرورة المجيء للمنزل لأمرًا هام .. وعندما دخل غرفتها وجد خالته سميحة وأبنتيها يجلسن بالغرفة .. فرمقته سميحة بحقد وقالت :
_ عاش مين شافك يا أشهد ! .. أنت نسيت أن ليك خالة ؟!
وانتبه أشهد للنبرة التهكمية بصوت خالته، فتجاهل الأمر وأجاب بثبات :
_ أنسى أزاي ! .. بس شغلي وأخد كل وقتي للأسف.
ابتسمت سميحة نصف ابتسامة ثم قالت بسخرية :
_ الف مبروك .. مش كنت تقولنا إنك هتخطب؟!
ابتسم أشهد بسخرية هو الآخر وقال :
_ كنت هقول للكل في الوقت المناسب.
نهضت من الفراش هدير أبنة خالته والتي كانت ستصبح عروسه المستقبلية وقالت بغيظ :
_ سبيه يا ماما هو حر .. بس يارب يكون عرف يختار المرادي !.
انتبه أشهد أنها تشير لماضيه مع نهال، فقال بهدوء ولم يسمح لتلك التافهة بإستفزازه :
_ شيء ميخصكيش !.
أحمر وجه هدير من الغضب وهتفت قائلة بنظرة تضخ كراهية:
_ شايفة يا خالتو رده؟
قالت مشيرة لها بتعجب :
_ وهو قالك إيه بس يابنتي ؟!..
ابتلعت هدير سيل من الكلمات الجارحة عندما نظرت لها أمها بعصبية لتصمت، بينما تجاهلهم أشهد تمامًا وقال لوالدته :
_ مضطر أرجع الشغل تاني يا أمي.
اعترضت مشيرة وقالت :
_ طب خد أجازة بس النهاردة !!
رد أشهد بجدية :
_ مش هينفع والله .. عندي شغل كتير.
فقالت مشيرة مرةً أخرى بنظرة قويةً له :
_ طب أنا عايزة أشوف البنت اللي كلمتني عنها .. وبالمرة وخالتك والبنات هنا نتعرف عليها كلنا.
ضيّق أشهد عينيه بصمت، ثم قال وهو ينظر لأبنتي خالته بحدة :
_ هي مشغولة الفترة دي .. كام يوم وهجيبهالك لحد عندك.
كادت أن تعترض مشيرة وتصرّ على رأيها، إلّا إن شقيقتها سميحة قالت وهي تنظر له بتحدٍ:
_ سبيه براحته يا مشيرة .. على العموم أحنا قاعدين معاكي كام يوم أنا والبنات ..
رماهن أشهد بنظرة قوية حادة لمعرفته مدى مكرهن وحقدهن، وبتلك اللحظة دخل شقيقه حازم وهو يسرع نحو أمه التي طلبت مجيئه هو أيضاً، فأتى إليها ملهوفا قلقا على صحتها، ولكن عندما رأى خالته وأبنتيها التوت زاوية فمه بغيظ وقال :
_ أخبار صحتك إيه يا حجة ؟
تدخلت نيرمين شقيقة هدير الصغرى وقالت معلّقة لمشاكسته :
_ حجة !! .. في حد يقول لمامته يا حجة ؟!.
وضحكت ضحكة سمجة كعادتها عندما تراه، و رد حازم بعصبية وصاح :
_ وأنتي مال أهـ..
وبتلك اللحظة كتم أشهد فم شقيقه حازم لكي لا يكمل كلمته التي كانت ستغضب والدتهما المريضة وضغط بيده على فم حازم، ثم نظر له بقوة ليتحكم الآخر بغضبه، وبعد دقيقة ابعد أشهد يده وتنفس حازم بعصبية وقال مشمئزًا:
_ خفة الدم مش بالعافية والله.
قابلته نيرمين بتحد وقالت بابتسامة صفراء لخالتها مشيرة :
_ وحشتينا أوي يا خالتو من الأجازة اللي فاتت.
أبعد حازم عينيه بعصبية عنها وتمتم ببعض الشتائم التي لو كانت سمعتها أمه لظلت تصرخ فيه لساعاتٍ، فقال أشهد بجدية :
_ بعد اذنك يا أمي مضطر أمشي ..
وخرج من الغرفة تحت نظرات أمه المعترضة، وخرج خلفه حازم سريعا وقال بعصبية :
_ أنا مش عارف أمك بتحطنا في المواقف المهببة دي ليه ؟! … عاجبها إيه في الملزقين دول ؟! أشكال تسد النفس !
رد أشهد عليه بتحذير :
_ ما تتهورش يا حازم دول في بيتنا وبعدين تعالى معايا على المكتب أنا عايزك في موضوع أهم.
وبمكتب أشهد في منزله استند حازم بظهره بجانب المدفأة الخشبية القديمة الطراز، قال بفضول :
_ قولي في إيه ؟
روى له أشهد الصدفة الذهبية التي أوقعته بتلك الفتاة الساذجة وشقيقتها، فدهش حازم للحظة ثم قال بضحكة عالية:
_ بقا هو ده السبب !! … يعني بسببي البت دي حلمت أنك بتخطب أختها !.. ومش بعيد تكون حلمت إني خطبتها ماهي زاطت بقا !.
ابتسم أشهد بمرح وقال :
_ صدفة عبيطة بس جت في مصلحتي في الوقت الصح
قال حازم وهو يبدي موافقته على الأمر :
_ فعلًا دي أنسب واحدة تقوم بالمهمة دي .. لا هتبتزك بعدين ولا هتجرأ تقول الحقيقة في يوم من الأيام .. بس بالنسبالي بقا .. إيه ؟ .. البنات اللي أعرفها مستحيل اخطب واحدة فيهم ولو حتى بالكدب ! .. ما تشوفلي البت أختها دي ونخلص مرة واحدة.
فكر أشهد قليلًا ثم قال :
_ أنا فكرت في أختها شهد فعلًا، بس دي ما تنفعكش نهائي.
تعجب حازم وسأله بفضول:
_ ليه يعني ؟!
ابتسم أشهد وقال بمزاح :
_ نسختك بس على بنت .. مستفزة ولسانها أطول من برج أيفل، أنت ما شوفتش كلمت البنات اللي متخانقة معاهم في الجامعة أزاي .. أنتوا ما ينفعش حتى تسلموا على بعض من بعيد مش تتخطبوا ..!
رد حازم بابتسامة واثقة:
_ مش معايا يا برو، ده أنا أقطم رقبتها، أخوك مش سهل.
قال له أشهد بموافقة رأيه:
_ ما هو عشان عارف كده بقولك ما تنفعكش .. أحنا عايزين نخلص الموضوع ده ونخلص من بنات خالتك من غير مشاكل وأمك ما تحسش بحاجة .. لو كشفتنا هتعند وهتسيبلنا البيت ومش هترجع إلا واحنا متجوزين بنات خالتك بالإجبار.. أنت متخيل حجم الكارثة اللي هنتحط فيها لو كشفتنا!!.
زفر حازم بضيق وهو يفكر من أين سيعثر على الفتاة المناسبة لتلك المسرحية الهزلية !. .. فقال أشهد بجدية :
_ أنا عايز اعرف شوية معلومات عن البنت اللي هتبقى خطيبتي ..
قال حازم بسخرية :
_ اسمها وعنوانها بالضبط وساعة زمن وسيرتها الذاتية هتكون عندك يا برو.
أخبره أشهد عن اسمها كاملًا والعنوان الذي أخبره به سائقه عندما اقلها للمنزل بالأمس ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أعدت رقة غداءً سريع وقالت وهي تبتلع اللقيمات بعجالة:
_ هخلص أكل وأقوم اروح المصنع الحق نص اليوم حتى ، مع أن ورايا هدوم كتير عايزة تتخيط على المكنة .. مش مهم لما أجي أبقى اخلصهم بليل.
قالت شهد وهي تأكل قطع البطيخ بشهية :
_ هو أنتي هيكون فيكي حيل توقفي بعد ما ترجعي من الشغل ؟ .. معلش .. بكرا تتجوزي أشهود ومحدش يبقا قدك.
توترت رقة واخفت ابتسامة قائلة بسخرية :
_ بطلي تحلمي بقا … بس تعاليلي هنا ، هو مش المفروض إن الحلم كان لينا أحنا الاتنين ؟ .. أومال صاحبتك دي مسكتش في الجزء بتاعي انا بس ليه ؟!.
ضحكت شهد وقالت موضحة :
_ ما هي جت متأخر .. لقطت آخر الفيلم اللي كنت بحكيه للبت نور صاحبتي .. ياريتها يأختي كانت جت من الأول وجرجرتني معاكي في الكذبة العسولة دي.
شاركتها رقة في الضحكات حتى انتبهت شهد لمقطع أغنية شعبية شهيرة بفقرة غنائية أتت بالتلفاز، ونهضت دون مقدمات ورقصت عليها، ضحكت عليها رقة وقالت وهي تنهض وتستعد للخروج بعجالة وصوتٍ عال :
_ ابقي شيلي الأكل وخلي بالك لما بتاع الأنابيب يعدي خدي منه أنبوبة، أنا قيلاله امبارح يحجزلنا واحدة.
وافقت شهد وهي تتحرك راقصة وقالت ضاحكة:
_ ماشي … دي باينلها هتزهزه وهتحلو يا بتوت.
خرجت رقة من المنزل وهي تضحك، وظلت شهد تتمايل على الأنغام الراقصة بحرفية.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
خرج حازم من سيارته بتلك المنطقة التابعة للعشوائيات وهو يغلق هاتفه بعدما وصله كافة المعلومات عن الشقيقتان الذي عرف للتو أنهما توأم .. ونظر بتقطيبة للمبنى القديم الذي تقريبًا آيل للسقوط … ولإن الكثير من سكان المنطقة أصبحوا يعرفونه كان يفر الكثير من أمامه هاربين .. سوى بعض الصغار الذين يمرحون ويلعبون بالحجارة والالعاب البسيطة .. وحينها وقفت عربة مسطحة وعليها عدد قليل من أنابيب الغاز، وتفاجأ حازم بأن الولد ذو الخمسة عشر عام الذي يقبض بيده مفتاح فضي وكان يطرق به على الأنابيب ليعلن وصوله ويبيع أنابيب الغاز ينظر له برهبة وخوف، وفجأة ركض الولد وترك تلك العربة وما عليها وهرب!… نظر حازم للولد وحفظ ملامحه ليبحث عنه لاحقا .. بينما عاد بنظره للمنزل القديم بتفكير..
وهنا أتى طفل صغير إليه وقال بكلمات متقطعة :
_ خالتي رقة قالتلي قبل ما تمشي لما بتاع الأنابيب يجي .. خليه ينزل أنبوبة في المدخل .. عشان شهد مش فاضية وبتذاكر فوق.
نظر حازم للصغير بنظرة ماكرة وقال :
_ يعني هي مشيت وأختها اللي هنا !.. وخالتك رقة دي ساكنة فين ؟
أشار الصغير للطابق الثاني من المنزل القديم وقال قبل أن يركض بعيدًا :
_ هنا ..
نظر حازم لشقة الطابق الثاني مفكرا بشيء، فحمل أنبوب غاز على كتفه والمفتاح المعدني ولم يكتفي بوضعها بالمدخل .. بل صعد لتلك الشقة ..
وعندما صعد وجدها الشقة الوحيدة بالطابق، ويصدر من خلف بابها أصوات موسيقى عالية بعض الشيء، فوضع الانبوب على الأرض وأقترب من الباب، ثم نظر من خلال ثقب بلوح الزجاج المكسور بعضه خلف الباب الخشبي للشقة … وتسمر للحظات حتى ابتسم بمكر وهو يراها .. وقال :
_ هو ده ذوقي ..
وقرر أن يطرق على الباب، ولكنه لم ينتبه أن المفتاح المعدني بيده وعندما أطرق به على الزجاج ولا زال ينظر لها من خلال الثقب، وقعت القطعة المتبقية من اللوح وأصبحت شظايا مبعثرة محدثة صوتا مزعجا مهيبًا … صرخت شهد عندما انتهبت للزجاج حنتى وجدت وجه رجل غريب خلف الباب وينظر لها مباشرة غير مكترثا بما حدث .. ضغطت شهد على أسنانها بعصبية وذهبت سريعا لتأتي بحجاب طويل تلفه حول رأسها وهي تهتف عاليا :
_ طب استناني لما أطلعلك.
ورغم تفاجئ حازم مما حدث ولكنه وقف غير مباليا أو قلقا .. وبعد دقيقة فتحت شهد الباب بإسدال الصلاة وعلى رأسها حجاب آخر طويل يضم وجها صغيرًا أسمرا بشكل مضحك .. ضحك رغما عنه وهي تهتف به وتصيح بالشتائم .. فقال معتذرا بابتسامة حاول أن يخفيها :
_ لمي لسانك انا هصلح الأزاز اللي اتكسر ، مع أنه اصلا كان مكسور.. بس يعني ده جزائي أني طلعتلك الأنبوبة ؟!
نظرت له شهد من أعلاه لأسفله ولملابسه الأنيقة التي لا تمط لمنطقتهم بصلة وقالت بعصبية :
_ وأنت حد كان ندهلك ولا عبرك وقالك طلعها ! .. بس قصره ، دخلها وركبها عشان مابعرفش اركب أنابيب وأختي مش هنا ..
نظر لها حازم بغيظ، ثم حمل الأنبوب وكاد أن يدخل الشقة، فأوقفته شهد صارخة :
_ أنت رايح فين يجدع أنت ؟!
صاح حازم بوجهها بعصبية :
_ أنتي مجنونة يابت ؟ .. مش انتي اللي قيلالي ادخلها وأركبها ؟!
اشارت له بتحذير وقالت :
_ أوقف عندك يا جدع، انت رايح فين؟! .. لما أنادي على حموكشة يدخل معاك ..
قال حازم مستفسرا :
_ مين حموكشة ده ؟ ..
صاحت شهد بهذا الاسم، حتى وجدت طفلا ذو عشر سنوات يركض على الدرجات ويقف أمامها قائلًا :
_ أؤمريني يا باشمهندسة ..
أخفى حازم ابتسامته الساخرة وتمتم :
_ وأنا شاهد.
نظرت شهد لحازم بغيظ ثم قالت للطفل :
_ أدخل معاه يا حموكشة ركبوا الأنبوبة .. وخلي بالك يا ولا ..
سخرت نظرة حازم منها وود لو يضحك، ثم دخل وبدأ بتركيب الأنبوب، وبعد الأنتهاء جرب أستخدامها واخرج ولاعته .. فصرخ الطفل حموكشة وقفز خارجا من المطبخ عندما ظن أنه سيجرب فوهة الأنبوب وليس البوتجاز نفسه فصاح :
_ البيت ولع ، البيت ولع .. يمااااا
صرخت شهد وهي تركض للمطبخ ولكن رأت حازم منفجرا بالضحك وهو قد أتمم مهمتة ويشعل عين البوتاجاز بأمان .. فصرخت به :
_ الله يخربيتك كنت هتولع فينا ؟!
قال حازم بين ضحكاته :
_ هو ده حموكشة اللي بتتحامي فيه ؟ .. ونعم الاختيار .
صرخت شهد بعصبية وقالت :
_ ده أنت غتيت ومعندكش دم .. كنت هتولع فينا وبتضحك ؟! .. يا برودك يا دي الجدع!!
بدأ حازم يفقد أعصابه فأشار لها وقد تجهمت ملامحه بغضب :
_ قولتلك لمي لسانك أنتي ما تعرفنيش !! .. أنا اللي مسكتني عليكي إنك بنت .. لكن هتغلطي بالمفتاح وعلى نفوخك !.
توجست شهد منه حقا ولكن أخفت ذلك وقالت بنظرة جادة :
_ ما خوفتش !
القى حازم المفتاح من يده بعنف، وقال عندما لمح علبة القهوة :
_ أنا قاعد تحت على ما اجيب حد يصلح الإزاز اللي اتكسر ده .. اعمليلي قهوة ..
وابتعد عنها وتوجها خارجًا، وعندما أستدار فجأة وجدها تقلد حركته وهو يتحدث بغيظ، فرماها بنظرة واسعة عنيفة، ثم استدار وخرج من الشقة مبتسما.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
جلس أشهد في مكتب مفكرًا بتعابير جامدة، قد لاحظ الإعجاب الواضح بعينان تلك الفتاة والذي بسهولة سيتحول لحب إن أراد ذلك .. فقال مبتسما بسخرية :
_ لسه في حد في الدنيا بالسذاجة دي ؟!
وكان سينتظر بعض الوقت ليعرض عليها الصفقة، ولكن أمه قد ضيقت عليه الوقت ، فتنفس بعمق وقال وهو ينظر لساعة يده:
_ مافيش وقت قدامي … خلينا نخلص !
وعند المساء ..
دخل أشهد سيارته وتوجه نحو عنوان المصنع التي تعمل به تلك الفتاة .. لابد أن يعقد تلك الصفقة اليوم وينتهي من الأمر … وعند وصوله لتلك المنطقة العشوائية وجد صعوبة في الدخول بسيارته الفارهة ..
فخرج من السيارة ونظر للمكان حوله بإشمئزاز ، حتى وجد اسم المصنع الذي أخبره به شقيقه بمكالمة هاتفية منذ ساعات على بُعد مترات بسيطة، وعلم أيضا أنها الآن لا زالت بالعمل، فتوجه نحوه مباشرةً دون تردد ..
وعندما وقف أمام المصنع الذي يبدو عليه وكأنه منذ عصور وسطى ببساطة أمكانياته وقدم المبنى … انتبه لصوت رجل يهتف بالداخل ونطق اسم رقة ضمن حديثه !! ..
انتبه أشهد للأمر واقترب من نافذة خشبية مفتوحة قليلًا قريبة منه، ونظر من خلالها للداخل … واتسعت عينيه عندما وجدرقة تجلس بأحطى الزوايا منكمشة على نفسها وتبك بحرقة وبعض الفتيات ينظرن لها بعدم اكتراث، والبعض الآخر يضحكن !
بينما بالداخل كان يصيح رئيس العمال بها خصيصا منذ أن أتت للعمل متأخرة وتشرد كثيرًا اليوم .. وما أن صاح بوجهها فبكت مثل عادتها بزاويتها الخاصة … ضغط أشهد على أسنانه غاضبًا ولم يتردد وهو يدخل المبنى متوجها لذلك الرجل خصيصًا من بين الجميع وأمام الجميع ….!
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية كسرة وضمة وسكون) اسم الرواية