رواية ديجور الهوى الفصل الخامس 5 - بقلم فاطمة طه
اذكروا الله🩷
دعواتكم لأهلكم في غزة..
___________
أبحثُ عن أيِّ شيءٍ يُداوي، يُزيلُكَ.. يمحوكَ من خاطري
– مظفر النّواب.
لا تتعلَّق بأحدٍ إن استطعت، وإن لم تستطع مرِّن نفسك على الخسارات قبل أوانها.
-سعود السنعوسي
تودُّ لو أنّ الحياة أخف من هذا الثقل كلّه؛ لكنّها سفر، والسفر مظنّة المشقّة استغفرالله حتى يُزاح عنّا الثقل
حتى تخف النفس وينشرح الفؤاد.
#مقتبسة
____________
-أنتِ بتهزري يا شمس صح؟! قولي أنك بتهزري وأنا هعديها عادي بس بلاش…
قاطعته شمس في نبرة جامدة وهي تمضغ العلقة في فمها فهي قد قررت هدم المعبد بأكمله فليعلم حقيقتها فهي لن تكن له في كل الأحوال هي ليست راقصة فحسب بل هي امرأة تجهل عائلتها وأصلها لا تعرف من الحياة سوى والدتها وزوجها الذي يقوم باستغلالها كما يريد:
-لا رقاصة بجد، عيب عليك يا ثائر ده أنا حلفت ليك، رقاصة بس محدش يعرف في المنطقة علشان السمعة وكده أنا قولت ليك أنتَ علشان نكون واضحين مع بعض، رقاصة بقالي خمس سنين بس بحاول أحترف أخر سنة بس الظروف مش مساعدة أدعيلي بقا…
مازال ثائر لا يستوعب ما سمعه أبدًا..
بالتأكيد هي تمزح ليس إلى هذا الحد…
ينظر لها كالأبلة مازال يحاول ترجمة ما سمعه منها…
بالتأكيد هذا ليس حقيقي أبدًا أنه شيء لا يستوعبه…
أردفت شمس في سخرية من قدرها:
-أنا بحبك يا ثائر ومحبتش راجل غيرك وطبعا بعد اللي عرفته أنا مش هنفعك ولا أحنا ننفع لبعض ومش هينفع أماطل معاك أكتر من كده، وأنا متأكدة أنك هتلاقي غيري قريب تقعد معاها شوية وهتسيبها بعدين، ومعلش اني ضيعت وقتك معايا.
أكدت الأمر أكثر من مرة ولكن وجهه كان مذعورًا وقلبه غير مصدقًا لما يسمعه..
-أنا مش مستوعب اللي بتقوليه ولسه متعشم تكوني بتهزري.
بكل هدوء وجدية لم تستعملها إلا معه أجابته:
-لا أستوعب ساعات بتكون الحقيقة أصعب من أننا نتحملها وبعدين يعني مالها الرقاصة…
تحدث ثائر بكلمة واحدة وهو ينظر لها نظرات أربكتها فهو بدأ يستوعب بأنها بالتأكيد لا تمزح كل هذا الوقت:
-اسكتي أحسن متنطقيش.
نهض وترك نقود على الطاولة وهو يدفع الحساب فهو لن ينتظر النادل، ترك النقود دون قول أي كلمة ثم غادر، ولم تكن هي في الواقع لديها الجراءة لتجعله تتوقف…
أحسنتي يا شمس قد هدمتي المعبد فوق رأسك………
كان هذا هو خطابها لنفسها…
_____________
-ما تبطلي بقا عياط من ساعة ما جيتي وأنتِ عماله تندبي انزلي المحل بتاعك وشوفي الزباين أحسن مش هيبقى خراب من كله، مش كفايا اللي عملتيه في الفندق؟!.
قالت سوسن تلك الكلمات ثم استرسلت الحديث في سخرية:
-بقا يا بنت الموكوسة تقعي على راجل عقر زي ده وتروحي تقوليله أنا رقاصة؟! وفي الأخر راجعة تعيطي وتندبي في حظك ما أنتِ اللي عماله تخربيها من كل الاتجاهات بتقفليها علينا من كل حتة.
غمغمت شمس في غضب وهي تشير إلى ذاتها:
-لا كان المفروض أقوله أنا مدرسة دراسات صح؟!.
تنهدت شمس ثم أسترسلت بضيقٍ:
-أما هو قعد يتني ويتفرد عليا علشان عندنا بيوتي سنتر وعايزني أسيب الشغل وأروح أعمله رابعة العدوية وأقعدله في البيت شهرين يتمتع بيهم معايا ويروح راميني زي الكلبة صح؟!.
شهقت سوسن من تصرفات ابنتها ثم صاحت بانفعال:
-مش أنتِ اللي كنتي بحبه يا ماما وملكيش دعوة يا ماما، دلوقتي بقا كخة، وبعدين أنتِ عارفة إني رافضة جوازك من الاول لو اتجوزتي هيجي راجل يقولك رايحة فين وجاية منين ومش هنعرف نشوف شغلنا الأساسي.
ابتلعت ريقها ثم أسترسلت حديثها بجدية:
-بس لما عرفت أن الواد اللي اسمه ثائر ده شكله متريش ومعاه فلوس وكده كده الجوازة مش هتكمل قولت وماله تتجوزيه تقلبيه في قرشين وترجعي لكارك تاني خصوصا ان الفترة دي شغلك هيكون صعب بعد اللي هببتيه.
قهقهت شمس بألم..
يبدو أن والدتها مصممة أن تجعلها أداة للمتعة أمام الرجال التي تشاهدها أثناء رقصها في الملاهي الليلة ومؤخرًا بعض الافراح والحفلات، والآن تريدها أداة للمتعة تحت مسمى الزواج، يبدو أن هذا هو مقامها أمراة للمتعة ليس أكثر من ذلك…
صاحت شمس في غضب:
-في حاجة شكلك نستيها أني معيش بطاقة ولا أي إثبات شخصية ولا ليا أهل ولا غيره كنا هنحلها ازاي دي بقا؟!.
-نشوف أي حد يضرب ليكي بطاقة وكنا هنتصرف بس خلاص بعد أيه بعد ما خربتيها من كل الاتجاهات وقعدتي على تلها.
يبدو أن خيالها العاطفي الجامح وحبها العجيب وتلك المشاعر التي تتواجد بداخلها جعلتها تظن أن تصلح زوجة له…
يا لكِ من حمقاء يا شمس..
كانت هناك الكثير من الأحاديث التي تدور في عقلها ولا تصرح بها.
أردفت شمس في ضيقٍ شديد:
-انسي ثائر يا سوسن انسيه ثائر بعد اللي عرفه مش هيقبل يخليني خدامة عنده حتى، خلينا نكمل شغلنا زي ما احنا وخلاص في البيوتي سنتر وان شاء الله تتحل في حوار الفندق ده.
قاطعنها سوسن وهي تصيح في غضب:
-ولو الراجل ده فضحنا في الحتة ده احنا جايين هنا وعاملين البيوتي سنتر وبنداري وراه وأنتِ بكل غباء روحتي تقوليله انا رقاصة معرفش فخورة ليه ولا كأنك سفيرة في الأمم المتحدة…
-ما خلاص بقا مش هيفتح بُقه ريحي نفسك وسبيني لوحدي…
تركتها والدتها متأففة وهي تلعن ابنتها التي تقوم بأفساد كل شيء…
يينما شمس ظلت تلوم نفسها يا ليتها لم تخبره ليس لأنها تريد الزواج منه ولكن على الأقل لم يكن ينظر لها بتلك النظرات لكان ظل يحترمها حتى قليلا…
____________
-ثائر، ثائر..
أنتفض ثائر من شروده أثناء جلوسه على الأريكة منذ أن عاد إلى المنزل وهو على تلك الحالة، وكانت أفنان تشعر بأن هناك شيء عجيب في شقيقها شيء لا تفهمه.
-في أيه يا أفنان هو انا في الشارع اللي ورا؟!.
جلست أفنان بجانبه على الأريكة وهي تتحدث في استغراب:
-هيكون في أيه يا حبيب أختك؟! أصلك من ساعة ما جيت وأنتَ سرحان خالص حتى مقولتليش عملت أيه مع شمس، وافقت على الجواز ولا لسة معصلجة، ده أنتَ كنت نازل متحمس أوي…
لوى فمه بتهكم…
نيران مشتعلة به، أكثر أمرأة شعر بانجذاب نحوها، تكن راقصة؟!!!….
عشقها بالفعل، أكثر من أي امراة تزوجها، حسنًا جانب سئ منه يخبره بأنه لأنه لم يحصل عليها لذلك يشعر بتلك الرغبة لها…
لكنه نفض تلك الأفكار فهو عشقها حقًا…
كيف يقع في عشق راقصة؟!..
راقصة؟!!..
عقله لا يستوعب أبدًا ما أخبرته به حسنًا يدرك بأنها فتاة مدللة ترتدي أحيانًا ملابس لا تعجبه تظهر خصلات من شعرها، وتصرفات سيئة لا تروق له…
لكنه كان يلتمس لها العذر ويظن أن هذا حدث من التربية التي تلقتها من والدتها العجيبة التي لا تعجبه وكذلك زوج والدتها….
لكن لم يفكر أبدًا بأنها قد تكون راقصة…
رغم قسمها مازال يظن أنها تمزح معه بكل تأكيد…
وسوف تتصل به لتخبره بأنها تمزح معه لا أكثر..
“يا إلهي سأصاب بالجنون”…
تحدثت أفنان مرة أخرى:
-ثائر أنا بكلمك يا حبيبي..
خرجت منه تنهيدة متعبة ثم قال:
-معاكِ يا حبيبتي معاكِ؛ شمس موافقتش أنها تتجوزني وخلاص موضوعنا أتقفل.
تمتمت شقيقته في عتاب:
-مهوا كله من السمعة اللي طلعتها على نفسك، أي واحدة بتقرب منك بتكون عارفة أنها كلها كام شهر وتطلق، وأكيد هي خافت.
مسكينة شقيقته!!
هكذا كان يفكر تظن أن المشكلة كلها في سمعته…
تحدث ثائر في تهكم:
-أه فعلا هي خايفة من سمعتي، متجبيش سيرتها يا أفنان، شمس انتهت كأني مكنتش أعرف واحدة اسمها شمس أصلا حتى لو شوفتيها في الشارع متسلميش عليها أنتِ فاهمة؟!..
أستنكرت أفنان حديث شقيقها هاتفة:
-لدرجة إني مسلمش عليها؟!!.
-أيوة للدرجة دي اللي أقوله يتسمع.
نظرت له أفنان في استغراب برغم كل ما مر عليهما إلا أنها لأول مرة تشعر بأخيها بأنه حزين وهناك شيء بداخله يكتمه وبشدة، هناك شيء لا يريد إخبارها به…
الأمر ليس رفض شمس فهي رفضت الزواج منه من قبل ولم يمر بتلك الحالة…
حاول ثائر الحديث بنبرة مرحة ولكنها خرجت منه أبعد ما يكون:
-متقلقيش على أخوكي مش هغلب كلها يومين وهتلاقيني داخلك بواحدة جديدة.
سألته أفنان سؤال بسيط:
-أنتَ كويس؟!.
هز ثائر رأسه بإيجاب كاذبًا ولم تصدقه على أي حال ولكنها حاولت تغيير الموضوع متمتمة:
-أنا عايزة أسافر وأزور أمي بقالي كتير مشوفتهاش وفي نفس الوقت مش هعرف أسافر بعد طلاقك علشان فهد مش هتقدر عليه لوحدك وعلشان شغلك.
-استني شوية ما أنتِ كنتي لسه هناك قريب، مينفعش كل شوية تسافري هيشكوا وكمان لازم قبلها نقول لداغر علشان يبقى معانا على الخط.
هتفت أفنان في ألم وذنب رهيب يلاحقها:
-أنا السبب…
قاطعها ثائر بصرامة:
-قولتلك يا أفنان أياكِ تنطقيها تاني أو تفتحي الموضوع ده ولا تقولي كده الموضوع ده اتقفل من سنين.
هزت رأسها في إيجاب وهي تمسح دموعها بأناملها وهي تقول:
-أنا خايفة أوي يا ثائر مش عارفة أعيش عمري كله كده، وخايفة أكتر من داغر، داغر لو عرف اللي أنتَ عملته هيولع فينا ومش هيسكت.
أردف ثائر بثبات:
-متشليش هم حاجة يا أفنان طول ما أخوكي على وش الدنيا قومي يلا أغسلي وشك كده وحضري الغداء قبل ما فهد يجي، وكله هيتحل ان شاء الله
____________
بعد مرور عدة أيام…
في الشرقية.
طرقات متأففة على باب غرفتها، قد تكون أحيانًا طريقة دق أحدهم الباب تعبر عن حالته المزاجية والنفسية، أعطت منى الأذن إليها لتدخل قائلة:
-ادخلي يا فردوس.
ولجت فردوس إلى الغرفة بابتسامة باهتة حاولت رسمها، فكيف تكون سعيدة وهي تعلم كل العلم بأن كمال ذهب لمقابلة أمرأة أخرى لطلب الزواج منها، كان في بعض الأحيان توفيق يلمح به الأمر ولكنها لم تتخيل أنه سيقوم بالتنفيذ حقًا، قد هانت عليه…
ألا يشعر بها؟!
ألا يشعر بالالام التي تتواجد بداخلها؟!
ألا يعلم بأنها تدعي القوة فقط…
لكنها ليست قوية لو كانت كذلك لكانت ابتعدت عنه منذ زمن بعيد.
تمتمت فردوس بنبرة رسمية وهي تتحدث كالانسان الآلي:
-حضرتك طلبتيني.
أغلقت منى المصحف المتواجد بين يديها والتي كانت تقرأ فيه قبل إتيانها ووضعته بجانبها على الفراش متمتمة مداعبة أياها:
-أصلي لما سألت عليكي قالولي انك في أوضتك أستغربت أنك مش ماسكة في أي حد وبتعملي خناقة معاه؛ وكمان في أوضتك ملكيش حس يعني ولا بتيجي تشقري عليا.
غمغمت فردوس بهدوء وهي تجلس على طرف الفراش محاولة قول أي سبب أو حجة رُبما تستطيع الهروب بها من هذا السؤال:
-مفيش تعبانة شوية عندي برد من تغيير الجو، حضرتك عاملة ايه؟!.
قالت منى بنبرة عادية:
-اهو كويسة الحمدلله، اديني قاعدة مستنية اللي يخش يقعد معايا، عارفة أنا قلقت على نفسي يا فردوس.
سألتها فردوس باهتمام وهي تنظر لها بعدم فهم:
-ليه بس يا طنط؟! حصل أيه؟!.
تحدثت منى بمرحٍ:
-خوفت لما مبقتيش تيجي أنك تكوني ضمتيني للقائمة السوداء بتاعتك.
أبتسمت فردوس بهدوء على دعابتها ولكن لمحت منى حزن عميق في عيناها، حزن حقيقي لم تستطع إخفاءه أو ادعاء ما هو عكس ذلك كما تفعل أو لأن تلك الغرفة يتواجد بها شخص لا تستطيع الكذب عليه فهي تشعر بها..
تمتمت منى مسترسلة حديثها:
– أنتِ زعلانة علشان كمال رايح يتقدم لواحدة النهاردة؟!.
الدموع ترقرقت في عيناها ولم تستطيع الصمود ولكنها قالت بإنكار مناقض لحالة وجهها الشاحبة:
-لا أنا هزعل ليه أنا أصلا مستغربة أنه مراحش عملها من زمان، هو حقه يتجوز عادي.
عقلانية وتفكير سليم يحترم ولكن ما تلك الدموع التي تمردت وظهرت على وجهها؟!….
غمغمت منى بنبرة حانية وهي تربت على فخذي فردوس:
-مراحش عملها من زمان علشان كان مستني تحني عليه ولو لمرة واحدة تظهري نيتك أنك بتحاولي تنسى اللي فات اللي هو ملهوش ذنب فيه.
-ذنبه أنه ساعده يهرب، هو ليه ذنب.
ثم قالت بنفاذ صبر:
– ومين قالك أني مبحاولش؟! بحاول مع نفسي ألف مرة في اليوم مش مرة واحدة أني أقنع نفسي أن مش هو اللي قتله واني بحبه بس بخاف اقتنع وفجاة ألاقي نفسي كارهة كل حاجة أكتر من الأول.
تمتمت منى بهدوء:
-ما تروحي لدكتور نفساني يا بنتي يساعدك علشان نفسك مش علشان حد، أنتِ نفسيتك تعبانة يا حبيبتي.
أردفت فردوس باستنكار رهيب:
-يعني أنتِ شايفاني مجنونة؟!.
عقدت منى حاجبيها وقالت في تهكم:
-أنتِ هتعملي زي الناس الجهلة طب الكلام ده ممكن جيلنا يقولوا لكن المفروض أنتِ لا، بجد فكري في الموضوع يمكن نفسيتك تتحسن يا بنتي.
أردفت فردوس بنبرة مقتضبة حتى تنتهي من النقاش في تلك النقطة:
-حاضر هفكر.
ثم سألتها بتلقائية ليست لعلاقتها القوية جدًا بأفنان أو أي شيء أخر لكن الأمر كله أنها أرادت تغيير الموضوع:
-مفيش أخبار عن أفنان مقالتش هتنزل اجازة امته؟! والمرة دي داغر هينزل معاها ولا لا؟!.
تحدثت منى بنبرة عادية:
-قالتلي أنها لسه مش عارفة هتنزل اجازة امته ومسألتهاش على حوار داغر ده ربنا يهديهم وخلاص، البت دي محيراني والله يا فردوس طول عمرها ساكتة كده ومبطلعش الكلام أو اللي جواها بسهولة حتى كل ما أسالها في مشكلة بينك وبين داغر مثلا عرفيني تقولي مفيش حاجة.
-هي أفنان طول عمرها كتومة.
عادت منى إلى أساس الحديث:
-ها قولتي أيه؟!.
ضيقت فردوس عيناها وأجابت بعدم فهم:
-قولت أيه في أيه؟! أنا مالي أنا بعلاقة أفنان بجوزها.
تحدثت منى ساخرة:
-افنان وجوزها ايه بس، أنا قصدي هتعملي أيه مع كمال لما يرجع، مش المفروض تعرفيه أنك زعلانة، وأنك مش عايزاه يتجوز عليكي وأنك اتهبلتي اما زغرطتي.
-لا طبعا، مش هقوله حاجة أنا بفك معاكي بالكلام فمتندمنيش، خليه يعمل اللي هو عايزه لما نشوف ضرتي هتكون مين؟! متشوقة أتعرف عليها أوي متعرفيش رايح يتقدم لمين بالظبط يمكن أطلع أعرفها؟!.
تلك المرأة مجنونة حقًا تقسم منى بهذا…
___________
يجلس كمال على الأريكة بينما داليا تجلس على المقعد المتواجد قبالته، داليا تبلغ من العمر تسعة وعشرون عامًا، خريجة من كلية العلوم عملت بعد تخرجها في أحدى معامل التحاليل، ولكن تركت العمل بداية من مرض والدتها وتفرغت لرعايتها هي ووالدها، كونها الأبنة الصغرى..
كان كمال يجلس يفكر هو مازال يفكر فهو أنساق وراء فكرة عمه “بكر” وجده أيضًا الذي شجع الفكرة؛ هل حقًا الخطوة هذه صحيحة؟!!!…
تركهما جده، عمه وشقيق ووالد داليا للجلوس بمفردهما والحديث بحرية فهذه هي جلسة التعارف الخاصة بهم.
تنحنح كمال ثم قال بنبرة هادئة:
– أيه الأخبار؟!.
تحدثت داليا بصوت خجول:
-الحمدلله.
حاول كمال الحديث في أي شيء:
-عدى كتير أوي على اخر مرة شوفتك فيها تقريبًا.
لقد مرت سنوات حقًا أبتسمت داليا بخجل مغمغمة:
-فعلا.
لا يدري هل هو يتحدث بفظاظة أم بصراحة مطلقة:
-طبعا والدك وأخوكي قالولك إني أتقدمت ليكي، أنتم جيرانا من زمان وعارفينكم وأنا سامع عنك كل خير وكنتي ترشيح عمي بصراحة.
بعد أن قال تلك الكلمات أبتلع ريقه ثم أسترسل حديثه في جدية:
-أنا حابب أن قعدتنا مع بعض نكون صُرحة في الكلام وفي رأيك عني وعن أي حاجة أو حتى رفضك، مش حابب أن يكون في مجاملة أو على الأقل كسوف لأننا ناضجين بما فيه الكفاية ولا أيه؟!.
من الممكن لو أن رجل أخبر فتاة تقدمت لخطبتها في الرؤية الشرعية بتلك الكلمات كانت تشعر بقلق طفيف ولكنها أعجبت بطريقته فهي تفضل الوضوح في كل شيء فهو أفضل الحلول وأقلها خسائر…
تمتمت داليا بنبرة هادئة وواثقة:
-معاك حق، وأنا برضو بحب الوضوح وعلشان أكون صريحة معاك لما عرفت أنك اتقدمت ليا قلقت بصراحة علشان جوازتك الأولى واللي حصل فيها، بس قولت لنفسي إني مش لازم أخدك بذنب حد، وبصراحة بابا وعزت بيحبوك أوي وهما اللي اقنعوني أني أقعد معاك القاعدة دي.
أبتسمت كتعقيب على جملتها الأخيرة..
هتف كمال باستغراب:
– تجربتك الأولى وهي طلاقك خلال فترة كتب كتابك ده مش عيب، عادي تجربة زي أي تجربة متخلكيش توافقي تقعدي مع واحد متجوز وأنتِ مقلقه منه كمان.
-معاك حق.
ابتلعت داليا ريقها ثم قالت بوضوح:
-أنا أطلقت قبل الفرح علشان موقف وخلافات عائلية مش مهم تعرفها لأنه موضوع وخلص وده كان من خمس سنين، بس دلوقتي زي ما أنتَ عارف بابا وماما ملهمش غيري انا واخويا وأنا عايزة أتجوز لأنها سنة الحياة مش أكتر، اللي خلاني أقعد معاك أن ظروفك مناسبة ليا لو حصل قبول ووافقت.
ضيق كمال عيناه وسألها باستغراب:
-ظروفي مناسبة معاكي ازاي؟!
بكل صراحة كانت تجيبه وتفسر له وضعها ورغبتها الشخصية:
-أنا مش عايزة زوج متفرغ ليا طول الوقت لأني مش هكون شخصية فاضية له طول الوقت، أنا اللي براعي والدتي وكمان والدي سنه كبير حتى لو في حد في البيت بيعمل الحاجات المعروفة أنا محتاجة أكون موجودة، كونك متجوز أكيد الأسبوع هيكون متقسم ما بينا.
لاحظت نظراته المذهولة فقالت داليا في توتر:
-أنتَ قولت عايز الصراحة وأنا صريحة معاك.
غمغم كمال في نبرة عادية:
-صراحتك أنا بحترمها بس شايف أنك تعيدي تفكير في وجهة نظرك عموما.
-كل واحد أدرى باحتياجاته ورغباته وأولوياته في الحياة، اعتقد حضرتك فهمت دماغي، أنا عايزة أعرف أنتَ عايز تتجوز تاني؟! ومراتك عارفة؟!.
تمتم كمال بضيقٍ حينما تذكر فردوس:
-هي عارفة اني هتجوز، وموافقة، أما أنا عايز أتجوز تاني ليه؟! صراحة سؤال إجابته صعبة بس باختصار أقدر أقولك أني عايز استقرار وعايز أخلف.
حاولت هي تخمين الباقي…
يبدو أن علاقته بزوجته ليست جيدة من أجل تلك الحادثة، ولكن لما بقيت على ذمته؟!
بالتأكيد علاقته معها جيدة ولكن من الممكن أن هناك بعض الخلافات تلك الأيام…
سألته داليا بجراءة لابد منها:
-هي فردوس مش بتخلف؟!.
تمتم كمال باقتضاب دون الخوض في تفاصيل:
-هي مش حابة أنها تخلف.
جاء شقيقها من الداخل من الشرفة التي يجلس فيها الحاج توفيق وبكر مع والده شاعرًا بأن الجلسة الأولى وقتها قد انتهى تقريبًا:
-داليا ماما جوا عايزاكي.
هزت داليا رأسها بتفهم ثم رحلت بعد أن ألقت التحية كانت تشعر بأنها تريد الجلوس مرة أخرى معه على الرغم من حديثهما القاسي بعض الشيء والواضح…
لكن حديثه كان لغز لم تفهمه…..
ولكنه أثار بداخلها رغبة غريبة في اكتشافه.
___________
في المساء بعد عودته من مقابلة داليا…
أخبرته الخادمة بأن والدته في انتظاره وأخبرته بأن فردوس وضعها ليس جيد على الإطلاق فليذهب ويتحدث معها…
نفذ رغبة والدته ورُبما في الوقت نفسه رغبته رُبما مازال قلبه المسكين ينتظرها أن تتراجع، دق الباب ولم تجب عليه فولح إلى الغرفة ليجدها مستلقية ونائمة على الفراش شعر بالاستغراب فهي لا تنم مبكرًا إلى تلك الدرجة فمازالت الساعة لم تتخطى العاشرة مساءًا…
لا يدري هو أنها تناولت احدى الإقراص المنومة حتى تذهب في النوم دون أن تفكر في أي شيء…
أقترب منها وجلس على الفراش متأملًا أياهاا بألم عاشق…
مهما تفعل له يظل لا يتخلص من شعوره وحبه لها، يتمنى أن يخبره أحد عن أي طريقة أو وسيلة تجعله يتخلص من عشقه لها…
كاد أن يرفع يده ليغلغل أصابعه في شعرها لكن لفت نظره شيء غريب يظهر طرفه من أسفل الوسادة ليمد يده ويلتقطه ليشعر بالصدمة….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية