رواية سيف الفصل الخامس 5 - بقلم مريم محمود
كُنت بقدم رجل وبأخر التانية، خايفة، ومتوترة، ومرعوبة، لحد ما وصلت للمكان اللي رايحه ليه، وبمجرد ما شوفته مقدرتش أمسك نفسي، قعدت على الأرض وأنهارت من العياط!
مش مستوعبة إني واقفه قدام قبرها، قبر مريم، اللي طلعت أمي ومكنتش أعرف عنها حاجه طول السنين دي، كُنت فاكرة إن كل اللي كُنت فيه مجرد حلم، بس ياريته كان حلم، على الأقلل كُنت هشوفها، وأحضنها وأرجع أقعد معاها!
كُنت دائمًا بهتم بنظرات الناس، بس دلوقتي حاسه إني مش شايفه حد، بدأت صوت شهقاتي تعلى، بقول كلام مش مفهوم، بعيط بصوت عالي وأنا مش فارق معايا كلام حد، مش شايفه قدامي حاجه غير خسارتي، معشتش مع أمي ولا أتربيت في حضن أهلي.
بدأت أَمَشي بإيدي على اسمها المكتوب على باب قبرها، مليش صور معاها ولا أي ذكريات تفكرني بيها، مسحت دموعي وأنا بفتكر صدمتي لما عرفت إنها أمي وسيف أبويا..
Flashback
– ايوا عارفه بقول إيه، بقول الحقيقه اللي فضلت كتماها جوايا، سيف كان قبل ما يموت بساعات كان بيفضي أوضة في شقته، كان بيفضيها عشان عرف إن مراته حامل، وبعد ما مات حمايا جاب مريم تعيش معانا في بيتنا القديم عشان يحافظ عليها وعلى اللي في بطنها، اللي هي أنتِ!
صرخت فيها – أنتِ أكيد أتجننتِ، أنتِ مستوعبة اللي بتقوليه!
عمي أتكلم – اللي بتقوله هو الحقيقه يا مريم، أنتِ مش بنت أخويا، أنتِ بنت مريم وسيف، اللي هي تبقى بنت عمي.
بصتله وأنا مش قادرة أستوعب أي كلمة من اللي بسمعها!، حاسه إني عايشه في وهم، كل اللي حواليا مش حقيقي، رجعت مرات عمي كملت كلامها
– حمايا الله يرحمه ويسامحه لما عرف إن أمك حامل، خاف الخبر يوصل لحد من عيلة سيف وياخدوا مريم تعيش معاهم، لأن ساعتها عمك اللي يبقى أخو جوزي مكنش لسه ظهر، وخاف يوصلها عن طريقهم، ساب بيته وراح أشترى بيت تاني يعيشوا فيه، اللي هو كان بيتنا قبل ما ننقل هنا، وبعدها حمايا وصله خبر موت عمك، ومكنش إنتحار زي ما حازم لسه قايل كان مدمن وأخد جرعة زياده هي اللي موتته، وبعد موته مريم كانت بترجع شقتها كل فترة، حملها كان صعب وخلفتك بدري، وبعد ما أتولدي بشهرين كانت سيباكِ عند حمايا وراحت تجيب حاجات من شقتها، حصل ماس كهربي في الشقه وماتت.
عمي كمل بعدها – بعد موت مريم، أنا رجعت الكويت عشان شغلي ومعرفتش أنزل تاني وأنتِ عيشتي هنا مع أبويا، وأبويا عملك شهادة ميلاد جديدة، وقال إنك بنت ابنه اللي مات، مكنش عاوز حد يعرف إن ابنه كان مدمن وقاتل!، وقدملك على المدرسة بالشهادة اللي معاه، وبعد ما مات كان صعب عليا أغير كل ده وأروح لأهل سيف بعد ١٠ سنين أقول ليهم دي بنت ابنكوا، أنا لو كنت موجود وعارف إن أبويا كان هيعمل كده كنت همنعه بس للأسف أنا نزلت بعد موته، بس شهادتك الأصليه موجوده معايا، اللي مكتوب فيها اسمك الحقيقي، مريم سيف منير.
بمجرد ما نهى كلمته حسيت إن كل حاجه اسودت قدامي، مش شايفه حد ولا حاسه بحاجه!
معرفش عدى قد إيه، بس مكنتش حابه أفتح عيني تاني وأرجع أواجه الحقيقه من تاني، حقيقة إني طلعت وهم، طلعت مش موجودة!
كُنت رافضة الكلام، أو بمعنى أصح مش قادرة أتكلم!، ماسكة صورتهم بتفرج عليها ودموعي على وشي، ازاي أعيش عمري كله شايله اسم اللي قتل ابويا؟، ازاي هونت عليهم طول المدة دي وأنا مخدوعه؟، الباب أتفتح ودخلت منه مرات عمي، أتجاهلتها ورجعت بصيت للصورة، قعدت على طرف السرير وأتكلمت:
– الحكاية دي ظالمه اوي، ظلمتك وظلمت أمك وأبوكِ، حمايا كان تفكيره وحش، مكنش بيفكر في نواتج أفعاله، ولا إن هيجي يوم وتكتشفي إنك أتخدعتِ في كل حاجه في حياتك، حتى اسمك!
فضلت باصه على الصورة ومردتش عليها، رجعت كملت كلامها
– بس أعتقد إن جه الأوان اللي تروحي تزوري فيه قبر أمك الحقيقي؟
Back
مسحت دموعي اللي زادت بعد ما أفتكرت، بعد ما قالت جملتها لبست وجيت أزورها، مكنتش قادرة أتخيل إن أول مرة أروح أزورها فيها هتكون في قبرها!
كانت أول ما ظهرتلي كنت خايفة من وجودها ومش فاهمه كل ده ليه لحد ما أكتشفت الحقيقه، وياريتني ما أكتشفتها ولا دورت وراها، ياريت فضلت طول الوقت معاها، أسمع صوتها، أحضنها، حتى لو كان وهم، بس على الأقلل تبقى موجوده معايا.
حاسه إني خسرت كل حاجه في حياتي، ولا معايا شهادة أعرف أشتغل بيها، ولا بيت أقعد فيه، ولا أي حاجه، بيت!
كانت واقفه ورايا، أتلفت ليها وسألتها:- هو عمي أشتري الشقة اللي إحنا فيها ازاي؟
جاوبت ببساطة – كانت معروضة للبيع وسعرها كويس، بس ليه؟
– الشقه اللي أنتوا قاعدين فيها دي بتاعت أهل سيف، أهل أبويا.
مبانش على وشها الصدمة – طب كويس إنك عارفة.
– وأنتوا كنتوا عارفين؟
– في الأول لأ، بس أنتِ اللي عرفتينا بغبائك، كُنت داخله أصحيكِ من النوم ولاقيت حاجه مرمية تحت السرير، ولما فتحتها شوفت صور سيف ومريم، أستغربت، نزلنا أنا وحازم وعرفنا من البواب إن دي تبقى شقة أهله واللي قدامها شقتهم، وحكالنا قصتهم، بس فيه حاجه مش فهماها، أنتِ عرفتِ قصتهم منين عشان تيجي تسألينا عليهم؟
رجعت قعدت على الأرض مكاني ورديت من غير ما أبص عليها:- مش لازم أشرحلك كل حاجه.
مشينا بعد العصر، ماشية طول الطريق بفكر هعمل إيه في حياتي، هفضل عايشه مع عمي بعد اللي عرفته؟ فكرت أروح لأهلي بس يا ترى هيصدقوني ولا لأ؟ غمضت عيني وسندت على شباك العربيه، بحاول مفكرش ومش عارفه، فوقت على صوت وقوف العربيه قدام البيت، نزلنا أنا وهي وقبل ما نطلع وقفتها بسؤالي
– ليه كانت معاملتك معايا وحشه كده طول السنين اللي فاتت؟، طالما أنتِ عارفه كل ده ليه سبتيني أعيش معاكوا وأنتِ مش طيقاني؟، مصعبتش عليكِ خالص؟، كُنتِ بتشوفيني بروق بيتك وأغسل المواعين وأنضف أوضة بنتك، طالما أنا تقيله عليكِ كده مارجعتنيش لأهلي ليه؟
قربت مني وأتكلمت – كل اللي شوفتيه ده ميجيش حاجه جمب اللي أنا شوفته، تعرفي يا مريم إن زمان وأنا صغيرة كُنت بشتغل إيه؟ كُنت بشتغل عند أمك، كانت بتطلع عيني وتبهدلني، أستحملت قرفها ودعلها عشان لقمة عيشي، كُنت بقول لنفسي إني هبقى أحسن منها، وبقيت، حازم شافني وأتجوزني وعملنا فرح والناس كلها شافته، مش زي أمك، حطيت إيدي في إيد حازم وكبرنا بعض وعيشنا مرتاحين، ولحد دلوقتي مرتاحه، كفاية إني كل يوم بشوف الشقة اللي النار مسكتها وولعت في مريم معاها.
مسكتها من هدومها وأنا بصرخ فيها – أخرسي، إياك تنطقي بكلمة تانيه على أمي، أنتِ فاهمه!
نفضت إيدي من عليها – اللي شوفتيه مني قليل أوي على اللي حصل معايا، ولعلمك حازم كان يقدر يوديكِ لأهلك وأنتِ صغيرة وكانوا هيصدقوا، أنا اللي رفضت، لما تيجي الفرصة قدامي إني أنتقم من كل اللي مريم عملته فيا أضيعها بإيدي، ده أنا أبقى متخلفه!
مسكت إيدي بقوة وطلعت على الشقة، وبمجرد ما دخلنا فكيت إيدي عنها، وقبل ما أتكلم نطقت هي:- تاخدي هدومك وماشوفش وشك تاني في البيت ده، أنتِ فاهمه!
– مش من حقك، ده بيت أبويا لو كُنتِ نسيتِ، وحتى لو عمي أشتراه من حقي أقعد فيه.
ضحكت بسخرية – ده كان زمان قبل ما عمك يكتب الشقة بإسمي.
جرتني وراها وهي داخله أوضتي وكملت كلامها:- يا تاخدي هدومك قبل ما يبقى ليا تصرف تاني، وأنتِ عارفه أنا أقدر أعمل إيه.
فضلت متابعاها بنظراتي لحد ما خرجت من الأوضة، قعدت على السرير بغضب وأنا بفكر هعمل إيه، بعد دقايق كُنت بدأت أوضب هدومي، ومكنتش محتاجه وقت كبير لأنهم مكنوش كتير، أخدت ألبومات الصور والمذكرات والبرڤان بتاع سيف، خرجت من الأوضة وكانت قاعدة في الصالون وبتشرب من فنجان القهوة بكل هدوء، وقبل ما أمشي لفت نظري الورق اللي على الترابيزة، وقبل ما أسألها أتكلمت هي:
– دي شهادة ميلادك وعنوان أهلك في الفيوم، روحيلهم وياريت منشوفش وشك تاني، بس تفتكري هيصدقوكِ؟
نهت جملتها وهي بتضحك بسخرية، أخدت الورق وحطيته في الشنطه وخرجت من الشقة، وصلت للمدخل وخرجت من العمارة وقبل ما أخد خطوة كمان وقفت مكاني ومعرفتش هروح فين، قعدت على الرصيف وحطيت الشنطه جمبي وأنا بفكر في مكان أروحه، مليش أصحاب أقعد عندهم ولا أقارب، فتحت الشنطه وعديت الفلوس اللي محوشاهم وكانوا قليلين جدًا وأنا معرفش المشوار من هنا للفيوم هيكلف كام، رجعت حطيتهم مكانهم وبصيت قدامي بإحباط!
قعدت أفكر كتير لحد ما قاطع تفكيري صوت جه من ورايا، صوت مألوف ليا وكأني سمعته قبل كده، بصيت ورايا وكان…
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية سيف) اسم الرواية