رواية ديجور الهوى الفصل السابع 7 - بقلم فاطمة طه
اذكروا الله
دعواتكم لأهلكم في غزة💜
_________
” أنا هادئ جدًا، لتأتِ الشهور والسنوات، فهي لن تأخذ شيئًا آخر مني، لم يعد بإمكانها أن تأخذ شيئًا مني؛
أنا وحيد، ولم يعد لديّ أمل ”
— إريش ريمارك
يمضي الإنسانُ عمرَه على أملِ أنْ يعيشَ سعيدًا، لكنه في الواقع أقصى ما يبحثُ عنه أنْ يعيشَ مطمئنًا.
– غادة الصالح.
كُل ما يحتاجه ذلك القلب لينبض من جديد هو تلك الملامح الهادئة وتلك العيون الناعسة التي تحمل حبات البُن داخلها وابتسامة خفيفة تُعيد لي رتابة أنفاسي..
-مؤمّل عَدنان
___________
-وأنا بعشق الوضوح وسمعت أنك بدوري على حاجة طول اليوم فكنت جاي ارجعهالك.
شهقت فردوس وهي تجد (المُسدس) متواجد بين يديه وقد أسودت عيناه بشكل مخيف…
حسنًا كلمة مخيف كلمة لا تصف ذرة مما تشعر به…
أبتلعت فردوس ريقها ثم غمغمت في إنكار شديد:
-أنا بصراحة مش فاهمة أيه اللي أنتَ ماسكة ده؟! وقصدك أيه؟!
بهدوء مخيف أجاب عليها كمال:
-ماسك اللي أنتِ بدوري عليه طول اليوم زي الفرخة الدايخة كده وعماله تسألي مين اللي دخل أوضتك.
-أنا مكنتش بدور على حاجة ومش فاهمة أنتَ عايز توصل لأيه.
تجاهل سخافتها وهو يجيبها ساحبًا أياها من يدها ناحية غرفتها:
– لو شغلتي الجزمة اللي في دماغك لمدة دقيقة واحدة بشكل منطقي كنتي عرفتي أن مفيش حد دخل أوضتك غيري ولا ايده وصلت لمخدتك غيري.
حسنًا تتفق معه من داخلها يبدو أنها حمقاء كيف لم يخطر في عقلها بأنه هو من فعلها؟!!!!.
سألته بكل وقاحة:
-وأنتَ أيه اللي جابك أوضتي من أساسه.
فتح باب الغرفة ودفعها للداخل بعنف فهو يريد أن يعطيها جائزة ويقوم بتكريمها من أنها بدأت في النجاح بتحويل الرجل الهادئ الحكيم إلى ثور.
تأوهت وهي تتمالك نفسها حتى لا تسقط بسبب دفعه لها وهي تراقبه أثناء غلقه للباب ووضعه للصندوق على الطاولة…
وأخذ يقترب منها بضعة خطوات بثبات مخيف، تقسم بأن كل ذرة من داخلها ترتعش الآن….
هتف كمال بنبرة مرعبة:
-أنتِ عايزة توصلي لأيه يا فردوس؟!.
أجابته فردوس بجحود وهي تنظر إلى داخل عيناه بقوة زائفة:
-أنتَ عارف ومش محتاجة أعيد وأزيد، وأه يا كمال المسدس بتاعي.
أغلق قبضة يده بعنف رهيب هو يمنع نفسه حقًا من سحق عظامها وقتلها، يمنع نفسه بصعوبة من أقتلاع خصلاتها من مكانها وأرتكاب افعال جنونية….
-أنا مش هسألك جبتيه منين وازاي لأن متأكد أي أجابة هتقوليها هتخليني أكسر عضمك ومخليش فيكي حتة سليمة يا فردوس خوفًا عليكي مش هعوز أعرف جبتيه منين وازاي خوفًا عليكي من اللي هعمله فيكي لو سمعتك.
أين ذهبت شجاعتها؟!!!!..
لما لم تخبره بأنها قامت بالتدريب عليه أيضًا، وتخبره بكثير من الأشياء التي تفعلها من خلفه دون علمه…
تبخرت شجاعتها حتى أنها بدأت تتجنب النظر إلى عيناه السوداء القاتمة.
غمغم كمال بنبرة لا تقبل النقاش:
-من هنا ورايح رجلك مش هتخطي برا باب البيت يا فردوس، ولا هتشوفي الشارع لأن كان غلطي من البداية اني سيبتك على راحتك، خروج مش هتخرجي والاسطوانات الفارغة بتاعت مش هأكل في البيت مش هتنيل في البيت تنسيها، خروج مش هتخرجي.
صرخت فردوس في غضب:
-أنتَ مش هتمنعني أعمل اللي انا عايزاه ولا أنا جارية عندك علشان تحبسني.
نعم هو يريد سجنها خوفًا من جنونها..
خوفًا مما توصلت إليه يا ليته يستطيع أن يسجنها بعيدًا عن أفكارها حتى.
-طول ما أنتِ على ذمتي أنا من حقي أعمل فيكي اللي يعجبني.
ولأول مرة تنطقها وكأنها تريد الهرب…….
الهرب من مشاهدة حفل زفافه:
-لا وأنا مش هقبل بكده وطلقني.
صرخ بها في صوت جهوري أهتزت أثره:
-أنا مش تحت أمر جنابك وقت ما تعوزي تفضلي على ذمتي تفضلي ووقت ما تعوزي تطلقي تقولي طلقني، انسى كمال اللي كان مستحمل كل حاجة وبيقول بكرا هتفهمي، بكرا هتقدري، بكرا هتعقلي، بكرإ هتهدي بس واضح أن بكرا مبيجيش كل يوم دماغك بتخرب عن اليوم اللي قبله.
خرجت منها ضحكة ساخرة وهي تقول:
-خلاص أنا الشيطان اللي في القصة دي؟!.
-لا الشيطان هو اللي ماسك دماغك ومش سايبها في حالها يا فردوس يا خسارة كل يوم عن التاني بتموتي أي أمل في قلبي.
غمغمت فردوس في جمود:
– ده أحسن وأفضل، خلي أي أمل جواك يموت أساسا فردوس ماتت من سبع سنين ماتت يوم ما حسن أتقتل مفيش أي أمل.
تحدث كمال في وضوح:
-أنتِ اللي موتيها يا فردوس ياريت تصدقي الحقيقة دي وأنا بحاول أحميكي..
ضحكت ساخرة مقاطعة أياه:
-بتحميني من مين؟!.
-من نفسك.
ثم أنهي نبرته العاطفية متحدثًا بنبرة جادة:
-اللي قولته يتنفذ الكلام خلص ولو جدعة وعايزة تعرفي وشي التاني بجد فكري تعتبي برا باب البيت وساعتها متلوميش غير نفسك.
أنهى حديثه ثم أخذ الصندوق وغادر الغرفة…
___________
تحدثت سوسن بانفعال غير موافقة على هذا الأمر:
-ازاي توافق على اللي هي عايزاه ده؟! ازاي نعزل ونمشى من هنا؟!.
أخذ عبدة نفس من سيجارته المشتعلة بين أصابعه وهو يغمغم:
-وطي صوتك، البت مبقتش صغيرة يا سوسن، ومينفعش نسكتها بكلمتين خصوصا أنها بعد ما اللي اسمه ثائر ده عرف حقيقتها وهي بقت بتلعب على المكشوف مش فارق معاها حاجة، وكمان القرش جري في ايديها من مدة طويلة وبقت عارفة حقها فين وحقها أيه
ابتلع عبده ريقه ثم غمغم بخبث:
– وبعدين أحنا عايزين البت تحترف كل ما تعلى هنعلى معاها ما أنتِ امها حبيبتها وأنا في مقام أبوها برضو.
هزت سوسن رأسها في عدم ارتياح وهي تقول:
-مش مرتاحة يا عبده مش مرتاحة، قلبي مش مطمن، خايفة يعرف طريقنا بعد السنين دي كلها.
-الموضوع ادفن من زمان يا سوسن متشغليش بالك أنتِ وبعدين حتى لو عزلنا ياستي اكيد الشقة هتبقى باسمي لأن هي معهاش حاجة تكتب عقد بيها ومحدش هيعرف يوصلك عن طريقي ودي حاجة فات عليها كتير اوي زمانه نسي أصلا، وبعدين يا ست الكل الموضوع مش هيكون في يوم وليلة هنعزل يعني دي حاجة هتاخد وقت، هو عبده عبيط يعني؟!! أنا عارف أنا بعمل أيه كله هيتحل وبعدين متشغلش بالك يا قمر أنتَ بأي حاجة خالص
نظرت له سوسن في عدم اقتناع، فهي لا تشعر بخير أبدًا قد يحدث، غمغم عبده بنبرة هادئة:
-يارب الموضوع اللي هببته بنتك ده يعدي بسرعة علشان ترجع تشتغل تاني ومتبقاش سابقة ليها.
___________
دخل بكر مكتب والده ليجد من يجلس بداخله على الأريكة هو كمال..
تحدث بكر بعد أن أغلق الباب خلفه وجاء ليجلس على المقعد:
-أنتَ اتخانقت مع محمد ليه؟!.
غمغم كمال في نبرة منزعجة بعد أن لوى فمه بتهكم:
-هو لحق اشتكى ليك؟!.
نظر له بكر نظرات غير مقتنعة وتظهر عدم رضاه بهذا التعقيب فغمغم كمال بانفعال فهو منفعل من كل شيء بسبب تلك المرأة:
-الأستاذ على قلبه مراوح لو حصلت مشكلة زي ما حصلت ساعة الفوج اللي فات الشركة دي مش هتقوم ليها قومة تاني، بعد اللي شريف عمله أحنا فضلنا أربع سنين بنحاول نقوم الشركة بعد ما سيرتنا بقت على كل لسان ولسه يدوبك بدأنا نشم نفسنا من سنتين، فشغل البرود ده مش نافع، الشركة فيها اللي مكفيها.
قد يبدو محقًا ولكن بالتأكيد ليس هذا السبب الأساسي فهذا الوضع أعتاد عليه الجميع منذ سنوات حتى بات يعتمد توفيق نفسه مصادر أخرى للدخل كالاراضي الزراعية وكم عقار يمتلكه بقوم بتأجيرهم والبناء في وشراء الأراضي والبناء فوقها…
فكان بكر يرى بأن هناك شيء أخر رُبما هذا الشيء هو “فردوس”.
ولم يخب ظنه حينما قال كمال مغيرًا الموضوع:
-المهم في موضوع لازم تعرفه أنا قولت لكل اللي في البيت وأنا بقول لحضرتك كمان فردوس متخرجش برا البيت لأي سبب.
ضيق بكر عيناه وسأله بعدم فهم فهو لأول مرة يتخذ قرار أو إجراء هكذا دومًا كان يترك لها مطلق الحرية للخروج والتنزة حتى لا تشعر بالأكتئاب:
-ليه يعني حصل أيه لكل ده؟! أنتم اتخانقتوا تاني ولا أيه؟!.
هز كمال رأسه في إيجاب وهو يعقد ساعديه بملل؛ فأردف بكر في استغراب:
-ليه حصل أيه جديد؟!.
أردف كمال في نبرة مختنقة:
-هي كل شوية بتبهرني كتر خيرها بأن عندها الجديد كله، وأن مهما أقول مش هيبقى فيه جديد بلاقيها جابت حاجة من تحت الأرض تدهشني بيها، مش عايز أتكلم هبقى أقولك بعدين.
أخذ بكر يسأل نفسه…
هل انزعجت من فكرة زواجه مرة أخرى؟!..
لكن لو كان كذلك، لكان فرح كمال كالمعتوة فهو يدرك بأن تلك السنوات لم تمحي عشقها بداخله، ولكن يبدو أن الأمر خطيرًا أو أكبر مما يظن.
حاول بكر تغيير الموضوع متمتمًا:
-ها طيب هنعمل ايه في موضوعك مع داليا؟! أنا كلمت أبوها من شوية علشان أساله على ردهم قالي أنها عايزة تقعد معاك مرة كمان.
حقًا هذا الأمر كان ينقصه…
نظر له كمال في بلاهة مما جعل بكر يتحدث في تهكم:
-ما ترد عليا أنتَ هتفضل باصصلي؟!.
غمغم كمال بعد تنهيدة طويلة:
-مش عارف بس بصراحة مستغرب أنها عايزة تقعد معايا تاني أنا بعد اللي قولته ليها أفتكرت انها هتتراجع هي منطقها غريب شوية.
أردف بكر سائلا أياه بصراحة:
-يعني أنتَ مش حاسس من ناحيتها بقبول؟!.
قال كمال بصدق:
-حاسس بقبول عادي هي شخصية كويسة يعني محسيتش بأي أحساس وحش وأنا قاعد معاها بس هي منطقها غريب أنها عايزة تتجوز حد مش متفرغ ليها وكلام من ده تفكيرها غريب يعني.
غمغم بكر بهدوء ونبرة حانية:
-أقعد معاها مرة كمان وشوف أنتم ملحقتوش المرة اللي فاتت.
-ان شاء الله.
________
في اليوم التالي..
دقات لحوحة على الباب كصاحبتها…
فأذنت لها فردوس الجالسة على الفراش عاقدة ساعديها بملل رهيب يقتلها فهو منع خروجها تمامًا وباتت تنفذ أمره وتقبع في غرفتها وحيدة ترغب في الابتعاد عن الجميع حتى نقص وزنها بشكل ملحوظ بسبب عدم تناولها الطعام إلا عند الضرورة القصوى فهو منع خروجها أو حتى إتيان أي طلب لها من الخارج بات لا يثق بجنونها لفعل ما كان يجعلها تفعله في السابق.
دخلت دعاء في دلال وهي مبتسمة ومبتهجة كالعادة، وتقوم بمضخ العلقة في فمها:
-ايه يا فوفو ولا يا دودو وحشتك صح؟! عارفة اني وحشتك بس مش هتبيني علشان أنتِ قفيلة.
أبتسمت فردوس رغمًا عنها تلك المرأة معتوهة وعقلها فارغ وتلك الحالة قد تخرجها مما تشعر به في كثير من الأحيان على الرغم من شجارهما المتكرر لن تنكر فردوس أن دخول تلك المرأة إلى المنزل فادها حقًا…
أغلقت دعاء الباب ثم أقتربت من الفراش وهي تضع يدها في جانبيها:
-عملتي ايه يا مصيبة في الكام يوم اللي غيبتهم؟!.
تمتمت فردوس بنبرة عادية:
-هعمل ايه يعني؟! معملتش حاجة طبعا عادي قاعدة في اوضتي وخلاص.
نظرت لها دعاء بشكٍ ثم غمغمت في سخرية:
-أنتِ هتقوليلي طبعا هو كمال ظلمك وأنتِ يا حبة عيني معملتيش أي حاجة وزي الفل وهو اللي جاي عليكي.
قالت فردوس في نبرة مماثلة لها:
-صح برافو عليكي أنك عارفة اني مظلومة.
ثم غيرت فردوس الأمر وغمغمت:
-هتروحي للدكتور امته؟!.
تلك المرأة تتشاجر معها في أغلب الأوقات ولكنها تبدو مهتمة بذهابها للطبيب من أجل الإنجاب حقًا لا تعلم سبب اهتمامها..
-هو أنتِ ليه دايما بتسألي على الموضوع ده؟!.
-عادي علشان عايزاكِ تخلفي وعارفة أن الموضوع ده يفرق معاكِ ومع بكر جدا وأنتِ تستحقي تفرحي لا أكتر ولا أقل.
ثم قالت مغيرة الموضوع كله وهي تجذب الغطاء عليها:
-وبعدين يلا أنتِ هتصاحبيني؟! روحي شوفي وراكِ ايه تعمليه أنا عايزة أنام شوية..
هتفت دعاء معترضة على هذا الكم من التناقض:
-أنتِ بتشربي حاجة أو بتبلبعي حاجة تعمل فيكي كده مهوا ده مش كلام حد طبيعي، أنا همشي أحسن…..
_________
بعد مرور عدة أيام.
في القاهرة، في مركز التجميل الخاص بشمس.
[شموسة]
-عرفتي هتعملي أيه؟!.
قالت شمس تلك الكلمات للفتاة التي قف بجانبها في مركز التجميل.
عقبت الفتاة بكل هدوء وهي تضع خصلة هاربة من خصلات شعرها خلف أذنيها بهدوء:
-ايوة فهمت أبدأ احضر الصبغة لمدام رانيا درجة الهايلايت….
قاطعتها شمس في غضب:
-متشلنيش يا بت أنتِ بقالي ساعة بقولك تعملي أيه وأنتِ تقوليلي درجة الهايلايت ومدام رانيا؟!!.
هزت الفتاة رأسها بهدوء متذكرة وهي تغمغم:
-أيوة لو مدام سوسن حاولت تطلع البيت بعد ما أنتِ تمشي أنا أحاول أعطلها صح كده؟!.
تمتمت شمس بتوضيح:
-بالظبط كده هتعطليها مش هتحاولي وبس لا ده لازم تعملي كده، ولو حصل أي حاجة تتصلي بيا وتديني رنة في ساعتها.
-من عنيا يا ست شمس.
تركتها شمس ثم توجهت ناحية والدتها التي تمسك مكواة الشعر وتقوم بتصفيف شعر المرأة التي تجلس أمامها والتي سألتها حينما وجدتها تضع الطرحة السوداء على رأسها بعشوائية:
-أنتِ رايحة فين يابت؟!.
غمغمت شمس في نبرة عادية:
-رايحة مشوار كده عايزة اشتري شوية حاجات.
قالت سوسن باستغراب:
-حاجات ايه دي؟! وبعدين مشوارنا بتاع بليل؟!.
قالت كلماتها الأخيرة في تلميح مقصود ولذلك أراحتها شمس متمتمة:
-رايحة أجيب حاجة قريبة من هنا وهطلع على البيت علطول متقلقيش، سلام بقا.
ثم وضعت قُبلة على وجنتي والدتها وغادرت المكان، وخرجت إلى الخارج ثم توجهت صوب المنزل الذي يكون بالقرب من المركز فقط يفصله عنه بضعة خطوات وصعدت إلى الشقة مستغلة وجود والدتها في المركز وعدم تواجد عبده..
صعدت على الدرج ثم ولجت إلى الشقة بعد أن فتحت الباب وأغلقه خلفها وركضت ناحية غرفة والدتها ليس لديها وقت يجب عليها أن تبحث عن شهادة الميلاد التي تخفيها عنها والدتها بالتأكيد هناك شيء لا تعلمه وإلا لم تكن لتخفي عنها الأمر….
يجب أن تعرف من والدها؟!
وحتى لو توفى..
أليس لديه أقارب؟!
أب، أم، أشقاء أي شخص يستطيع الإعتراف بها من بعد موته، أو حتى تجد أي ورقة قد تدلها عليه…
ولكنها خرجت خالية الوفاض لم تجد شيء قد ينفعها فأخذت تعيد كل شيء إلى مكانه مرة أخرى….
_______________
قررت الذهاب له لعلها تخرج من حالة الملل التي تتملكها، فهي لا تغادر غرفتها تقريبًا إلا للذهاب إلى منى والاطمئنان عليها ثم تعود مرة أخرى إلى غرفتها تتناول يوميًا المنوم الخاص بها حتى تذهب في سبات عميق…
كثرة التفكير تؤرقها….
وهو مشغول في زيجته فهي تعلم كل شيء تقريبًا بسبب ثرثرة دعاء وكأنها تعلم بأنها تتوق لمعرفة ما يحدث ولكن كبريائها يمنعها لذلك تخبرها…
قررت اليوم بأن تذهب ولكنها لم تذهب له شاحبة حتى لا يعلم بأن حبسه لها وزواجه يزعجها بل حرصت أن تكون في أكثر حالاتها الأنيقة والمغنجة وولجت إلى المكتب بعد معرفتها بأن الحاج توفيق قد غادر من قليل…
كانت تحمل القهوة الخاصة به بعد أن قابلت المرأة وهذ ذاهبة لتعطيها له، ولجت إلى غرفة المكتب متمتمة:
-مساء الخير.
رفع كمال رأسه بعد أن كان ينظر في الحاسوب المتواجد أمامه فهو يعرف صوتها جيدًا يحفظه قلبه…
-جاية بنفسك وجايبة القهوة عملت أيه يستحق التنازل الرهيب ده من فردوس هانم.
وضعت فردوس القهوة على المكتب ثم غمغمت:
-معملتش بس أنا قولت أبارك ليك وأعمل بأصلي سمعت أنكم قربتوا تجيبوا الشبكة خلاص، صراحة فرحانة ليك جدا أصلك يا عيني مفرحتش في جوازتك الاولانية.
تحدث كمال محاولا التماسك قدر المستطاع:
-عايزة أيه يا فردوس في ليلتك دي.
غمغمت فردوس بضيقٍ:
-عايزة أنزل اشتري حاجات وأطلب أكل على البيت زي ما كنت بعمل قبل كده وأنا مش عاجبني حوار الحبسة دي أنا اتخنقت.
نهض كمال ووقف أمامها قائلا بسخرية:
-أنا مبثقكش فيكي علشان اسيبك تنزلي زي ما كنت بسيبك قبل كده أنتِ اللي عملتي كده للأسف، وبلاش تفكريني.
-خلاص طلقني.
نظر في عيناها متمتمًا بتهكم:
-أسف والله أنا مش تحت أمر جنابك.
-هي أم صبحي مش هتيجي تاني؟!.
غمغم كمال ساخرًا منها وهو ينظر لها في سُخطٍ متعجبًا من قدرتها على تغيير المواضيع في ثواني:
-هتيجي ليه بعد اللي هببتيه امبارح؟!..
-هما اللي نسوان غريبة….
قاطعها كمال في تهكم:
-صح وأنتِ الملاك البرئ والكوكب كله غلطان في حقك.
أردفت فردوس في برود:
-هعتبر أنك بتمدحني، صحيح مقولتليش الفرح امته والشبكة هتجيبها امته بالظبط مش هتعرفني تفاصيل ولا أيه هتلاقي حد يفرح ليك قدي؟!.
عقد كمال ساعديه في استهزاء فهو على وشك قتلها:
-ناوية تحضري؟!.
قالت وهي تكز أسنانها:
-وليه لا؟! ده أنا حتى نفسي أشوفك عريس أصل المرة الأولى أتنكد عليك فيها زي ما قولتلك فقولت أعمل معاك الواجب خلصانة أنا يعني؟!.
-أنتِ بني أدمة مش طبيعية.
غمغمت فردوس في انفعال شديد:
-أه فعلا عرفت منين؟! وعارف أيه اللي مخليني مش طييعية من سنين؟! ولا تحب أقولك؟!..
قاطعها وهو يقول بجنون فلم يعد بوسعه تحملها أكثر:
-فستان فرحك عليه دم اخوكي وأخويا اللي قتل أخوكي مش كل شوية هتفكريني بالقصة يا فردوس هانم صدقيني متتعبيش نفسك هي في بالي مش بتتمحي.
-أنا جوايا نار مش هتنطفي.
أردف كمال في سخرية:
-روحي استفادي منها واعملي قهوة غير دي علشان شكلها بردت.
باستنكار كانت فردوس تشير إلى نفسها قائلة:
-أنتَ بتكلمني أنا؟!.
-مفيش غيرك في المكتب علشان أكلمه.
-والله؟! هو أنتَ فاكرني خدامة عندك؟!!!.
بكل بهدوء كان يجيبها:
-كنتي فكرتي في ده قبل ما تطلعي جنانك على الناس اللي بتيجي تشتغل هنا ومن بكرا تنزلي زيك زي دعاء وتعملي معاهم الأكل.
تحت ذهولها من أوامره أسترسل حديثه بملل:
-بالمرة ممكن تحطي سم وتخلصي مني وتخلصينا كلنا.
ضحكت بسخرية ثم أردفت:
-لو كنت عايزة أعملها كنت عملتها من زمان.
أقترب منها متمتمًا بجدية ونبرة ذبحتها:
– أنا شايف أنك تقتليني وتخلصي بدل ما تضيعي سنين عمرك مستنية شريف دي أكتر حاجة توجعه زي ما قتل أخوكي اقتلي أخوه واحرقي قلبه عليا ما أنتَ كده كده كنتي محضره نفسك لجريمة قتل وجايبة سلاحك وحياتك تمام اعمليها بقا ولا خايفة قلبك أنتِ اللي يتحرق مش هو؟!.
جملته الأخيرة كانت بتلميح ملحوظ..
هو يدرك أنها لا تتحمل الابتعاد عنه أو أذيته ومع ذلك لا تتقبل قُربه…
أبتلعت فردوس ريقها وتحدثت بثبات:
-أنا هاخد ثأري من اللي قتل أخويا مبأخدش حد بذنب حد يا كمال.
قال كمال متعجبًا:
-سبع سنين محملاني الذنب ومنكدة عيشتي وتقولي أنك مش بتشيلي حد الذنب مكان حد؟!.
-أنتَ عارف مكانه وساكت ده الخلاف اللي ما بينا.
ثم حاولت تغيير الموضوع ببراعة شديدة:
-بعدين أنا حابة أتعرف على ضرتي اللي هتنور البيت قريب.
هل لو صفعها سيلومه أحد؟!!.
القتل أهون من تلاعبها على أعصابه طوال الوقت…
لكن هو يشعر بغيرتها وهذا قسم جيد.
-ريحي نفسك يا فردوس.
عقبت في استهزاء:
-أنا مش تعبانة يا حبيبي أنا زي الفل بس حابة أعرف يعني ولا مش من حقي؟!.
أستعمل طريقتها الباردة وهو يخبرها:
-هبقى أخليكي تتعرفي عليها بس هي مش هتنور البيت.
ضحكت وهي تسخر من نفسها ليس منه تلك المرة:
-ده علشان هو منور بيا مثلا ولا علشان أيه؟!..
أبتسم رغمًا عنه وهو يقول في تشفي قليلا:
-لا أبدًا هي طالبة أنها متجيش ولا تعيش هنا في البيت ده حابة يكون ليها بيت لوحدها علشان لا تحتكي بيها كتير ولا هي تحتك بيكي وكده كده أنتِ هتشوفيها لأنها حابة تتأكد أنك عارفة بالجوازة وموافقة عليها وقريب هتيجي مع أبوها هنا علشان تتعرف على ماما بأنها عرفت ظروفها انها مش هتتحرك من البيت.
أنزعجت جدًا!!!
هل سيقوم بالعيش معها في منزل بمفردهما؟!!!…
لما يتألم هذا الأحمق الذي يسمى قلبها؟!..
-أحسن برضو علشان أنا مبحبش المشاكل قعادها في مكان تاني أحسن؛ وبعدين هي القطة مش واثقة في كلمتك ولا أيه؟! مش قولت ليها اني موافقة…
كز على أسنانه وهو يقول:
-هي حابة تتأكد.
-أصيلة مشوفتش في أخلاقها، أنا ماشية أحسن هبقى أخليهم يعملولك القهوة وخلي بالك أنا مش هشوف حد ولا هقابل حد.
أنهت حديثها وغادرت المكان بأكمله.
____________
بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبًا.
حفل زفاف (كمال وداليا).
تنفيذًا لرغبة الجد توفيق…
ولجت دعاء إلى الغرفة لتجد كل شيء ليس في مكانه والمرآة مكسورة، شهقت دعاء وهي تجدها متكومة وبجانبها الكثير من المناديل الورقية التي أبتلت من دموعها هكذا كان تخمين دعاء…
أغلقت دعاء الباب خلفها وأقتربت منها وأنخفضت إلى مستواها فهي كانت تجلس بجانب الفراش، قالت دعاء بخوف، فهي خائفة لن تكذب:
-فردوس أنتِ كويسة؟!.
رفعت فردوس رأسها لتوجه نظراتها نحو دعاء وقالت بتعالي لا يناسب هيئتها المزرية:
-أنا زي الفل مالي يعني؟!.
حقًا هل هي تسألها ما الذي تراه غريبًا بها؟!!…
تألم قلب دعاء للمرة الأولى على فردوس لم تعتاد أن تراها هزيلة بهذا الشكل، كانت دومًا أمرأة مجنونة، غريبة الأطوار، عصبية تفتعل الشجارات بلا سبب حقيقي لكن الآن هي جريحة أو رُبما هي دومًا كذلك ولكنها لم تكن تشعر أو تدرك ذلك…
غمغمت دعاء في نبرة متوترة:
-معلش يا فردوس، أنا عارفة أنك موجوعة، بس يعني بصراحة أنتِ زودتيها أوي وقعدتي تبيني أن الموضوع مش هامك ده أنتِ زغرطي وخلتيه يحس أنه ملهوش لازمة عندك ودي حاجة توجع أي راجل.
صرخت فردوس بها بطريقة أرعبتها:
-واللي اخوه عمله في اخويا؟! موجعنيش؟!!!!.
أبتلعو ريقها ثم غمغمت بألم:
-ومش عارفة اتعافى.
غمغمت حاولت دعاء الصمود قدر الإمكان وهي تجيب عليها:
-ما أنتِ ولا كنتي عايزة تطلقي ولا عايزة تليني دماغك مع الراجل وهو راجل محتاج ست في حياته وهو صبر عليكي صبر مفيش راجل صبره، وأنتِ مقدرتيش ده يا فردوس الحق يتقال يعني، وبعدين هو حاول معاكي كتير بكل الطرق.
توقعت دعاء بأنها ستقتلها، ولكنها ألقت نفسها في أحضانها وبكت بقهر لا تستطيع التخيل أبدًا، هل حقًا كمال تزوج؟!!!…
هل تزوج كمال من أمرأة غيرها، أمرأة ستعطيه ما لم تفعل هي، امراة ستهبه نفسها، ورُبما ستأتي بطفل له…
كمال سيلمس أمرأة غيرها ويأخذها في أحضانه هذا الشيء يجعلها على وشك أن تقتل نفسها، اليوم أدركت حقًا أنها تعشقه كالمجنونة تلك السنوات لم تخمد نيران حبه كما لم تخمد نيرانها ورغبتها في الانتقام…
لا تستطيع التحمل، الأمر أصعب مما أتى في مخيلتها، أو مما حاولت أن ترسمه في ذهنها….
أخذتها دعاء في أحضانها رغمًا عنها محاولة مواساتها قدر الإمكان، تقسم أنها لم تتخيل ولم تتوقع أن تكن فردوس بتلك الحالة الجنونية…
-قلبي واجعني أوي، قلبي واجعني أوي، عايزة أنام مش عايزة أفكر..
شعرت دعاء بسخونة جسدها، ووضعت يديها على رأسها وجبهتها حتى تتحسس حرارتها لتشعر بارتفاعها الشديد…
تمتمت دعاء بذعر:
-فردوس أنتِ سُخنة مولعة؛ اهدي شوية، لازم حد يوديكي المستشفى أو تأخدي علاج أنا هروح أقول لبكر وعم توفيق.
ابتعدت فردوس عن أحضانها ثم قالت بتحذير واضح رغم شعورها بالاعياء الشديد:
-أياكِ حد يعرف حاجة بحالتي دي أنتِ سامعة؟!! والله يا دعاء لهوريكي الوش التاني.
تحدثت دعاء ساخرة فهي تستطيع أن تعطيها شهادة بالختم بأنها أمرأة معتوهة حقًا:
-أنتِ هتموتي ولسه بتهددي يخربيتك بجد، لا وكمان بتبجحي فيا، لسه خايفة على شكلك ومش خايفة على صحتك؟!.
حاولت فردوس أن تنهض ولكنها فشلت خارت قواها تمامًا فحاولت أن تتنازل قليلا عن غرورها:
-ساعديني ألبس حاجة تقيلة واغير هدومي وأنا هقولك تعملي أيه بس أرجوكي متخليش حد يشمت فيا أو يعرف أي حاجة من اللي شوفتيها في الاوضة دي وأنا هجيب واحدة صاحبتي الصبح تساعدني نروقها…
تتوسلها حقًا ولم يكن بوسع دعاء سوى الرضوخ لحالة المرأة المنهارة التي تتواجد أمامها…..
محاولة أن تحافظ على كبريائها…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية