Ads by Google X

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل الثامن 8 - بقلم اية العربي

الصفحة الرئيسية

  

 رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل الثامن 8  -  بقلم اية العربي


بين ثلجٍ ونار تقع الهدنة الحرارية التي يعاد فيها رسم خطوطك القادمة بمنتهى الدقة .
꧁꧁꧁꧂꧂꧂
هل لتلك الدرجة كان عشقها جريمة ؟ ، هل عشقَ ملكة فرعونية فأصابه عشقها بلعنةٍ حلت عليه كلياً؟
بصعوبة خرج به محمود من بين براثن هؤلاء الوحوش البشرية بعدما انهارت قوته وخرت طاقته وغمره اليأس والاستسلام .
يقود محمود سيارته عائداً به إلى المنزل بعدما ضمد له جرح رأسه بينما يجلس هو جواره يضع يده عند عقله بحزنٍ بلغ حنجرته وصمتٍ تام ، خسارته ليست هينة ، خسارته تندرج على قمة قهر الرجال .
تحدث محمود بحزنٍ وبنبرة داعمة :
– قولتلك نطلع ع القسم نبلغ يا صالح ، والناس هتشهد معانا ، اللي حُصل ده ميرضيش ربنا .
لم يتحدث ، بقي على حاله لم يحرك ساكناً ، عن أي بلاغ يتحدث ! ، لقد حاول من قبل أخذ حقه بالقانون ولكنهم تلاعبوا بالقانون وبالدلائل وبالحقائق ، عن أي حق وهم آكلي حقوق البشر ؟
تنهد محمود ملتمساً له كل الأعذارِ وتابع بتروي وبنبرة لينة :
– وحد الله يا صالح ، إن شاء الله ربنا هيچبلك حقك ، دول عالم ظالمة حسبي الله ونعم الوكيل فيهم .
ظل على حاله عقله في صراع وروحه مستنذفة فاكمل محمود قيادته وبعد قليل توقف بسيارته أمام منزل صالح وترجل يساعده ولكن صالح كان قد سبقه وترجل وهو يخطو نحو المنزل ويرفع يده ملوحاً إلى محمود يودعه بصمتٍ تامٍ كأنه فقد النطق .
دلف وظل محمود واقفاً يطالعه إلى أن غاب فالتفت ليغادر .
خطوتين فقط وتوقف عندما وجد من تناديه .
التفت يطالعها بضيق فهي وعائلتها من أوصلوا صديقه إلى ما هو عليه لذا قال :
– خير ؟
اقتربت قليلاً وتساءلت بترقب :
– ماله صالح يا محمود ؟ ، إيه اللي حُصل ؟
زفر بقوة ثم تحدث بنبرة مبطنة بالقمع واللوم :
– إسألي أخوكي ، مهواش سايبه في حاله واصل ، جمع بلطجيته وهجموا علينا ووقعولنا المحصول كله في الأرض بعد ما الناس اتجمعت تشتري مننا ، الله يكون في عونه ، أني خابر صالح زين لو قتلوه كان أهون عنديه من اللي حُصل .
تركها والتفت يستقل سيارته ويغادر ووقفت هي تشعر بكم الظلم الذي وقع عليه بسببها ، ضيق اجتاح صدرها فباتت تتنفس ببطء ، غاضبة من نفسها ومن عائلتها وتريد الانتقام منهم لهذا الصالح ولها ولكن كيف وبأي طريقة تشفي غليل صدرها وترد له حقه وتريحه ؟
التفتت تعود إلى المنزل فوجدته يخرج من الحمام بعدما غسل الدماء عن وجهه ورأسه وتوضأ فنادته بحزن وتوجس قائلة :
– صالح !.
أشار لها بيده أن تصمت وتحرك يصعد الدرج المؤدي لسطح منزله ، يريد الاختلاء بنفسه الآن ، يريد أن يهرب من هذا العالم الظالم قليلاً .
أما هي فظلت واقفة لا تعلم أين تذهب أو تأتي ولكن تفاقمت النيران داخلها وباتت تحاول إيجاد طريقة للانتقام ، فعلى ما يبدو أنهم تمادوا كثيراً وكلما صمتت ازدادوا طغياناً .
قررت مهاتفة نهال ومعرفة أي أخبار جديدة لذا تحركت إلى الغرفة وبحثت عن الهاتف حتى وجدته ووقفت عند النافذة تهاتفها .
لم تجب نهال ، يبدو أنها لم تستطع الرد الآن لذا لم تكرر اتصالها بل وقفت تنظر من النافذة بضيق وتفكر .
أما هو في الأعلى فقد وقف يصلي ، في تلك اللحظة هو بحاجة للسجود والشكوى ، لم يعد قادراً على أفعالهم الغادرة ، ربما يمتلك الكثير من الشجاعة والقوة والشهامة ولكن هذا الخليط غير كافٍ لمواجهتهم ، لابد من تعزيز العلاقة بينه وبين ربه لينتصر عليهم لذا فهو الآن بحاجته كثيراً .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
في قصر السيوفي دلف رامي تنعشه فرحته بانتصاره العظيم اليوم .
بالنسبة له اليوم يعد عيداً بعدما رأى انكسار نظرة صالح القوية التي كانت تؤرقه ، لقد انتقم منه أمام الجميع ولم يعد بقدرته النهوض في تلك البلدة ، من المؤكد سيجمع أغراضه ويغادر .
يجلس جابر بعد أن وصلت إليه الأخبار ينتظره ، ربما ما حدث لم يكن في الحسبان ولكنه أيضاً فخوراً بانجازات ولديه وبشاعة أفعالهما .
رحب به قائلاً وهو يشير ليتجه نحوه :
– تعالى يا ولد السيوفي ، عفارم عليك ، هو ده الشغل الصُح .
تفاخر بنفسه واتجه يجلس جواره وتحدث بتعالي :
– محدش عارف قيمتي صُح ، إكدة خلصنا منيه ومن قرفه ، كان شايف حاله ومحسسني إنه المحافظ وهو حتة عيل راعي ولا يسوى حاچة .
أومأ جابر مؤيداً حديثه بينما انحنى رامي قليلاً يتكيء بساعديه على ساقيه واسترسل وهو ينظر لوالده :
– المهم دلوك عايزك في موضوع ، في بت عاجباني وعرفت إن أبوها يبقى صاحبك ، عايز اتچوزها .
مال جابر برأسه متسائلاً :
– بت صاحبي ! ، إسمه إيه ده وأني أروح اخطبهالك من الصبح ؟
ابتسم بسماجة يردف :
– حمدان الوزير ، اللي كان مترشح لمجلس النواب السنة اللي فاتت .
تفاجأ جابر بهذا الخبر السار وتحدث بترقب :
– وه ؟ ، بت حمدان ؟ ، وانت شوفتها فين دي ؟ ، دي أغلب الوقت عايشة في مصر ومبتچيش إهنة كتير .
زفر بقوة وتحدث ببرود :
– عيني عليها من شهر إكدة ، وعرفت إنها رايدة عريس من إهنة ، وبيتهيألي مافيش أنسب مني ليها ، ولا إيه يا جابر بيه ؟
أومأ جابر مؤيداً وتحدث بقبول :
– صُح الصُح يا ولد جابر ، سبني إكدة اتكلم وياه ونحدد معاد نروح فيه .
أومأ ووقف ينهض قائلاً وهو ينوي المغادرة :
– ماشي ، مستنيك .
تحرك يصعد لغرفته فسأله جابر بترقب :
– طالع ليه دلوك ؟ .
تحدث وهو يصعد دون النظر إليه :
– لما الغدا يخلص ابعتولي البت نهال تصحيني .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
في غرفة عادل يقف أمام مرآته يهندم نفسه ويستعد للذهاب إلى وكالتهم التجارية بعدما عاد رامي ليبدأ دوريته ومتابعة الأعمال الأسبوعية .
تقف دعاء تناوله أغراضه ومازال حديثه عن الزواج معلقاً في ذهنها لذا تساءلت بترقب :
– قولي يا عادل !.
تمتم دون حديث وهو ينظر لملامحه باعجاب فتابعت بترقب :
– هو إنت صُح لو أني محملتش قريب هتتجوز ؟ ، ولا كنت عتهزر ؟
التفت ينظر لها ثم ضحك يردف بغمزة وخبث :
– عتغيري ولا إيه يا دودو ؟ .
تنهدت تبعد عيناها عنه ثم أجابت وهي تتلاعب بكوفيته المنسدلة على جلبابه تقول :
– أومال مش جوزي وحلالي .
تمسك بيدها ثم قال بشك :
– ارفعي عينك في عيني .
رفعت عيناها فتابع بنبرة غليظة :
– دلوك قولي اللي قولتيه ؟ ، عتغيري عليا وعتحبيني صُح ؟.
توترت نظرتها قليلاً ، ربما كانت تكن له الكثير من المشاعر التي بدأت تهدمها أفعاله معها لذا قالت بتلعثم :
– عتقول إيه بس يا عادل ، أكيد بحبك وبغير عليك كمان مش چوزي !.
لم يصدق عيناها وتوغله الشك لذا أبعد يدها عنه وقال بصلابة :
– على العموم الجواز ده حقي ، الشرع حللي اتچوز عليكِ تلاتة كمان ، ولو الحمل اتأخر احتمال كبير اتجوز ، ولا رايداهم يقولوا العيب مني ؟ .
نظرت له بصدمة من حديثه الذي يعد بنداً من بنود الوقاحة وقالت :
– ببساطة إكدة يا عادل ؟
هز منكبيه قائلاً بلا مبالاة :
– وعنصعبها ليه يا دودو .
تركها وتناول باقي أغراضه وغادر بلا مبالاة تامة ووقفت هي تتبع أثره بصدمة ولكن لا ، هو لا يعلمها جيداً بعد .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
كان لا يزال جالساً فوق سطح منزله يقرأ آيات من المصحف استطاعت شرح صدره قليلاً بعدما كان يعتليه الضيق .
صعدت لتراه وتناديه ليتناول معهما الغداء ، لا تعلم كيف وماذا ستقول ولكنها تتألم لمَ أصابه .
خاصة وأن محمد لم يتهمها بل يعاملها بكل حبٍ وود كأنه يعرفها منذ زمن وهذا يزيد من عذاب ضميرها نحو صالح .
صالح الذي باتت تحبه وتحب رؤيته ورائحته وأغراضه وصوته وتكره حزنه وتبغض انكساره .
تحمحمت تنظف حلقها ثم قالت وهي تفرك أصابعها بتوتر :
– صالح ؟
كان قد انتبه لها منذ أن صعدت ، ولكنه أكمل قراءته إلى أن نادته فتوقف عن القراءة ليستمع لها فتابعت :
– أني عملت الغدا ، تعالى يالا علشان تاكل لقمة ، إنت ماكلتش حاچة من ساعة الصبح .
تنفس بعمق ثم تحدث بنبرة جادة :
– ماليش نفس ، كُلي إنت وابويا .
حزنت وتملكها الضعف ، كانت تتأمل أن يأتي والآن ليس في استطاعتها أن تهون عليه ما حدث فهي المتسببة به لذا تحركت بيأس تعود للأسفل فرآها محمد وهو يعلم مسبقاً أن ابنه لن يأتي لذا أومأ قائلاً بعدما رأى حزنها :
– معلش يابتي ، سبيه مع نفسه شوية وهو هيبقى زين .
أومأت له ثم اضطرت للجلوس معه على طاولة الطعام قائلة بنبرة حنونة :
– طيب يالا يا عمي كُل علشان تاخد دواك .
أومأ لها وبدأ يتناول القليل وكذلك هي التي لم يكن لديها شهية من الأساس .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
مساءاً في القصر وبعد أن نام الجميع وبعد أن أنهت نهال التنظيف تناولت هاتفها وقررت مهاتفة وردة لذا تحركت تخطو خارج القصر وتوقفت في حديقته ورفعت الهاتف بعدما طلبت رقمها .
كانت وردة تجلس في غرفتها تنتظر اللحظة المناسبة لتنفيذ خطتها الانتقامية التي خطرت على عقلها .
رن هاتفها فتناولته تجيب على الفور قائلة :
– عاملة إيه يا نهال ؟ ، أني رنيت ولما مردتيش قولت أكيد حد چنبها .
تحدثت نهال بصوت منخفض قائلة :
– أيوة يا وردة كانوا كلهم برا وخوفت أكلمك ، طمنيني عنك وعن چوزك ، أني عرفت باللي رامي عمله معاه النهاردة في السوق قدام الناس ، وزعلانة قوي عليه وعليكِ ، بس معرفاش اعملك حاچة ، إيديا مربطين .
تنهدت وردة بقوة وقالت بنبرة حزينة ومتوعدة في آنٍ واحد :
– متعمليش أي حاچة إنتِ واصل ، حقي وحق چوزي أني هعرف إزاي أخده ، خدي بالك إنتِ من نفسك وأوعي تطلعي أوضة رامي لحالك ، ولو حُصل أي جديد عرفيني .
– حاضر يا وردة ، خدي بالك من نفسك إنتِ كمان ، مع السلامة .
أغلقت معها ولكنها انتفضت حينما استمعت إلى صوتٍ ما كأن هناك من كان يراقبها لذا باتت تلتف حولها بذعر فلم تجد أحداً فأسرعت تخطو عائدة إلى الداخل ومنه إلى غرفتها المشتركة مع والدتها ونامت بعدها على الفور .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
انتظرت وردة إلى أن غفا محمد وصالح وقد تحركت بحذر إلى الخارج ، كان صالح يتمدد على الأريكة كالعادة ولكن لحسن حظها كان يواليها ظهره فاستطاعت التسحب حتى وصلت إلى المطبخ .
وضعت قطعة القماش التي كانت تقبض عليها على سطحٍ رخامي ثم انحنت تحضر كيساً بلاستيكياً وعبوة تحتوي على سولار للاستخدام المنزلي .
وضعت قطعة القماش في الكيس البلاستيكي ثم سكبت فوقها مقدار من السائل البترولي ثم عصجت الكيس وانتشلت القداحة الخاصة بإشعال الموقد ثم تسحبت تحمل في يدها الكيس والقداحة حتى وصلت إلى الباب الذي فتحته ببطءٍ شديدٍ وخرجت بحذرٍ وأغلقته وتحركت في طريقها إلى أرض عائلة السيوفي المجاورة لأرض زوجها .
تعلم أنها خطوة هوجاء منها ولكن لابد لها أن تذيقهم من نفس الكأس ، لقد تمادوا إلى مالا تستطيع عليه صبراً .
كانت ترتدي عباءة سوداء وتخفي وجهها بحجابٍ أسود وتتحرك بحذر وتحاول مراقبة الطريق ولكن عليها أن تسرع قبل أن يستيقظ صالح ويشعر بغيابها .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
كانت قد غفت للتو قبل أن يرن هاتفها .
انتفضت تستيقظ ثم تناولته لتجد إسم رامي أمامها ، توغل الرعب إليها وفكرت أن تتجاهل مكالمته ولكنها خشت ذلك لذا أجابت بتلعثم بعدما تبخر نعاسها :
– نعم يا رامي بيه ؟
تحدث رامي بخبث وتوعد :
– بت يا نهال ، قومي اعمليلي فنچان قهوة وهاتيلي حباية للصداع ، راسي هتتفرتك .
دب الخوف قلبها ولم تعلم كيف وبأي حجة تجيبه فعاد يقول بحدة :
– اخلصي يا بت .
أغلق الهاتف وتركها تكاد تبكي من قلة حيلتها ولكن لحسن الحظ استيقظت والدتها على رنين الهاتف فسألتها بنعاس :
– بت يا نهال ؟ ، مين اللي هيكلمك دلوك ؟
تحدثت نهال بتلعثم :
– د ، ده رامي يا أما ، قال عايزني أطلعله فنجان قهوة وحباية مسكن دلوك .
تنهدت والدتها وتحركت تنهض من فراشها هي قائلة :
– لا متطلعيش إنتِ فوق دلوك ، أني هقوم أعمله القهوة واخدله حباية المسكن .
برغم رأفتها على والدتها إلا أنها وجدت في ذلك نجدة وتمسكت بها قائلة :
– تمام يا أما اللي تشوفيه .
بعد قليل صعدت عزيزة بفنجان القهوة وقرص المسكن حتى وصلت أمام غرفته وطرقت بابها .
كان في الداخل ينتظرها بتوعد بعد أن سمعها تتحدث مع شقيقته ، كان يريد الانتقام منها بأبشع الطرق التي كان ينويها منذ زمن وأتت مكالمتها لشقيقته لتبرر له قذارته فيمَ نوى .
نهض عندما سمح طرق الباب واتجه يفتح الباب بملامح خبيثة ولكن انهارت أحلامه عندما وجد والدتها أمامه فتملكه الغضب قائلاً بصراخ :
– إنتِ إيه اللي جابك إهنة دلوك يا مَرة إنتِ ، وبتك فين ؟
تلعثمت وتحدثت بحرج :
– أصلها تعبانة شوية يا سي رامي فقولت أچيبلك أني القهوة والبرشامة ، اتفضل .
مد يده ينزعهما منها حتى أن بعض قطرات القهوة الساخنة انسكبت على يده ولكنها لم توازي حريق صدره الغاضب .
أغلق الباب بقوة في وجهها فتنفست براحة وخطت تغادر قبل أن يلتهمها هذا الوحش الغاضب .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
وصلت وردة إلى حدود الأراضي التابعة لعائلتها مما جعلها تتنفس بقوة ويزيد نبضها ويتملكها الخوف بعد أن باتت قريبة من تحقيق رغبتها الانتقامية .
ولكنها جاهدت لتتغلب على خوفها ، توقفت على الطرف الجنوبي لبداية أراضي عائلتها وبدأت تفتح الكيس لتلتقط منه قطعة القماش المغمورة في السولار وبالفعل أخرجتها وتناولت القداحة وكادت تضغط بيدها المرتعشة لتشعلها ولكنها وجدت من يمسك بيدها يمنعها من إكمال ما تنوي قائلاً بهمس حاد :
– عتعملي إيييييه ؟
انتفضت بفزع وكادت تصدر منها صرخة رعب لولا عينان رأتهما تعرفهما جيداً وتثق وتطمئن في وجودهما لذا قالت بنبرة صادمة :
– صالح ؟
تنفس بقوة وهو يتعمق في عينيها المرتعبتين ويداه تقبض على يدها المرتعشة ثم لف وجهه ينظر حوله بترقب فرأى الغفير الخاص بعائلة السيوفي على بعدٍ مناسبٍ ولم يراهما نسبةً لعتمة الليل لذا قال بهمس يحثها على التحرك :
– يالا .
تحركا سوياً وهي تنكمش داخله ، هي أضعف من تنفيذ تلك المهام الانتقامية وتعلم أن ما كادت أن تفعله ربما عاد عليها بالأسوء ولكنها أرادت أن تذيقهم من كأس أفعالهم .
كان يخطو معها ويتمسك بيدها ويفكر ، لقد شعر بها منذ أن بدأت تتسحب من غرفتها وظل ثابتاً ليرى ماذا تنوي وعندما اشتم رائحة السولار انتابه القلق ولكنه أكمل ادعائه في النوم ليصل إلى ما تنويه .
وحين غادرت من المنزل نهض وتتبعها دون أن تلاحظ إلى أن وجدها تسير باتجاه أراضي عائلتها فذهل مما تنوي فعله وأوقفها ولكنه لم يكن يتوقع في حياته أن يصل بها الأمر إلى حرق أراضي عائلتها ، كيف تفعل ذلك ؟ ، ولكي تهدأ مناوشات عقله عليه أن يتحدث معها .
انتبه على أصوات صادرة منها فالتف لها وجدها تشهق وتبكي فتوقف يلفها له وكم شعر حينها بالضيق والغضب لرؤية دموعها التي نادراً ما تظهر لذا تساءل :
– بتعيطي ليه دلوك ؟
رفعت عينيها اللامعتان له وتحدثت بنبرة متحشرجة وندم :
– كنت رايدة أچبلك حقك يا صالح بس معرفتش ، أني لولا خوفي من ربنا كنت كرهتهم واتبريت منيهم زي ما عملوا ، أني قلبي مبقاش فيه حب ناحيتهم واصل .
طالعها بتعجب وعادت التساؤلات تلتهم أفكاره ولكن ليس هنا لذا حثها على المشي وأكملا سيرهما إلى أن وصلا إلى المنزل .
دلفا سوياً وأغلق الباب بهدوء حتى لا يوقظ والده ثم حركها نحو الغرفة ودلفا سوياً وأغلق بابها والتفت يطالعها ويتنفس بعمق ثم قال بنبرة لا تقبل نقاش :
– دلوك هتحكيلي كل حاچة ، الأول هتقوليلي ليه اتهمتيني اتهام باطل وبعدها هتقوليلي ليه كنتِ راحة تحرقي أرض عيلتك .
رفعت كفها تجفف دموعها ثم أومأت له ، الآن ستخبره بحقيقة الأمور وبسنوات عمرها في ذلك القصر .
أشارت له بيدها نحو الفراش قائلة :
– تعالى نقعد يا صالح وهقولك كل حاچة .
تحرك يجلس على مقعد مقابل لفراشها وتحركت هي تجلس أمامه ثم نظرت له قائلة بتوتر وألم :
– اليوم اللي قلت إني چيتلك بكيفي وإننا بنحب بعض مكنتش بتهمك يا صالح ، أني كنت وقتها بستنجد بيك .
تطلع عليها بعمق وتمعن فتنهدت تتابع :
– لو مكنتش قولت إكدة كانوا چوزوني للكلب اللي إسمه فارس أو صاحبه ، صدقني كان ده اللي حُصل أو كانوا قتلوني ووقتها الموت عندي أهون فعلاً بس أني اتظلمت كتير قوي منهم ، أنا مكنتش بتعامل على أني بتهم يا صالح ، دول كانوا بيعتبروني خدامة عنديهم وألعن كمان ، أني لو حكتلك اللي شوفته مش هتتحمل .
تحمحم ينظف حلقه وقال يحثها على الحديث :
– اتكلمي يا وردة ، كانوا بيعاملوكي كيف؟ .
تنهدت بقوة ومنعت دموعها من السقوط مجدداً وبدأت تخبره عن معانتها طوال سنوات حياتها وعن تعامل والديها معها وتفضيلهما لشقيقيها في كل الأمور ، تحدثت تكمل :
– حتى التعليم يا صالح مكانوش رايدين يخلوني أروح الچامعة بس لولا إن أبوي بيحب المظاهر قوي مكنتش كملت ، هو اللي قالهم إني هتعلم ، وفعلاً روحت الچامعة وكان كل يوم ليا في الجماعة لازم قصاده ضرب وإهانة ، يوم من رامي ويوم من عادل وعشرة من أمي وابوي ، ولما كنت بدافع عن نفسي كانت أمي بتكمل عليا بحجة إني ميصحش أمد يدي على أخواتي الرچالة ، عمري ما هنسى اللي عملوه فيا ولا هسامحهم ، كنت اروح الجامعة واسمع البنات بيحكوا عن اخواتهم إنهم بيضربوهم وبيتخانقوا معاهم وبيرچعوا يصالحوهم وبينهم مواقف حلوة كتير ، إنما إخواتي وأهلي كانت صفحتهم سودا معايا يا صالح ، مفيهاش ولا نقطة بيضة ، ممنوع أقول رأي أو اجتمع معاهم في مناقشة ، ممنوع أخرج معاهم في مناسبة إلا لو حد من الكبار ، كان أبويا ياخدني بردو علشان شكله ، ولما كنت أرفض أروح كنت بتهان وبنضرب من أمي ورامي يكمل عليا ، كان قهر يا صالح ، اللي عشته معاهم كان قهر .
التقطت أنفاسها الحبيسة بقوة ثم تذكرت ذلك اليوم فسقطت دموعها التي جاهدت لتوقفها وعادت تكمل أمامه :
– اليوم اللي إنت دافعت عني فيه أني كنت راحة أنام وأمي جت قالتلي أروح أودي الوكل لأخوي في الأرض ، كانت خايفة عليه يموت من الجوع ، قلتلها مش راحة بس فضلت تتحايل عليا ولقيت إني أقل من إكدة فقلبت وخرجت أوديله الوكل ، يومها وأني ماشية في الأرض لقيت الاتنين دول بيهجموا عليا وبيجروني لحد المكان اللي إنت لحقتني فيه ، ربنا بعتك ليا وقتها ، تفتكر بقى يا صالح بعد ما ربنا بعتك ليا تلحقني وتنقذني متعلقش بيك ؟ ، حتى لو كنت هتهمك إننا بنحب بعض ؟ ، عارفة إني ظلمتك وعارفة إنهم انتقموا منك وعلى عيني يا صالح بس غصب عني ، غصب عني كنت عايزة أفلت بأي طريقة من تحت يدهم ومن ظلمهم .
أحنت رأسها تبكي بشدة فتألم وانهارت حصون صلابته وتبدد غضبه القائم منها منذ ذلك اليوم ونهض يقف ثم تحرك نحوها يضم رأسها إليه ويلف ذراعيه حولها قائلاً بقلبٍ عاشق وحنين :
– خلاص اهدي ، بطلي عياط عاد .
صدمتها فعلته ولكنها صدمة ممتعة أحبتها ، رأسها الآن بين ضلوعه ، تحشرجت فأسرع يوقفها فرحبت ليتسنى لها الاستمتاع بعناقه الذي تجربه لأول مرة .
وبالفعل سمح لنفسه أن يعانقها ، سمح لنفسه أن ينعم بجسدها الناعم بين ضلوعه الصلبة ، شعوراً أطاح بكل همومه وجراحه بل والتهم الحزن الذي سكن روحه لأيام ، شعوراً جعله ملكاً على عرش قلبها ، باتت قريبة جداً من قلبه الذي ينبض بصخب ، قلبه الذي لم يستوعب بعد أنها تقطن بين جنباته .
انحنى يقبل رأسها بتهمل ويردف بنبرة عاشق كاد أن يذوب في عشقه قائلاً :
– من إهنة ورايح محدش منيهم هيتعرضلك واصل ، بس اللي حصل دلوك معايزهوش يتكرر ، ماشي ؟
بالفعل لن تكرر ما كانت تنوي فعله ، كانت فقط تود تبريد نار صدرها ولكن أتى عناقه ليحول نيرانها إلى برداً وسلاماً لذا أومأت برأسها التي ترتكز عند قلبه ولم تتفوه بحرف بل ساكنة تستمتع بهذا الاحتواء .




google-playkhamsatmostaqltradent