رواية مملكة سفيد الفصل الثامن 8 - بقلم رحمة نبيل
قراءة ممتعة .
صلوا على نبي الرحمة
______________________
كانت ضربات قلبه تتسابق، وانفاسه تكافح للخروج من صدره، يشعر بجسده قد تصنم بمجرد سماعه لكلمات تلك الفتاة، صديقه وشقيقه هو يحتضر وارسلها لتأخذه إليه حتى يودعه ؟!
كانت صرخته التي أطلقها منذ ثواني خارجة من اعماق روحه السحيقة، صرخة جعلت المكان حوله يهتز ومرجان يرتجف رعبًا يتمسك بالكتب خوفًا أن تسقط من قوة النبرة .
بينما العريف خرج من داخل المكتبة يصرخ بجنون مساوي لجنون دانيار :
” من ذاك الذي يصرخ بين جدران مكتبتي ؟؟ هذه مكتبة يا اغبياء، مكتبة حيث لا مكان للحديث أو الصراخ، اخرجوا من هنا، اخرجوا جميعكم من هنا قبل أن أحرقها بكم ”
كان يصرخ وهو يشير للباب، لكن دانيار لم يهتم وهو يندفع صوب زمرد التي أطلقت صرخة عالية تتراجع للخلف مرتعبة من ملامحه، شاهقة بصوت مرتفع ليقول العريف بتحذير :
“كم مرة عليّ القول لا للصراخ داخل مكتبتي ؟؟”
أصبح دانيار على بعد خطوة واحدة من زمرد يهمس لها من بين أسنانه بصوت مرعب :
” إن كانت هذه إحدى الاعيبك اقسم سأ…”
” وهل تراني حمقاء كي اضيع وقتي وآتي حيث مكتبة هذا العجوز الذي يصرخ بنا ألا نصرخ، واقف أمامك لأجل لا شيء ؟؟ وكأنني اتحين الفرص لرؤيتك؟؟ أنت تحلم يا رجل ”
ختمت حديثها تنفخ بسخرية لاذعة جعلت أعين دانيار تشتد، يشير لها كي تسبقه ورعبه ازداد على تميم :
” اسبقيني وارشديني حيث هو .”
شعرت زمرد بالغصب من طريقته في الحديث معها وكأنها تعمل لديه، لذلك توقفت مكانها تأبى الحراك خطوة واحدة، تهمس من بين أسنانها بشر :
” أنا لا أعمل لديك يا سيد سأخبرك مكانه وأنت أذهب و…”
توقفت عن الحديث حينما وجدت سيفها الخائن يتوسط رقبتها، بعدما أجبرها على رفع رأسها كي لا يصيبها أذى، وصوت دانيار الذي أصبح بالقرب منها يهسهس بغضب :
” إن لم تتحركي أمامي في هذه اللحظة وارشدتيني حيث تميم، سأجعل سيفك العزيز يختتم رحلته القتالية برأسك قبل أن احرقه بنفسي ”
نظرت له زمرد بتحدي وأعين مشتعلة، لا يعجبها أن يهددها، لا يعجبها ابدًا، هي زمرد المتجبرة الداهية _ كما يسميها البعض وتفتخر هي _ يأتي ذلك الوسيم ويهددها ؟؟ حسنًا صبرًا .
” لا لا، لِم هذا الشر يا سيد، أنا فقط امزح، هيا سأخبرك أين هو صديقك عسى أن تحترقا سويًا ”
ولم تنتظر لتسمع رده إذ تحركت تسبقه بسرعة وهو خلفها يشعر بالغضب منها والرعب على تميم .
_______________
ساقطة ارضًا وهو فوقها بعدما أصبح شبه فاقد للوعي، لا يشعر بشيء حوله، يتنفس بصعوبة شديد، ثم فجأة توقفت أنفاسه لشدة الوجع الذي أصاب خصره .
ابتلعت برلنت ريقها تحاول أن تبعده وقد شعرت بارتجافة عنيفة في جسدها الذي لم يلمسه رجل سابقًا :
” أنت يا سيد .. أنهض هذا ليس صحيحًا، استغفر الله هذا ليس صحيحًا، ستموت وتحملني ذنوب لمسك لي، تحرك رجاءً وزنك ثقيل ”
لكن تميم والذي كان لا يشعر بجسده بعدما فقد دماء كثيرة وهو ما يزال متسطحًا على جسد برلنت التي رفعت رأسها تنظر له بفضول :
” هل مِت ؟؟”
وعندما لم يصل لها إجابة منه، سقطت دموعها برعب شديد وقد بدأت شهقاتها ترتفع أكثر وأكثر حتى ملئت المكان حولها وجسدها يرتجف أسفله تنادي بصوت مرتفع :
” ساعدونا …رجاءً ساعدونا، الرجل مات، يا الله لقد مات، رجاءً ليساعدني أحدكم، يا سيد ارجوك انهض عني ”
نظرت له برلنت ثواني تتأمل وجهه قبل أن تنفجر في بكاء عنيف وهي تتذكر ما كانت تفعل له :
” أنا آسفة، سيدي أنا آسفة لأنني دعوت أن أتخلص منك، لم أكن أقصد أن تموت حقًا، اقسم أنني لم اقصد ”
توقفت ثم نظرت له وقالت بصوت منخفض من بين شهقاتها :
” أنت من كنت لئيمًا معي ووقح وحقير، لكنني اسامحك، اقسم أنني اسامحك لترقد روحك في سلام فقط ”
فجأة انتفض جسد برلنت على شعورها بهواء ساخن على رقبتها وقد اخترق حجابها ليصيب بشرة رقبتها، ارتجف جسدها بقوة وهي تسمع همس خفيض وصوت رخيم يخرج من الجثة التي تعلوها :
” أنا من لن ادعك تعيشين بسلام حينما أصبح بخير، سأريكِ كيف تتفننين في سبي والدعاء عليّ ”
اتسعت أعين برلنت بقوة وهي تنظر صوب تميم الذي كان يحدق فيها من بين جفونه شبه المغلقة بشر، اطالت النظر به وقد شحب وجهها بعنف، ليبتسم تميم بسمة جانبية يقول بصوت منخفض بغرض اخافتها:
” بوو ..”
فجأة أطلقت برلنت صرخات هزت المكان حولها لشدة الرعب الذي أصابها في تلك اللحظة، ودون مقدمات انتفضت من أسفله تلقي جسده بعيدًا عنها لا تهتم بمقدار إصابته أو أي شيء آخر .
وتميم الذي اصطدم جسده بالأرض أسفله بقوة كبيرة أطلق تأوهًا قويًا، وهو يتوعد لها بوجع :
“أيتها الغبية، سأريكِ … سأطعمك قنابلي المرة القادمة ”
زحفت برلنت للخلف بسرعة كبيرة وهي ترتجف باكية :
” أرجوك ارحمني أنا مجرد عاملة هنا، ارجوك أنا أنام وحدي في غرفتي المظلمة ليلًا ”
نظر لها تميم وهو يضغط على جرحه بغضب صارخًا مستنكرًا تلك الجملة الغير مناسبة البتة للحديث :
” وما شأني بنومك وحدك ليلًا، هل احضر فراشي آتي لمشاركتك الغرفة؟؟”
” لا أنا …أنا فقط … أنت بعدما تموت ستـ ستخرج روحك لأنك مقتول، هكذا كانت تخبرني امي .. أنا فقط ارجوك يمكن لروحك الطواف في أماكن افضل من غرفتي، القصر ملئ بالغرف الجميلة، ما حاجة روحك لغرفة صغيرة ضيقة كخاصتي ؟؟”
نظر لها تميم بعدم فهم وقد علم في تلك اللحظة أنها تظنه سيرهق روحه بعد الموت ويطاردها، حقًا ؟؟
” تالله وبالله ووالله لو أنني شبح ولي انتقامٌ معكِ، سأسامحك، ليس لأن قلبي الرحيم، بل لكرهي أن اسكن جسدًا بمثل غبائي ”
نظرت له برلنت بصدمة من كلماته واستنكار شديد تلبسها، وكم شعرت بالندم لخوفها منذ ثواني أن يموت .
فتحت فمها ولم تكد تتحدث حتى سمعت صوتًا رجوليًا يصرخ بقوة :
” تميــــــم …”
________________________
كانت تقف أمام قلعة عملاقة لا تستطيع رقبتها أن تعلو أكثر لترى قمتها، شعرت بقلبها يرتجف، الأمر حقيقة، هو ليس بمجنون، حسنًا هي لم تكن أبدًا أن تتوقع نهاية هذه الرحلة بهذا الشكل، شكت وشكت أنه مجرد مخبول يتحدث بكلمات غير حقيقية ..
تتساءلون لماذا تبعته إذن ؟؟ حسنًا هو شبه خطفها وهددها وهي لم تمتلك خيارًا سوى المجئ معه بعدما فشلت مساعيها للهرب، وحينما أصبحت في منتصف الغابة خافت العودة وقررت أن تكمل تلك الرحلة المجنونة، والآن ها هي تقف أمام قلعة عملاقة تكاد تمنع أشعة الشمس .
” هذه قلعة سفيد مولاتي .”
نظرت له بدهشة تتساءل بصوت مصدوم :
” ازاي هندخلها ؟؟”
نظر لها بهدوء شديد ونبرته خرجت مريبة وكأنه يهددها :
” حدثيني بالفصحى رجاءً”
هزت رأسها بتردد، ثم نظرت مجددًا للقلعة لتكتشف وجود عدد كبير من الرجال فوقها يحملون سهام، ومدافع عديدة، يا الله هؤلاء الرجال مازالوا على عهدهم القديم ..
لحظات هي حتى انتفض جسد تبارك تتطلق صرخة مرتعبة وهي تنبطح ارضًا تضع يديها فوق رأسها حينما تفاجئت بصوت سالار الجهوري والمخيف الذي هتف بنبرة آمرة صاخبة :
” افتحــــــوا الأبـــــواب ”
نظرت له تبارك وهي مازالت منبطحة ارضًا تحمي نفسها برعب منه، وقد كاد قلبها يتوقف للتو من مفاجئته لها، مرت ثواني وسمعت صوت أحد الجنود يصيح بصوت مرتفع :
_” افتحوا الابواب للقائد ..”
رأت تبارك بأعين متسعة ابواب القلعة تُفتح وتظهر من خلقها مروج خضراء بديعة تحتوي العديدة من المباني بيضاء اللون، والكثير والكثير من الرجال الذين يحملون سيوف في كل ركن من أركان القلعة .
أشار سالار لها كي تتقدمه :
” من بعدك مولاتي .”
ماهذا الشعور الجيد الذي تشعر به في هذه اللحظة ؟؟ نعم إنه الزهو، هي مولاته والملكة، ملكة هذه القلعة ؟؟ بل هذه البلاد الشاسعة والتي منذ خطت إليها مع سالار _ بعدما تركا صامد وصمود على الحدود_ ذُهلت وشعرت بالاعجاب الشديد، مزارع كثيرة ومنازل مبهرة ومعمار خاطف للانفاس، يبدو أن الأيام القادمة تحمل لها الكثير.
وها هي بوابة القلعة تُفتح لها على مصرعيها وكأنها ترحب بها في مستقبل مجهول لا تدري جيد هو أم سييء؟!
سارت ترفع رأسها عاليًا بفخر لا تعلم له سبب، هو فقط يملئ صدرها، تسير مختالة في الممر الصخري الذي يتوسط الحدائق الخضراء وعلى جانبي الممر العديد من الجنود يستندون على سيوفهم، تأملتهم تبارك بانبهار كبير مبتسمة..
وفجأة انتفض جسدها مبتعدة عن الممر برعب بسبب صوت سالار الذي خرج جهوري بنفس الشكل السابق يأمر الجنود بحدة ودون رحمة :
” أظهروا بعض الاحترام والترحيب بملكتكم يا رجال”
وفي ثواني رفع الرجال السيوف عاليًا بشكل جعل تبارك تتراجع خلف ظهر سالار تحتمي به وهي تراهم يحركون السيوف بشكل منظم يصيحون بصوت عالٍ وفي نبرة واحدة دون شذوذ :
” أنرتي البلاد مولاتي ..”
ابتسم سالار باستحسان وهو ينظر لتبارك خلف ظهره وملامحه كانت جامدة مخيفة وحادة بشكل جعلها ترتجف، يشير لها أن تتحرك أمامه:
” من بعدك مولاتي ..”
ولم تعلم تبارك هل كانت نبرته ساخرة أم لا، لكنها على أية حال رفعت رأسها عاليًا تسير بكل كبرياء في الممر الصخري وهو خلفها يبتسم بسمة جانبية ساخرة ..
” ها قد جاءت كارثتك يا سفيد ”
_____________________
يتوسط عرشه وحوله جميع مستشاريه عدا تميم ودانيار، الجميع كان حاضرًا يشهد على تسليم ذلك الخائن من مملكة آبى والذي أحضره الملك آزار بنفسه ليمثل أمام عدالة سفيد .
رفع إيفان رأسه عاليًا ينظر لذلك الرجل الذي يرتجف أمامه نظرات غامضة ثم قال :
” إذن أنت من خنت ولاء ملكك وسمحت لهؤلاء الرجال بالدخول لمملكتي بختمه الخاص بالتجار ؟؟”
رفع الرجل رأسه وهو يرتجف بقوة، نظر صوب آزار الذي بادله النظرات بأخرى مرعبة، يحذره أن يحيد عن قول الحق وعن الاعتراف بكل ما حدث، آزار ليس بالملك الاحمق الذي يطمح لبناء عداوة شخصية مع مملكة بحجم سفيد لأجل رجل كهذا، لذلك إن كان تسليمه سيخفف غضب إيفان فللجحيم هو وعائلته اجمعين..
” أنا يا مولاي … أنا لم أعلم أنهم…”
صمت يبتلع ريقه برعب شديد :
” سامحني يا مولاي أتوسل إليك أن تعفو عني، سأعمل خادمًا لك المتبقي من عمري، اقسم أنني لن افعل ما فعلت مجددًا ..”
كان الرجل يبكي ويتوسله من بين شهقاته، ابتسم له إيفان بقسوة دون أن تهتز له شعره واحدة، هو فيما يخص مملكته لا قلب له ولا يرحم، من أخطأ يُعاقب .
” أخبرني كيف أخذت ختم الملك الخاص وادخلتهم به ؟؟ اوراق هؤلاء الرجال خُتمت بختم التجار صحيح ؟؟ كيف فعلت ذلك ؟!”
رفع الرجل عيونه باكيًا مرتجفًا يتوسل منه رحمته يعلم أنه لن ينالها، فمن نال سابقًا رحمة من آل سفيد، فكبيرهم ومؤسس سفيد كان رجل متجبر، صخرة تسير على الأرض لا يرحم من يخطأ في حقه، بل يدهسهم أسفل أقدامه دون شفقة، لقد كان ملك سفيد الاول عبارة عن قصة رعب يتم ارهاب الاطفال بها، ستأكل أم نحضر لك كبير سفيد ؟؟ ذلك الرجل ذو العين الصناعية بعدما فقد خاصته في أحد الحروب .
على الاقل إيفان كان به بعض الرحمة والعدل وهو سيستغل كل ذرة رحمة لديه ليعفو عنه :
” مولاي أنا… أنا المسؤول عن اوراق التجار وحركة التجارة بين مملكتنا ومملكتك، وامتلك الختم الخاص بمرور التجار، وأنا من ختمت لهم عليه بنفسي ليسمح جنودك لهم بالعبور”
نظر له إيفان ثواني، ثم قال بغموض :
” إذن أنت من سمحت لهم بالمرور عبر حدود مملكتي بتصريح التجارة ؟؟ ”
” نعم مولاي هذا صحيح، ارجو رحمتك مولاي ..”
ختم كلماته، ليكرر إيفان ناس جملته السابقة :
” تعني أنك من ختمت على تصاريح الخروج بختم التجار ؟؟”
نظر له الرجل ثواني بريبة، ثم نظر لآزار الذي احتدت نظراته وهو يحدق بإيفان يشعر بالغضب يملئ صدره بسببه، تنفس بصوت مرتفع يأمر الرجل أن يثبت حديث إيفان عليه .
ليهز الرجل رأسه للمرة الثانية :
” نعم مولاي أنا من ختمت لهم بختم التجار قبل دخول مملكتك مباشرة .”
اتسعت بسمة إيفان ينظر للرجال جواره، ثم نظر للرجل يقول بنبرة غامضة مرعبة :
” لكن الختم على تصاريح هؤلاء الرجال لم يكن ختم تجار يا عزيزي ”
اتسعت أعين جميع من بالقاعة وشحب وجه الرجل الذي ارتجف جسده فورًا ونظر لآزار الذي اهتز صدره لثواني، واتسعت بسمة إيفان الخبيثة وهو يقول :
” هؤلاء الرجال دخلوا مملكتي عبر مملكتك ملك آزار بتصريح زيارة وليس تصريح تجارة ”
انتفض آزار بقوة ينظر صوب إيفان قائلًا بصوت مرتفع :
” لكن أنت من قال أنه كان تصريح تجارة ملك إيفان، هل تتلاعب بي أم ماذا ؟؟”
رمش إيفان ببراءة شديدة يهز رأسه، ثم قال ببساطة شديدة :
” لقد أخطأت ملك آزار، وأنت لم تصحح لي خطأي، بل سارعت لتحضر رجلًا بريئًا يؤكده لي ”
اشتعل صدر آزار ينهض عن مقعد الذي يقع يمين عرش إيفان وهو يصرخ بجنون في وجهه وقد احتدت أعينه وعلت نبرته :
” ما الذي ترنو إليه من خلف العابك تلك ملك إيفان ؟!”
” أنا لا أرنو لشيء سوى أمان مملكتي والذي هددته مملكتك ملك آزار، ومن يتجرأ ويهدد مملكتي بقشة، سأمحيه بالسيوف ”
انتفض رجال آزار في غمضة عين يرفعون سيوفهم بقوة في وجهه إيفان وجنوده بتهديد واضح، وكأنهم كانوا يتحينون فرصة القتال، واشتعلت الأجواء داخل القاعة وقد بدت كما لو كانت الحرب ..
صرخ آزار وقد وصل غضبه للقمة :
” إن كنت تطمح لحربٍ معي إيفان فلا تبحث عن حجج واهية تبرر بها أسبابك، جميعنا نعلم أنك تبغي توسيع رقعة مملكتك، تمامًا كأجدادك الجشعين وستفعل ذلك على حساب مملكتي، ولن استبعد أن تستعين بهؤلاء المنبوذين الملاعين ليساعدوك كما ساعدوك في إسقاط مشكى سابقًا”
ختم حديثه وهو يخرج سيفه بقوة ودون مقدمات كان يضعه أمام وجهه إيفان في إعلان صريح للحرب :
” إن كنت تريدها حربًا فلك ذلك ..”
” نحن لسنا دعاة حرب ملك آزار، لكن إن دعت الحاجة فنحن أهلٌ لها، والآن إن لم ترد أن تخرج من سفيد محملًا بجثث رجالك جميعهم وتمتلئ مقابر مملكتك بجثث جنودك فأنزل سيفك ”
ولم يكن ذلك الصوت صوت إيفان أو حد رجاله، بل كان صوت من ترتعش له ابدان جميع الرجال، الرجل الذين لا يبصرونه سوى في أرض المعركة..
كان سالار يقف خلف آزار دون أن يحرك يده يأمره بكل قوة أن ينزل سيفه، وحينما أبصر ارتجاف جسد آزار _ غضبًا بالطبع _ اتسعت بسمته وهو يحرك نظراته صوب جنود مملكة آبى يصرخ في وجوههم بصوت جهوري :
” إن لم ترغبوا في رؤيتي أدق ابواب مملكتكم في الغد مع جيشي، فأنزلوا سيوفكم جميعًا”
سالار لم يكن من الحمق الذي يجعله يجهل عاقبة تهديد أحد الملوك والتي قد تؤدي لإعدامه، لكن ساعة الحروب تسقط كامل القوانين والعقوبات، وهو يتجاهل كل ذلك حين المساس ببلاده أو ملكها، وطالما أن آزار تناسى عقوبة تهديد ملك، فهو كذلك .
نظر الرجال بريبة صوب آزار في انتظار أمر منه لخفض اسلحتهم، وآزار كان فقط ينظر بأعين إيفان الذي ابتسم بسمة واسعة يرفع رأسه عاليًا بكل غرور، يزيح سيف آزار بعيدًا عنه بسهولة ..
قبض آزار على سيفه وقد شعر بالجحيم، الجحيم يبتلعه في تلك اللحظة، أن يتواقح عليه رجل بين جنوده لهو الجحيم بحد ذاته .
وحينما وجد سالار منه اعتراضًا على كلماته نزع سيفه من غمده في ثواني معدودة، ثم وضعه بتهديد واضع على رقبة آزار يهمس بفحيح :
” رقبتك مقابل كلمة، قل لهم أن يخفضوا أسلحتهم ”
نظر له آزار بسخرية، يعلم سالار جيدًا أن آزار ليس بالرجل الهين، هو لا يخاف منه وهو يعلم ذلك، لكنه لن يتوانى عن قتل كل من يعترض طريقه ويهدد ملكه ومملكته.
في تلك اللحظة التي أشهر بها الجميع سيوفهم وآخرهم سالار، انطلقت صرخة أنثوية لا تناسب بأي شكلٍ من الأشكال هذا المشهد، صرخة جذبت أنظار الجميع خاصة إيفان الذي تصلب جسده بقوة يراقب ذلك الجسد الصغير الذي يختفي خلف الرجال بأعين حريصة .
نظر آزار بهدوء صوب رجاله يأمرهم باخفاض أسلحتهم، في نفس اللحظة التي وضع بها سالار السيف داخل غمده، ليشعر فجأة بقبضة على كم ثيابه، وفجأة تذكر تبارك .
استدار ببطء مستنكرًا ما تفعل :
” حقًا ؟؟”
كان يحدق بها، ليجدها تتمسك بكم ثيابه تحتمي خلفه من الجميع، ورغم ذلك عيونها تدور في المكان بانبهار شديد، رغم رعبها وجسدها الذي يرتجف، إلا أنها لا تنكر أن كل ذلك مبهر حقًا
أطال إيفان النظر صوب سالار، يحدق في الجسد الصغير النسائي الذي يختبئ خلفه، لكنه في تلك اللحظة لم يهتم سوى لابعادها عن كل ذلك، وفورًا أشار بعيونه لجنوده نحوها بأمر صامت أن يحملوها خارج القاعة.
تحرك الجنود صوب تبارك يتحدث لها أحدهم بهدوء أن تخرج معهم، لكن تبارك وحينما رأتهم يقتربون منها ارتجفت تزيد من قوة تمسكها بسالار تقترب منه أكثر هامسة بخوف :
” لا ..لا …يا قائد، يا قائد ”
نظر لها سالار يتنفس بصوت مرتفع، ثم نظر للجنود وكاد يصرفهم كي لا يخيفونها، لكن بنظرة من إيفان اغمض عيونه، ثم همس لها بصوت منخفض وبشكل لا يظهر للجميع قربه منها :
” مولاتي اذهبي مع الجنود سيأخذونك لجناحك كي ترتاحي قليلًا حتى تنتهي تلك الجلسة ”
تمسكت به في خوف شديد، هي لا تعرف في هذا المكان سواه، وحتى إن كانت تتشاجر معه وتختلف منه كثيرًا وتكره صراخه، لكنها تثق به :
” لا أنا خايفة، خليني هنا وأنا والله مش هصرخ تاني ..”
” ماذا ؟؟ مولاتي رجاءً اذهبي مع الجنود، وفضلًا توقفي عن التحدث بهذه اللهجة، هذا غير مسموح هنا ”
نظرت له بخوف ثم رأت الجنود ينتظرونها، لذلك افلتت كم ثيابه ببطء وتحركت مع الجنود بهدوء وبريبة .
لكن وقبل أن تخرج من القاعة بشكل كامل استدارت للمرة الأخيرة ونظرت لسالار الذي كان يقف بكل جسارة بين الرجال ببنيته القوية، ومن ثم تحركت بعيونها ونظرت صوب الملك لأول مرة منذ جاءت لتُصدم به يحدق فيه وجهها بأعين ضيقة، شهقت تتحرك بسرعة خارج المكان مع الجنود، بينما إيفان عاد بنظراته لما يحدث وابتسم بسمة جانبية وقال :
” والآن ملك آزار ما رأيك أن نتحدث بكل هدوء ودون صراخ ؟؟”
_________________________
نظرت برلنت بلهفة صوب الرجل الذي ركض صوبهم بسرعة كبيرة، وفجأة أشرق وجه تميم يهمس بتعب شديد قبل أن يسقط في غيمة سوداء تبتلعه :
” دانيار …”
ركض له دانيار بلهفة وخوف شديد يتلقف جسده بين أحضانه بحنان شديد يضمه له يهمس له بهدوء :
” اخي ما بك ؟؟ من ذلك الذي ستفقده والدته وفعل بك هذا ؟!”
نظر تميم لوجهه ببسمة صغيرة يحاول الحديث، لكن الوجع قاتله في تلك اللحظة، اقترب من كتف دانيار يستند عليه حتى يصل لكتفه يهمس له بصوت منخفض يأبى أن يظهر ألمه أمام أحدٍ، لا يظهر ضعفه ولو كان تنازعه روحه للخروج من جسده :
” خذني بعيدًا عن هنا دانيار، أشعر بالوهن الشديد يا أخي، فقط خذني لمهيار ولا تجعل أحدهم يراني بهذه الحالة ”
نظر له دانيار برعب وهو يرى أجفانه تكاد تنغلق يهتف باسمه في رعب شديد ليسمع جواره صوت مرتعب يتساءل بارتجاف :
” هل رحل ؟؟”
استدار دانيار كالرصاصة صوب صاحبة الصوت ودون أن تستوعب برلنت كيف ومتى ولماذا وجدت سيف يوجه صوب رقبتها وصوته خرج مرسلًا موجات هلع لقلبها :
” من أنتِ وماذا تفعلين هنا وما علاقتك بإصابته ؟؟”
نظرت برلنت للسيف الذي كان يوجهه على رقبتها وشعرت برغبة عارمة في البكاء، تنفست تحاول أن تجد كلمات في عقلها للدفاع عن نفسها، لكن فجأة وجدت جسد يقف أمامها يستلم هو حد السيف بدلًا منها :
” أنت أيها الرجل، مالك ترفع سيفك في وجه كل من تحدث بكلمة جوار أذنك ؟؟ تحلى ببعض المروءة ولا ترفع سيفك في وجه أمرأة ”
نهض دانيار يقف مقابلًا لها يشرف عليها من الاعلى، ثم مال بعض الشيء يهمس لها بفحيح :
” أنا في حياتي لم أرفع سيفي بوجه امرأة، ولن أفعل.”
ختم حديثه يرفع جسد تميم أعلى كتفه بقوة ثم رمى برلنت بنظرات مشتعلة :
” إن علمت أن لكِ علاقة بما حدث له من بعيد حتى سأحضرك واريكِ الويل ولو عدتي لرحم والدتك ”
تحرك بسرعة يركض في القلعة بسرعة كبيرة وأعلى كتفه يقبع جسد تميم، يستغل عدم وجود الكثير من الأشخاص في هذه البقعة من القصر ويتخذ طرقًا مختصرة للوصول إلى مشفى القصر :
” تحمل يا أخي…”
نظرت زمرد لاثره بعدم فهم تهتف بجدة وهي تلوح بيدها في الهواء بحنق :
” يقول أنه في حياته لم يرفع سيفًا على امرأة، الكاذب رفعه عليّ اليوم مرتـ …. أوه”
كانت برلنت تراقب بصدمة أثر دانيار:
” نعم، أوه ”
صمتت زمرد فجأة وقد على الذهول وجهها تفهم ما يرمي إليه من خلف حديثه وقد اتسعت عيونها وابتسمت بعدم تصديق وقد جمدت من الصدمة في أرضها، تهمس من بين أسنانها:
” ذلك الـ …”
__________________
اقتحم عيادة القصر بقوة وهو يصرخ بصوت مرتفع :
” مهيار …مهيار ساعدني ”
انتفض شاب في نهاية العقد الثالث من عمره يتميز بالملامح الهادئة والمشرقة، ينظر صوب باب غرفته، لتتسع عيونه بصدمة يركض صوب دانيار يشير لها على الفراش الموضوع في أحد أركان الغرفة :
” يا الله ما به تميم ؟؟”
” لا اعلم من ذلك القذر الذي تجرأ ولمسه، لكن صبرًا اقسم أنني سأعلم منه واريه كيف يكون جحيم الأرض ”
بدأ مهيار يساعد تميم في التسطح براحة، ثم ركض يبحث عن أدواته وهو يتنفس بصوت مرتفع :
” يا ويلي دانيار الجروح ملتهبة ”
” ماذا تعني ؟؟ عالجه وإلا جعلتك تتسطح جواره ”
نظر له مهيار بحدة ولم يهتم بالرد عليه وبدأ بالعمل وتقطيع ثيابه، ومحاولة استدراك ما يحدث، ودانيار يقف فوق رأسه يراقبه بحدة مما جعل مهيار يرفع رأسه له صارخًا :
” بالله عليك تحرك يمينًا أو يسارًا أن تعيق حركتي بهذا الشكل، يا الله أي كوارث هي تلك التي تسقط على رأسي”
ابتسم دانيار بشكل مستفز يشير صوب تميم :
” عالج تميم الأن في هذه اللحظة أريده أن ينهض ويخرج معي من غرفتك العفنة مهيار ”
هز مهيار رأسه ثم رفع يده عاليًا يحركها في الهواء وهو يحمل مشرطه يردد بشكل جدي بالكامل مغمضًا عينه، يقول بنبرة عالية :
” لتُشفى جروح تميم في الحال ..”
أنهى حديثه يفتح عيونه ينظر صوب تميم الذي ما يزال مسطحًا بجروحه، رفع مهيار المشرط صوب عيونه وهو يحركه بسأم :
” ياااه ما بها عصاي السحرية لا تعمل؟!”
رفع رأسه صوب دانيار ينظر له ببسمة مستفزة وصدمة مصطنعة :
” يبدو أنها تعطلت ”
ابتسم دانيار لعمله أنه يسخر منه، سرعان ما جذبه من ثيابه نحوه بشر يهسهس من بين أسنانه وهو يكاد يبتلع مهيار بالمعنى الحرفي :
” هل تحاول السخرية مني ؟؟”
” نعم هذا بالفعل ما احاول فعله، فأنت لا تتوقع مني أن أفعل ما تطلبه مني ”
” بلى اتوقع، كيف إذن درست الطب أيها الطبيب الفاشل ؟؟”
اشتعلت أعين مهيار يهمس في المقابل بشر :
” أنا طبيب ولست ساحر ..”
” إذن عالج صديقي الآن”
” سأفعل إن تركت ثيابي ”
تدخل صوت بينهما وهو يردد بوهن شديد أثناء تسطحه على على الفراش :
” عذرًا لكما، إن انتهيتما من ذلك الشجار الذي تجريانه في هذه اللحظة، رجاءً أنقذوني قبل أن أسلم روحي لخالقها”
نظر الاثنان في نفس الوقت صوب الفراش قبل أن يترك دانيار ثياب مهيار، يرفع سيف زمرد عليه وقد فاده هذا السيف اليوم كثيرًا :
” هيا أيها الفاشل عالج ذلك الرجل والآن..”
رفع مهيار مشرط في وجه دانيار يقول بصوت متوعد :
” في انتظار ذلك اليوم الذي ستتسطح به أمامي وتكون تحت رحمتي ”
ابتسم له دانيار يقول بعناد :
” وقتها سأكون جثة، فأنا طالما هناك أنفاس بصدري لن أسمح لك بلمسي ”
امسك تميم مفرش السرير يضغط عليه بقوة صارخًا يتعب شديد ووجع كبير غير مصدقًا أنه الآن ينازع الموت في حين أنهما يجريان جدالًا :
” ياالله اقبض روحي وخلصني من كل ذلك .”
صرخ دانيار بجنون في مهيار :
” تحرك وخلص الرجل من وجعه مهيار قبل أن انتهي منك …”
___________
كانت ما تزال الساحة مشتعلة وقد بدأ آزار يزداد جنونًا مما حدث معه، نظر في أرجاء القاعة يأمر حنوده بالتحفز، ثم قال بجدية :
” إذن ملك إيفان إن كنت تعتقد الآن أنني سأجثو أسفل أقدامك أتوسل رحمتك، فأنت لا تعرفني جيدًا، إن أردت حربًا فالغد موعدنا ..”
قال إيفان بكل ذرة هدوء وتعقل يمتلكها :
” لا لا ملك آزار، أي حرب تلك استغفر الله، أنا فقط أخبرك أن التهديد والأسلحة لا تنفع في حوار معي ومع جنود، لذلك أن تأتي ومعك نصف جيشك ليس بالشيء الجيد، فإما أن تأتيني غدًا وحدك مع مستشاري مملكتك كرجل لا يهاب شيئًا، أو تأتي محتميًا خلف جيشك، مملكتي واسعة تستوعب كامل الجيش ”
هكذا كانت الأمور طوال الوقت، لا يُذكر أن هناك مواجهة انتهت بين آزار وإيفان على خير، ولو أن إيفان ترك تعقله القليل في جميع لقائاته مع آزار، لكانت الآن سفيد في حروب لا تنتهي مع آبى .
تنهد آزار بصوت مرتفع يطيل النظر في أعين إيفان بشكل حاد، قبل أن يهز رأسه ببساطة :
” لك هذا ”
وبهذه الكلمات ختم آزار حديثه وتحرك خارج القاعة دون كلمة واحدة وخلفه جميع جنوده الذين لحقوا به بسرعة وطاعة، والرجل الذي كان ما يزال جاثيًا ارضًا يرتجي منه رحمة، استغل كل ما حدث وركض بسرعة كبيرة خلف آزار.
كل ذلك وأعين إيفان مشتعلة، ينظر أمامه دون ردة فعل، ودون أي مقدمات ارتسمت بسمة جانبية على فمه، ينظر صوب سالار الذي كانت نفس البسمة تعلو وجهه لكن بشكل أكثر شراسة، بادل سالار الملك النظرات وكأنه يخبره أنه يدري جيدًا ما يريد وهو سيتولى الأمر.
هبط إيفان عن مقعده يتحرك صوب سالار يفتح له ذراعيه بترحاب شديد وامتنان كبير :
” مرحبًا بعودتك للوطن يا عزيزي، حامي حمى سفيد عاد واخيرًا”
ابتسم له سالار يبادله العناق هامسًا :
” يبدو أنك اشتقت لخسارة في ساحة النزال مولاي ”
أطلق إيفان ضحكات عالية يبتعد عن سالار، ذلك الرجل لا ينسى ابدًا، كان هو الوحيد الذي هزمه داخل الساحة، لذلك استحق وعن جدارة لقب ” وحش سفيد ” الجميع يراه وحشًا لا شعور لديه، وآه لو يعلمون أن ذلك الوحش هو أكثرهم لينًا ..
” إذن أتمنى أن تكون رحلتك في الجانب الآخر مثمرة يا صديقي .”
” آه يا مولاي لو أخبرك حجم الثمار التي جنيتها في تلك الرحلة لبكيت عليّ شفقة ”
رمقه إيفان بعدم فهم، لكن سالار ابتسم بتشفي واضح يربت على كتفه يقول كلمات مقتضبة قبل أن يتحرك من أمامه تاركًا إياه لا يفهم شيئًا :
” الله خير حافظ مولاي، لك الله جلالتك ”
” هييه ماذا تعني ؟؟”
أبتسم سالار بسمة جانبية يتحرك خارج المكان يقول ملوحًا بيديه في الهواء وهو يستدير ينظر له بغموض :
” سأدعك تكتشف بنفسك، والآن أسمح لي مولاي أن اتفقد جيشي العزيز، ثم سأرتاح قليلًا قبل أن أعود العمل مجددًا”
توقف فجأة يقول :
” وصحيح اتمنى مولاي إن احتجت لمن يتولى مهمة كالمهمة الأخيرة لي، أن تنسى امتلاكك لجندي يُدعى سالار، ربما تلجأ لدانيار أو تميم، وداعًا ”
وعلى ذكر دانيار وتميم، أين هما هذان الشابان، تاركين الملك يواجه آزار ويحضر اجتماعًا كهذا وحده .
نظر سالار حوله، ثم تحرك كي يبحث عنهما في معمل تميم ..
بينما إيفان كان يقف في القاعة وهو يلاحق سالار بنظراته في محاولة يائسة منه لمعرفة ما حدث ..
” يالله هل هي سيئة لهذه الدرجة ؟؟”
تحرك بسرعة خارج القاعة ومعطفه يرفرف خلفه بقوة، يتحرك داخل الممرات بسرعة وفي عينه نظرات تصميم لرؤيتها والتحدث معها حتى يعلم ما يقصد سالار، لكن أثناء تحركه من قاعة الاجتماعات الداخلية، توقف ثواني ودون أن يشعر أمام منطقة الحظائر ينظر لها بفضول وكأنه يبحث عنها بعيونه ليرى ما تفعل، لكن فجأة تنهد بعدم اهتمام يكمل طريقه صوب الحجرات الملكية الخاصة به وبرجاله المقربين ..
ابتسم يقترب وهو يمني نفسه بحديث طويل يفهم من خلال الملكة و..
فجأة توقف مرتعبًا حينما سمع صوت تحطم قوي مخيف وكأن هناك جبلًا من الزجاج أنهار لتوه، تحرك بأقدام حريصة سرعان ما هرول بفزع حينما سمع صوت يهتف بقوة :
” الصوت قادم من حجرة الملكة ……”
__________________
يتحرك بقوة بين طرقات القصر، وبخطوات تنهب الأرض أسفله كقرع الخيل في السباق، لم يصدق حينما أخبره أحد جنوده أنه لمح القائد دانيار يركض حاملًا القائد تميم والذي كانت الدماء تسيل منه بغزارة .
ما الذي يحدث هنا ؟؟ ترك المملكة لأسابيع ليعود ويجد كل تلك الفوضى ؟؟
اشتعلت أعين سالار بقوة وهو يتنفس بصوت مرتفع يتوعد للجميع بنيل عقابهم، الواحد تلو الآخر سينال قصاصه منهم، صبرًا .
وصل لمشفى القلعة يتحرك صوب العيادة، ثم اقتحمها دون مقدمات يفتح فمه للتعبير عن قلقه تجاه ما حدث لتميم والذي لا يعلم إن كان في هذه اللحظة ينازع الموت أم….يحاول الابعاد بين دانيار ومهيار ؟؟؟
اتسعت أعين سالار بعدم فهم وهو يرى في منتصف الغرفة قتال شرس بين دانيار قائد الرماة ومهيار الطبيب الخاص بالجنود و…شقيق دانيار الأصغر .
والمعني بالمجئ هنا لأجله يقف بينهما يحاول أن يبعدهم عن بعضهم البعض بوهن شديد وهو ينزف ..
” بالله عليكم ما الذي يحدث هنا ؟!”
تدخل سالار بينهما يحاول ابعادهما عن بعضها البعض، لكن ما نال طاعة منهما، بل كل ما جناه لكمة لا يدري مِن قبضة مَن ؟! لكمة جعلت أعين سالار تشتعل بغضب اسود وهو يرفع قبضته ويهبط بها على وجه دانيار، ثم أخرى على وجه مهيار واخيرًا تحدث بصوت قوي آمر :
” توقفوا عن تلك الأفعال الأن وحالًا ”
وكأنه ألقى بينهما قنبلة، إذ ابتعد الاثنان بسرعة منتفضين للخلف على صوت يعلمونه تمام العلم، اتسعت أعين الاثنين بصدمة وحلقت نظراتهم بصدمة على وجه سالار الذي تشدق بنبرة مرعبة :
” ما الذي يحدث هنا ؟!”
وقف دانيار باستقامة يضع يده على صدره باحترام شديد :
” قائد …لقد عدت، أنرت سفيد سيدي ”
ابتسم سالار بسخرية وهو ينظر لمهيار الذي ابتلع ريقه يقول بتوتر :
” مرحبًا بعودتك يا قائد ”
تجاهلهما سالار وهو يتحرك صوب تميم ليبتعد الاثنان من طريقه بسرعة مفسحين له مجال المرور، وهو توقف أمام تميم الذي حاول التغلب على آلامه يهتف من بين أسنانه:
” مرحبًا بك يا قائد ”
” استرح ..”
وفورًا تراخى جسد تميم يلقي بنفسه على الفراش، ثم استدار سالار ينظر لهما ولم يهمس سوى بكلمات معدودة :
” مهيار عالجه والآن.. وأنت دانيار للخارج ”
اعترض دانيار بقوة يشير صوب تميم :
” لكن يا قائد هو ..”
” قلت للخارج دانيار ”
زفر دانيار يخرج من الغرفة بحنق شديد ومهيار يبتسم بتشفي قبل أن يركض تحت نظرات سالار ليعالج تميم ويلملم له جروحه .
وسالار فقط يضم ذراعيه لصدره يراقب ما يحدث بانتباه شديد، حتى استقام مهيار بعد نصف ساعة تقريبًا يقول بهدوء :
” حسنًا أعطيته بعض السوائل المسكنة والمخدرة كي لا يشعر بوجع بسبب التهابات جروحه، سيظل تحت متابعتي لأيام ومن بعدها سيصبح بخير حال ”
هز سالار رأسه يتابع خروج مهيار، ثم اقترب من تميم يربت على خصلاته بحنان شديد :
” ارتح قليلًا يا صديقي، لك إذني بالاستراحة حتى تشفى”
خرج من الغرفة يغلق الباب بهدوء متنفسًا براحة بعدما اطمئن على حالة تميم، لكن ما إن استدار وجد دانيار يحشر مهيار في الزاوية وهو يضغط على رقبته بقوة، بينما مهيار يضع مشرطه على خصر دانيار .
رفع سالار حاجبه ليجدهم انتفضوا برعب وكلٌ منهم يخفي ما يحمل مبتسمًا بسمة عادية، حتى أن دانيار مال يقبل خصلات شعر شقيقه ثم ربت عليها مبتسمًا بسمة غبية أمام أعين سالار :
” شقيقي الحبيب يا من تبقى لي في هذه الحياة ”
ابتسم له مهيار يتقبل كلماته ببسمة مصطنعة :
” ادامك الله لي يا دانيار، أنت في مكانة والدي رحمة الله عليه بعد موته ”
ابتسم الاثنان يتعانقان أمام سالار الذي ابتسم بسمة ساخرة، ثم قال بصوت هادئ لكن مرعب :
” انتهيتما من ذلك المشهد العائلي ؟؟”
نظر له الاثنان بانتباه ليقول سالار ببساطة قبل التحرك خارج المشفى :
” خمس ساعات من التدريب الإضافية لكلٍ منكما ”
شهق مهيار واتسعت عيونه بصدمة، تدريب ؟؟ أي تدريب ؟؟ هو طبيب، كاد يفتح فمه للحديث، لكن سالار والذي كان يسير بعيدًا عنهما قال :
” كلمة واحدة واجلعهم عشر ساعات ..”
ختم حديثه يخرج بالكامل من المشفى، ثم سار كي يعود لمخدعه حتى يرتاح ويستحم بعد أيام من الإرهاق الشديد، وفي طريقه كان يلمح أجساد الجنود تشتد كالوتد حين مروره بهم، نظر لهم بهدوء يحييهم برأسه..
تحرك صوب حجرته والذي يقع في ممر كبار القصر، لكن وقبل أن يخطو للممر الفرعي الذي ينحدر من الممر الرئيسي والذي يحتوي جناحه الخاص، سمع صوتًا يصرخ ويقول :
” أنها الملكة ..”
توقفت اقدام سالار فجأة وهو ينظر خلفه بملامح باردة بعض الشيء يغير طريقه هامسًا :
” يالله نجنا من تلك الكارثة …”
__________________
قبل ذلك بنصف ساعة تقريبًا .
كانت تقف في منتصف الجناح الذي وضعها به هؤلاء الجنود ذوي الأجساد الصخمة، فكرت بجدية هل هؤلاء من يعملون مع القائد ؟؟ يا الله يتعامل كل يوم مع هؤلاء المرعبين ؟! حسنًا هو أيضًا مرعب قليلًا، أو ربما كثيرًا .
تنهدت تمرر عيونها في المكان وقد شعرت فجأة برغبة عارمة في القفز والركض بين جدران ذلك المكان الذي كان كما لو أنه خرج من قصص الاميرات والملوك القديمة، جناح فخم بجدران بيضاء واثاث في قمة الفخامة، وهناك بعض الجدران مطلية بالذهب وكذا الاثاث .
تنفست تبارك بصوت مرتفع تحاول أن تستوعب ما هي محاطة به، بالله هي في أكثر أحلامها جموحًا لم تتخيل أنها قد تشاهد هكذا مشهد عن قرب وليس تعيش به، وتكون الملكة….لحظة فقط، لحظة، هي الملكة ؟! دقائق بل ساعات لتستوعب ما يحدث حولها، هي الملكة على كل ذلك ؟؟ حقًا ؟!
فجأة شعرت بالادرينالين يرتفع ويتدافع داخل أوردتها لكامل اجزاء جسدها، حماس وسعادة وخوف، خوف من حمل مثل هذه المسؤولية الكبيرة، ابتلعت ريقها تتحرك حتى توقفت أمام مرآة مستقرة في أحد أركان الغرفة، إن كان يمكن وصف هذا القصر بغرفة.
” دول شكلهم اغنية اوي، أنا ايه اللي رميت نفسي فيه ده ؟!”
تنفست تحاول أن تهدأ نفسها، قبل أن تنجذب عيونها صوب طاولة زجاجية كبيرة موضوعة جوار نافذة بحجم الجدار وعليها مزهرية زجاجية شفافة مليئة بزهور بديعة المظهر .
ابتسمت تبارك دون شعور تقترب منها بسرعة وقد شعرت بضربات قلبها تتراقص سعادة، هي من عشاق الزهور بكافة الوانها وانواعها .
جلست ارضًا أمام الطاولة مباشرة تراقبها بأعين مندهشة، كيف تلتمع بهذا الشكل، تبدو جميلة بشكل لا يصدقه عقل، ابتلعت ريقها تتحسس الطاولة وملمسها الغريب :
” نوعه ايه الازاز ده ؟!”
أخذت تدور بعيونها حول الطاولة تدقق النظر بتفاصيله، ثم نهضت بهدوء تتحرك بعيدًا عن الطاولة وما كادت تستدير حتى أبصرت خيال شيء يتحرك خلفها بطرف عيونها لتننفض صارخة برعب ومن سوء حظها اندفعت للخلف لتسقط الطاولة، ارتجفت تحاول أن تمسك بها قبل أن تمس الأرض لكن كل ما استطاعت إنقاذه كان المزهرية الزجاجية .
اتسعت عيونها ونظرت سريعًا خلفها بخوف لترى أن ما تحرك ورأته لم يكن سوى ظل الستائر، ابتلعت ريقها تشعر بالرعب وهي تتساءل عن ثمن تلك الطاولة التي حطمتها..
فجأة سمعت صرخة عالية في الخارج بصوت جهوري :
” ما الذي تنتظرونه أيها الحمقى حطموا ذلك الباب قبل أن تتضرر الملكة .”
وما هي إلا ثواني قليلة حتى أصبحت تبارك محاصرة داخل الغرفة يحيطها الكثير من الجنود والملك الذي يقف أمامها يرمقها بملامح متعجبة وهي فقط تحتضن المزهرية :
” أنا بس..اقصد هو فقط لقد اصطدمت بالخطأ في تلك الطاولة هناك و…”
توقفت عن الحديث حينما رأت عين ذلك الملك تزداد حدة، ابتلعت ريقها تمد يدها له بالمزهرية :
” اتفضل أنا لحقت دي، و… أقصد من الأفضل أن تصنعوا الطاولات من الخشب، هذا افضل من الزجاج ”
نظر إيفان للمزهرية بين أنامله يهمس :
” هي مصنوعة من الكريستال وليس الزجاج ”
اتسعت أعين تبارك تستشعر فداحة ما فعلت، نعم لا تعلم اسعار ذلك الكريستال أو أي شيء عنه، لكنها تشعر أنها كبدتهم العديد من الخسائر .
نظرت ارضًا بخجل :
” أنا آسفة لم أقصد أن أفعل ذلك هو …”
كانت متوترة بشكل مبالغ به بسبب نظرات إيفان لها، نظرت حوله لمظهر الجنود الذين يحيطون الغرفة وكأنهم يخشون هروبها .
شعرت برغبة عارمة في البكاء خوفًا وتوترًا، يالله هي عاشت حياتها تخشى التعامل مع الناس وتتجنب شرورهم إلا القليل منهم، والآن هي في غرفة فاخرة تقف في وسط ما لا يقل عن خمسة عشر رجل مسلح وملك دولة كبيرة .
فجأة ومن وسط كل هذا أبصرت منقذها والوحيد الذي تعرف في هذا المكان، لذا بدون مقدمات ركضت بسرعة صوب سالار الذي دخل الجناح يتساءل عما حدث .
كل ذلك كان تحت أعين الجنود التي اتسعت بصدمة لاحتماء الملكة من الملك خلف ظهر قائد الجيوش الاعلى .
وسالار انتفض جسده بقوة وصدمة مما حصل، نظر لها يراها تتمسك بثيابه وهي تهمس :
” ساعدني يا قائد، قولهم اني هعوضهم والله ”
لكن هو كان لا يستوعب ما يحدث، هي تحتمي به من الملك ؟! ما هذا الذي يراه ويسمعه الآن ؟!
وفي نفس الوقت كان دانيار والذي لحق بسالار حتى يتحدث معه يراقب ما يحدث ليبتسم بصدمة واسعة يراقب بتسلية ذلك المشهد المريب والتاريخي، الملكة تحتمي من زوجها المستقبلي في القائد سالار، تخاف الملك ولا تخاف سالار ؟؟
الأمر أشبه أن تخشى ذئبًا، فتركض لتحتمي منه داخل عرين الاسد .
أطلق دانيار ضحكات مكتومة وهو يرى نظرات سالار صوب تبارك، وللعجب هي لم تبتعد وترتعب منها، حسنًا عليه الاعتراف أنها حقًا شجاعة .
ولم يدري دانيار أن الرعب كان كلمة بسيطة على ما تشعر به تبارك في هذه اللحظة بعد نظرات سالار لها، لكن الرعب من شيء تعلمه افضل من خوفها المجهول من ذلك الرجل الذي لا تعلم عنه شيء .
كان كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من إيفان الذي ارتسمت بسمة ساخرة على شفتيه يقول بهدوء شديد :
” عجبًا، يبدو أن ملكتي العزيزة تألفك كثيرًا قائد سالار، عكس ما توقعت تمامًا ”
رفع سالار رأسه لايفان يقول بهدوء شديد مبتعدًا من أمام تبارك :
” لا مولاي، الأمر كله أنها لا تعلم أحد هنا سواي، لذلك ارجو أن تغفر لها حتى تستأنس الجميع ”
هزت تبارك رأسها وكأنها تعلن موافقتها حديثه، فهي فعلًا إن وجدت بديلًا أقل رعبًا من سالار بالطبع ستذهب له .
هز إيفان رأسه، ثم ضيق عيونه يقول بجدية وهو يحدق بتبارك :
” اليوم بعد الغداء ملكة ….”
صمت ثم قال بهدوء وهو يقترب منها خطوات مدروسة حتى توقف أمامها يميل قليلًا هامسًا بصوت هادئ مريح :
” لم تخبريني اسمك. ”
همست تبارك بصوت منخفض :
” تبارك ”
” جميل، اليوم مساءً القاكِ ملكة تبارك، بعد الغداء أريد الجلوس معكِ، إن سمحتي لي بالطبع ”
اتسعت أعين تبارك بصدمة، ثم استدارت فجأة صوب سالار الذي كان يراقب كل ذلك بجمود وملامح مرعبة، وهي ترمقه بتعجب وكأنها تخبره ( انظر هناك رجال طبيعيين في بلادك ؟؟ ما الذي تنتظره تحرك وقم بإبادته ) .
ياالله شتان بين ذلك الهادئ ذو الملامح الوسيمة، وذلك المتحجر ذو الملامح الأوسم، وهذا ينقلنا للسؤال التالي، ما بال رجال هذه المملكة جميعهم بهذا الجمال ؟! هل هناك شيء معين لذلك ؟؟ مادة معينة في المياه لتحسين السلالات ؟؟ استغفر الله هي ستقضي حياتها داخل جدران تلك القلعة مخفضة لعيونها كي لا تُفتن بالرجال .
كانت ملامح تبارك تتغير تباعًا لتفكيرها ولم تنتبه أن هناك من ينتظر منها ردًا، حتى سمعت صوتًا خلفها يقول بنبرة تحذيرية :
” مولاتي، جلالة الملك ينتظر ردك ”
انتفضت تبارك على صوت سالار تهز رأسها بسرعة موافقة دون أن تفكر حتى، ليبتسم لها إيفان ببساطة ثم قال :
” جيد إذن، هناك من سيأتي لتنظيف كل تلك الفوضى، لذلك ارتاحي قليلًا حتى نتحدث، استأذنك”
وبمجرد أن تحرك جمدت بسمته وعادت ملامحه للجدية، يتحرك خارج الجناح وسالار يراقب رحيله، ثم نظر صوب تبارك بنظرات غامضة ومن بعدها لحق بالملك يشير بعيونه للجنود جميعهم، فانفضوا بسرعة كبيرة ..
ولم يتبق غير تبارك في منتصف الغرفة تبتسم ببلاهة :
” طلع محترم ..الملك طلع هادي ومحترم وابن ناس .”
في ذلك الوقت كان إيفان يتحرك صوب جناحه يشير لسالار أن يتبعه بعدما ينتهي من استراحته للبحث فيما حدث خلال غيابه.
لكن وأثناء ذلك لمح بعيونه العاملات يتحركن صوب جناح ملكته لتنظيفه، وواحدة فقط هي من غافلتهم وانحرفت في ممر جانبي تهرب من العمل، ابتسم بسخرية يردد :
” يبدو أن مشرفة العاملات لا تهتم بالقدر الكافي بهن، مالي أرى عاملة تتهرب من عملها كلما استدرت في هذا القصر ”
هز رأسه بحنق ينظر للخارج يسير صوب جناحه وبمجرد دخوله لا يدري ما الذي جعله يتذكر تلك الفتاة التي كانت تنافسه ذلك اليوم في حلبة القتال، ولِم راوده شعور أنه يريد لقاءً آخر معها، ونزال آخر، ترى من هي وماذا تفعل في هذه اللحظة ؟؟
تنفس يجلس على فراشه يتجاهل كل ذلك، ما شأنه بها وبما تفعل ؟؟ عليه الآن أن يفكر في مملكته وشؤنها، وملكته وامورها .
________________
أي جناح ذلك الذي سيجبرونها على تنظيفه؟! هي للتو انتهت من تنظيف الحظائر رفقة صديقاتها الأبقار، والآن كإنسانة حرة يحق لها استراحة حتى ….نهاية اليوم .
لذلك تركت كهرمان ادوات التنظيف جانبًا، نظرت حولها بريبة أن يكون هناك من يراقبها، ثم أطلقت لساقيها العنان تركض بعيدًا عن المبنى بأكمله، تتنفس براحة، بالله تشتاق لحياتها، تشتاق لدلال كانت تحيا به، تشتاق لكنف شقيقها الذي كان يحافظ عليها كما لو كانت درة مكنونة ..
عادت ذاكرتها للماضي وهي ترى الحقول الخضراء أمامها، تتذكر حقول مشابهة لها، مروج واسعة كانت تركض بها مع شقيقها..
صدى ضحكاتها يرن في الإرجاء وصرخات العزيز أرسلان تتبعها وقد بدى عليه للحظات غضب شديد تعلم جيدًا كي ستمحيه .
” كهرمان توقفي في الحال، منعتك من الركض بهذا الشكل في الأرجاء، توقفي كهرمان ”
توقفت اقدام كهرمان فجأة حينما لاحظت نبرة غاضبة وبشدة وجادة في حديث شقيقها، رفعت عيونها له لتراه يحدق بها بنظرات مرعبة، شقيقها والذي كان في نظر الجميع مرعب، لم يكن يومًا كذلك في عيونها، لكن الآن وفي هذه اللحظات كان كذلك .
ابتلعت ريقها تحاول الحديث :
” ارسلان أنا فقط لم ..لم أقصد أن أفعل معه ذلك، هو من حاول أن يتقرب مني بشكل مستفز لذلك …”
ارتفع حاجب ارسلان بقوة يقترب منها خطوات سريعة ممسكًا ذراعها وقد اشتعلت عيونه :
” التقرب لكِ ؟؟ ما الذي فعله ذلك القذر ؟؟ هل لمسك ؟؟”
” لا لا أخي لا تقلق، أنا بالطبع لن أسمح له بذلك، هو فقط …حسنًا كان يلقي نكات سخيفة ومن الواضح أنه يصطنع لطفًا، لم اتحمله لثواني، كيف بالله عليك تتطالبني بالزواج منه، غيّره فلا طاقة لي بهذا النوع من الرجال ”
تنفس ارسلان بعنف شديد يجذب رأسها له بمزاح وقد كان عازمًا على رفض ذلك الشاب على أية حال فهو ليس مستعدًا بعد ليتنازل عن شقيقته، في الوقت الحالي على الأقل :
” وأي نوع من الرجال تفضل الآنسة كهرمان ”
ابتسمت كهرمان تهتف بحب شديد :
” نوعك أخي العزيز ”
وفي ثواني تلاشت الصرامة المصطنعة وعلت نظرات حنان وجه ارسلان وهو يبتسم لها بحب، ثم مال لها كالعادة يعطيها ظهره :
” هيا إذن سأعطيك دلالًا أكثر، كي تقل فرص أي شاب يقترب لسرقتك مني، هيا اصعدي لنعود للقصر”
ابتسمت كهرمان تصعد فوق ظهره بعدما ركضت مرتعبة منه حافية القدمين لاخافتها العريس الذي تقدم لخطبتها، ابتسم أرسلان يتحرك بها وهو يحملها فوق ظهره بحنان :
” يومًا ما عزيزتي، يومًا ما سيأتي من هو أفضل مني، يعاملك كأميرة مدللة، بحنان ورقة متناهية، فلا يليق بكِ سوى الرقة، ولا تستحقين سوى السعادة والحنان اميرتي الجميلة ”
مالت كهرمان تضم رقبته بحب وهي تقبل خده :
” وإن لم يأتي أرسلان، فلا بأس أنا اكتفي بك عالمًا أخي”
” سيأتي عزيزتي، سيأتي من يستحق الأميرة كهرمان، أميرة مملكة مشكى بأكملها ”
خرجت كهرمان من ذكرياتها وهي تنظر أمامها صوب الحدائق بأعين دامعة وجسد يرتجف من الحزن، أين كانت وأين اصبحت؟! من أميرة مدللة في قصر شقيقها، لخادمة وضيعة في قصر من يحمل لشقيقها كراهية ..
هروبها لسفيد كان بطلب من أخيها، فهذه هي المملكة الوحيدة التي ستكون آمنة بها، الوحيدة التي تثق أنها يومًا لن تنحني لعاصفة، لكن معرفتها بالعداوة الأخيرة بين شقيقها والملك ارعبها، ارعبها أن تكشف هويتها كي لا ينالها ضرر، أو اسوء يسلمها بعض الخونة للمنبوذين الذي إن علموا أنها ما تزال حية لاقاموا حروبًا لأجل قتلها .
” آه يا ارسلان لو ترى ما وصل بي الحال إليه، لاقمت حروبًا، آهٍ على شبابك يا أخي، لعنة الله عليهم جميعًا، لعنة الله عليهم جميعًا، رحمك الله عزيزي ”
انهارت كهرمان بقوة ساقطة ارضًا وهي تبكي بصوت مرتفع بحسرة شديدة، تتذكر آخر كلماته وصدى صرخاته يصدح في أذنها، صوته الجهوري يصرخ بها وهو يحارب :
” غادري كهرمان، غادري لسفيد، غادري المملكة بأكملها، لا تدعي حقيرًا منهم يمسك حبيبتي، لا تدعي كافرًا منهم يمسك بكِ كهرمان، غادري وسأعود لاخذك، سأعود لاجلك حبيبتي، اذهبي لسالار هو سيساعدك ”
لكنه لم يعد ولن يفعل، فهي وقبل مغادرة البلاد بالكامل وصلت لها فاجعة قتل جميع أفراد عائلتها وعلى رأسهم شقيقها وسقوط مشكى بين أيادي المنبوذين ..
ارتجف قلبها وهي تحاول التنفس :
” كل شيء سيكون بخير كهرمان، أنتِ قوية، يومًا ما ستعود مشكى، يومًا ما ستعود بلادي …”
أخذت نفسًا عميقًا وهي تنهض تنفض ثيابها، وقد قررت خطوتها القادمة، ستفعل كما أخبرها شقيقها، ستلجأ للوحيد الذي سيساعدها في هذه المملكة، الوحيد الذي أخبرها شقيقها أن تلجأ له ليساعدها …القائد سالار .
________________________
خرجت من الجناح الخاص تود التحرك في القصر لتشاهده، حسنًا هي تشعر بالملل، حياة الملوك مملة وبشدة، ولم تدري تبارك أنها فقط في استراحة قصيرة قبل أن تبدأ حياتها الحقيقية في هذا المكان .
فتحت الباب الخاص بجناحها لينتفض الجنود من أمام الباب غير متوقعين لفتحها الباب فهم هنا من يفتحون ويغلقون الباب خلف من يريد .
ابتسمت تبارك ظنًا أنها اخافتهم، رفعت كفيها تحركهم بشكل مطمئن :
” اهدأوا هذه أنا، أنا فقط سأذهب لاتمشى قليلًا، تحتاجون لشيء أحضره معي لأجلكم ؟؟ مياه عصير او طعام ؟؟”
هل تتعامل معهم كما لو كانت والدتهم الآن ؟؟
وعندما لم يصل رد لتبارك تركتهم بكل بساطة وتحركت بعيدًا عنهم وهم ما تزال البلاهة تعلو وجوههم في محاولة واهية لفهم ما حدث منذ ثواني، الملكة غادرت غرفتها تسألهم إن كانوا يحتاجون لشيء تحضره معها لأجلهم، ثم تركتهم ورحلت بكل بساطة .
وحينما استوعب الحراس ما حدث صرخ أكبرهم في اثنين منهما :
” ما الذي تحدقون به، ألحقوا بالملكة ولا تنزعوا عيونكم عنها وإلا قطع القائد رؤوسنا ”
نعم هددهم سالار قبل الرحيل ألا ينزعوا عيونهم عنها، وهذا لأجل سلامة الملكة، حسنًا هذا ما فهموه هم، أن القائد يخشى أن يصيب الملكة شيئًا، بينما هو كان يفعل ذلك ليس خوفًا عليها، بل خوفًا منها .
سارت تبارك تنظر حولها تلوح لهذا وتبتسم لذلك، والجميع ينظر ينظر لها بأفواه مفتوحة صدمة، ليس لحركاتها الودودة بشكل مبالغ به، بل لطريقة سيرها وكلماتها الغريبة التي تلقيها .
وتبارك كانت فقط تنظر حولها ولم ينقصها إلا أن تشير لهم وتقول ( مرحبًا أنا الملكة هنا ) ..
خرجت من القصر من أحد الأبواب والتي لا تعلم إلى أين يؤدي، لكنها لم تهتم وهي تنتقل من مكان للآخر، حتى وجدت نفسها وفجأة في منطقة واسعة يحيط بها الكثير والكثير من الرجال عراة الجذع يحملون سهام ويصرخون في وجوه بعضهم البعض بعنف، ابتلعت ريقها تشعر أنها ضلت الطريق ..
عادت خطوات للخلف وهي ترى أن الجميع قد بدأ ينتبه لوجودها وبدأت الرؤوس تستدير لها والأعين تتسع بصدمة، ابتلعت ريقها تحاول التحدث تبعد عيونها عن أجسادهم بخجل كبير وقد بدأت ترتجف من الموقف المخيف بالنسبة لها :
” أنا فقط …فقط كنت أبحث عن …”
فجأة توقفت عن محاولة إيجاد تبريرات لما فعلت حينما انتفض جسدها، واجساد الجميع بسبب صرخة مرتفعة صدرت من الخلف :
” اعطوني سببًا واحدًا لتوقفكم عن التدريب ؟؟ ماذا هل أصاب اجسادكم الضعف لدرجة انكم لا تتحملون خمس سبع تمرين متواصل ؟؟”
تمتت تبارك بسخرية مما سمعت :
” والله عيب عليكم . ”
فجأة توقف دانيار عن الحديث وهو يسمع ذلك الصوت، استدار ببطء ليرى الملكة تقف وسط رجاله وهي تحدق بصدمة فيهم، وعندما انتبهت له تبارك رفعت يدها تقول ببسمة صغيرة :
” أنا كنت ..كنت فقط اطمأن أن كل شيء يسير على ما يرام هنا، احسنتم يا رجال ”
نظر لها دانيار بعدم فهم :
” ماذا ؟؟ ما الذي تفعلينه في ساحة التدريب هنا ؟؟ هل يعلم الملك بهذا ؟؟”
ابتسمت له تتراجع بقلق من نظراته الحادة تتساءل في داخلها عن رجال هذه المملكة، ما بالهم يتعاملون معها بهذه الطريقة كما لو أنها جارية هنا، لم ترى أحدهم ينحني لها ويلوح باحترام كما ترى عادة :
” لا أنا فقط ضللت الطريق، والملك لا يعلم بذلك، لذا أرجو ألا تكون من هذا النوع الذي يشبه العصافير وتخبره ”
” أي عصافير وأخبره ماذا ؟؟ ما الذي تفعلينه هنا وسط كل هؤلاء الرجال ؟؟ ”
وتبارك التي لم ترفع عيونها للرجال منذ دخلت بل فقط كانت تحدث في دانيار قالت بخجل :
” أنا فقط ضللت الطريق، سأعود من حيث جئت، آسفة”
وبالفعل استدارت بسرعة تركض بعيدًا عن المكان وقد كاد قلبها يخرج من الرعب، الموقف صعب عليها، تركض في الحديقة تحاول الخروج من تلك البقعة التي ينبت بها رجال عراة الجذع .
تنفست بصوت مرتفع تشعر بالخجل والغضب من نفسها، يالله ما الذي تفعله الآن ؟؟ تنفست كي تهدأ في اللحظة التي رأت بها ثلاثة رجال يقتربون منها محنيين الرأس باحترام، ها واخيرًا هناك من يعاملها كملكة.
” مولاتي رجاءً رافقينا، سنأخذك حيث تريدين بعيدًا عن الجزء الخاص بالجنود، فممنوع على النساء أن يطأن هذا الجزء من القصر ”
أحمّر وجه تبارك بقوة تشعر بالعار مما فعلت، عليها ألا تتصرف دون أن تعلم ما تفعل :
” أيوة ما أنا عرفت .”
نظروا لها بجهل لتهز فقط رأسها وتتحرك معهم، وفي طريقها للخروج من جزء الجنود توقفت فجأة لسماعها صوت صرخات رجولية حادة تخرج من أحد الجوانب في المكان .
نظرت للجنود بعدم فهم :
” ما الذي يحدث في هذا الجزء ؟! هل هناك غرف تعذيب ؟؟”
” لا مولاتي بل ذلك الجزء تابعٌ أيضًا لساحات التدريب، وهذه ساحة قتال والآن مولاي يبارز القائد سالار ”
اتسعت عيون تبارك بصدمة وهي تقول بعدم فهم :
” بيقتلوا بعض ؟؟”
” لا مولاتي، بل هو قتال ودي، تدريب فقط ”
ابتلعت ريقها تسمع الصرخات الحادة :
” تدريب ماذا ؟؟ أنه يقتله ”
ابتسم لها الجندي باحترام يقودها خارج المنطقة بأكملها قبل أن يعلم الملك أو حتى الملك سالار الذي يكره وجود النساء في هذه البقعة :
” لا مولاتي هم يتدربون، لكنهم عنيفون بعض الشيء في قتالهم ”
هزت رأسها تتحرك بعيدًا عن تلك الأصوات التي جعلت جسدها يقشعر رعبًا، هذا وتدريب فقط، بالله ما الذي يحدث في الحروب الحقيقية ؟؟
تنفست براحة حينما وجدت نفسها أخيرًا في حدائق غناء مليئة بأشجار الثمار وهناك العديد من النساء المنتشرين في المكان يقطفون الزهور والثمار .
” ده بقى كوكب زمردة ؟؟ ”
نظر له الجندي بجهل، لكنها لم تهتم بتوضيح مقصدها بهذه الكلمات، ابتسمت تتحرك بين الفتيات تراقب ما يفعلون بانبهار شديد، ليس وكأنها لم تر يومًا مزارعين يحصدون الفواكهه، لكن هؤلاء مزارعون في بلاد غريبة يحصدون الفواكهه .
بينما الجنود توقفوا على حدود المزارع كي لا يخطوا منطقة النساء..
” نحن سننتظرك هنا مولاتي، غير مسموح للرجال بدخول منطقة النساء ”
هزت تبارك رأسها تتحرك للداخل تتأمل المكان ببسمة، فجأة توقفت تبارك لسماعها صوت شجار عنيف يأتي من أحد الجوانب، نظرت لترى هناك فتاة تقف بين مجموعة من الفتيات، وتقبع فوق فتاة تكاد تقتلها ضربًا .
اتسعت عيون تبارك بصدمة تركض صوب ذلك الشجار وهي تتدخل بينهن بسرعة كبيرة مرددة :
” ما الذي يحدث هنا؟؟ أنتِ توقفي عن ضرب الفتاة، ابتعدي عنها ”
ارتفع وجه الفتاة بقوة والتي لم تكن سوى زمرد وهي تنظر لتبارك بشر هامسة من بين أسنانها بنبرة مرعبة :
” إن لم تبتعدي سأتركها وأمسك بكِ أنتِ، انصرفي من وجهي”
شحب وجهها من كلمات تلك الفتاة الوقحة، تهمس داخل نفسها بحنق :
” تقريبا عامة الشعب ليهم احترام عن الملكة هنا، دلوقتي عرفت ليه القائد كان مُصر يجيبني رغم اني معرفش حاجة، اكيد عشان اكون مرمطون هنا، المرمطون مش محتاج مؤهلات ”
تجاهلت تبارك ما يحدث حينما رأت سيدة كبيرة في العمر تفصل بين الفتيات موبخة إياهن بقوة شديدة متوعدة لهن بعقاب رادع، نفخت تبارك وقد شعرت بأن فقاعة انبهارها بالمكان قد تلاشت، وقررت الخروج والذهاب لغرفتها وعد حبات اللؤلؤ في الاثاث هناك، هذا سيكون أكثر متعة من كل ذلك .
لكن وقبل أن تخطي خارج المكان لاحظت بعيونها شاب يقف في أحد أركان المخازن الخاصة بالحصاد، ضيقت عيونها متسائلة :
” هو ده مش كوكب زمردة برضو ؟! الجدع ده سائب كوكب الاكشن والمغامرات وبيعمل ايه هنا ؟؟”
تحركت صوبه بفضول شديد تحاول معرفة ما يفعل، لكنها فجأة توقفت خشية أن يكون أحد رجال العمل، أو أن تتأذى، حسنًا هي ليست بالغباء الذي يجعلها تقترب من رجل في جسد ثور كهذا وتسأله ما الذي يفعله هنا، هي ستذهب وتخبر الحراس بوجود رجل في الداخل لربما يكون لغرضٍ ما، وإن لم يكن، هم سيتصرفون معه وليس هي ..
هكذا هي عقلانية بشكل مبالغ به، حينما تشعر بقرب كارثة أو شيء سييء تتصرف بكل حذر وذكاء، ربما هي غريزة البقاء التي نمت داخل صدرها طوال أعوام طويلة عاشتهم وحدها بلا حامي ..
تحركت صوب الخارج بخطوات واسعة كي تخبر الحراس بوجود رجل في الداخل وتتساءل إن كان ذلك مسموح أو لا .
لكن وقبل أن تفعل ذلك شاهدت بصدمة ذلك الرجل يسحب أمام عيونها فتاة يكمم فمها بقوة يجرها بالقوة صوب أحد المباني .
وفورًا تلاشت غريزة البقاء واندفعت طاقة غضب كبيرة لصدرها وهي تركض بسرعة جنونية صوب ذلك الرجل تصرخ بصوت مرتفع ووسط الجميع :
” أنت…توقـــــف ”
رفع الرجل عيونه بصدمة صوب صاحبة الصوت مصدوم أن أحدهم انتبه له، وحينما رأى امرأة تقترب منه صارخة، أخرج وبسرعة كبيرة حنجرًا يلوح به محذرًا :
” قفي مكانك وإلا نحرتها أمام عيونك ..”
اتسعت أعين تبارك وشعرت بصدرها يعلو وجيبه، تراجعت بريية تنظر حولها على أمل أن يكون أحد قد سمع صرختها، لكنها كانت قد ابتعدت عن المزارع وأصبحت قرب المخازن ..
حسنًا هل يمكن إعادة المشهد وتكمل خطة إحضار الحراس قبل أن تفور داخلها روح ” المرأة الخارقة ” وتتغابى ؟؟
لا، صحيح ؟!
إذن الخطة الثالثة والبديلة ” ألقي نفسك في الكارثة ولتدعو الله لتنجو من عواقبها ”
ووفقًا لتلك الخطة والتي لا تلجأ لها تبارك إلا في المصائب الخطرة، فهي الآن وفي هذه اللحظة على وشك ارتكاب فعل غبي ستندم عليه اسبوع، أو ربما اثنين ……
_____________________
الشجاعة أمر جيد، لكن احيانًا وحدها لا تكفي، وإلا ما أخبرونا أن الكثرة تغلب الشجاعة، والآن القوة البدنية ستغلب الشجاعة كذلك، حسنًا يبدو أن الشجاعة لن تنتصر في حربٍ يومًا، إلا حينما تكون في قتال مع الغباء حينها قد تنتصر الشجاعة ……
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية مملكة سفيد) اسم الرواية