رواية ديجور الهوى الفصل التاسع 9 - بقلم فاطمة طه
إن هذه الحياة گبيرة جدًا جدًا والجميع يرگض في گل إتجاه لگن الحقيقة الوحيدة الدائمة ، أن جميع البشر يرگضون نحو مگانٍ آمن ،گي ترسى رؤوسهم تحت يدٍ حنونة لأن الإنسان دائمًا ما يسعى إليه هو الحــــنان.
#مقتبسة
حين تنتهي الحياة، تلك التي وهبت نفسك لها، فإلى اين تذهب؟
#مقتبسة
يخجلني اهتمام شخص لم اصنع له معروفًا، ويؤلمني نكران شخص اشعلت له اصابعي شموعًا.
– انيس منصور
_____________
فتحت أفنان عيناها على أثر تلك الرائحة النافذة المتواجدة على أصابعه ووضعها بالقرب من أنفها…
بدأت رؤيتها الضبابية تضح شيئًا فشيء حتى رأت داغر أمامها، حاولت أن تتخيل بأنه كابوس وبأنه لم يأتي؛ ولكن نظراته المخيفة والتي يتواجد بها لهفة رهيبة في الوقت نفسه، لا تجعلها تظن بأنه كابوس وحينما نادها….
نهضت فجأة وجلست في نصف جلسة على الفور وهي ترمق المكان حولها لتجده فارغًا مما جعلها تتحدث برعب:
-فهد فين؟!.
هبط داعرإلى مستواها قليلًا بجسده ل متمتمًا في غضب يحرق الأخضر واليابس وهو يتذكر كلمة الصغير، مالت هي للخلف قليلا بسبب قُربه وهي تشعر بالتوتر الرهيب:
-فهد مين ده بقا؟! انطقي وأيه بابا وماما اللي هو بيقول عليهم دول؟!! وازاي بيقول اني ابوه؟!.
ماذا تفعل؟!
هل تكذب؟!..
وكيف ستكذب؟!
بتردد كبير كانت تجيب عليه وكأنها لا تقول شيء:
-ابني.
وضع يده خلف رأسها ليجذبها ناحيته وتنهض لتقف مجبرة بفعل يده أثناء صراخه الجنوني:
-ابنك ازاي؟!.
أبتلعت أفنان ريقها بخوف حقيقي:
-وطي صوتك يا داغر وقولي فهد فين أرجوك وأنا هقولك كل حاجة والله.
حاول أن يتمالك أعصابه قبل أن يقوم بقتلها:
-راح ينادي على ثائر من على القهوة، أتكلمي يا أفنان أنا مش هصبر كتير..
اطمأنت قليلا فالمقهى ليست بعيدة على أي حال وهو معتاد على الذهاب إليه.
صرخ داغر مرة أخرى بانفعال فالاحتمالات التي تأتي في عقله تكاد تطيح به وتقتله ألف مرة:
-اتكلمي يا أفنان متختبريش صبري أكتر من كده.
قالت أفنان بتوتر:
-لما، لما سافرت أنا كنت حامل في ثلاث شهور وشوية.
ضيق داغر عينه وهو يحاول استيعاب ما سمعه:
-أيه؟!..
ثم أسترسل حديثه بجنون:
-ازاي مقولتوش ليا وقتها أكيد كنتي عارفة؟!.
كان يضغط بيده على رأسها مما جعلها تتأوه وهي تغمغم:
-كنت عارفة بس معرفتش أقولك أو أقول لحد أو أزود المصيبة على دماغكم ومعرفتش أتصرف لوحدي، لما سيبتني هنا في القاهرة أتجبرت أقول لثائر ومحدش تاني يعرف غير ثائر ولا كمال ولا جدو ولا أي حد عارف.
لا يصدق هذا الهراء…
سيصاب بأزمة قلبيه…
حقًا ما الذي يسمعه؟!!!!!….
-أنتِ بتهزري صح؟!! قولي أنك بتهزري.
كانت تنظر له بريبة فهو لا يصدق ما تقوله أما لو سمع الكارثة الحقيقية ماذا سيفعل بها وبشقيقها؟!!!…
ثم تحدث بجنون وهو يتذكر نتع الصغير له بلقب “بابا”…..
سألها داغر بخوف وكأنه يتوقع ما الشيء الذي من الممكن أن يسمعه:
-أنتِ قايلة له أنه أنا أبوه؟!.
هزت رأسها في إيجاب ليس بوسعها الكذب في تلك اللحظة، وقالت مفجرة القنبلة فليحدث ما يحدث هي قد سئمت من كل شيء…
-أيوة ومعموله شهادة ميلاد ومتسجل باسمك.
صرخ داغر بجنون:
-أنتِ بتقولي أيه؟!.
قالت أفنان بوجع قبل أن تضع يدها على فمها تحاول كتم شهقاتها وبكائها:
-أنا أسفة.
ليس إلى هذا الحد!!!
لا يصدق ما يسمعه هو على وشك أن يفقد عقله بالكامل
-أنتِ عارفة أنتِ بتقولي أيه يا أفنان؟! يعني أيه؟!.
كان يصرخ بجنون حتى أنه ذهب إلى [التسريحة] ليلقي كل شيء عليها بجنون وبطريقة هستيرية لا يصدق ما يسمعه…..
يقوم بإلقاء كل شيء أمامه بجنون…
يبدو أنها لا تمزح يحاول فعل أي شيء إلا أن يحاول قتلها…..
فهو بعثر الغرفة بأكملها أخذ يلقي كل شيء أمامه كالثور الهائج..
سمع داغر صوت يعرفه جيدًا ينادي عليه فخرج من الغرفة ليتبع الصوت حتى وجده أمامه في الرواق وخلفه يركض الصغير…
دون سابق إنذار لكمه داغر حتى كاد شريف أن يترنح…
ولكنه تمالك نفسه بصعوبة وقبل أن يسأل عن حال شقيقته وجدها تقف عند باب الغرفة..
أرتعب الصغير مما يحدث فهو لا يفهم أي شيء سوى أن والده يلكم خاله….
صرخ ثائر (شريف) وهو يأمر فهد:
-فهد أدخل أقعد مع ماما في الاوضة وأقفلوا الباب عليكم أنتم الاتنين.
ركض فهد إلى حضن والدته فأخذته أفنان في أحضانها وصرخ ثائر مرة أخرى في ثورة حينما لم تتحرك كن مكانها.
-أقفلي الباب قولت.
أغلقت أفنان الباب….
وأخذ ثائر ينظر إلى الوحش الذي يتواجد أمامه وعلى وشك أن ينقض عليه، غمغم ثائر في نبرة متوترة:
-أنا هفهمك وهتكلم معاك في كل حاجة يا داغر، بس كان لازم تقول علشان أجي المطار…
أمسكه داغر من ياقته بجنون، وهو يردد بعدم تصديق:
– هتفهمني ازاي سجلت الواد باسمي؟!!! ازاي تخبوا عليا؟! هتفهمني ايه يا شريف؟؟!!….
أنهى حديثه بلكمة أخرى إلى ثائر الذي لم يقاومه بل على العكس يتركه يفعل ما يريد فلو قتله هو يستحق ذلك ولكن هو فعل ما وجده صحيحًا…
ويريده أن يخرج غضبه كله فيه لن يغضب.
تمتم ثائر وهو يضع يده على وجهه بألم في نبرة منخفضة:
-مكنش في حل غير كده يا داغر، مكنش في حل غير كده.
بدأ داغر يضع يده على مؤخرة رأسه يحاول استيعاب ما يسمعه، يحاول أن يهدأ ولكن لا يستطيع نيران مشتعلة بداخله..
-كان لازم تقولي أنها حامل كان لازم تقولي قبل ما أسافر كان لازم تقولي ساعة الولادة.
بكل برود كان يجيب عليه ثائر:
-أنا أسف.
صرخ داغر بلهجة ساخرة:
-أعمل أيه بأسفك أنتَ مدرك عملت أيه؟! طبعا أخوك المحترم وجدك عارفين….
قاطعه ثائر بتوضيح:
-محدش يعرف عن فهد حاجة يا داغر، محدش يعرف حاجة غيري أنا وأفنان بس، أفنان كانت بتسافر لوحدها زي ما أنتَ عارف على أساس أنها نزلت اجازة بس محدش يعرف حاجة.
قال داغر بهياج شديد وهو ينظر له نظرات ساخطة:
-أنتَ عملت كارثة ومصيبة، كارثة وواقف تكلمني كأنك معملتش حاجة.
-أنا عارف إني غلطت بس أهدى علشان نعرف نتكلم يا داغر عصبيتك دي مش هتحل حاجة.
تمتم داغر بجنون حقيقي:
-أنا هقتلك يا ثائر…
أردف ثائر وهو يقاطعه بسخافة:
-اهدى وفكر كويس ولو عايز تقتلني حاول تفكر كويس بدل ما حالتك تكون زي حالتي كده.
لكمه داغر مرة أخرى ثم غادر المنزل بأكمله قبل أن يرتكب جناية حقيقية.
___________
بينما في داخل الغرفة كانت أفنان تبكي في صمت وتأخذ فهد في أحضانها يبدو أن ثائر بدل أن يقم بحل المشكلة قام بتعقيدها بشكل غير طبيعي…
تمتم فهد في استفسار:
-هو بابا ماله يا ماما؟! وازاي يضرب خالو هو عمله أيه؟!.
هتفت أفنان بألم وهي تنظر له وتمرر أصابعها على وجنتيه:
-مفيش حاجة يا حبيبي وبلاش أسئلة دلوقتي وأنا هقولك كل حاجة بعدين.
جاء ثائر وفتح الغرفة قائلا وهو يضع يده على وجهه بألم:
-داغر مشي.
أنهى كلمته ثم غادر فوجهت أفنان حديثها إلى صغيرها القابع جانبها:
-خليك هنا يا فهد هروح أتكلم مع خالو وجاية.
هز الصغير رأسه بتردد فهو لا يفهم أي شيء مما يحدث حوله يشعر بصدمة فقط..
_____________
-أيه رأيك يا بت يا شمس في الشقة؟!.
قال عبده تلك الكلمات وهو يجلس على المقعد المجاور للمقعد التي تجلس عليه شمس بعد أن جعلها ترى الشقة التي وجدها مناسبة لهم.
غمغمت شمس في نبرة عادية وهي تتناول بعض المقرمشات:
-حلوة مش بطالة، بس برضو الحاجة على الطبيعة بتختلف وأنا مبحبش صور التليفونات دي.
كانت سوسن تقوم بتحضير الغداء في المطبخ..
أردف عبده بهدوء شديد:
-مش مشكلة أنا كلمت الراجل وقالي أي وقت عايزين نروح نشوفها نبلغه قبلها بيوم، ممكن نروح يوم السبت الجاي معندناش حاجة فيه لو عاجبنا الموضوع أمضي العقد…
قاطعته شمس بعدم فهم:
-وليه إيجار؟! مش قولتلك عايزين حاجة تمليك مش كل شوية هنقعد نطنطط من مكان لمكان.
عقب عبده على حديثها بتوضيح وهو ينظر لها:
-هو أنا جبت سيرة الإيجار؟! تمليك طبعًا زي ما قولتي والراجل هياخد المقدمة ويقسط لينا الباقي على سنة زي ما قولتي بالظبط أنا فهمت السمسار كل حاجة.
ضيقت شمس عيناها وسألته في غباء:
-ومدام هي تمليك وأنا اللي هقسطها هتكتبها باسمك ليه؟! ولا ناوي أنتَ اللي تدفع؟!.
-هو أنا هجيب منين فلوس علشان ادفع؟! وبعدين أحنا واحد يا بنتي.
خرجت من شمس ضحكة مائعة وهي تقول:
-ومدام أنا اللي هدفع يدلعدي هتتكتب باسمك أنتَ ليه؟!.
أجاب على سؤالها بعفوية:
-أحنا واحد يا شمس ده أنا زي أبوكي.
رفعت حاجبيها وتحدثت متهكمة:
-زي أبويا على عيني وعلى رأسي لكن ادفع أنا أقساط الشقة وتتكتب باسمك لا، في الحالة دي أحنا عشرة مش اتنين بس.
جاءت والدتها من المطبخ، مما جعل عبده يتحدث في انفعال نابع من غيظه:
-شوفي بنتك يا ست سوسن.
أكملت شمس تناول مقرمشاتها ببرود بينما سوسن تحدثت في عدم فهم:
-مالها بنتي عملت أيه ضايقك يا حبيبي؟!.
أردف عبده بثورة:
-بقولها هكتب الشقة باسمي مش راضية مش عاجبها بتخوني.
قالت سوسن في عدم تصديق:
-هي شموسة تقدر برضو؟! دي بتحبك زي ابوها وأكتر اكيد مش قصدها مش كده يا شمس؟!.
عقبت شمس في توضيح ولامبالاة:
-أنا ولا خونت ولا نيلت بس مدام أنا اللي هدفع أقساط الشقة والمقدمة تبقى بتاعتي مخترعتش حاجة جديدة أنا بتكلم في الحق قولت أيه غلط أنا؟!.
تحدث عبده ساخرًا:
-أنتِ ولا معاكي بطاقة ولا غيره هتكتبي عقد الشقة باسمك ازاي ياست هانم؟!! معكيش غير شهادة ميلاد لو أي حد مسكها هيعرف أنها مزوره عملناها كده ودخلناكي المدرسة لما كنتي صغيرة كام سنة وخلاص، هتكتبي عقد الشقة ازاي معاكي أيه يثبت شخصيتك؟!.
أغضبها بالفعل تلك المرة مما جعلها تقول بتحدي:
-هيبقي معايا قريب، ولغايت ما يبقى معايا مش هدفع أقساط حاجة متبقاش باسمي وإلا هناخد حاجة إيجار.
أبتلعت سوسن ريقها بقلق وتوتر رهيب تملكها:
-يعني أيه هيبقى معاكي؟!.
رمقها زوجها بنظرات محذرة بأن تكف عن هرائها وطريقتها تلك التي ستجعل ابنتها تشك بها يومًا ما، بينما تحدثت شمس بهدوء وهي تنهض وتتوجه صوب غرفتها مقرره أن تهبط إلى مركز التجميل:
-هتصرف ولما ألاقي طريقة هقولكم.
___________
منهارة..
حقًا كلمة منهارة لا تصف حالتها منذ رحيل داغر، يجلس ثائر أمامها على المقعد يضع كيس من الثلج على وجهه بسبب الكدمة المتواجدة عليه أثر لكمات داغر له…
التي جعلت وجهه يتكون من عدة ألوان مختلفة..
تحدث شريف (ثائر) بنبرة منزعجة من بكائها فهو لا يتحمل أن تحزن وأيضًا يخاف على الصبي المتواجد في الغرفة كما أمره ثائر لا يفهم أي شيء مما يحدث حوله، وإتيان والده الذي انتظره طويلا كان بمثابة كارثة وشجار عنيف لا يفهم سببه بعقله الصغير….
-ما خلاص بقا يا أفنان اهدي شوية، الواد جوا مش فاهم اي حاجة من اللي بتحصل.
أردفت أفنان بصدمة ووجهها أحمر وعيناها قد تورمت من كثرة البكاء:
-ياريتنا ما عملنا كده، كنت حاسة وكنت خايفة من اليوم اللي هيجي فيه.
صرخ شريف بعصبية مفرطة:
-مكنش في أي زفت حل تاني وياريت تهدي بقا ولمي نفسك علشان الواد اللي جوا، وأنا هشوف حل متقلقيش، اخوكي هيتصرف وداغر هيهدى وهيفهم أن مكنش في حل تاني.
نهض شريف من مقعده وترك كيس الثلج الذي كان بين يديه على الطاولة متمتمًا:
-قومي يلا أغسلي وشك ودوري على حجج مقنعة تفسري بيها اللي حصل قدام ابنك مش بعد ما عملنا كل ده هنسمح أن نفسيته تتعب أو يحصله حاجة.
مسحت أفنان دموعها بالمنديل الورقي المتواجد بين يديها، وهي تنظر له بتوتر وخوف…
خوف كبير مما هو قادم…
حينما تحرك شريف صوب باب الشقة تحدثت أفنان سائلة أياه بهلع:
-أنتَ رايح فين؟!.
تمتم شريف بنبرة هادئة:
-لازم أمشي شوية وأقعد مع نفسي علشان أعرف أفكر هنعمل أيه.
-هتسيبني لوحدي؟!.
أردف شريف بنبرة مرهقة:
-الأفضل دلوقتي أنك تخليكي جنب ابنك وتفهميه أن محصلش حاجة وأنا لما اهدى شوية وأفكر هتكلم معاه.
وبالفعل بعد تلك الكلمة غادر شريف المنزل بأكمله، بينما
أفنان ذهبت إلى المرحاض وغسلت وجهها محاولة أن تهدأ قليلًا ثم توجهت صوب غرفة ابنها وفتحت الباب محاولة أن تبتسم وهي تجثو على ركبتها أمام طفلها الذي يجلس على طرف الفراش ينظر لها بأعين مذعورة…..
أمسكت أفنان كف يده لتجده باردًا جدًا…
صوت الصراخات وكل ذلك بما فيه بكاء والدته أخافه …
-مالك يا حبيبي؟!.
لم يجد فهد تعقيب مناسب سوى أن جسده أرتعش وأخذت الدموع تهبط من عيناه وهنا تحدثت أفنان بنبرة مهتزة وقلب يعتصر من الألم…
-متعيطش يا فهد متعيطش علشان خاطري يا حبيبي مفيش حاجة حصلت.
وضع الصغير يده المرتعشة على وجهها:
-أنتِ عيطي وبابا ضرب خالو ثائر.
تمتمت أفنان محاولة قول أي شيء بعد أن تركت قُبلة على كف يده:
-يا حبيبي أنا كويسة علشان خاطري متعيطش واهدى علشان متتعبش وبعدين اللي حصل خلاف بسيط بين بابا وثائر مش أكتر ودي حاجة بين الكبار مينفعش ندخل فيها.
ضمته أفنان إلى أحضانها محاوله أن تشعر بالأمان في أحضانه فلن تعطيه هي؛ بالعكس هي في أشد الحاجة للشعور بالأمان معه، هو فقط من يجعلها تشعر بأن الحياة قد تحلو يومًا لها، على عكس الواقع الذي أنقلب تمامًا منذ سنوات ولم يعد كما كان…
____________
خرج من المنزل وهو يسير بلا هدف حقيقي وقرر أن يذهب إلى حيث تقوده قدمه سيرًا على الأقدام دون أن يقود سيارته فأخذ يسير بين الأزقة حتى مر بجانب مركز التجميل الخاص بشمس والتي كانت تقف أمامه تتحدث مع أحدى النساء بعد أن هبطت من منزلها وشهقت برعب حينما وجدته يسير أمامها بتلك الهيئة وتركت المرأة التي تتحدث معها ناسية كل شيء…
ذهبت شمس ووقفت أمامه حتى أنه توقف فجأة قبل أن يصطدم بها من اعتراضها لطريقه وهي تقول:
-ثائر أنتَ كويس؟!!!..
ثم باغته بسؤال أخر:
-أيه اللي عمل فيك كده؟!.
تحدث ثائر بنبرة غاضبة ولكنها خافتة:
-ابعدي عن طريقي علشان مش ناقصك وملكيش فيه ياريت تخليكي في نفسك.
رمقته بضيق وغضب مغمغمة:
-أنا غلطانة إني بطمن عليك يعني؟!.
هز رأسه قائلا بنبرة ساخرة:
-اه غلطانة وابعدي بقا عن وشي علشان مش رايقلك خالص.
بلهفة سألته:
-أيه اللي عمل فيك كده طيب؟!.
نبرتها الخافتة واللهفة التي شعر بها في حديثها جعلته يرغب في احتضانها، لعلها تهدأ من الثورة المتواجدة بداخله..
لكنها ستظل رغبة، فهو لم ينسى ولن ينسى اعترافها والتي حتى الآن لا يدرك حماقته…
فهو يظن بأنها من الممكن أن تمزح معها….
وحينما يفكر في هذا الاحتمال يردعه عقله ويخبره بأنها لم تكن تمزح أبدًا ولا يتواجد أمرأة ستمزح في أمر هكذا….
أبتعد هو عن طريقها متخطيًا أياها محاولا أن يخبر نفسه بأن به ما يكفيه ليشغل عقله مثل حل تلك المشكلة التي حدثت…
أما هي سينساها بكل تأكيد عما قريب سينزعها من حياته، وهذا يستطيع فعله.
لكن هل يستطيع أن يفعلها مع قلبه؟!…
_____________
يوم الخميس.
تجلس داليا بين أحضانه على الأريكة يشاهد معها هذا المسلسل التي أخبرته بأنها تفضله وتتابعه يوميًا بعد محاولاتها لمعرفة ما يفضل لتأتي به وتشاهده معه ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل فهو لا يفضل مشاهدة التلفاز على أي حال…
فجلس بجانبها مخبرًا أياها بأنه سوف يقوم بمشاهدة ما تشاهده..
صدع صوت هاتفه يعلن عن اتصال مقتحمًا الصمت التام الذي لم يكن يتخلله شيء سوى صوت التلفاز..
ظهر على الشاشة اسم (ثائر) هنا تغير وجهه، وقلب هاتفه وهو يقول:
-عندي مكالمة بخصوص الشغل وراجع.
نظرت له داليا بتفهم وهي تبتعد عن أحضانه فنهض كمال وسار بضعة خطوات وتوجه إلى الشرفة وقام بإغلاقها خلفه تاركًا داليا تشعر بالحيرة فإذا كانت المكالمة تخص العمل لما لا يتحدث أمامها؟!
هل هي طفلة وستتحدث مثلا وقت المكالمة؟! لم تفهم منطقه ولكنها حاولت تفسير الأمر رُبما هي فردوس ولكن لا تظن بأنها لو فردوس سيقوم بتخبئة الأمر عليها…
قررت أن تترك الأمر جانبًا ولا تفكر كثيرًا رُبما هو ليس معتاد على الحديث في أمور تخص عمله أمام أحد…
“بداخل الشرفة”
-ألو يا شريف.
جاءه صوته متمتمًا:
-معلش يا كمال أتصلت بيك من غير ما أبعت ماسدج ولا حاجة بس الموضوع ضروري.
أبتلع كمال ريقه بقلق سائلا أياه:
-في ايه؟! أيه اللي حصل؟!!!!..
-داغر جه مصر.
لم يفهم كمال المشكلة؟! لذلك تحدث بهدوء:
-وأيه المشكلة؟! خلي أفنان تيجي معاه وكأنهم جايين من السفر أنا كنت متفق معاه على كده.
-هو أنتَ كنت تعرف أنه جاي؟!.
تمتم كمال بنبرة عادية:
-أه بقاله فترة بيقول أنه جاي أجازة وهينزل مصر بس مقالش جاي امته بالظبط.
-كنت المفروض تقولي أنه جاي يا كمال.
عقب كمال بسخرية:
-كنت هتفرش الأرض ورد؟!! مش فاهمك يعني هتفرق معاك أيه انه جاي ولا لا؟! في أيه ما تتكلم بوضوح أنا مبحبش شغل الألغاز ده.
أردف ثائر بتوتر:
-أنا اتخانقت معاه لسبب ما كده، وحاليا مش عارف اوصله لو تعرف فين بيت ابن خالة امه ده أو صاحبه اللي في شبرا ده قولي العنوان لأني متأكد أنه أكيد هناك مراحش عند حد تالت.
-في أيه؟! اتخانقتم ليه؟!!!!.
-اللي حصل حصل يا كمال هقولك بعدين بس لو تعرف العناوين ابعتهم ليا على الواتساب ضروري أو لو معاك رقم حد فيهم.
بدأ كمال يشعر بالقلق الشديد ولكنه ليس بوسعه الحديث أكثر وهو يتواجد هنا في المنزل:
-كان معايا رقم صاحبه تقريبا أقفل كده وهشوف هبعتلك على الواتساب أي حاجة اعرفها ولو نزلت من البيت هكلمك علشان أنا مش فاهم منك حاجة.
-ماشي مستنيك، سلام
خرج كمال من الشرفة بعد أن أنتهت المكالمة بينه وبين شقيقه (شريف) وذهب ليجلس بجانبها وأخذ يحاول بذهن مشغول جدًا أن يبحث عن رقم صديق داغر ويحاول تذكر عنوانه، وهو قلق جدًا فهو لا يعرف سبب الشجار الذي حدث بينهم..
لاحظت داليا شروده التام في هاتفه فغمغمت:
-في حاجة يا كمال؟!.
لم ينتبه لها وكأنه لم يسمعها فعادت تنادي عليه، فهو كان يرسل العناوين له:
-كمال.
انتبه لها أخيرًا متمتمًا بعدم تركيز:
-أيه يا داليا؟!.
أردفت داليا بنبرة هادئة:
-أنتَ سرحت خالص من بعد مكالمتك، هو في حاجة؟!.
لم يتحمل كمال الصمود أكثر فقال:
-أصل في حاجة لازم أعملها في البنك ولازم أنزل دلوقتي.
سألته داليا باستغراب:
-مش أنتَ إجازة؟!.
أجابها كمال محاولًا أن يختلق أي حجة:
-لا ده جدي عايز أعمل تحويلات وحاجة للشركة ضروري، مش هتأخر أقل من ساعة هروح وأجي.
هزت داليا رأسها بتفهم على الرغم من عدم اقتناعها فهي متأكدة من أن هناك شيء أخر، نهض كمال بعد أن ابتسم لها وترك قُبلة على وجنتيها مقررًا أن يهبط بأقصى سرعة ليتحدث مع شريف (ثائر) حتى يعلم سبب الخلاف.
_____________
في غرفة بكر ودعاء.
بعد أن ذهب بكر ليقوم بشراء بعض الأدوية التي طلبها الطبيب من أجل دعاء، وذهاب والدة دعاء إلى منزلها بعد أن اطمأنت عليها، فهي عادت إلى المنزل بعد أن خضعت إلى عملية “الحقن المجهرى”…
دقت فردوس الباب وحينما أذنت لها دعاء من الداخل ولجت إلى الغرفة ولم تغلق الباب خلفها، فهي انتظرت ذهاب الجميع حتى تأتي..
تمتمت فردوس بنبرة هادئة وهي مازالت عند الباب ترمقها وهي مستلقية على الفراش:
-خوفت تكوني نمتي.
ردت دعاء عليها بهدوء وهي تشير لها بأن تأتي لتجلس بجانبها على الفراش:
-معرفش أنام وقولت استنى بكر بالمرة، تعالي أقعدي.
جاءت فردوس وجلست بجانبها قائلة:
-حمدالله على سلامتك يا دعاء، وبإذن الله النتيجة لما تطلع تفرحكم بنجاح العملية.
أبتسمت لها دعاء فهي سعيدة بأن فردوس تغيرت ولو قليلا من ناحيتها ولا تدري حتى لما قد يفرحها الأمر إلى تلك الدرجة..
تمتمت دعاء بتمني حقيقي:
-يارب يا فردوس أنا نفسي أفرح بكر أوي، نفسي يفرح بجد هو من ساعة ما اتجوزته بيحاول يفرحني دايما ويعمل كل حاجة تسعدني ومهتم ببنتي وبيحاول يفرحها على قد ما يقدر ونفسي ولو لمرة أفرحه.
قالت فردوس معقبة بهدوء:
-بإذن الله يا حبيبتي هتفرحيه وهتفرحي معاه.
جاء صوت توفيق ومعه صوت عكازه الذي طرق به على الباب المفتوح:
-ادخل.
تمتمت دعاء باحترام وهي تعتدل قليلا:
-ادخل يا عمو.
ولج توفيق إلى الغرفة وتفاجئ بوجود فردوس، فجلس على المقعد المتواجد:
-حمدالله على السلامة يا دعاء يا بنتي.
أجابت دعاء عليه بنبرة بشوشة وكأنها ليست مرهقة:
-الله يسلمك يا عمو.
قال توفيق بنبرة ذات معنى:
-ربنا يفرحنا بيكم والبيت يتملي عيالكم وعيال كمال ان شاء الله، عقبالك يا فردوس يا بنتي.
عقبت فردوس على حديثه بابتسامة صفراء…
ثم غمغمت بهدوء:
-ابقى قول لمرات الغالي الجديدة تشد حيلها هي بقى.
كاد توفيق أن يتحدث ولكن قاطعهم صوت هاتفه المتواجد في جيبه، ليخرجه ويجد أن المتصل هو كمال فأجاب عليه:
-ألو يا كمال.
هنا بدأت حواس فردوس كلها في التركيز معه بمجرد أن نطق اسمه..
جاء صوت كمال على الهاتف:
“ايوة يا جدو أنا نزلت من البيت علشان أعرف أكلمك، شريف كلمني”.
تمتم توفيق بنبرة مبهمة مما أثار فضول فردوس:
-اه وبعدين.
“شريف بيقول أن داغر جه ومفهمنيش حاجة غير انه اتخانق مع داغر ومقاليش السبب”.
حاول توفيق أن يتحدث بنبرة غير موضحة:
-طب ما تتصل بيهم يا كمال.
“يعني دي تايهة عني؟! عمال اتصل بداغر موبايله مقفول، وشريف مبيردش ولا أفنان بترد ومش فاهم في أيه، أنا قلقان جدًا”.
نظر توفيق على فردوس التي تحدق بصرها به بينما دعاء انشغلت في هاتفها:
-خلاص نبقى نشوف الموضوع ده بعدين متشغلش بالك يا عريس.
لم يفهم كمال كيف لا يشغل عقله بما حدث؟!
“يا جدي هو ايه اللي مشغلش بالي؟!”
تحدث توفيق بنبرة ذات معنى:
-كمال بيسلم عليكي يا دعاء بيقولك حمدلله على السلامة.
قالت دعاء بهدوء:
-الله يسلمه.
تمتمت فردوس بنبرة رنانة وهي تكز على أسنانها وتعقد ساعديها:
-فيه الخير دايما كمال.
وحينما سمع صوتها بقلبه قبل أذنيه فهم لما لم يتحدث جده في شيء لذلك عقب بهدوء:
“أنا هبقى أكلم عمي بكر أبارك له وأنتَ لم تفضى كلمني علشان في حاجة بتحصل مش مفهومة”.
-ماشي يلا سلام.
هكذا أنتهت المكالمة التي أثارت ريبة فردوس…
مما جعلها تعقب في نبرة مستفزة:
-أعملك حاجة تشربها يا جدو؟!.
أردف توفيق بنبرة هادئة وهو يستند على عكازه حتى يغادر الغرفة:
-لا كتر خيرك يا بنتي أنا أصلا رايح أصلي المغرب وبالمرة أسيب دعاء ترتاح.
هتفت فردوس بتهكم:
-متقلقش هخرج وراك وهسيبها أنا كمان ترتاح وهنزب من على دماغها.
______________
في شبرا-مصر.
دق شريف الباب بقلب قلق وهو يتمنى أن يجد داغر هنا، بعد اتصاله على قريبه الذي أخبره بأنه لا يعرف شيء….
ولم يفكر الاتصال بصديقه قرر الذهاب فورًا….
وكانت المفاجأة حينما وجد داغر هو من يفتح الباب…
تمتم داغر بنبرة غاضبة:
-أيه اللي جابك هنا وعرفت العنوان منين؟!! ايه محتاج أقتلك المرة دي؟!!..
-ياريت تكون عملت فيا جميل بس في الأول لازم نتكلم مع بعض…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية