Ads by Google X

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل التاسع 9 - بقلم اية العربي

الصفحة الرئيسية

   

 رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل التاسع 9  -  بقلم اية العربي



عندما تمتلك من تحب برغبته وبكامل إرادته فستشعر بأنك امتلكت حريتك بعدما كنت أسيراً للقيود والمستويات .
ستشعر أنك استعدت وطنك بعدما احتله عدواً خبيثاً يسمى الاشتياق .
بقلم آية العربي
طال العناق والصمت ، طال وبرغم هذا لم يشعر كلاهما بالوقت ، كأن الساعات توقفت هنا .
احتوائه لجسدها واستكانتها بين ضلوعه طيّبا سائر جراحه وآلامه ، وعناقه لها في تلك اللحظة وهي تتذكر معاناتها وظلم عائلتها لها جعلها تبكي أكثر داخله ، لو كان أحدهم احتضنها هكذا حتى لو كانت والدتها أو والدها لكانت بسطت لهما جناحي الراحة وهيأت لهما متاع الحياة .
لم يحركا ساكناً إلا عندما نادى محمد على صالح بتعجب قائلاً :
– صالح ؟ ، يا صاااالح ؟
كان ينادي بفزع فعندما لم يجده ظن أنه ذهب لينتقم لذا تنبه صالح فتحمحم يبتعد مجبراً عن وردة بحرج فالمستجد على الفرحةِ خجول .
نظف حلقه وتحدث بهدوء ينافي نبضاته وسعادته :
– يالا يا وردة نامي دلوك ، تصبحي على خير .
أومأت له ولم ترفع عينيها في عينيه ، لم ترغب في إظهار كم احتياجها لعناقه ولكنها ترغب أن يفعلها دوماً فكم هي بحاجة ملحة إلى هكذا شعور ، ليت الأمور بينهما تجري في نهر طبيعتها .
تركها مرغماً فعلى ما يبدو أن البعد عنها بعد الآن عذاباً ولكنه جاهد ليظهر ثباته وتحرك للخارج وأغلق الباب فالتفت محمد يطالعه بدهشة مالبثت أن تحولت لسعادة على وجههِ وتحدث بمكر جديد عليه :
– صالح إنت إهنة ! ، معلش يا ولدي ، لو اعرف إنك نايم مكنتش ندهت عليك ، أني قلقت بس ، ادخل إنت كمل نومك حقك عليا .
بات في موقف لا يحسد عليه وأراد التبرير لوالده لذا قال بحرج :
– لاء يا حچ محمد أني صاحي ، كنت بس بتكلم مع وردة شوية .
تحدث محمد محفزاً :
– ومالو يا ولدي اتكلم طبعاً مش مرتك ، يالا تصبح على خير .
تحرك نحو الأريكة وهو يرد على والده قائلاً :
– وإنت من أهل الخير يا أبوي .
طالعه محمد بصدمة ثم أسرع إليه قبل أن يجلس وقبض على ذراعه يتساءل بتأهب :
– هتنام فين ؟
تطلع عليه بتعجب وتحدث وهو يشير على الأريكة :
– هنام مطرحي يا بوي ، في إيه ؟
سحبه محمد من يده يخطو نحو غرفة وردة قائلاً بصرامة كأنه يحرك طفلاً صغيراً :
– لاااا ، مطرحك چوة مع مرتك ، معادلكش نوم إهنة واصل .
حاول إيقاف والده قائلاً بتردد :
– وقف بس يا بوي ميصحش إكدة .
صمم محمد على ما نوى حيث وقف أمام غرفة وردة وطرق بابها وهو يتمسك بذراع إبنه ففتحت وردة متعجبة تطالعهما فتحدث محمد وهو يحث صالح على الدخول عنوة :
– خدي چوزك يا بتي متسيبهوش ينام برا تاني .
استطاع إدخاله الغرفة وسط صدمتهما حتى أنه التصق بوردة التي أفسحت له المجال بترحابٍ خفي فأسرع محمد يغلق الباب ويزفر بارتياح وسعادة .
ربما هو أكثر سعادة من كليهما ، لقد دعا دوماً أن يشق الله طريق سعادة ابنه وكان يثق أن ما عاشه خلال الأيام الماضية ما هو إلا شدة يتبعها فرج وفرح آتيان .
تنهد بارتياح وتحرك عائداً لغرفته ، أما في داخل تلك الغرفة فيقف صالح لا يعلم ماذا عليه أن يفعل فرفعت عنه وردة الحرج قائلة بتوتر وخجل برغم شعور السعادة الجديد عليها :
– بسيطة يا صالح ، عمي معاه حق ، دي فرشتك أصلاً وأني أخدتها منك ، نام على سريرك إنت وأني هنام على الأرض .
ربما جملتها تحمل نوعاً من الخبث والترقب ، تعلم جيداً أنه لن يقبل باقتراحها وتتمنى أن لا يبدل الأدوار ولهذا ألقت جملتها ونظرت له بترقب تنتظر حديثه .
أما هو فكان عليه أخذ خطوة أشد جرأة واستغلال الموقف لصالحه ولو لمرةٍ واحدةٍ لذا نظر لها وتحدث بجدية زائفة وقلبه ينبض بعنف :
– لا يا وردة مافيش نوم ع الأرض واصل ، أني وانتِ هنام ع السرير .
انشرح قلبها بسعادة برغم خجلها وتورد وجنتيها وأخفضت رأسها تردف بتوتر :
– اللي تشوفه يا صالح .
تنهد بقوة ليهدأ من لكمات صدره القوية ثم نظر لجلبابه فعليه أن يبدله فاليوم بالنسبة له عيداً لم يأتي من قبل ، لذا تحرك نحو دولابه وفتحه يخرج منه بنطال رياضي وتي شيرت وتحدث بنبرة لينة مبطنة بالسعادة والسكينة :
– هروح أغير في الحمام وراجع .
أومأت له فتحرك مجدداً خارج الغرفة بينما هي تنفست بعمق ونظرت لعباءتها نظرة متفحصة تبعتها بخطواتٍ نحو خزانتها هي الأخرى .
بعد وقتٍ خرج صالح من الحمام يرتدي ملابسه التي انتقاها ثم اتجه إلى غرفة العطور الخاصة به وانتشل زجاجة العطر المركب الذي أعده مسبقاً ثم نثر منه القليل على ثيابه وعنقه وتركها في مكانها ثم تناول زجاجةً أخرى كان يحتفظ بها ، زجاجة أعدها خصيصاً لها منذ وقتٍ حتى وإن لم تصلها أو هكذا كان يعتقد .
ابتسم يهز رأسه متعجباً من خطة القدر وتدبير الله للأمور ثم تنفس براحة وحمل الزجاجة وتحرك مجدداً نحو الغرفة .
طرق الباب وفتح ليدلف ولكن تسمرت قدماه وهو يجدها تقف تمشط خصلاتها الطويلة الغجرية السوداء أمام مرآة الزينة وقد أبدلت ثوبها البيتي بمنامة حريرية تصل لركبتيها كانت من ضمن الأغراض التي أحضرها لها .
وقف يتأملها ، يتأمل خصلاتها التي يوقن أن رائحتها ستنعش قلبه ، بشرتها الحنطية الناعمة ، ملامح وجهها وهي تطالعه أسمى من أي حديث .
التفتت بعدما تركت مشاطتها وبدأت تفرك كفيها مردفة بتوتر بعدما توغلت رائحته إليها :
– نعيماً .
تقدم بخطى متمهلة حتى توقف أمامها ثم رفع يده الخالية يتحسس خصلاتها المنسدلة بتمهل لينحني يشتم ما التقطته يداه بتخدر وتيه وتقف هي متخشبة لا تستوعب ما يحدث في جسدها بعد ، وكأن نوعاً آخر من الدماء أصبح يسري في أوردتها ، نوعاً جديداً يجعلها تستقبل حركاته بسعادة وحماس .
تنفس بعمق ثم اعتدل يفتح عيناه اللتان أغلقهما ثم ابتعد قليلاً ومد يده يناولها زجاجة العطر قائلاً بهمس دل على تدفق مشاعره :
– دي علشانك ، عملتها من زمان علشانك .
لم تفهم جملته وقلبها يتقافز ويتساءل ولهذا رفعت رأسها تطالعه بترقب فتابع مسحوراً بهيأتها :
– إنتِ چميلة أوي يا وردة ، اسم على مسمى ، إنتِ كيف الورد البلدي ، إنتِ وردتي اللي ياما حلمت بيها .
عاد الخجل يتوغل ملامحها لذا أخفضت وجهها فتجرأ ليضمها مجدداً ويلف ذراعيه حولها ورحبت هي بعناقه ولكن الآن العناق أقوى والمشاعر وصلت لمرتبةٍ أعلى بكثير من ذي قبل وهي تشعر بيداه تعتصر جسدها لذا بدأت ترتعش من شدة توترها وخجلها وشعر بذلك فوراً وهي بين يديه فتحدث بحنو ليحصل على تركيزها ويطمئنها :
– تعالى بقى لما احكيلك عن حب حياتي .
فك قيوده اللينة من حولها ثم تحركا نحو الفراش وجلسا عليه سوياً فدثرها صالح بالغطاء وتمدد يجاورها وبدأ يخبرها بمراحل عشقه لها قائلاً :
– بصي يا ستي ، في الأول خالص سمعت إن چابر السيوفي عنده بنت كيف القمر ، واللي مخلي الناس تتكلم عنك إنك مش شبه إخواتك ، وإنك بتتكلمي وبتاخدي وتدي مع الخلق علشان إكدة حسوا إنك قريبة منهم ، وقتها حاچة جواية خلتني أغير عليكِ من الناس دي ومن كلامهم ، غيرة واحد على بنت بلدة من كلام وعيون الناس ، أو يمكن أتمنيت أشوفك وأعرف البنت اللي بيتقال عنها إكدة عاملة إزاي ، وإزاي أخت رامي وعادل اللي محدش بيطيقهم تبقى واكلة الچو إكدة .
تنهد يسترسل وهو يحاوطها بذراعيه لترتكز برأسها عند الجزء الأيمن من صدره حيث تابع :
– من إهنة بقى بدأت أفكر فيكِ ، والعقل والقلب انشغلوا بيكِ وبقيت متشوق أكتر إني أشوفك ، لحد ما شوفتك راحة الچامعة ، كنتِ كيف القمر ، ويوم عن يوم أروح السوق يمكن ألمحك تاني ولا حاچة وفعلاً حصل ، ولمحتك بتشتري طلبات وواقفة تتكلمي مع التاچر ، سرحت فيكِ ومن يومها دخلتِ قلبي وسكنتِ فيه يا وردة ، بقيت أحلم بيكِ وأني نايم وأني صاحي كمان ، وفي يوم لقيت واحد بيعاكس بنت وماشي وراها ، وقتها الدم غلى في عروقي ، نسيت أني چاي ليه وقلت لازمن أعلمه الأدب خصوصاً إن الچدع ده مش أول مرة يعمل إكدة ، المهم يا ستي أول ما عيني چت في عينك نسيت حالي وكنت كيف العيل الصغير اللي مستني العيد وجه فجأة ، كان أول مرة عينك تيجي في عيني ، قربتي مني وشكرتيني وأني ولا كنت سامع ولا شايف غيرك ، من وقتها لحد دلوك وأني قلبي مشي وراكِ وفاتني .
لف رأسه ينظر لها بعيون يتقافز بهما العشق وتابع :
– كنت بقعد عند الشجرة اللي برا دي وأكتبلك شعر ، وكنت بدخل الأوضة اللي هناك دي وأعملك عطر واتخيل اللحظة اللي هتبقي فيها ملكي وحلالي وبعدين أضحك على حالي وأقول لنفسي فوق يا صالح ، ده إنت بينك وبينها فروق ياما ، علشان إكدة كنت بتعذب كل يوم عن يوم وحولت عذابي دي لجهد وعزيمة بقيت أزرع بيهم أرضي وأكبر شغلي يمكن في يوم من الأيام أوصلك ، معرفش أن ربنا كتبك ليا أصلاً يا وردة ، برغم إن اللي حُصل كان قاسي أوي وظلم في حقي ، بس كنت مستغرب إزاي بقيتي مرتي بين يوم وليلة إكدة .
انتهى وظلت هي ثابتة شاردة في اعترافه ، لو أن أحدهم أخبرها أن هناك من يحبها هكذا في الخفاء لكانت عنفته وضحكت بألم عن حالها ، من الذي سيحب ابنة السيوفي الذليلة ، كانت تعاني القسوة والظلم والتمييز وعلى الجهة الأخرى كان هناك من يتمناها ويكتب لها شعراً ويصنع لها عطراً ؟ ، إذاً استحق كل هذا العناء ، استحق كل ما عاشته لتنعم بهذا الحب .
زفرت بقوة ونظرت لعينيه وتحدثت بنبرة باكية من شدة فرحتها :
– تستحق كل اللي عشته يا صالح ، تستحق وچعي كله ، حبك يستاهل كل العذاب اللي شفته .
رفع يده يلتقط دموعها بحنو ويعاود احتضانها كالطفلة المدللة ثم قبل رأسها قائلاً :
– بزيداكي عاد ، من إهنة ورايح مش هنفتكر اللي راح ، من إهنة ورايح هنفكر بس في اللي چاي ، وهنلاقي حل إن شاء الله ، ولو على حقي ياستي أني مسامح فيه ، إنما حقك هييجي يوم وأجبهولك يا وردة ، وده وعدي ليكِ .
أبعدت نظرها عنه ثم وضعت رأسها على صدره وتعلقت به كأنه آخر رجال الأرض حناناً فتنهد بقوة وبنبضاتٍ راقصة استقبلها ثم تملل بها ليتمددا على الفراش بأريحية ودثر الغطاء عليهما جيداً ثم عاود تقبيل رأسها الذي يضمه كحال جسدها بأكمله وتحدث :
– نامي يا وردة .
كان هذا ما تريده حقاً في تلك اللحظة ، هو النوم بين ضلوعه ليغمرها الأمان وتتذوقه لأول مرة في حياتها لذا غفت سريعاً قبل حتى أن تلتهمها الأفكار كعادتها ، غفت وظل هو يفكر في عدة حلول أولهما إعادة أرضه لمجدها ، فإن أراد أن ينتصر على عدوٍ ما عليه سوى أن ينجح رغم أنف هذا العدو .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
صباحاً في قصر السيوفي
تقف دعاء في المطبخ تعد الفطور مع نهال التي تعجبت من مجيئها ومشاركتها في تحضير الطعام ولكنها تركتها تفعل ما تريد .
أعدت الأطباق ثم تحدثت بترقب :
– يالا يا نهال خدي رصي ع السفرة .
أومأت نهال وتناولت منها الأطباق وتحركت بهما للخارج فأسرعت دعاء تدس يدها في فتحة صدر ثوبها ثم أخرجت زجاجة صغيرة تحتوي على سائلٍ ما ووضعت منها قطرات على إحدى أطباق الطعام والذي لم يكن سوى لزوجها .
أخفتها سريعاً ووقفت تتنفس بتوتر ولكنها قررت تسوية هذا الأمر قبل أن يسوء .
بعد قليل تجمعوا جميعهم حول المائدة وبدأوا يتناولون الفطور فتحدث جابر بترقب موجهاً حديثه إلى رامي الذي بات يجلس معهم :
– أني كلمت الراجل يا رامي ومستنينا نروحلهم النهاردة ، چهز حالك علشان نروح نطلب يد بنته كيف ما أنت رايد .
ضحك بتعالي وقال وهو يفرد ظهره على مقعده أكثر:
– ده كان مستنينا بقى !.
ضحك چابر وقال مؤكداً :
– وهو يطول أصلاً ، ده لولا چابر السيوفي هو اللى كان عامله الحملة الانتخابية بتاعته ، أني خيري ع البلد كلاتها ومحدش يقدر يرفض لنا طلب .
تحدث عادل وهو يتناول طعامه بشهية :
– بقولك يابوي ، ماتتكلم مع حمايا إكدة في موضوع المعصرة ، الراجل منشف راسه ومهواش رايد شريك ، اتحدت وياه وخليه يقبل يشاركني ، دا أني حتى چوز بته ، ولا إيه يا دودو ؟
قال الأخيرة وهو ينظر نحو دعاء التي رفعت عينيها تقابله بنظرة معينة ثم تحدثت وهي تهز كتفيها :
– متدخلونيش في أمور الشغل دي ، حلوها بعيد عني .
تحدثت شريفة بنبرة تهكمية موبخة :
– وه ؟ ، إيه الحديت الماسخ ده ! ، مش ده چوزك وواجب تقفي في صفه وتسانديه ! ، ده بدل ما تحاولي تقنعي أبوكي ؟
اغتاظت من تدخل شريفة المستمر والمتعمد تجاهها ولكنها لن تسمح لها بعد الآن لذا أظهرت الوجه الأكثر قوة وأجابتها بشموخٍ قائلة :
– لا يا حماتي أني مليش صالح بينهم ، هما يصفوا أمور الشغل دي بعيد عني ولا عادل يدخلني أتحدت مع أبويا ولا أبويا يقولي كلمي عادل ، وده كان شرطي من الأول قبل ما أوافق على ابنك .
التفت عادل يطالعها بعيون جاحظة قائلاً :
– أضبطي لسانك يا بت مالك إكدة ع الصبح !
ابتسمت ومدت يدها تتحسس صدره قائلة بنبرة أنثوية ماكرة تستعملها حديثاً :
– أني بقول إكدة علشان حياتنا تبقى زينة يا دولة ونبعد عن المشاكل أني وأنت ، ولا إيه يا حبيبي ؟
لانت نظرته وتعجب من طريقتها الجديدة ولكنه أكد على حديثها وهو يلتفت لوالدته قائلاً :
– أيوة صُح ، دعاء معاها حق يا أما ، خليها هي بعيد عن الحوارات دي .
مطت شريفة فمها بطريقة ساخرة ثم نظرت نحو چابر لتغير دفة الحوار وتساءلت بترقب :
– وهنروح إمتى يا چابر للناس دي ؟
رفع عينيه يطالعها بضيق ثم تحدث بنبرة باردة :
– أني وأولادي بس اللي هنروح ، الحريم ملهمش قاعدة في الاتفاقات دي .
نظرت له بضيق وتحدثت باستفاضة :
– يعني إيه الحريم ملهمش قاعدة ؟ ، من ميتى الحديت دي يا چابر ؟ ، ده ولدي الغالي وأني أمه وحقي أبقى وياكوا وإنتوا بتطلبوا يد البت دي كيف ما كنت وياكوا أيام عادل ، دول ولادي وده حقي .
نهض فجأة وتحدث بنبرة غاضبة قمعية :
– من إهنة ورايح ملكيش حقوق ، وأيام الدلع دي تنسيها خلاص ، واحمدي ربنا إني عديت اللي حُصل ده من غير حساب .
تحرك يترك المكان فلم يعد يطيق رؤيتها ونهض رامي يبتسم بخبث وتحرك خلفه بينما أكمل عادل ودعاء طعامهما كأن شيئاً لم يكن ، لتقف شريفة تطالعهما بحسرة وتتذكر تلك التي طُردت وأهينت بأبشع الطرق وتتحسر على وجودها .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
استيقظت منذ دقائق ولم تحرك ساكناً سوى عيناها اللتان تطالعان ملامح هذا النائم بعمق وطمأنينة على غير عادة كأنه يعانق قطعة سحاب ناعمة تغمره بالدفء والسكينة .
لأول مرة منذ سنوات ينام بهذا العمق ولهذا الوقت ، لقد قاربت الساعة على التاسعة وهو مازال يغط في سباته معتقداً أن الوقت لم يمر أو هذا ما يتمناه بعد أن جرب النوم وهي في حوزته وبين أذرعه .
شعوراً لا يوازي أي شعورٍ آخر ، راحة وألفة جديدة اجتاحته لذا هو غارق في أحلامه لا يتقبل فكرة عودته للواقع .
أما هي فتتمدد بين ذراعيه القابضتين وتطالعه بنظراتها وتحفظ ملامحه قبل أن يستيقظ ولا يتسنى لها التحديق جيداً .
لم يكن في حسبانها كل تلك الراحة والسعادة التي تغمرها الآن ، تتمدد بين يدي أحن رجال البلدة ، لو كانت في عالمٍ آخر لظنت أن دعوة والدتها قد استجابت ولكنها تعلم يقيناً أن هذا الصالح لم يكن بدعوة عائلتها بل كان بعوض الله المميز .
تنهدت تنهيدة الراحة كأن أحدهم ربت للتو على قلبها المدمى المتألم فأسكنه ، لم تعد تتمنى فارس أحلامٍ فها هي قد رُزقت ببطلٍ وحامٍ ستعمل دوماً على نثر بذور السعادة في طرقاته .
تحمحمت ونادت بصوتٍ ناعمٍ وحنون قائلة :
– صالح ، اصحى يالا .
تمتم صالح كأنه يرى حلماً مميزاً لا يود فراقه لتبتسم عليه وتعاود نداؤها قائلة :
– اصحى يالا يا صالح الساعة بقت تسعة .
فتح عينيه فجأة بعدما علم الوقت ولكن لقاء عيناها كان له صدمةً أقوى حيث ظل متعمقاً في عينيها لثوانٍ يستوعب حلمه الممتع حتى ابتسمت واخفضت بصرها عنه تردف بنعومة :
– كفياك عاد ، اصحى يالا .
ابتسم لها وتململ في نومه وحرك ذراعيه أخيراً ثم تحدث بتيه :
– دا مكانش حلم بقى .
خجلت واستندت على الفراش لتنهض قائلة بهمس :
– لا مهواش حلم ، يالا بقى اصحى وأني هروح أحضر الفطار علشان اتأخرنا على عم محمد وإكدة ميصحش .
طالعها بإعجاب ونهض يترجل من فراشه ثم فرك وجههُ وتحرك نحو باب الغرفة قائلاً بنبرة هادئة لينة :
– هطلع أنا الأول وإنتِ ألبسي حاچة تانية وتعالي .
أومأت له فتركها وخرج يتجه نحو غرفة والده ليراه ولكنه تفاجأ بخلوها .
عاد إلى الخارج وبات ينادي قائلاً :
– يا حچ محمد ؟ .
بحث عنه في الحمام وهنا وهناك حتى أنه فتح باب المنزل ونظر نحو الخارج فلم يجده لذا تعجب ودلف يتساءل بينه وبين نفسه أين ذهب .
خطى مجدداً ودلف الغرفة فوجد وردة قد أبدلت ثوبها فطالعها يبتسم بعيون عاشقة ثم تساءل وعينيه تبحث قائلاً :
– تليفوني فين يا وردة ؟
أشارت له نحو الكومود فتحرك يلتقطه ثم طلب رقم والده الذي أجاب بنبرة متحمسة وسعيدة قائلاً :
– نوم العوافي يا صالح يا ولدي .
تساءل صالح بترقب :
– إنت فين يا بوي ؟
تحدث محمد وهو ينظر نحو شقيقته تجلس مجاورةً التي تبتسم له :
– أني چيت عند عمتك بدر يا ولدي ، كلمت محمود وهو وصلني بالعربية الصبح بدري ، قولت آچي أشوفها وأطمن عليها وأقعد معاها يومين ، إنت عارف إنها وحشاني قوي .
أدرك صالح نوايا والده فوراً ، ربما حقاً اشتاق لشقيقته التي تعيش في بلدة مجاورة لهما ولكنه نادراً ما يذهب إليها وإن ذهب يراها ويعود في نفس اليوم ، ولكن محمد أراد أن يعطي لهما الراحة ويرفع عنهما الحرج لذا قرر الذهاب إليها .
تحدث صالح معترضاً بحنو :
– سلم عليها كتير يا بوي بس مافيش لا يومين ولا يوم ، اطمن عليها وهبعت محمود يچيبك ، إنت ليك علاچ ونظام معين والحديت ده مينفعش .
ناول محمد الهاتف لشقيقته الحنونة بدر التي وضعته على أذنها وتحدثت ببشاشة يغلفها اللوم بعد أن سمعت حديثه قائلة :
– بقى إكدة يا ولد أخوي ؟ ، يعني معايزش أخوي يقعد معايا يومين ؟ ، أني بقالي شهر بحاله مشفتهوش ، ولو على علاچه ونظامه أني أشيله في عنيا ، ملكش صالح إنت يا واد ، خليك مع عروستك .
قهقهت بعدها بحرج في ضحكة عفوية فابتسم صالح عليها وتحدث بحنو :
– وحشاني قوي يا بدر ، عاملة إيه يا أم سعيد ، وكيف سعيد وأميرة ؟
تنهدت تجيب بحب :
– بخير يا ولدي طول ما أنت بخير ، إنت عامل إيه ، ومرتك الزينة عاملة ايه ، أبوك حكالي على كل حاچة ، خد بالك منها يا صالح ، إنت كريم يابني ولازم تكرمها ، وأبقى چيبها وتعالى علشان أشوفها .
زفر براحة ونظر نحو وردة التي تطالعه بترقب ثم تحدث :
– عنيا يا بدر ، إن شاء الله قريب هچيبها واچيلك ، بس قولي للحچ محمد إن اللي عمله ده مش هيتكرر ، أني فاهمه زين .
نظرت بدر لشقيقها الذي يشير لها بمغزى ثم تحدثت بحنان :
– أبوك فرحانلك قوي يا ولدي ، وعايزك دايماً مبسوط ، افرح إنت بس ومتشيلش هم حاچة .
تحدث صالح بود :
– على الله كله يا عمتي ، سلميلي على كل اللي عندك ، ولو احتاچتوا حاچة كلميني علطول .
أغلق معها ووضع الهاتف في جيبه ثم تنهد ونظر نحو وردة وتحدث بعيون لامعة :
– ابوي راح عند عمتي ، قال هيقعد معاها يومين .
فركت أصابعها بخجل وتحدثت بملامح وجه متوترة :
– طب ليه إكدة بس ؟ ، هو حُصل حاچة زعلته ؟
لا تعلم لمَ تفوهت بهذا برغم أنها تدرك سبب فعلته ولكنها خجلت لذا ادعت الاستفهام ، أما صالح فأدرك توترها ولكنه تحرك نحوها ثم وقف أمامها وبحركةٍ جريئة مد ذراعيه يحاوط خصرها قائلاً بنبرة متحشرجة مبطنة بمشاعر مستجدة على قلبه :
– عمل إكدة علشان أني وإنتِ نبقى على راحتنا شوية ، وعلشان متتكسفيش إكدة .
كان قلبها يقفز فرحاً حتى ظنت أن قدميها سترتفع عن الأرض وتحلق ، كانت في حالة من السعادة التي تجربها لأول مرة ومع ذلك يغمرها الخجل والتوتر لذا تحمحمت قائلة :
– مكانش ليه لزوم ، عمي محمد على راسي ، بس تعالى دلوك علشان نفطر ، يالا اني هروح أجهز الأكل .
نجحت في التسلل من بين يديه أو هكذا حررها صالح الذي يقدر ويراعي كل حالتها .
ليلة أمس كان على وشك امتلاكها ، مشاعره معها وصلت لعنان أحلامه ولولا نظرة الخوف والتوتر في عينيها لكانت الآن ملكه قلباً وقالباً ولكنه أرادها مطمئنة مستكينة بين يديه لذا أعطاها ليلة أمس كهدنة تعطي لقلبها طاقة عشقٍ مضاعفة تجاهه .
بعد قليل .
يجلسان يتناولان فطورهما وعادت وردة لثباتها لذا تساءلت بترقب :
– هتعمل إيه في الأرض يا صالح ؟
ارتشف من كوب الشاي رشفة ثم تحمحم قائلاً :
– هحرثها وازرعها تاني يا وردة ، من إهنة ورايح مافيش حاچة هتوقفني ، هنكمل سوا .
مدت يدها تتحسس كفه وتردف بنبرة داعمة قوية :
– هو ده الصح يا صالح ، أوعى تيأس أو تبطل تزرع .
ربت على كفها بحب فتنهدت وسحبت يدها ثم تساءلت بترقب :
– طب والعطور يا صالح ؟ ، بتعملها كيف ؟
تعمق في عينيها قليلاً ، فصناعة العطور هذه تعد سره الذي لا يفصح عنه لأحد ، حتى زراعة تلك الأزهار لها مشتلاً صغيراً خاصاً بها بعيداً عن زراعة الأرض لذا فهي مميزة بالنسبة له ، نظف حلقه وأجابها قائلاً :
– دي مَلكة يا وردة ، مَلَكة ربنا أنعم عليا بيها ومحدش يعرف حاچة عنها واصل ، أني كل كام شهر إكدة بسافر المحافظة وأبيع الروايح دي هناك وأرچع ، ومش أي حد إكدة اللي يعرف قيمتها ، دي ناس قليلة أوي ، وهو تاچر واحد بس اللي أعرفه هناك وبيستناني كل مرة .
سعدت بهذا الحديث كثيراً وأردفت بإعجاب :
– إنت حالة نادرة يا صالح ، تعرف طائر إسمه العنقاء ؟ ، إنت بتفكرني بيه ، الطائر ده مبيستسلمش واصل .
أحب مدحها وإعجابها به لذا ابتسم يردف :
– مهو الاستسلام ضعف يا وردة ، وأني متعودتش أبقى ضعيف ، صحيح اليومين اللي فاتوا كانوا صعبين عليا قوي ، يمكن أول مرة في حياتي أواجه مشاكل إكدة ، بس حضنك يستاهل .
عاد الخجل يتفاقم على ملامحها لذا لم تجبه فنهض بعد أن أنهى طعامه يردف بترقب وحنو :
– أني هسيبك شوية بس هروح أباشر على الزرع والمشتل وهكلم منعم ياچي للغنم وهرجعلك علطول .
أومأت له ونهضت تخطو نحوه ثم تحدثت بحب وهي تودعه :
– تمام يا صالح شوف إنت اللي وراك وأني هعمل الغدا واستناك .
تنهيدة قوية خرجت منه ، راحة وألفة واستقرار كان يتمناهم وها هم يقدمون له بكل حب لذا مد يده يسحب رأسها إليه ثم قبلها من جبينها بحب ليفلتها بعد ذلك ويتحرك مغادراً نحو الخارج .
أما هي فانتظرته إلى أن غادر وأغلقت الباب ثم تقدمت من الطاولة وتناولت هاتفها وقامت بطلب رقم شخصٍ ما وانتظرت حتى أجاب الطرف الآخر متسائلاً بترقب :
– ألو ؟ مين معايا ؟



google-playkhamsatmostaqltradent