رواية التل الفصل العاشر 10 - بقلم رانيا الخولي
رواية الـتـل
رانيا الخولي
الفصل العاشر
………….
صعدت ياسمين غرفة توليب مع يزن الذي أسرع إليها يلقي نفسه بحضنها والتقفته هي بسعادة
تحدثت ياسمين بغيظ
_ اسكتي كان هيودينا في داهية واحنا على الغدا عمال يشاور على اوضتك ويجول لچواد تولي بس ربنا ستر ومأخدش باله
ابتسمت توليب بحب لذلك الصغير الذي هون عليها كثيرًا وقالت بامتنان
_ بصراحة هون عليا كتير أوي، مش عارفة لولا هو كنت عملت أيه.
تقدمت منها ياسمين تجذبها من يدها وتقول بلهجة لا تقبل نقاش
_ متعمليش حاچة غير إنك تجومي تنزلي معاي دلوجت چواد خرچ وجال أنه مش هيرچع إلا وخري.
وافقت على مضد ونزلت معها للأسفل يتناولون قهوتهم في الحديقة
انتبهت توليب على صوت الخيل فسألتها بحنين
_ هو الخيل قريب من هنا، اصلي بسمع صوته باستمرار
_ لأ الخيل بعيد عن اهنه مفيش غير حصان چواد هو اللي في الإسطبل اللي چار البيت
تمتمت اسمه بخفوت
_ رماح.
_ اه ياستي هو اللي عورك يوم فرحي.
ابتسمت توليب للذكرى وتحسست يدها موضع الجرح وشعرت بحنين جارف للذهاب إليه ورؤيته.
رن هاتف ياسمين ونهضت لتجيب عليه في الداخل تبعها يزن وانتفض قلبها مرة أخرى عندما سمعت صهيله.
ودون إرادة منها وجدت قدميها تأخذها لهناك
سارت حتى وصلت الإسطبل وخدمها الحظ عندما وجدته خاليًا
فتحت الباب ودلفت بروية فوجدت ذلك الحصان الذي خطف قلبها كصاحبه واقفًا بشموخ الأدهم وسواده اللامع
تقدمت بوجل وعادت تتحسس تلك الندبة
وذكريات تلك اللحظة تتشابه أمامها
نفس الوقت ونفس الحصان ولا يختلف سوى المكان
دنت منه حتى لا يفصلها عنه سوى الباب الصغير وابتسمت له بحنين وكأنه عرفها إذ أخفض رأسه وكأنه اعتذار صريح لها مما جعلها تضحك بخفوت
فتمتمت بروية
_ عايز تقولي إنك عرفتني؟ مع إن صاحبك معرفنيش.
رفعت أناملها بعد تردد دام للحظات لتتحسس مقدمة رأسه وظلت تداعبه لسعادة وءكريات لا تنسى تداعب مخيلتها
في الخارج
وقف جواد يشاهد آدم وهو يقوم بعمله بتفحص تلك الافة التي أصابت النباتات
قام بأخذ عينه منه وتقدم من جواد ليقول بأسف
_ الحشرة صابت الزرع كله ولو سيبناها هيحصل كيف ما حصل السنة اللي فاتت.
انزعج جواد مما يحدث ونظر للنبته التي أصيبت بالفعل بشكل يدعوا للقلق وسأله
_ والحل دلوجت؟
_ مفيش حل غير المبيدات
جعد وجهه باستياء وغمغم برفض
_ بس انت خابر إني برفض استخدامها عشان الأمراض اللي بتسببها.
_ الموضوع مش زي ما انت فاهم، المبيدات دي أنواع
من سنين طويلة ظهرت الحشرات اللي دخلت على الزرع ودمرته كله فالإنسان كالعادة فكر في حل يتخلص منها لجل العالم ميدخلش في مچاعة فاخترع المبيدات دي يرش على الزرع ويموت الحشرات ونسي تمامًا أنه زي ما تخلص من الحشرات الضارة اتخلص معها من الحشارات النافعة اللي بتتغذى على السموم اللي في التربة والزرع
ولجى إن بعض الناس اللي أكلوا من الزرع جالهم تسمم خفيف.
_ يعني چاه يحارب الطبيعة حارب نفسه.
ضحك آدم وتحدث بتأكيد
_ بالظبط إكدة، بس چاه بعدها خفف المبيد بحيث أنه ميقضيش على كل الحشرات، يعني لو محربتش الطبيعة هي اللي هتحتربك.
تحدث جواد بسخرية
_ وتجول إنك نسيت؟!
هز كتفيه ببساطة مصطنعة
_ كنت فاكر إكدة
_ طيب أني راچع البيت دلوجت لإني افتكرت معادي مع المحامي باشر انت العمال لحد ما ارچع.
عاد جواد إلى المنزل وكعادته يذهب إلى الإسطبل كي يطمئن على حصانه
تقدم من المكان وانتبه لحركة وصوت انثوي في الداخل
قطب جبينه بحيرة وفتح الباب بهدوء فيتفاجئ بتلك الفتاة تداعب رماح وما زاده حيرة أنه يبادلها بغنج
فذلك الحصان لا أحد يستطيع الإقتراب منه سواه
ظل يؤكد النظر بها يريد أن ينظر لعينيها فهو لن يخطئ في تلك العينين التي اسقطته صريعًا لها منذ أن رآها للمرة الثانية في الإسطبل
يذكر ذلك اليوم جيدًا بكل تفاصيله وكأنه الأمس
رفعت يدها كي تمررها على مقدمة الحصان فيهدر قلبه بعنف وتزداد وتيرة تنفسه عندما لاحظ تلك الندبة
هي نعم هي، لم يخطئ قلبه عندما أخبره في البداية بأنها هي
ماذا حدث إذًا جعلها بذلك الانطواء
تدارى مسرعًا خلف أحد الأعمدة عندما استدارت لتنصرف وخرجت من المكان بعد أن جعلت قلبه ينبض بعنف كما فعلتها من قبل
انتبه جواد لصوت هاتفه فأخرجه من جيبه ليجيب
_ وعليكم السلام
_…..
_ اه مستنيكم في المزرعة
اغلق الهاتف وألقى نظرة أخيرة على حصانه وكأنه يطالبه بالتأكد أكثر
عليه ان يتأكد هو بنفسه
عاد إلى المنزل وفور دخوله نادى ام نعمة والتي اسرعت إليه
_ نعم ياولدي.
_ خلي نعمة تروح مع حامد عند حياة وتچيبها وتاچي دلوجت
أومأت أم نعمة وهمت بالذهاب لكنه اوقفها
_ انتي تعرفي البنت صاحبة ياسمين دي؟
هزت راسها بنفي وهي تجيبه
_ لا والله ياولدي اول مرة أشوفها عندينا، وبعدين انت خابر إن ياسمين ملهاش اصحاب غير البنتين اللي حضروا فرحها.
_ يعني هي مش واحدة منهم؟
نفت أم نعمة بتأكيد
_ لأ طبعًا مش هي اني فاكرة الاتنين زين ولو شوفتها هعرفها إنما دي غيرهم
هز رأسه بتفاهم بعد ان اصيب بخيبة أمل أخرى
_ طيب روحي انتي.
عادت أم نعمة للمطبخ وعين توليب تسألها بوجل
_ سألك عني؟
نظرت إليهم بامتعاض وهتف بهم
_ مش عيب عليكم تخلوا واحدة في السن ده تكدب؟
هزت ياسمين كتفيها بحيرة
_ انا برضه مخبراش انتي مش عايزاه يعرف بوچودك ليه؟
رمشت بعينيها وهي تحاول التحدث بثبات
_ معلش ريحوني الفترة اللي قعداها معاكم وبلاش اسأله كتير.
خرجت من المطبخ عندما تأكدت من ذهابه وصعدت إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها لتسمح لدموعها العنان
لقد رآها وشك بها ولولا انتباهها لوجوده لعرفها ولن تستطيع أن تظهر أمامه بعد الآن
عليها أن ترحل باسرع وقت
أخذت هاتف ياسمين الموضوع على المنضدة وقامت بالاتصال على والدها
وحينما أجابها اجهشت في البكاء وهي تحدثه
_ بابا
نهض توفيق من مقعده والقى نظرة على سلوى التي تقف في المطبخ تعد الطعام ثم دلف غرفته واغلق الباب خلفه
فهو لا يريد أن يسمع أحد حديثهم
_ انا معاكي ياحبيبتي وكنت منتظر مكالمة زي دي.
اجهشت بالبكاء وقد انتهى تظاهرها بالثبات وتمتمت بحرقة
_ عايزة ارجع لحياتي مش عايزة اعيش العذاب ده من تاني.
رق قلبه لحزنها لكن عليه أن يكون أكثر حزماً معها كي تقوى على ضعفها وتحدث بقوة
_ انتي اللي بتعديه من تاني قلتلك الغي تفكير المشاعر وخليكي عقلانية عشان تقدري تنسي، لكن رجعتي مشاعرك تاني تسيطر عليكي من وقت ما شوفتيه.
هزت راسها تنفي كلامه بالكذب
_ بس انا مش بعيط عشانه
سألها بتمهل كي لا تواصل الكذب عليه
_ أومال عشان ايه؟
اغمضت عينيها لتتساقط الدموع المعلقة باهدابها وهي تجيب بضياع
_ عايزة أرجع لعيلتي ولدراستي ولحياتي
مش عايزة اعيش حياة الهروب دي وخايفة لحد يعرفني واكون مهددة بالسجن في أي وقت أرجوك يابابا أنا عايزة أرجع
تنهد بتأثر وهو مكبل اليدين لا يستطيع فعل شيئاً لها
فرغم امتعاضه من ذهابها لذلك المكان إلا إنه المكان الوحيد الآمن لها
_ معلش اتحملي شوية لحد الأزمة دي ما تعدي وإن شاء الله قريب أوي
وإن كان على قلبك اشغليه بحاجات تانية بلاش تديله فرصة يرجع ذكرياته وانتي كمان بلاش تتواجدي في مكان هو فيه وافتكري أنه ليه بيت وعيلة مش هنكون سبب ابدًا في هدمها، انا واثق في بنتي وعارف انها متقدرش تكون سبب في تعاسة حد.
لم تخبره بأمر جواد فإن فعلت ذلك ستثبت له بأنها مازالت عاشقة ذلك الرجل.
اغلقت الهاتف بعد أن تطمئنت والدتها عليها واعادت الهاتف إلى المنضدة
مسحت دموعها التي لا تكف عن النزول ودلفت المرحاض كي تتوضأ وتقيم صلاتها كي تتضرع إلى ربها وتطلب منه أن يرحمها من ذلك العشق كما رحمها من قبل
أما هو فقد دلف الغرفة والحيرة لا ترحمه
قلبه يخبره بأنها هي
لكن الجميع حوله يؤكدوا بأنها ليست هي
وكلامهم الأصدق، فهو لم يراها بدون غطاء الوجه ذلك لكنهم رأوها وتعاملوا معها
لما قد تنكر أخته أو العاملة ذلك
كما إن توليب لا تهدئ مطلقًا فقد كانت شديدة المرح ولا تكف عن الثرثرة عندما كان يشاهدها من البعيد مع اصدقائها
لكن تلك دائمًا منطوية وصوتها مغلف بالانكسار.
جلس على الفراش وقد اصبحت قدمه تؤلمه تلك الفترة إذا استمر في الضغط عليها
قام بنزعها وقرر اخذ قسط من الراحة حتى يأتي المحامي.
وضع يده أسفل الوسادة وأخرج (اسكتش) الرسم الخاص به وقام بفتحه وأخذ ينظر إلى الصور الذي رسمها لها
تلك الخبيئة التي جذبته إليها بمرحها وعفويتها
نظر إلى الرسمة التي تحتويها وهي ترفع يدها لمقدمة الأدهم دون خوف كما حال الجميع
وأخرى لها وهي تستند بيديها على السياج تشاهد الحصان وهو يمرح أمامها
وأخرى بهياج الحصان وهي أمامه بيد نازفة
وكان ذلك المشهد الأخير الذي أنهى البداية
عودة للماضي
كان واقفًا يباشر العمال لكن بذهن شارد
ينتظر مرور الوقت حتى يراها مرة أخرى
فلأول مرة يصادف أحد يشاركه عشقه للخيل
افترى فمه عن ابتسامة عندما تذكر اسمها
"توليب" فهي أيضاً زهرته المفضلة
ها قد آتي الوقت أخيرًا عندما وجدها تخرج من البوابة الخلفية مع نعمة متجهين إلى الإسطبل
سينتظر قليلًا حتى لا ينتبه إليهم أحد
لكن صوت حامد الذي يناديه وهو يتقدم منه مسرعًا اربكه فسأله
_ خير ياحامد في ايه؟
أخذ حامد يلتقط أنفاسه وتمتم بوجل
_ الحصان رجله رچعت تنزف تاني وثاير هناك وكل ما حدا يجدم منه يهيج عليه
انقبض قلبه خوفًا عليها أسرع لاتجاه الإسطبل كي يمنعها من الدخول لكنها سبقته إليه
دلفت توليب المكان وشعرت بالسعادة عندما وجدت الحصان داخل غرفة صغيرة وباب قصير
يسمح لها برؤيته قالت نعمة بوجل
_ اني هستناكي برة عشان بخاف من الحصان ده جوي
جذبتها توليب من ذراعها وهي تقول برفض
_ لا طبعاً مينفعش تسيبيني لوحدي اصبري شوية لما اتصور معاه
أخرجت الهاتف من حقيبتها الصغيرة ودنت منه وهي توليه ظهرها كي تلتقط الصورة لكن ما إن تقدمت منه حتى ثار الحصان وأخذ يرفع قدمه في الهواء وكادت قدمه أن تصيبها لولا تلك اليد التي انتشلتها بسرعة من أمامه لكن حوافره أصابت يدها إصابة بالغة فيسقط كلاهما ويصاب جواد في كتفه
صرخت نعمة واسرعت تنادي على الرجال
أما جواد فقد ارتعب عليها ونهض لينظر إلى يدها التي تنزف بغزارة وتضغط عليها بيدها الأخرى وهي تتألم بشدة
جذب يدها بخوف شديد كي ينظر للجرح
_ وريني يدك
لكنها شعرت بالحرج ولم تسمح له بذلك وتمتمت بألم وهي تنهض
_ اطمن ده جرح بسيط.
دلف الرجال ومن ضمنهم عدي الذي سألها بقلق عندما رأي حالة الحصان والدماء التي تنزف منه ومن تلك الفتاة
_ خير ياچواد ايه اللي حصل؟
وضع جواد يده على جرح ذراعه وتمتم بثبات وهو ينظر إلى نعمة التي لفت جرح توليب بشالها كي تمنع نزيفه
_ مفيش حاجة ابعتوا للدكتور ضياء بسرعة يشوف الحصان
وچهزوا العربية عشان تروح المستشفى
نظر الجميع إلى يد توليب التي تنزف بشدة وكذلك هو وقال عدي
_ وانت كمان دراعك بيزنف
حاولت توليب الاعتذار لكن جواد تحدث بألم مماثل لألمها
_ لازمن تروحي لأن حوافر الحصان حادة وبتسبب مشاكل كبيرة
وافقت توليب وذهبت معه وقد تولى عدي القيادة ونعمة جلست بجوارها في المقعد الخلفي
كان الألم غير محتمل لكنها ظلت ثابتة كي لا تقلقه وخاصة وهي تراه يراقبها في مرآة السيارة
وصلوا للمشفى وتوليب لم تعد تستطيع تحمل الألم فقالت وهي على وشك البكاء كطفلة صغيرة
_ حد يكلم بابا بسرعة.
تحدث عدي بحكمة
_ خلينا نطمن لول عشان ميجلجش عليكي.
ابت ذلك وأصرت على مجيئه
اخذتها الممرضة ودلفت بها لداخل إحدى الغرف ودلف خلفهم الطبيب وكذلك حدث مع جواد
باك
عاد إلى حاضره على صوت الباب فنهض ليرتدي القدم الصناعية وذهب ليفتحه وقالت نعمة
_ المحامي تحت ومعاه ست حياة.
_ طيب حضري الجهوة واني چاي حالاً.
لم تستطيع حياة رفع عينيها عندما دلف جواد بل اخفضتها بإحراج من فعلتها
الق عليهم السلام فأجابت بخفوت وجلس جواد على مكتبه وسأل المحامي
_ عملت ايه؟
زم الرجل فمه باستياء وتحدث بأسف
_ للأسف رفعت الدعوة بس اكتشفنا إن طليقها اخد الولد وسافر.
اتسعت عين حياة بصدمة وقد شعرت بالعالم يتوقف من حولها
هل معنى ذلك أنها لن تراه مرة أخرى انتبهت لصوت جواد الذي سأله
_ اتأكدت من الخبر ده بنفسك
اكد له عبد المجيد بثقة
_ اه طبعاً واتأكدت انه سافر بالفعل لشغله في دبي بس عرفت انه هينزل اجازة قريب وكلفت حد يعرفني وقت نزوله عشان نعيد رفع الدعوة
تطلعت إليهم حياة بتشتت وتمتمت بوهن وهي تحيط جسدها بذراعيها
_ يعني مش هشوف ابني تاني؟
رمشت بعينيها وهي لا تستوعب ما يدور حولها
_ هيعيش بعيد عن حضني، مش هلاجي حضن اتدارى فيه من جسوة الدنيا اللي مش راضية ترحمني؟
رفعت عينيها إلى جواد وسألته
_ وانت ودعتني إنك هترچعه لحضني
ضيقت عينيها برجاء وهي ترجوه
_ أرچوك رچعلي ولدي، هو الحاچة الحلوة اللي بجيالي نفذ وعدك ورچعه ابوس يدك.
اغمض جواد عينيه بغضب من نفسه
فهو لم يستطيع الوفاء بوعده لها فحدثها بثبوت
_ متجلجيش ابنك هيرچعلك ويكون في حضنك واول ما يظهر هچيبه لعندك من غير قضايا، اني جلت امشيها قانوني بس بما انه لاوع معانا يبجى يتحمل.
خرجت من منزل جواد وهي تشعر بألم شديد فقد ضاع أملها في عودة ابنها إليها
وقد خذلتها الحياة تلك المرة لكن بأشد وأقسى
خرجت من المزرعة تسير بلا هوادة ولم تبالي بذلك السائق الذي امره جواد بإعادتها إلى منزلها
خيم الليل عليها وهي تسير بتشتت وكأنها تسير وفق خطوات لا تعرف وجهتها
ماذا يخبئ لها القدر بعد ذلك
أخذت ترتجف إثر تلك النسمات الباردة التي واجهتها فأخذت تلف جسدها بذراعيها تلتمس الدفئ
اشتدت الظلمة في طريقها لكنها لم تبالي وواصلت طريقها دون الالتفات حولها
رغم أنه لم يتركها لحظة واحدة منذ ان خرجت من المزرعة وظل يسير خلفها يكتفي بمراقبتها والاطمئنان عليها حتى تصل إلى منزلها
توقفت عن السير حينما شعرت بخطوات خلفها
استدارت لتعرف هويته فوجدته هو
لم تشعر بالخوف منه بل لامست فعلته قلبها
لم يتركها كما تركها الآخرين ولم يبالوا بسيرها وحيدة في هذا الطريق الخالي ولا في ذلك الوقت المتأخر
تقابلت نظراتهم والتي تحكي عن احتياج كل منهما للآخر
اجفلت عندما وجدته يتقدم منها وعادت تحتضن جسدها كما تفعل عندما تبتجل لكن نظراته الهادئة جعلتها تستكين بهدوء وخاصة عندما وجدته يقول بروية وهو يقف أمامها
_ متخافيش اني بس خفت عليكي من الطريج وجلت امشي وراكي لحد يتعرضلك
اهتزت نظراتها وشعرت برعشة تنتابها من كلماته التي تصف مشاعر لم تصادف صدقها من قبل
_ روح لحالك ياابن الناس أني جضية خسرانة مفيش مني رچا.
ابتسم بحزن ورد آسى
_ كلنا إكدة مش انتي لوحدك بس أدينا بنعافر جصاد الدنيا مرة بتشد ومرة بترخي وأهي ايام وبتمر من عمرنا.
تاهت نظراتها كما تشتت عقلها وهي لا تعرف ماذا تفعل
تذهب معه وتعوض احتياجها مع اطفاله أم تعود لوحدتها تنتظر عودة ذلك الرجل بابنها
فقال وهدان بصوت أشبه للرجاء
_ جولتي ايه؟
_______________
في غرفة مراد
تجلس على الفراش تنظر إليه وهو يمشط خصلاته أمام المرآة
لا تعرف لما بدأ الخوف يتسرب إلى قلبها
منذ أن سمعت حديثه مع نور
ما الذي ينوي فعله اثر انتهاء عدتها
هل يفكر مراد في الزواج منها؟
هزت راسها بنفي فقد أخبرها من قبل بأنه لن يفعلها وهي تثق بوعده لها.
لكنه أيضاً لم يعدها بشيء لقد طمئنها فقط عندما أخبرها أبيها بأنه سيحن يومًا للأنجاب وسيجبر حينها على الزواج من أخرى.
ماذا ستفعل لو فعل ذلك؟
هي تعلم جيدًا بأنها لن تتحمل رؤيته مع أخرى
ولن تتحمل أيضًا أن يظل وحيدًا دون طفل يحمل اسمه ويكون سندًا له
انتبه مراد لشرودها فألقى الفراشاه من يده وتقدم منها بابتسامة بدلتها إياه تمحي بها قلقها
فاستلقى بجوارها وهو يتمتم بابتسامة
_ مالك سرحانة في ايه؟
هزت كتفيها بنفي وقالت برقة
_ فيك طبعاً
رفع حاجبيه متمتمًا بمزاح
_ بس اكدة؟
هزت راسها بتأكيد
_ انت عارف ومتأكد إني معنديش غيرك افكر فيه.
_ بس انا برضك خابرك زين وخابر إن فيه حاچة شغلاكي بجالك فترة
شعرت بأن حديثه يخفي شيئًا او يود التطرق لأمر ما فقالت بدون مقدمات
_ مراد انت ممكن تتجوز عليا؟
لم يتفاجئ بسؤالها فهو يعلم بأن وجود نور سيسبب الغيرة لها ولزوجة أخيه
فرد بجدية بها بعض المماطلة
_ شوفي ياسلمى أحنا عايشين في الدنيا دي بنفذ الأقدار اللي ربنا قسمها علينا من جبل حتى ما نتولد
انا مجدرش اوعدك بحاچة اني معلمش الغيب فيها، بس حجيجي أني مش رايد غيرك في حياتي.
ازداد قلقها بعد حديثه وخاصة عندما أولاها ظهره واغلق الضوء
لا يفعل ذلك إلا عندما يود الهرب من مواجهتها، يبدو أن حديث والدها صحيحًا حينما أخبرها بأنه سيفعلها عاجلاً أم آجلاً
ماذا ستفعل لو فعلها حقًا؟
كيف ستتحمل مشاركة أخرى فيه
فالانسحاب غير وارد في قاموسها فهي لن تستطيع البعد عنه مهما حدث
رغم أنها تعلم جيدًا بأن ما يشعور به تجاهها ليس سوى مودة خالصة
أما هو فقد شعر بنصل حاد يخترق قلبه وهو يرى خداعه لها
لكن ماذا يفعل وكل شيء يوضع أمامه تحت الإجبار
علمه والده منذ صغره أن يكون الحمل الأكبر من نصيبه ولذا عليه أن يواصل التحمل مهما بلغ الحمل على كاهله
أما نور فقد ظلت حبيسة تلك الغرفة لا تفارقها مهما حاولوا الضغط عليها
فقد قررت الانتظار حتى توضع طفلها ويتم تسجيله شرعًا وحينها لن تظل لحظة واحدة في ذلك المكان فقط عليها التحمل والصبر
حتى يأتي ذلك اليوم
………
_ جولتي ايه موافجة تكملي معايا ولا لاه.
التقت عيناهما وكل واحد فيهما ينظر إلى الآخر بأسئلة كثيرة حتى شعروا بأن العالم توقف من حولهم ولن يكمل مسيرته حتى تتم الإجابة عليها
لكن صوتها الخافت انهى كل تلك الأسئلة وكان جوابًا واحدًا كافي بأن يرد على الجميع
_ موافقة.
لاحت ابتسامة على فمه لكنها لم تظل طويلاً
حينما تابعت
_ بس هيكون حبر على ورج.
لم يرفض أو يجادل سيكتفي بذلك ولن يضغط عليها
_ وأني موافج، يلا عشان اوصلك لأن الوجت أخر جوي.
اومأت له بصمت وسارت معه حتى وصلوا إلى المنزل وانتظر حتى رآها تدلف وعاد إلى منزله.
للمرة التي لا يعرف عددها يجد أطفاله لوحدهم في المنزل مستلقين بإهمال على فراشهم دون غطاء في ذلك البرد القارس
تقدم منهم لينثر الغطاء عليهم وذهب إلى المطبخ فتتفاجئ بأن خالتهم لم تعد لهم طعام العشاء وناموا جوعا
انفطر قلبه على حالهم وقام بإعداد اطعمه خفيفة وذهب إليهم كي يوقظهم لتناول الطعام
استطاع ايقاظهم بعد عناء وأخذ يطعم الصغيرة التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات فلاحظ ملابسها المتسخة وكذلك الآخرين
لم تعد خالتهم تهتم بهم منذ خطوبتها ولا يلومها على ذلك
نظر إلى زينة وتحدث بتردد
_ أني بفكر.. يعني أجيبلكم واحدة تفضل معاكم أهنه وتاخد بالها منيكم.
_ وخالتي؟
_ خالتك خلاص مبجتش فاضية عشان بتچهز لفرحها وكمان اللي هتاچي دي هتفضل معاكم وتبات كمان ها جولتي ايه؟ موافجة؟
ردت برضا
_ اه موافجة بس هتاچي ميتى؟
سعد لموافقتها وقال بحب
_ في اجرب وجت إن شاء الله.
لم يستطيع تركهم للنوم بتلك الملابس فقام بتبديلها لهم ثم وضعهم على الفراش ليناموا
❈-❈-❈
بعد مرور مرور أسابيع قليلة
استقبل مراد ومؤيد صديق آسر المقرب والذي كان مقيم معه في الخارج
وبعد الترحيب تحدث بجدية وهو يضع حقيبة صغيرة امام مراد
_ الشنطة دي فيها بعض المتعلقات بآسر الله يرحمه كان ناسيها في أمريكا ولما نزلت قلت أجيبها معايا يمكن تكون فيها حاجة مهمة ولما روحت لوالده رفضوا وقالوا انه تعبان ومش هيقدر يقابل حد فقلت اجيبها ليكم أفضل
شكره مؤيد لكن مراد شعر بالرهبة من تلك الحقيبة لا يعرف لما
وبعد انصرافه قام مراد بفتح الحقيبة ليكتشف أنها اوراق طبيه وبعض التحاليل
ظل يقلب بينهم حتى وجد أحد التحاليل والتي تثبت بأن أخيه لا يستطيع الإنجاب.
•تابع الفصل التالي "رواية التل" اضغط على اسم الرواية