رواية هواها محرم الفصل الخامس عشر 15 - بقلم آية العربي
بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
فيارب لا ترد لنا دعاء ولا تخيب لنا رجاء وأنت أرحم الراحمين.
الفصل السادس عشر من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
لم تلتزم چيچي بأيٍ مما قاله عاطف بل هي من الأساس أتت كي تفرق بينهما بعدما أخيرًا سنحت لها فرصة على طبقٍ من ذهب .
لو ظلت عمرها تخطط لمَا رتبت خطة كما رتبها لها القدر هكذا وساعدتها في تنفيذها والدته .
تحركت خارج غرفتها بلباسٍ فاضح تنظر حولها فلم تجد لها أثرًا لذا مطت شفتيها بتجهم واضحٍ قائلة :
– إيه البني آدمة الكئيبة دي ، متحملها إزاي عاطف بقرفها ده .
كانت متعجبة من مكوث أميرة في غرفتها طوال اليوم دون الاحتكاك بها ، فهي اعتادت على حياة الصخب والعبث فكيف لها أن تستوعب الهدوء والزهود الذي يغلف حياة أميرة .
تحركت صوْب المطبخ كي ترى ما يمكنها تحضيره لتأكله ومن هنا طرأت لها فكرةً ما ، اتجهت تلتقط صحنًا ثم ترقبت جيدًا وقامت برطمه في أرضية المكان ليسقط متهشمًا أمامها .
ابتسمت برغم انكماش ملامحها ثم التفتت تبعثر المكان بطريقة فوضوية وتلقي بأدوات الطهي هنا وهناك .
في الأعلى تجلس أميرة في غرفتها تدوّن كعادتها كل ما يعتليها وبرغم التقاط أذنها لتلك الأصوات الصادرة من الأسفل إلا أنها لم تبدِ أي رد فعل بل أكملت كأن شيئًا لم يكن .
وهذا ما أثار حنق هذه الفوضوية فقط افتعلت هذا كي تخرج أميرة عن صمتها .
لذا تحركت تخطو بخُفها فوق القطع المتهشمة لتمر خارج المطبخ ومنه إلى الدرج تصعده بتوعد بعدما رسمت على ملامحها التشفي .
اتجهت صوب غرفة أميرة وطرقتها بحدة أفزعتها فأجفلت مكانها وشعرت بقبضة خوفٍ تباغتها وهي تلتفت تنظر نحو الباب الموصود .
بعد ثوانٍ حاولت ترويض أنفاسها لتهدأ وجال في خاطرها التجاهل ولكن مع تكرار هذا الطرق العنيف قررت النهوض وتوجهت تفتح الباب لتقابلها چيچي بوجهها المنحوت بعناية والغارق في مستحضرات التجميل وقد ارتدت قميصًا يظهر مفاتنها بشكلٍ مبالغٍ فيه ووقفت أمامها تتغنج قائلة بنبرة استفزازية متعمدة :
– ساعة علشان تفتحي ؟
تكتفت أميرة تطالعها باشمئزاز يغلفه التعجب ثم تساءلت بتجهم :
– خير ؟
ألقت چيچي نظرة عابرة على الغرفة الواسعة والمرتبة التي كان من المفترض أن تكون لها ثم عادت تستقر بنظرها نحو أميرة وقالت ببرود :
– جعانة ومش عارفة أعمل أكل إيه هنا ، ياريت كنوع من الذوق يعني تعمليلي حاجة أكلها .
برغم السخرية التي تجلت على معالم وجه أميرة إلا أنها أجابت ببساطة :
– شوفي كنتِ بتاكلي إزاي وإنتِ في بيتك واتصرفي ، أنا مش بشتغل عندك .
تحركت يدها لتغلق الباب ولكن منعتها چيچي تصدها ثم تغنجت في وقفتها وقالت بمياعة :
– عاطف اللي كان بيعملنا الأكل ، ولو مش موجود بنزل آكل برا بس للأسف مش هينفع أنزل دلوقتي لأنه منعني .
كادت أن تضحك وهذه الغبية تعتقد أنها بهذه الحركات سوف تنال منها لذا أرادت وضع النقاط على الحروف فتكتفت وقالت بمغزى كي تنهي هذا العبث قبل أن يبدأ :
– بصي يا چيچي علشان مانتعبش بعض ، مش هتلاقي مني أي رد فعل ناحية علاقتك بعاطف ، أنا عارفة من زمان أنكوا مع بعض ومايهمنيش ، إنتوا الاتنين أصلًا لايقين على بعض جدًا ، فياريت توفري على نفسك وعليا أسلوبك ده واقعدي اليومين هنا باحترام .
وكأن أسباب تعلق عاطف بهذه الأميرة تصيبها في مقتل فها هي تظهر ثباتًا وثقةً لم تعلم عنهما شيئًا ولكنها لم تعتد السكوت والاستسلام لذا تخلت عن برودها ونطقت بنبرة غاضبة حادة مهينة ونظرة استخفاف :
– لا بقى محترمة غصب عنك ، وأن كنت بتعامل مع عاطف براحتي ده علشان أنا أحق بيه منك وليا فيه أكتر منك بكتير بس للأسف هو اللي متعلق بيكِ ماعرفش على إيه .
مالت قليلاً نحوها وتابعت بهمس خبيث :
– وأظن قلة الاحترام هي لما أكون متجوزة واحد بيحبني موت وأنا أحب وأفكر في واحد غيره .
ابتعدت تنظر لوجه أميرة الذي تشبح بالصدمة فابتسمت وابتعدت تعود من حيث أتت وهي تظن أنها ربحت تلك الجولة خاصةً بعدما علمت من والدة عاطف سبب بعد أميرة عنه فقد التزمت مؤخرًا باتصال مستمر يوميًا تظهر فيه ودًا كاذبًا لها وتملي عليها كم هي تحب ابنها وتريده لها لذا فقد أخبرتها الأخرى بأجزاء من قصة يوسف .
عادت غرفتها وتركت أميرة تقف كتمثال تتبع أثرها وصدى جملتها يتردد داخل عقلها ، إذا كانت الأمور تسير على هذا النحو فلم السكوت إذًا ، في كلتا الحالتين هي بالنسبة له وللعائلة ولعشيقته خائنة فـ لتثور إذًا ، حقًا لم تعد تحتمل .
بعد ثوانٍ التفتت تدخل الغرفة وتتجه تلتقط هاتفها وتفكر .
تريد الاتصال بأحدهم ، تشعر أنها إن لم تشارك أحدهم ما بداخلها سوف تصاب بجلطة قلبية لا محالة ، باتت على شفى حفرةٍ من الموت والاختناق يلتهمها شيئًا فشيء .
إنه هذا الساكن الذي اعتاد الكتمان واتخذ من جسده وعاءًا يسكب فيه الآخرين غضبهم وظلمهم متجاهلين لحظة امتلائه وفيضانه وهنا تأتيه الفرصة لنشر الفوضى في كل مكان .
❈-❈-❈
منذ أن قرأ رسالتها وهو لديه رغبة قوية في التحرك والذهاب إليها .
أخبرته أنها اشتاقت إليه جدًا إذًا فليطفئ نيران اشتياقها .
إن كان شوقها له قيراطاً فشوقه لها لا تزنه الموازين ، ولكن يبقى ألم جسده عائقًا لعينًا يقيده عنوةً عنها لذا فما كان منه إلا اتصالًا قطع صمت غرفتها وأسكت ضجيج أفكارها .
نظرت لشاشة الهاتف بحب وتنهيدة قوية دعمت بها رئتيها ثم أجابت تردف بنعومة وهدوء ينافي عبث نبضاتها :
– السلام عليكم ، أزيك يا خالد ، عامل إيه ؟
زفر بقوة وأسبل عينيه من شدة اشتياقه لصوتها قائلًا بهمس مثير وبالإنجليزية :
– صوتكِ خديجة ، صوتكِ ملاذي ، كيف تفعلينها ؟
خجلت وتوردت وجنتيها بينما نبضاتها باتت ترقص في حفل زفاف مشاعرها وروحها وتساءلت بنبرة تلعثم من فرط ما بداخلها من مشاعر :
– عملت إيه ؟
تحدث وعيناه مغلقة بنبرة متعمدة برغم تأثيرها على كيانه وجسده :
– تخضعين قلبي ، أنتِ معجزتي خديجة ، اشتقت لكِ حد اللعنة .
ستنهار حصونها من هذا الرجل ، هي جديدة على الحب وهو صيادٌ ماهر ، ولكن عن أي لعنة يتحدث ، بعض الكلمات ربما بالنسبة له طبيعية ولكن هي لا تتقبلها ويرفضها سمعها لذا تحمحمت تقول بلغته وبهدوء جاهدت لسحبه من داخلها :
– لنقل أنك اشتقت لي فقط ، وأنا كذلك ، أنت بخير ؟ .
تنهيدة تحمل على متنها سكينةً وسلاماً مرت من مضيق حنجرته فشرحت صدره وأراحته وهو يجيبها :
– وهل يحق لي ألا أكون بعد سماع صوتكِ .
برغم خصومته القاسية إلا أن كلماته تقطر على قلبها دلالًا من نوعٍ آخر لم تجربه من قبل ، دلالًا ملمسه كالبلسم وطعمه كالشهد .
إن استمر على هذا الحال سوف تغلق ، حقًا ستغلق فقلبها هش لا يحتمل لذا تحدثت تغير دفة الحديث قائلة :
– نارة قالت لي إنك اتنازلت عن فلوس عيلتك وأنا فرحت جدًا بالخبر ده .
تحمحم يحاول الهرب من هذا الحوار الذي يود تجاهله لذا تحرك دون انتباه فتألم فصدر عنه صوتَ أنين وأردف ليخفي معالم الحقيقة قائلًا :
– ألم تخبركِ نارة أنني أجريت ال Circumcision.
توردت وجنتيها فقد استطاعت لتوها الهروب من كلماته الحالمة لتصدمها كلماته الوقحة لذا نطقت بعجالة :
– خالد ممكن مانتكلمش عن الموضوع ده .
أدرك خجلها الذي يجعله شغوفًا أكثر لها فتساءل :
– هل تخجلين بعدما أخضعتيني لفعلها ؟ ، أنتِ زوجتي .
تنهدت بقوة ثم قالت موضحة :
– فاهمة ده بس لو سمحت خلينا نتكلم في حاجة تانية ، قولي مثلًا هنعمل إيه في الفيلا ؟
حاول أن يستند ويرتفع بجسده قليلًا بهدوء ولكنه تألم يسب الطبيب فسمعته واتسعت عينيها تعجبًا ولكنه تساءل بعد أن التقط أنفاسه :
– ما بها الڤيلا خديجة ؟
زمت شفتيها وتنهدت تستعيد ثباتها ثم تساءلت بتروٍ :
– قصدي هي كمان من نفس الفلوس دي ولا إيه ؟ .
ترقبت حديثه ببعض التوتر خاصة وأن صمته طال ولكنه قال بنبرة هادئة :
– الڤيلا ليست امتلاك خديجة لقد استأجرتها حين جئت إلى القاهرة أول مرة .
زفرت بارتياح وقالت مبتسمة وهي تعتدل في جلستها :
– الحمد لله ، كدة كويس جداً .
ليتابع بغموض :
– ولكننا لن نسكن فيها ، سننتقل للعيش في منزلٍ جديدٍ أعمل على تجهيزه .
توترت وتبعثر داخلها مجددًا وتبدلت مشاعرها الحالمة لأخرى متأهبة ، لقد كانت سعيدة تغزوها الراحة لقربها من عائلتها ، التقطت نفسًا لتهدأ وتحدثت بنبرة لينة يرافقها الاعتراض :
– ليه يا خالد ؟ ، المكان هنا حلو أوي وهكون قريبة من أهلي .
وهذا تحديداً مالا يريده ، لا يريدها أن تمتلك جناح قوة ترفرف به بعيدًا عنه ، يسعى لأن يصبح هو أجنحتها إن تحرك تحركت وإن توقف توقفت ، لتلازمه مثل الظل بل يتمنى أن يكونا شيئًا واحدًا لا ظل له ولا أثر .
تحمحم يتحدث وقد بدأ مفعول المسكن يتلاشى لذا تضاعفت الآلام في جسده ويبدو أن هذه ذريعة يتهرب بها لذا قال :
– خديجة يجب أن أتناول حبة مسكن الآن ، أشعر أنني لم أعد صالحًا للاستعمال .
استطاع هذا المحتال تشتيت أفكارها عن أمر السكن لتقول مودعة على عجل :
– تمام تمام ، هقفل معاك وهكلمك الصبح اطمن عليك ، وهبعتلك الأكل مع مازن ولو احتجت أي حاجة كلمني .
أغلقت المكالمة وتركته يردد جملتها الأخيرة في عقله ، أي حنان تمتلكه تلك الصغيرة ؟ ، طوال حياته لم يجرب قط أي اهتمام وحتى اهتمام صقر به كان اهتمامًا قاسيًا جافًا أما تلك فهي تغرقه وابلاً من الحنان لا يعلم كيف يتعامل معه .
كور فمه وزفر بقوة وعاد يخطط لطريقة إقناعها بالسكن الجديد ولكنه بات يدرك أن اقناعها أمرًا هينًا ليعود الألم ينبهه لذا مد يده يتناول كوب المياه من فوق الكومود ثم أخرج علبة أقراص مسكنة صغيرة من جيب جاكته وتناول قرصين منها وعاد يتمدد بملامح منكمشة متألمة ولكن قلبه وجد ملاذه وراحته بعدما تصالحا .
❈-❈-❈
تقف في شرفة غرفتها تنتظر عودته بينما تتحدث عبر الهاتف مع نهى التي هاتفتها كي تطمئن عليها مردفة :
– طيب هتعرفوا نوع البيبي إمتى يا نارو ؟ .
كان سؤالًا فضوليًا منها ولكن نارة لم تنزعج بل على العكس هي تحب نهى وتعلم نيتها السليمة لذا أجابتها بنبرة ودودة :
– الشهر الجاي إن شاء الله .
تنهدت نهى وتحدثت داعية :
– ربنا يكملك على خير يا حبيبتي ويقر عينك بيه ويعوضك خير يا صقر يا أخويا إنت وسامح .
– أمين يارب ، طمنيني زينب عاملة ايه ؟
سألتها نارة حينما تذكرت فأخبرتها نهي بتنهيدة حزن :
– تعبانة يا حبيبتي ، زينب مش بتريح نفسها وبتعمل مجهود ربنا يقويها.
تذكرت حنية شقيقها فتابعت موضحة بتباهي :
– بس سامح مش بيسيبها وإيده في إيدها ربنا يبارك له ، أنا أخواتي مافيش زيهم .
ابتسمت نارة والتفتت حينما شعرت بلسعة برد تغزو جسدها لذا دلفت تغلق باب الشرفة واتجهت تجلس على مقعد جانبي قائلة :
– سامح إنسان جميل وزينب كمان تستاهل كل خير .
ابتسمت نهى ولكنها تحدثت معتذرة حينما عاد زوجها :
– معلش يا نارو هقفل معاكي علشان محمود جه .
أومأت نارة وتحدثت برقي :
– أه طبعًا مع السلامة .
أغلقت معها وقد لاحظت رسالة من أحدهم فتصفحتها لتجدها من أميرة تسألها هل هي متاحة أم لا .
لم ترد على رسالتها برسالة بل هاتفتها مسرعة بحماس وترقب فأجابت أميرة بنبرة لم تستطع إخفاء الحزن فيها :
– نارة أزيك عاملة ايه ؟
استشفت نارة البكاء في نبرتها ولكنها قالت بهدوء :
– كويسة يا أميرة الحمدلله ، إنتِ عاملة ايه ؟
– الحمدلله .
أجابتها مختصرة لا تعلم أتفصح عمّا بها أم تلتزم بالكتمان كما اعتادت ولكن أتى سؤال نارة كدفعة أسقطت جدار صمتها لتتحدث حينما تساءلت :
– أميرة مالك ؟ ، حد زعلك ؟
دون مقدمات تحدثت كأنها بالون هواء ثقبه أحدهم :
– عاطف ، مابقتش متحملة أبقى على ذمته لحظة واحدة ، أنا محتاجة حد يساعدني أنفصل عنه يا نارة وللأسف أهلي كلهم زيه .
كانت تشعر ، نعم كانت مرتابة من ذاك العاطف وها هي أميرة تثبت لها صحة حدسها ، لم يتجلى عليها الذهول بل على العكس التعجب الحقيقي كان من ادعائهما للحب بينهما .
حاولت تهدأتها أولًا ولتوضح لها أميرة أكثر لذا تساءلت بتروٍ :
– طيب ممكن تهدي خالص ، إنتِ كنتِ بتعيطي صح ؟ ، حاولي تهدي وتفهميني إيه المشكلة بالضبط يمكن نلاقي حل سوا ؟
– مافيش حل يا نارة ، الحل الوحيد إني أخلص من الإنسان ده ، مافيش أي حل أنا تعبت ، مش عارفة ينفع أقول كدة أو لاء بس أنا حقيقي تعبت .
كانت تتحدث بانهيار وتهز رأسها سلبًا بغير هدى وكأن الأميرة انهارت قلاعها الشامخة ، انهارت حصون قوتها وباتت تبكي وتنتحب بنشيج قوي أصاب قلب نارة التي تألمت لأجلها بل تجهمت ملامحها ولثوانٍ وقعت في حيرةٍ من أمرها كيف تقدم لها المساعدة .
لتتفاجأ بصقر يدخل الغرفة ويطالعها بابتسامته المعهودة فلم تستطع مبادلته بل ظلت على ملامحها توميء له وتشير بأطراف أصابعها أن يعطيها متسعًا من الوقت فقط .
تعجب وثبت عيناه عليها وخلع جاكيته يلقيه على المقعد المجاور له ثم خطى نحوها يتساءل بنظراته وهو يراها متجهمة ومندمجة مع أحدهم عبر الهاتف .
جلس مجاورًا لها فمدت يدها تضعها على كفه وتابعت بحيرة تهاجمها :
– أميرة لو سمحتِ اهدي ، تحبي اجيلك دلوقتي ؟
تصلب جسد صقر حينما علم هوية المتصل ، إنها ابنة تلك العائلة وزوجة عاطف سليمان شريكه ، تجلى الضيق على ملامحه فورًا ولمحته نارة فأرادت أن تغلق ولكنها في وضعٍ حرجٍ مع ابنة عمها لذا تحدثت بتأنٍ وهي تعاود النهوض وتخطو نحو باب الشرفة المغلق لتكتسب بعض الحرية حتى وقفت خلفه تنظر نحو الخارج وتقول بنبرة لينة :
– تمام ، إهدي وخلينا نتقابل أنا وانتِ بكرة ونتكلم براحتنا وأوعدك هنلاقي حل ، تمام ؟
لملمت شتات نفسها ، أو هكذا ادعت وهي تحاول استعادة ثباتها قائلة :
– تمام ، تمام يا نارة ، أنا أسفة ، بجد أسفة بس كنت محتاجة اتكلم .
– لا أبدًا ماتعتذريش خالص ، أنا جنبك وهنتكلم أكيد بس مش في الفون ، هنتقابل أحسن ، خلينا نفطر برا سوا ؟ ، تمام ؟
تعلم جيدًا أنه لن يقبل ولهذا أجابتها بوضوح :
– مش هيوافق ، عاطف مش هيقبل أطلع أنا وانتِ لوحدنا .
تعجبت نارة من تصريحها والتفتت تطالع صقر متجهم الملامح ومتصلب الجسد لذا زفرت وقالت مسرعة وقد أصابها التشتت :
– تمام أوعدك هلاقي حل ، بس دلوقتي اتوضي وصلي وهتواصل معاكِ تاني .
أومأت لها أميرة كأنها تراها وأغلقت معها متعجبة من حالتها الانهيارية التي كانت عليها خاصة بعدما شهدت عليها نارة لذا توقفت تلملم شتات نفسها وتكفكف دموعها واتجهت لحمامها تغسل وجهها الباكي والذي أصابه الشحوب وتتوضأ وهي على قرارٍ ثابتٍ بعد الآن وهو الانفصال عنه مهما كانت العواقب .
أما نارة وضعت الهاتف جانبًا وتنفست بقوة ثم اتجهت تجلس مقابل صقر وتبتسم له مرحبة وهي تنحني عليه وتقبل وجنته بحبٍ قائلة :
– حمدالله على السلامة .
لم يستطع إخفاء غضبه بل بات متصلبًا كما هو حينما طالعها بعيون ثاقبة وتساءل :
– بتكلمك ليه دي يا نارة ؟
ابتعلت لعابها واعتدلت في جلستها بيأس من طريقته وتحدثت بتمهل موضحة بعدما شهد على مكالمتها :
– صقر أميرة محتاجة مساعدتي .
ظل ثابتًا يطالعها فتابعت حينما لمحت في عينيه المزيد من الأسئلة :
– ماكانش المفروض تسمع الحوار ده ، بس عامةً أنا من أول ما قابلتها وأنا حاسة إنها مش مبسوطة مع عاطف ده ، أنا مارتحتلوش أبدًا وكلامها دلوقتي أكد لي ده .
أسبل جفنيه لثوانٍ ثم عاد يطالعها بعمق ، يعلم أنها صاحبة قلبٍ ماسي حنون ولهذا فهي لم تدرك خبث تلك العائلة ومكرها لذا فعليه حمايتها وعليها أن تفهم ذلك .
تنفس وتحدث بنبرة هادئة وصارمة في آنٍ واحد :
– نارة أنا مش عايز يكون ليكِ صلة بأميرة دي ، يعني بلاش الود الزيادة ، خليكي سطحية جدًا وحذرة جدًا في تعاملك معاها ومع أي حد في العيلة دي .
ربما تتفهم قلقه وخوفه من جهة عائلتها وهذا شعور مماثل ولكنه مخطئ في فهم أميرة لذا حاولت التوضيح له قائلة بنبرة حضارية :
– صقر أنا فاهمة إنك مش واثق فيهم ، وليك حق أنا كمان أكيد مش هثق بسهولة في العيلة اللي اتخلت عني زمان ، برغم إني حسيت بألفة ناحية عمي حسن وأسرته بس بردو ده مايمنعش إني لازم أخد بالي كويس جدًا ، لكن أميرة مش زيهم ، أميرة ممكن جدًا تكون ضحية ليهم بردو ، أنا وعدتها إني هساعدها بس لازم أقابلها واتكلم معاها .
ظهرت نظرة أخرى في عينيه ، نظرة أكثر حدة وهو ينطق بنبرة تشبه نظرته في الحدة :
– مش هتقابليها يا نارة ، ومش هتدخلي نفسك في مشاكلها ، هتبعدي تمامًا عن أي مشاكل خاصة بالعيلة دي ، هي حرة مع جوزها .
تعجبت من أمره لها دون نقاش أو حتى دون أخذ رأيها كما تعودت لذا تحدثت بنبرة ثابتة ولم تتخلى عن هدوءها :
– صقر لو سمحت حاول تفهمني ، بلاش تعتبرها من العيلة ، خلينا نقول إنها مرات شريكك اللي عرفتني عليها وهي طلبت مساعدتي وارتاحت معايا في الكلام ، إزاي عايزني اتجاهلها ؟
لم يعد يريد جدالًا ، هي لن تتفهم حمايته لها وهو لن يتقبل ثقتها بأي شخصٍ في تلك العائلة لذا قال محذرًا :
– مش شايفة إننا بنتكلم أصلًا في أمر مفروغ منه ؟ ، الأفضل نتفق يا نارة ، أوعديني إنك مش هتكلميها تاني ولا هتقابليها .
صدمت من طريقته الصارمة معها وابعدت يدها عنه وتحركت تتحسس موضع جنينها حيث شعرت بألم طفيف مفاجيء ولكنها تجاهلته وظلت تنظر في عينيه عله يتراجع عن حديثه ولكنه أبى وبشدة بل ثابت ينتظر وعدها ولكنها لم تعتد أن تخلف وعدًا لأحدهم ولم تعتد أن يتجاهلها أحدهم لذا قالت وهي تهز رأسها سلبًا :
– ماقدرش أوعدك يا صقر ، أنا وعدتها إني هحاول أساعدها ولو وعدتك دلوقتي يبقى هخلف في وعدي ليها وإنت عارف كويس إن ده مش طبعي .
ضيق عيناه متعمقًا في عينيها فوجد التصميم والثبات لذا أبعد نظره واتكأ يستند للأمام بذراعيه على ساقيه ونظر أرضًا يفكر كيف يحد من هذه العلاقة حتى لو استعمل قوته فـ جُل ما يهمه هي .
آلمها سكونه وصمته لذا عادت تناديه :
– صقر لو سمحت كلمني ، أنا بجد مش فاهمة وجهة نظرك ، مش يمكن أميرة ضحية العيلة دي زيي ؟
نهض فجأة يغادر الغرفة حتى لا يتفاقم النقاش بينما أكثر ، نهض وتركها تطالعه بصدمة وهو يغادر ويغلق الباب خلفه ، هو لم ولن يثق في هذه الأميرة خاصةً حينما نطق اسم يوسف آنذاك ولمح في عينيها ما جعله يصدر تلك الأحكام المسبقة ، يثق تمامًا بأن نظرته دومًا صائبة .
أما هي فجلست مكانها تفكر هل عليها أن تذهب خلفه وتتحدث معه مجددًا أم تتركه حتى يهدأ ؟
ولكنها قررت عدم التخلي عن أميرة خاصةً بعدما استمعت لنبرتها الباكية
❈-❈-❈
يجلس أمامها وتجاوره عنيدته يتحدثان عن أمور الخطبة وكتب الكتاب .
كان من المفترض أن الخطبة ستتم منذ عدة أيام ولكنهما قررا تأخير الموعد حتى يتم تحضير كل شيء على أكمل وجه .
تحدثت آسيا بتأنٍ حنون :
– خلاص يا عمر يبقى الأسبوع الجاي نعمل حفلة صغيرة ، بس أنا لازم أكلمك في موضوع تاني .
ترقب عمر وتساءل باحترام :
– خير يا آسيا هانم ؟
تحمحمت تنظر نحو ابنتها المترقبة ثم عادت إليه تردف موضحة :
– إنتوا هتعيشوا معايا هنا بعد الجواز .
كان يعلم جيدًا أنها ستعرض عليه هذا الأمر ، ولكن شخصيته تأبى ذلك ، الوضع ذاك لا يشبه الوضع القادم إطلاقًا فكيف يتقبل فكرة مكوثه بعد الزواج في منزل زوجته ، لذا تحدث معترضًا بتروٍ :
– أنا فاهم قصدك كويس يا آسيا هانم بس مش هينفع أبدًا نعيش هنا بعد الجواز ، بس ينفع إن حضرتك تيجي تعيشي معانا في شقتي .
تعجبت من حديثه وحاولت اقناعه قائلة برقي :
– بص يا عمر ، إنت عارف أني بعتبرك ابني ، وعارف إننا ملناش حد ولا قرايب وإن بناتي واجوازهم هما عيلتي كلها ، أنا مش عايزة حاجة غير راحتهم ، المكان هنا كبير جدًا عليا لوحدي وانت ومايا هتونسوني فيه لكن صعب أسيب بيتي وآجي أعيش معاكم ، مايصحش بردو .
نظر نحو مايا يترقب حديثها فهزت كتفيها بصمت كأنها تركت له حرية الاختيار ولكن مع كلمات آسيا بقى مقيدًا فهو يكن لها كل تقديرٍ واحترامٍ ولكن كيف سيحلها .
التقطت نفسًا وتحدث بهدوء :
– بالعكس يصح جدًا ، حضرتك عارفة وضعي الاجتماعي وبالنسبة لي إنتِ أمي ، ومعزتك عندي زي أمي لبنى بالضبط ، علشان كدة أي مكان هكون فيه أنا ومايا حضرتك هتكوني معانا فيه .
طرأت لمايا فكرةً ما لذا تحدثت تعرضها :
– أنا عندي حل .
– إيه هو يا مايا .
سألتها آسيا باهتمام فشرحت مايا موضحة وهي تنظر نحو عمر تارة ونحو آسيا تارة :
– عمر يبيع شقته وإحنا نبيع فيلتنا ونشترك سوا ونجيب فيلا صغيرة على قدنا .
ربما هو حلًا مناسبًا بالنسبة لها ولكن عمر لن يقبل به وآسيا أيضًا التي نطقت بجدية :
– ماينفعش يا مايا ، الفيلا هنا ليكي إنتِ ونارة وماينفعش أبيعها ، دي اللي هتجمعكوا وهتجمع أولادكوا بعد ما أموت .
– بعد الشر عليكي .
نطقها اثنانتهما بملامح معترضة وحزينة من طرف مايا وتابع عمر إليها :
– أنا ممكن أبيع شقتي ونجيب شقة تانية قريبة من هنا ونكون بين هنا وهناك يا إما في حل تاني .
مالت آسيا قليلًا برأسها تتساءل فتابع يستكمل :
– ممكن اكتب شقتي باسم مايا وتكون مهرها ووقتها مافيش مشكلة لو عشنا هنا .
– هو ده يا عمر برافو عليك .
نطقتها مايا مسرعة وهي تشير بسبابتها إليه فضيق عيناه يطالعها بنظرة خبث وتحدث بمشاكسة :
– كنت عارف إنك من الأول طمعانة في شقتي .
شهقت متسعة العينين فضحكت عليها آسيا التي أيدت هذا القرار بينما حاورته مايا باستفزاز :
– على فكرة بقى إنت صح ، فكرة إن هيكون ليا شقة باسمي دي في حد ذاتها مريحاني علشان لو في يوم زعلتني أروح أقعد هناك ومش هدخلك أبدًا .
تحدث بثقة وجدية :
– لو لا قدر الله زعلنا مع بعض مافيش حد هيمشي ويسيب التاني ودي حاجة لازم تحطيها حلقة في ودنك .
– حاضر .
نطقتها بطاعة وابتسامة طفولية تحت أنظار آسيا المتعجبة من ابنتها العنيدة المشاكسة التي يروضها عمر بكل سهولة .
❈-❈-❈
عاد متأخرًا إلى فيلته ودلف ليتفاجأ بصوتٍ صاخبٍ يأتي من غرفة المعيشة .
تتبع الصوت ودلف ليجد چيچي تجلس أمام التلفاز تتابع أحد الأفلام وتتناول قطعة من البيتزا التي طلبتها منذ قليل والمكان مبعثرًا من حولها .
ما إن لمحته حتى هبت واقفة تترك الطعام وتتحرك بتمايل متعمد خاصةً في هذا الثوب حتى وصلت إليه تبتسم له قائلة بغنج واضحٍ :
– حمدالله على السلامة ، اتأخرت ليه كدة ؟
نظر لها بفتور ثم للفوضى التي أحدثتها وعاد يقول بجمود وملامح مرهقة :
– إيه اللي إنتِ عملاه في المكان ده ؟ ، وفين أميرة ؟
مطت شفتيها بضيق وأشارت برأسها للأعلى تردف بضيق وتعجب :
– فوق من وقت ما سبتها ، أنا مش عارفة إنت متحملها إزاي دي .
أبعدها عنه قائلًا بتأفأف :
– اقعدي كملي اللي كنتِ بتعمليه .
ابتعدت عنه تزفر بيأس وتحرك هو يغادر للأعلى ليراها ولكن ما إن وصل إلى غرفته ومد يده ليفتح الباب حتى وجده موصدًا من الداخل .
زفر وطرقه بحدة يردف :
– أميرة افتحي الباب .
كانت قد غفت بعدما ظلت تصلي وتناجي ربها بأن يخلصها منه ولكن طرقاته وصوته جعلاها تجفل منتفضة وتنظر حولها بعيون منتفخة لثوانٍ .
أدركت صوته فنهضت بإرهاق تتحرك نحو الباب وفتحته تطالعه بتساؤل وضيق فعلم أنها كانت غافية .
أبعدها بهدوء يقتحم الغرفة ويغلق الباب قائلًا وهو يعود إليها ويجول بنظراته فوق ملامحها :
– نايمة بدري يعني ، مش كنتِ بتستنيني ؟
لم تعره اهتمام بل تقدمت نحو سريرها مجددًا لتنام ولكنه لحقها يتمسك برسغها ويلفها إليه فكانت تتحرك معه كورقة خريفية هشة وهي على يقين أن مقاومته لن تزيدها إلا ضرراً جسديًا ونفسيًا لذا تركت زمام جسدها في يده وأما عن مشاعرها فقد تبلدت تمامًا .
وجدها مستسلمة فحاوطها يلصقها به ويتعمق في ملامحها ثم انحنى يشتم رائحتها ويقبل عنقها قبلاتٍ بدأت هادئة ثم اتخذت وضعًا حميميًا وقد دلف في طوفان مشاعره لمجرد لمسها ثم أردف بهمسٍ حارق وهو على حالته :
– وحشتيني أوي .
لا رد منها ولا أي تفاعل معه وهذا ليس بشيءٍ متعمدٍ منها بل حقًا تبلدت مشاعرها كاملةً نحوه ، ولكنه أكمل قبلاته التي اقتحمت شفتيها وملامحها وتحركت يداه تجوب على سائر جسدها ليدخلها في حالة من التبادل ولكنها باتت كـ جثة هامدة لا حياة فيها .
كان مأخوذًا بمشاعره وهو يتحرك بها نحو الفراش ويجلسا عليه ولكن استسلامها المتناهي هذا أخرجه من ساحة مشاعره ليبتعد قليلًا وينظر لها بضيق وتعجب متسائلًا :
– إنتِ مالك باردة كدة ليه ؟
لم تجبه بل ثبتت عينيها عليه والتمعت فيهما نظرة التشفي حتى كادت تبتسم ساخرة وهذا ما أثار غضبه لذا دفعها بقوة فسقطت أرضًا متألمة ألمًا جسديًا أما روحها فقد انتصرت وهي تراه ينهض ويتحرك بعصبية مفرطة نحو الباب الذي فتحه واندفع يغلقه بقوة كادت أن تطيح به .
أنتفضت من أثره واحتمت بذراعيها وهي تنظر أمامها متباهيةً بانتصارها عليه لأول مرة .
أما هو فاندفع نحو الأسفل حيث كانت تقف چيچي تنتظر خروجه وها هو يظهر بملامح نارية تطلق سهامًا نارية حتى كادت تحترق ومع ذلك أسرعت إليه تعترض طريقه قبل أن يتحرك للخارج وتحدثت وهي تطالعه بلهفة :
– عملت فيك إيه ؟
– ابعدي عني دلوقتي .
نطقها بغضب حارق لو تجسد لتفحمت ولكنها لم تبتعد بل أسرعت تكبله وتعانقه بقوة وتقول برفضٍ :
– لا مش هبعد ، ماتخرجش تعالى معايا .
حرارة جسدها اختلطت مع حرارته الغاضبة والمنصهرة لذا حينما نظرت إليه لترى ملامحه لم يمهلها وقتًا وانقض مقبلًا إياها قبلة همجية كاسحة استقبلتها برحابة صدرٍ واندمجت معها بسعادة ولكنه فجأة وحين شعر بهمسها باسمه دفعها عنه بقوة واندفع يغادر المكان وتركها تقف خاوية بعدما اقتلع ثباتها ومع كل هدرة نفس تصدر منها يزداد كرهها لتلك الأميرة وتتوعد لها أكثر .
❈-❈-❈
صباحًا استيقظت نارة تتملل في نومتها لتصطدم بجسد صقر يحيطها بذراعيه .
التفتت تطالعه وهو ينام بعمق فشردت فيه تفكر كيف جاء إليها فقد انتظرته كثيرًا حتى غفت دون رؤيته .
تنهدت ثم امتدت يدها تتحسس لحيته النامية بحنو وحب وتفكر قليلًا .
عليها أن تنهض وتتواصل مع أميرة كي تذهبا سويًا للخارج كما وعدتها ولكن أولًا عليها أن تقنعه .
توقفت لحظة ثم امتدت يدها تلتقط هاتفها لتراسلها ولكنها وجدت منها رسالة كُتب فيها
( صباح الخير يا نارة ، أنا أسفة مش هعرف أقابلك زي ما اتفقنا ، خليها وقت تاني ، وماتشغليش بالك بيا أنا كنت متوترة إمبارح بس مش أكتر ) .
قرأت نارة رسالتها وبالطبع لم تقنعها أبدًا ولكن لتترك هذا الأمر قليلًا حتى تقنع صقر لذا دونت ردًا
( مافيش مشكلة بس أكيد لازم نتكلم يا أميرة ، وأنا جنبك في أي وقت وتقدري تثقي فيا )
أغلقت الهاتف بعدما قررت عدم التخلي عنها ، وأما عن صقر فحتمًا ستقنعه بذلك .
شعرت بنفس الألم الذي لم يكن قويًا ولكنه جديدًا نوعًا ما لذا تحسست حملها بحنو ثم تنهدت بقوة ونهضت بهدوء من جوار صقر متجهة نحو الحمام كي تستعد لتحضير فطورٍ لهما ولترى كيف ستقنعه .
❈-❈-❈
يجلس خلف مكتبه في الوكالة يباشر الأعمال ويفكر مجددًا في أمر ذاك الرجل المدعو محمد عبدالله .
منذ أن هدده وهو يسعى خلفه ، يوظف معارفه للسؤال عنه ، وما أثار تعجبه وريبته أن ما وصل إليه حول هذا الرجل كلها معلومات غامضة وكأنه شخصًا أتى من المجهول .
التقط هاتفه الذي يرن وفتح دون انتباه للمتصل نسبةً لشروده ليتفاجأ بصوت ذاك الرجل قائلًا :
– إيه يا سمير باشا ؟ ، إنت نسيتنا ولا إيه ، هتبعت باقي حسابنا إمتى ! .
تعجب سمير وأبعد الهاتف يطالعه فعلم هوية المتصل لذا عاد يجيبه بحدة وتوبيخ :
– اسمع أما أقولك يالا ، مالكش حساب عندي ، مش كفاية قولتوله اسمي بعد ما علم عليكوا ، غور يالا ومتتصلش بيا تاني .
أغلق سمير الهاتف وجلس يتمسك بقلمه ويدوّن بعض الحسابات وهو يسب ويلعن وقد سمعته تلك التي تتنصت من خلف باب الوكالة الخلفي فهي ما زالت تسعى للانتقام ولكن تنتظر الفرصة الأنسب التي لا تعلم متى ستأتيها مع هذا الذئب .
لم تنتبه لرجل صقر الذي بدأ يلاحظ حركتها الغريبة في الوكالة خاصة حول سمير .
لذا ابتعد عن الوكالة بخطواتٍ مدروسة جيدًا وهو يتأكد من عدم وجود أحدهم ثم رفع الهاتف وتحدث إلى صقر الذي يتناول فطوره مع نارة ولكنه نهض يبتعد قليلًا عنها ويجيب متنبهًا :
– فيه جديد ؟
تحدث رجله موضحًا :
– أيوة يا محمد بيه ، فيه هنا واحدة ست بتشتغل في المخزن ، هي شكلها غلبان بس أنا لاحظت إنها بتراقب سمير ، لسة حالًا شايفها وهي بتتصنت عليه من ورا الباب ودي مش أول مرة تراقبه .
ضيق صقر عيناه وتساءل :
– مين الست دي ؟
– هعرفلك هي مين يا محمد باشا وابلغك .
– تمام خلي عينك عليها كويس جدًا ، واضح كدة إن ليها عند سمير حساب بايت .
أغلق صقر وعاد إلى طاولة الإفطار المرتكزة في الحديقة كما جهزتها نارة وجلس يلتقط قهوته ويرتشف منها تحت أنظارها المتعجبة وبرغم فضولها في معرفة هوية المتصل إلا أنها تغلبت عليه وتحمحمت وهي تناوله قطعة خبز بالجبنة الكريمي وتقول بترقب :
– صقر ممكن نتكلم ؟
أومأ لها بصمت وهو يلتقط منها القطعة ويضعها في فمه يلوكها فتابعت بتوتر :
– بخصوص أميرة .
انتهى من القطعة وعاد يرتشف القهوة حتى أنهاها ثم نهض يطالعها لثوانٍ لا يرغب في إحزانها ولكن عليه أن ينهي هذا الأمر لذا قال :
– مش هتقابليها يا نارة ، بلاش تخليني أقيد حريتك بجد .
اتجه نحوها وانحنى يقبل رأسها ثم تحرك يغادر إلى شركته وتركها في صدمتها من حديثه وصرامته .
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام
قضاها خالد في فيلته أو بالأحرى غرفته يتناول المسكنات باستمرار ويتغذى على الوجبات التي يحضرها له مازن .
لم يكن يتوقع كم هذا الألم المعاناة التي كادت تصيب عقله بالجنون ، ما مر به خلال هذه الأيام لم يرهُ طيلة حياته حتى أنه لا يستطيع التعبير عن غضبه نظرًا لتحجيم حركته لذا زاد سبابه على صقر وبهجت والحب وسنواته .
ولكن لو لم يكن حبها فكيف ستتلون حياته هكذا وتزهو كفصل الربيع .
لو لم تكن جزءًا من عالمه الجديد كيف سيتعايش معه ؟
هي متعته وشغفه ومطلبه وجُل ما يريده الآن ، لقد ابتعد عن لهوه وعبثه ومتاعه وصب كامل رغباته لها هي .
الآن لا يرغب بأي شيء سواها فليحصل عليها ويبقى لكل مقامٍ مقال .
كانت تتحدث معه باستمرار ، تطمئن عليه وقلبها يتآكلها حنينًا وحبًا ورأفةً بحالته ووحدته ولولا تحفظها لذهبت لرؤيته والاطمئنان عليه .
حتى أن مازن لم يرح قلبها من جهته فهو قد أمر رجاله بعدم دخول أحدهم عليه حتى لا يراه أحدهم بحالته تلك لذا فكان مازن يناولهم الطعام ويعود من حيث أتى .
حاول أن يستعطفها بمكرٍ لتذهب إليه ولكنها أبت واعتذرت بشكلٍ راقي فلم يجد مفر سوى الرضوخ لرغباتها والتوعد لها فيمَ هو قادم ، هذا إن تعافى من ذاك الوضع فقد شعر مؤخرًا أنه فقد مستقبله وعند التفكير في تلك النقطة يكاد يجن جنونًا.
ها هو يتحسن قليلًا لذا ارتدى جلباب من مجموعة جلابيب لازمته هذه الأيام ثم بدأ يتحرك خارج غرفته ونزل الدرج ببطءٍ وتمهل واتجه يجلس على أريكة ما وتناول هاتفه ليتحدث إليها .
كانت في المكتبة تستعير بعض الكتب حينما رن هاتفها الصامت فلم تنتبه لمكالمته .
حاول مرةً أخرى ولكنها كانت منشغلة بين الأرفف وأسماء الكتب بشغف لذا تأفأف بضيق وقال بتجهم :
– أين أنتِ خديجة ؟ .
زفر وهاتف صقر الذي أجاب وهو يجلس خلف مكتبه قائلاً بسخرية :
– كيف حالك يا صبي ، هل تعافيت ؟ .
زفر بحنق قائلاً بسباب :
– أنت والعافية وبهجت في الجحيم ، هل تستمتع الآن بحالتي يا خائن يا كاذب ، أخبرتني أن الأمر يحتاج فقط ليومين أو ثلاث وسأكون بخير ، هل تسعى لتدمير مستقبلي ؟ ، هل تنتقم من ميشيل بي ؟
كان يتحدث بحنق واضح فتابع صقر بنبرة أقل استفزاز قائلاً :
– لا تخَف على مستقبلك ولكن كان عليك أن تنظف ماضيك ، لو لم أكن أحبك لما فعلت .
زفر وتابع بعد ثوانٍ تعالت بها أنفاس خالد قائلاً :
– استعد سأنتهي من عملي وسأتي إليك لاصطحبك للطبيب .
تحدث بغضب من بين أسنانه :
– لن أذهب لذاك الطبيب وإلا قتلته .
تحدث صقر بخبث :
– يجب أن نذهب لنرى إن كنت ستتزوج بعد أسبوعين كما تتمنى أم أن الأمر سيطول .
أغلق خالد الهاتف في وجهه فضحك صقر وعاد يكمل عمله بينما الأول عاود الاتصال على خديجة التي لم تجبه أيضًا لذا نهض والغضب يعلتيه مقررًا الذهاب إليها بهذا الجلباب الذي يرتديه وبخطواته البطيئة والواسعة .
وصل بعد عدة دقائق إلى الفيلا ودلف بحذر يطرق الباب ففتحت له نسرين تطالعه بتعجب من هيأته فبرغم ارتدائه للجلباب إلا انه لاق به خاصةً بلونه الأسود وملمسه الناعم فبدى أنيقًا ، ابتسمت له وتحدثت بنبرة حنونة مرحبة :
– أهلًا وسهلًا يا خالد ، اتفضل .
لقد بدأ يحب هذه السيدة ونبرتها معه على عكس بهجت العابس في وجهه دائماً لذا نظر لها بهدوء وقد تلاشى غضبه قائلاً بترقب :
– آملة إيه ؟ ، ممكن تنادي خديجة ؟ ، هنتكلم أنا وهي شوية هنا في الجنينة .
تحدثت مبتسمة بهدوء :
– طيب يا حبيبي اتفضل ادخل اقعد مع مازن جوة لحد ما هي تيجي ، هي راحت المكتبة وزمانها على وصول .
علم سبب تجاهلها لمكالماته لذا تنفس وتحدث بترقب متسائلًا :
– الأستاذ بهجت جوة ؟
هزت رأسها بلا فزفر براحة وتحرك يدخل بعدما أفسحت له المجال ورحبت به ثم نادت على ابنها قائلة بهدوء وتريث بعدما جاء من غرفته :
– خد خالد وادخلوا جوة يا مازن وأنا هعملكوا حاجة تشربوها لحد ما خديجة ترجع .
أطاعها مازن يرحب به بالرغم من عدم التوافق بينهما ولكنه قال بصوت رخيم :
– اتفضل يا خالد .
دلفا سوياً غرفة الصالون وجلسا يتحدثان عن أحوالهما بعدما بدأ مازن في طرح الأسئلة بشكلٍ رتيب ليجيبه خالد ببعض الهدوء .
كان خالد يحرك يده فلاحظ مازن الوشم المرسوم على ساعده فتساءل بملامح يعتليها الضيق وعينه على ساعده :
– هو ممكن تقوللي إيه المميز في الوشوم دي ؟
تعجب خالد من سؤاله والتفت برأسه ينظر إلى ساعده ثم زفر يهز منكبيه وعاد يجيبه بالانجليزية التي يتقنها مازن :
– المميز أني أُحبها ، وأحب التعبير عن كل ما أحبه .
مال قليلاً نحوه يتابع بهمس :
– دعني أخبرك سراً ، قريباً سأطبع إسم خديجة على يساري هنا ولكن لا تخبر أحد .
قالها وهو يشير على قلبه فتحمحم مازن وقال بنوعٍ من النصح :
– بس إنت دخلت الإسلام يا خالد ، يمكن قبل كدة مكانش عندك علم بس في الاسلام الوشم حرام لإنه مضر وبيشوه خلق الله عز وجل ده غير والعياذ بالله نقل بعض الأمراض ، خصوصاً الوشم الثابت زي اللي إنت عامله ده .
انكمشت ملامح خالد بانزعاج وقال مندفعاً :
– توقف يا هذا أنت تضخم الأمور ، لمَ المبالغة الأمر مجرد متعة ولمَ الدين يمنع المتعة ؟ ، ثم أنني لا أكثر على جسدي منهم فقط بعض الأشكال الصغيرة .
لم يقتنع مازن بهذا أبداً بل تابع بنبرة هادئة لينة حكيمة برغم صغر سنه وبلغة انجليزية قال :
– الدين لا يمنع المتعة الحقيقية ، لكن أنت تعتقد أن الوشوم متعة ، مثلاً الرياضة والسباحة وركوب الخيل والسفر والفروسية والرماية والقراءة وغيرها من المتع الكثيرة جداً التي يحثنا عليها الإسلام ، ولكن ما المتعة في تشويه جسدي بأشكالٍ كهذه وأن أغرز به إبرًا مؤلمة ؟ ، الأمر لا يمت للمتعة بصلةٍ .
نظر له خالد قليلاً وفي نفسه يردف ( أنت كئيب مثل أبيك ) ولكنه زفر والتفت للجهة الأخرى يردف ليتهرب من هذا الحديث قائلًا :
– ألن تأتي خديجة ؟ .
تنفس مازن وعلم أنه يتهرب لذا قال مغيرًا دفة الحديث بابتسامة هادئة :
– زمانها على وصول .
بعد حوالي ربع ساعة تقلب فيهم خالد على صفيحٍ ساخن خاصة وهذا أول خروج له بعد تلك الجراحة .
دلفت خديجة بسيارتها وصفتها وترجلت منها ثم تحركت نحو الفيلا وطرقت الباب ففتحت نسرين تستقبلها بترحاب وانحنت تهمس بالقرب من أذنها :
– خالد هنا ، جاي يشوفك وبيقول أنه كلمك كتير بس إنتِ مش بتردي .
تجلى الشوق في معالم وجهها وتغزلت خيوط السعادة وهي تبتسم بحب وحماس لرؤيته ودست يدها في جيب تنورتها لترى الهاتف قائلة بنبرة فرحة وهي تنظر له :
– أيوة فعلاً رن بس الموبايل كان silent .
عبثت بهاتفها لتعدل وضعيته ثم تحدثت بترجي :
– ماما ممكن لو سمحتِ تبلغيه عشر دقايق بس وهنزله علطول ؟
كانت تود تبديل ثيابها واستقباله بهيأة أخرى خاصة وأنها لم ترهُ منذ أيامٍ عدة لذا أومأت لها نسرين قائلة :
– تمام اطلعي بسرعة وتعالى لإنه قاعد من زمان .
أومأت وأسرعت الخطى نحو الأعلى حاملة كتبها بينما تحركت نسرين إلى غرفة الصالون كي تخبره بمَ قالته خديجة .
بعد دقيقتين وصل بهجت عائدًا من عمله ودلف ينتابه الضيق بعدما أخبرته زوجته بمجيء خالد ولكنه تحرك مرغمًا يرحب به بفتور قائلًا :
– أزيك يا ابني ، عامل إيه دلوقتي ؟ .
لم يحرك خالد ساكنًا غير شفتيه وهو يجيبه باختصار :
– كويس .
عاد بهجت للخارج يطالع زوجته بغيظ من بروده معه قائلاً بهمس :
– إيه اللي جابه هنا ده وعامل كدة ليه ؟ ، أنا مش فاهم الجدع ده كان عايش في غابة ولا إيه ، ميعرفش أي أصول أبدًا .
هدأته نسرين بنبرة معاتبة قائلة بهمس وهي تميل عليه حتى لا يسمعهما خالد :
– معلش يا بهجت مهو بردو عمل اللي بنتك طلبته ، وبعدين على فكرة شكله حلو في الجلابية خليك كويس معاه علشان خاطر خديجة متزعلش ، وادعيله ربنا يهديه .
زفر يطالعها بملامح حانقة ثم قال بنبرة متأفأفة :
– الله يسهله ، أنا هروح أغسل واجي .
تحرك نحو الحمام وعادت هي لمطبخها بينما انتهت خديجة سريعًا من تبديل ثيابها وتمشيط خصلاتها الناعمة ثم تحركت للأسفل بلهفة لتراه .
دلفت الغرفة تلقي السلام فالتفت لها بعدما كان يتحدث مع مازن عن سفره ورحلاته وحبه لركوب الأمواج وركوب الخيل ووعده أن يأخذه في رحلةٍ سياحية بعد زواجه من أخته .
التقت عينياهما فابتسمت له واتجهت تمد يدها لتسلم عليه قائلة بعيون يشع منها الشوق :
– ازيك يا خالد .
مد يده يبادلها وتعمق في عينيها لثوانٍ جعلت مازن يتحمحم ويستأذن تاركًا الغرفة .
تحمحمت وسحبت يدها من كفه بعدما وترتها نظراته واتجهت تجلس أمامه وتبتسم قائلة بوجهٍ ملائكي :
– عامل إيه دلوقتي ؟
كان مسحورًا بها ومشتاقًا لها حتى أن رؤيتها وسحر طلتها أنسته عناقًا كاسحًا كان ينويه لذا زفر بقوة كأن رئتيه مخزن أوكسجين وتحدث بعشقٍ وهيام :
– اشتقتُ لكِ ، لا أتوّق انتظارًا لمجيئكِ ، ليتكِ تأتين معي الآن وتريحيني .
ابتسمت ونطق لسانها ما أوحاه له قلبها قائلة بنبرة حب :
– ياريت .
تحمحم بسعادة والتفت ينظر نحو باب الغرفة شبه المفتوح ثم عاد إليها ومال قليلًا يقترب منها متسائلاً بخبث :
– ما رأيكِ أن نتبادل القُبل ؟ ، أوه تبًا جسدي يحترق .
قالها دون حرجٍ منه فاتسعت عينيها وتبدلت ملامحها ليعتليها الخجل وهي تقول بتلعثم وحرج :
– خالد لو سمحت .
– أنتِ زوجتي .
هكذا قالها بنبرة حانقة كطفلٍ مدلل يسعى لتنفيذ ما يريد فزفرت وتحدثت بتروٍ :
– لما أبقى في بيتك .
قلب عينيه بضجر ثم أومأ وباغتها بنظرة متوعدة يقول :
– حسنًا ، أسبوعان فقط يا خديجة ، أسبوعان .
كان يضغط بتعمد على كلماته التي تحمل توعدًا جعل معدتها تنكمش وجسدها يتوتر ولكن أنقذها دخول بهجت المفاجيء والغير مبرر عند خالد فعاد لجديته واتجه بهجت يجلس مجاورًا لابنته وتطلع عليه قائلاً بنبرة تخفي ضيقًا منه وغيرة على ابنته :
– عامل إيه دلوقتي ؟ ، يستحسن كنت تفضل الفترة دي في الفيلا متخرجش .
نظر له خالد ببرود وتحدث باستفزاز خفي :
– خديجة مراتي وهشتني وكان لازم أجي أشوفها .
تنفس بهجت بعمق ثم قال بنبرة تهكمية :
– عارف ، منور .
رن هاتف خديجة فتناولته تنظر له قليلًا ثم وقفت تستأذن واتجهت تقف عند النافذة وتحدثت قائلة :
– السلام عليكم .
أتاها الرد من الجهة المقابلة :
– وعليكم السلام ، آنسة خديجة ، كنتِ تواصلتِ معانا علشان إعلان الوظيفة ، إحنا قرأنا البيانات اللي بعتيها ويشرفنا انضمامك لينا ، هنستناكِ بكرة إن شاء الله في فرع **** الساعة ٢ الظهر ، علشان تتعرفي على المجموعة اللي هتدربيهم علي اللغة الإنجليزية .
توغلتها السعادة وظهر ذلك في نبرتها وهي تقول بحماس :
– تمام بإذن الله هكون موجودة في المعاد ، متشكرة جداً لحضرتك يا مستر أحمد .
أغلقت معه واتجهت تجلس وتنظر إلى والدها بسعادة متناسية تمامًا أمر هذا الذي صب كامل تركيزه عليها وعلى مكالمتها وقالت بنبرة حماسية :
– بابا أنا هبدأ شغل من أول بكرة إن شاء الله .
انفرجت ملامح بهجت وأسرع يفتح ذراعيه لترتكز بهما في حضن أبوي حنون وهو يبادلها السعادة قائلًا بحب وفخر :
– ألف مبروك يا حبيبتي ، هي دي الأخبار اللي تفرح بجد .
– ممكن تفرهيني مآكم يا أنسة خديجة ؟ .
نطقها خالد بملامح متهكمة فابتعدت عن والدها الذي أفلتها تطالعه بحرج ثم تحدثت بهدوء :
– هشتغل مدربة لغة انجليزية .
– ولمَ ليس لدي علم ؟
أجابها بعيون ضيقة مترقبة وجسدٍ متحفز على وشك الاشتعال فقالت موضحة بصدق :
– لأني نسيت ، أنا كلمتهم من فترة قليلة وهما قالوا هنكلمك وبعدها نسيت وفي الفترة دي إحنا كنا مش بتكلم .
لم ترحه إجابتها ولم تبرد جسده ولو بمثقال ذرة لذا تحدث بنبرة صارمة لا تقبل نقاش :
– حسناً انسي أمر تلك الوظيفة خديجة ، كما نسيتي إخباري بها ستنسي أمرها .
نظرت له بصدمة ولم تستوعب ما يقوله بينما هب بهجت واقفاً يردف بتجهم :
– يعني إيه تنساها ؟ ، وانت مين علشان تحكم وتتشرط كدة ؟ ، بقولك إيه يا جدع إنت أنا على أخري منك ، ده مستقبل بنتي ودا شغلها وأنت ملكش حق تمنعها عنه ، أنا أبوها وموافق .
نظر له خالد نظرة تتراقص بها شياطينه ثم لف نظره يتحدث مع خديجة متجاهلاً بهجت بأسلوبٍ غير لائق ثم بدأ يلجأ إلى التحايل قائلاً :
– أولم يأمركِ دينكِ بطاعتي ومشاركتي أموركِ ؟ ، أنتِ أخفيتي عني وبناءًا عليه لا عمل لكِ خديجة .
تملك الغضب من بهجت بسبب تجاهله له وبسبب رفضه للعمل بينما وقفت خديجة مصدومة في موقفٍ لا تحسد عليه وهي تحاول تهدأة والدها الذي اندفع نحو خالد يجابهه قائلاً بتهديد وثبات :
– ملكش دعوة بالدين خالص ، إنت متعرفش أي حاجة عنه ، بنتي قالت إنها نست تقولك ولا هو إنت عايز تفرض سيطرتك وخلاص ، الموضوع منتهي وأنا سامحلها تشتغل .
نظر لبهجت نظرة شبه كارهة وقال من بين أسنانه بتوعد مخيف :
– أنت تجلب الخراب برأيك هذا ، الخراب الذي لن يمنعنى عنها ولكن سيمنعها عنك .
اتسعت عين بهجت بذهول وصدمة من حديثه فأسرعت خديجة تقف بينهما حائلة قائلة بترجي وهي تطالعه :
– خالد اهدى لو سمحت .
التفتت لوجه والدها تتابع :
– وحضرتك كمان يا بابا لو سمحت اهدى ، خلينا نتناقش .
تمعن فيها بعمق وبنظرة قاتمة ونبرة متقنة صارمة قال :
– اسمعيني جيدًا خديجة ، أنتِ طلبتِ أن أحبكِ بطريقتكِ وها أنا أفعل ، طلبتِ الزواج وفعلت ، طلبتِ التخلي عن أموال عائلتي وفعلت ، طلبتي ال Circumcision وفعلت وها أنا أعاني ويمكن أن يتأجل زفافنا ولكنني فعلت لأجلكِ ، كل طلباتكِ فعلتها والآن أنا أطلب منكِ أن تتخلي عن هذا العمل ، إن كنتِ بحاجة عملٍ فدعيني أتحدث مع صقر بإمكانه من الغد تعيينكِ في الشركة ، ستكونين نصب عيني .
اقترب جدًا منها حتى لفحتها أنفاسه وهو يتابع بنبرة أشد حرقة وغضب :
– ربما أبدو لكِ غربيًا لا دينيًا أو علمانيًا عابثًا ولكنني لن أقبل أن تعمل زوجتي مع ذاك الأستاذ أحمد الملعون ، فهمتِ خديجة ؟
وقف بهجت يطالعه بغضب ولم يتحدث بعدما رآى حالة ابنته التي أصبحت على وشك البكاء حتى أن جسدها يرتعش من نظراته ونبرته ولم تلتقط أنفاسها إلا بعدما تحرك مغادرًا وتركهما دون إضافة حرفٍ آخر .
التفتت تنظر إلى والدها الذي تحدث بلومٍ :
– عجبك كدة واحد زي ده يقف يتحكم في بنتي وأنا واقف ، مش هسمحله يا خديجة ده مستقبلك وده قرارك ومش هسمحله يقيد حريتك وإلا بقى كل واحد يروح لحاله .
زفرت بقوة ثم تحدثت بنبرة تفهمية متأنية :
– اهدى يا بابا لو سمحت ، وخليني اتناقش معاه ، صدقني الموضوع مكانش مستاهل كل ده ، حضرتك بردو غلطان .
صُدم من حديثها بل شعر بالحزن وهو يراها تدافع عن آخر غيره وترمي عليه اللوم فيمَ حدث لذا قال باستنكار وعتاب :
– أنا اللي غلطان ؟ ، يعني كنت اسيبه يؤمر وينهي في بيتي وإنتِ لسة عندي ومسئولة مني ؟
هزت رأسها تردف موضحة بتريث :
– مش قصدي كدة يا بابا بس خالد محتاج طريقة تعامل تانية غير اللي حضرتك عاملته بيها ، صدقني أنا هقدر اقنعه ، ثق فيا لو سمحت .
زفر يطالعها بشرود وحزن ثم أومأ والتفت يغادر بصمت وتركها تقف حائرة وحزينة .
❈-❈-❈
دلف فيلته يهدئ من جحيمه حيث كان على وشك الفتك ببهجت وتحكم بصعوبة في ردة فعله .
يتنفس بعنف ويتحرك هنا وهناك ثم التقط هاتفه الذي يرن ليجدها خديجة .
فتح الخط يجيب بنبرة غاضبة لم يستطع إخفائها :
– ماذا خديجة ؟ ، هل نسيتي شيئّا آخر ؟
تنهدت وتحدثت بنبرة متحشرجة :
– خالد ممكن تهدى ونتكلم ؟.
لم يهدأ بل زاد غضبه قائلاً وهو يتحرك بعبثية :
– كيف أهدأ خديجة ؟ ، أخبريني كيف يمكنني الحصول على تلك الكلمة ووالدكِ دومًا يتعمد إهانتي والتقليل من شأني ؟ ، لقد أصبح يتدخل فيمَ لا يعنيه ، كان عليه أن يتركنا نتحدث ، لمَ اقتحم الغرفة من الأساس ؟
كورت فمها ونفخت بضيق ثم استغفرت وقالت بتروٍ :
– خالد فضلًا افهم ، عادتنا مختلفة عن غيرنا ، تمهل قليلًا لم يتبقى سوى أسبوعين وسأكون في بيتك وحينها لن يمانع والدي من مشاركتك حياتي ، هو فقط لا يريد أن يعلو صوتك عليه ما دُمت أنا في منزله ومسؤولة منه .
أسبل عيناه يبحث عن الهدوء الذي وجد أثره لذا قال بنبرة أقل حدة :
– حسناً ، أخبريه بنفسكِ أن قرار العمل مع هذا الأستاذ الملعون مرفوض تمامًا .
صمتت لثوانٍ تستشعر غيرته بسعادة ثم عادت تردف بتريث :
– طيب ممكن تسمعني الأول ؟
يعلم أنها ستحاول إقناعه ولكنها حقًا لا تعرفه بعد لذا تابع يجاريها :
– أسمعك .
زفرت وتحدثت بنبرة هادئة تحاول إقناعه :
– إيه رأيك تيجي معايا المقابلة بكرة وتتأكد بنفسك أن الشغل ده كويس جدًا ، وعلى فكرة هتكون معايا رحمة بنت خالتي والأستاذ أحمد ده بيتعامل برسمية تامة على فكرة
– حسنًا خديجة موافق .
نطقها دون نقاش فتعجبت متسائلة :
– بجد ؟
ابتسم بخبث قائلاً بتأكيد :
– أجل سآتي معكِ غدًا ، لنرى هذا الأحمد .
استشفت شيئًا مريبًا وكادت تتحدث لكنه أردف كي يصد حديثها :
– هيا الآن سأغلق الهاتف كي أبدل ثيابي سأذهب مع صقر إلى الطبيب المخنث كي أرى متى يمكنني أن أتزوج ، إن أخرني يومًا واحدًا سأقتله .
ابتسمت بخجل وتحدثت دون التطرق لتفاصيل :
– تمام ، مع السلامة .
أغلقت معه واتجهت نحو الخارج لترى والدها ولتحاول إشراك والدتها في الأمر حتى يرضى .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية هواها محرم) اسم الرواية