رواية هواها محرم الفصل السادس عشر 16 - بقلم آية العربي
بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل السادس عشر من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
وهنا سنكتب وعدًا وعهدًا
عديني ألا تفارقيني ، عديني إن أخطأت دومًا تسامحيني ، عديني بأنكِ في كل لحظةٍ ستعانقيني ومع كل وجبةٍ ستدلليني وحين أغمز لكِ تأتي ركضاً لتقبليني .
عديني أن تتمايلين على نبضات قلبي وتسري في الوريد والشرايينِ
عديني ألا تعبسي ولا تحزنيني وأن تشرقي دومًا ما أن أبصرت عيني
عديني يا خديجة فأنا المولود حديثًا برغم كثرة سنيني
وخذي مني عهدًا ؛ لن أفارقكِ ، حتى في موتي ستجاوريني .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
تجلس في الحديقة بعد أيام من غيابها عنها ، ترتشف القهوة من قدحها وتفكر بشرود في عدة أمور .
أهمها كيف يمكنها الخروج من هنا ليتسنى لها الذهاب إلى محامي حتى توكله لرفع قضية طلاقٍ ضد زوجها .
كيف تعبر هذه الحدود وتمر من بين براثن هؤلاء الحرس ؟
منذ آخر اتصالٍ بينها وبين نارة وقد شعرت أن الأخرى أجبرت على ألا تساعدها وتلتمس لها ألفين عذرًا .
فمن هذا الذي يدخل نفسه في مشاكل لا حصر لها كي يساعدها في الخلاص من ذاك الخائن ، ولو كان يوسف آخر المحامين على وجه الأرض لن تلجأ إليه أبدًا .
أصدرت تنهيدة حارة قوية نابعة من صميمها وهي تطالع الزهور المتفتحة التي تنتشل من حولها ذرات الحزن قليلًا .
منذ الصباح وهي تشعر بالقليل من الراحة حينما لاحظت من شرفتها ذاك المدعو زوجها يغادر مع تلك الچيچي بسيارته ، وأخيرًا ستشعر بالقليل من الخصوصية في هذا البيت كما في السابق .
لتسقط من فوق سطح أمنياتها مرتطمةً على أرض الواقع الذي يتجسد أمامها حين دلفت السيارة يقودها عاطف وتجاوره چيچي تطالعها بابتسامة انتصار لم ترها من قبل ولكن وهل تبالي ؟
وضعت القدح في صحنه وتخشبت كليًا لثوانٍ تطالعهما وهما يترجلان وأسرعت چيچي نحو عاطف تكبله وتقهقه بعلو بعدما همست له بشيءٍ ما وتحركا حتى وصلا أمامها .
تحاملت ونهضت تنظر لهما وهي تتوسل لجسدها ألا يخجلها أمامهما ويهتز وقد لبى توسلها وتحركت دون أن تعيرهما انتباهًا خارجيًا قاصدة الأعلى ولكن تسمرت حينما أوقفتها چيچي تنطق بتخابث وتشفي واضح :
– قولها ياعاطف ، من حقها تعرف .
استشعرت أمرًا تتمنى حدوثه لذا التفتت تنظر له بدقة وثبات ادعائي وتساءلت تميل رأسها نحوهما قليلًا :
– يقولي إيه ؟
نظر عاطف إلى چيچي بابتسامة سطحية ثم عاد يتعمق في عينيها بقوة ونطق بترقب دقيق :
– أنا وچيچي اتجوزنا .
مادت الأرض من تحت قدميها ، خبر زواجه مفرح ولكن ماذا عن كبريائها واعتزازها بنفسها الذي سحقهما بل دعسهما ، ماذا عن ليالٍ عاشتها في قهرٍ وحزنٍ ووحدةٍ ، ماذا عن حق بل حقوق لم تستردها بعد ؟
شحبت ملامحها أمامه ولكنها أتقنت رسم ابتسامة واسعة وتمسكت بصمودها وهي تقول وتوزع نظراتها عليهما :
– مبروك ، أصلًا ده كان لازم يحصل من زمان .
انهارت أعمدة سعادته التي شيدها لتوه لتتابع برأسٍ مرفوعة وانتصار حينما لمحت انكساره :
– ممكن تطلقني بقى ؟ ، أظن إن مافيش أي سبب يخلينا نكمل في المسلسل ده ؟ .
لمحت وميض الغضب يضيء عينيه ورأته ينزع يد چيچي من بين يديه وتحدث بنبرة صلدة :
– ليه تطلقي ؟ ، مش معنى إني اتجوزت يبقى هتخلى عنك .
تملكها الغضب والنفور فاقترب منها وتحدث أمام وجهها بأنفاسٍ تصفع ملامحها :
– إنتِ عارفة إن ده مستحيل .
ابتعد خطوة يطالعها بتعمن ليجد وجهها أكثر شحوبًا حتى بات يحاكي شحوب الموتى فابتسم وعاد يلتقط يد چيچي ويتحرك بها نحو الداخل تاركًا إياها تقف خالية خاوية من أي حياة ولكن لا ، لقد طفح الكيل بل فاض واستفاض لذا صرخت به صرخة آتية ركضًا من الأعماق :
– هيــحــصـــــــــــل ، يا إما تطلقني يا إما هرفع عليك قضية خلع ووقتها تطلقني غصب عنك .
التفت يطالعها بشرارات تنبعث من نظراته ولكنها لم تعد تبالي بل تابعت من بين أسنانها بنبرة شرسة مستفيضة :
– خلاص أنا طفحت ، مستحيل هتحملك يوم واحد بعد كدة ، إنت مقرف أووووي .
تعاظم غضبه منها وهي تسهل عليه مهمة تعنيفها لذا تحرك نحوها حتى أصبح لا يفصلهما شيء فقال بهمس مريب :
– تحبي أوريكي القرف اللي بجد!
– مش هتخوفني تاني .
قالتها وهي تهز رأسها يمينًا ويسارًا بنظرة تحدي وجرأة غير معهودة ، حقًا لم تعد تخشاه لذا أغمض عينه للحظات ثم تحركت يده يقبض على خصلاتها ويلفها حول معصمه بقسوة وهو يجرها خلفه وهي باتت تلكمه بقبضتيها بقوة في صدره ولكن هذا لم يزده إلا تجبرًا حتى دلف الفيلا وتبعته چيچي المتلجمة بصدمة مما يحدث .
استمر هجومه واستمر معه دفاعها حتى وصل إلى أريكة فألقاها عليها بعنف وهي تصرخ وتطالعه بكره فلم يتوقف بل أكمل هجومه بصفعة قاسية كادت تفصل رقبتها عن جسدها ولكنها عادت تطالعه بتحدٍ صريح قائلة بحدة أشبه بالصراخ :
– موتني ، موتني حالًا لإن لو سبتني عايشة هخلعك ، حتى لو آخر نفس ليا هخلعك .
أومأ عدة مرات وملامحه غلفها الجنون ثم ابتسم وقال فاردًا ذراعيه :
– تمام ، أنا هخليكي تتمني الموت ، وبردو مش هطلقك ولا هتبعدي عني ، هتفضلي كدة قدام عيني .
التفت يتحرك فوجد چيچي تقف خلفه تطالعهما بصدمة فباغتها بنظرة أرجفتها ثم عاد يتقدم أميرة ويقبض على معصمها ويجرها خلفه متجهًا نحو المكتب الخاص به ثم فتحه ودلف يغلق خلفه ويلقيها أرضًا ثم اتجه إلى أحد الأدراج وفتحه يتناول منه مفتاحًا ما ثم تحرك عدة خطوات نحو بابٍ جانبي يعبر من خلاله لغرفةٍ متطرفة داخل المكتب .
فتحها وعاد إليها فوجدها كما هي ، ساكنة وسكونها ليس استسلام ولكنها تختبر صبره ووسائله جميعها ، تعلم جيدًا أن الركض لن يفيدها .
قبض مجددًا على معصمها وسحبها بعنفٍ إلى تلك الغرفة التي تحتوي على سرير رفيع وخزانة ملابس صغيرة وكومود وشاشة تلفاز فقط ولا يوجد بها أي نافذة .
ألقاها فارتدت على الفراش ودلف يطالعها بغضب أعمى وتحدثت بغلظة :
– خليكي هنا لحد ما تتعلمي الأدب كويس ، وتشيلي من دماغك المتخلفة دي فكرة الطلاق والقرف اللي قلتيه برا .
اعتدلت تنهض والتفتت تطالعه بنظرة ثابتة ، نظرة يعلم من خلالها أنها لن تتنازل أبدًا ، يعلم جيدًا أنه كلما سعى لقربها خطوة ابتعدت عنه ألف ميل .
تحرك يغادر وأغلق الباب خلفه وعاد إلى تلك التي تقف تنتظره وتطالعه بريبة ثم تحدثت بالقليل من الجرأة :
– ماكنتش أعرف إنك قاسي معاها كدة ، أومال إيه بقى قصة إنك بتحبها دي ؟
– اخرسي خالص .
نطقها بحدة فـ مطت شفتيها بضيق ثم تجرأت وهي تخطو نحوه حتى توقفت أمامه ومدت يدها تتلاعب بأزرار قميصه الأبيض قائلة بغنج :
– سيبك منها ، النهاردة دخلتنا ، ولا إيه ؟
أبعدها عنه بضيق ونظر لها باستهزاء قائلًا :
– إنتِ صدقني نفسك ولا إيه يا چيچي ، ماتلعبيش بالنار .
عادت تقترب منه وتردف بأسلوبٍ مهين لم تعد تبالي ظهوره ويداها تملس على مقدمة صدره :
– نار إيه ؟ ، النار دي قايدة في قلبي ومش هتنطفي غير لما تبقى ليا لوحدي ، عاطف أنا بحبك ، ماتبقاش غبي .
عاد يبعدها بعنف حينما شعر باستجابته للمساتها ثم دون نطق حرف تحرك يصعد للأعلى وتركها تقف تحترق بناره الكاوية وتتوعد ألا تهدأ حتى يكن لها وحدها .
❈-❈-❈
كان يستعد للخروج بينما هي خرجت من الحمام لتوها بعدما تقيأت .
التفت يطالعها بنظرة قلقة فلمح الإرهاق في عينيها فتحرك نحوها وتحدث بثباتٍ وهو يمسك بها ويجلسها بحنان :
– إنتِ متأكدة إن ده طبيعي ؟ ، خلينا نروح للدكتور حالًا .
ربتت على كفه وتحدثت بحب وهي تعدل من ترتيب خصلاتها المتمردة :
– لا يا حبيبي مالوش لزوم ، ده طبيعي وأنا كويسة وكلمت الدكتور وهي قالتلي اتعامل إزاي في المواقف دي .
جلس أمامها يحتضن وجهها بكفه ويطالعها بعمق فابتسمت له ابتسامة جعلته يزفر براحة ثم تحدثت بسعادة كي تشتت قلقه :
– بكرة كتب كتاب مايا يا صقر ، مش مصدقة إن مايا المجنونة أخيرًا هتتجوز .
ابتسم بهدوء وتحدثت بنبرة متعقلة وهو يفرد ظهره على المقعد :
– الأيام كفيلة إنها تغير أي حد ، كفيلة إنها تحول أي حاجة للعكس .
أومأت مؤيدة ثم ابتسمت تقول باستفاضة وعيون ملتمعة :
– تعرف برغم إني كان نفسي جدًا اتعرف على عيلتي وأعرفهم واحد واحد إلا إني ماحستش أبدًا معاهم بالألفة ، حسيت إني غريبة عنهم تمامًا ، على عكس مايا اللي من أول ما شفتها وارتبطت بيها جدًا مع إني كنت عارفة إنها مش أختي الحقيقية .
التقطت نفسًا تنعش بيه رئتيها ثم نظرت له بقلق ولكنها أردفت بصدق :
– يمكن واحدة بس اللي أول ما شفتها حسيت ناحيتها بالألفة دي .
علم من المقصود دون نطق اسم تلك الشخصية ، هو يعلمها جيدًا ورآى في عينيها الحب والتودد لتلك الأميرة لذا أومأ وتحدث ببعض الضيق وهو يتكئ على ساعديه :
– أميرة .
ابتلعت لعابها وأومأت ثم امتدت يدها تتمسك بكفه وتتساءل بهدوء وترقب :
– ممكن تقولي إنتِ ليه رافض أقرب منها ؟ ، هو إنت مش بتثق فيا ؟ ، تفتكر إن أنا ممكن أدي فرصة لحد إنه يخدعني ؟
نظر لها بشك ساخر وتحدث بمغزى :
– لا سمح الله ، ماحصلش ده في إيطاليا .
توترت نظراتها بل شعرت بالضيق من تذكر تلك الذكرى السيئة وأسرعت تردف بترجي :
– صقر لو سمحت بلاش السيرة دي ، أنا فعلًا وقتها غلطت بس صدقني اتعلمت .
تنهد تنهيدة قوية ثم نهض وتمسك بكفيها لتنهض حتى وقفت أمامه فباتت عيناه تتجول في أزقة ملامحها التي يعشقها ثم عاد يحتضن وجهها بكفيه وانحنى يلتقط شفتيها في قبلة عشقٍ يبث بها حبه ويطمئن بها روحها التي أسرعت تهفو بسعادة .
بادلته بفائض حبها ثم ابتعد يلتقط أنفاسه ويعيد خصلاتها للخلف وهو يقول بنبرة حنونة خصصها لها :
– أنا ماعنديش مانع تتكلمي مع أميرة ، بس لو حسيت بأي حاجة ممكن تمسك بسوء أو تزعلك بأي شكل من الأشكال وقتها ماتزعليش مني في اللي هعمله .
شعرت وكأنه سمح لها ليس ثقةً في أميرة بل ليؤكد لها أمرًا هو يدركه لذا سكنت قليلًا ثم تحدثت بهدوء :
– تمام يا صقر ، بس ــــــ.
– من غير بس .
نطقها قبل أن تكمل وتحرك يتجه نحو المرآة يهندم نفسه ويضع عطره ثم التفت يخطو نحوها ويتابع :
– لازم أنزل علشان اتأخرت على خالد ، لو احتجتي حاجة كلميني فورًا .
قبل جبينها وتحرك بعدها يغادر وشردت قليلًا ثم قررت مهاتفة أميرة التي تود بشدة الاطمئنان عليها .
اتجهت تتناول هاتفها ثم جلت مجددًا وحاولت الاتصال على أميرة ولكن الأخرى لم ترد لذا تنهدت وأرسلت لها رسالة نصية محتواها ( أميرة ، يارب تكوني بخير ، هنتظر اتصالك ) .
❈-❈-❈
مساءاً يعود بسيارته متجهًا إلى فيلته بملامح متجهمة حانقة لو تجسدت لكانت أنثى تعشق العبوس .
لقد أخبره الطبيب أن عليه انتظار أسبوعين آخرين حتى يتزوج .
لم يتمالك نفسه هناك وهاج واندفع نحوه لولا تدخل صقر ومنعه من الفتك به وفي النهاية رضخ للأمر الطبي بعدما أعلمه الطبيب بخطورة المضاعفات إن لم يلتزم .
دلف فيلته يتجه نحو الأريكة ويلقي بثقله عليها وهو يتكئ برأسه على يده شاردًا في أمر هذا الزفاف الذي طال أمده ، كلما سعى لامتلاكها عاندته الدنيا وكأنها تعيد تربيته من البداية .
نفخ بضيق ثم عزم الأمر مجبرًا على تأجيل حفل الزفاف أسبوعين آخرين .
نهض يخطو نحو الدرج وصعد غرفته ثم دلف يخلع ثيابه ويتجه نحو الحمام ليأخذ حمامًا دافئًا ابتعد عنه لأيام .
❈-❈-❈
في اليوم التالي وبعد محاولة إقناع دامت لأكثر من ساعة بين خديجة ووالدها
تحركت بسيارتها تغادر الفيلا وتتجه نحو فيلا خالد لتصطحبه معها إلى هذا اللقاء .
لقد هاتفته قبلها وها هي تقف عند بوابة الفيلا تنتظر خروجه .
فتحت البوابة بعد دقيقة وخرج إليها بسيارته فتعجبت لقد أخبرته أنها ستصطحبه معها وأخبرها بموافقته .
زفرت وتحركت بسيارتها قليلًا لتفسح له المجال ليمر ثم ترجل من سيارته واتجه إليها يقول بنبرة آمرة وهو يفتح الباب :
– هيا خديجة ستأتين معي .
كان وسيمًا ، يرتدي بعد غياب بنطالًا وقميصًا أبيضًا ناصعًا بدى فيه جذابًا خاصةً برائحته التي أحدثت ثورة في أنفها وتسللت إلى داخلها لتثير مشاعرها العذراء فظلت تطالعه لثوانٍ حتى ابتسم متباهيًا بثقة ثم امتدت يده نحوها ليمسك بيدها يحثها على التحرك قائلًا :
– هيا خديجة وإلا سحبتكِ للداخل والباديء أظلم .
تحمحمت وحاولت سحب يدها لتعود لجديتها وهي تتحدث معترضة وتطالعه بحنو :
– لا هنروح بعربيتي إنت لسة تعبان .
عاد يلتقط يدها ويرغمها على الترجل قائلاً بنبرة تشجيعية يشوبها الترجي :
– هيا حبيبتي أنا بخير ، ثم أنني أريد أن أريكِ شيئًا .
كان يتحدث وهو يحركها وبالفعل ترجلت فأغلق السيارة وتحرك نحو سيارته وهو يقبض على كفها بحنو كالطفلة وما أروع شعور لمس يدها الناعمة حيث حرمته من هذه المشاعر .
أدخلها سيارته وأغلق الباب والتفت يستقلها غير آبه بكلماتها المعترضة التي لم يستمع لها من الأساس بل كان يبتسم بسعادة ومرحٍ أصابه خاصة بعدما رأى إعجابها ونظراتها عليه .
بدأ يقود وجلست هي تشعر بالقليل من التوتر خاصة مع رائحته المنتشرة حولها ، أما هو فكان يسترق النظرات إلى تفاصيل وجهها الصغيرة كالأطفال فبدت كملاك بهذا اللباس الفضفاض المحتشم بلونه الزيتي ثم التفتت له وتحدثت موضحة :
– أبلكيشن المكان على موبايلي ثواني هشغله لإن أكيد إنت مش هتعرف توصل من غيره .
كانت تتحدث وهو عينه على شفتيها فقط ، تلك التي ستنال نصيبها منه عن قريب ، شعر بتدفق مشاعره فأسرع يلتفت ناظرًا أمامه ويقود ثم أومأ قائلًا ببرود ظاهري :
– حسناً .
انقضى الطريق في كلماتٍ بسيطة صدرت منه وهو يتطلع أمامه حتى أنها تعجبت ولكن بالنسبة لها هذا أفضل أما هو فكان ثعلبًا ماكرًا يخطط لشيءٍ ما .
ترجلت وترجل معها ثم نظرت لمقر العمل وقالت مشيرة برأسها :
– هنا يا خالد تعالى .
دلفا سويًا مدخل المبنى وصعدا عبر المصعد إلى الطابق الثالث حيث المكتب .
بعد قليل دلفا المكتب سويًا حتى أنه قبض على كفها بين كفه بتملك وحنو وكفه الآخر ارتكز في جيبه وهو يخطو يتفحص المكان بعينه بتركيز تام بينما هي قابلت سكرتيرة المكان وابتسمت لها تلقي السلام ثم قالت متسائلة برسمية :
– ممكن أقابل مستر أحمد جمعة ، أنا خديجة بهجت .
نظرت السكرتيرة في الجدول المرتكز أمامها ثم رفعت نظرها تطالعها بابتسامة لطيفة قائلة وهي تشير بيدها على إحدى الغرف :
– اتفضلي ف الأوضة اللي ع اليمين هتلاقيه في انتظارك .
تحركت مع خالد نحو الغرفة المنشودة فاستمعت لحديثٍ متبادل بين عدة أشخاص لم يميز خالد من بينهم أنثى واحدة لذا تأفأف بضيق وطرق الباب قبلها وفتحت ليجدا شابًا في الثلاثين من عمره يتقدم منهما ويطالع خالد بنظراتٍ مستفسرة ثم التفت ينظر إلى خديجة حتى ابتسم لها قائلًا بنبرة تساؤلية وهو يشير إليها بسبابته :
– آنسة خديجة ؟
أومأت له فأشار لها نحو الغرفة قائلًا بتجاهل غير متعمد لهذا الغاضب :
– اتفضلي .
تحركت للداخل وهو معها كأنه التصق بها فوجدت قاعة تشبه صفوف المدرسة ولكن مساحتها أصغر قليلاً بها عدة مقاعد يجلس عليها مجموعة من الشباب والبنات وأمامهم على الحائط عُلقت سبورة إلكترونية وهذا الأحمد كان يقف يدربهم على نطق بعض الكلمات الانجليزية بطريقة صحيحة معينة .
تحدث أحمد وهو يشير بيده نحو الشباب قائلًا :
– دي المجموعة بتاعتك يا آنسة خديجة وتقدري تتعرفي عليهم طبعًا ومتقلقيش هما لطاف جدًا ولا إيه يا شباب .
ضحك الشباب وردوا عليه فتابع يقول بنمطية لم ترح هذا الواقف :
– دي بقى آنسة خديجة اللي كلمتكم عنها هتبقى معاكم من أول النهاردة وتقدروا تفهموا منها أي حاجة تقف معاكم هي شاطرة جدًا .
كان يتحدث من خلال علمه عنها بعدما أرسلت له تقريرًا عبر الهاتف لذا عاد يبتسم لها قائلًا :
– أنا سعيد جداً بانضمامك لفريقنا .
ابتسمت خديجة بلطافة ثم قالت بتريث وهي تنظر لخالد المشتغل غيظًا كي تهدأه بعدما لاحظت تجاهل أحمد له قائلة :
– إيه رأيك يا خالد ؟
عادت تلتفت إلى أحمد قائلة وهي تعرفه :
– خالد خطيبي مكتوب كتابنا وقريب هنتجوز إن شاء الله .
التفت أحمد يطالعه بتفحص كأنه رآه للتو ثم ابتسم بتكلف يمد له يده قائلًا :
– أهلاً يا مستر خالد .
مد خالد يده يقبض على كف أحمد قبضة فولاذية قاسية قائلًا بتصنع واضح وبالإيطالية :
– أهلًا بك .
تفاجأ أحمد من لغته وقال وهو ينظر مجدداً نحو خديجة متجاهلاً ضغط يده أو ربمَا لم ينتبه بعد :
– بيتكلم إيطالي كويس .
أومأت له وكادت تتحدث فشدد خالد من قبضته ليلتفت له أحمد متألمًا ومتعجبًا بينما هو لم يبالِ به وقال :
– نعم أنا إيطالي وأعمل رجل عصابات .
ذُعر أحمد وطالعه بصدمة دامت لثوانٍ وكذلك خديجة التي التفتت له بملامح مصدومة لم تتوقع إجابته ثم أسرعت تقول بتلعثم لعدم اعتيادها على الكذب :
– خـ خــالد بيهزر طبعًا ، عامةً أنا متحمسة للتدريب عرفني بس هبدأ امتى .
تحدث خالد بعدما ترك يد أحمد أخيراً حتى أن الآخر بدأ يدلك يده وقد انتابه التوتر منه ولم يسترح لنظراته ولكنه استمع له حين قال :
– ولكن لتعلم أن زفافنا بعد أسبوعين وبعدها سنسافر أنا وخديجة في رحلة مدتها شهر ، ليكن في علمك .
وكأنه يعطي له حجة ليرفض وهذا ما حدث بالفعل حينما نظر لخديجة قائلًا :
– شهر ؟ ، يعني إنتِ هتشتغلي معانا أسبوعين وبعد كدة هتغيبي شهر ؟ للأسف مش هينفع خالص .
التفتت تنظر إلى خالد الذي فاجآها بهذا الحديث فنظر لها يبتسم قائلًا ببراءة مزيفة :
– شهر العسل حبيبتي .
ابتلعت ريقها وعادت تنظر إلى أحمد بتوتر وخجل الذي بدوره قال :
– أنا معايا groups تانية ومس دعاء اللي كانت مسؤولة عن المجموعة دي مسافرة دبي بكرة علشان كدة أنا طلبتك مكانها بس لو الوضع كدة فـ I’m sorry مش هينفع .
زفرت بضيق تومئ بينما تحدث خالد بنبرة منتصرة فرحة تنافي ملامحه التي رسم الحزن عليهما ببراعة :
– لا بأس حبيبتي ، يمكنكِ البدء بعد عودتنا من رحلتنا وليس الآن ، الأستاذ أحمد سيحاول توفير عملًا جديدًا لكِ ، أليس كذلك ؟
نطق الأخيرة وهو يلتفت إلى أحمد الذي ابتسم بتكلف وتحدث بنبرة كاذبة أدركها خالد :
– يشرفنا طبعًا ، عن اذنكوا .
عاد لعمله وتركهما فالتفت خالد إلى خديجة الشاردة قائلًا بانتصار يغلفه الهدوء والمكر :
– هيا حبيبتي ، لا يمكننا البقاء هنا .
تحركت معه يغادران المكان حتى وصلا إلى الأسفل واستقلا السيارة وبدأ يقود باستمتاع وملامح منفرجة وهو يقول ليبدد صمتها وحزنها الملحوظ :
– هذا الأحمد لا يفقه التعامل مع الآنسات ، لا تحزني سأجد لكِ عملًا بعد عودتنا من رحلة العسل .
التفتت تطالعه بضيق قائلة :
– أنت كنت ناوي على كدة يا خالد ، كذبت عليا وراوغتني وجيت معايا علشان تبين لي إنك وافقت بس إنت الحقيقة إنك جيت تفركش الشغل .
تعجب يضيق عيناه وتساءل مستفسرًا :
– يئني إيه تفركش ؟
باغتته بنظرة حادة فـ زم شفتيه ثم تحدث موضحًا دون مراوغة :
– نعم فعلت هذا وسأفعلها دومًا إن تطلب الأمر ، لن أحتمل خديجة ، لن أحتمل أن تقفي تدربي هؤلاء الشباب وتظل أعينهم العاهرة مسلطة عليكِ ومع كل كلمةٍ وكل حركةٍ منكٍ عقولهم الملعونة تنسج لهم خيالات ستصيبني بالجنون حتمًا .
التفتت تطالعه بصدمة وعيون جاحظة فطالعها يومئ مسترسلًا :
– نعم لا تتعجبي هذا ما يحدث بالفعل ، أنا أعلم تفكير الرجال مثلي ، لذا فلن أحتمل هذا ، حتى هذا المخنث أحمد نظراته لا تريحني ولكنني لن أقبل بذلك .
ظلت على صدمتها من حديثه الذي يعبر عمّا بداخله ولكنه تابع وهو يقود :
– حسنًا أعدكِ عند عودتنا سأبحث معكِ عن وظيفةٍ أخرى تناسبكِ وسأقبل بها بشرط أن تكوني بعيدة عن مرمى أنظار وعقول العاهرين .
لم تتفوة ببنت شفة بل نظرت أمامها تفكر في حديثه الذي لم يمر طيفه من قبل على عقلها ولكن ما أخافها أنه من تلك الأنواع التي ذكرها لذا فهو يعتقد أنّ الجميع مثله .
نظر لها فوجدها صامتة شاردة لذا بدأ يقود مستغلًا صمتها ليتجه إلى وجهته دون ملاحظتها .
❈-❈-❈
أما في فيلا آسيا حيث يتم التحضير لكتب الكتاب الذي سيقام في الحديقة مساءًا .
يقف عمر مع العمال المختصين في تزيين الحديقة بينما تجاوره مايا تأمر وتنهي وترتب ما تريده بسعادة تغمرها .
في الداخل تجلس آسيا مع نارة تتحدثان سويًا حين رن هاتف نارة يعلن عن اتصالٍ من صقر الذي لم يأتِ بعد .
❈-❈-❈
بالفعل كانت شاردة ولكنها لم تكن عمياء حيث نظرت حولها ولاحظت تغيير مسار الطريق فالتفتت تطالعه متسائلة :
– إنت رايح فين ؟
تحدث وهو يقود ناظرًا أمامه بثبات :
– سآخذكِ إلى منزلنا الجديد لأريكي إياه ، لقد جعلته مفاجأةً لكِ .
أجفلت تطالعه بتجهم قائلة باعتراض صريح :
– مش هيحصل يا خالد ، رجعني ع البيت حالًا .
توقف جانبًا بسيارته والتفت يطالعها بنظرة استعطافية ماكرة :
– ما بكِ خديجة لمَ تتعاملين معي وكأنني ذئب ؟ ، أنتِ زوجتي .
– لما ابقى في بيتك .
هكذا نطقتها بحدة وهي تطالعه فزفر بقوة وأومأ يقول بحزن ظاهري :
– حسنًا كنت أظن أنكِ ستكونين سعيدة بهذه المفاجأة ، ما رأيكِ أن أهاتف صقر ونارة يلحقوننا ثم نذهب سويًا للتسوق .
تكتفت وعادت تنظر أمامها قائلة بضيق :
– مش هينفع يا خالد نارة وصقر أكيد مشغولين في كتب كتاب مايا ، رجعني لو سمحت ، بابا لازم يكون عنده علم .
تناول هاتفه وعينه مسلطة عليها وهو يجز أسنانه بغيظ ثم طلب رقم والدها الذي أجابه بجدية قائلًا :
– السلام عليكم ، سامعك يابني ، خير .
تحدث خالد بفتور دون مقدمات :
– خديجة مئايا يا أستاذ بهجت ، هنروح نجيب حاجات لينا مع صقر ونارة ماتقلقش .
أغلق الهاتف قبل أن ينتظر رده وطلب رقم صقر يخبره باللحاق بهما هو وزوجته واضطر الثاني للموافقة لذا عاد يطالعها وتحدث بنبرة جادة يشوبها بعض الحزن الماكر :
– والدكِ لديه علم ورفيقتكِ ستأتي معكِ ، هل تشعرين بالأمان الآن ؟.
زفرت بقوة والتفتت تنظر أمامها وتفكر في التروي قليلًا ، لتكن أقل حدةٍ معه فهي شرعًا زوجته .
تحدثت بنبرة لينة دون النظر إليه :
– تمام يا خالد ، بس مش لإني خايفة لكن دي أصول وأظن إنك عرفت أنا على إيه كويس .
أومأ وعاد يكمل قيادته بحماس وعقلٍ خبيث .
❈-❈-❈
تتكور على نفسها بسكونٍ تام في تلك الغرفة المنعزلة ، منذ أن تركها أمس وهي تفكر وتفكر إلى أن قارب عقلها على الجنون وليتها تجن وتفقد ذاكرتها أو تفقد حياتها كليًا .
لقد دلف فجرًا يناولها بعض الوجبات الجاهزة التي أحضرها فوجدها تدعي النوم ، ظل لدقائق يطالعها وكاد أن يذهب إليها وينحني مقبلًا قدميها كي تحبه ولكنه امتنع وغادر مسرعًا قبل أن يفعلها .
لم تتناول شيئًا فمنذ أيامٍ وهي تتغذى على الماء وبعض اللقيمات المعدودة لذا باتت هشة وضعيفة وشاحبة ولكن مع ذلك أبت أن تنهار هي تفكر فقط في حلٍ .
في الأعلى يجلس على مقدمة الفراش يتمسك بهاتفها الذي يرن اليوم للمرةِ الثالثة برقمِ نارة التي برغم انشغالها بحفلة شقيقتها إلا أن القلق يتوغلها من أجل أميرة وكأنها تستشعر أمرًا ما .
نظر للأمام فانعكس وجهه عبر المرآة فتحدث إلى نفسه قائلًا :
– لازم أكلم محمد .
انتظر حتى انتهى رنين هاتفها ثم التقط هاتفه وهاتف صقر الذي أجاب برسمية :
– أهلًا يا عاطف بيه .
تحدث عاطف بمكرٍ عملي :
– معلش يا محمد بيه لو عطلتك بس قلت اطمن على الصفقة الجاية إيه الأخبار ؟
تعجب صقر ولكنه أجاب بثبات :
– اللي عندي عندك ، هو حصل حاجة جديدة ؟
أسرع يتحدث قبل أن يكشف أمره :
– لا أبدًا بس أنا قررت أخد المدام ونطلع رحلة سياحية كام يوم كدة وطبعًا زي ما إنت فاهم مش هينفع أتابع شغل وأنا هناك فلو تتابع الصفقة مكاني هكون شاكر جدًا ، وأول مارجع هبلغك فورًا .
زفر صقر ولم يرحه هذا الاتصال ولكنه أجاب بهدوء :
– تمام يا عاطف بيه ولا يهمك ، استمتع إنت برحتلك وأنا هتابع الأخبار .
زفر عاطف براحة وتحدث شاكرًا قبل أن يغلق :
– يبقى كدة أسافر وأنا مطمن .
– أجازة سعيدة يا عاطف بيه .
أغلق صقر وشرد قليلًا يفكر في حديث نارة السابق عن أميرة وحديث عاطف الذي يظهر دومًا حبه لزوجته ولأنه لم يثق في عائلة العدلي بمقدار ذرة مالت كفة عاطف أكثر لذا زفر وعاد يكمل عمله لينتهي سريعًا ويذهب إلى كتب الكتاب .
❈-❈-❈
توقفت سيارته أمام فيلا أنيقة في منطقة بعيدة عن منطقتهما .
أطلق زامورها فأسرع الحارس يفتح البوابة ويرحب به تحت أنظارها المندهشة والمتعجبة وهي تطالع المكان بتفحص وانتباه شديد .
كل شيءٍ تم إعداده بشكلٍ جميل ومرتب ، حديقة تضم أرقى الزهور وأجملها هيئة ، ألوانًا عديدة يغلبها الأخضر الناضر الذي يبعث السكينة والراحة في النفس ، واللون الأبيض يحتضن مبنى الفيلا كاملًا .
توقفت السيارة أمام المبنى والتفت يطالعها بعيون لامعة عاشقة وهو يقول :
– هيا حبيبتي ، لأريكِ مسكننا الزوجي .
التفتت تنظر له بتعجب وتساءلت بتعجب وانبهار واضح :
– إمتى عملت كل ده ؟
ابتسم لها وقال بعيون يتراقص بهما الحب والسعادة :
– كل مستحيل أمام عيناكِ هينٌ ، هيا انزلي .
لم تترجل بل التفتت تنظر للمكان مجددًا ثم عادت تسأله بقلق خدش جدار قلبها :
– اشتريته من الفلوس إياها يا خالد ؟
كان يعلم أنها من المؤكد ستسأله عن هذا الأمر لذا ابتسم ودس يده في سترته يخرج منها ورقةً ما ثم ناولها إياها قائلًا بتراوغ أبدع فيه :
– إنها إيجار وهذا هو العقد ، والآن هل تسمحين لي باصطحابكِ في جولة داخلها ؟
مدت يدها تلتقط الورقة ثم فتحتها تنظر لها قليلًا لذا تنفست براحة وعادت تطالعه مبتسمة ولكنها التفتت تنظر نحو البوابة قائلة ببعض التوتر :
– لو نستنى صقر ونارة ؟
زفر باختناق ثم ترجل والتفت إليها يستعمل وسائله الاندفاعية ثم فتح بابها ومد يده يلتقط كفها قائلًت بعجالة لا تقبل أية اعتراض :
– هيا خديجة ستصيبيني بالجنون لو كنت أريد فعل شيء لفعلته .
تحركت معه فلم تستطع مجابهته خاصة وهو يحركها بسهولة حتى توقف أمام الباب ودس يده ينتشل مفاتحيه من جيبه ثم ناولها إياها قائلًا بابتسامة لطيفة :
– هيا افتحيها أنتِ .
تناولته منه برضوخ ثم دسته في فوهة الباب وأدارته ففتح الباب ودلف خالد وهي تتقدمه بملامح منبهرة بمَ تراه حيث الأضواء كلها متلألأة كأن هناك حفل استقبالٍ ينتظرها .
دلفت منشغلة بالمكان من حولها بينما هو أغلق الباب بخبث ومد يده يسحبها فجأة ويعيدها إليه ثم أسرع يثبتها على الباب ويقيد حركتها بجسده وتحدث بأنفاسٍ لبت نداء جسده على الفور وهو يقول بمكر :
– ألا استحق قبلة على أقل تقدير بعد هذه المفاجأة ؟
تملكها توترًا كليًا وحاولت الإفلات من بين ضلوعه التي تحتجزها وهي تقول بعيونٍ محذرة :
– خالد لو سمحت بلاش كدة ، بجد هيبقى فيها زعل .
ابتسم على تحذيرها الواهن الذي لا يسمن ولا يغني من جوع وشعر أنها على وشك الاستجابة لقبلته خاصة وهي منكمشة كعصفورٍ وقع في قبضة بشري لذا انحنى قليلًا بوجه حتى لفحتها أنفاسه ويده تقيد يديها في الباب متخذًا حذره حتى لا تصفعه كالمرة السابقة قائلًا بنبرة متحشرجة تملؤها الرغبة :
– قبلة فقط ، كل ما يتمناه هذا الماثل أمامكِ هي قبلة من رحيق شفتيكِ ، أنتِ المذنبة تظلين تثرثرين أمامي بهذه الشفاة المكتنزة فتثيرين كل إنشًا بي .
كان في سحر مشاعره وقلبه يكاد يتوقف وجُل ما يريده هو تذوق فاكهته المحرمة حتى بات على شفى حفرةٍ من تحقيق رغبته بعدما شعر باستسلامها وها هو يستعد لتلك القبلة التي طال أمدها ولكنه فجأة جحظ يصرخ منحنيًا يتكئ على نفسه ويقول بألمٍ حاد :
– ااااااه اللعنة عليكٍ يا خديجة ضاع مستقبلنا .
أسرعت تفتح الباب وتركض نحو السيارة تستقلها وتغادر تاركة خلفها هذا الذي يتلوى بعدما باغتته بضربة من ركبتها أسفل حزامه لا تعلم كيف فعلتها ولا تعلم عواقبها ، جُل ما سيطر عليها حينها أنها لن تسمح له بفعل ما يريد إلا حينما تأتي معه عروسًا .
❈-❈-❈
أتى المساء وبدأ الحفل الصغير .
جاء المأذون وتجمع الحضور ويقف عمر مجاورًا لصقر منتظرًا نزول تلك العنيدة التي سكنت فؤاده .
كان سعيدًا تشع الفرحة من عينيه حتى وهو يقف رزينًا بحلته الزرقاء المنمقة .
في الأعلى تقف نارة أمام شقيقتها تحاول إقناعها قائلة بتروٍ :
– مايا اسمعي كلامي عمر لو شاف الفستان ده هيزعل جدًا ، الفستان اللي هو جايبهولك رقيق جدًا ومناسب أكتر عن اللي إنتِ لبساه ده .
نظرت لها بعبوس ثم التفتت تطالع نفسها في المرآة برضا وتباهي بملامحها الجميلة التي أبرزتها مستحضرات التجميل وخصلاتها الحمراء المتناثرة على طول ظهرها وبعضها متمردًا هنا وهناك وأخيرًا بفستانها الكريمي القصير نوعًا ما والذي يكشف عن ترقوتيها وتحدثت معترضة :
– يا نارو هو حلو بس طويل وحسيت إني مخنوقة فيه ، أنا قصيرة ألبس فستان طويل ليـــه ؟
ضيقت نارة عينيها وهي تطالعها لتؤكد لها أنها تفهم جيدًا حركاتها تلك وتحدثت منبهة :
– تمام إنتِ حرة بس الأفضل عمر يشوفك قبل ما تطلعي علشان ما تحصلش مشكلة.
توترت نظرة مايا والتقطت هاتفها تنظر في الساعة ثم تحركت تردف بعجالة وحماس والسعادة تنتشر من حولها كالدخان :
– طب يالا ننزل تحت وننادي عليه وهتشوفي إني هقنعه بالفستان .
بالفعل تحركتا سوياً للأسفل وقبل أن تطأ قدمها الحديقة أوقفتها نارة والتفتت تبحث بعينيها عن عمر الذي لمحته ولمحها فأشارت له أن يتقدم وفعل مستفسرًا بنظراته حتى وصل إليها متسائلًا :
– إيه يا نارة اتأخرتوا ليـــــــــــ.
لم يكمل حديثه حينما رآها تظهر أمامه لذا أسرع يعيدها للداخل بيده قبل أن يراها أحدهم ودلف يوصد الباب بظهره ويطالعها بنظراتٍ غاضبة متسائلًا وعينه على الفستان :
– إيه الفستان ده يا مايا ؟ ، فين الفستان اللي جبتهولك ؟
حاولت رسم الدلال وتحدثت بنبرة طفولية كي تؤثر عليه خاصة ونارة تطالعها بنظرات تؤكد لها أنها كانت على صواب :
– عمر النهاردة يوم مميز بليز ماتزعلنيش ، أنا حابة الفستان ده أكتر .
أومأ عدة مرات متتالية ثم تحدث بنبرة هادئة ونظرة ظنتها استجابة :
– تمام يا ماما مش هزعلك وهسيبك تطلعي برا بالفستان اللي إنتِ حبتيه ده بس شوفيلك عريس تاني غيري ، هاخد بعضي وأرجع شقتي ومع نفسك بقى .
فتحت فمها لتعترض بتذمر فرفع إصبعه يتحدث بصرامة أمام نارة الكاتمة لضحكاتها :
– ولا كلمة زيادة واطلعي حالًا بدلي الفستان ده ونارة هتساعدك .
وجدها عابسة لم تتحرك وتطالعه بغيظ فتابع بقسوة زائفة وعلى وجهه ترتسم الحنية :
– يالا اتأخــــــــــرنا .
دبت الأرض بقدميها ثم تحركت تصعد بتذمر وحركات طفولية وتتبعها نارة لتساعدها في تبديل الفستان المكشوف هذا .
وقف يطالعها وهي تصعد ويتنفس بقوة على هيئتها وعفويتها التي أذابت جليد وحدته وسكّنت ألم ماضيه ، يعشقها ويغار عليها ويشعر أنها ابنته وليست مجرد حبيبة .
تحرك مجددًا نحو الخارج ينتظرها حتى تأتي ولم يمر عدة دقائق حتى ظهرت كالملاك وتجاورها نارة فأسرع يتقدم منها بابتسامة عريضة زادت وسامته ووقف أمامها فتحركت نارة تاركة لهما بعض الحرية واتجهت تجاور صقر بسعادة بينما تحدث عمر وعينه عليها بنظراتٍ لو تجسدت لعانقتها وأخفتها عن عيون الجميع :
– قمري .
كانت عابسة ولكن ما إن نطق كلمته حتى رفعت نظراتها إليه تتأكد من كلمته فرأت في عينه الإعجاب الواضح وأكد لها ذلك حينما تابع :
– من شوية كنتِ قمر بس مش هتحمل حد من اللي برا دول يشوفك كدا لكن دلوقتي قمر وبدر منور كمان والفستان محتشم يعني هكون مرتاح كدة .
تحدثت بدلال وعبس :
– مهو أنا كنت عايزاك تغير عليا يا عمر ، تقوم تهددني إنك هتروح وتسيبني ؟
ابتسم وتحدث بصوتٍ رخيم :
– اتجننت أنا ولا إيه علشان أسيبك ، دا أنا ماصدقت إنك أخيرًا هتكوني مراتي ، يالا قدامي .
نطقها ممازحًا بأمر فتحركت أمامه على الفور بطاعةٍ فابتسم وتابعها يتمسك بيدها ويتقدمان وسط الحضور حتى وصلا إلى طاولة المأذون حيث يجلس صقر ينتظرهما مع المأذون وعلى اليمين يجلس الشهود وتقف نارة مع آسيا وخديجة التي أتت مع والدتها .
بدأ المأذون في إجراءات كتب الكتاب وسط جوٍ مليء بالسعادة والنظرات المتبادلة من قبل مايا التي تعالت نبضاتها حتى باتت تسمع من قبل عمر .
كُتب الكتاب وتعالت التصفيقات ونهض عمر ما إن وقعا ينظر إلى مايا التي تخلت عنها جرأتها وباتت تطالعه بملامح متوترة لم تستوعب بعد إنه بات زوجها .
ابتسم على هيئتها وتحدث متسائلًا :
– مش هتسلمي عليا ولا إيه ؟
كانت حقًا متوترة وبدى عليها التلعثم وهي تطالعه ثم أومأت ومدت يدها لتبادله السلام فابتسم وأسرع يسحبها من يدها كليًا لتستقر داخل أحضانه .
تجمدت حتى باتت تشبه اللوح وهي لا تستوعب أنها تستقر الآن في حضنه ودامت صدمتها لثوانٍ قبل أن تسرع وتحيطه بذراعيها وتبادله هذا العناق الذي تجزم أنه يشبه تمامًا عناق شفيق لها في طفولتها .
كان عمر في قمم سعادته ، يسكن حضنها ويسكنها بين ضلوعه مرحبًا بها زوجة ورفيقة وطفلة مدللة ومتربعة على عرش قلبه .
الجميع يطالعهما بسعادة وخديجة تصفق لهما بحماس وهي تتذكر عناقها لحبيبها وزوجها الذي لم يأتِ إلى كتب الكتاب وتعلم جيدًا السبب حيث ظل يهاتفها بعدما حدث صباحًا ولكنها لم تجبه لذا عبس وقرر ألا يأتي .
ابتعد عمر عن مايا بعدما كاد أن ينسى المكان والزمان فوجد وجهها يصطبغ بحمرة الخجل التي يعلم جيدًا امتلاكها لها لذا ابتسم وتحدث هامسًا كي يبدد خجلها :
– آسيا هانم نفسها تحضنك هي كمان .
التفتت تنظر لوالدتها التي تطالعهما بعيون لامعة تشع منها السعادة فأسرعت تذهب إليها وتعانقها والأخرى تبادلها بحنانٍ وفرحةٍ لا مثيل لهما .
انحنى صقر نحو نارة التي تطالعها بدموعِ السعادة وتحدث بخبث كي ينثر ابتسامتها :
– إيه رأيك لو نعمل فرح من جديد ، أنا عايز أعيد تفاصيل الفرح وخصوصًا البوسة اللي بعد كتب الكتاب .
ضحكت والتفتت تطالعه حيث استطاع بالفعل رسم الضحكة على ملامحها وقالت بهمس مماثل وجرأة لا تظهر لسواه :
– المرة اللي فاتت كنت رافضة عملتك دي بس لو عملنا فرح جديد أنا اللي هبوسك قدامهم كلهم .
– موافق جدًا .
هكذا نطقها بسعادة يبادلها إياها حيث لم تقبل أن تكون بخيلة بأي شيء تجاهه ، إذا أعطاها سعادة فلتعطيه مثلها أو أكثر .
❈-❈-❈
بعد أسبوعين وبعد أن تم تأجيل الزفاف بفرحة من بهجت وتأفأف من خالد ومساعدة من صقر في تنظيم الأمور
وبعد أن عاقبته خديجة على فعلته الأخيرة وحرمته من رؤيتها وسماع صوتها ليومين حتى بات يتقلب على جمرات الشوق وبالأخير عفت عما سلف بعد وعده بأنه سيلتزم باتفاق بينهما إلى أن يتم زفافهما
اتفاقًا عبارة عن عدم لمس إصبعها حتى وليكن هذا عقابه على مكره وخبثه معها .
في مولٍ تجاري كبير
يسير كلٍ من صقر وتجاوره نارة وتجاورها خديجة ويجاورها خالد حيث قرروا الذهاب معاً للتسوق وشراء عدة أغراض .
تمسكت نارة بيد خديجة وانحنت إليها تردف بهمس :
– خديجة تعالي ندخل المحل ده .
قالتها وهي تشير بذقنها على محل ملابس نسائية خاصة فأومأت خديجة بخجل وتحركت معها وكاد خالد أن يتبعهما ولكن أوقفه صقر بيده قائلاً بتعجب :
– إلى أين أنت ذاهب ؟
هز منكبيه بلا مبالاة وهو يقول بتهكم :
– يفترض أن تسأل هذا السؤال لزوجتك التي أسرعت تركض مع خديجة للداخل ، كان يجب أن أذهب معها أنا وأختار معها تلك الأغراض .
كان يتحدث بجدية وجرأة فـ مط صقر شفتيه ثم تابع بتروٍ :
– تمهل مع خديجة قليلًا واصبر عليها هي لا تستطيع مواكبة خطواتك مع الحياة
أنت مدرسة لهوٍ وهي مدينة التزام .
كور فمه ينفخ بملل ويقلب عينيه ثم قال وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله :
– حسنًا أيها الشاعر ، تفضل أمامي لنبتاع أغراضًا خاصة بي .
تحركا سويًا إلى محل قريب بينما داخل محل الملابس الخاصة وقفت نارة تختار مع خديجة عدة تصميمات من مجلة المنتجات الموجودة وهي تشير إلى خديجة المتورد وجهها خجلًا فابتسمت نارة ثم قالت بصوتٍ خافتٍ رقيق :
– خديجة على فكرة ده جوزك ، يعني مباح ليكِ كل متعة معاه مادام مافيش تجاوز للحدود ، ده حتى الإسلام بيحثنا على التجمل واستعمال انوثتنا لأزواجنا ، يعني حاولي مرة بعد مرة تكسري حاجز الخجل مع خالد بس متتنزليش عن أنوثتك ، وده بيعزز الحب على فكرة وبيقويه .
زفرت تردف بتفهم :
– أنا فاهمة يا نارو بس محرجة جدًا ، يعني خالد بيتعمد يحرجني معاه ، يمكن بعد الجواز أتخطى الحاجز ده ! .
أومأت لها تبتسم وهي تقول بتأكيد :
– هتتخطيه ، بس يالا اختاري كذا تصميم من دول وخلينا نشوف مجلة تانية ، التصميمات هنا حلوة أوي ، أنا كمان هشتري معاكِ .
❈-❈-❈
مساءاً .
تجلس في غرفتها تتطلع على الأكياس التي ابتاعتها والموضوعة في ركنٍ ما لحين آخذها إلى عش زوجيتها .
سابحةً في أفكار الحب وحديث نارة يتردد في ذهنها ، تفكر بحالمية كيف يمكنها استخدام أنوثتها لتؤثر عليه وتسحبه للطريق الرشيد فهذا جُل ما تريده وتتمناه .
طرقات على باب غرفتها جعلتها تجفل وتعتدل قائلة بتروٍ :
– اتفضل !
دلفت نسرين تطالعها بترقب متسائلة :
– حبيبتي ممكن نتكلم شوية مع بعض ؟
تحدثت بلطافة وابتسامة هادئة :
– أه طبعًا يا ماما اتفضلي .
دلفت نسرين تغلق الباب خلفها ثم اتجهت تجلس أمامها وتعمقت في ملامحها لثوانٍ كأنها اشتاقت إليها من الآن لذا تنهدت بقوة ثم قالت بحنو :
– خلاص هتسيبي بيتك الأول وتروحي على بيتك التاني ؟ .
لمعة ظهرت في عينيها وهي تمط شفتيها وتوميء دون حديث فتابعت نسرين بترقب :
– اشتريتي كل اللي نفسك فيه ؟
أومأت ونهضت تحضر الأكياس وتضعها على الفراش لتبدأ في عرضهم على والدتها التي بدورها انتابتها فرحة وسعادة قائلة باعجاب :
– حلوين أوي ، كلهم حلوين ، تستعمليهم في الهنا .
شكرتها خديجة بينما امتدت يد نسرين تجلسها قائلة :
– اقعدي علشان عايزة أقولك حاجة مهمة .
جلست خديجة تضيق عينيها بانتباه فتنفست نسرين قائلة برتابة وحكمة أمٍ لازمة في يومٍ كهذا :
– طبعًا حياتك دلوقتي غير حياتك بعد الجواز ، إنتِ رايحة لإنسان بيحبك أيوة بس مختلف عنك تمامًا ، وعلشان الاختلاف ده مايتحولش لتعب ومشاكل لا سمح الله لازم تعرفي تتعاملي معاه كويس يا خديجة .
رفعت حاجيبها تتابع باستفاضة ونصح وهي تحيط بكفيها :
– أهم حاجة لازم تتفاهموا وأوعوا تخلوا أي خلاف يكبر بينكم ولو هو غلط مرة اتنازلي وسامحيه لو كررها عاقبيه بس بينكوا وبين بعض ولازم تعرفي نقطة ضعفه ونقطة قوته .
تركيز تام من جهة خديجة تستمع لها فزفرت بقوة وتابعت تتعمق في ملامح ابنتها الجميلة قائلة بحنوٍ :
– لازم كل واحد فيكم يتأقلم على التاني علشان تناسبوا بعض ، كل حاجة وكل مشكلة هتواجهك هتروحي وتتكلمي معاه فيها ومتدخليش أي حد بينكم إلا إذا مس الأمر كرامتك وقتها يبقى استوب ونشوف إحنا بقى حل مناسب معاه .
رفعت يدها تتحسس وجنة ابنتها بحنو ثم ابتسمت قائلة :
– خلي قوتك في هدوءك وأنوثتك ، هدوءك وأنوثتك ممكن تحوليهم لسلاح ، يعني حسسيه إنك دايمًا محتجاله ، شاركيه أصغر تفاصيلك علشان يتحمل مسؤولية كل شيء خاص بيكِ ، اشغلي وقته بيكِ من غير ما تخنقيه ، يعني أعملي حاجات تخليه وهو قاعد لوحده بيفكر فيكِ وعايز يسيب كل اللي وراه ويجيلك .
تنبهت لهذه النقطة لذا تساءلت بحماس :
– زي إيه يا ماما ؟
ابتسمت نسرين على ابنتها البريئة وقالت بغمزة ماكرة :
– ده جوزك ، يعني جننيه بخجلك بس في نفس الوقت متحرميهوش من حاجة نفسه فيها مادام في حدود الدين ، احتويه في حزنه وشاركيه تفاصيله واختاريله هدومه وهو خارج ووقت ما تشوفيه لازم تضحكي في وشه وتمدحيه حتى لو كان متبهدل مع إني عمره ما شفته متبهدل .
ابتسمتا فهو حقًا ملتزمًا بمظهره ونظافته فعادت تربت على كفها وتتابع وهي تراها مندمجة قائلة :
– لولا السجود لله عز وجل كان أُمرت الزوجة بالسجود للزوج بشرط يكون زوج قوّام يساعدها على حبه .
احتوت كفيها بين راحتيها تقول بتأكيد :
– يعني من الآخر أنا عايزة بنتي تتعامل زي ما دينها قالها مع جوزها ولو هي عايزة تعرفه الإسلام الحقيقي وترشده ليه يبقى لازم تبدأ بده في علاقتهم ، علاقتك بجوزك هي سر الحياة ، هي الأساس اللي هيتفرع منها كل حاجة بعد كدة .
ابتسمت بحنو تتابع بنبرة شبه قلقة :
– أنا عارفة إن خالد هيتعبك شوية وهو من النوع اللي صعب يتقبل الأمور بسهولة وإنه محتاج مشوار طويـــــــــل أوي ، بس لو الحب والتفاهم موجودين هتتخطوا كل صعب سوا ، وعلى فكرة الكلام ده كله ينطبق عليه وأكثر لإن هو صاحب القوامة بس عذره إنه ميعرفش حاجة عن الإسلام فإحنا واجبنا نعرفه ، واحدة واحدة عليه وأهم حاجة أوعي تتنازلي عن حقوقك ، زي ما قلتلك خلي أنوثتك هي سلاحك .
انتهت نسرين من حديثها فأسرعت خديجة تعانقها وتستقر في حضنها بحب وسكينة بعد تلك الكلمات التي لن تمحى من ذاكرتها وستعمل بها مؤكد ولكن تذكرت أمرًا ما لذا ابتعدت بعد ثوانٍ تطالعها قائلة بترقب وخجل :
– طيب هو أنا إزاي أكسر حاجز الخجل اللي بيني وبينه يا ماما ؟
ربتت على ساقها تقول برشد :
– هو هيتكسر لوحده ، بمجرد ما تدخلي بيته وتبقي حلاله ربنا بيرفع حاجز الخجل والتكلف اللي بينكوا وبتبقوا شخص واحد في جسدين ، قلتلك هو ده سر العلاقة الزوجية اللي مبنية على المودة والرحمة والحب .
أومأت لها تبتسم بنظرة شكر وامتنان ثم شردت تفكر في حبيب قلبها الذي كان حاضرًا على البال والخاطر مع كل حرفٍ تنطقه والدتها .
نهضت نسرين قائلة بحب وحنو :
– أنا هنزل أنام وانتِ كمان نامي بلاش سهر الأيام دي ، تصبحي على خير يا حبيبتي .
– وانتِ من أهل الخير يا ماما .
نطقتها خديجة بسكينة تامة وتحركت نسرين تغادر وتركتها تعاود جمع الأغراض التي ابتاعتها وكلمات والدتها تتردد على عقلها تحمسها للقادم .
❈-❈-❈
مر الأسبوعان سريعًا .
انشغلت فيهما خديجة ووالدتها ونارة بتحضير عش الزوجية حيث كن يذهبن دومًا إلى الفيلا الجديدة كي يضعن بها أغراض خديجة وكذلك خالد الذي انشغل في تحضيرات الزفاف والأثاث الذي شاركته في اختياره خديجة وكذلك الرحلة التي تعد مفاجآة لها .
لم يلتقيا إلا أوقاتًا قليلة تكون في حضور بهجت ونسرين ولكنه نفذ وعده والتزم به كما رغبت وساعده في ذلك انشغاله .
تنام في فراشها بعيون مبصرة تفكر في الغد بقلبٍ صاخب ينبض بعنف ، غدًا ستكون في بيته زوجته وحبيبته ، غدًا لن تنام هنا في هذا الفراش الذي تحبه بل ستنام في فراشه وبين أحضانه .
انكمشت معدتها بشعورٍ ممتع وهي تسبل جفنيها وتتنفس بعمق ثم عادت تنظر أمامها ومدت يدها تلتقط هاتفها الذي ينير باسمه .
فتحت الخط تجيب بنبرة هامسة :
– خالد ، إنت لسة صاحي ؟
كان سابحًا في أفكاره مثلها ولكنها أشد جرأة ووقاحة لذا تحدث بأنفاسٍ مأججة :
– وكيف سأنام وأنا أتخيل ليلة الغد ، لم أعد أحتمل حبيبتي .
ابتلعت ريقها وتنفست بعمق ثم قالت بلغته :
– لا تتخيل إذًا ، دع كل شيء في وقته .
تساءل بمكرٍ وترقب :
– هل كنتِ تتخيلي مثلي ؟ ، أراهن أنكِ كنتِ تسكنين بين أحضاني في عقلكِ خديجة ، هيا اعترفي .
ابتسمت عليه وتحدثت كي تطفيء لهفته قليلًا :
– أجل ، هذا ما كنت أفعله ، هيا نم الآن أمامنا يومًا حافلًا غدًا ، تصبح على خير .
– بعد غد سأصبح على النعيم بعينه .
أغلقت معه وتنفست بعمق وسعادة ثم وضعت الهاتف مجددًا واحتضنت جسدها لتنام ولكن طرق بابها طرقات هادئة فتعجب تنظر نحوه قائلة بترقب :
– ادخل .
فتح الباب وطل بهجت منه بملامح حزينة شبه باكية يقول بتحشرج واضح :
– خديجة نمتي ؟
تعجبت من عينيه اللامعة كأنه كان يبكي لذا نهضت تتجه نحوه بحنو وتعمقت في عينيه قائلة بتعجب :
– بابا حضرتك بتعيط ؟
أسرع إليها يضمها ويحيطها بذراعيه وعادت دموعه تملأ مقلتيه وهو يربت بكفيه على ظهرها وهي تبادله وتبكي مثله قائلة بقلبٍ منفطر :
– بابا لو سمحت متعيطش ، كدة هتزعلني بجد .
ربت مجددًا على ظهرها وابتعد يحيط وجهها بكفيه ويمسح دموعها بابهاميه قائلًا بحنوٍ وتحشرج :
– هنام إزاي بكرة من غير ما تكوني في البيت ، هتحمل بعدك عني إزاي ، وبعد ما قلت هتسكني قصادي أخدك بعيد عن عيني .
سحبته من ذراعه إلى فراشها وأجلسته وجلست تحتضن كفه قائلة بتأكيد ولطف :
– كل ده عمره ما هيبعدني عنك أبدًا يا بابا ، كل ما تحتاجني هتلاقيني عندك فورًا ، بس أوعى تزعلني ، كدة ممكن تخليني ألغي الفرح .
قالتها بنبرة مازحة ولكنه تمسك لها يردف بتمني :
– يــــــــاريــــــــــــت .
تعجبت من تنهيدته وابتسمت تردف بحب :
– من ورا قلبك ، أنا عارفة إنك عايزني مبسوطة دايمًا .
رفع كفه يحاوط وجهها قائلًا بتأكيد :
– دايمـا ، مش عايز أي حد يزعلك وإلا هيبقى جني على نفسه .
تنهد بعمق يتابع بنبرة جادة :
– اسمعي إما أقولك يا خديجة ، هنا بيتك الأصلي وهنا حضن أبوكِ وأمك وهنا حصنك ، لو في يوم حصل وزعلك وحسيتي إن صدرك ضيق ومش قادرة تتعاملي معاه تعالي عليا علطول ، أوعي تفكري إني في يوم هكِل ولا أمِل ولا اتهاون مع زعلك ، إلا إنتِ يا قرة عين أبوكِ .
عادت تعانقه وتردف بنبرة متحشرجة وصوتٍ متقطع من شدة التأثر بحديثه :
– ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك أبدًا يا بابا ، إنت سندي في الدنيا أنا من غيرك ماليش أي قيمة .
ربت على ظهرها وابتعد قليلًا يطالعها بتمعن كأنه يدخر ملامحها ثم تحدث بنبرة حنونة :
– برغم إني مش بطيق الجدع ده بس علشانك وعلشان أشوف فرحتك قبلت ، لكن يوم ما يزعلك هيبقى عليا وعلى أعدائي ، وأوعى تشيلي هم حاجة طول ما أنا عايش .
هزت رأسها بلا تردف مؤكدة :
– مش هيحصل ، إنت أغلى حد على قلبي يا بابا .
ربت على كفها وعاود يمسح دموعها بسبابته ثم نهض ينظر لغرفتها هنا وهناك وتنهد تنهيدة معذبة كلما تخيل أنها لن تكون هنا غدًا زاد انقباض قلبه لذا تنفس بقوة وتحرك نحو الخارج يغادر وهو يقول :
– تصبحي على خير .
❈-❈-❈
في اليوم التالي في قاعة زفاف أسطورية
يتجمع حول الطاولات الأنيقة نخب من الأُسر .
أصدقاء بهجت وزوجاتهم وأقاربه وأقارب نسرين وأصدقاء مازن
وعلى الجهة الأخرى في طاولة واحدة يجتمع صقر ونارة وأسيا ومايا وعمر .
دلف خالد بأناقة ساحرة من باب القاعة يحمل في يده باقة زهورٍ حمراء رائعة وخطى بثقة وثبات يتقدم حتى توقف أمام الحضور والتفت يقابل الباب من مسافة مناسبة ينتظر قدومها مع والدها .
التفتت نارة كالجميع تتطلع على باب القاعة بحماس وبرغم أنها كانت معها في الأعلى منذ قليل ورأت جمالها إلا أنها متحمسة لدخولها بسعادة صادقة .
صدح صوتًا رائعًا يتلو آيات الله كأنه آتيًا من الجنة ، آياتٍ كريمة بدأت لينفتح معها الباب وتطل خديجة برفقة والدها يسبقها عددًا من الطفلات الرائعات ذوات الرداء الأبيض .
كانت تتوسط فستانها الراقي وتتقدم مع والدها وقلبها يعصف ضاربًا صدرها بصخبٍ وجسدها في حالة توترٍ شديد تستمد القوة من ذراع والدها الذي يسندها ويخطو معها .
يقف مسحورًا وجُل ما يسيطر عليه هو أنها باتت ملكه ، لا مسافات ولا تحفظات ولا مناقشات ، باتا روحًا واحدة في جسدين ، يعيش في هذه اللحظة مشاعر لم يجربها قط طوال حياته .
حُرم منها ومن لمسها ومن كل الملذات معها وتقلب على جمراتٍ ونفذ طلباتٍ ورضخ لأوامر فقط ليحصل عليها وها هي يفصلها بينه وبينها خطوة .
خطوةً وستصبح ملكه ، خطوةً قطعها هو حينما تقدم وعينه منكبة عليها وهي تنظر أرضًا بخجل فانحنى يطبع قبلة على رأسها ويديه تحاوط وجهها ثم ابتعد يبتسم لها قائلًا بسعادة تتقافز داخله كطفلٍ صغير عاد والده الحنون من السفر :
– ما هذا الجمال ؟ ، هل تزوجت ملاكًا وأنا لا أدري .
طالعه بهجت بهدوء وأردف :
– مبروك ، خد بالك منها ، أوعى تزعلها .
خرج من حالة الهيام يطالعه بهدوء ثم أومأ له قائلًا بفتور :
– أكيد .
التفت بهجت يطالعها بعمق ثم تمسك برأسها يقبله وتركها له كأنه ينزع قلبه ويناوله إياه والتفت يخطو متجهًا نحو طاولة زوجته التي ما إن جلس ظلت تربت على ظهره بحنو وابتسامة هدأت من وطأة الحزن على قلبه .
وقفت أمامه يطالعان بعضهما إلى أن انتهت الآيات القرآنية الكريمة وصدق القارئ لتبدأ موسيقى هادئة رومانسية فمد يده لها يطلب يدها التي ناولته إياها فأخذها يضعها على كتفه ولف ذراعيه حولها بتملك ليبدأ يراقصها رقصةً معروفة في الأعراس ولكنها دومًا مميزة عند كل عروسين .
حالة حبٍ وابتعاد عن العالم المحيط كأنهما يسكنان سطح القمر وحدهما .
نظرات فقط تعبر عن كل ما يسكن في قلب وعقل الآخر في تلك اللحظة ، اعترافات حبٍ وسعادة تتخطى القاعة بل وتندفع إلى السماء وتتلألأ بها كألعابٍ ضوئية رسمت البهجة على وجوه الجميع .
انتهت الموسيقى وانتهت الرقصة وابتعد عنها ولكن عينه لا تفارقها ، لا ينظر لأي شخصٍ غيرها ، كأن القاعة لا تحمل إنسانًا سواها ، هي فقط ، هي التي فعلت به الأفاعيل .
تحركا سويًا نحو المقعد المجهز برقي ورتابة وجلسا عليه ليبدأ حفل الزفاف ويبدأ ضيقه وتأفأفه حيث بات لا يريد حفلًا أو احتفالًا كُل ما يريده هو الذهاب بها بعيدًا .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
انتهى حفل الزفاف وتحرك الجميع نحو الخارج ووقف بهجت ونسرين ومازن يودعون خديجة بقلوبٍ منفطرة حتى أنها باتت تبكي مما جعل خالد ينظر إلى صقر بضيق وهو يتذكر زفافه على نارة حينما بكت آسيا أيضًا .
كان صقر يجاوره ويبتسم بخبث عليه لذا لكزه في ذراعه ثم تحمحم وتقدم من خديجة وهو يتمسك بكفها ويضعها بين ذراعه قائلًا :
– هيا خديجة .
التفتت تطالعه بعيون لامعة وأومأت ثم تحرك بها نحو سيارته وباتت تشير لوالديها ملوحة لهما حتى فتح لها الباب واستقلت السيارة وأسرع هو الخطى يستقل مكانه ويقود مبتعدًا بها عن الجميع .
زفر أخيرًا براحة ثم التفت يطالعها حيث كانت تحاول تجفيف دموعها التي لم تتوقف لذا انتشل محرمة ورقية ومد يده لها بها قائلًا بحب :
– كفى بكاء حبيبتي ، الليلة لا مجال للدموع .
كفكفت دموعها وأومأت بصمت ولم تتفوة ببنت شفة بل كان التوتر حليفها لذا التزمت الصمت وكذلك هو على غير عادة يقود منشغلًا في الطريق أو هكذا يدعي .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ وصل أمام الفيلا الجديدة ففتح له الحارس ودلف بسيارته يصفها جانبًا ثم التفت يطالعها بحب وخبث معًا ، برغم انتظاره لهذه اللحظة لأشهرٍ منذ أن رآها في زفاف صقر إلا أن نبضات قلبه كادت تكسر عظام صدره من فرطها .
لم يجرب هكذا مشاعر من قبل ، لم يعش ما عاشه الليلة ولا يشعر ما يشعر به الآن ، لأول مرة يكون سعيدًا ومتوترًا في آنٍ واحدٍ لذا قال بنبرة هادئة تحمل مشاعر جياشة :
– وصلنا خديجة ، وصلنا إلى بداية الرحلة حبيبتي .
التفتت تطالعه بعيون وملامح متوترة وقلبها يكاد يتوقف من فرط حركته ثم تحدثت بتلعثم :
– خـ خالد مـ معلش أنا متوترة شوية .
ابتلع ريقه وتنفس بقوة فهذا حاله أيضًا ولكن توتره جاء من فرط حماسه أما توترها يكمن في خوفها وخجلها .
التفت يفتح الباب ويترجل ثم لف لها وفتح الباب ومد يده إليها فناولته كفها المرتعش وترجلت تقف على قدميها التي تجزم أنهما آيلان للسقوط لولا ذراعه التي التفت حول خصرها يسحبها إليه وينحني هامسًا عند أذنيها ليزيد من رعشتها قائلًا بهمس مثير بعدما لامسها :
– اتركي نفسكِ لي .
هذا بالفعل ما تريده فهي لم تحتمل كل هذا الخجل والتوتر والرعشة وهذا الكم من الرهبة ، كثيرة تلك المشاعر على عقلها لذا تحركت معه نحو باب الفيلا وصعدا الدرجات القليلة بينما هو دس يده يخرج من جيبه المفتاح ويضعه في فوهة الباب ثم لفه وفتح الباب وخطى بها إلى الداخل ومع كل حركة منه تنسحب أنفاسها حتى باتت وكأنها تتتفس من ثقب إبرة برغم سرعة نبضها .
أغلق الباب بيده ومدها جانبًا ليضيء المكان بإضاءة هادئة ثم على حين غفلة وبحركة متقنة حبسها عند الباب في نفس المكان التي سبق وحبسها فيه حينما ضربته وهربت .
قيدها بجسده وارتكز بكفيه على الباب من حولها وهو يطالعها بعيون متوعدة تشع منها الإثارة والرغبة حيث لم يرحم قلبها الهالك قائلًا بعيون تجري على ملامح وجهها كاملة ونبضه يصارع نبضتها في ساحة عشقٍ عنيفة :
– لا خلاص لكِ مني الليلة ، الليلة موعد ثأرى .
أجفلت من حركته المفاجأة وتعالت وتيرة أنفاسها فجأة لتصبح سريعة تطالعه بترجي ثم افترت فمها لتتحدث بأي شيء ولكنه انحنى يقبض على شفتيها في قبلة ابتلع بها أحرفها حيث بدت هجومية انتقامية ثأرية على ما فعلته به طول تلك المدة .
دامت قبلته لثوانٍ عدة أسكتها بها بل تجمدت كليًا من أثرها المفاجيء على شفتيها البريئة .
ابتعد قليلًا يطالعها برغبة جنونية فوجدها منفرجة الثغر مغلقة العين فابتسم وعاود ينحني مجددًا يستمتع بالمذاق النادر لتلك الشفاة التي عذبته لليالٍ وجعلت قلبه يتقلب بين الجمرات .
تلك المرة قبلة هادئة بل ناعمة كتناول قطعة شوكالاته محشوة ليس لها مثيل ، قبلة جعلته يجزم أنه لم يقبل أنثى من قبل خاصة وأنها تعطيه الشعور بالتملك والسيطرة تاركة له كل زمام الأمور تعيش حالة جديدة وفريدة من نوعها حيث سريان يشبه الماس الكهربائي على طول ظهرها وانقباض لذيذ في معدتها جعلها تحاول استكشاف ما تعيشه مع هذا الرجل الذي لم يعد يفهم ما يصيبه .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية هواها محرم) اسم الرواية