رواية أشلاء القلوب الفصل الثاني 2 - بقلم ندى محمود
_ الفصل الثانى _
ظلت تصرخ وتبكى بشدة محاولة الفرار منه دون فائدة حتى تراخت قواها تدريحيًا وفقدت وعيها والدماء تسيل من فمها وانفها .. !!
تسمر بأرضه فى خوف عندما رأها هكذا وانحنى إليها ليهز جسدها بقوة هاتفًا :
_ ملاك ! ، انتى سمعانى ؟!!
لم يجد رد منها فأسرع ووضعها على الفراش جيداً وحاول بكل الطرق ليفيقها ، وبعد دقائق فتحت عيناها ببطء وبمجرد ما رأته امامها أنتصبت فى جلستها وهى تثب جالسة وتصيح به ببكاء :
_ ابعد عنى متقربش منى ، حسبى الله ونعم الوكيل فيك !
قابل عبراتها وصياحها ببرود مستفز متمتمًا :
_ ده علشان تفتكرينى كويس لما تحاولى تهربى تانى
همت واقفة وهى تصرخ به فى صوت مرتجف ممزوج بدموعها الحارقة :
_ أنت بتعمل معايا كده ليه ، أنا أذيتك فى ايه .. أنا مش عايزة منك صدقنى وبتمنالك تعيش عيشة سعيدة وجميلة انت ونيرة بس بعيد عنى ، بعيد عنى يا اكرم طلقنى ومش هتشوف وشى تانى صدقنى !
وقع نظره على منديل موجود فوق سطح المنضدة الصغيرة فتناوله باسمًا وأقترب منها بشدة ، فشهقت بفزع عندما وجدته يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها إليه بعنف هامسًا بنظرات شيطانية وجريئة ونبرة ماكرة :
_ مقدرش اطلقك ياملاك وإلا ابقى راجل غبى لما اطلق وحدة فى حلاوتك دى ، ومن جهة المقارنة فأنتى متتقارنيش بنيرة ابدًا في الحلاوة والشكل ، لانك تتحلى من على حبل المشنقة كلمة قليلة عليكى.. وأنا ميهونش عليا اضيع الحلاوة دى كلها من ايدى.. لأنى من البداية اتجوزتك لأنك عجبتينى بس انتى كنتى ساذجة جدًا لدرجة أنك صدقتى بكل سهولة انى بحبك ووافقتى تتجوزينى، أنتى هنا علشان تخدمينى وبس وتلبى رغباتى مش اكتر وشيلى الطلاق ده من دماغك لأنك مش هتنوليه
وانحنى ليطبع قبلة على جانب ثغرها أشمئزت هى منها ثم همس بنبرة ذات معنى وهو يمد يده ليمسح نقاط الدماء من على جانب ثغرها الآخر :
_ اخص عليا إيه القسوة دى ، حد يضرب القمر ده كده !
كانت تحدقه بنظرات مُنكسرة وأعين دامعة فدفعته بعيدًا عنها صائحة به :
_ اطلع بره ، اطلع !!!
تنهد الصعداء بأحتجاج وخرج ، أما نيرة التى كانت تستمع إلى حديثهم ركضت الى غُرفتها فوراً لتحتضن فراشها وكأنها لم تسمع شئ ، وبداخلها أعاصير تدمر كُل شئ ” أيفضل تلك الشمطاء عليها ، هل هى قبيحة إلى تلك الدرجة مقارنة بها !! ” ، أخذت تطقطق اصابعها بغيظ وهى تهمس بنبرة تحمل فى طيأتها الوعيد :
_ ماشى يا أكرم مبقاش انا نيرة أما وريتك وخليتك تلف حوالين نفسك ، أما ملاك فأنا عارفة هعمل إيه معاها كويس أوى !!!!
***
طرق الباب عدة طرقات ثُمّ دخل ليجدها نائمة فى فراشها بثبات ، تقدم نحوها وجلس على حافة الفراش بجوراها .. ثم مد يده ليمسح على شعرها برقة هامسًا بصوت هادئ :
_ أسمى .. أسمى!
فتحت عينها وتمتمت باسمة برقة عندما رأت اخيها :
_ نعم يا أُسيد
فى صوت متحشرج أجابها :
_ قومى ياحبيبتى عايز اتكلم معاكى !
تسارعت نبضات قلبها فور نطقه بهذه الكلمات وأغمضت عينها فورًا متصنعة شعورها بالنعاس الشديد وهى تجيبه بنعاس :
_ خليها بكرة يا أُسيد عليا النوم أوى دلوقتى!!
فى صوت رجولى مخيف غمغم :
_ انتى سمعتى قولت إيه صح!، قومى يلا .. اغسلى وشك كده علشان تفوقى معايا أنا وبكلمك
أعتدلت فى جلستها ببطء على مضض وهى تردف :
_ انا فايقة كده قول عايز تتكلم معايا فى إيه!
خرج صوته الخشن متسائلًا فى حدة :
_ اللى ورا اللى حصل ده معتز ولا لا ؟
فى صوت مرتبك وقلق تشدقت قائلة:
_ أُسيد انا كويسة انت ليه أاااا….
صاح بها فى صوت جهورى جعلها تنتفض جالسة :
_ انا سألت سؤال واضح يبقى تجاوبى على قد السؤال.. هو ولا لا ؟
اماءت برأسها فى نظرات زائغة فهب واقفًا وكان سيندفع للخارج ثائرًا لولا يدها التى قبضت على ذراعه وهى تهتف بتوسل :
_ أُسيد ابوس ايدك بلاش تتهور أنت الفترة دى مضغوط اساسًا وممكن تعمل أى حاجة وأنت مش حاسس وتندم عليها بعد كده، وبعدين أنت مش هتلاقي معتز حتى لو حاولت لأنى اللى اعرفه على حسب ماقالي أنه هيسافر النهردا
دفع يدها بعنف بعيدًا عنه وغادر الغرفة فقابل مراد فى وجهه الذى قابله بأستغراب من هيئته ، فوجده يطفق فى صلابة :
_ تعالى ورايا يامراد عايزك !
هز كتفيه بتعجب وهو يمط شفتيه وسار خلف اخيه فى ريبة بالغة حول امره …. !!!
***
داخل مكتب أُسيد الخاص …………
كان يسير ايابًا وذهابًا مشتعلًا بنيران السخط وهو يهتف :
_ مراد أنت كان ليك علاقة مع معتز قوية عنى ، متعرفش أى حاجة عنه !
فى صوت هادئ وبداخله القوة والغضب :
_ وهو أنا لو كنت اعرف كنت قعدت قدامك القعدة دى، ما كنت روحت وشربت من دمه!!، بس مش هيروح منى بعيد لأنى اعرف أغلب الرجالة اللى بيتعامل معاهم وقريب أوى هقولك تعالى لو عايز تصفى حسابك معاه بعد ما اصفى حسابى الأول !
ضرب بقبضة يده الفولازية على الحائط وهو يشتعل غيظاً ، فجلس الاخير على الأريكة يإرياحية ليهمس بدهشة بعد أن تفكر مليًا لبرهة من الوقت :
_ تفتكر يا أُسيد انه ليه علاقة بفرع الشركة اللى اتحرق فى لندن !
تنهد الصعداء فى تبرم متشدقًا :
_ أفتكر مفتكرش ليه!، وكله بيضاف لحسابه معايا بداية من اللى عمله مع مريم الله يرحمها ونهاية بأسمى أهى .. أنا مغلطش لما قولت عليه مش راجل!!، انه يصفى حساب الرجالة مع الحريم يبقى مش راجل، وأن شاء الله هاخد روحه لما يوقع تحت ايدى !
نهض مراد من مقعده ليربت على كتف أخيه فى خشوع قائلًا فى ضيق :
_ بكلامك ده لو لقيته وحبيت اقولك مش هقولك ،اهدى كده يا أُسيد أنت اعصابك تعبانة من ساعة موت مريم اللى يرحمها، اهدى واسترخى كده وخلينا نفكر بطريقة ناخد حقنا منه وفى نفس الوقت نخلص منه من غير ما ندخل فى سين وجيم
خرج صوته الجهورى هز أركان الغُرفة :
_ انت بتتكلم من عقلك!!، سبق وحاول يعتدى على مراتى ويخطفها ودلوقتى حاول يقتل أسمى وغير مصايبه التانية ، ده انا هتفنن فى قتله يامراد كده كده مبقيش فى حاجة أخاف عليها ، مراتى وابنى خسرتهم الحمدلله يعنى سواء اتسجنت او اتعدمت مش هتفرق
اماء برأسه فى تفهم وفى نبرة متغطرسة أجابه :
_ مش بقولك اعصابك تعبانة ومحتاج ترتاح، اطلع ارتاح يا أُسيد أنت منمتش ليك يومين ونبقى نتكلم لما تهدى
***
مع أشراق شمس يوم جديد ……………
ربت محمد على ظهر حفيده وهو يعانقه قائلًا :
_ شد حيلك ياولدى، اوعى تنحنى ولا تنكسر.. ومتنساش تقولى لو عرفت حاچة عن المحروق ده معتز !
هز رأسه بموافقة ثم اتجه وعانق مراد كذلك مودعًا اياه وتلقوا سلامهم ايضًا من عمهم بأستثناء ريان ومروان ! ، فتفوه مروان بشئ من المزاح بالصعيدي:
_ ملوش لزوم احنا عاد نسلم كلها يومين وچايين تانى !
بادله مراد مزاحه مجيبًا باللهجة الصعيدى :
_ وليه تتعب روحك خليك عندك واحنا بذات نفسنا هنچيلك !
قهقه الجميع بقوة بأستثناء أُسيد الذى كان يتابع حديثم بوجوم تام فنظر ريان الى شقيقته وهتف قائلاً بخشونة:
_ هتيجى معانا ولا لا ياسارة ؟
هزت رأسها نافية لتردف برقة :
_ لا هقعد مع أسمى كام يوم لغاية ما اطمن عليها وتبقى كويسة
خرج صوت ثروت القوى مغمغمًا :
_ خلاص سيبها ياريان خليها تقعد مع بت عمها لغاية ماتبقى زينة وتتعافى
أنضمت إليهم أسمى اخيرًا التى كانت تسير على عصاة طبية تتعكز عليها وتسير ببطء نحوهم حتى وصلت لجدها فعانقته بحرارة وكذلك عمها مودعة أياهم واكتفت بمصافحة كل من ريان ومروان الذى نظر لها بأعين دافئة تحمل فى ثنايها معانى جمة! …………
أبتعد ريان عن حشدهم بل عن مسمعهم تمامًا حيثُ لا يستطيع أحد سماعه ليجيب على الهاتف فى ترقب:
_ الو عملت ايه؟!
_ عرفت بيت الراجل اللى قولتلى عليه ياريان بيه، بس مش متأكد اذا كنت هتلاقيه فى البيت ده ولا لا
غمغم فى نبرة رجولية مستاءة:
_ اخلص هات العنوان ملكش دعوة!!
املاه العنوان فانهى معه الاتصال فورًا ونظر لهم هاتفًا على عجالة :
_ انا رايح مشوار سريع امشوا وانا هحصلكم على البلد
هتف ثروت فى حيرة من امره:
_ على وين اكده ومشوار ايه اللى ظهر فجأة ده !
لم يجيبه بل صعد بسيارته وأنطلق بها بسرعة البرق وسط نظرات الجميع المتعجبة له …. !!
***
طرقت الباب ودخلت فقد كانت جالسة على أحد المقاعد بسكون لا حياة فيها كالانسان الألى ، تحدق فى كُل شئ بعدم اهتمام وعقلها يفكر فى ألاف الاشياء ، فتقدمت نحوها وجلست على الفراش متمتمة بمكر انثوى :
_ كنتى استعنتى بصديق قبل ما تعملى كده يمكن كنتى نجحتى فى اللى عايزاه !
ثبتت ملاك نظرها عليها بقوة هاتفة بجدية :
_ قصدك ايه يعنى؟!
اعتدلت فى جلستها أكثر لتضع ساق فوق الاخرى وتطفق فى غرور جلى امتزج بلؤم زائف :
_ يعنى لو كنتى طلبتى مساعدتى مكنتش هقولك لا وكان زمانك دلوقتى هربتى من زمان!!!
رفعت حاجبها بنظرات شائكة لتهمس بترقب فى فضول :
_ انتى عايزة ايه بظبط يانيرة ؟!!
قهقهت بأنوثة طاغية وهى تهتف بأستهزاء :
_ هو أنا عارفة أنك ساذجة بس مش أوى كده ياملاك يعنى ، بصى ياستى أنا عايزة اساعدك فى أنك تهربى بس مش حبًا فيكى أكيد لا ، ده بس لأنى عايزة أحافظ على جوزى وشايفة أن وجودك عائق وزى ماتقولى عايزة اربيه شوية برضوا
أنتصبت ملاك فى جلستها لتهتف بنظرات دقيقة ومترددة :
_ وأنا إيه اللى يضمنلى أنك متقوليش لأكرم أو تأذينى؟!
فى نظرة متقدة كلها ذكاء أجابتها وهى تهب واقفة :
_ لأنى زى ماقولتلك وجودك هنا مش راجع بأى فايدة ليا وملقيتش حل أنى اخلص منك غير أنى اساعدك تهربى، أنا معايا نسخة من باب اوضتك لما يطلع اكرم بليل هفتحلك الباب وتكوني مجهزة حاجتك وكل حاجة علشان أول ما افتحلك تمشى علطول قبل ما يرجع ويحصل زى ماحصل امبارح!
كانت تتطلع إليها بحيرة من امرها، إلى ماذا تخطط ياترى تلك الخبيثة !!؟.. ولكن كُل مايهمها الآن أنها ستساعدها فى التخلص من هذا العذاب المر ، فأماءت برأسها لها فى إيجاب لتستدير نيرة وتنصرف تاركة إياها مستغرقة في التفكير العميق حول ماقالته وهل يمكنها الوثوق بها أم لا…..
***
ترجل ريان من سيارته امام إحدى المبانى الضخمة، تتكون من ما يقارب العشرة طوابق، رفع نظره لاعلى يتفحص المبنى بتدقيق ومن ثُم قاد خطواته الثابتة نحو الداخل تجاه المصعد الكهربائى الذى فوجئ بوجود فتاة به، كانت ملابسها محتشمة مناسبة لسنها .. بمجرد ما رأته ارتبكت وتراجعت للخلف لتفسح له مجال للدخول، فتراجع هو للخلف مغمغمًا بصوت رجولى هادئ :
_ اتفضلى أنا هطلع على السلم !
وفى ظرف لحظة صعد على الدرج فى عجالة ، كانت ملابسه تتميز بلمسة رجولية جذابة كُلها وقار وهيبة، ملامحه الوسيمة والمريبة فى ذات اللحظة، صوته الخشن والقوى كانت كُلها أسباب تجعل أى فتاة تفتن به ……………..
وقف امام أحد المنازل وضغط على الجرس عدة مرات ولكن دون إجابة، فوجد المصعد يتوقف وتخرج منه تلك الفتاة لتتجه لمنزلها فى الشقة المقابلة له، فأستدار لها وهتف بهدوء:
_ هو مفيش حد هنا ولا ايه؟!
توقفت وأستدارت له لتهتف بجدية تامة:
_ هو حضرتك عايز مين بظبط ؟
أنتصب فى وقفته بوقار ليجيبها فى جمود:
_ فى وحدة اسمها فردوس ومعاها بنت مش المفروض انهم ساكنين هنا
تمتمت الفتاة فى أسى:
_ لا طنط فردوس اتوفت من حوالى اربع شهور وملاك اتجوزت بس معرفش عنها حاجة للأسف من ساعة ما اتجوزت
_ متعرفيش اللى اتجوزته ده مين ، بيته فين أى حاجة؟
هزت رأسها نافية فى أسف متمتمة:
_ لا للاسف معرفش غير أن اسمه اكرم !
اخرج كارت صغير من جيبه ليناوله لها قائلًا بصلابة:
_ طاب ياريت لو عرفتى أى حاجة عنها تتصلى بيا ، اتفضلى هتلاقي رقمي هنا
تناولت من يده الكارت وحدقت به لتجده كارت خاص بالعائلة وعملهم وبالأسفل وجدت اسمه فقرأته بخفوت ” ريان ثروت محمد الصاوى ” لترمقه بدهشة هاتفة:
_ أنت ابن خالها!!!!
اماء برأسه له فى إيجاب فمدت يدها بالكارت مُجدداً تعيده له مُتشدقة فى حزم :
_ اتفضل معلش أنا مش هقدر اقولك حتى لو عرفت حاجة عن ملاك !
أصدر تنهيدة حارة ليخرج زفيرًا متهملًا وهو يجيبها بخشونة بعد أن أتضح الأمر امامه:
_ واضح أنك عارفة كل حاجة!، متقلقيش أنا مش عايز أذيها ومش بفكر فى ده من اساسه علشان كدا اتمنى أنك تقوليلى لو عرفتى حاجة!، وللعلم ملاك ذات نفسها تعرفنى كويس
وسرعان ما رحل من أمامها كالطيف وهى متصلبة تحملق فى ذلك الكارت بتوتر لتهز رأسها بنفى قاطع هاتفة :
_ مستحيل اخليهم يوصلوا لملاك إيه اللى يضملى يعملوا فيها إيه ما يمكن يقتلوها زى ما قتلوا باباها!!!!
***
أستل الليل ستائره ليبسط القمر ردائه فى السماء ينير الظلام الكاحل ، بينما فى وسط ذلك الظلام الدامس كان يجلس على أريكة هزازة فى حديقة المنزل وبيده سيجارة يستنشق الدخان وينفثه على تهمل فى جمود تام ، سارت ليلى نحوه فى خطواط شبه هادئة حتىَ توقفت امامه لتهتف فى صوت شبه غاضب :
_ ايه يا أُسيد انت من امتى بتدخن اصلًا ؟!!!
فى صوت أجشَّ غمغم بحدة :
_ ادخلى جوا يا امى من فضلك وملكيش دعوة بيا ، سبينى وحدى !
جذبت من يده السيجارة بعنف والقتها على الارض لتدعسها بقدمها صائحة بهِ :
_ اسيبك تدمر صحتك يعنى، مش كفاية اخوك اللى رميت طوبته من زمان كمان انت!، عارفة وحاسة بيك بس مش أنت وحدك اللى زعلان على مريم كلنا زيك وحد الله كده ياحبيبى أنت من ساعة اللى حصل مش بتاكل غير لقمتين وبتقعد عليهم اليوم كله وعايز تشرب سجاير كمان
أنتصب واقفًا على قدميه ليهتف بخفوت مرير ونظرات تحمل فى ثناياها الالم :
_ عمرك ما هتحسى بيا لا أنتى ولا غيرك، لان باختصار محدش عارف مدى النار اللى بتحرق فى روحى بالبطيء أنا متجوز من خمس سنين ولفينا أنا ومريم على دكاترة مصر كلها ومكفناش وسافرنا بره مصر علشان ربنا يكرمنا وبعد إنتظار خمس سنين خسرت ابنى اللى مستنيه ومراتى، الحمدلله على كل حال طبعًا بس متقوليش انك حاسة بيا يا امى
أنهى كلماتها واندفع من أمامها ليتجه نحو سيارته وسط صياحها عليه المتتالى وهو غير مبالى لها فقد استقل بااسيارة وأنطلق كالبرق، تأففت بضيق وتمتمت:
_ ليه يابنى بتعمل كده بس فى نفسك!، يارب استرها علينا يارب .. ربنا يهديك ياحبيبى !
***
نهض من الفراش ليرتدى بنطاله فقط ويترك صدره عاري، جذب قداحته من أعلى المنضدة واشعل سيجارة ثم وضعها بين اسنانه ، وخرج للشرفة ليجعل الهواء النقى بتخلل بين ثنايا صدره.. فجذبت هى الملاءة على جسدها لتسترها وتناولت ” الروب ” الخاص بها وارتدته ثم نهضت واتجهت له وهى تهمس :
_ مالك يابيبى ؟!
حدقها بنظرة أستحقار قائلًا :
_ مليش هيكون مالى يعنى!
التصقت به لتخلل اصابعها بين شعره الغزير متمتمة بدلال انثوى :
_ هو أنت مش ناوى نتجوز ولا إيه يامراد ، أنا نفسى نبقى مع بعض علطول
أزاح يدها عنه بهدوء هاتفًا بإبتسامة متغطرسة فى نظرة وضيعة:
_ نفسك تبقى معايا ولا مع فلوسى!!
رمقته فى نظرة متوترة قليلًا وفورًا هتفت بتصنع الغضب والانفعال :
_ إيه اللى بتقوله ده يامراد أنا عمرى مافكرت كده، أنت عارف كويس أوى أنى بحبك بجد !
أرتج المكان بصوت ضحكته الرجولية وهو يجيبها ساخرًا :
_ لا والله بتحبينى!! ، يااه تصدقى أول مرة اعرف الخبر ده!، بلاش نحور على بعض ياميار لأن احنا الاتنين عارفين كويس أوووى انتى عايزة إيه من ده كله، فـ انا بقترح أن خلينا نستمتع مع بعض كده أفضل وأنا هفضل عامل نفسى عبيط.. لأن الجواز ده من سابع المستحيلات !!
لينحنى ويطبع قبلة طويلة على وجنتها مغمغمًا بنبرة شيطانية:
_ ولا انتى ايه رأيك ياحلوة؟
أطالت النظر إليه بصمت فى نظرة ملتهبة تنم عن طوفان عاتى بداخلها!، بينما هو فدخل الى الداخل وأكمل أرتداء ملابسه ثُم جذب مفاتيح سيارته وهاتفه وأنصرف تاركًا اياها تشتعل من الغيظ وتتوعد له! …………………
***
كانت ملاك أنتهت من تجهيز حقيبة ملابسه للذهاب كما اتفقت معها ” نيرة ” ودقائق معدودة وفتحت لها الباب وهى تهتف باسمة:
_ يلا اطلعى أنا عملت اللى ميتعملش علشان أخد المفتاح بتاع الاوضة من اكرم من غير ما يحس
حملت حقيبتها على يدها وأقتربت منها وهى تغمغم شاكرة اياها بنبرة ممتنة:
_ شكراً يانيرة بجد مش هنسالك اللى عملتيه ده معايا !
فى خفوت تام بنبرة شبه باردة اجابتها :
_ العفو، مع أن أنا عملت كده لأن فيه مصلحة ليا طبعاً بس برضوا منكرش أنك صعبتى عليا بعد اللى عمله معاكى امبارح، يلا امشى بسرعة قبل ما يرجع
اماءت برأسها فى إيجاب وسرعان ما هرولت من امامها مغادرة المنزل ، تاركة خلفها عذابها فى ذلك المنزل اللعين الأشبه بجهنم ! ……………..
ظلت تسير فى الشوارع بدون هدف محدد ، بين سدول الظلام وعكرة الليل تلك التى لا يقال عنها سوى كائن من كائنات الله اللطيفة التى يجب حفظها داخل صندوق زجاجي حماية لها من الأذى والانكسار ولكن هيهات فلن تصبح الحياة حياة بدون ألم وأنكسار، كان الهواء بارد والجو صقيع فقد كانت ترتجف من البرد لدرجة أن اسنانها تحتك ببعضهم، تخشى الذهاب لمنزلهم فيذهب لها وهى امام بطش ذلك الحيوان لا شئ، حتىَ صديقتها فلن تستطيع حمايتها منه ولا تريد أن تعرضها للأذى، قضت شطرًا من الليل وهى تسير بدون هدف حتىَ تعبت من كثرة المشى فجلست فى أحد الامكان المعزولة عن أنظار الناس وأستندت برأسها على الحائط ، تاركة العنان لدموعها بالسقوط متذكرة امها ”
_ ملاك ياحبيبتى انا اكيد هييجى يومى عاجلًا ام اجلًا وانا حاسة أنه قرب، لو حصلى حاجة روحى لجدك وخلانك مظنش أن جدك هيكرهك أنتى كمان زى مابيكرهنى هو واخواتى
فى أعين ملتهبة اجابتها :
_ لو أخر ناس فى الدنيا يا امى مش هلجألهم فى وقت محنتى، مكنش رحيم على بنته هيبقى رحيم عليا أنا، شافك وأنتى بتتعذبى وعارف أن حالتك خطرة ولما بعتله اطلب منه مساعدة فى مصاريف علاجك شوفتى قال إيه، كفاية أنهم السبب فى موت بابا الله يرحمه.. أنتى غلطتى اهاا فى اللى عملتيه بس متوصلش للقتل ياماما.. أنا الناس دول مش عايزة منهم أى مساعدة!
لامست على شعرها بحنو متمتمة :
_ رينا يكرمك يابنتى ويحفظك يارب ”
انكبت على وجهها وجعلت تبكى بكاء مرًا ، حيث نخر الحزن قلبها بلا هوادة بسبب تلك الذكريات الأليمة مع امها وابيها الذى لم تراه فقد قتل قبل ولادتها، مر الوقت لم تشعر بنفسها وهي تغمض عيناها بأرهاق ولم تفتحهمها الا بعد ساعات عديدة فحدقت بالمكان من حولها بدهشة وخوف كيف عادت مجددًا……………..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية أشلاء القلوب) اسم الرواية