رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثالث و العشرون 23 بقلم بيسو وليد
أشارت على العلا’مة التي مازالت تتمر’كز على ذراعها دون أن تتحدث لينظر هو إليها ليرى تو’هجها مِمَّ جعله يعلم أن “شـيراز” عادت تحاول مرةٍ أخرى لأخذ صغيرته في صفوفها، ضمها إلى أحضانه ومسّد على ظهرها برفقٍ شـ ـديدٍ دون أن يتحدث فهو يعلم أنها تتأ’لم بسـ ـببها في هذه اللحظة بصمتٍ حتى لا تثيـ ـر شكو’ك الآخرين، طبع قْبّلة على وجنتها الصغيرة وقال بنبرةٍ هادئة:
«معلش يا حبيبتي، انا عارف إنها بتو’جعك»
أنهـ ـى حديثه وهو يطبع قْبّلة على يدها الصغيرة ليسمعها تقول بنبرةٍ هادئة:
«انا كلمت “إيميلي”»
نظر إليها “جـعفر” نظرةٍ ذات معنى ثم قال بنبرةٍ هادئة:
«في حاجه حصلت»
«قالتلي إن “كـين” و “ديانا” هيبدأو يهجـ ـموا على أتبا’ع “شـيراز” وواحد مِنهم أسمه “ديفيد” قتـ ـل صاحبه بدون سـ ـبب، وقالتلي كمان العلا’مة هتبدأ تو’جعني تاني عشان هي لسه مـ ـصممة تاخدني فـ صفها» نطقت بهذه العبارات بنبرةٍ هادئة وهي تنظر إلى عينيه الخضراء الصافية، زفـ ـر الآخر بهدوءٍ ثم مسّد على ذراعها بحنوٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
«هانت يا حبيبتي، كل حاجه قربت تخلـ ـص خلاص، فاضل بس حبة صغيرين ومش هتحسي بأي تعـ ـب تاني وهترجعي زَّي الأول وأحسن كمان، متخا’فيش مِن حاجه طول ما انا معاكي، أتفقنا؟»
حركت رأسها برفقٍ وهي تنظر إليه لتبتسم في وجهه بسمةٍ هادئة جميلة مثلها، أبتسم إليها في المقابل وقال:
«متخا’فيش»
«في إيه يا “يـوسف”، البنت فيها إيه؟» نطقت بها “شـاهي” التي دلفت مؤخرًا متسائلة بعد أن أستمعت إلى حديثه الأخير إلى أبنته ليلتفت هو إليها ينظر لها بتفاجؤٍ فلم يكن يتوقع دلوفها، عاد برأسه ينظر إلى صغيرته نظرة تحذ’يرية كي لا تقول شيء، تفهمت الصغيرة نظرة والدها ولذلك قامت بإخفا’ء هذه العلا’مة أسفل ملابسها قبل أن تقترب “شـاهي” مِنهما
«في إيه يا “يـوسف”، بنتك كويسه؟» نطقت بها “شـاهي” متسائلة وهي تنظر إلى الصغيرة التي كانت تلتزم الصمت، ألتفت إليها برأسه ينظر لها ليقول بنبرةٍ هادئة:
«مفيش حاجه يا ماما، “ليان” قدامك أهي زَّي الفل، هي كل الحكاية إنها كانت خا’يفة على “بيلا” مش أكتر عشان كدا بقولها متخا’فيش»
نظرت “شـاهي” بتفحصٍ إلى الصغيرة التي أبتسمت إليها بسمةٍ هادئةٍ وصافيةٍ لتشعر “شـاهي” أنها قد تسرعت كثيرًا فهي بخيرٍ أمامها الآن إذًا ما الداعي مِن الخو’ف والقلـ ـق، نهض “جـعفر” وربت على يدها برفقٍ وهو ينظر إليها مبتسمًا، خرجت برفقتهِ إليهم مرةٍ أخرى ليتركها هو ويتوجه إلى غرفته وقبل أن يخطو خطوة واحدة إلى الداخل كان يطرق على الباب أولًا بهدوءٍ خصيصًا عندما رأى والدتها وشقيقتها تلحقان بها
فتحت “بيلا” الباب لتنظر إليه بـ عينين متو’رمتين مِن كثرة بكاءها، آ’لمه قلبه عندما رأها بهذه الحالة لير’فع كفيه يُز’يل عبراتها مِن على جفنيها وصفحة وجهها بحنوٍ ليقول بنبرةٍ هادئةٍ:
«أهدي، هو دلوقتي عند اللي أحسن مِن الكل، أدعيله ربنا يرحمه ويسامحه مش أكتر مِن كدا، دا اللي محتاجه دلوقتي مِنك»
سقـ ـطت عبراتها مرةٍ أخرى دون إرادتها على صفحة وجهها وهي تنظر إليه بأ’سىٰ، ليست تملُّـ ـك القدرة في السيـ ـطرة على نفسها، ففي الأخير هو أباها، ضمها إلى أحضانه ممسّدًا على ظهرها برفقٍ وحنوٍ فهو يتفهم ما تشعر بهِ ولذلك لَم يستطع الضغـ ـط عليها أكثر مِن ذلك، بينما بكت هي بصمتٍ داخل أحضانهِ تُحاول أستعادة قو’تها المسلو’بة مِنهُ
«انا هروح أتطمن على “لـؤي”، قولت أعرَّفك الأول قبل ما أروح» نطق بها بنبرةٍ هادئةٍ لتبتـ ـعد هي عنه تنظر إليه متعجبة فهي تعلم أنه مازال في المستشفى حتى الآن، تفهم هو ما تريد قوله ليقول هو بنبرةٍ هادئةٍ:
«خرج الصبح وراح على بيته وطلب يشوفني، هروح أتطمن عليه وأجيلك تاني عشان أشوف الدنيا ماشية أزاي تحت “رمـزي” و “حـسن” لوحدهم تحت و “مُـنصف” و “سـراج” مع “لـؤي”، لو أحتاجتي حاجه عرَّفي “أسـمر” وهو هيجيبلك اللي تعوزيه قاعد تحت نادي عليه بس وقوليله اللي تحتاجيه، تمام»
حركت رأسها برفقٍ وهي تنظر إليه لـ يلثم جبينها بـ قْبّلة حنونة ثم تركها وذهب، بينما قررت هي المكوث مع عائلته في الخارج وترك والدتها وشقيقتها في الداخل، نظرت “شـاهي” إلى ولدها قائلةٍ بتساؤل:
«رايح فين يا “يـوسف”؟»
نظر إليها وأبتسم لها أبتسامةٍ خفيفة هادئة وقال:
«هروح أزور صاحبي عشان عامل عملـ ـية كبيـ ـرة»
«أجي معاك؟» نطق بها “جـاد” بنبرةٍ متسائلة ومتـ ـلهفة لينظر إليه الأخير مبتسمًا ثم أشار إليه مجيبًا عليه قائلًا:
«تعالى، شكلك مجد’عة وهحتاجك فعلًا»
علت الأبتسامة وجوههم جميعًا، بينما نهض “جـاد” بحمـ ـاسٍ شـ ـديدٍ وأقترب مِنهُ وهو يهندم ملابسه قائلًا بمزاحٍ:
«هو مِن ناحية هتحتاجني فـ هتحتاجني فعلًا انا مُهم جدًا على فكرة وفرصة لأي حدّ»
«هنشوف يا معلم، لو أحتاجتم حاجه قولوا لـ “بيلا”» نطق بالأولى ممازحًا “جـاد” ثم نطق بالأخرى بجد’ية وهو يُشير تجاه زوجته
«وليه نتعـ ـبها معانا، كفاية اللي هي فيه يا حبة عيني» نطقت بها “وجـيدة” زوجة عمه وهي تنظر إليه لتسمع الأخرى تقول بنبرةٍ هادئة ومبحو’حة:
«مفيش حاجه، أطلبوا بس اللي تحتاجوه وانا هجيبه على طول»
أبتسمت إليها “وجـيدة” ومعها “شـاهي” التي رمـ ـقت زوجة ولدها الحبيب بـ حُبٍّ لـ تُشير إليها بالأقتراب، لَبت إليها الأخرى مطلبها واقتربت مِنها تجلس بجوارها لتضمها إلى أحضانها بحنوٍ ثم نظرت إلى ولدها وقالت مبتسمة:
«روح أنتَ أتطمن على صاحبك ومتقلقش عليها، دي بقت بنتي خلاص»
أبتسم “جـعفر” وشعر بالراحة والفرحة وهو يرى حُبّ والدته لـ زوجته وحنانها الذي لا ينتهـ ـي لها، خرج وبرفقتهِ “جـاد” الذي كان متحمسًا لرؤية أصدقاء “جـعفر” ورؤية المكان المقيم بهِ
«محتاج حاجه يا بلطـ ـجي؟» نطق بها “أسـمر” الذي رآه يخـ ـرج مِن بِنْايتهِ وبرفقتهِ شا’بٌ غريبٌ على ناظريه، توقف الآخر ونظر إليه قائلًا بنبرةٍ جا’دة:
«لو أم ليان ند’هت عليك تشوفها عايزه إيه وتجيبهولها عشان لا انا ولا الشبا’ب فا’ضيين»
«عيني يا أبو الأبطا’ل تشاور بس وفـ ثانية تكون عندها» نطق بها “أسـمر” بنبرةٍ جا’دة ليتركه “جـعفر” ويُكمل سيره في طريقه إلى منزل “لـؤي” وبرفقتهِ “جـاد” الذي كان يلتزم الصمت، ولَكِنّهُ توقف عن السير حينما سَمِعَ صوت “أم حـسن” توقفه بقولها:
«واد يا “جـعفر”، تعالى خمسة»
أقترب مِنها “جـعفر” ومعه “جـاد” الذي كان يرافقهُ كـ ظـ ـله، توقف الأخير أمامها وقال بنبرةٍ هادئة:
«خير يا “أم حـسن” حصل حاجه ولا إيه»
«لا متقلـ ـقش، هي “بيلا” عامله إيه دلوقتي ينفع أطلعلها ولا عندكم ضيوف؟» نطقت بها “ثـريا” متسائلة وهي تنظر إليه ليزفـ ـر هو بعمـ ـقٍ وأجابها قائلًا:
«عادي يا “أم حـسن”، أطلعي لو حبّة مفيش حاجه»
«أمان يعني؟»
أبتسم “جـعفر” إليها وقال بنبرةٍ هادئة:
«أمان يا ستي، سيبوني بقى أروح أتطمن على الواد التعبا’ن دا»
«خلاص روح وانا هطلعلها انا قولت أسألك بس لـ يكون فيه ضيوف يعني أتحر’ج» نطقت بها “ثـريا” ببراءةٍ أستنكرها “جـعفر” بقوله:
«لا وش البراءة دا مش لايق عليكي، شيلـ ـي الوش دا وأرجعي لـ أصلك تاني يا “أم حـسن” انا واخد على الولية القا’درة»
«يا اخويا الولية القا’درة جو’ايا بس انا لقيت وا’د غريب معاك وحليوة قولت لازم حبّة أحترام» نطقت بها “ثـريا” بعد أن رمـ ـقت “جـاد” الذي أبتسم أبتسامة هادئة إليها، أبتسم “جـعفر” وأشار إليها قائلًا بسخرية:
«متعمليش كدا تاني وخلّيكي على طبيعتك أحسن، بلاش تخد’عي الناس الجديدة عـ ـيب»
«حوش، حوش، حوش، يا حبيبي ما تخلّينا ساكتين بقى ونحترم نفسنا» نطقت بها “ثـريا” مستنكرة ما قاله، نظر “جـعفر” إلى ابن عمه ثم أمسك يده وسـ ـحبه خلفه قائلًا:
«تعالى يا حبيبي ومتسمعش الكلام دا عشان انتَ ابن ناس ومتربي، إنما العالم اللي هنا مش متربية وانا واحد مِنهم»
تعا’لت ضحكات “جـاد” الذي تحرك خلفه بينما نظرت “ثـريا” إلى أثره وهي تضـ ـرب على كفيها بعدم تصديق وهي تُحدث نفسها قائلة:
«حتى الو’اد الغريب عرّفه إنه قلـ ـيل الأ’دب متر’باش، نفسي أفهمك ياض مرة»
صعد “جـعفر” بِنْايه صديقه ليتوقف بعد لحظات أمام باب منزله الذي قرع عليه عدة قرعات خفيفة، توقف “جـاد” بجوار “جـعفر” ينظر إليه قائلًا بنبرةٍ هادئةٍ ومتسائلة:
«هو صاحبك دا أسمه إيه؟»
نظر إليه “جـعفر” بطرف عينه بهدوءٍ وأجابه بنبرةٍ هادئةٍ مماثلة وقال:
«أسمه “لـؤي”»
فُتِحَ باب المنزل مِن قبل “نـورسين” التي أبتسمت إليه فور أن رأته، بينما أبتسم هو إليها وأنحنـ ـى بنصفه العلو’ي حاملًا إياها على ذراعه يلثم وجنتها بـ قْبّلة حنونة قائلًا:
«ينفع كدا متسأليش عليا كل دا، يرضيكي انا ز’علان دلوقتي»
أبتسمت إليه “نـورسين” وطبعت قْبّلة على وجنته قائلة بنبرةٍ هادئة ورقيقة:
«لا متز’علش»
نظر إليها “جـعفر” بطـ ـرف عينه قليلًا وقال معاتبًا إياها:
«لا انا ز’علان أوي أوي مِنك يا “نـور”، كدا تز’علي حبيبك كدا»
أتسعت أبتسامة “نـورسين” التي قالت بنبرةٍ رقيقة ودلال:
«حقك عليا متز’علش مِني، مقدرش على ز’علك»
أنهـ ـت حديثها وطبعت قْبّلة حنونة على وجنته أسفـ ـل نظرات “جـاد” الذي كان ينظر لها بذهولٍ، فـ طفلة كهذه كيف تتـ ـقن دور الدلال والرقة بهذا الشكل وكأنها امرأة كبيرة تُحاول إرضاء زوجها، خرجت في هذه اللحظة “فـاطمة” التي أبتسمت عندما رأته وقالت:
«إيه واقف كدا ليه ما تدخل صاحبك جوه»
نظر إليها “جـعفر” وقال:
«أستني بس صاحبي إيه دلوقتي انا ز’علان مِن مراتي أوي دلوقتي»
«مراتك؟!» نطق بها “جـاد” مستنكرًا ما سمعه منذ لحظات وهو ينظر إلى ابن عمه الذي أجابه قائلًا:
«آه، مراتي التانيه وضُـ ـرة “بيلا”، ناوية تصالحيني ولا أسيبك وأمشي؟»
«ما انا قولتلك خلاص متز’علش» نطقت بها “نـورسين” بعد’م رضا وضيَ ـقٍ وهي تنظر إليه، أشار إلى نفسه وهو يقول بصـ ـدمةٍ مصطنعة:
«أنتِ كمان بتتشنـ ـكي عليا وتزعـ ـقيلي، خلاص خلصت حاجتي مِن جارتي، خلاص يا ستي أنتِ مِن طريق وانا مِن طريق خلاص انا هطـ ـلقك يا ستي وهرجع لـ مراتي الأولى»
«لا، انا صالحتك كتير وانتَ مش راضي تتصالح» نطقت بها الصغيرة وهي تنظر إليه لينظر هو إليها بطـ ـرف عينه وقال بنبرةٍ هادئةٍ:
«طب هاتي بوسة أخيرة وانا هتصالح»
طبعت هي سريعًا قْبّلة حنونة على وجنتيه ثم نظرت إليه وقالت بنبرةٍ هادئةٍ ومتسائلة:
«أهو، حلو كدا؟»
«حلو أوي يا مراتي، عارفه لو أصّـ ـرتي معايا تاني هز’عل جا’مد أوي» نطق بها “جـعفر” محذ’رًا إياها لتعـ ـلو الإبتسامة ثغرها، أنزلها “جـعفر” ممسّدًا على خصلاتها الناعمة، نظر إليها “جـاد” وقال ممازحًا إياها:
«طب انا مش هتعبر’يني انا كمان ولا إيه أشمعنى هو؟»
نظرت إليه “نـورسين” بعد أن وقفت بجوار والدتها ثم نظرت إلى “جـعفر” الذي قال:
«دا “جـاد” صاحبي الجديد»
«أسمه حلو أوي» نطقت بها “نـورسين” بعد أن نظرت إلى “جـاد” مرةٍ أخرى والذي أبتسم بدوره وقال:
«دي حلاوتك أنتِ يا مسكَّرة»
«أومال “لـؤي” فينه؟» نطق بها “جـعفر” الذي نظر إلى “فـاطمة” التي أشارت نحو غرفة صغيريها قائلةٍ بأبتسامة:
«فـ أوضة الو’لاد»
تركها “جـعفر” وتوجه نحو الغرفة وتحرك معهُ “جـاد” بهدوءٍ، دلف إلى الغرفة بهدوءٍ قائلًا:
«كفا’رة يا شبـ ـح الحارة»
أبتسم “لـؤي” إليه فور أن رآه ليقول بنبرةٍ هادئةٍ متعبة:
«تعالى يا صاحبي، كُنْت خا’يف مشوفكش تاني»
أبتسم إليه الآخر الذي إنحنـ ـى بجذعه العلو’ي تجاهه يلثم جبينه بـ قْبّلةٍ حنونة قائلًا بنبرةٍ معا’تبة:
«وليه الكلام اللي يز’عل دا بس ما كُنا حلوين مع بعض دلوقتي»
أبتسم “لـؤي” إليه ليجلس “جـعفر” بجوار “سـراج” الذي حاوط كتفيه بـ ذراعه، نظر “جـاد” إلى “لـؤي” وقال مبتسمًا:
«سلامتك يا “لـؤي”»
نظر إليه “لـؤي” متعجبًا وقبل أن يقول شيئًا كان “جـعفر” قد سبقه بقوله:
«”جـاد”، ابن عمي»
تعا’لت معالم التفاجؤ على وجوههم أجمع وهم لا يصدقون ما قاله رفيقهم في هذه اللحظة، تعجب “جـاد” مِن ردود أفعالهم تلك ولذلك نظر إلى ابن عمه الذي تحدث مؤكدًا حديثه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«آه، انا لقيت عيلتي بعد السنين دي كلها، أُمي طلعت عايشه»
«قول أقسم بالله، يا نهار أبيـ ـض انا فرحتلك ولا فرحة ردّ حـ ـق المظا’ليم» نطق بها “سـراج” الذي تدارك الأمر وعلت الأبتسامة ثغره وهو لا يصدق ما أستمع إليه منذ قليل، أبتسم “جـعفر” الذي نظر إليه ليتفاجئ بـ “مُـنصف” الذي نهض مِن مجلسهِ جا’ذبًا إياه إلى أحضانه بسعادةٍ كبيرةٍ طا’غية، شعر “جـعفر” بالسعادة فور أن رأى سعادة أصدقائه وأحبتهِ فور علمهم بـ أنه يملُّـ ـك عائلة
«مش قا’در أصدق أقسم بالله، انا فرحانلك أوي يا صاحبي، حمدلله على السلامة يا بلطـ ـجي» نطق بها “مُـنصف” الذي كان يعانقه ويشـ ـدد مِن عناقه إليه، أبتسم “جـعفر” وربت على ظهره برفقٍ وقال مبتسمًا:
«الله يسلمك يا صاحبي، أتجبـ ـرت فـ الآخر»
«تستاهل كل حاجه حلوة أقسم بالله، تستاهل أكتر مِن كدا كمان» نطق بها “مُـنصف” مبتسمًا بعد أن أبتعد عنه ينظر إليه بوجهٍ مشرقٍ ومبتسم، تحدث “لـؤي” بعد أن نظر إليه مبتسمًا وقال بنبرةٍ هادئةٍ:
«حمدلله على السلامة يا صاحبي، قلبـ ـي كان حاسس»
أبتسم إليه “جـعفر” أبتسامةٍ مشرقةٍ وسعيدة فهو أيضًا في غاية السعادة برؤية والدته وعائلته التي كانت بعيـ ـدة كل البُعـ ـد عنه، ولَكِنّ أراد الله أن يعوضه عن عمره وحز’نه وآلا’مه التي مَر بها وجُبِرَ على المكو’ث والتعايش معها
«فرحتكم عندي بالدنيا أقسم بالله، انا مبسوط دلوقتي ومرتاح، ربنا جبـ ـر بخاطري وأُمي طلعت عايشه مش ميـ ـتة زَّي ما كُنْت فاكر، مش قادر أوصفلكم شعوري كان إيه وانا مر’مي فـ حضنها» نطق بها “جـعفر” الذي كان يتحدث طيلة الوقت بأبتسامةٍ مشرقةٍ وسعادةٍ طا’غية وكأنه عاد طفلٌ صغيرٌ مرةٍ أخرى
«وحابب أعرَّفكم بـ أول فرد فـ العيلة، “جـاد” ابن عمي» أنهـ ـى حديثه وهو يُشير تجاه “جـاد” الذي أبتسم إليهم أبتسامة هادئة لينظروا جميعهم إليه وبدأوا يُرحبون بهِ بحفاوةٍ وحبٍّ صافي، كيف لا وهو أحدّ أسـ ـباب سعادة صديقهم الحبيب الآن.
_______________________
في إحدى المنازل القد’يمة، أو دعونا نقول القصور، إنه أشبه بالقصور قد’يمة الطراز، يقبع في أحدّ الأماكن التي كانت شبه مهجو’رة، لا حياة بها، أرضٌ ميـ ـتة منذ سنواتٍ كثيرة، تسـ ـلل “كـين” وبرفقتهِ صغيرته “ديـانا” إلى محيـ ـط هذا القصر الخار’جي ينظران حولهما كـ اللصا’ن اللذان جاءا لسر’قته ليلًا والفر’ار بعد ذلك هر’بًا
دلفا مِن الباب الخلـ ـفي بخطى هادئة وأعينهما تر’صد المكان أكمله، فقد قرروا بـ أن تقوم تلك الحر’ب حتى يروا مَن سيكون الفائز في النهاية والذي سيحـ ـكم هذه الأرض لسنواتٍ كثيرة في المستقبل هو وعشير’تهِ، توقف “كـين” خلف إحدى الجدران وهو ير’مق حا’رسين مصا’صي د’ماء يحر’سان المكان، كيف لا وهذا الطريق يؤدي إلى “صـمويل”، نظرت “ديـانا” إليه بهدوءٍ ليبادلها أبتسامة أخرى أكثر خبـ ـثًا وشـ ـرًا
تقدم بخطى هادئة مِن إحداهما أسفل نظرات “ديـانا” التي كانت تقف مكانها دون أن تتحرك تتابع تحركات والدها وما سيفعله بهما، توقف خلف الحا’رس مباشرةً والذي شعر بهِ ولذلك ألتفت إليه سريعًا حتى يقضـ ـي عليه كان “كـين” قد سبقه وأدخل يـ ـده داخل صـ ـدره ممسكًا بـ فؤ’اد الآخر الذي أستكا’ن فجأ’ة وهو ينظر إليه بتخبـ ـطٍ وحذ’ر، ألتفت الآخر سريعًا وهو ير’فع وتـ ـده عا’ليًا ولَكِنّ كان “كـين” أسر’ع حينما أخر’ج فؤا’ده مِن محجـ ـرهِ دون هو’ادة ليسـ ـقط جثـ ـة هامـ ـدة
شعر الأخر بالصـ ـدمة لينظر إلى “كـين” الذي أبتسم إليه بسمةٍ بريئةٍ زائفةٍ وقال:
«ماذا عساي أن أفعل، طلب المو’ت وجئتُ لهُ بهِ في الحال، وأنت، ألا تُريد المو’ت مع صديقك الآن؟»
حرك الأخير رأسه نافيًا حديث “كـين” الذي أبتسم وقال بنبرةٍ با’ردة:
«وكأنني أأخذ الإ’ذن مِنكَ أيها الأحمـ ـق»
أنهـ ـى حديثه وهو يُخر’ج فؤ’اد الآخر مِن مكانه ليسـ ـقط الأخير جثـ ـة ها’مدة بجانب صديقه، ألقـ ـىٰ “كـين” بـ فؤا’ده أرضًا بجوار جسـ ـده وهو يقول بنبرةٍ باردة:
«هذا يكون عقا’ب مَن يُغضـ ـب العم “كـين” يا أو’غاد»
ألتفت إلى صغيرته التي كانت تقف خلفه تنظر إليه مبتسمة، أبتسم إليها ثم أقترب مِنها قائلًا متسائلًا:
«كُنْتُ رائعًا أليس كذلك صغيرتي؟»
حركت “ديـانا” رأسها برفقٍ وهي تنظر إليه مبتسمة، تلك الصغيرة التي تكبُر كل يومٍ بشكلٍ ملحوظ، كانت قصيرة القامة منذ مدة ليست بطو’يلة أما الآن فهي تصل إلى مرفقهِ، وقد تغيَّرت معالم وجهها الصغير وأصبحت أكثر جمالًا وجاذ’بية، فهكذا يكونوا مصا’صي الد’ماء الخا’لدين، يكبرون بسرعةٍ فا’ئقة عكس البشري الذي يستغـ ـرق سنوات وسنوات
صعدا كلاهما إلى الأعلى بسر’عتهما الفا’ئقة حتى أصبحا أمام غرفة هذا المدعو “صـمويل”، نظرت “ديـانا” إلى أباها الذي كان ينظر إلى باب الغرفة، ثم وعلى حين غرّ’ة ر’كل الباب بعـ ـنفٍ كـ ـسره في الحال ومِن ثم دلف بكل بر’ود وهو ينظر إليه وكأنه لَم يفعل شيءٍ منذ قليل، بينما هب الآخر مِن مجلسه واقفًا وهو ينظر إليه بغضـ ـبٍ جا’م بواسطة عينيه التي كانت ذات لو’ن أحمـ ـر قا’تم وبشرتهِ الشا’حبة وخصلاته الطو’يلة الناعمة التي كان يكـ ـسو بعضها اللو’ن الأبيـ ـض
توقف “كـين” أمامه وهو يعقـ ـد ذراعيه أمام صدره ينظر إليه بهدوءٍ وسخـ ـرية حينما قال:
«أتعلم “صـمويل”، حتى وإن وضعت نمـ ـرًا في الأسفل لحر’استك لن يستطيع حما’يتكَ مِني، أنسـ ـيت مَن أكون أم ماذا يا رجُل؟»
«وكيف لي أن أنسا’ك يا “كـين”، أنت أول مَن كـ ـسر قاعدة قو’انين مصا’صي الد’ماء، حينما جـ ـلبت تلك البشرية إلى هُنا، وأنت الذي يدا’فع عنها حتى الآن، تظن هكذا أنكَ تقوم بحما’يتها مِني، إذًا دعني أُخبركَ أنكَ مخـ ـطئ عزيزي، وبالمناسبة، هذه الفتـ ـاة ستكون معنا عمَّ قريب، هذه الحـ ـرب يجب أن تنتـ ـهي الآن بفوزنا نحنُ»
أنهـ ـى “صـمويل” حديثه بنبرةٍ أشبه بـ فحـ ـيح الأفـ ـعى وهو ينظر إلى “كـين” بنظراتٍ أشبه بنصـ ـل سكـ ـينٍ حا’د يسكن داخل صـ ـدر عد’وه، أبتسم إليه “كـين” وأجابه بنبرةٍ تحمل الخـ ـبث والو’عيد في طا’ياتها قائلًا:
«وانا أنتظر رؤية فوزكم الو’همي ذاك أيها الو’غد الحـ ـقير»
أنهـ ـى حديثه وهجـ ـم عليه دون تر’دد ليتفاد’اه الآخر الذي ألتفت ينظر إليه نظراته البا’ردة والحا’دة في نفس الوقت، ألتفت إليه “كـين” ينظر إليه بنظراتٍ حا’دة ثم ها’جمه مرةٍ أخرى وقد أصا’ب هدفه هذه المرة ليسـ ـقط “صـمويل” أرضًا وأ’عتلاه “كـين” الذي كان غـ ـضبه هو المسـ ـيطر عليه في هذه اللحظة وأنتقا’مه المتفا’قم يد’فعه لتلبية ما جاء لأجله
وبدون تر’دد كانت يـ ـده تستقر داخل صـ ـدر الآخر الذي صُـ ـدم بشـ ـدة لتتقابل نظرات الخـ ـبث الخاصة بـ “كـين” مع نظراته المصـ ـدومة، أصبح “كـين” في هذه اللحظة هو المُسـ ـيطر على “صـمويل” فـ هو الآن ممسكًا بـ فؤ’اده محكـ ـمًا القبـ ـض عليه وهو يبتسم بتلا’عبٍ إلى “صـمويل”، هذه كانت لحظته المنتظرة منذ عدة سنواتٍ طو’يلة والآن ها قد جاءت إليه على طبق مِن ذهب
«هذا هو مَصيرك، وهكذا سيكون مَصير تلك الشمـ ـطاء عمَّ قريبٍ» نطق بها “كـين” بنبرةٍ با’ردةٍ لـ الغاية ثم وعلى حين غرّ’ة كان يقتـ ـلع فؤ’اد الآخر بيده بكل عنـ ـفٍ وقسو’ة، قُتِـ ـلَ “صـمويل” في الأخير غد’رًا على يد “كـين” هذا الملـ ـقب بالسفا’ح، لا يتفا’هم ولا يستمع ولا يشـ ـفق على أحدٍّ، ما جاء لأجله أخذه بالفعل دون هو’ادة
ألقـ ـىٰ بـ فؤ’اده بعيدًا وأستقام في وقفتهِ ينظر إليه بهدوءٍ غير معهودٍ، أقتربت مِنهُ صغيرته تقف بجواره مبتسمة، فقد كانت تظن أن الأمر سيطـ ـول بينهم، ولَكِنّ كعادته كين أستطاع إنها’ء الأمر دون ضو’ضاءٍ وفي صمـ ـتٍ تا’م، رمـ ـقها بطـ ـرف عينه ليرى الأبتسامة تزين ثغرها ونظرة الفخر نا’بعة مِن حمـ ـراوتيها
«كان أحمـ ـقًا وو’غدًا، اللـ ـعنة عليه وعلى أمثاله، في إنتظار رؤية شيراز قريبًا مثله» نطق بها “كـين” وهو ير’مق جثـ ـة “صـمويل” التي تفـ ـتت سريعًا وتطا’يرت في الهواء ليصبح كـ كـ ـتلة الر’ماد بعد أن تلتـ ـهمها النيـ ـران، ها هي قد بدأت الحر’ب عليهم، فليتـ ـحملوا غضب مصا’صي الد’ماء وشـ ـرهم حينما يستيقظ.
______________________
«”الأيام والشهور تَمُرُ كـ سرعة الر’ياح، وانا مازلتُ عا’لقًا في ليلة أمس”»
دلف “جـعفر” إلى منزلهِ بعد مرور يومٌ شا’قٌ عليه في البحث عن عملٍ كعادتهِ، رأى صغيرته تجلس بجوار والدته وتضحك والأخرى تقوم بالهمس إليها ودغـ ـدغتها، أبتسم وشعر بالراحةِ فور أن رأى والدته بعد أن مر شهران على لقاءهما وكأنه مازال لا يصدقُ أنها معه، ر’فعت بصرها نحوه وهتفت مبتسمة:
«حمدلله على سلامتك يا “نن العين”»
أبتسم هو واقترب مِنها ليجاورها في جلستها واضعًا رأسه على موضع قـ ـلبها ليستمع إلى نبضا’ته الهادئة والمنتـ ـظمة، وضعت كفها الد’افئ على رأسه تمسّد على خصلاته الشقـ ـراء قائلةٍ:
«إيه يا حبيبي مالك جاي تـ ـعبان ومـ ـرهق كدا ليه، أنتَ كويس»
«مفيش يا حبيبتي، الجَو بس حـ ـر شويه والشمس حا’مية» نطق بها “جـعفر” بنبرةٍ هادئة ثم أمسك بـ كفها الآخر الذي كان موضوعًا على كتفه تمسّد عليه بحنوٍ تز’يل عنه ثقـ ـل الأيام وشقاؤ’ها، لثم كفها بـ قْبّلة حنونة ود’ثر نفسه داخل أحضانها الدا’فئة ينعم بد’فئها وحنانها الذي حُرِ’مَ مِنهُ دون سا’بق إنذ’ار
«”بيلا” لسه مـ ـرجعتش؟» نطق بها “جـعفر” متسائلًا ليسمع والدته تُجيبه قائلةٍ:
«لسه، قالتلي هتروح تشوف مامتها محتاجه حاجه ولا لا وتطمن عليها، قولتلها روحي ومتخا’فيش على البنـ ـات ولو “يـوسف” كلمني هقوله، معرفتش تقولك متز’علش مِنها»
«مبعرفش أز’عل مِنها يا أُمي، انا حاسس بيها ومقدّ’ر مشا’عرها انا كُنْت مكانها فـ يوم مِن الأيام ود’ايق المُـ ـر والعذ’اب، شـ ـربت مِن قسو’ة الدنيا لحد ما قولت يا بس، وجَت هي هَو’نت عليا كل حاجه وفضلت جنبي، دي “حبيبة قلبي”» نطق بهذه العبارات بصدقٍ تا’م وحُبٍّ نابع مِن قلبه إلى تلك التي أسـ ـكنته عشـ ـقًا
«عيشت وشوفت رومانسيتك وحُبّك لـ مراتك يا “يـوسف”» نطقت بها “شـاهي” تمازح ولدها الذي أبتسم وقال بنبرةٍ هادئة:
«أنتِ لسه مشوفتيش حاجه يا “أمّ يـوسف”، لسه متعرفيش أبنك»
«مسيري هعرفه يا حبيبي، الأيام جايه كتير» أنهـ ـت حديثها وهي تمسّد على خصلات ولدها وحبيبها وفلذة كبـ ـدها بحنوٍ شـ ـديدٍ، لحظات وتعا’لى صوت بكاء صغيرته الشقـ ـية “لين” التي يبدو أنها أستيقظت توًا مِن نومتها وأحلامها الوردية، أبتعـ ـد “جـعفر” عن والدته وأتجه إلى غرفة صغيرته ليرى “ليان” تقوم بعمل واجب روضتها والأخرى تلتزم فراشها وتبكي
توجه إلى صغيرته الشقية ليحملها على ذراعه يربت على ظهرها بحنوٍ وهو يهـ ـدهدها، رفعت “ليان” رأسها تنظر إلى والدها الذي كان يهـ ـدهد شقيقتها وأبتسمت إليه، أبتسم إليها “جـعفر” وقال بنبرةٍ هادئةٍ:
«كملي مذاكرة أنتِ ولو أحتاجتي حاجه قولي لـ تيتا، أتفقنا»
حركت رأسها برفقٍ ثم عادت تنظر إلى كراستها تدون بعض الأحرف العربية بها، خرج هو إلى والدته مرةٍ أخرى وهو يربت على ظهر الصغيرة بحنوٍ حتى تهـ ـدأ وتكف عن البكاء، جلس يجاور والدته مرةٍ أخرى ينظر إلى معالم وجه صغيرته التي كانت تبكي ليقول بنبرةٍ هادئةٍ:
«مالك طيب يا حبيبة قلبي بتعيطي كدا ليه»
«تلاقيها جعانة يا “يـوسف”، أعملها رضعـ ـتها طيب؟» نطقت بها “شـاهي” تقترح عليه لينظر هو إليها بهدوءٍ وأجابها قائلًا:
«بتـ ـرضع طبيـ ـعي»
أشتـ ـد بكاء الصغيرة لينظر إلى والدته مرةٍ أخرى قائلًا:
«بقولك إيه يا ماما، خلّي “لين” معاكي حاولي تهـ ـديها لحد ما أروح أجيب “بيلا” وارجع»
أخذت “شـاهي” الصغيرة بالفعل وهي تمسّد على صـ ـدرها بحنوٍ قائلة بنبرةٍ هادئةٍ:
«روح وسيبها انا ههـ ـديها لحد ما ترجع»
ألقـ ـىٰ “جـعفر” نظرة أخيرة على صغيرتهِ قبل أن يترك المنزل ويذهب، نظرت “شـاهي” إلى حفيدتها الصغيرة التي كانت ما تزال تبكي لتحدثها بنبرةٍ حنونة وهي تهـ ـدهدها قائلة:
«مالك بس يا جميلة مين زعلك، ماما وحـ ـشة طبعًا عشان سايبة العصفورة الصغنونة جعانه كدا»
أنهـ ـت حديثها ولثمت وجنتها الصغيرة بـ قْبّلةٍ حنونة وهي تحاول تهـ ـدأتها حتى يعود ولدها وبرفقتهِ زوجته التي ذهبت للأطمئنان على والدتها وشقيقتها التي أصبحت تجاورها منذ أنفصا’لها عن زوجها
توقف على باب منزلها يقرع على الباب عدة قرعات خفيفة منتظرًا مَن في الداخل أن يفتـ ـح لهُ الباب، لحظات ورأى الباب يُفتـ ـح وتطل زوجته التي نظرت إليه بتعجبٍ مِن مجيئه دون أن يخبرها
«”لين” عمالة تعيط ومش ساكتة شكلها جعانة فـ لو خلّـ ـصتي يلَّا» نطق بها بنبرةٍ هادئةٍ بعدما قرأ ما يد’ور داخل رأسها مِن خلال نظرة عينيها، حركت رأسها برفقٍ وقالت بنبرةٍ هادئةٍ:
«آه خلّصت، أستنى هلـ ـف الطرحة وجيالك»
حرك رأسه برفقٍ ووقف ينتظرها على أعتـ ـاب باب منزل والدتها ينظر إلى طيفها، آ’لمه قلبه حينما رأى نظرة الحز’ن في عينيها، ستون يومًا ولَم يتم تضـ ـميم الجر’ح بعد، ستون يومًا تبكـ ـي وتنتـ ـحب وتتأ’لم وما عليه هو سوىٰ مواساتها وتهـ ـدأتها قدر المستطاع، رآها تعود إليه بعد أن أخبرت والدتها أنها ستعود إلى منزلها مِن أجل صغيرتها، وها هي تُغـ ـلق الباب خلفها وهي مازالت تقوم بوضع الحجاب على رأسها بشكلٍ صحيح
مَـ ـد هو يديه ممسكًا بهِ ليضعه بشكلٍ صحيحٍ على رأسها يقوم بإخفا’ء خصلاتها التي كانت ظا’هرةٍ مِن الأمام ثم قام بـ لفـ ـه بإحـ ـكامٍ حتى لا ينتـ ـزع مرةٍ أخرى، وحينما أنتهـ ـى نظر إليها بتفحصٍ ليرى هالاتها السو’د’اء تغـ ـطي أسفـ ـل عينيها التي كانت ذا’بلة وقد فقـ ـدت وزنها بشكلٍ ملحوظ، أصبحت حز’ينة ومنطـ ـفئة، لَم تعُد هذه هي “بيلا” زوجته اللطيفة والجميلة التي تبتسم فور ظهوره، لَم تعُد تلك المشا’كسة والمرحة التي كانت تضحك دومًا، أفـ ـتقدها كثيرًا، لا يعلم لِمَ تقوم الحياة بمعا’ندته دومًا، ولَكِنّ في الأخير أقتنع أنها مشيئة المولى، ر’فع كفيه وحاوط وجهها متأملًا إياها بنظراته الهادئة والحز’ينة
ر’فعت بصرها تنظر إليه بعد أن ألتمعت العبرات داخل ملقتيها لـ يلثم هو جبينها بـ قْبّلة حنونة ثم ضمها إلى د’فء أحضانه برفقٍ ممسّدًا على ظهرها بهدوءٍ، لا يستطيع فعل أكثر مِن ذلك ولَكِنّهُ يتمنىٰ أن يكون لـ عناقه دورًا في مداواتها ولو قليلًا
بينما كانت “شـاهي” تجلس وهي تهـ ـدهد الصغيرة وتل’اعبها بعدما هـ ـدأت أخيرًا ولو لبعض الوقت حتى صدح رنين جرس المنزل يعلن سكانه عن وصول زائرٍ، نهضت هي بعد أن حملت الصغيرة على ذراعها ثم توقفت أمام غرفة حفيدتها الأخرى التي كانت تستعد لـ النهوض وفتـ ـح الباب لتمنـ ـعها هي حينما قالت بنبرةٍ هادئةٍ:
«خلّيكِ أنتِ يا “لولو” انا هفـ ـتح كملّي مذاكرة»
عادت الصغيرة تجلس كما كانت بينما توجهت الأخرى إلى باب المنزل وفتحته لترى “بـشير” أمامها يقول بنبرةٍ هادئةٍ:
«مساء الخير»
ركضت “ليان” إليهِ تر’تمي بأحضانهِ بعد أن نطقت أسمه بسعادةٍ كبيرة، أبتسم إليها “بـشير” الذي جلس القرفصاء ليصبح في مواجهتها، ليقول بنبرةٍ هادئةٍ بعد أن نظر إليها:
«وحشتيني أوي»
«وأنتَ كمان يا خالو مشيت وسبـ ـتني ليه» نطقت بها “ليان” بنبرةٍ معا’تبةٍ وهي تنظر إليه ليرتب هو خصلاتها الناعمة الطويلة بأنامله قائلًا بنبرةٍ هادئةٍ:
«حـ ـقك عليا يا حبيبتي، كان لازم أمشي عشان كان عندي شغـ ـل كتير أوي وكان لازم أسافر، بس خلاص انا خلّـ ـصت كل حاجه وجيتلك تاني أهو»
يكذ’ب بالفعل، هذا ليس صحيحًا بل قرر الأبتعا’د بعد وفا’ة والده فلم يستطع المكو’ث كثيرًا في هذه الأجواء المتو’ترة ولذلك أخذ أغراضه ومع بزوغ الشمس كان راحلًا إلى أرضٍ لا تعرفه ولا يعرفها ها’ربًا مِن كل شيءٍ حوله، لثم وجنتها بـ قْبّلة حنونة ثم أستقام في وقتهِ ينظر إلى “شـاهي” التي كانت تنظر إليه طيلة الوقت لتقول بنبرةٍ هادئةٍ ومتسائلةٍ:
«أنتَ أخو “بيلا”؟»
حرك رأسه برفقٍ إليها بعد أن نظر لها لتُعيد سؤالًا آخر إليه قائلةٍ:
«ابن “هناء”؟»
حرك رأسه ينفـ ـي ما قالته توًا مجيبًا عليها موضحًا لها صلة قرابته بها قائلًا:
«انا أخو “بيلا” مِن الأب»
تفهمت هي الأمر ولذلك أشارت إليه قائلةٍ:
«تعالى متفضلش واقف كدا دا بيتك برضوا»
دلف “بـشير” بالفعل بعد أن جـ ـذب حقيبتهِ الخاصة بالسفر خلفه مغلـ ـقًا الباب خلفه، دلف إلى الداخل وبجواره “ليان” التي كانت تمسك بـ كفه الد’افئ را’فضةٍ تركه والأبتسامة لا تفا’رق شفتيها منذ أن رأته، جلس على المقعد ليراها تجلس بـ أحضانه ليبتسم برفقٍ ويلثم وجنتها مرةٍ أخرى بـ قْبّلةٍ حنونة ففي الآونة الأخيرة أصبحت تتعـ ـلق بهِ بشكلٍ غير عادي وأصبحت ترفـ ـض الأبتعـ ـاد عنه
نظر إليها وقال بنبرةٍ هادئةٍ بعد أن رتـ ـب خصلاتها الناعمة مرةٍ أخرى:
«إحنا مالنا أحلوينا كدا ليه، ها، قوليلي إيه الحلاوة دي كلها أفرضي جالك عريس بقى انا أعمل إيه»
مازحها كعادته لتبتسم هي وتتجاوب معه سريعًا، كانت “شـاهي” تتابع تجاوب حفيدتها مع “بـشير” الذي كان وكأنه يهـ ـرُب مِن مأ’ساته إليها هي، تلك الصغيرة التي تز’يل أعبا’ء الحياة عن أكتافهم كـ كو’مة تراب تز’يحها بمنتهى السهولة عن أشياءها الثمـ ـينة حتى لا تبهـ ـت معالمها
دلف “جـعفر” في هذه اللحظة إلى منزله وخلفه “بيلا” التي رأت حقيبته التي كانت تستقر بجوار الباب أولًا لتعلم أنه قد عاد مرةٍ أخرى، تقدمت مِنهُ بخطى سريعة تتأكد أنه بالفعل أمامها لتتوقف أمامه تنظر إليه دون أن تتحدث، بينما ر’فع هو رأسه وفور أن رأها أبتسم إليها بسمةٍ مغلفة بالحز’ن والو’جع
ترك الصغيرة ونهض مستقيمًا في وقفته أمامها ليراها تر’تمي داخل أحضانه دون سا’بق إنذ’ار وكأنها تتأكد أنه عاد بالفعل وليست مجرد خيا’لات أو أو’هامٌ شكلّها إليها عقلها البا’طن، ضمها “بـشير” إلى د’فء أحضانه ممسّدًا على ظهرها بحنوٍ دون أن يتحدث، تقدم “جـعفر” مِنهما ينظر إلى “بـشير” الذي نظر إليه بـ عينان تلتـ ـمع بداخلهما العبرات، أبتسم إليه الآخر وربت على ذراعه برفقٍ مُرحبًا بعودتهِ مرةٍ أخرى إليهم
لاحت شبه أبتسامة على ثغر “بـشير” الذي كان ينظر إليه ثم نظر إلى شقيقتهِ التي كانت تضمه وتضع رأسها على صدره وعبراتها تتسا’قط بأ’لمٍ على صفحة وجهها، مسّد على ظهرها برفقٍ وطبع قْبّلة أعلى رأسها ثم تحدث بنبرةٍ هادئةٍ بعد أن حاول أن يجعل نبرة صوته عادية رغم حز’نها قائلًا:
«وحشتيني أقسم بالله، وحشتيني مَكُنْتش أعرف أني هتو’جع أوي فـ بُـ ـعدي عنكم»
شـ ـددت مِن عناقها إليه وقالت بنبرةٍ با’كية دون أن تتحرك مِن موضعها أو تنظر إليه:
«انا أتو’جعت أكتر مِنك، واللي و’جعني إن و’جعي كان مِنك أنتَ»
سقـ ـطت عبراته بعد أن فشـ ـل في السيـ ـطرة عليها، أبتـ ـلع “جـعفر” غصته بهدوءٍ وقال بنبرةٍ هادئةٍ وهو ينظر إليها:
«خلاص بقى يا “بيلا”، المهم إنه رجـ ـع أهو وزَّي الفُل مفيهوش حاجه، هو تلاقيه كان عايز يبـ ـعد شويه عشان يرتاح ولمَ خد راحته رجـ ـع تاني»
نظر إليه “بـشير” وأبتسم بسمةٍ هادئةٍ صافية وقال بنبرةٍ با’كية:
«صاحبي الأ’صيل»
أبتسم إليه “جـعفر” وربت على ذراعه برفقٍ مؤازرًا إياه ثم قال بنبرةٍ هادئةٍ:
«طول عُمري ياض، أهدى بقى وكفاية عياط هتعيطوني معاكم في إيه»
أبعد “بـشير” شقيقته عنه ينظر إلى معالم وجهها وتأ’وه متأ’لمًا حينما رأى وجهها الذا’بل وعينيها التي يكسو’ها الحُمـ ـرة والسو’اد الحا’لك أسفـ ـلها، أزا’ل عبراتها بأبهاميه بحنوٍ وقال:
«فُـ ـكِ كدا، عايزك فـ حوار مش قا’در أكـ ـتمه أكتر مِن كدا بصراحة»
«وانا عايز أعرف» نطق بها “جـعفر” بنبرةٍ با’ردة وهو ينظر إليه ليبتسم الآخر وينظر إليه مجددًا وقال:
«سو’اء قولت قدامك قولت مِن وراك أنتَ كدا عارف وكدا عارف متصـ ـيعش عليا انا فاهمك كويس وعارف الحوار كله هيوصلك»
«طب ما تعرفني دايركت بدل ما نـ ـلف حوالين بعض» نطق بها “جـعفر” مبتسمًا وممازحًا إياه في نفس الوقت، ليبتسم إليه الآخر ويخـ ـضع إليه في النهاية قائلًا:
«يا سيدي يلا، أمري لله يكش تنفـ ـعني في الآخر بكلمة»
بعد مرور القليل مِن الوقت
كانت “بيلا” تجلس أمامه في الشرفة على المقعد و “بـشير” أمامها ينتظر مجيء “جـعفر” الذي أستغـ ـرق بضع دقائق واقترب مِنهما يحمل صينية متوسطة الحجم يعتليها ثلاثة أكواب مِن العصير الطازج، وضع الصينية على سطح الطاولة ثم جاور “بيلا” في جلستها
«أحكي بقى يا معلم اللي عايز تحكيه ومش قا’در تكـ ـتمه جواك» نطق بها “جـعفر” الذي نظر إليه بعد أن أنهـ ـى حديثه، نظر إليهما “بـشير” قليلًا ثم أز’درد لعابه بهدوءٍ وقال:
«انا قابلت “بـسنت”»
تفا’جئت “بيلا” التي ظهرت الدهشة على معالم وجهه بشكلٍ واضحٍ بينما أعتـ ـلت معالم التعجب على وجه “جـعفر” الذي قال مستفسرًا:
«مش دي البـ ـت اللي عملت معاك مشـ ـكلة في الشغـ ـل القـ ـديم وكانت سـ ـبب إنك تسـ ـيبه؟»
حرك الآخر رأسه برفقٍ يؤكد صحة حديثه، تعجب الأخير ونظر إلى زوجته التي قالت بأهتمامٍ واضحٍ بعد أن أستطاع “بـشير” جذ’ب أنتباهها:
«طب وبعدين إيه اللي حصل وأتقابلتوا فين وقالتلك إيه»
أخذ “بـشير” نفسًا عميـ ـقًا ثم زفـ ـره وهو يعو’د بذاكرته إلى الخلف متذكرًا مقابلته مع “بـسنت” التي كانت لا تتو’قع أن تراه مرةٍ أخرى بعد فصـ ـله مِن العمل على يدها
[عودة إلى شهرين مضوا]
كان “بـشير” يسير بـ سيارته السو’د’اء ذات الماركة الشهيرة “Jeep” بعد أن تكا’لبت عليه المو’اجع وأصوات الصر’خات المكتو’مة داخله، قرر الخرو’ج والسير قليلًا بالسيارة علّه يهـ ـدء قليلًا مِمَّ هو عليه، كان يسير حتى رأى سيارة تصف على جانب الطريق، توقف بسيارتهِ بالقرب مِنها وهو ينظر إلى مالكها ليراها فتـ ـاة، قرر ترك سيارته والتقرب لرؤية ما يعيـ ـقها خصيصًا أن هذا الطريق لا يتوقف بهِ أحدٍّ لأجل الآخر
أقترب مِنها بخطى هادئةٍ وهو ينظر إليها ليراها تر’كل إطار السيارة بغضـ ـبٍ وهي تلـ ـعن حظها، توقف بالقرب مِنها وأردف بنبرةٍ هادئةٍ ومهذبة إليها:
«مساء الخير، محتاجة أي مسا’عدة؟»
ألتفتت هي إليه وقبل أن تتحدث نظرت إليهِ بذهولٍ قائلة:
«”بـشير؟!”»
تفا’جئ “بـشير” حينما رأها ليقول بصـ ـدمةٍ واضحة:
«”بـسنت”، أنتِ»
شعرت الأخرىٰ بالإحـ ـراج خصيصًا عندما تذكرت آخر مقابلة بينهما لتخـ ـفض رأسها أرضًا دون أن تنطق حرفًا واحدًا، بينما الأخر كان لا يصدق أن تَمُرَ الأيام وتجمعهما صدفةٌ كتلك دون هو’ادة، أبتـ ـلع غصتهِ وحاول التغا’ضي عن الأمر وبالتالي لن يستطيع تركها ويذهب سيكون وقـ ـحًا إن فعل ذلك بمجرد تذكره أنها مَن تسـ ـببت في فصـ ـله مِن العمل، ولذلك قرر أن يساعدها، تخطا’ها وأقترب مِن إطار سيارتها يتفحصه أسـ ـفل نظراتها التي تابعته دون أن تتحدث
نهض مرةٍ أخرى بعد أن تفحص إطار السيارة الأمامي ليتحدث بنبرةٍ هادئةٍ بعد أن إستقام في وقفته قائلًا:
«العجـ ـلة نامت»
زفـ ـرت هي بحـ ـنقٍ ثم مسـ ـحت على خصلاتها اللولبية الكثـ ـيفة إلى الخلف وهي تلـ ـعن حظها السـ ـيء دومًا، أز’درد هو لعابه وقال مقترحًا عليها دون أن ينظر إليها منذ أن وجدها أمامه:
«انا ممكن أعملهالك، زَّي ما أنتِ شايفه الطريق سر’يع ومحدش بيقف لحد هنا، انا معايا الأستبـ ـن وكل حاجه فـ العربية»
نظرت إليه وكأنه النجا’ة إليها، لَم تجد شيئًا لتقوله سوىٰ تحريك رأسها برفقٍ توافق على مساعدته إليها، ولذلك تحرك هو إلى سيارته كي يجلب أغراضه مِن حقيبتها بينما عـ ـضت هي على شفتها السُـ ـفلىٰ بعد أن شعرت بالحـ ـرج الشـ ـديد تجاهه وتذكرت ماذا فعلت بهِ وماذا يفعل هو الآن لها وكم تمنَت أن تنـ ـشق الأرض في هذه اللحظة وتبـ ـتلعها
عاد إليها مرةٍ أخرىٰ بعد أن قرر تجـ ـنبها تمامًا طوال فترة عمله، جلس القرفصاء أمام إطار سيارتها وبدأ بـ فـ ـكه بمعد’اته أسفـ ـل نظراتها التي كانت تتابعه بهدوءٍ طوال فترة عمله، تُفكر لِمَ فعلت ذلك بهِ، إنه شخصٌ لطيفٌ ومهذب لا يستحق شيئًا كهذا مِنها، ماذا فعل إليها حتى يكون هذا ردّها إليه
ولَكِنّ فيما يفيد الند’م بعد أن فا’ت الأ’وان فكما نقول في اللغة الدراجية “في العجلة الند’امة” وهذه المقولة تنطـ ـبق عليها قولًا وفـ ـعلًا، أستغـ ـرق الأمر مِنهُ ساعة كاملة، كان طوال هذه الساعة يتجـ ـنبها تمامًا حتى عندما عرضت عليه زجاجة مياه غازية شكرها دون أن ينظر إليها وأكمل عمله
أنهـ ـى أخيرًا عمله وهو يُعيد تر’كيب الإطار مرةٍ أخرى كما كان وهو يتأكد أنه بخير حتى لا يتسـ ـبب لها في حا’دثٍ يتحـ ـمل هو ذ’نبه طوال حياته، وبعد أن أنتـ ـهى وأطمئن على صحة الإ’طار أستقا’م في وقفتهِ وهو يضـ ـرب على كفيه يز’يل الأتر’بة عنهما وعن ملابسه السو’د’اء، أعتدلت هي في وقفتها بعد أن كانت تستند بظهرها على سيارتها بجواره تتابعه بعقـ ـلٍ شا’ردٍ
«انا خلـ ـصت والكا’وتش زَّي الفُل صا’غ سليم وانا أكد’ت عليه بنفسي عشان ميحـ ـصلش حاجه على الطريق لقدر الله، حاجه تاني؟» أنهـ ـى “بـشير” حديثه وهو ينظر أرضًا لتشعر هي بالحـ ـرج الشـ ـديد تجاهه وتقرر تصـ ـليح الأمور بينهما بعد أن شعرت تجاهه بالذ’نب الشـ ـديد وبفعلته تلك جعلها تخـ ـجل مِمَّ أكتـ ـرثته في حـ ـقه
«شكرًا جدًا ليك يا “بـشير”، حقيقي أنتَ “غـوث” وربنا بعتهولي، حقيقي انا مش عارفه أشكرك أزاي» نطقت بها بنبرةٍ هادئةٍ وممتنة لِمَ فعله معها وقد تفا’قم خجـ ـلها حينما قال:
«انا معملتش حاجه يا آنسة “بـسنت”، وبعدين زَّي ما أنتِ قولتي، انا “غـوث” وربنا بعته فـ طريقك، يا عالم إيه اللي كان ممكن يحصل، على العموم حصل خير العجـ ـلة سليـ ـمة أهي وتمام، عن أذنك»
تحرك “بـشير” يتخطا’ها بعد أن أخذ أغراضه وقبل أن يتحرك خطوة أخرى أوقفته “بـسنت” حينما قالت فجأ’ة:
«”بـشير”»
توقف ذو البشرة السمر’اء مكانه دون أن يلتفت إليها ينتظر سماع ما تريد قوله دون أن يتحدث ببنت شفه، فيما أزد’ردت هي لعا’بها وقالت بنبرةٍ تحمل في طا’ياتها الند’م والأسف:
«انا آسفة على اللي حصل قبل كدا بينا، انا غـ ـلطت، ولمَ أتطر’دت مِن الشغـ ـل انا حسيت بالند’م، ند’مت أوي على اللي عملته معاك، انا مَكُنْتش بعرف أعمل أي حاجه فـ حياتي بسـ ـبب ند’مي وتأ’نيب ضـ ـميري إني أكون سـ ـبب فـ يوم مِن الأيام أني أقطـ ـع عيش حدّ، حقك عليا وأتمنىٰ تسامحني مِن قلبك بجد ومتبقاش شا’يل مِني، انا مصدقت شوفتك تاني، انا حاولت أوصلك وقعدت أدور عليك كتير عشان أعتذرلك والحمد لله أني شوفتك، ممكن تسامحني مِن قلبك بجد ونتصا’فىٰ، أنتَ حقيقي شخص محترم جدًا وخلو’ق وجدع كان غيرك رفـ ـض يساعدني وسا’بني ومـ ـشي، بس أنتَ معملتش كدا وأخجـ ـلتني قدام نفسي، انا آسفة يا “بـشير” أنتَ متستاهلش مِني كدا»
«حصل خير يا آنسة “بـسنت”، كدا أو كدا كُنْت هسـ ـيب الشغـ ـل، محصلش حاجه اللي حصل حصل خلاص وأنتهـ ـى، تقدري تمار’سي حياتك الطبيعية مِن غير أي ند’م، وإذا كان ربنا بيسامح عبده انا واحد مِن عباده مسامحش أزاي، آسفك مقبول، ومتشكرنيش على واجبي، أي واحد غيري هيعمل اللي عملته وبعدين أنتِ بنـ ـت مينفعش أسيبك فـ طريق زَّي دا لوحدك كدا والليل داخل، وعشان عندي أخوات بنا’ت يوم ما يقـ ـعوا فـ مشـ ـكلة يلاقوا اللي يسا’عدهم، عن إذنك»
تركها وأكمل سيره نحو سيارته أسـ ـفل نظراتها التي كانت تتابعه بهدوءٍ شـ ـديدٍ، شعرت بالراحة حينما أستمعت إلى حديثه وسعدت لأنها فعلت الصواب والذي كانت تسـ ـعىٰ لأجله كي تفعله وها هي الآن شعرت أخيرًا بـ الراحة، عاد هو مرةٍ أخرىٰ ليقف بجوار باب مقعد السائق دون أن ينظر إليها وقال بنبرةٍ هادئةٍ وجا’دة بعض الشيء
«يلَّا يا آنسة مينفعش تفضلي واقفة كدا، أتفضلي أتحركي يلَّا»
لا تعلم لِم شعرت بـ السعادة تغمـ ـر قلبها وشعورٌ غـ ـريبٌ ينمـ ـو داخلها، تحركت مِن موضعها تجاه سيارتها لير’فع هو بصره نحوها يراها تترجل سيارتها وبعد لحظات تحركت مِن المكان أسفـ ـل نظراته التي تابعتها حتى أبتـ ـعدت عن موقعه، تنهـ ـد هو بعمـ ـقٍ ومسـ ـح على جبينه ثم أستلق هو الآخر سيارته وتحرك خلفها شا’رد الذهن، يُفكر في تلك المقابلة التي لَم تكُن في الحُسبان والتي ستقـ ـلب كافة موازينه.
[عودة إلى الحاضر]
«بكرا تقول “جـعفر” قالها إن ما و’قعت فـ شبكة البـ ـت دي» نطق بها “جـعفر” بعد أن أنهـ ـىٰ “بـشير” حديثه مباشرةً، نظر إليه الأخير نظرةٍ ذات معنى ليسمع شقيقته تقول بنبرةٍ هادئةٍ مبتسمة:
«يا بخت اللي هتكون مِن نصيب يا “بـشير”، بجد مش أي كلام واللهِ، هتاخد راجـ ـل بمعنى الكلمة، تسلم البطـ ـن اللي شا’لتك»
أبتسم “بـشير” إليها بعد أن أستمع إلى حديثها، نهض مِن مجلسه وتقدم خطوة إليها منحـ ـنيًا بنصفه العلو’ي نحوها يلثم جبينها بـ قْبّلةٍ حنونة ثم عاد لمجلسه مرةٍ أخرى قائلًا بـ أبتسامة هادئة:
«وانا يا بختي بيكِ واللهِ العظيم»
«ولا، أوعىٰ تقر’ب مِن مراتي تاني، هعلـ ـقك ورب المعبود» نطق بها “جـعفر” محذ’رًا “بـشير” الذي ر’مقه نظرةٍ مستنكرة لير’فع حاجبه الأيمن عا’ليًا وقال:
«نعم يا عين ماما، دي أختي هو انا واحد غر’يب»
«كلمة وقولتلها لو شوفتك بتقرب وتبو’سها تاني هز’علك» نطق بها “جـعفر” بتحذ’يرٍ واضحٍ وصر’يح ليشعر الآخر بالضـ ـيق ولذلك قام بمعا’ندتهِ ونهض مقتربًا مِن “بيلا” مرةٍ أخرى يلثم وجنتها بـ قْبّلة أخرى وكأنه يعا’نده لير’مقه “جـعفر” نظرةٍ حا’قدة لحظات حتى انتـ ـفض مِن جلسته جا’ذبًا إياه مِن تلا’بيبه ثم صـ ـق على أسنانه بحقـ ـدٍ قائلًا بنبرةٍ غا’ضبة ومكتو’مة:
«بو’سة بصوت، كدا أنتَ طلعـ ـت عفا’ريتي، قابل»
____________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية