رواية بدون عنوان الفصل الثالث 3 - بقلم نورا سعد
-“أنتم هتحطوها في شوال وهتشيلوها وتاخدوها دلوقتي ترموها في منطقة بعيدة عن هنا وأنا هنضف الشقة وهخفي أثار الدم والكركبة اللي حصلت هنا وقت الخناقة عشان محدش ياخد باله من حاجة”.
نطقت نعمات تلك الكلمات بجدية مطلقة جعلت منذر يردف بتهكم ساخر:
-“يا سلام عليك وعلى فهلوتك يا ست نعمات ، طيب ما الناس هتلاحظ غيابها ومنهم أخواتك نفسهم زائد أن لما البوليس يلاقي جثتها هيجي ويحقق في الموضوع وهنروح وقتها في داهية”.
لكزته نعمات في كتفه بحدة قائلة:
-“بطل شغل التسرع بتاعك ده وسيبني أكمل كلامي للأخر”.
رفع منذر حاجبيه قائلا باستهزاء:
-“اتفضلي كملي كلامك يا أختي وورينا شطارتك”.
تجاهلت نعمات سخريته من أفكارها واستكملت حديثها بمنتهى الهدوء وكأنها لا تشارك في التغطية على جريمة بشعة اقترفها شقيقها في حق زوجته:
-“ماما هتنزل تشيل صندوق الدهب بتاعها وأنا هوديه بكرة الصبح عند وفاء أختك عشان تخبيه في بيتها وهي أصلا جوزها مسافر اليومين دول وبعدين هنروح كلنا على القسم ونعمل محضر وهنقول أننا صحينا من النوم ولقينا ورد سرقت الدهب من دولاب ماما وبعدين هربت مع عشيقها ولو البوليس لقى جثة ورد ساعتها هيفكروا أنها اتخانقت مع الراجل اللي هربت معاه وأنه قتلها عشان ياخد الدهب لنفسه من غير تقاسمه فيه”.
فكرت سامية في حديث نعمات ثم ألقت ملاحظة:
-“بس البوليس لما يعمل تحريات عن ورد ويسألوا الناس عليها وقتها كل الجيران هيشكروا فيها وفي أخلاقها وهيقولوا أن منذر كان بيضربها على طول”.
ابتسمت نعمات بخبث وقالت:
-“منذر هيخلي صحابه يطلعوا عليها كلام أنهم شافوها كذا مرة بتمشي مع واحد غريب وبتتكلم وتضحك معاه”.
-“عندك حق يا نعمات ، أنا هكلم أصحابي وهخليهم ينشروا الكلام بين الناس”.
قالها منذر ثم دلف إلى الغرفة وأحضر أغطية كبيرة ولف بها جسد ورد ثم حملها وخرج من الشقة برفقة والدته واستعار التوكتوك الخاص بأحد أصدقائه ووضع بداخله ورد ثم جلست سامية بجوارها.
سار منذر بالتوكتوك وابتعد عن المنطقة واستمر في القيادة ولم يتوقف إلا بعد مرور ثلاثون دقيقة.
حمل منذر جسد الملفوف داخل الأغطية وأراد أن يحفر ويدفنها ولكن أوقفته سامية قائلة بخوف بعدما رأت مرور سيارة بالقرب منهما ومن حسن حظهما أن سائق السيارة كان يقود بسرعة ولم يلمحهما:
-“احنا لازم نمشي بسرعة يا منذر ؛ لأننا لو فضلنا هنا ممكن حد يمر ويشوفنا وساعتها هنروح في ستين داهية”.
اقتنع منذر بحديث والدته وصعد برفقتها إلى التوكتوك وابتعد عن المكان بسرعة قبل أن يراه أحد.
مر بعض الوقت قبل أن تمر سيارة ويتوقف مالكها بعدما لفت نظره شيء ملقى على الرمال يشبه هيئة إنسان.
أسرع بالسير بعدما اتضحت أمامه الرؤية ورأى أنه فتاة تفترش الرمال بجسدها.
تفحص الرجل نبضها ووجده ضعيفا للغاية لدرجة أنه لو فحصه شخص عادي فسوف يعتقد أنها ماتت بالفعل ولكنه لم يقع في هذا الخطأ ؛ لأنه طبيب ومر عليه الكثير من الحالات المشابهة.
نظر الرجل إلى الكدمات التي تغطي وجهها بضيق وتمتم بأسف وهو يحملها ويتوجه بها نحو سيارته:
-“لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، اللي عمل فيها كده مستحيل يبقى بني آدم”.
وضع الرجل ورد في السيارة وانطلق مسرعا نحو المستشفى الخاصة به هو وشقيقه الأكبر حتى يتمكن من إنقاذها.
رن هاتفه فأجاب عليه وهو لا يزال مستمرا في القيادة:
-“أيوة يا أميرة ، في حاجة حصلت؟”
هتفت أميرة بقلق وهو تنظر إلى الساعة التي تجاوزت الثانية عشر بخمس وعشرين دقيقة:
-“أنا اتصلت من شوية على تليفون البيت عشان أطمن عليك يا إياد بس قاسم قال أنك مرجعتش لحد دلوقتي”.
تنهد إياد وقال:
-“أنا اتأخرت شوية على ما طلعت من بيت عمي في الصعيد وكنت هروح البيت بس حصل معايا موقف كده اتسبب في أني أغير طريقي للمستشفى”.
صاحت أميرة بقلق وبجوارها والدتها تحاول تهدئتها:
-“إيه اللي حصل معاك يا إياد؟! قول الحقيقة ومتخبيش عليا حاجة ، إيه اللي موديك المستشفى دلوقتي؟”
تفهم إياد حالة القلق التي سيطرت على خطيبته فهما يحبان بعضهما منذ الطفولة ويتشاركان في كثير من الأشياء والصفات وعندما التحق إياد بكلية الطب اجتهدت أميرة في المذاكرة حتى تصبح مثله.
-“لقيت واحدة مرمية على الطريق نبضها ضعيف جدا وشكلها بيدل على أنها اتعرضت لضرب عنيف جدا لدرجة أن ملامح وشها مش باينة من كتر الضرب وأنا لازم ألحقها وأوديها المستشفى في أسرع وقت ممكن”.
هتفت أميرة بأسف بعدما سمعت مبرره المقنع:
-“لله الأمر من قبل ومن بعد ، هي الناس جرالها إيه ، أنا حاسة أن احنا بقينا عايشين في غابة ، المهم شوف لو معاها أي إثبات شخصية عشان نقدر نوصل لحد من أهلها”.
أوقف إياد السيارة أمام المستشفى وأخرج منها ورد ووضعها فوق سرير نقال ثم بحث عن أي أوراق ثبوتية بحوزتها ولكنه لم يجد فزفر بضيق وقال:
-“للأسف يا أميرة ، مفيش معاها أي إثبات شخصية”.
-“معنى كده أن احنا هنستناها لما تفوق ، على العموم أنا هكون عندك بكرة الصبح في المستشفى عشان أطمن عليها وياريت تبقى تتصل وتطمني عليها أول ما تخرج من العمليات”.
-“حاضر يا أميرة ، روحي نامي دلوقتي عشان تبقي فايقة الصبح وأنتِ جاية المستشفى”.
ابتسمت أميرة وقالت:
-“ماشي ، لا إله إلا الله”.
-“محمد رسول الله”.
أغلق إياد الهاتف ثم ذهب إلى غرفة التعقيم وجهز نفسه للدخول إلى غرفة العمليات.
تمكن إياد بمساعدة زملائه من إنقاذ حياة ورد التي قاموا بنقلها إلى غرفة العناية المركزة بعد انتهاء العملية التي أجروها لإيقاف نزيف رأسها وتجبير كسر ذراعها .
اقتربت إحدى الممرضات من إياد وأعطته هاتفه الذي يهتز بين يديها.
أخذ إياد الهاتف وأجاب على الاتصال بعدما رأى اسم شقيقه الأكبر يتوسط الشاشة فأتاه صوت أخيه المستاء من تأخره:
-“أنت مرجعتش البيت لحد دلوقتي ليه يا إياد ، ومكنتش بترد على تليفونك ليه؟”
هتف إياد بهدوء تعمد إظهاره في نبرته حتى يحتوي غضب شقيقه الصارم:
-“اسمعني يا قاسم ، أنا موجود دلوقتي في المستشفى وكنت من شوية جوه في أوضة العمليات وهفضل هنا لحد الصبح عشان أتابع حالة المريضة بنفسي ؛ لأنها غير مستقرة”.
سأله قاسم باستغراب:
-“مريضة إيه؟”
قص عليه إياد كل ماحدث ثم أنهى الاتصال وذهب إلى مكتبه حتى يستريح قليلا من عناء السفر والسهر.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
استيقظت فداء في الصباح الباكر وذهبت بسرعة إلى المطبخ حتى تساعد زوجة شقيقها في غسل الأطباق مثلما فعلت بالأمس ولكنها أصيبت بدهشة كبيرة عندما رأت أن ورد غير موجودة في المطبخ.
خرجت فداء من المطبخ ونظرت إلى الساعة المعلقة بالقرب مدخل الشقة ثم تمتمت باستغراب:
-“الساعة دلوقتي ستة ونص وورد بتنزل على طول الساعة خمسة ، حاجة غريبة أوي أنها منزلتش النهاردة زي كل يوم!!”
أخذت فداء النسخة الاحتياطية من مفتاح شقة منذر وصعدت إلى الأعلى حتى تطمئن على ورد وقد شجعها على القيام بهذه الخطوة معرفتها بعدم وجود شقيقها فقد غادر المنزل في الثانية صباحا بعدما اتصل به رفاقه ولم يعد حتى الآن.
فتحت فداء الشقة ودلفت إلى غرفة ورد حتى توقظها ولكنها لم تجدها فأخذت تبحث عنها في جميع الغرف ولكنها لم تجد أي أثر لها.
انتاب فداء شعور بالريبة من عدم وجود زوجة أخيها وازداد هذا الشعور تدريجيا وهي تنظر إلى أثاث الشقة فهناك أشياء موضوعة في غير أماكنها.
نظرت فداء باستغراب إلى أرضية الصالة فهي نظيفة بشدة أكثر من أرضية الغرف وهذا يدل على أنه تم مسحها وتنظيفها بعناية في منتصف الليل.
-“ورد كانت تعبانة جدا امبارح وقالتلي أنها هتطلع تنام عشان مش قادرة ، إزاي قدرت تسهر وتمسح الصالة وتنضفها بالشكل ده وكمان هي ليه مرتبة مخدات الكنبة والكراسي بشكل مختلف عن الترتيب اللي بتعمله كل مرة؟!”
انتبهت فداء إلى الخدوش الكثيرة في باب الحمام والذي يبدو من مظهره أن تعرض للكسر ثم تم تجبيره بسرعة وبدون أي إتقان.
اتسعت عيناها بذعر بعدما عادت إلى الصالة وانتبهت إلى بقعة دماء صغيرة للغاية تلوث السجادة.
ارتفعت دقات قلبها بعدما سمعت صوت صراخ والدتها القادم من الأسفل فخرجت بسرعة من الشقة وهبطت الدرج وظلت تركض إلى أن وصلت إلى غرفة سامية التي رأتها تلطم خديها وبجوارها نعمات تتوعد لورد.
أخذت سامية تلطم وتولول بحسرة مصطنعة وكأنه قد أصابتها مصيبة بالفعل:
-“يا لهوي ، شقى عمري كله ضاع ، بنت الحرامية سرقت كل الدهب اللي فضلت أجمع فيه طول عمري وهربت من البيت”.
مثلت نعمات الحزن وتظاهرت بالمواساة وهي تقول:
-“اهدي يا ماما عشان صحتك وإن شاء الله هنقدر نلاقي ورد الحقيرة ونرجعلك دهبك اللي هي سرقته”.
هتفت فداء بذهول وهي تتقدم منهما:
-“إيه الكلام اللي أنتِ بتقوليه ده يا نعمات ، ورد سرقت دهب ماما وهربت!!”
أومأت لها نعمات وهي تجفف دموعها التي هطلت بفضل البصل الذي استخدمته نعمات قبل حضور فداء بلحظات قليلة:
-“أيوة سرقته وهربت مع عشيقها والكلام ده هي كاتباه في الجواب اللي هي سابته قبل ما تهرب”.
أعطت نعمات الرسالة لشقيقتها الصغرى التي اتسعت عيناها من فظاعة الكلمات التي قرأتها.
نهاية الفصل
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية بدون عنوان) اسم الرواية