Ads by Google X

رواية هواها محرم الفصل الثالث 3 - بقلم آية العربي

الصفحة الرئيسية

  

رواية هواها محرم الفصل الثالث 3 - بقلم آية العربي



بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
الفصل الثالث من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
بقلم آية العربي
قراءة ممتعة
أخطاء إملائية : سناء يوسف
❈-❈-❈
لن أنتظركِ ، أنا من أولئك الذين لا يطيقون الانتظار ولا يرجحون الصبر في الصيد ، أنا ألقي شباكي وأسحبها ممتلئة ، الانتظار في قاموسي ما هو إلا خسارةً مزينة .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
توقفت حين وجدته أمامها يطالعها بتعجب مالبث أن تحول لصدمة من هيأتها وعيونها المنتفخة الحمراء لذا تقدم منها والقلق يتآكله متسائلاً بحبٍ صادقٍ :
– فيه إيه يا مايا مين زعلك ؟
ابتسمت ساخرة برغم ألمها وطالعته وبدون مقدمات قالت بنبرة معاتبة :
– إنت .
توتر داخله ومال برأسه قليلاً متعجباً ثم تساءل بتوجس كأنه استشف السبب :
– أنا ؟ ، إزاي يا مايا ؟
لحقتها آسيا وكذلك نارة وتحدثت الأولى بتروٍّ تحاول اقناعها وهي تتقدم منها تحت أنظاره :
– مايا يا حبيبتي خلينا نتكلم بس ، مينفعش تاخدي قرارات متسرعة كدة .
لم تنظر نحوها بل تعلقت نظراتها على عمر وقالت بعتابٍ وحزنٍ بلغ حنجرتها :
– عايز تبدأ معايا حياة واضحة ؟ ، مش عايز تخبي عني حاجة علشان حياتنا مش تنهار ؟ طيب والوقت اللي فات ؟ .
ملأ الاعتذار عيناه على الفور وأدرك أنها سمعتهما لذا ابتلع لعابه وحاول التبرير قائلاً :
– مايا أنا عمري ما هقصد أزعلك ، أنا فعلاً عايز أبدأ معاكِ حياة واضحة وصريحة لأني بحبك .
صرخت فيه بحدة والضيق في صدرها يلازمها قائلة :
– الكلام ده تقوله قبل ما أحبك واتعلق بيك ، حياتنا سوا مش هتبدأ بجوازنا حياتنا مع بعض بدأت من أول ما حبيتك وإنت حبيتني ، بقيت مسئول عن قلبي وأي وجع هيسمه هتبقى أنت السبب فيه ، كنت عارف كذبهم من زمان أوي وسكت ، حبيتني وانت عارف وده ذنبك ، إنت بالنسبالي استغلالي زيهم وأنا مش مسمحاك .
يقف عاجزاً أمامها كعجزِ آسيا التي تجاورها ، يعلمان أن صدمتها قوية خاصةً وأنها سمعت حديثهما بطريقةٍ مباشرة ودون أي مقدمات ، أما نارة فتقف والحزن يملؤها وقد تقافزت أمامها آلام الماضي ، الحقيقة التي دوماً كانت خفية يغطيها حنان آسيا وعفوية مايا ، الآن طفت على السطح ليعلم الجميع أنها ليست ابنتهم الحقيقية .
تبخرت الأحرف من فوق لسانها ، تقدّر وتلتمس كل الأعذار لشقيقتها ولكن تقيّدها الحقيقة عن تقديم الدعم .
تحركت مايا من أمامهم تستقل سيارتها وتستعد لتقود فأسرع عمر إليها قبل أن تتحرك وأشار للحارس بعدم فتح البوابة الحديدية فهو على درايةٍ بحالتها وبسوء قيادتها عندما تحزن لذا وصل إليها وفتح باب السيارة يردف بنبرة آمرة برغم عجزه في امتصاص حزنها :
– انزلي يا مايا مش هتسوقي لوحدك .
في وقتٍ سابقٍ كانت ستفرح بحركته الاهتمامية وتلبي طلبه أو تعانده مشاغبةً ولكن الآن هي في قمم غضبها العالية لذا تحدثت من بين أسنانها دون النظر إليه :
– ملكش دعوة بيا ، من هنا ورايح لا إنت ولا آسيا هانم ليكوا دعوة بياااا .
زفر بقوة وتحلى بالهدوء ثم تحدث بإيجاب كي يمتص حزنها وغضبها :
– تمام موافق بس بردو مش هتسوقي لوحدك ، هوصلك للمكان اللي إنتِ عايزاه واعتبريني مش موجود .
ظلت ثابتة مكانها دون النظر إليه ثم نزعت حقيبتها من جوارها وترجلت تصفع الباب بقوة ثم تجاهلته وتحركت نحو الحارس تردف آمرة :
– افتح البوابة .
نظر الحارس إلى عمر بتوجس فتحرك عمر أمامها يطالعها متسائلاً باهتمام :
– طيب هتروحي فين ؟
رفعت أنظارها إليه تطالعه بخيبة ولكن حينما رأت نظرة العشق في عينيه عادت تخفض أنظارها تخشى تأثرها ثم قالت بحدة وهي تطالع الحارس مجدداً :
– هتفتح البوابة ولا انط من فوق السور واللي يحصل يحصل !
تحدثت آسيا بعلو تأمره قائلة بيأس واستسلام من عناد صغيرتها :
– افتح لها يا علي .
أسرع على يلبي طلبها ويفتح البوابة لتعبر فوراً منها وتسير في طريقها إلى وجهة غير معلومة .
وقف يتتبع أثرها حتى غابت فتنهد بقوة ثم التفت ينظر إلى آسيا نظرة لومٍ لم تحتملها لذا التفتت عائدة للداخل بحزن بينما وقفت نارة شاردة وحيدة كوحدتها حين مات والديها .
ليعيد الماضي نفسه ويتقدم منها عمر كما جاءها قبل زمن ليخفف عنها حزنها ، يدرك جيداً ما تشعر به الآن لذا تحدث بنبرة حانيةً قائلاً :
– متزعليش يا نارة ، هتهدى وهترجع ، برغم صعوبة اللي حصل بس أنا ارتحت إنها عرفت الحقيقة ، وده مش هيغير إنك اختها اللي بتحبها وبتخاف عليها .
التفتت تطالعه بعدما كانت شاردة بنظراتها نحو البوابة ثم تنفست بقوة تعطي لرئتيها هدنة ثم قالت :
– خد بالك منها يا عمر ، مايا ضعيفة وهشة جداً وكل العند والأسلوب ده قناع قوة بيقع لما بتبقى لوحدها ، وللأسف أنا مش هقدر أواسيها دلوقتي ، متسبهاش .
أومأ لها بابتسامة هادئة حزينة فتحركت بعدها لتستقل سيارتها وتغادر ووقف هو يعيد كلماتها في رأسه وقد قرر العمل بنصيحتها فهي محقة لذا تحرك يستقل هو الآخر سيارة مايا ويقود نحو الخارج ليبحث عنها .
❈-❈-❈
استيقظت بتكاسل وجسدٍ متألم تتلوى أسفل غطائها بعدما ترك الفراش .
رفرفت بأهدابها تنظر للغرفة بشرود وملامح الحزن تلازمها ثم تحركت يداها تدلك رقبتها المكدومة واتكأت تجلس على ظهر السرير وتتثاءب وهي تستمع لصوته يأتي من الداخل .
حاولت تدليك جسدها ثم تحركت بتمهل تغادر الفراش قبل خروجه .
نهضت وتحركت بخطواتٍ متعثرة نحو الخارج ثم تحركت نحو الغرفة المجاوره ومنه إلى حمامها تختفي به .
خرج من حمامه يرتدي مئزره ثم نظر بطرفه نحو الفراش فلم يجدها لذا زفر بضيق وتحرك يرتدي ثياب عمله ليعود بعد دقائق ويقف أمام مرآته يهندم نفسه بعناية .
تحرك بعدها يلتقط أشياؤه ثم تحرك للخارج متجهاً إليها حتى وصل أمام الحمام الآخر يسترق السمع فلم يجد صوتاً لذا فتح الباب ودلف دون استئذان فأجفلت منتفضة بعدما كانتو تجلس في حوض الاستحمام تحصل على الاسترخاء ولكنها لفت ذراعيها حول جسدها بحماية منه كأنه ليس زوجها ثم تحدثت بغلظة :
– مش تخبط الأول .
ابتسم ساخراً وتحدث بنبرة وقحة :
– هشوف حاجات جديدة ولا إيه ؟
نظرت له باشمئزاز ثم عادت تلتفت وتغمض عينيها بغير اكتراث فتابع بنبرة باردة :
– خلصي بسرعة علشان السواق هيوصلك عند ماما ، معزومين عندها النهاردة .
استطاع إثارة حنقها وهي تعاود النظر إليه قائلة برفضٍ قاطع :
– مش هروح في مكان ، مش عايزة أخرج خالص .
تحدث بنبرة صارمة حادة :
– هتروحي ، أنا بلغتها إننا هنتغدى معاها النهاردة .
أرادت أن تصرخ في وجهه ، أن تغضب ، أن تحتد ولكن هي الخاسرة ، طاقتها وصحتها وملامحها جميع ما بها يخطو نحو الأسوء .
لمَ يضغطون عليها بشكلٍ مستمر ، لمَ يخنقونها ، لمَ يتلذذون بعذابها .
زفرت والتفتت وعادت تسترخي ولم تتحدث ، لم ترهق نفسها في محادثة تعلم جيداً أنها دون جدوى .
نظر لها بغيظ راوده منها وود لو بأمكانه كسر هذا الرأس اليابس في حوض الاستحمام هذا ولكنه تمالك نفسه كي لا يفعلها ويريها غضبه الذي لاةيظهر كثيراً ولكن ظهوره عاصف كليلة تأتي كل زمن تقتلع في طريقها الأخضر واليابس .
تحرك نحو الخارج وتركها يتجه للأسفل ومنه للخارج ليخبر السائق بنبرة آمرة قائلاً :
– ساعة بالضبط وتبلغ الهانم إنك مستنيها .
أومأ له بطاعة فتحرك يستقل سيارته ويغادر متجهاً إلى محل عمله ليتناول وجبة فطوره مع سكرتيرة مكتبه كالعادة .
❈-❈-❈
في منزلٍ قديمٍ متآكلٍ يغلب عليه الفقر .
تقف هذه السيدة التي بلغت من العمر ثمانٍ وأربعين عاماً بينما من يرى ملامحها وتأثير الحزن والفقر عليهما يظنها تجاوزت الستين .
تتمدد والدتها سيدة مسنة على فراشٍ رثٍ وهي تجاورها وتناولها آخر حبةِ دواءٍ متبقية في تلك العبوة .
تناولتها السيدة وتمددت تتنفس أنفاساً متلاحقة كأنها كانت في سباقٍ لتوها وتحدثت بحزنٍ وعجزٍ :
– هتعملي إيه يا سوسن يا بنتي ، هتجيبي فلوس منين ، محدش هيرضى يسلفك تاني .
لم تكن بحاجة إلى تلك الكلمات التي تضغط أكثر على روحها ، هي عاجزة عن فعل شيء ، دوماً كانت عاجزة ولكن ربما كان وجود والدها يعطيها غمرة تفاؤل ، خاصة وأن البعض كانوا يحبونه ويمدون له يد العون فتجده عند عودته يحمل الطعام والدواء الكافي لإشباع ثلاثتهم عدة ليالِ ، أما الآن فهو لم يعد موجوداً بعدما اختبرها الله بموته ، كان رجلاً صالحاً يعينها على الزمان برغم ضعف حيلته ، كان يحبها فهي ابنته الوحيدة التي رُزق بها والتي لم تتزوج لأجلهما ، ولكن ترى هل هذا السبب الحقيقي وراء عدم رغبتها في الزواج أم أن هناك ظالماً ترك خلفه جرحاً غائراً لم ولن يلتئم حتى تنتقم ؟.
تنفست بقوة واتجهت تجلس على الأريكة التي تقابل هذا السرير ثم نظرت نحو والدتها وقالت بنبرة تجلى بها الحزن واليأس معاً :
– عارفة ياما ، عارفة إن محدش هيقبل يسلفني ، معاهم حق ما هو أنا مبسدش فلوسهم ، الله يرحمك يابا ، كل حاجة من بعدك مبقاش ليها طعم ، حتى الشغل مغضوب عليا فيه ، كل ما أروح لحد يشغلني أي شغلانة إن شالله أغسل حمامات محدش قابل ، بس هقول إيه بقى الأمر لله .
حاولت والدتها زرع الأمل فيها بعدما رأت حالتها وتحدثت بإجهاد واضح :
– لو على الدوا متشليش هم ، أنا هبعت لعمك مختار الجزار يجبهولي ، وأهو ربك هيدبرها ، محدش بيموت من الجوع يا بنتي .
أومأت لها بضيق ثم وقفت تخطو للخارج ونزعت عباءتها من فوق الطاولة وارتدتها وتابعتها بحجابٍ من الشيفون الأسود الخفيف ثم عادت لوالدتها تردف بانكسارٍ ملازمٍ لها :
– أنا هطلع ياما ، هطلع ألف لفة كدة بعيد شوية يمكن ألاقي شغلانة في أي محل ولا حاجة .
أومأت والدتها تلحقها بالأدعية وتحركت هي تغادر وتدعو الله أن ييسر لها الأمور ، تعلم أن الله وضع حولها هذه القيود بسبب ذنبٍ عظيمٍ اقترفته في الماضي ، تعلم جيداً أنها أخطأت خطأً لا يمكن غفرانه ، ولكنها كانت صغيرة لم تتعدى السابعة عشر بعد ، انساقت خلف كلماتٍ شيطانيةٍ استغل قائلها وضعها وحاجتها ليوقعها في شباكه ونجح في ذلك ، نجح في تدميرها مدى الحياة ، نجح بعدما استحل أغلى ممتلكاتها بورقةٍ زائفةٍ أقنعها أنه زواجاً شرعياً ورحل بعدها مستنكراً فعلته ، وعندما علمت بحملها لجأت له ، ترجته أن يشهر زواجهما مثلما وعدها ، ولكن خلع قناعه وظهر وجههُ الحقيقي لها ليلقي بها في أكثر الأماكن قذارة وهو يخبرها بقسوة وتجبر أنها مثل تلك المخلفات لا تختلف عنهما .
أشهراً طويلةً تعاني من حملها بمفردها دون أن يعلم والديها بذلك ، أشهراً من الألم والضعف والوهن برر الفقر والجوع أثرهم على ملامحها ، وساعدها في إخفاء حملها عدم كبر بطنها بشكلٍ ملحوظ ، وعندما أوشكت على ولادة طفلها باتت ترتدي ملابس فضفاضة لتخفي معالمها .
تتذكر جيداً ذلك اليوم حينما وضعته عند إحدى العاملات في المستشفيات الحكومية والتي قررت مساعدتها بعدما لجأت لها ورأفت الأخرى بحالتها .
ولكن أصبح هذا الطفل البريء الذي لا ذنب له يشكل خطراً عليها ، يشكل رعباً حقيقياً ستعيشه أن احتفظت به ، هي بالأساس لا تمتلك قوت يومها لتحتفظ به ، كيف سترعاه وكيف ستواجه به عالمها .
لذا أخذتها تلك العاملة إلى دار الأيتام التي تُعرف صاحبتها بالرأفة والحنان ووضعتا هذا الصغير أمامها .
وضعته وقلبها ينزف ألماً وهي تغادر وتتركه يبكي كأنه يناديها أن لا تتركه ، ولكنها تركته وغادرت ، تركته وتركت خلفه كل براءتها وسذاجتها ورحلت ، لتبقى يد الله حارسة لهذا الصغير ويأتي الوعد من فوق سبع سماوات أن هذا المصير الذي اختارته هذه الأم دون معرفة سيكون الأفضل له ، ومع ذلك ظلت تراقبه من خلف السياج المحيط بالدار ، تراقبه وتلك السيدة الحنونة تهدهده وتطعمه ، لأسابيع وأشهر وسنواتٍ تراقبه حتى اشتدت عوده .
أفاقت من شرودها في الماضي على نداء السائق على بعض الركاب بالوصول إلى إحدى المحطات .
ترجلت من الحافلة وسارت حتي دلفت السوق العام لتلك المنطقة .
خطت تسير وسط الباعة والأصوات المتداخلة بعضها لأطفالٍ يركضون وبعضها لأناسٍ يبتاعون وغيرها من الأصوات التي تميز تلك الأماكن .
ظلت تسير إلى أن وصلت لشارعٍ أكثر هدوءاً ورقياً عن غيره ، شارع تعلمه جيداً منذ وقتٍ .
توقفت أمام تلك الوكالة التي تحتل مساحة أربع محلاتٍ متجاورة .
تنهدت وهي تنظر نحو لافتتها المعلقة والمدون عليها بالبنط العريض ( أولاد العدلي للتجارة والتوزيع )
التمعت عيناها بالحقد والغضب ثم ما لبثت أن أخفتهما ببراعة وانتشلت من الهواء شهيقاً قوياً تحفز به رئتيها وهي تتقدم لتجرب ما نوت على فعله مسبقاً بعدما حفظت موعد وردية مالكيها بعد مراقبة دامت لأيامٍ .
دلفت تلقي السلام فنظر لها العمال نظرةٍ دونية نسبةً لملابسها الرثة البالية ولكنها لم تبالِ لهم بل أكلمت حديثها متسائلة بترقب :
– ممكن أكلم الحاج صاحب الوكالة ؟
تحدث عاملٌ بملامحٍ مقتضبة وهو يلوح بيده قائلاً بجلافة :
– اتكلي على الله يا ست مش فاضيين لك ع الصبح .
نظرت له بغيظ وبُغض ثم تحدثت معنفة بصوتٍ عالٍ متعمدة لتثير حواس من في الداخل :
– فيه إيه يا جدع انت مالك ، هو أنا جاية اشحت منك ؟ ، بقولك ممكن لو سمحت أكلم صاحب الوكالة يبقى تتكلم عدل ولا هو يعني لازم ألبس المحزق والملزق علشان تعدل لسانك معايا !!..
طالعها باحتقار ولم يرد على حديثها بعدما لاحظ خروج حسن من غرفة مكتبه على أثر صوتها يردف متسائلاً :
– خير ياست عايزة إيه ؟ ، أنا أهو صاحب الوكالة قولي ؟.
هذا تحديداً من تريده ، فهو أكثرهم رأفةً وربما نجحت في استعطافه لتنفيذ خطتها ، لذا ابتلعت لعابها وتحدثت بترقب :
– كنت بدور على شغل يا حاج ، بس سايقة عليك النبي ما تقول لاء ، أنا ربنا وحده اللي يعلم بظروفي ، وأكيد عندك مكان ليا ، أي شغل حتى لو هشيل البضاعة فوق راسي .
نظر لهيأتها بتفحص ورأف لحالها ، تبدو في أمَس الحاجة للعمل لذا تقدم قليلاً وتساءل :
– عليه الصلاة والسلام ، بتعرفي تحسبي ؟ .
توغلها الأمل وتقدمت هي الأخرى حتى أصبح الحاجز الخشبي هو الفاصل بينهما وقالت بحماسٍ :
– بعرف أحسب حلو أوي ، بس مبعرفش أكتب يا بيه .
زفر يفكر ثم التفت يتطلع على العامل الذي يجاوره وتساءل بترقب :
– البضاعة اللي في المحزن اللي كنا عايزين نحصيها ، ممكن تساعدنا فيها صح ؟
كأنه يستشيره فهذا العامل يعمل معهم منذ سنوات لذا أومأ الرجل المسن قائلاً :
– ومالو يابني ، ينوبك ثواب .
ثم مال عليه يتابع بهمس :
– بس مش نسأل عليها الأول !
أومأ حسن واعتدل يتحدث بثبات :
– إنت اسمك إيه يا ست وساكنة فين .
أخبرته اسمها ومحل اقامتها فقال بهدوء :
– تمام ، فوتي عليا بعد يومين وأنا هشغلك .
أدركت أنه سيبحث خلفها لذا أومأت قائلة بخبث :
– ماشي يا حج ، بس أكيد هتشغلني ؟، أصل أمي بتموت ولازمها دوا وأنا مافيش في جيبي حقه ، فلو مش هتشغلني أروح أشوف مكان تاني .
تنهد ودس يده في جيبه ثم أخرج بعض العملات النقدية وناولها إياهم قائلاً :
– خدي دول وعدي عليا كمان يومين وهشغلك .
تناولتهم منه بحرج ثم تحدثت شاكرة :
– تسلم يا بيه كلك واجب ، أنا جاية أصلاً على حسك وسيرتك الطيبة ، يالا سلام عليكم .
التفتت تغادر حتى اختفت من أمامهم فاعترض أحد العمال الشباب قائلاً :
– هتشغلها هنا إزاي بس يا حج حسن مش شايف منظرها ، دي تطفش الزباين .
طالعه حسن بهدوء قائلاً :
– معلش يابني شكلها محتاجة فعلاً ، وبعدين شغلها هيبقى في المحزن مش مع الزباين ، اسمع بس اللي هقولهولك واعمله علطول .
تنبه الشاب فتابع حسن :
– هتاخد بعضك وتروح تسأل عليها كويس وتسأل الجيران عن حالتها وعن أمانتها .
أومأ الشاب وتحدث وهو يتحرك نحو الخارج :
– هوا يا حج حسن ، هجبلك أرارها .
❈-❈-❈
في مكتب محاماه كبير يعمل به عدداً من أمهر المحامين ومن بينهم يوسف حسن العدلي .
والذي يحتل مكاناً مرموقاً هنا حيث يوجد بين رئيسه ووالده صداقة قوية جعلته يحصل على ميزة أثبت من خلالها جدارته وأمانته في المهنة .
يجلس في مكتبه فدلف إليه زميله أحمد قائلاً بنبرة تملؤها الفرحة :
– أنا جيت أبلغك بدري أهو علشان متقولش كنت مشغول ، الفرح يوم السبت اللي بعد الجاي ، يعني مش هقبل أعذار .
ابتسم يوسف وترك الملف الذي كان يقرأه ثم تحدث بودٍ :
– ألف مبروك يا أحمد ربنا يتمم لك بالخير .
تحدث أحمد بلطفٍ :
– الله يبارك فيك يا يوسف عقبالك يارب عن قريب .
اقتحم المكتب صديقاً لهما قائلاً بعدما استمع لحديثهما الأخير :
– ده هيخلل ده ، مش عارف مستني إيه ، على قلبه اد كدة مش لسة بيكون نفسه زينا ومع ذلك مش راضي يتجوز ، مع إن كل البنات بتحبه كل البنات حلوين .
ضحك أحمد يجاريه في الحديث قائلاً بسخرية أثارت حنق يوسف :
– طبعاً يا سيدي يا بخته ، ولا إيه يا چو ؟
طالعهما بغيظ قائلاً بتوبيخ معتاد :
– لاء بقولكوا إيه حلوا عن نفوخي دلوقتي ، عرفنا معاد الفرح يالا كل واحد على مكتبه .
تحرك عماد يجلس على طرف المكتب وينحني نحوه قائلاً بنعومة مستفزة :
– إيه يا چو يا حبيبي ، لو ليك طلبات معينة قولي وأنا أبأبش في جبعتي .
مد يده يتناول المحفظة الخشبية من فوق مكتبه ينوي قذفه بها لذا أسرع عماد في خطوتين هارباً حتى توقف على حافة الباب قائلاً وهو يرقّص حاجبيه وأحمد يقهقه عليهما :
– هتضربني يا متوحش يا قاسي ، أنا عرفت ليه محدش بيعبرك .
ألقى المحفظة فارتطمت بالباب ولم تصبه بعدما اختفى بينما تحمحم أحمد الذي عاد لجديته بعد رحيل عماد وتحدث بحرج وهو يتحرك ليغادر :
– طيب أسيبك أنا بقى يا يوسف علشان تشوف شغلك .
طالعه يوسف باستنكار بينما غادر أحمد وتركه يهز رأسه بلا حيلة عليهما قبل أن تمر على عقله من أحبها ودفن حبها في أعماق قلبه ولن يحب سواها .
❈-❈-❈
في الشركة
وتحديداً في مكتب خالد
وبعد أن حصل على رقم نسرين والدة خديجة من خلال اختراق سجل هاتفها عن طريق شخصاً يعمل لحسابه .
نادى على نهلة السكرتيرة التي جاءت إليه تتساءل باحترام :
– اتفضل يا خالد بيه حضرتك طلبتني .
تحمحم ينهض من مقعده والتفت حول المكتب يقف قبالتها ثم تحدث بمكرٍ وابتسامة لعوبة وبلهجة مصرية ثقيلة :
– فيه خدمة مهتاج مسائدتك فيها ، وتقدري تطلبي اللي إنتِ أيزاه .
تحدثت بحرج من التفافه حولها كي يؤثر على فريسته وقالت :
– خير يا خالد بيه اتفضل .
تحدث بهدوء وهو يدور بخطواتٍ ممنهجة وعينيه منكبة عليها :
– مهتاج تليفونك في مكالمة مهمة بس إنتِ اللي هتبدئيها .
قطبت جبينها بتعجب وتساءلت دون النظر إليه :
– هكلم مين ؟
توقف أمامها وتحولت نظرته من ماكرة إلى أخرى ثاقبة وهو يتابع بجدية أجفلتها :
– أم خديجة ، اسمها نسرين ، تسأليها فين خديجة وتطلبي تكلميها لإنك قلقانة أليها ، الموضوء سهل جداً .
زفرت بقوة ثم تحدثت بتوتر وهي تفرك أصابعها :
– طيب بس محمد بيه ممكن يضايق لو عرف ، وبعدين هعمل ليه كدة وهقول لخديجة دي إيه ؟
اغتاظ منها لاستهانتها بخديجة قلبه ولكنه يحتاجها لذا ابتسم بسماجة يتابع :
– مش هتكلمي خديجة ، أنا هكلمها ، إنتِ هتكلمي أمها وبس .
تفهمت ماذا يريد ولم تمتلك حق الرفض لذا أومأت بقبول وتناولت هاتفها من جيب تنورتها وناولته قائلة وهي تبتلع ريقها :
– طيب اتفضل حضرتك سجل الرقم .
تناوله منها مسرعاً بحـ.ماس وسجل الرقم سريعاً وطلب الإتصال ثم قام بتشغيل مكبر الصوت وانتظر إجابتها .
لم تكن نسرين من هؤلاء اللاتي تجبن على أرقامٍ غير مسجلة لديها لذا حينما رن هاتفها تجاهلته ولم ترد مما أشعل فتيل غضب هذا الواقف يتآكل صبره شيئاً فشيئاً .
عاود الاتصال تزامناً مع عودة بهجت من المسجد وسماعه لرنين الهاتف فاتجه إلى زوجته يتساءل فأخبرته بأنه رقمٍ غير مسجل لذا تناوله يجيب هو قائلاً بترقب :
– السلام عليكم ؟
عندما سمع خالد صوته دفع الهاتف مسرعاً نحو نهلة يلقيه بين يديها ويحثها بعينيه أن تتحدث ولكن تلك المسكينة توترت كثيراً وتلعثمت حينما قالت :
– أل ، ألو ، أزيك يا عمو ؟
تعجب بهجت وتساءل :
– الله يسلمك ، مين معايا ؟
كان يشير بيديه ويحرك شفتيه يخبرها بالحديث الذي لم تميزه لذا أجابت بتوتر ملحوظ :
– مم ، ممكن أكلم خديجة ؟
تنبهت حواس بهجت وتساءل بشك وهو يتطلع على زوجته المترقبة :
– إنت مين يابنتي ، وجبتي الرقم ده منين ؟
كان الآخر قد استعمل الأدوات الموضوعة على المكتب في الشرح لتلك الجدباء كأنها صماء وهو يحاول إخبارها بطريقته الحركية قاصداً بها أن تخبره أنها صديقتها من المكتبة .
وأخيراً استنار عقلها وفهمت عليه عندما تمسك بكتابٍ وجلس على المقعد الجانبي يدعي قراءته فقالت بتلعثم :
– أ أنا صديقتها ، كنا بنقرأ كتب سوا في المكتبة .
ابتسم لها خالد دليلاً على إعجابه أخيراً بأدائها فتنهدت براحة وبدأ توترها يتلاشى وهي تتابع بالقليل من الثبات :
– أصل أنا رنيت عليها كتير يا عمو وموبايلها مقفول وكنت عايزة أعرف منها اسم كتاب مهم محتاجاه ، وهي كانت قيلالي على رقم طنط علشان لو احتجتها ومعرفتش أوصلها .
أقنعت بهجت بحديثها لذا وجدت خالد يطالعها بفخر ويشير لها بكلتا يديه بعلامة التمام كأنها نجحت في قول كذبة حـ.رب .
تحرك بهجت نحو خديجة التي كانت تجاور والدتها وتحدث بحنو :
– تعالي يا خديجة كلمي صاحبتك شوفيها عايزاكِ في إيه .
قطبت خديجة جبينها بتعجب وتساءلت :
– صاحبتي ؟
أومأ لها فتناولت الهاتف منه ووضعته على أذنها متسائلة :
– أيوة مين ؟
كادت نهلة أن تجيبها ولكنها وجدت يداً تنزع منها الهاتف وهو يشير لها بالرحيل بملامح صارمة أفزعتها وجعلتها تغادر بينما هو أسرع الخطى نحو النافذة ليقف عندها متحدثاً بنبرة منتصرة متلهفة وبلغة ثقيلة مضحكة :
– خديجة أنا ماركو ، قصدي خالد .
ألجمتها الصدمة وشحب وجهها وهي تطالع والدها الذي يتحدث مع زوجته بجانبها ، قيد لسانها الخوف من نشوب المشاكل بينه وبين والدها لذا تحدثت بتوتر ومراوغة وهي تبتعد :
– ثواني معاكِ .
استأذنتهما وتحركت للأعلى نحو غرفتها مسرعة ثم أغلقت الباب وتحدثت معنفة :
– إيه التصرفات دي يا خالد ؟ ، مينفعش اللي بتعمله ده ، كدة هتعقد الأمور أكتر .
لم يكن يهمه حديثها بقدر أهمية سماعه لصوتها لذا تنفس بعمق يزفر أنفاس الراحة وهو يقول :
– وهشتيني .
اعتصرت عينيها وكأنها تسمع بهما صوته وتحدثت بحدة وألم تريد زواله نسبةً لتأنيب ضميرها :
– لو سمحت ، لو سمحت كفاية أوي لحد كدة ، مينفعش الطريقة دي بينا ، بطل تكلمني واقطع أي صلة بيا ، لو سمحت يا خالد لوووو سمحت ، أنا مش هقدر أخالف أوامر بابا ، خلي كل حاجة لوقتها ، سيب موضوعنا تبع النصيب ، لو سمحت .
كانت تترجاه بكل ما أوتيت من عزمٍ وهو يستمع لها ونيرانٌ حارقة تكوي جسده ، تظنه تاركها ؟
تحدث وعينيه منكبة على البنايات العالية يقول بتأكيد كأنه تجاهل ترجيها :
– مستهيل خديجة ، مستهيل أبئد أنك ، إهنا لبعض وانتهى ، أنا كلمتك ألشان أقولك افتحي موبايلك وإلا أنا مش مسئول أن اللي هيهصل .
تباطأت أنفاسها وزفرت بيأس من تصميمه قائلة بضيق :
– مش هقبل إن بابا يزعل أو يضايق بسببي يا خالد ، افهمني لو سمحت .
يحاول فهمها ولكنه بعيداً عن إدراك تلك المشاعر لذا تحدث بنبرة باردة عاشقة كعشق المثلجات للجليد قائلاً :
– مش هيزأل ، خلاص خديجة كفاية هزن وكآبة بقى وافتهي موبايلك ، أوكي هبيبتي .
ربما كلماته باردة ولكن كلمة هبيبته كانت لها حرارة خاصة استطاعت إشعال مشاعرها لذا تنهدت تجيب بتوتر وضيق من تأثرها بحديثه اللا إرادي قائلة :
– تمام يا خالد ، مع السلامة .
أغلقت معه ووقفت حائرة يغلبها أمرها وسطوته على قلبها البريء النقي .
تحركت بعدها نحو الأسفل ثم ناولت الهاتف لوالدتها والتفتت تعود ولكنها توقفت تنظر لوالدها وهو يتحدث مع شقيقها عن دينه ليفتح له آفاقاً جديداً بكل ليونة ودون تشددات .
تنهيدة قوية معذبة وروحها حائرة بين أمرين ، عقلها وقلبها وليتها تجمعهما على طاولة التفاوض ليتحدا وتقرر حلاً يرضي جميع الأطراف .
ولكن يبدو أن طريقها صعب
❈-❈-❈
أنهى صقر مكالمته الهامة ثم أصدر هاتفه صافرة يعلمها جيداً لذا تنبهت حواسه وهو يتصفحه ليجد أن مسار سيارة زوجته غير مألوفٍ له لذا توغله القلق وأسرع يهاتفها .
أوقفت سيارتها على جانب الطريق وترجلت تخطو نحو تلك الاستراحة المرتكزة على ضفة النيل تجلس عليها وتنظر للأمام بصمتٍ ظاهري معاكساً للضوضاء التي تحدث داخلها الآن .
انتبهت لرنين هاتفها فتناولته تجيب بنبرة مبطنةٍ بالاحتياج ومغلفة بالهدوء قائلة :
– نعم يا صقر ؟
تأكدت ظنونه من نبرتها وتحدث متسائلاً بثبات وترقب :
– إيه اللي حصل ؟
تحمحمت تجيب بمراوغة تعلم جيداً أنه لن يقتنع بها :
– أنا كويسة بس طلعت من عند ماما قلت اشم شوية هوا قبل ما أروح .
تجاهل كذبتها وعاد يتساءل بنبرة هادئة وهدوءها لا يبشر بالخير ، يكره حزنها لأنه يأخذه لشخصيته السابقة وهو لا يريد ذلك ، نبرة صوتها المتحشرجة تلك تجعله على وشك الفتك بمسببها لذا قال :
– مين زعلك ؟
أجابته بنفي :
– محدش ، أنا كويسة .
– مييين زعلك ؟
قالها بنفاذ صبر لتتنفس بقوة وتبدأ في إخباره بحقيقة الأمر قائلة بتروي :
– صدقني محدش زعلني ، بس مايا عرفت الحقيقة ، الموقف كان صعب شوية .
أسبل جفنيه متألماً والألم بها ، إذاً مايا هي من أحزنتها ، استدعى على الفور تمارين المعالجة النفسية وتذكر مقولتها حينما أخبرته ( لما شخص يضايقك أو يستفزك حاول بقدر الإمكان تحط نفسك في موقفه وتفكر بدماغه وحسب شخصيته ، ده هيخليك تهدى شوية من ناحيته وتاخد رد فعل أقل تهور )
تحلى بالهدوء وتحدث وهو ينهض منتشلاً مفاتيحه من فوق مكتبه :
– زي ما أنتِ جايلك حالاً .
أغلقت معه وجلست تنظر لمياه النيل وتنتظر قدومه وكل ما يتردد على عقلها الآن سؤالاً واحداً فقط وهو ( أين عائلتها الحقيقية ؟).
❈-❈-❈
كان يسير في الطرقات ويبحث عنها بعينين عاشقتيْن ، يشعر بالقلق والخوف عليها فهي لم تبتعد عن المنزل وفي ذات الوقت لم يجدها إذاً أين هي ؟
قرر العودة والبحث من جديد بدقة أكثر وهو يلتفت يتفحص كل ركنٍ وكل زاوية في الطرقات بعد أن حاول الوصول إليها عبر الهاتف ولكنه بالطبع مغلق .
لمح طيفها من خلف عدة حواجز زجاجية ، تجلس في مقهى قريباً من الفيلا .
شاردة تنظر أمامها بصمت ، اطمأن قلبه وصف السيارة جانباً ثم ترجل يعبر الطريق ليصل إليها ويحاول التحدث معها .
وصل إلى المقهى وكاد يلجه ولكنه تفاجأ بذلك الشاب يتجه إليها وتقف هي ترحب به ثم يجلسان سوياً مجدداً .
تقافز الغضب داخله وعلم أنها هاتفت المدعو أمير والذي لم يكن سوى زميلا لها في الجامعة ، وما زاد الأمر سوءاً هو عندما بدأت تتحدث معه وتحرك يديها كأنه تشرح له ما حدث أو هكذا ترجم له شيطانه لذا لم يفكر كثيراً واندفع للداخل يقتحم المكان ثم خطى نحو طاولتها وتوقف يطالعها فرفعت أنظارها له برهبة ظهرت لثوانٍ ثم أخفتها وتحدثت بحدة :
– إيه اللي جابك ورايا ، قلتلك ملكش دعوة بيا .
وقف أمير يجابهه وهو تحدث مترقباً :
– ممكن تسيبنا لوحدنا شوية ؟
لم ينظر عمر له بل مد يده يضغط على كتفه ليجلسه عنوةً ثم تحدث وعينيه منكبة على مايا قائلاً بنبرة آمرة تجاهل بها هذا المتعجب من طريقته :
– قدامي ع الفيلا .
نعم تخشى غضبه ولكن ليس الآن ، ليس بعد ما علمته وليس وهي في تلك الحالة المشتتة والمتألمة والتي تسعى فيها للانتقام من أهلها ، تكتفت ونظرت أمامها قائلة بإصرارٍ جديد :
– الكلام ده كان زمان ، إنت مبقتش الحارس بتاعي وميصحش أبداً تقتحم قعدتنا كدة أنا وأمير .
أومأ أمير مؤيداً لحديثها بينما اصطك عمر على أسنانه بغيظ وتحدث معنفاً :
– ميصحش اقتحم قعدتكوا ؟ ، ويصح إنك تطلعي تقابليه برا من غير علم والدتك ؟
نظرت نحو أمير وشردت لثوانٍ فيه ثم تحدثت بنبرة متوترة وحالة ضائعة لا تعلم أي مرسى آمن تلجأ إليه قائلة :
– أيوة يصح ، أمير كان عايز يتقدم لي وأنا جيت أبلغه قراري .
تجمد عمر وانسحبت أنفاسه ببطءٍ من جسده كانسحاب الأمواج من فوق الرمال ثم عاد يتنفس بضيق وتحدث مصدوماً :
– يتقدم لك ؟ ، وبعدين ؟
لم ترد رسم الخيبة في عينيه بيدها ولكنها سلكت طريقاً وعليها أن تكمله لذا تحدثت دون النظر إليه قائلة بارتعاشة بدأت تراودها :
– أ أنا موافقة يا أمير ، تقدر تكلم باباك وتيجي تطلبني .
هل يجرب نفس الألم مجدداً ؟ ، هل يعيشه مرةً أخرى حينما تعالى والد نور عليه ؟
ربما حينها مس الألم كبريائه أم الآن فكبريائه وقلبه يتقلبان على صفيحٍ ساخنٍ ، ثابتاً لمن يراه يطالعها بعيون الحسرة وداخله يحترق كغاباتٍ خضراءٍ اشتعلت لتوها .
التفتت تطالعه وقد أدركت الآن أنها خسرته ، لن يسامحها على ما قالته الآن ، ربما ما حدث هذا كان ردة فعل أرادت بها الثأر من والدتها ولكن هو مَن ثُأر منه ، هو من تحطم قلبه لذا فإنه دس يده في جيبه يخرج مفاتيح سيارتها ويضعها أمامها ثم انسحب بصمتٍ تامٍ يغادر بخطواتٍ ثابتةٍ في طريقه إلى اللا معلوم .
ظلت تتبعه بعينيها وهو يغادر إلى أن اختفى وسحب الهواء خلفه ولم تنتبه سوى على صوت أمير الحماسي الذي قال بسعادةٍ :
– في أقرب وقت طبعاً يا مايا ، بس النهاردة أسعد يوم في حياتي .
أجفلت تطالعه بشرود وملامح مصدومة ترى فرحته التي تزيد من حزنها وتساؤلاتها نحو ما سيفعله عمر ، هل سيتركها ؟
❈-❈-❈
وصل صقر إلى موقع نارة الذي دله هاتفه عليه .
صف سيارته بجوار سيارتها وترجل يخطو نحوها وهو يجدها تجلس بمفردها .
وصل إليها وجلس مجاوراً لها ثم تحدث بثبات وعينيه لا تقبل النظر إليها حتى لا يرى دموعها وقال بلغة إيطالية باردة اعتاد عليها لسانه حينما يكون غاضباً :
– إذا شقيقتكِ علمت أنكما من أبوين مختلفين! ، تعلمين شيئاً ، حينما رأيتكما أول مرة تأكدت أنكما شقيقتين من ملامحكما ، وكأن القدر قرر نيابة عنكما .
رفعت كفها تجفف دموعها قبل أن يراها وابتلعت تحشرجها وغصة حلقها الأليمة الحادة ثم تحدثت بنبرة حزينة :
– بس الحقيقة إنها تعرف أهلها وأنا لاء .
_ أنا عارفهم .
تدلى فكها قليلاً وهي تلتفت تطالعه بذهول تظن أنه يسايرها ولكنه تابع والجدية مرتسمة في عينيه حينما نظر لها قائلاً :
– فيه واحد بيدور عليكِ وراح الدار سأل عنك ، وبعدما اتحريت عنه اتضح أنه إبن عمك ، اسمه يوسف حسن العدلي ، محامي .
صدمة ألجمتها وهي تهز رأسها ، إذاً كان يعلم ؟ ، تساءلت بهمسٍ من شدة ذهولها :
– بيدور عليا ؟ ، ابن عمي ؟
أومأ لها فهذا الخبر تلقاه في المكالمة الهامة التي أتته حينما كان في مكتبه والتي لم تكن سوى من السيدة لبنى التي اتفق معها مسبقاً على تزويده بأي معلومة خاصة بزوجته بعد مقابلةٍ هامة علم من خلالها كيف تبنياها شفيق وآسيا .
نبضاتها لا ترحم عظام صدرها حيث تنبض بسرعة تفوق استيعابها وعقلها لا يتوقف حتى أصيب بالضجيج الفكري لذا تحدث تلك المرة بتروى كي تهدأ قليلاً :
– إنتِ بنت شرعية لزوجين اتوفوا في حادثة ، إنت الناجية الوحيدة من الحادثة ، ربنا نجاكي علشان إنتِ تكوني سبب نجاتي ، وقتها عيلة والدك رفضت تستلمك لإنهم كانوا بيكرهوا والدتك جداً ، ده كل مافي الأمر ، ودلوقتي هما بيدوروا عليكِ وهعرف السبب قريب .
قال الأخيرة بتوعد لمن يخطط لرمقها بنظرة سوءٍ أو إصابتها بهفوةٍ حزن ثم نهض يمد يده لها قائلاً :
– تعالي .
ما زالت في صدمتها ولكن بات أمر مايا أهون قليلاً عند معرفتها لتلك الحقيقة .
مدت كفها فاحتضنه بين كفه ووقفت تخطو معه نحو سيارته واستقلتها والتفت هو يصعد بها ويقود عائداً إلى المنزل وهو يتحدث عبر الهاتف لشخصٍ تابعاً له كي يجلب سيارتها .
بدأ الطريق صامتاً ثم قطعته وهي تتساءل عن معلومات لم يصل لها بعد لذا زفرت تعود لصمتها وشرودها في تلك الحقيقة الصادمة .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ .
خطت مايا الفيلا بعدما صفت سيارتها وتحركت في طريقها إلى غرفتها دون النظر إلى والدتها التي تجلس تنتظرها .
نادتها آسيا وهي تنهض من مقعدها قائلة ببعض الضيق والحزن :
– مايا ممكن نتكلم ؟ ، وبعدين فين عُمر ! .
وخزة لكمت قلبها تذكرها بعُمرِ الذي جرحته وآلمته ، توقفت على الدرج وتحدثت بحزنٍ ونبرةٍ يغلفها الجمود ولكنها تشتاق إليه قائلة :
– معرفش ، كلميه لو عايزة تعرفي هو فين .
أنهت جملتها وأكملت صعودها ولكنها حقاً ودت لو تنتظر إلى أن تهاتفه والدتها ، ودت اقتناص أي خبرٍ عنه ، لا تعلم هل أخطأت حينما اتخذت هذا القرار الأهوج ولكنها سعت للتمردِ مجدداً ، أرادت الأخذ بالثأر لقلبها المتألم وعقلها الذي شُلت أفكاره بعد معرفتها لتلك الحقيقة ، وما زاد الأمر سوءاً هو علم من كانت تتوقعه ملاذها الآمن .
دلفت غرفتها وأغلقت خلفها والتصقت بالباب ثم تنفست بضيقٍ أنفاساً تأبى طاعتها ثم دبت الأرض بقدميها وهي تحاكي وتعنف نفسها قائلة :
– يوووه بقى ، يوووه بقى ، ليه مش برتاح ، ليه بيحصل معايا كدة ؟ ، ليه بيعملوا معايا كدة .
سقطت دموعها وبدأت تمسد كفها على قلبها وصدرها المنقبض علها تريحه ولكن شتان بينها وبين الراحة .
❈-❈-❈
حل المساء
منذ ساعات وخديجة تلتزم غرفتها بعد نوبة بكاءٍ ظهر أثرها على ملامحها .
لذا لم ترد أن يراها والدها أو والدتها بتلك الحالة فقررت التزام غرفتها .
طرقات على الباب انتبهت لها لذا أسرعت تخطو نحو سجادتها وتدعي الصلاة حتى لا يرى أحدهم حالتها وساعدها في ذلك ارتدائها لإسدالها .
دلفت نسرين تحمل صينية وضع عليها صحناً ممتلئاً بقطع الفواكة المقطعة ومعه شوكةً معدنيةً ، اتجهت تضعها على الكومود ثم توقفت تنظر نحو ابنتها وعلمت أنها لا ترغب في التحدث لذا تنهدت بيأس مستسلمة وتحركت تغادر الغرفة فعلى ما يبدو أنها تحتاج إلى والدها أكثر ، دوماً كانت مقربةً منه وربما إن تحدثت معه ارتاحت قليلاً واطمئن قلبها لذا اتجهت نسرين لتناديه .
غادرت الغرفة فتوقفت خديجة تنظر نحو الباب بحزن وأسف .
تنهدت بقوة وخلعت إسدالها ثم نظرت لطبق الفواكه تزم شفتيها بحنين وتحركت نحو الحمام لتأخذ حماماً دافئاً عله يخفف من أثر الحزن على ملامحها .
لم ترَ هذا الذي استطاع التسلل إلى فيلتها بواسطة قفزه من فوق الحاجز الحديدي كاللصوص ، ولم يكتفِ بذلك بل تابع سيره نحو غرفتها وتسلق الأعمدة بمهارة معهودة حتى وصل إلى شرفتها وقفز داخلها بهدوء ووقف يترقب اللحظة المناسبة .
كان يرتدي سروالاً فضفاضاً وتيشيرت بحمالات رياضية وشعره معلقاً به قطرات المياه التي تركها عمداً لتدل على خروجه من الحمام لتوه .
يدرك أن ما يفعله هو الجنون بعينه ولكن الجنون في العشق أمرٌ مباح بل مستحب .
ليترك لها العقل والحذر وليستعمل هو جنونه كيفما يريد ، ليغامر من أجل الحصول عليها فهنا كل شيءٍ مباح .
انتظرها حتى دلفت الحمام فتسلل إلى داخل غرفتها يتنهد أنفاس العشق من تفاصيلها التي حصلت على انتباهه .
دار بعينه أنحاء الغرفة كاملة يطالعها بإعجاب نظراً لرتابتها وزهاوتها حتى استقرت عينيه على طبق الفواكه المقطعة لذا أسرع يلقي بثقله على الفراش ويتمدد باسترخاء كأنه يقضِ شهر عسلٍ في إحدى الجزر الآسياوية ثم مد يده يتناول طبق الفواكه ليبدأ في التهام إحدى القطع بلتذذ وينتظرها إلى أن تخرج من حمامها أو ينتظر أحدهم إلى أن يراه .


google-playkhamsatmostaqltradent