رواية أشلاء القلوب الفصل الرابع 4 - بقلم ندى محمود
_ الفصل الرابع _
اما ريان فكانت قِسمات وجهه تنم عن دهشة ممتزجة بالتلهف لعلمه الجيد لذلك الصوت المألوف عليه ، فنظر الى أكرم وبأعين ملتهبة هتف :
_ ايه ده؟!
هب واقفًا بأرتباك جلى وهو يهتف بتلعثم :
_ معرفش ثانية هروح اشوف إيه ده!
أسرع الى أعلى حيثُ غرفتها وهو يتوعد لها، فتبادل كُل منهم النظرات فى ترقب، وسرعان ما تذكر كلام تلك الفتاة ” _ متعرفيش اللى اتجوزته ده مين، بيته فين أى حاجة؟
هزت رأسها نافية فى أسف متمتمة:
_ لا للأسف معرفش غير إن اسمه اكرم! ”
كان أُسيد يجلس صامتًا وكأنه ينتظر معرفة مصدر ذلك الصوت المجهول بالنسبة له!! …..
***
دلف لها كالتور الهائج ليقبض على عنقها خانقًا اياها وهو يهتف بخفوت مهيب :
_ انتى فاكرة نفسك ايه، هاا هتهربى منى يعنى مثلًا.. أقسم بالله لو سمعت نفسك تانى ياملاك لاكون قاتلك ودافنك فى أرضك
ولكن هيهات فقد تمردت السجينة على سجانها الى الحد الذى جعلها تقف امامه وهى لا تكمن ذرة خوف منه بداخلها، دفعت يده بشراسة عنها وهى تكمل صياحها وصراخها الهيستيرى:
_ رياااااان، أنا ملاك الحقنى!
هنا باغتها بصفعة منه هوت بها على الأرض خارت دماء فمها على أثرها، وخرج غالقًا الباب خلفه فقابل ريان فى وجهه يتمتم بصوت يحمل فى داخله التحذير:
_ افتح الباب يا أكرم
أكرم بخشونة فى غضب :
_ شرفتونى، تحبوا اوصلكم للباب ولا عارفين الطريق!!
اخيرًا هاجت ثورة أُسيد الخامدة ليجذبه من ملابسه مُردفًا بصوت يقارب الى فحيح الافعى فى نظرات نارية اوقعت فى نفسه الرعب، فأن كان هناك من يخشاه بينهم فهو أُسيد:
_ انا بقول تيجى توصلنى أفضل بس وحدى يا أكرم علشان فى مواضيع كتير عايز اتكلم معاك فيهم
لم يهتم لهم ريان فقد فتح الباب على مصراعيه ليتأكد من ظنونه حين وجدها ملقية على الارض تبكى بغزارة، هرول نحوها ليهتف بتلهف :
_ ملاك انتى كويسة؟!
نظرت له بوجه ممتلئ بالعبرات وأعين متوسلة تترجاه هاتفة:
_ ريان ابوس ايدك خدنى من هنا متسبنيش مع الراجل ده!
همس فى صوت محتقن :
_ أكرم جوزك مش كده ؟
اماءت برأسها فى بكاء حار فأكمل بلهيب النيران المشتعلة فى عيناه بعد أن لاحظ الكدمات التى فى وجهها والدماء السائلة من فمها :
_ هو اللى عامل فيكى كده ؟
كانت تومئ له للمرة الثانية فى أنكسار فأنتصب فى وقفته ليتجه نحوه وينتزعه من يبن أيدى أُسيد لينهال عليه باللكمات والضربات المتتالية ويشبعه بألفاظ نابية ، ابعده عنه أُسيد وهو يصرخ به بصوت جهورى :
_ ريان انت اتجننت، فى ايه !!!
صاح بصوت يرتجف من شدة الانفعال :
_ ******، دلوقتى فهمت ليه مش معرف حد بجوازك علشان عارف أنى لو شميت خبر بس هاخد روحك وده اللى هعمله فعلًا
كانت نظرة أُسيد الصارمة له وهو يهمس بخفوت منذر :
_ ريان بلاش تعفرتنى اهدى وأرسى كده !
مازال لم يعرف شئ عن أشكال معانتها معه المختلفة لم يعرف سوى عن الذى رأه بعنياه فماذا إذا ببقية الأمور!! ………….
رأت ملاك نظراته المخيفة له فلجأت بريان لتقف خلفه كالأطفال احتماء به من بطش ذلك الوغد، حيثُ وقف على قدميه وهتف بنبرة تحمل فى طيأتها التهديد :
_ لو مطلعتوش من البيت دلوقتى هطلب ليكم البوليس
وهم بجذب ملاك من ذراعها فتصدر له أُسيد تلك المرة مُتدقشًا فى إبتسامة مريبة :
_بقت تخصنا خلاص
هتفت بصوت انثوى رقيق ومرتعش :
_ طلقنى يا أكرم من غير مشاكل وكل واحد فينا هيروح لحاله
خرج صوت ريان المتحشرج قائلًا بنظرات ملتهبة :
_ بعد اللى عامله فيكى ده غصب عنه هيطلقك!
أنقض أكرم عليه ليوجه له لكمة قوية وهو يصرخ به من شدة الانفعال :
_ أنت مين علشان تتدخل بينى وبين مراتى
أظهر على أنيابه وبرزت عروق رقبته، فتمطع بعنقه للجانبين وهو يهيأ نفسه لما سيفعله به الأن فرأى نظرة أُسيد الرزينة التى تحمل بداخلها الخبث وهو يغمغم يخشونة مريبة وإبتسامة أوقعت الرعب فى ثنايا قلب ذلك ال ” اكرم ” :
_ خد ملاك ياريان وسبلى أكرم بيه فى كلام كتير بينى و بينه هنتفاهم أنا وهو
تظاهر بالثبات أمامه واعضائه ترتجف بداخله، رمق زوجته التى مازالت تلوذ بريان وتتشبث بملابسه فهتف أُسيد بإبتسامة متغطرسًا :
_ متخفش عليها فى ايد أمينه، يلا ياباشا بقى
سار معه وهو يشعر بالخطر يقترب منه فى كل خطوة يسيرها معه بينما ريان وملاك فتبعوهم وكل منهم أستقل فى سيارته، وقبل أن يستقل أُسيد بسيارته رمق ريان بنظرة وإبتسامة يعلمها جيدًا، جعلته يصعد بسيارته فى أرتياح !!…….
***
توقفت السيارة فى مكانها المخصص ليترجل مراد منها ويسير نحو باب المنزل، ولكنه توقف عندما لمح شئ يقف فى الظلام الدامس، تسمر بأرضه لبرهة يدقق النظر محاولًا معرفة من هذا، لوهلة ظنه لص حيث أسرع فى خطاه نحوه متحفزًا وعندما أقترب أتضح أنها امرأة ببداية الأمر عجز عن تحديد هويتها ولكنه بعد ثوانٍ تمكن من معرفتها، أقترب منها أكثر وهتف بصوت رجولى صارم :
_ سارة بتعلمى إيه هنا دلوقتى !؟
أرتشعت وأنتفضت فى وقفتها حتى كاد الهاتف يسقط من يدها، فأغلقت الاتصال وأخفته خلف ظهرهها لتجيبه بنظرات مرتعدة وصوت متلعثم :
_ هاااا.. لا مش بعمل حاجة كنت بكلم وحدة صحبتى
نظر الى هيئتها بنظرات شائكة ليهتف بحدة :
_ ولما هى صحبتك مالك مش على بعضك كده ليه، وبعدين هى صحبتك مينفعش تكلميها فى اوضتك فوق إيه اللى موقفك فى الضلمة دلوقتى وفى حراس وخدم
فركت كفيها ببعضهم وهى تردف بتوتر :
_ أنا آسفة، أنا نزلت اتكلم عادى مكنتش اعرف!
_ طاب اطلعى على الأوضة يلا ومتكررهاش تانى
أسرعت تغادر من امامه فى خوف، فنظر اسفله ليرى عقد يأخذ شكل قلب، أنحنى والتقطته يتحسسه بأصابعه هم بفتحه لتنتشله هي من يده بسرعة تهتف بصوت به رجفة بسيطة:
_ وقعت منى، شكراً !
رأت عيناه المخيفة فقد أيقن أنها تخفي شئ ليس بهين ولكنه أكتفى بتلك النظرات التى جعلتها تهرول الى الداخل هاربة منه! ….
***
وقف امام السيارة متشدقاً بشئ من العنف :
_ إيه هتقعد فى العربية ولا إيه !
ترجل أكرم من السيارة وتلفت حوله يحاول رؤية أى بشر فى تلك البقعة الصحراوية والمهجورة لا يوجد بها سوى مخزن صغير، فنظر له وغمغم بخوف بسيط :
_ جايبنا هنا ليه يا أُسيد
وضع قبضتى يديه فى جيبى سترته الجليدية ليتحرك نحوه مجيبًا فى خفوت مريب :
_ أصل أنا راجل حقانى أوى الصراحة يا أكرم وبحب زى ما ادى للناس حقها اخد حقى كمان واحنا فى حسبات كتير بينا محتاجين نصفيها
بنظرات مرتبكة أردف :
_ حسبات إيه يعنى فلوس قصدك !
اجابه باسمًا بمكر :
_ إيه هو أنا شكلى مادى أوى كده، تعالى وهقولك حسبات إيه دى يا أكرم بيه
تقدم أكرم امامه وتبعه أُسيد، حتى دخلا الى ذلك المخزن الصغير لينظر له أُسيد هاتفًا بغضب زائف:
_ ولاد الحرام مخلوش حاجة فى المخزن، شايف المخزن ده كان مليان بضاعة تمنها فوق 40 مليون، معندكش فكرة مين عمل كده وسرق البضاعة ؟
أزدرد ريقه وقد تغير لون وجهه إلى الأصفر وعيناه تعكس نظرات توحى بالرعب وبدأ العرق يسيل من على جبينه فأكمل أُسيد بهدوء ما قبل العاصفة :
_ شكلك معندكش فكرة تحب اقولك أنا ؟
بصوت مبحوح اجابه :
_ أنت عايز ايه يا أُسيد
شمر عن ذراعين مفتولتين وهو يتمتم بحنجرة قوية :
_ أنا عايز كل خير، زى ما قولتلك هنصفى الحسابات !
وبدون مقدمات كان ينقض عليه ليبرحه ضربًا حتى خر على الأرض أمامه كالجماد الذى لا حياة فيه انتصب فى وقفته ويطحرك ذراعه لاعلى وأسفل متصنعًا الألم وهو يهتف :
_ كده صفينا أول حساب، الحساب التانى بقى هتمضيلى على شيك بـ 40 مليون دلوقتى
أنحنى يجزعة للأمام ليكون قريبًا منه وتابع حديثه بصراخ هز أركان الحوائط :
_ فاكر نفسك مين هتضحك على أسيد الصاوى وتغفله، كان غيرك أشطر لا وكمان رايح تعزمنا ياااه ده أنت قلبك ميت بقى، لا والغباء واصل لـ level عالى عندك يعنى أنت متجوز بنت عمتنا وبتعمل فيها كده وجاى تعزم ريان اللى هو اصلا عارفها اكتر منى بس أهو الموضوع جه فى صالحى
أخرج من جيب بنطاله ” شيك ” وقلم وناوله اياهم صائحا بصوت جعله يرتجف :
_ امضى يلا !
قام بأمضاء منه على تنازل 40 مليون من املاكه له فجذب الشيك من يده وهو يغمغم بنظرات وضيعة واشمئزاز :
_ خليك هنا لغاية ما اشوف هعمل فيك إيه وموضوع طلاق ملاك ده هنشوفه بعدين !
وجد أحد رجاله يدخل بعدما صاح مناديًا عليهم وهو يهتف برسمية :
_ اوامرك يا أُسيد بيه
هندم من ملابسه جيدًا وهو يقف شامخًا ليجيبه بغضب :
_ يتكتف ويتربط وتخلوا عينكم عليه واياكم يفلت منكم واستنوا الأوامر منى
***
صاح بها مزمجرًا :
_ كل ده يحصل معاكى ومتقوليش يا ملاك!
همست بأعين تهيمان بالدموع وصوت مزقه الحزن :
_ مقدرتش اوصلك ياريان صدقنى وأكرم مكنش بيطلعنى من البيت حاولت كتير اوصلك واستنجد بيك من اللى أنا فيه معرفتش، أنا مكنتش عايشة اصلاً كنت شبه ميتة الأهانة والمرار اللى شوفته معاه عمرى ما عشته
ضغط على شفاه السفلى وهو يهتف بنبرة متوعدة :
_ مبقاش ريان الصاوى أما خليتك تتمنى الموت ومتطلهوش، أُسيد نقذك منى بس النهردا… وأنتى أنا حتى عمتى معرفتش أنها ماتت غير من يومين وقابلت وحدة جيرانكم بتقول أنها صاحبتك وقالتلى أن عمتى ماتت وأن أنتى اتجوزتى
بأعين تشع بحنين الشوق هتفت :
_ بجد شوفت زمردة ياريان، وحشتنى أوى نفسى اشوفها ليا فترة طويلة مشوفتهاش !
خرج صوته الرجولى وهو شاخصًا بصره عليها :
_ المهم دلوقتى أنتى هتيجى معايا البلد وهتقعدى هناك وموضوع طلاقك ده أنا هظبطه متقلقيش
أنتصبت فى جلستها ثائرة وهى تلقمه بهذا اللفظ حجرًا :
_ أنت بتتكلم من عقلك أنا عندى اقعد فى الشارع ولاأانى ادخل البيت ده، مش هنسى الأذية اللى سببوها لماما وبابا اللى مات غدر بسببهم واولهم أبوك ياريان كان عارف باللى هيحصل ومحاولش حتى يمنع اللى عمل كده، بس أنا مستنية إيه من ناس مشفقوش على بنتهم هيشفقوا على الغريب !
لوى فمه بعبوس وهو يشيح بنظره عنها فى ضيق واضح فزفرت هى بخنق مُكملة بأعتذار :
_ أنا آسفة ياريان مقصدش اضايقك والله بس أنا بجد مش عايزة أى حد من العيلة دى، أنت الوحيد اللى بنسبالى كل حاجة أنت وسارة وعارف معزتك عندى وبحبك إزاى متزعلش منى ارجوك
تنفس الصعداء بأقتضاب متشدقًا بوجه متهجم :
_ خلاص ياملاك طلاما رافضة تيجى البيت معايا، روحى اقعدى عند أُسيد مؤقتًا لغاية ما أظبط الأمور!
بريبة تتجلى فى عيناها هتفت متساءلة :
_ أُسيد مين ده ؟؟!
_ اللى كان معايا ياملاك ابن خالك ياسر، اقعدى معاهم مؤقتًا.. هو معاه اخته وسارة كمان قاعدة هناك الفترة دى يعنى مش هتكونى وحدك ومرات عمى كمان موجودة
تلاطمت افكارها وترددت مليا لتجيبه بعدم اقتناع :
_ أنت مالك النهردا ياريان، عايزانى اروح عنده وأنا أصلا أول مرة اشوفه النهردا ولا اعرفه ولا حاجة ولا حتى اعرف أمه ولا أخته معرفش غير سارة
بنبرة شبه ضجرة هتف بحزم :
_ مهو مش هتيجى معايا يبقى هتروحى عند أُسيد ياملاك لأنى مستحيل اسييك تقعدى فى شقة وحدك، هاا تختارى ايه تيجى معايا ولا تقعدى عند أُسيد
أشاحت بوجهها عنه معربة عن أعتراضها على الاختيارين فوجدته يهتف مقررًا بالنيابة عنها :
_ تمام طلاما مش هتختارى أنتى هختار أنا.. هتقعدى عند أُسيد
أجرى أتصال به واخبره أنه فى طريقه إليه وفور وصوله جذبه إلى أحد الأركان بعيدًا عن مسمعها ليهتف بخفوت :
_ عملت إيه ؟
بصوت غلبه الوجوم اجابه :
_ عملت ايه يعنى، عملت الواجب معاه متقلقش قاعد تحت ايدى، إيه هتروح معاك البلد ولا لا مظنش انها وافقت؟
_اكيد طبعًا موافقتش أنت مش محتاج اقولك ملاك وعندها ازاى أنت عارفها كويس قولتلها تروح تقعد عندك لغاية ما الأوضاع تتظبط
نظر لها بأعين صارمة جعلتها ترتبك بشدة وتشيح بوجهه للجهة الاخرى لتتقى نظراته الحادة وهى تتساءل كيف ستعيش مع ذلك الرجل إذا كان ينظر لها هكذا من أول لقاء بينهم، بينما ريان فهمس له بنبرة لا تحمل نقاشًا :
_أنا اقنعتها تروح تقعد عندك بالعافية
اماء برأسه اماءة بسيطة فى عدم أعتراض مجيبًا:
_ متقلقش أنا هعرف اتعامل معاها إزاى
هز رأسه بالإيجاب له ثُم عاد لها ليهمس بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا :
_ ملاك روحى مع أُسيد بقى وأنا هرجع البلد لأن ورايا شغل مش هينفع اتأخر عليه اكتر من كده متقلقيش هبقى على أتصال معاكى علطول
قبضت على يده وهى تهتف بنبرة راجية وأعين دامعة بلهجة شبه طفولية وبريئة :
_ خليك معايا النهردا ياريان علشان خاطرى، انا خايفة ما اروح مع اللى اسمه أسيد ده مشوفتش بيبصلى ازاى متسبنيش بالله عليك
فى نظرة دافئة ونبرة عاشقة تحمل الحنان والقليل من المزاح:
_ مين أسيد! .. لا يمكن بيتهألك، اصلك لسا متعرفهوش متخافيش مش هيعضك ياقلبى والله.. يلا قومى ولو عوزتى حاجة خدى رقمى من أسيد ورنى عليا
كفكفكت عبراتها كالأطفال وتمنت لو تتمكن من معانقته قبل مغادرته ولكن لا يجوز فأكتفت بتودعيه بالمصافحة، ثُم سارت على حرج بجوار أسيد لتسقل بالمقعد الخلفى للسيارة وهى تنظر فى كُل شئ عادا وجهه وكأنها تتفادى نظراته التى أنزلت الرعب فى قلبها فورًا، تارة تتابع الطريق وتارة تفرك يداها ببعضهم وتنظر اسفلها، كان ينظر لها فى المرأة العلوية نظرات قوية، ليخترق فقاعة الصمت طافقًا بنبرة غريبة :
_ عمتى ماتت امتى وازاى ؟
سعلت بخفة لتزيل بحة صوتها ولكنها لم تنجح حيث اجابته بصوت يكاد لا يسمع فى خوف جلى:
_ أاااا … من تلات شهور كده كان عندها ورم فى المخ ومقدرتش اعملها العملية فى المعاد المناسب فتوفت
أكمل بنفس نبرته السابقة :
_ واتجوزتى الحيوان ده بعد موت عمتى علطول ؟
اماءت بإيجاب على أستحياء وهى تهرب منه بنظراتها لتهمس فى صوت انثوى رقيق :
_ معلش ممكن توقف العربية قدام أى سوبر ماركت بعد اذنك عايزة اشترى أى حاجة اكلها لأنى جعانة جدا الحقيقة
أوقف السيارة وتشدق بصرامة فى لهجة غريبة:
_ خليكى مكانك هنا هروح اجبلك اللى عايزاه واجى
هتفت فى أعتراض تام وتبرم :
_ لا لو سمحت سيبنى أنا انزل متقلقش معايا فلوس يعنى !
فى نبرة شبه متغطرسة وأعين ثاقبة :
_ طاب كويس خليها معاكى بقى الفلوس تنفعك وقت زنقة أنا مسألتكيش معاكى ولا لا، مش عايز كلام كتير ياملاك
وسرعان ما أستدار وسار مبتعدًا عنها لتهتف هى بأنفعال فى أغتياظ:
_ أنت يا اخينا أنت، هو بيتكلم من منخيره كده ليه!! .. هو انا ناقصة ياربى، من ده لده ياقلبى لا تحزن، ماشى ياريان أما اشوفك بس همسك فيك بأيدى وسنانى ومش هخليك تمشى من غيرى تانى!
***
كانت كل من أسمى وليلى يجلسوا على أحد الارائك الكبيرة فى ” الصالون ” يتحدثون عن أمر ليس بهين حيث هتفت أسمى بنبرة شبه ضجرة :
_ ماما بلاش جنان تقولى لأسيد ومراد إيه متخلنيش اندم أنى قولتلك
صاحت بها ليلى وقد تملكها الغضب بأكملها :
_ ده واحد حيوان وزى ما أذاكى قبل كده هيأذيكى تانى وأنتى عارفة مكانه ومش عايزة تقوليلنا، ولا لتكونى لسا خايفة عليه ياهانم
هزت رأسها نافية فى أضطراب بسيط وهو تتشدق بأندفاع :
_ خايفة عليه إيه بس ياماما أنا لو أطول هشرب من دمه، أنا خايفة على أسيد ومراد أنا مش هعرف ولادك اكتر منك يعني، وأنتى عارفة أسيد بذات هيعمل إيه لو عرف مكانه والله يا أمى هيقتله وادينى بحلف قدامك كفاية أنه حاول يعتدى على مريم الله يرحمها ويقتلها لو مستغنية عن ابنك روحى قوليلوا يا ليلى هانم مكان معتز فى المكان الفلاني بس بعد كده متلوميش غير نفسك على اللى هيحصل
هزت برأسها عدة مرات متتالية فى عدم أقتناع وهى تتمتم بحسم :
_ مهو لو مقولتش لأسيد أو مراد أنا هتصرف لأنى لا يمكن اسيب البنى آدم ده يعيش حياته براحة
أستقرت فى عيناها نظرة ساخرة وهى تجيبها بأستنكار :
_ إيه هتقولى لريان ولا لجدو ولا لعمى ولا لمروان ولا لمين بظبط علشان يكونوا فى معلومك دول انيل والله وتخيلى لو عرف أسيد أنك روحتى قولتى لواحد منهم ومقولتيش ليه هيعمل إيه، ماما ياحبيبتى افهمى ده مش حل صدقينى الحل أنك تسبيها ماشية كده وربنا هيسترها أن شاء الله
حدجتها بأعين معترضة على ذلك الرأى ولكن لم يكن عساها شئ سوى أثر هذا الرأى حفاظًا على ابنائها من الضياع ….. !!!!
***
أستقرت السيارة داخل قصر ” ياسر الصاوى ” .. فترجل هو من السيارة والاخيرة ظلت بالسيارة وهى تفرك يداها بتوتر، اتاها صوته الاجشَّ عندما احنى رأسه لينظر لها من نافذة السيارة وهو يقول :
_ خير هتباتى فى العربية النهردا ولا إيه، انزلى يلا !
فتحت الباب على مضض ونزلت فرفعت نظرها الى ذلك القصر بذهول والتفت حول نفسها تتفحص الحديقة الضخمة والفخمة مثل المنزل، ارتفعت فوق ثغرها ابتسامة ساخرة وهى تهتف بصوت باطنى ” أن كان هذا هو منزل أحد أبناء محمد الصاوى فكيف هو منزل العائلة، أيعيشون فى كل هذا الهناء والرخاء وأنا وأمى شهدنا جميع أشكال العذاب والأهانة.. توفت ولم يعلم بوفاتها احد كانت فى أمس احتياجها لبعض المساعدة ولم يمد لها أحد يد العون، كيف يمكنكوا العيش بهناء بعد كل هذا، لن أسامح أى شخص منكم ”
أنتفضت على صوته وهو يهتف متعجبًا :
_ ملاااك ، سرحتى فين كده !
أبتسمت له بسخرية هاتفة بمرارة :
_ لا بس بتخيل إذا كان ده بيت ياسر الصاوى فبيت محمد الصاوى نفسه ازاى، اللى عايش حياته بكل سعادة وبنته ماتت بعد سنين بتعافر فى المرض ومكنش فى حد جنبها غيرى، حتى جوزها قتلوه.. ماعلينا ممكن تطلبلى ريان عايزة اكلمه ؟
اخرج هاتفه واجرى أتصال وناولها اياه وهو يدقق النظر بها فى صمت تام يفكر فى حديثها.. فأبتعدت هى عنه قليلًا لتجيب على ريان بشئ من الغضب :
_ أنت فين ياريان !؟
قطب حاجبيه من نبرة صوتها وغمغم فى قلق جلى :
_ فى الطريق رايح البلد فى إيه ياملاك حد عملك حاجة أو ضايقك؟!!
زفرت بخنق وخرج صوتها محتنق :
_ مش عايزة اقعد فى البيت ده ياريان صدقنى مش هستحمل اشوف أى حد منهم ، ارجوك تعالى خدنى وودينى فى أى مكان
فى صوت رجولى حانى أستطرد باسمًا :
_ معلش ياملاك استحملى أنا كلها يومين وهاجى تانى واخدك !
صاحت فى صوت شبه مرتفع وهى تهتف ببكاء :
_ أنا مجرد ما بصيت على البيت مقدرتش مبالك لو دخلت جوه وشوفتهم، افهمنى ياريان الناس دى هما السبب فى اللى أنا فيه ده واللى عشته لو مجيتش واخدتنى أنا همشى وحدى
وجدت من يسحب الهاتف من على أذنها بعنف ويجيب على ريان بصلابة قائلًا :
_ كمل طريقك ياريان متقلقش
ريان فى شئ من الاهتمام والقلق البالغ :
_ بالله عليك يا أسيد خلى بالك عليها، حاول تهديها
أنزل الهاتف من على أذنه ووضعه فى جيب بنطاله ليحدقها بنظرة مرعبة مغمغمًا :
_ اولًا احنا ملناش أى دخل باللى عشتيه سواء أنتى أو عمتى عايزة تقعدى معايا يابنت الناس لغاية ما ييجى ريان اهلًا وسهلًا مش عايزة يبقى زى ماقولتى لريان همشى وحدى وأنا مش همنعك
سالت عبراتها الحارقة على وجنتيها وهى تحدقه بأعين بريئة كبراءة الأطفال لتصرخ به فى أنفعال ونشيج مسموع :
_ انت بتكلمنى كده ليه من ساعة ماشوفتنى، لأكون قتلتلك قتيل وأنا معرفش، صحيح هكون مستنية إيه منك ماهى العيلة كلها واحد ماشاء الله.. مش عايزة اقعد ولا ادخل البيت ده أصلا عندى اقعد فى الشارع ولا أنى ادخل معاك بعد اللى قولته ده
وأستدارت لترحل تاركة الاخير مستمرًا يتابعها وهى تغادر المنزل بأقصى سرعة …. !!
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية أشلاء القلوب) اسم الرواية