رواية هواها محرم الفصل الرابع 4 - بقلم آية العربي
بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
الفصل الرابع من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
الاختلاف
هو أن تعتاد روحي على وطنٍ لا تقبل الانتماء لغيره وحين تهفو رياحها من وطنها تصبح روحي عميلةً خائنةً .
الخنوع
هو أن أسير مختالاً فخوراً وحين تهفو رياحها أنحني مطيعاً لها .
الغضب
هو ظلاً يسكن عيني ووحشاً يسكن روحي فأثور أعمى في دروب عالمي وحين تهفو رياحها يغفو الوحش وتنقشع الظلال .
أخبروا خديجة أن سفينتي تشتهي رياحها ووصالها وأنها مرسى الحياة
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
في دار الأيتام وبعد أن نام جميع الأطفال ومعظم العاملات .
خطت السيدة لبنى نحو تلك الغرفة المتطرفة عن بقية الغرف ثم تنفست تدعم رئتيها وطرقت بابها ومالت عليه قليلاً قائلة بهدوء وحنو وترقب :
– عُمر يا حبيبي ، إنت صاحي ؟
فُتح الباب فأبعدت رأسها قليلاً ثم طالعته بنظراتٍ متفحصة ، كانت ملامحه حزينةً ولكنه ابتسم بلطفٍ وقال بهدوء :
– لا لسة يا أمي منمتش ، اتفضلي .
أفسح لها المجال فدلفت تخطو نحو المقعد الجانبي تجلس عليه وخطى هو يجلس أمامها قائلاً بحرج :
– آسف إني جيت فجأة كدة بس ..
قاطعت حديثه وهي تمد يدها تربت على ساقه قائلة بحنوٍ بالغٍ :
– متقولش أي حاجة علشان مازعلش منك ، إنت تيجي في أي وقت ، فيه حد يقول لأمه كدة ؟ ، وبعدين سيبك من كل ده وقولي مالك ، لازم تحكيلي يا عُمر .
تنفس بعمق يستجمع طاقته التي كلما تذكر ما فعلته مايا انهارت قواه وتحطم قلبه ، نظر أمامه وتحدث باستفاضة وشرود يتذكر فعلتها قائلاً :
– بقالي سنين بعافر وبتحدى الناس علشان اثبت نفسي ومكاني ، كرامتي اللي بسرقها من نظرات الناس ليا واللي حاول قبل كدة حد يهزها لكن مسمحتلوش ، مكانش عندي أي نقطة ضعف يستغلني بيها .
التفت ينظر إلى لبنى ويسترسل بابتسامة موجعة سلبت روحه قبل أن تظهر على ملامحه الحزينة :
– تيجي هي وتهد كل اللي حاولت أبنيه بقالي سنين ، في لحظة رجعتني لحقيقتي اللي هتفضل وصمة عار ملازماني .
آلمها قلبها لأجله وهي تطالعه بذهول وتساءلت بحزنٍ وعيون ملتمعة على وشك البكاء متسائلة بتأهب :
– مين دي يا عمر ، مين اللي عملت فيك كدة ؟ .
انتشل نفساً قوياً ينعش به رئتيه المعذبة والمتضخمة ألماً حتى كادت تسحق قلبه ثم زفر بقوة وقال بشرود :
– نقطة ضعفي ، الوحيدة اللي حبيتها بجد وخوفت عليها حتى من نفسي ، مايا شفيق الدقاق .
ذهولاً أصابها لثوانٍ وهي تنظر لوجهه كأنها تتأكد مما قاله ثم قالت بصدمة :
– مايا ؟ ، معقول يا عمر ! ، مايا اللي عاملة فيك كدة ؟ دي لسة صغيرة .
ابتلع غصة حلقه الجافة الجارحة وتساءل بتعجب وقلق :
– وفيها إيه يا أمي ؟ ، كتيرة عليا ؟ .
هزت رأسها تردف مصححة :
– لا يا حبيبي مش قصدي كدة ، الحب مش بالسن مع إن خير الأمور الوسط ، يعني أنا وجوزي الله يرحمه كان بينا فرق ١٣ سنة وكان بيحبني وبيعاملني إني بنته وكنت ملكة وعمره ما زعلني .
سقطت دموعها وهي تستعيد ذكرى زوجها الغالي ثم تنهدت وتابعت بتروٍ وهي تلتقط الأخرى بكفها قبل أن تسقط :
– قصدي إنها صغيرة فأكيد تصرفاتها مش متزنة ومحتاجة منك حكمة وتفهم ، أنا شفتها يوم زفاف نارة كانت زي الطفلة ، وكانت عيونها عليك على فكرة طول الوقت وأنا توقعت وقتها إنها بتحبك وقلت الكلام ده لمنيرة قالتلي دي هبلة ومش هتنفع عمر بس أنا كان ليا رأي تاني ، أنا كنت شايفة إن لو فعلاً ده حصل هتبقوا مناسبين جداً لبعض ، لإني افتكرت حكايتي مع جوزي الله يرحمه ، حياتك الهادية والكئيبة دي محتاجة حد حيوي ينعشهالك .
نطقت الأخيرة بابتسامة ماكرة وهي تلكزه بحنان أمومي فاستطاعت بكلامتها أن تشتته عن حزنه قليلاً وجلس يستمع إليها وهي تتابع بحنو :
– هي بتدرس إيه ؟
أجابها بقلبٍ نابضٍ لتلك العنيدة قائلاً بتنهيدة معذبة :
– فنون جميلة السنة التانية .
تفاجأت فقد كانت تحسبها أصغر سناً لذا تحدثت متسائلة :
– طيب ممكن تحكيلي إيه اللي حصل بالضبط ؟
عاد ألم قلبه ينغز صدره وهو يستعيد ما حدث ويسرده لها كاملاً وهي تستمع له بإنصات وقد تفهمت ردود الأفعال جميعها لذا قالت بهدوءٍ وحكمة وخبرة :
– طبعاً غلطانة ، غلطانة وهبلة كمان ، بس دي متتسبش يا عمر ، دي لو اتسابت هضيع يا حبيبي وانت بتحبها ، خصوصاً إن آسيا موصياك عليها ، دي عايزة احتواء وتتعامل معاها كأنها بنتك بالضبط ، أيوة تتعاقب طبعاً وتعرف غلطها بس إنت قلت إنها بتحبك جداً يبقى أوعى تسيبها تضيع نفسها ، للأسف للدلال وجه مظلم وده اللي حصل مع مايا ، واضح إن باباها كان مفرط في دلعها وده سبب إن آسيا تلجأ لك ، لازم تكون قد المهمة دي يا عمر ومتنساش إن هي كمان يتيمة .
برغم مد طريق الراحة إلى قلبه من حديثها وتوغل السكينة إليه إلا أن عقله تحدث مستنكراً بشموخٍ :
– إزاي بس يا أمي ؟ ، هرجعلها إزاي بعد ما قالت أني مبقتش الحارس بتاعها وطلبت من زميلها ييجي يخطبها قدامي ! ، مستحيل أفرض نفسي عليها تاني ، مش يمكن لما عرفت أصلي عملت كدة ؟ ، مش يمكن ده مش تصرف أهبل منها زي ما قلتي وعملت كدة علشان ما تربطش نفسها بواحد مالوش أهل ؟
أسرعت تردف بحزم وثبات وقناعة :
– لااااء يا عمر ، أوعى تقول كدة تاني ، إنت بنفسك قلت إنها مش مستوعبة أن نارة مش أختها ، رد فعلها مع نارة ينافي كلامك تماماً ، أنا متأكدة إنها مشتتة ومش عارفة تفكر صح فأخدت أي رد فعل يعمل صدمة ليك ولآسيا لإن إنتوا اللي خبيتوا عنها .
سبَح بقارب أفكاره في بحر كلمات لبنى لثوانٍ وكأن قلبه يتعلق بها ولكن عقله أيضاً شبه مقتنع لذا تساءل بانتباه وهو يتعمق في ملامحها المريحة :
– طيب ودي اتصرف معاها إزاي ؟ ، دي طلبت منه يتقدملها .
زفرت والتفتت أمامها تفكر قليلاً ثم عادت إليه وتحدثت بتريث وخبثٍ حكيم :
– هقولك تعمل إيه .
تنبه لها جيداً باستجابة تامة وبدأت تخبره بكيفية التصرف مع تلك المتمردة الحزينة .
❈-❈-❈
في العاشرة مساءاً وعلى غير المعتاد .
تقف أميرة في مطبخها تعد فنجاناً من القهوة علّها تخفف من وطأة الصداع الذي يهاجم رأسها كل يوم حتى بات محتلاً لها .
كل شيء حولها هنا له الحق في الراحة إلا هي ، حُرمت من راحتها وحُرمت من سعادتها وسلبها والديها وزوجها السكينة التي كانت تتمناها .
هنا تعامل كالأسيرة من قبل سجّاناً قاسياً القلب متحجر المشاعر كل ما يسعى إليه هو امتلاكها جسدياً فقط ، لم تشفع لها صلة القرابة بينهما ليرحمها بل أكمل عزفه بأوتار القسوة والعنف على قلبها وبرغم ذلك تعافر مع رياح الحياة علّها يوماً تصل إلى مرسى آمن حتى لو لم يكن ما تتمناه ، يكفيها الآن أن تنجو ولكن هل حقاً ستنجو أم ستظل لعبة الأمواج تحركها كيفما تريد ، دوماً هذا السؤال يتردد على خاطرها .
سمعت صوت سيارة زوجها فتعجبت من مجيئه في هذا الوقت لذا تنفست بقوة تستدعي طاقتها لرؤيته التي لا تحبذها ثم عادت تكمل صنع ما تنويه حيث فتحت أحد الأدراج وتناولت منه فنجاناً وطبقاً ثم اتجهت تقف عند ماكينة صنع القهوة ووضعت الفنجان أسفلها تنتظر تحضيرها .
دلف فيلته وأغلق الباب بحدة أجفلت على أثرها وتعالت نبضاتها بخوف ولكنها ادعت الثبات ولم تلتفت لتراه بل ظلت ثابتة ثباتاً كاذباً أمام ماكينة القهوة ولكنها شعرت بخطواته ووقوفه خلفها .
وبالفعل حين وجد إضاءة المطبخ مضاءة اتجه على الفور إليه ووقف يستند متكتفاً عند بابه واضعاً ساقاً أمام الأخرى وهو يقول بنبرة صلدة بطيئة :
– مجتيش ليه ؟
حاولت تنظيم أنفاسها التى تباطأت والتفتت برأسها تطالعه بطرف عينيها ثم عادت تنظر إلى ماكينة القهوة التي بدأت تسقط منها القطرات متتالية داخل الفنجان وتحدثت بعد ثوانٍ بقوة وهمية :
– قلتلك مش عاوزة أروح ، مبحبش أروح هناك ، محدش هناك بيحـ ــــــــــ ااااااااه .
جحظت عيناها حينما وجدته فجأة خلفها يقبض على خصلاتها بيده ويلفها رافعاً رأسها إليه وهو يقول بملامح وحشية مخيفة وفحيح أرعبها :
– مادام قلتلك تروحي يبقى كان لازم تسمعي كلامي ومتطلعنيش عيل قدامهم ، ولا إنتِ قاصدة تستفزيني علشان وحشك وشي التاني ؟ .
نظرت له بقهر وهى تزم شفتيها وكادت أن تبكي ويدها تحاول نزع خصلاتها من بين قبضته القوية ، تجزم أنه سيقتلع شعرها وتطالعه بكره وتصرخ قائلة :
– سيب شعـــري وابعد عنــــي .
لم يحل قبضته بل زاد من لفه حول يده القاسية أكثر فتألمت واعتصرت عيناها وقالت ببكاء وهي تلكمه بقبضتها في صدره :
– شعري يا مجنون ، سيب شعـــــــــــــــــري .
انحنى نحو اذنها ثم قضمها بقوة جعلتها تصرخ فابتسم بطريقةٍ مرعبة قائلاً بهمس وبطءٍ متعمد :
– الكلمة تتسمع من أول مرة وإلا هتبقي إنتِ السبب في أي رد فعل ليا بعد كدة ، أنا بحاول أكون كويس معاكِ ، اتقي شري يا أميرة ، أوعي تفكري إن علشان بحبك هسمحلك تقللي مني حتى لو قدام أهلي .
نفض يده عنها يلقيها بعيداً فارتدت عند رخامة المطبخ تدلك بيدٍ أذنها وبالأخرى فروة رأسها التي تتألم وهي تبكي بنشيج حاد .
نظر لها بغضب ولم يبالي بمقدار ذرة ندم بل يعانقه وحش القسوة الآن .
التفت يغادر من حيث أتى ليكمل سهرته اليومية بضيق وغضب وتركها تسقط أرضاً وتتكور على نفسها بضعفٍ وعجزٍ ويأس .
خارت قوتها ، كلما أقنعت ذاتها أنها قوية وستواجه وستنتصر أخيراً عليه وعلى عائلتها جاء هو في لمح البصر ليثبت لها أنها واهية ضعيفة ذليلة له ولعائلتها .
أحنت رأسها بين ركبيتها وبدأت تبكي بكاءً يقطع أنياط القلوب ، تصرخ بصوتٍ داخلي قائلة :
( ياااارب ، ياااارب أمــــوت أنا تعبت ، تعبت أوي )
❈-❈-❈
في فيلا حسن العدلي
دلف ابنه يوسف يلقى السلام على والديه قائلاً بهدوءٍ وهو يجلس بتعب بعد يوم عملٍ شاق :
– السلام عليكم .
ردا سلامه فتنهد بعمق وتحدث بترقب وتمعن وهو يطالع تعبيرات والده :
– جبتلك كل المعلومات زي ما طلبت يا بابا ، حتى كمان عرفت عنوانها .
تفاءل حسن ونظر لزوجته التي ابتسمت وأومأت محفزة ثم التفتت تطالع ابنها قائلة بحماسٍ وراحةٍ :
– قول يا يوسف بسرعة عرفت إيه .
تنبها له فتحدث يوسف بتروٍ مظهراً مافي جبعته :
– بصي يا ستي ، ناردين شفيق الدقاق ، هي نفسها نارة بنت عمي الله يرحمه ، اتبناها شفيق ومراته من ٢١ سنة وأخدوها وسافروا إيطاليا وبعدين شفيق اتوفى فنزلت مصر هي وأمها وأختها الصغيرة واتجوزت هنا .
كانا يتابعاه بتركيز تام فزفر يتابع وهو يفرد ظهره على المقعد ويدلك رقبته ويتثاءب ثم قال :
– متجوزة من واحد اسمه محمد عبدالله رجل أعمال عنده شركة قطع غيار سيارات .
انتهى ثم دس يده في جيب چاكيته يخرج صورتها ومد يده لوالده قائلاً بملامح مجهدة ناعسة :
– دي صورتها .
انتشلها حسن يتفحصها بدقة ويحرك أصابعه على ملامحها كأنه يستشعر صلة القرابة بينهما ثم التمعت عيناه يردف بحنين وندم :
– أيوة هي ، كلها شبه شريف الله يرحمه .
التقطت منه زوجته الصورة ثم اعتدلت تطالعها بتمعن ثم تحدثت مبتسمة بسعادة وعينيها منكبة عليها :
– بسم الله ماشاء الله عليها جميلة .
ناولت الصورة مجدداً لزوجها ثم تساءلت بترقب :
– طيب دلوقتي هتقابلوها إزاي يا حسن ؟ ، واخواتك هتقولهم إيه ؟ ، وخد بالك إنها طلعت متجوزة رجل أعمال أهو ، يعني ده ممكن يهون الأمور عليك شوية وتعرف تدخل لاخواتك من الحتة دي ، أهو لحد بس ما توصلولها وتتكلموا معاها .
شرد حسن يفكر في الأمر بينما تحدث يوسف برتابة متذكراً :
– على فكرة يا بابا هي كمان كاتبة وليها كتاب مشهور ، بس وأنا بدور عن جوزها المعلومات كانت قليلة جداً تكاد تكون معدومة ، فيه غموض حوالين شخصيته لكن سمعت إنه بيحبها جداً .
تباهت والدته به وبالمعلومات التي أتى بها قائلة بابتسامة أمٍ عريضة وبنبرة فخر :
– برافو عليك يا سيادة المحامي ، مخلتش معلومة إلا إما عرفتها ، بس قولي بقى هي معاها أولاد ؟
ابتسم لمدح والدته به ثم تحدث قائلاً وعينيه تجاهد النوم :
– لاء معندهاش هي لسة متجوزة بقالها كام شهر بس .
زفرت توميء داعية بصدق :
– ربنا يرزقها الزرية الصالحة .
نظرت لزوجها الشارد وتساءلت مسترسلة :
– ها يا حسن بتفكر في إيه ؟
انتبه حسن لها فتنهد يجيب بقلق :
– قلقان من اخواتي ، ربنا يستر وميطمعوش فيها لما يعرفوا إنها غنية ومتجوزة رجل أعمال ، بس فعلاً ده يمكن يخليني اعرف اتكلم معاهم ، الصبح ربنا يسهل كدة وافتح معاهم الموضوع .
ربتت على ساقه تشجعه قائلة بتعقل ولين :
– اعمل اللي عليك وريح ضميرك ، فلوس أخوك شريف الله يرحمه لازم ترجع لبنته ، اخواتك زوروا كل حاجة وأخدوها ورموا البنت في الملجأ وده ميرضيش ربنا يا حسن ، لازم تريح ضميرك ومتبقاش شريك في ظلمهم ده ، كلمهم وروحوا شوفوها وقلهم يردولها حقها أو حتى جزء منه .
أومأ مؤيداً لرأيها بعد عذابِ ضميرٍ لازمه لأشهر بل لسنواتٍ عدة غلبه فيها الخوف والعجز من إخوته .
أما يوسف فنهض قائلاً :
– تمام عن اذنكوا أنا هطلع انام ، أومال فين حنان ؟.
تحدثت والدته بتريث وحنو :
– حنان فوق يا يوسف طلعت تذاكر ، خبطت عليها وانت معدي لانها زعلانة علشان مش شافتك النهاردة .
أومأ يستأذن وتحرك للأعلى وظلت هي تتحدث مع زوجها عن أمورٍ عدة حول المعلومات التي وصلتهما للتوِ .
بينما صعد يوسف الدرج وتحرك نحو غرفة شقيقته يطرق بابها فسمحت له بالدخول .
فتح الباب وطل برأسه للداخل قائلاً بمشاكسة وحنو :
– بتذاكري يا نونة ولا بتتسوقي أون لاين زي عادتك .
ضحكت ولوحت بيدها التي تمسك كتاباً قائلة بمرحٍ محبب إليه :
– أهو ياخويا أهو مسكتني متلبسة والكتاب في حضني أهو ، اشهدوا يا عالم .
ابتسم لها ودلف يجلس على المقعد أمامها ثم مد يده يضرب رأسها بخفة قائلاً بعفوية أخوية :
– عليا بردو ، تلاقيكي أول ما شوفتيني خبيتي الموبايل هنا ولا هنا .
كان يشاور بعيني نحو جانبيها فتركت كتابها على المكتب وأمسكت بقميصها تبعده عنها وتقول بحركةٍ عشوائية :
– فتشني فتش .
عض على شفتيه منها وهو يعاود ضربها بخفة ولكنها ابتعدت تضحك ثم نظرت له بتفحص قائلة بحنو مشاكس :
– تحت عيونك أسود يا يوسف ، ووشك أصلاً باهت ، وعمال تتاوب لحد ما هتنيمني وأنا قاعدة ، مش فاهمة ليه بتتعب نفسك أوي كدة في الشغل ، ما انت على قلبك أد كدة ريح نفسك بقى .
كان يستمع لحديثها بتأثر إلى أن نطقت جملتها الأخيرة بجلافة فرفع كفه يخمس في وجهها قائلاً :
– قل أعوذ برب الفلق ، النهاردة الخميس الساعة خمسة .
ضحكت عليه ثم تنهدت تقول باستفاضة متأثرة بشكلٍ مسرحي :
– إييييه ، دنيا .
هز رأسه بيأس من هذه الصغيرة المشاغبة التي وُجدت لتزيل آلامه وتبدد صدأ قلبه فهي القادرة على إسقاط أحمال عاتقيه بحركاتها البسيطة العفوية .
تحدثت بعد ذلك بجدية :
– انزل اعملك سندوتش وفنجان قهوة ؟
هز رأسه يردف شاكراً بصوتٍ رخيم يعود لجديته :
– لا يا حبيبتي أنا تمام ، أكلت أنا وعماد وأحمد برا المكتب قبل ما أجي .
أومأت وكادت تتحدث لولا رنين هاتفها الذي كانت تخبأهُ في أحد الأدراج .
ابتسمت بخبث فهو محق لقد كانت تتسوق قبل أن يأتي بينما هو يطالعها بعيون ضيقة ويداها تمتد تتناول الهاتف وتنظر له لتتحول ابتسامتها وهدوء ملامحها إلى أخرى متحفظة لا تعلم ماذا تفعل كأنها تخفي شيئاً فتعجب من تحول ملامحها التي بهتت وتساءل بقلق :
– فيه إيه يا حنان مالك ؟ ، مين بيتصل ؟
زفرت بعمق وطالعته لثوانٍ قليلة مترددة ثم قررت أن تدير الهاتف إليه ليجد اسماً حفر في قلبه بل طبع بالنيران والألم يظهر على الشاشة فانسحب قلبه لقدميه وتسمر للحظات مكانه قبل أن يُحل وثاقه وينهض قائلاً بفتور وهو يلتفت نحو الباب :
– تصبحي على خير .
غادر مسرعاً كي لا يسمع حتى همساً منها ، غادر قبل أن يجمعه معها غرفةً واحدةً حتى لو كان صوتها فقط ، لملم آلامه وحطام قلبه وغادر متجهاً إلى غرفته ليبدأ ليلة اعتيادية لا تخلو من الأفكار خاصة بعد هذا الحدث الذي سيسلب النوم من عينيه .
أما هي ففتحت تجيب بترقب وهدوء قائلة :
– أميرة ؟ ، عاملة ايه ؟
تحدثت أميرة التي تتكور على فراشها بحزنٍ ودموع بعدما نهضت من مطبخها منذ قليل :
– مش كويسة يا حنان ، مش كويسة أبداً .
زفرت حنان فهى تعد ملاذها الآمن وبئر أسرارها حيث لا تطمئن أميرة بالحديث سوى معها ، حديثاً خفياً لا يعلم عنه زوجها شيئاً وحتى والديّ حنان لا يعلمان أنهما تتحدثان ولكن الآن يوسف بات يعلم لذا تنهدت حنان بعمق وقالت موضحة بتوتر :
– أميرة فيه حاجة حصلت .
ترقبت أميرة وتساءلت من بين دموعها بقلق :
– فيه إيه يا حنان ؟
كورت فمها ثم نفخت تجيب بأسف :
– يوسف كان هنا دلوقتي وعرف إنك بتكلميني .
نسمة رطبة مرت على قلبها الحار فأنعشته حينما سمعت اسمه ، اسمه فقط قادراً على معالجة جروح جسدها أما جروح قلبها فتبقى نازفة لا تلتئم أبداً ، لقد بات حلماً صعب المنال .
لتعود سريعاً لرشدها ولحزنها قائلة بنبرة معاتبة :
– ليه كده يا حنان ، إنتِ وعدتيني إن مافيش حد هيعرف إننا بنتكلم ، لو حد من العيلة عرف هيمنعوني أكلمك تاني .
ابتلعت ريقها وتحدث موضحة :
– أنا أسفة يا أميرة بس اتصالك جه ويوسف هنا وأنا مقدرش أخبي حاجة عنه خصوصاً لو سألني ، مبعرفش أكدب عليه .
تنهدت بعمق وأسى وأسبلت جفنيها ثم تحدثت بهدوء يخفي ما تعتليه :
– تمام يا حنان أنا اللي بعتذر منك إني اتكلمت دلوقتي ، سلام .
أغلقت معها ووضعت الهاتف جانباً وعادت تحتضن نفسها بألم وحزن وتفكر في مخرجٍ من هذه الحفرة التي يسعون لردمها فوقها .
❈-❈-❈
في فيلا بهجت
كان قد تمدد خالد على فراشها وبدأ يتناول من قطع الفواكه وامتدت يده اليمنى تتحس فراشها ليصور له عقله هيئتها وهي تنام هنا وتتقلب هناك حتى أنه في وقتٍ قصيرٍ نسج فليماً مثيراً بينهما بخيوط عقله الخبيث العابث .
زفر يخفف من ثقل أنفاسه ويكظم مشاعره ثم مد يده ينتشل جهاز التحكم من فوق الكومود وقام بتشغيل التلفاز المقابل له .
اشتغل الجهاز وظهرت قناة الأطفال الترفيهية والتي كانت تعرض فلماً كرتونياً عن ( سندريلا ) فانكمشت ملامحه بتعجب قائلاً باستنكار :
– أحببت طفلة !
توغل صوت التلفاز إلى من في الداخل فتعجبت وظنت أنها والدتها لذا أسرعت ترتدي ثيابها البيتية ولفت خصلاتها بمنشفة وتحركت نحو الباب تفتحه لتخرج .
ما إن وطأت قدماها الغرفة ورأته يتمدد على فراشها كأنهما زوجان رسميان ويأكل من الفاكهة بشهية ويبتسم على ما يعرض كأن الأوضاع في قمة طبيعتها ، جحظت وتجمدت مكانها لثوانٍ لا تستوعب حتى ظنت أن عينيها تخدعها .
ولكنه التفت يطالعها بتفحص حيث لأول مرة تظهر أمامه بمنامتها البيتية الحريرية مما جعل أنفاسه تنسحب ببطءٍ ونظرته تصبح أكثر قتامة برغم أنه كان ينتظر خروجها بشكلٍ أكثر جرأة ولكنها خالفت ظنه .
زفر مطولاً قبل أن يقول بمرحٍ لا يتناسب مع الحدث إطلاقاً :
– فواكه هلوة جداً ، تآلي كلي أنا أملت هسابك .
لم تحرك ساكناً سوى أهدابها التي باتت تسبلهما عدة مرات عله يختفي من أمامها ولكنه جالساً ثابتاً يبتسم لها ويربت بيده على الفراش لتجاوره .
طرقات على باب غرفتها أجفلتها منتفضة خاصة وهو يلتفت ويقول بلا مبالاة بعدما تمدد بأريحية :
– ادخل !
انفتح الباب باندفاع من خلال بهجت الذي سمع صوته ودلف يطالعه بذهولٍ وصدمة جمدته لثوانٍ قبل أن يقول صارخاً بفزع :
– إنت بتعمل ايه هناااااا ؟ ، ودخلت إزاااااي .
جالت أنظارها بينه وبين والدها ثم أخيراً تبدد تسمر قدميها وأسرعت تركض وتختبيء خلف والدها قائلة بذهولٍ يسود عقلها وهي تنكمش في ظهره بحماية وتعدل من وضع منشفتها على رأسها :
– بابا إيه اللي حصل ، وده دخل هنا إزاي وإمتى ؟.
حاول والدها تهدأتها ولف يده يربت على يدها المرتكزة على كتفه بينما نظر لها خالد يدعي الصدمة والحزن قائلاً بنبرة استفزازية متعمداً :
– إيه اللي هصل ؟ ، مآقول يا خديجة ؟ ، مش اتفقنا هجيلك بئد ما كلهم يناموا ؟
هزت رأسها بجحوظ وقلبها ينتفض وكادت تنفي أقواله ولكن والدها تحدث بثقة وغضب وهو يحذره بصرامة :
– اخرس ، وقوم من هنا يالا ، حل عننا بقى يا أخي .
تحمحم خالد والتهم قطعة الفاكهة التي كانت معلقة في شوكتها وبدأ يلوكها باستمتاع وبرودٍ تام ثم ترجل وخطى حتى وقف أمام بهجت يتجاوزه وينظر للتي تختبيء خلفه وتلف المنشفة كجحاب حول خصلاتها بحماية ، كان يعلم أن والدها لم يقتنع ولكنه أراد أن يثبت له مدى استطاعته في الحصول عليها إن أراد .
حذره بهجت بعينيه وبيده يخفي ابنته وبالأخرى يشير له بسبابته قائلاً بنبرة تجهمية غاضبة :
– لو مخرجتش حالاً أنا هبلغ الشرطة عنك ، اطلع حالا من بيتي وإياك مرة تانية تقرب من بنتي ، انت ساااامع .
لم يعرهُ أي اهتمام بل تجاهل تماماً تهديده الذي لا يسمن ولا يغني من جوع قلبه ثم تحدث بنظرة ثابتة على تلك المنكمشة ونبرة لا تقبل التشكيك قائلاً :
– كلها أيام وهاخدك من هنا ألى بيتي يا خديجة .
نظرت لعينيه بتعجب وصدمة ويديها قابضة على قميص والدها فابتسم لها ثم دارت نظراته حتى استقرت عند بهجت الذي يطالعه بحنق وغضب وقال مؤكداً :
– تحب أنزل من ألى السلم ولا أنزل من الفراندا ، بس تفتكر الجيران ممكن يقولوا إيه لو شافوني ؟.
قالها يدعي التفكير ويفرك عقله بأصبعه فنظر له بهجت نظرة عدائية ولم يجد مفراً من خروجه إلا أن يدفعه بنفسه نحو الخارج بكلتا يديه وهو يقول بضيق وتهكم :
– إنت جيتلنا منيييين إنت ، دا إيه البلاوي دي ، يا أخي غوووور بقى حل عنا .
كان يندفع معه ووجه ملتفتاً ينظر نحو خديجة ويغمز لها بعينه كأنه بطريقاً من القطب الشمالي تتوغله البرودة فتجعله فاقداً للإحساس إلى أن أخرجه بهجت من الغرفة وأغلق الباب على ابنته التي وقفت تتطلع على أثرهما بجسدٍ ثابتٍ وعيون متسعة لا تستوعب بعد فعلته .
التفتت فجأة تنظر إلى طبق الفاكهة ثم إلى انكماش فراشها من أثره ثم حولت نظرتها إلى التلفاز وقالت بصدمة وهي تهز رأسها :
– مجنون ، مش طبيعي أبداً البني آدم ده .
تنهدت بعمق ثم تحركت أخيراً إلى فراشها وجلست مكانه فشعرت بدفء جلسته وتوغلت رائحته إلى أنفها فأغمضت عينيها تتنفسها ثم عادت تبصر سريعاً بندم يعنفها عقلها من الانسياق خلف هذا الأيسر الذي يتقافز بفرحةٍ ولهفةٍ جديدة عليه نتجت ونسجت كقطعة قماش بدايتها كانت مجرد خيطاً رفيعاً من أفعال هذا الرجل المجنونة ، دوماً يسعى هذا الأيسر للسير في طريقٍ مزدهر بالورد والشوك معاً فيظل يقفز مستمتعاً بالمضي برغم جراحه .
تنفست بعمق ثم قالت بحيرة بين هذين الخصمين قائلة بهمسٍ حزين :
– استغفر الله العظيم ، متفكريش فيه خالص .
في الأسفل وصل بهجت إلى باب فيلته وفتحه يردف وهو يطالع خالد الذي كان يتحرك معه مستسلماً تاركه ينفث عن غضبه حتى أن نسرين أصابها الذهول وأسرعت تخفي شعرها بحجابها ووقفت تسأل بهجت بعينيها كيف دلف هذا إلى هنا ؟ .
تحدث بهجت معنفاً بضيق وهو يدفعه للخارج :
– اللي عملته ده ميصحش أبداً ، دي حرمة بيوت ، ولو إنت فاكر إن كدة هتاخد بنتي مش هيحصل ، بأسلوبك ده إنت بتخلق بينا عداوة وأنا متعودتش أعادي حد ، ابعد عن سكتنا يا ابن الناس .
تحمحم خالد وخلع قناع اللا مبالاة ثم تحدث بنبرة ثابتة وجدية ظهرت لتوها حتى أن نظرته باتت مخيفة :
– أستاذ بهجت ، كفاية تهديد ، أنا مش بتهدد ، الأفضل نتفق سوا لإنك مش هتلاقي حد يحب خديجة أدي ، وألشان خاطرها أنا مستئد أنفذ شروطك بس مش هبئد أنها .
ابتلع بهجت ريقه وطالعه بتعجب ، تصميمه وحديثه الثابت يثير تساؤلات داخل نفس بهجت ، كيف ومتى ولمَ أحب ابنته هكذا ، أسئله تخيفه حقاً خاصة وهو يعلم جيداً من هذا ومن أين جاء .
زفر بهجت وتحدث بضيق بات يلازمه ويقبض على صدره من هذا الماثل قائلاً بتصميم وثبات :
– الاتفاق كان في الأول ، إنما دلوقتي وبعملتك دي وانك تدخل أوضة بنتي زي الحرامية إنت قضيت على أي اتفاق أو فرصة ، واتفضل بقى علشان ننام .
زفر خالد بقوة ثم هز منكبيه وطالعه بعيون غامضة تخفي خلف حدقتيهما الكثير ثم تحدث بالإيطالية الماكرة وهو يتحرك نحو الخارج :
– حسناً كما تريد .
خرج بعدها يتجه نحو فيلته واضعاً يديه في جيبيه وخطواته كانت خطوات رجلاً يملك خطة ، خطوات ثابتة متمهلة كأنه يتعمد اثبات شيئاً ما لهذا الواقف يطالعه .
أغلق بهجت الباب ببطء نسبةً لشروده وقلقه ودلف ينظر نحو زوجته المتعجبة التي تساءلت بصدمة ما زالت قائمة :
– الجدع ده دخلنا إزاي ؟ ، والعمل إيه يا بهجت .
وقف يطالعها بنفسٍ حزينةٍ وضيق وخوف ثم تحدث وهو يبتلع غصة صلدة :
– دخل ازاي دي سهلة على اللي زيه ، إنما العمل إيه فأنا مش هسمحله ولا هقبل بحاجة زي دي ، ده مجنون وميؤتمنش على بنتي أبداً ، ده محتاج معجزة علشان يلتزم وأنا طاقتي متسمحش ، إلا أولادي ، اللي يقرب منهم هقتله .
نظرت له بصدمة وتعجب من نبرته وكلمته التي يستعملها لأول مرة ولكنها حاولت تفهم وضعه وشعوره لذا اتجهت تربت على كتفه وتحدثت بحنو بعدما رأت حزنه قائلة بإيمان :
– متقلقش يا حبيبي ، ولادنا في حماية ربنا ، إحنا استودعناهم عنده .
تنفس بقوة يهديء من انفعال صدره الذي ينتابه الضيق ثم أومأ يقول :
– ونعم بالله العلي العظيم ، ادخلي إنت يا نسرين نامي وأنا هطلع أشوف خديجة ، الحمد لله أنها كانت مستورة .
تركها وصعد إلى غرفة خديجة يطرق بابها فاتجهت تفتح له بملامح هادئة يشوبها الشرود والتعجب وقالت بأدب :
– اتفضل يا بابا .
دلف بهجت يتنفس بقوة ثم تحدث وهو يتجه نحو المقعد الجانبي ليجلس عليه :
– شوفتي يا خديجة ، شوفتي شغل الحرامية والمجانين ، علشان تعرفي يابنتي إن البني آدم ده مش شبهنا خالص .
قلبها يريد البوح بالكثير ، يريد الدفاع عنه ، يريد تبرير كل أفعاله ولديه الحُجة وهل هناك حُجة أقوى من الحب ؟
ولكنها تنفست بقوة لتتضخم رئتيها وتضغط على قلبها كاتمة أي صوت يصدر منه وهي تقول بنبرة حزينة ونظرة منكسرة كي لا تحزنه :
– أنا عارفة يا بابا ، أنا عارفة إنه مش شبهنا .
تفحصها بعينيه بدقة ثم قال بشكٍ مخيف :
– يعني مقتنعة بكلامي وبرأيي يا بنتي ؟
أسبلت أهدابها وكأنها تمنع دموعها من السقوط أمامه ثم أومأت تطالعه بعيون صارخة بعكس ما تفوهت به حينما قالت :
– مقتنعة يا بابا ، اللي حضرتك تشوفه .
أخفض رأسه يبتسم حامداً ربه ثم نهض ووقف أمامها وأمسك رأسها بكفيه ثم انحنى يقبل جبينها وعاد يتعمق في نهر عسليتها قائلاً بحنوٍ بالغ :
– أنا عايزك أسعد واحدة في الدنيا كلها ، عايز اختارلك إنسان يليق بيكِ ، إنت جوهرة غالية ومش أي حد هيعرف قيمتك .
ها هي دمعتها تسقط الآن ، تسقط تأثراً وألماً في آنٍ واحد لتسارع وتختفي برأسها في عناق والدها ، تعانقه بقوة وترتكز عند صدره قائلة بصدقٍ :
– ربنا مايحرمني منك أبداً يا بابا ، إنت أغلى حد في حياتي .
لم تكن تكذب ، بالفعل هو كذلك ، ولكن لا تعلم حينما نطق لسانها هذه الجملة جاءت صورته على عين عقلها كأنها ترى وجهه مرسوماً فوق مياه بحيرة صافية ليؤكد لها أنه حتى في أفكارها لن يتركها ، كلما ذكرت حياتها سيكون هو محورها ، سيشاركها كل شيء من الآن وصاعدا .
ربت بهجت على ظهرها ثم ابتعدت عنه تخفض نظرها فابتسم وقال مودعاً :
– تصبحي على خير يا حبيبتي .
أومأت ترد بعيونٍ مراوغة :
– وحضرتك من أهله .
التفت يغادر ويغلق الباب خلفه وتركها تقف تبتلع ريقها ليعود يحتل عقلها بهيأته وتفاصيله وتصرفاته وكأن القلب يفرض سيطرته وسطوته عنوةً برغم كل ما تؤمن به .
❈-❈-❈
عند شروق الشمس .
استيقظ صقر منتفضاً من كوابيسه المتداخلة ينظر حوله ثم زفر مختنقاً واتكأ ليستند على ظهر فراشه فاستيقظت نارة تطالعه بترقب ثم اعتدلت تجاوره مردفة بحنو ونعاس بعدما تيقنت ما حدث :
– نفس الكابوس بردو ؟
أومأ لها وهو يغمض عينيه ويمسح بكفه على وجه فالتفتت تمد يدها لتتناول كوب المياه المغطى ثم ناولته إياه قائلة وهى تربت بكفها على ظهره كأم الصغير الحنونة :
– طب اشرب يا حبيبي .
تناول منها الكوب وارتشفه رشفةً واحدةً ثم مال يضعه جواره وعاد يطالعها قائلاً بالإيطالية وهو يشعر بالقبض على صدره :
– يهاجمونني ، يقبضون على عنقي حد الاختناق ، كل من قتلتهم بيدي يتجسدون أمامي كالأشباح ويسعون للقضاء عليّ ، إنه كابوساً مزعجاً يا نارة ، أريد التخلص منه ، أريد التخلص من ماضيّ الأسود ، أخشى أن الله لم يتقبل توبتي بعد ؟
لمحت الخوف في نظرته ، الخوف الذي سعت لتراه ولكن الآن تسعى لتحويله إلى سكينة وثقة لذا تحدثت بهدوءٍ وهي تسحبه إليها وتضع رأسه عند صدرها قائلة بنبرة حنونة لتبث فيه الطمأنينة :
– ( إن الله يغفر الذنوب جميعاً إلا أن يشرك به) .
بدأت يداها تفرك خصلاته بهدوءٍ وتابعت بنبرة حنونة :
– إنت دلوقتي عبد تائب يا صقر والكوابيس دي ضميرك اللي صحي من نومه فجأة ، وبعدين إنت من فترة طويلة بعيد عن الأحلام المزعجة دي ، فيه حاجة حصلت جديدة ولا إيه ؟
نظف حلقه وتنهد يغمض عينيه مع حركة يدها الحنونة وهى تتوغل خصلاته وبات مستكيناً بعدما سمع نبضاتها قائلاً :
– لا ، لم يحدث غير أنني حينما رأيتكِ تبكي شعرت كما لو كان هناك طاقة تدفعني إلى صقر الجارحي القديم ، ذاك الذي يمكنه الفتك بأي أحدٍ يتعرض لكِ بسوء ، ربما لهذا السبب ؟
دوماً تحب حبه برغم الجزء الأسود فيه ، الوجه الآخر الذي تسعى لإبادته لذا انحنت تقبل رأسه ومالت تضع خدها عليه قائلة بحبٍ فائضٍ :
– حبيبي دي أمور طبيعية ، الإنسان جه الدنيا علشان يفرح شوية ويحزن شوية وهكذا ، وبعدين محدش يقدر يتعرض لي وإنت حبيبي ، أنا متأكدة من ده من غير أصلاً ما ترجع لصقر الجارحي ، حتى محمد عبدالله مش هيقبل بده وهيتصرف صح لو فعلاً حد اتعرض لي .
لف ذراعه حولها وانسحب بجسده ليتوغل أكثر في أحضانها حتى باتت أنفاسه عند معدتها فسكن يستشعر وجود صغيره داخلها وبدأت تهدأ أنفاسه بحبٍ وراحةٍ .
تذكرت فكرتها فأرادت طرحها عليه قائلة بترقب كي تبدد أفكاره الحزينة :
– نسيت أقولك على حاجة إمبارح يا صقر .
تنبه لها وهو في موضعه دون تحركه ولكنه حثها على الحديث وهو يتمتم داخلها فتابعت بنبرة حنونة ناعمة وهي توزع حركتها على كامل شعره :
– كتابي الجديد هيبقى عنك ، حابة أحكي عنك بطريقة غير مباشرة ، حابة أتكلم عن بطلي المغوار .
قبل بطنها بحب وانسحب مجدداً للنومِ كطفلٍ صغيرٍ استكان بين ضلوع أمه وتحدث بنبرة صادقة مع النفس قائلاً :
– ربما بالنسبةِ لكِ أنا بطلاً ولكن حين تكتبين عني يجب أن أكون عبرةً لا قدوةً .
ربتت على ظهره ثم انسحبت بجسدها هي الأخرى تتمدد مجدداً للنوم لتقابل وجهه وتتعمق فيه بعينيها ثم حاوطت رأسه بكلتا كفيها ومالت تطبع قبلةً ناعمةً على فمه ثم عادت تهمس أمام أنفاسه بصدقٍ وبلغة إيطالية أيضاً :
– سأكتب عنك بقلبي ، سأكتب ما يراه قلبي وأعلم أنه يرى فيك كل ما هو جميلاً صادقاً ، لن أخدع قارئي ولن أتنازل عن كونك بطلي .
نظر لعينيها بعمق وسأل نفسه سؤالاً دوماً يراوده ( ماذا كانت الحياة لو لم تكوني؟ ) .
والإجابة كانت عبارة عن قبلةٍ رومانسيةٍ صدرت منه تجاهها لتؤكد له أنها نعيمه وجنته .
❈-❈-❈
ظهراً .
كانت مايا في غرفتها لم تذهب لجامعتها اليوم أيضاً .
بين الفنية والأخرى تنظر من شرفتها علها تجده أمامها ولكن تعود زافرةً بضيق عندما لم تجده ، هل حقاً سيتركها ؟ ، هل سيستجيب لحديثها اللحظي ؟
ربمَا نطق لسانها ما لم يتحمله قلبها ولكن كان عليه تفهمها كما يفعل دوماً ، كان عليه مواساتها ومراضاتها فهما خدعاها .
ابتلعت لعابها والتقطت هاتفها وقررت الاتصال على نارة ، هي بحاجة إلى سماع صوتها الآن .
أجابتها نارة بتوتر ممزوجٍ بحنو قائلة :
– مايا ؟ ، إنتِ كويسة ؟
استمعت إلى صوتها كأنها تسمعه للمرةِ الأولى ، تُحوّل أفكارها بين ما ظهر وما عاشته معها ، هل هذا الصوت حقاً ليس شقيقاً لصوتها ؟ ، يفصل بينهما حقيقة مزيفة لن تتقبلها ! .
تحدثت بعد ثوانٍ من الصمت بنبرة حزينة ظهرت هادئها برغم ما تعيشه من صراع :
– كويسة الحمد لله ، بس ممكن اجيلك ؟
انفرجت أساريرها قائلة بترحابٍ صادقٍ :
– أكيد طبعاً يا مايا ، هستناكي .
أومأت كأنها تراها وأغلقت الهاتف وتنهدت بقوة تعزز طاقتها ثم نهضت تجلب ثياباً مناسبةً لتذهب لشقيقتها .. الحقيقية .. مهما كانت الحقائق .
❈-❈-❈
في الثانية ظهراً
استيقظ خالد من نومه بتكاسل وهو يتقلب في فراشه الذي تكور أسفله بفعل تقلباته .
شعره مشعثاً وملامحه ناعسة ولا يرغب في الاستيقاظ لولا هذا المنبه البغيض الذي أغلقه للمرةٍ الثانيةِ بعد المئة ، فلو كانت تجاوره من يتمناها بقدر تمنيه لموت ميشيل مسبقاً لما احتاج لمنبه كي يستيقظ .
يكفيه قبلة منها على شفتيه لتذيب جليده وتجلب لقلبه الحياة ، قلبه المتلهف للحب واللهو معها ، عقله الذي ينسج خيوط المغامرات والعشق معها وينتظر مجيئها كي يحقق كل ما يريده ويتمناه ولن يتهاون في ذلك مهما كلفه الأمر .
تمطّأ بقوة وسحب أنفاسه يتثاءب ثم تأفأف ونهض ولكن فجأة توغله النشاط وهو يتجه راكضاً نحو شرفته ليراها وحتى لو لم يراها يكفي أنه يعلم أنها تنام خلف هذا الجدار ، وحتى أنه يرسم ويتخيل نومتها في عقله خاصةً بعد رؤيته لغرفتها أمس ، عقله الذي ينسخ خيوطاً صنعت من وقاحة .
دلف ونظر قليلاً قبل أن يتجمد مكانه حينما وجد رجلين في شرفتها يقومان بتركيب حائط زجاجي حول الشرفة .
وقف لثوانٍ لا يستوعب ما يحدث ثم وجد بهجت يخرج إليهما ويشير لهما على مكانٍ ما ويتبادلون الحديث ، وأخيراً أدرك أن بهجت يستعمل أساليبه ليحجب ابنته عنه ، وأخيراً ابتسم يهز رأسه باستنكار على هذا البهجت ضيق الأفقِ الذي يظن أن بهذا الجدار الزجاجي سمنعه عنها .
أطلق صافرةً عاليةً وصلت إلى مسامع بهجت الذي التفت ينظر له فجأة فأشار له خالد ملوحاً بترحاب ماكر ثم حرك أصابعه في حركة التمام وكأنه يشجعه على فعل ما بوسعه .
طالعه بهجت بضيق ولف وجهه عنه يكمل حديثه مع الرجلين فالتفت خالد يعود للداخل ومنه إلى حمامه كي يبدأ في اللهو قليلاً .
❈-❈-❈
في فيلا سمير العادلي عم نارة .
يجلسون ثلاثتهم على طاولة الطعام يتناولون وجبة الغداء وكلٍ منهم في أفكاره .
تحدث سمير بتجهم وقمع كعادته وهو ينظر لزوجته :
– دلوع أمه لسة نايم مش كدة ؟ ، عيل خايب مافيش منه فايدة ، داخل ع التلاتين سنة وهيفضل خايب ، ما بتشوفيش ولاد حسن وأمهم بتتعامل معاهم إزاي ؟ ، معرفتيش تطلعيه محامي زي يوسف ولا حتى تاجر كفؤ زي ياسين ابن رضا ، تربيتك تربية خايبة .
كانت تتناول طعامها بشهيةٍ شبه معدومة وانعدمت تماماً بحديثه وكلماته الحادة المدببة لذا تركت ملعقتها ونظرت له قائلة بنبرة حزينة تملؤها اللوم :
– وإنت كنت فين ؟ ، مش ده ابنك ؟ ، ما إنت كمان معرفتش تعمل زي حسن ولا زي رضا ، وضيعت ابنك منك بطريقتك الغلط .
تأفأفت ابنتهما ايمان وأدركت أن اسطوانة العنف اليومية سوف تبدأ لذا نهضت تردف وهي تتحرك للخارج :
– الحمد لله شبعت .
تركتهما ورحلت بينما هو تحدث موبخاً إياها ولم يهتم حتى لرحيل ابنته قائلاً بحدة :
– لا يا شيخة ؟ ، بقى عايزاني أنا اقعد في البيت أربي العيال وأعلمهم الأدب واسيب حالي ومحتالي للغريب ؟ ، ولا كنتِ عايزة تنزلي إنتِ تديري الشغل وأنا أقوم بدورك هنا ؟ ، مترميش عليا فشلك في تربية ابنك ، أديكِ شوفتي إيمان أهي لما خوفت عليها منك ومن إهمالك واهتميت بيها بنفسي بعد ما خيبتي الواد ، علشان تعرفي الفرق بيني وبينك .
نظرت له بخيبة وحسرة ونهش الألم فؤادها المحطم ثم قالت بيأس وترقب واختلاج :
– وصابر عليا ليه ؟ ، ما تطلقني وتتجوز واحدة تانية تكون ست كويسة زي مراتات أخواتك ، ولا خايف لاخد فلوسي اللي إنتِ شفطتها وامشي ؟
توترت نظرته وصدم من حديثها الذي نادراً ما يظهر ، نادراً ما تحدثه عن نقودها لذا بدأ يتراجع عن حدته ويخمد غضبه قائلاً بتهكم ويده تعاود تناول طعامه :
– الحب بقى ، كنت شاب طايش وربنا يتوب علينا ، كُلي كُلي مبقاش ييجي منه .
زفرت بقوة ونظرت له بيأس وهي تندم في كل لحظة تمر من حياتها على اختيارها لهذا الزوج وانسياقها وراء كلماته المعسولة في الماضي .
طرقات على باب فيلتهم انتبه لها فتحدث بعلو وجلافة :
– افتحي الباب يللي ما تتسمي .
أسرعت الخادمة تفتح باب الفيلا ليلقي حسن بالسلام ويدخل هو وابنه متسائلاً :
– سمير فين يا بنتي .
نهض وخرج من غرفة الطعام واتجه يبتسم لشقيقه قائلاً بسماجة :
– أهلاً يا حسن ، أزيك يا يوسف ، لو كنا نعرف كنا جبنا في سيرتكوا من زمان أنا وأم طه .
أومأ حسن وتقدم يجلس على الأريكة وكذلك يوسف الذي جاوره وتساءل بترقب :
– خير يا عمي ؟ ، كنتوا بتتكلموا في إيه عننا ؟
اتجه يجلس أمامهما ويفرد ظهره وذراعيه على مسند الأريكة قائلاً باندفاع :
– كل خير طبعاً يا ابن أخويا ، نورتوا ، خير ؟
قالها بشك وهو ينظر لشقيقه الذي يظهر عليه التوتر فتحدث يوسف بدلاً عن والده :
– خير يا عمي متقلقش ، بس هنستنى دقيقتين بس لما عمي رضا ييجي .
تعجب من تجمعهم قائلاً :
– رضا ؟ ، طب ما ترسيني ع الحوار بالضبط ؟
تنهد حسن ونظر له قائلاً بتروٍ :
– اصبر بس يا سمير زمان اخوك جاي ، احنا كلمنا وقال جاي علطول .
زفر ومط شفتيه ثم جلس ينتظر بينما خرجت زوجته ترحب بحسن ويوسف ثم تحركت لمطبخها تحضر الضيافة .
❈-❈-❈
بعد تناول وجبة الغداء تحرك بهجت مع ابنه لتأدية صلاة العصر في المسجد القريب من المنطقة .
خرج من فيلته يجاوره ابنه ويتحدثان بهدوء ولكن انقطع حديثها حينما وصل إلى مسامع بهجت صوتاً بات يبغضه وهو ينادي قائلاً :
– ثانية واهدة .
التفتا سوياً يطالعانه وبصعوبة أخفى مازن ضحكته بينما تعجب بهجت من هيئة هذا الخالد الذي يتقدم منهما ويرتدى جلباباً لا يعلم كيف حصل عليه حتى وصل أمامهما قائلاً بترقب وهو يتعمق في عين بهجت كأنه يسعى لإصابته بنوبة قلبية :
– ياريت يا أستاذ بهجت بئد كدة تنادي أليا نروح نصلي جمائة سوا .
نظر بهجت لابنه باستنكار وتساؤل فوجده يهز منكبيه بتعجب ثم عاد لهذا الواقف يفرك حبات مسبحةٍ بين أصابعه ويتمتم بفمه بحروفٍ يجزم أنهم من لغة فضائية فهز رأسه وقال بنفاذ صبر وهو يصفق بكفيه متعجباً :
– لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، مد قدامي ، ربنا يهديك .
لم يرد بهجت قطعه عن الصلاة برغم الضيق الذي ينتابه منه ، ابتسم له بملامح استفزازية وتحرك معهما نحو المسجد وهو يردد مثله :
– ربنا يهديك وتجوزني خديجة .
❈-❈-❈
عودة إلى فيلا سمير
بعدما جاء رضا شقيقهما وجلسوا جميعهم يترقبون ليبدأ حسن في البوح بمَا ينويه قائلاً بتوتر :
– الأول قبل ما أقول أنا جمعتكوا ليه عايزكوا تهدوا وتسمعوني كويس ، وتعرفوا إن ده رياحة ضمير لينا كلنا ، لازم نصلح أخطاء الماضي ولا إيه ؟
نظر له سمير بشك وبدأ يستشف أمره فهذه ليست المرة الأولى التي يحاول بها التطرق لهذا الأمر ولكن سمير ورضا يقفان له بالمرصاد دوماـ ، وهذا ما حدث حينما قال رضا بتهكم :
– قول اللي عندك يا حسن من غير لف ودوران لما نشوف ، شكلك مش ناوي تجيبها لبر .
توغل الغيظ قلب يوسف من طريقة أعمامه مع والده ولكنه استدعى الصبر وسمح لوالده أن يكمل قائلاً بنبرة جاهد لتكون صلدة ثابتة :
– بنت أخوكوا شريف ، البت اللي رميناها زمان في الملجأ واتبرينا منها ، جه الوقت علشان نردلها حقوقها علشان ربنا يسامحنا .
انتفض سمير يطالعه بنظراتٍ حارقةٍ قائلاً بغضب :
– حقوق إيه اللي بتتكلم عنها يا حسن ؟ ، وبنت مين دي اللي رميناها زمان ؟ ، ايش عرفك إن البت دي كانت بنت أخوك أصلاً ؟ ، ما انت عارف أنه كان متجوز واحدة شمال أجنبية ملهاش لا أصل ولا فصل .
انتفض حسن هو الآخر يجابهه ولم يعد التوتر حليفه بعدما اشتعلت طاقة غضبه وضميره قائلاً :
– اتقي الله يا سمير ومترميش واحدة ميتة بالباطل ، أنا وانتوا عارفين كويس إن البنت دي بنت أخونا ، متخليش كرهك لامها يعميك عن الحقيقة .
تحدث رضا هو الأخر باندفاع قائلاً :
– حقيقة إيه يا حسن ؟ ، إنت هتصدق نفسك ولا إيه ؟ ، وبعدين إيه اللي جد يعني بعد السنين دي كلها ، ولا هي مراتك لعبت في دماغك تاني ؟
نظر يوسف لعمه نظرة قوية شامخة ثم قال بثباتٍ :
– عيب يا عمي لما تتكلم عن أمي كدة ، أبويا مغلطش ، كل مافي الأمر إنه عرف معلومات عن بنت عمي شريف الله يرحمه وجايلكم علشان تصلحوا اللي جدي عملوا زمان ، دي مهما كان لحمنا ودمنا .
نظر له سمير بحنق وعاد يرتطم بالأريكة قائلاً بغلظة وجمود :
– معلومات إيه اللي عرفها عن البت دي وجاي محموق أوي كدة ؟ ، بتشحت مثلاً ولا عايشة في عشة ؟
نظر يوسف لوالده واعتدل في جلسته يتحدث بثقة وشموخ وترقب لردود الأفعال قائلاً :
– لا بالعكس ، عايشة في فيلا ومتجوزة راجل أعمال كبير .
تراقصت شياطين طمعه أمامه وهو يميل قليلاً برأسه متعجباً بينما تحدث رضا بتعجبٍ وهدوء بعدما تبخر غضبه :
– لا يا أخي ؟ ، راجل أعمال مرة واحدة ؟ ، وقعتوا إزاي ده ؟ ، على رأي المثل اكفي القدرة على فمها .
زفر يوسف ونظر لوالده الذي تحدث بتروٍ بعدما لاحظ هدوءهم قائلاً :
– سيبكوا من كل ده ، المهم دلوقتي خلونا نتعرف عليها ونحاول نخليها تسامحنا ، ولازم نديها ولو جزء من حقوقها ، فلوس أبوها اللي كان سايبها .
عاد الغضب يتفاقم عند رضا وقال باندفاع :
– فلوس إيه يا حسن دول كانوا ملاليم أيامها وبعدين ده خير أبويا في الأصل وهو مالوش ورث طالما مات قبل أبونا .
تحدث سمير بنبرة هادئة منافية تماماً لحديثه منذ ثواني قائلاً بخبث يلازمه دوماً بعدما علم تلك المعلومات عنها :
– لا يا رضا ، إحنا نقول اللي لينا واللي علينا بردو ، لو ع الفلوس أيوة شريف كان سايب فلوس خاصة بيه قبل ما يموت ، بس بردو عايزين نتأكد إنها بنت أخونا .
زفر حسن ولم يخفَ عنه حقيقة شقيقه الطامعة ولكنه دس يده يخرج من جيبه صورتها التي أحضرها يوسف ثم ناوله إياها قائلاً :
– طب شوف الصورة دي كدة !.
انتشل منه الصورة ودقق النظر فيها ، داخله يوقن إنها ابنة شقيقه دون أي إثباتات ولكنه ادعى التردد قائلاً :
– امم ، يخلق من الشبه اربعين ، هي شبه فعلاً .
أخفض الصورة ولم يتركها ثم نظر نحو يوسف قائلاً بترقب :
– طيب ودي ممكن نتكلم معاها ازاي ؟ ، عن طريق جوزها أكيد مش كدة !.
أومأ يوسف يؤكد :
– أكيد ياعمي ، هحاول اتكلم مع سكرتيرة مكتبه واطلب منه معاد ، بس جهزوا اجابة مقنعة لما يسألنا ليه بعد السنين دي كلها جايين دلوقتي ونسأل عليها .
نظر رضا نحو شقيقه قائلاً بتعجب يجهل خبثه :
– يعني وافقت على كلامهم يا سمير ؟ ، فكرك يعني إنها هترحب بينا ؟
حك ذقنه بمكر ثم قال ببرود :
– أهو يبقى عملنا اللي علينا ، لو ده هيريح ضمير حسن .
أومأ يوسف لهم ثم تحدث بدبلوماسية :
– عامةً هي كانت عايشة في إيطاليا مع العيلة اللي اتبنتها ولسة نازلة مصر من سنة تقريباً ، يعني ممكن تقولوا إنكم كنتوا بدوروا عليها وأول ما وصلكم معلومات عنها جيتوا .
تساءل سمير ببعض التعجب :
– وهو جوزها عارف إنها يتيمة ؟
أومأ يوسف يردف باستفاضة :
– أيوة عارف ، صاحبة الدار مدتنيش المعلومات كاملة وقالت إن جوزها رافض بس انا عرفت بطريقتي ، معنى كدة إنه عارف طبعاً .
أومأ سمير وبدأ يحرك لسانه على شفتيه ويفكر بمكر في الصفقة القادمة وكيفية التخطيط لها يجهل تماماً في أي فكٍ هو واقع .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية هواها محرم) اسم الرواية