رواية التل الفصل الرابع 4 - بقلم رانيا الخولي
رواية الـتــل
رانيا الخولي
الفصل الرابع
…………….
تركت التمثال من يدها واسرعت إلى توفيق الذي أخذ يسعل ويشهق بصعوبة
ساعدته كي يجلس واسندت ظهره على الجدار خلفه وهي تقول بهلع
_ اتنفس يابابا بالراحة عشان الرئة متضرش
حاول توفيق تنظيم انفاسه كي يطمئنها وتمتم بصعوبة
_ متـ..خا…فيش انـ..ـا كويس.
أخذ يتنفس بصعوبة وهو محتضنها كي تكف عن البكاء
فوجه نظره إلى ذلك الرجل الملقى على الأرض بدون حراك والدماء تسير على الأرضية بغزارة شعر بالخوف وابعدها عنه قليلًا ليتقدم منه وينظر إلى وجهه الذي وضح عليه شحوب الموتى فوضع يده على عنقه يتحسس نبضه فتتسع عينيه بصدمة.
رمشت بعينيها مرات متتالية تكدب حسها وسألته بريبة
_ أوعى تقول انه مات.
أغمض توفيق عينيه بيأس ولم يستطع الرد عليها
سمع كلاهما صوت طرقات على الباب واصوات تقول
_ استاذ توفيق في حاجة عندك؟
_ استاذ توفيق انت كويس؟
نظرت توليب إليه بهلع وتمتمت تستنجده
_ بابا
شعر توفيق بالخوف عليها وتمتم يطمئنها
_ متخافيش متخافيش.
اجهشت توليب بالبكاء وقالت بفزع
_ انا انتهيت ومستقبلي ضاع، انا مكنش قصدي اقتله، كنت ببعده عنك والله
جذبها توفيق لحضنه وتحدث بتيهه
_ مش هسمح بأي آذى ليكي اطمني
عادت الطرقات على باب المنزل فنظر إليها قائلاً
_ ادخلي بسرعة غيري هدومك.
سألته بوجل
_ هنروح فين؟
رد بحدة
_ ادخلي بسرعة مفيش وقت
دلفت توليب غرفتها واسرعت بتبديل ملابسها وخرجت له وهي تعدل من وضع نقابها وسألته بخوف
_ قولي هنروح فين؟
رد مسرعًا
_ انتي اللي هتروحي عند أي حد من اصحابك ومتظهريش نهائي لحد ما ابعتلك.
جذبها للمطبخ كي يخرجها من الباب الآخر لكنها امتنعت برفض
_ مستحيل اسيبك انا اللي عملت كدة وانا اللي …
قاطعها بحدة
_ متقلقيش ده دفاع عن النفس ومش هاخد فيه دقيقة واحدة كل الحكاية إني عايز اخرجك برة الموضوع عشان معرضكيش للسانهم
_ طيب قولي الأول هتعمل ايه؟
دفعها عنوة للخارج وهو يقول
_ أمشي دلوقت وبعدين هقولك بس أهم حاجة محدش يشوفك وانتي خارجة
اغلق الباب مسرعًا عندما سمع صوت اقتحام وصوت بعض الرجال يطالب بالاسعاف وآخر يرفض ويطالب بحضور الشرطة أولًا.
ترجلت توليب السلالم بعد تردد وخرجت من البناية وهي تشعر بالقلق على أبيها
هل حقاً كما يقول دفاع عن النفس وسيخرج منها؟
أم أنه يقول ذلك كي يبعدها ويحمل هو جريمتها على عاتقه؟
ستلتزم بما امرها به حتى تتأكد من سلامته
أوقفت سيارة أجرة واستقلت بالمقعد الخلفي
لتذهب إلى وجهتها
❈-❈-❈
في قصر حسان
دلفت يسر غرفتها لتجد عدي مستلقيًا على فراشه في وجوم تام
انتفض قلبها بوجل وتساءلت
بماذا يفكر؟
هل فيما حدث لخالد وياسمين؟
أم أصبح الدور عليهم ويفكر فيما ستؤول إليه حياتهم بعد أن عرى ذلك الموقف الجميع أمام أنفسهم
لا تنكر بأنها أجبرت بدورها على الزواج منه لكن أيضًا قد اعتادت على وجوده داخل حياتها ولن تستطيع البعد عنه كما فعلت ياسمين مع زوجها
انتبه عدي لنظراتها فعلم حينها بأن الشك تسرب لقلبها
فنظر داخل عينيها يرى مدى خوفها والذي يشابه خوفه بحد كبير
أجبر كلاهما على الآخر لكنها وطفلته أصبحوا جزءً هامًا في حياته ولن يستطيع البعد عنهم مهما حدث.
رسم ابتسامة محى بها ذلك الخوف التي تخفيه بفشل في عينيها وقال بثبوت
_ هتفضلي واجفة إكدة كتير؟
تقدمت منه لتجلس بجواره وقالت بوجل
_ خايفة.
أمسك يدها ليرفعها إلى شفتيه يقبلها بحب وقال بهدوء
_ أني كمان خفت جوي بس في فرج بينا وبينهم
خالد خاين لكن اني عمري ما فكرت أخونك ولا عيني شافت غيرك، يمكن لإني خابر زين إن محدش مننا هيخرج برة الجصر بس برضه احترامي لذاتي وليكي خلاني ارضى بحياتي لحد الرضا ده ما بقى حب واكتفيت بيكي.
لم تصدق يسر ما تسمعه اذناها وقد توافق قوله مع شعورها وسألته بعيون راجية
_ بجد يا عدي؟
اتسعت ابتسامته وهو يجيبها بحنان
_ بجد ياجلب عدي، صحيح أني مبعرفش ازوق كلامي بس ده اللي حاسه ناحيتك.
تنهد بتعب وتابع
_ بس خايف لسيلين ويحيى يكونوا زي خالد وياسمين.
انكرت يسر شكه
_ لأ متخافش يحيى بيحب سلين من زمان جوي وهي كمان، ويمكن دي الچوازة الوحيدة اللي هتتم بالرضا مش بالاجبار.
لاح الحزن في عينيه وتمتم بحزن
_ بس شمس أختي كانت بتحب جواد ومع ذلك كانوا عايشين في عذاب.
_ شمس كانت مشكلتها الوحيدة أنها رافضة حياة الصعيد وجواد كل حياته هنا وفي المزرعة خصوصاً، وزاد تعلقه بيها لما جدك كتبها باسمه، وبعدها زادت الخلفات لحد ما وافجها وخرچت معاه ومرچعتش.
تبدلت ملامح وجهه لتلك الذكرى وقال بإدانه
_ لو كان مشي معاها بالرضا مكنش حصل اللي حصل، إنما عشان مجبر اتسبب في الحادثة اللي أخدتها منينا.
شعرت بالاستياء من تحامله عليه وقالت بدفاع
_ بس چواد مكنش جاصد، اللي حصل ده قضاء وقدر وناله منه نصيب بلاش تجسوا عليه بالشكل ده وكفاية اللي هو فيه.
رد عليها باحتدام
_ ايه اللي هو فيه! عايش حياته في المزرعة ولا على باله، وحتى ابنها اللي كان بيهون علينا فراجها أخده مننا وحرمنا منيه، واللي كانت تعباه في حياته خلص منها وبكرة يتچوز ويعيش حياته واحنا نتعذب بفراجها.
علمت يسر بأن لا فائدة من الحديث معه فقد رسخت بعقله ولن يغيرها مهما حاولت.
والفضل بذلك يعود لوالدته التي دمرت العلاقة بينهما أكثر.
❈-❈-❈
في قسم الشرطة
وقف توفيق أمام مكتب الضابط وهو مقيد بالحديد وكل ما يشغله نجاتها من تلك المعضلة
لو علموا بما حدث سيسيء لها ذلك الحادث، وهو لن يسمح بذلك
عليه أن يبعد أي شبهه عنها
تفاجئ بتميم وسلوى يتقدمون منه ويسألون بخوف
_ توفيق ايه اللي حصل؟
حاول توفيق الثبات أمامهم كي لا يشك احد بشيء ورد بهدوء
_ متقلقوش إن شاء الله هخرج منها المهم توليب متخلهاش تظهر الفترة دي نهائي
ازاد قلقها عندما تذكرت أمر ابنتها وعادت تسأله
_ هي فين صحيح انا رجعت وعرفت اللي حصل ملقتهاش
_ أنا اللي مشتها المهم دلوقت تخليها مختفية لحد ما نشوف ايه اللي هيحصل.
سمح العسكري له بالولوج فدخل وهو يدعوا أن تنجى ابنته من تلك المحنة
فور دخوله اشار له الضابط بالجلوس فهو يعرفه معرفة عابرة لكن يعلم جيدًا بأنه شخصية جديرة بالاحترام والتقدير فسأله الضابط
_ احكلنا اللي حصل يا أستاذ توفيق.
تحدث توفيق بثبات
_ انا كنت في شقتي والباب خبط وروحت عشان افتح لقيته هو اتناقشنا في موضوع وفي الآخر اختلفنا وبدأ يتهجم عليا فطبيعي إني ادافع عن نفسي ملقتش غير التمثال ده عشان اخبطه بيه عشان يبعد عني ومكنتش اعرف إن الضربة دي ممكن تموته.
نظر إليه الضابط بشك وسأله
_ وايه اللي يخليه يتهجم عليكم في وقت زي ده من غير سبب؟
التزم توفيق الصمت فلن يستطيع التفوة بكلمة قد يسحب قدمها داخل الدائرة وقد أكد شك الضابط بأن هناك سبب آخر فعاد يسأله
_ طيب مين كان معاك في الوقت ده؟
_ مكنش فيه حد معايا كلهم كانوا برة في الوقت ده.
أومأ الضابط وامر بحبسه حتى ترحيله للنيابة.
❈-❈-❈
في الصباح
طرقت نادية غرفة سهام عمة آسر كي تعلمها بزواج آسر من ابنتها بعدما فقدت الأمل للتحدث مع ابيه.
سمحت لها بالدخول وتقدمت منها نادية بألم لم تستطيع اخفاءه فسألتها
_ خير يانادية؟
ازدردت جفاف حلقها وغمغمت بتردد
_ انا مش عارفة اقولك ايه بس انا حاولت اوصل لعاصم بيه بس معرفتش فقلت مفيش غيرك ممكن يساعدني في المصيبة دي.
هزت سهام رأسها بتفاهم وتمتمت بتعالي
_ تقصدي فلوس؟
هزت نادية رأسها بنفي
_ لا ياهانم مش فلوس
تمتمت سهام بملل
_ طيب قولي في ايه.
اخفضت عينيها بحزن
_ اصل يعني آسر بيه الله يرحمه كان يعني….
صعب عليها قولها لكن سهام أجبرتها بحدة
_ نادية خلصي وقولي في ايه انا مش فاضية.
شعرت بخنجر حاد يخترق قلبها لكن عليها التحمل كي تنقذ نفسها وابنتها من الفضيحة
_ آسر بيه كان متجوز نور بنتي … وهي حامل.
اتسعت عين سهام بصدمة كبيرة ونهضت من فراشها تدنو منها لتجذب نادية من ذراعها وتقول بغضب
_ انتي بتقولي ايه يا نصابة انتي؟
رفعت نادية عينيها إليها بغضب وتمتمت
_ انا مش نصابة ياهانم واظنك عارفة كدة كويس، ابنكم اللي ضحك على بنتي واتجوزها عند مأذون وخلاها حملت منه.
صرخت بها سهام
_ انتي كدابة آسر مستحيل ينزل لمستوى الخدامين ده، امشي اطلعي برة واقسملك لو شفتك انتي ولا بنتك في الفيلا هوديكم في ستين داهية وانتي عارفة كويس انا اقدر اعمل فيكم ايه.
انكسر قلب نادية من تلك الاهانة لكنها التمست لها العذر وعادت تقنعها
_ بس ياهانم دي الحقيقة ولو مش مصدقة…..
قاطعتها بانفعال وهي تدفعها لخارج الغرفة
_ انتي واحدة كدابه روحي شوفي بنتك غلطت مع مين، آسر ده تربيتي انا وعارفة كوبس انه مستحيل يبص لاشكالكم دي، امشي اطلعي برة وإن شوفتك تاني همحيكي انتي وبنتك من على وش الدنيا
لم تتحمل نادية تلك الإهانة وفضلت الانسحاب لعلمها جبروت تلك المرأة فجذبت أذيال الخيبة وخرجت من غرفتها مقهورة مذلولة وكل ذلك بغباء ابنتها
يبدو أن الجميع سمع ما حدث مما جعلها تخفض عينيها بألم شديد وهي تشعر بالعيون تخترقها وعندما وضعت قدمها على أولى درجات الدرج شعرت بالدنيا تلتف بها واستسلمت لذلك الظلام الأخير الذي غلفها.
❈-❈-❈
في منزل مراد
تجمعوا في الصباح بغرفة والدتهم التي رحمها الله بنعمة الصبر كي لا يضيع أجرها
امسك مراد يدها يقبلها ويحثها على الثبات
_ شدي حيلك ياإمي واثبتي وإوعاكي تضيعي أجرك.
هزت راسها باستسلام وبرضا لما قسم لها
_ متخافش ياولدي عمر البكا ما هيرچع اللي راح، انا احتسبته عند الله وخلاص.
ربت مؤيد على يدها الأخرى وقال بحكمة
_ اكيد ربنا له حكمة في كدة، ياإما بيختبر صبرنا يا إما شايف إن مكانة آسر عنده أفضل فأخده له.
اومأت له
_ الحمد لله على كل حال.
نهض مراد ليساعدها على النهوض
_ طيب يلا خلينا نفطر مع بعض الوكل من غيرك ملوش طعم.
ساعدها على النهوض وتوجه إلى غرفة الطعام
ويتظاهر كل واحدٍ منهم بالثبات رغم النار التي تعتمل بداخلهم
لكن هذه حكمة الله ولن يستطيع أحد الاعتراض على قضاءه.
جلست كل واحدة منهم بجوار زوجها وسهر تنظر إلى سلمى بأسف
لقد تحملت لدغاتها كثيرًا ولم تشتكي لكن ماذا تفعل في غيرتها منها
ترى اهتمام مراد وتمسكه بها رغم مصابها عكس مؤيد الذي لا يهتم بها أمامهم ويدعي الإحراج
تعلم جيدًا بأنه عاشقًا لها حتى النخاع لكنه دائمًا متحفظ أمام أهله عكس مراد الذي دائم الابتسام في وجه سلمى ولا يبخل عليها بعواطفه أمامهم رغم تذمته في الدين والخلق
تقابلت نظراتها مع سلمى التي ابتسمت لها بود مما جعلها تخفض عينيها بخزي
فدائمًا تقابل غيرتها منها بالمحبة
انتهوا من تناول طعامهم وبدأوا بحمل الاطباق إلى المطبخ
همت سهر بغسل الاطباق لكن سلمى منعتها
_ سيبي الاطباق انا هغسلهم واطلعي ورا جوزك.
رمشت بعينيها تندهش من طيبة تلك المرأة وتمتمت برفض
_ لأ سيبيهم انا هعملهم هو اصلًا مش راضي يحدتني واصل.
ربتت سلمى على يدها وقالت بثقة
_ مؤيد مفيش اطيب منه ممكن يكون فاكر إني زعلانة بس انتي زي اختي ومستحيل ازعل منك، اطلعي وراه وحاولي تراضيه.
أومأت لها سهر وتركتها وصعدت خلف زوجها.
دلفت الغرفة لتجده يبدل ملابسه للخروج
تقدمت منه تسأله
_ مؤيد انت خارچ.
أومأ لها بصمت فعادت تسأله
_ هترچع على طول ولا هتأخر؟
تقدم من المرآة ليمشط خصلاته وهو يجيب بفتور
_ معرفش.
دنت منه لتمسك يده وتجبره على النظر إليها وقالت برجاء
_ هتفضل مخاصمني كتير؟ جلتلك آسفة ومكنش جصدي، حتى هي سامحتني وقبلت آسفي.
رق قلبه لها وتحدث برزانة
_ سهر أني عايزك تشيلي سلمى من دماغك، كفاية اللي هي فيه من ناقصة نزود همها ولا حد مننا يچرحها بكلمة حتى لو من غير جصد.
عادت الغيرة إليها لكنها جمحتها بداخلها وقالت بثبوت
_ حاضر مش هضايجها تاني.
لاحت ابتسامة صافية على وجهه بدلته هي بأخرى مليئة بالحب وتمتم باحتواء
_ بحبك
اتسعت ابتسامتها وألقت نفسها في حضنه فيحيطها بكل الحب الذي يحمله بداخله
❈-❈-❈
أسرعت نور إلى المشفي ليعاد المشهد أمامها مرة أخرى حينما خرج الطبيب يخبرهم بوفاة والدتها
لكن تلك المرة الأصعب والأشد
فقدت ماتت سندها وأمنها وأمانها وكل شيء لها
رحلت وتركتها وحدها في دنيا لا ترحم ولا ترأف بأمثالها
استندت بذراعها على الجدار ووضعت رأسها عليه لتنتحب بكل القهر الذي تحمله بداخلها خمسة ايام فقدت فيهم اعز ما تملك حبيبها الذي ضحت بالغالي والنفيس لأجله
ووالدتها التي لم تعرف سواها منذ أن فتحت عينيها على تلك الدنيا.
انتحبت وبكت ونظراتهم لا ترأف لها بل تدينها وتحملها موت والدتها
فماذا يخبأ لها الزمان بعد الآن.
عزاء آخر جلست به بكمد والألم ينحرها بغير رحمة
الجميع حولها ينعي مصابها
مجرد كلمات تخرج من أفواههم وليست قلوبهم
منهم من يقول فلتظلي معي
وآخر يخبرها بأنه سيظل بجوارها وآخر..وآخر.. وكلها كلمات فقط وبعد انتهاء العزاء لن تجد أحد منهم
وها هي تجلس وحيدة في شقتهم والتي خلت من كل شيء ماعدا هي.
اجفلت عندما طرق الباب ونظرت في ساعتها لتجدها قد تعدت الثانية عشر
تقدمت من الباب لتسأل بوجل
_ مين؟
أجابت سهام بقوة
_ أنا سهام هانم.
إندهشت من مجيئها في هذا الوقت فقامت بفتح الباب فتقابلها عينين سهام التي تكاد تحرقها بلهيبها
فقالت بهدوء
_ اتفضلي ياهانم.
دلفت سهام وهي تنظر للمكان باشمئزاز ووقفت خلف الباب لتقول بفتور
_ أنا مش جاية اضايف هما كلمتين وماشية على طول
تقدمت سهام خطوة بتعالي من نور وتمتمت بمغزى
_ أنا جاية بس عشان اعزيكي وانبهك إن وجودك هنا لوحدك غلط عليكي
متضمنيش حد ممكن يكسر عليكي الباب ويعمل فيكي أي حاجة
او مثلًا ماشية على طريق وعربية معدية تخبطك
ولا فضيحة في الشارع اللي انتي فيه ده
كل حاجة واردة اليومين دول
فياريت من سكات كدة تسحبي بعضك وتشوفي مكان تاني تقعدي فيه ومتظهريش قدامي ولا قدام عيلتي لأي سبب من الأسباب.
فهمت نور ما ترمي إليه تلك المرأة وسألتها
_ واللي في بطني؟
نظرت إليها بسخرية وقالت باتهام
_ ده تشوفي حد تاني تلزقية له إنما إحنا لأ(تابعت بوعيد) انصحك تسمعي الكلام وتبعدي عن هنا خالص
يا تسمعي الكلام ياإما تقولي عليه يارحمن يارحيم وانتي عارفة كويس أوي أنا ممكن اعمل ايه.
تقدمت منها أكثر وهي تخرج بعض النقود وتضعها في يدها
_ الفلوس دي تكفيكي وزيادة تشوفي بيها مكان تاني تعيشي فيه قدامك مهلة يومين والتالت محدش هيلومني على اللي هعمله.
همت بالخروج لكن صوت نور أوقفها
_ استني عندك
نظرت إليها سهام بتساؤل وقالت نور بتعالي وهي تعيد إليها نقودها
_ خلي فلوسك معاكي يمكن تحتاجيها وبالنسبة لابني اللي كان رابطه بيكم خلاص راح وانتهى.
أعادت سهام النقود إلى حقيبتها وخرجت من الشقة فتغلق نور الباب خلفها بحدة واسندت رأسها عليه وتبكي بقهر.
❈-❈-❈
عادت إلين غرفتها وهي تحمل كوب عصير ووضعته على المنضدة بجوار توليب التي مازالت تبكي فجلست بجوارها لتناولها الكوب وهي تقول بتأثر
_ اشربي الليمون ده عشان يهديكي شوية وفهميني في ايه؟
بعد محاولات كثيرة من إلين حكت لها كل شيء فتنصدم مما تسمعه وسألتها
_ والراجل ده عايش ولا ميت؟
هزت راسها بنفي وقالت بنحيب
_ مش عارفة بس صدقيني كان غصب عني ومكنتش قاصده اموته، انا لما لقيت بابا بيموت في ايده مفكرتش غير اني أنقذه وبس وملقتش قدامي غير التمثال ده ومكنتش اعرف ان خبطة زي دي هتموته.
ربتت إلين على كتفها وسألتها بتأثر
_ وبعدين هتعملي أيه دلوقت؟
هزت رأسها بألم
_ مش عارفة، انا خايفة أوي على بابا.
فكرت إلين قليلًا ثم قالت
_ أحنا ناسيين أدهم هو محامي واكيد هيساعدنا.
همت بالنهوض لكن توليب منعتها بخوف
_ لأ بلاش.
اندهشت من خوفها وتحدثت بتعاطف
_ متخافيش من أدهم مستحيل يعمل حاجة تأذيكي هو أكيد هيطلعلنا مخرج من الحكاية كلها.
تركتها توليب على أمل أن يجد لهم مخرجًا كما أخبرتها فتعود بعد قليل ومعها أدهم فجلس على المقعد امام توليب ليقول بتركيز
_ أحكيلي اللي حصل بالظبط وبلاش تفوتي أي حاجة
عادت تحكي ما حدث معها وأدهم يستمع إليها بتركيز حتى انتهت
ساد الصمت قليلًا كأنه يفكر في مخرج وقال بهدوء
_ هو كدة هيتعرض على النيابة الصبح وانا هروح معاه واعرف ايه المستجدات لإن في ثغرات ممكن تفيد أو تضر في الجريمة وخصوصاً أنه تبع الشرطة ودي بتبقى صعبة شوية
هشوف الأول ايه اللي هيحصل، وانا هتصل على تميم اطمنه إنك عندنا ونشوف هنعمل ايه.
خرج ادهم وعادت هي للبكاء وإلين بجوارها تحاول التخفيف عنها.
_ خلاص بقى أدهم طمنا الحمد لله.
هزت راسها بنفي وتمتمت بحزن
_ مفيش حاجة هتطمني غير إن بابا يخرج من الحبس، لو حصله حاجة مستحيل اسامح نفسي، انا فتحت عينيه عليه هو معرفش في الدنيا غيره لو بابا الله يرحمه عايش مكنش هيحبني ولا يجازف عشاني زيه هو.
حتى اهل بابا محدش منهم فكر يسأل عليا او يشوف إن كنت محتاجة حاجة ولا لأ
اجهشت في البكاء وتابعت
_ لو متطلعش براءة انا هروح اعترف بكل حاجة.
_ إن شاء الله هيطلع براءة والمحنة دي تمر على خير.
________________
في الصباح
وقفت سلوى وتميم امام القسم ينتظرون خروجه عندما جاءهم أدهم
_ معلش اخرت عليكم بس مريت على المستشفى الأول عشان اشوف الحالة والحمد لله هو لسة عايش بس الدكاترة بيقولوا انه في غيبوبة ناتجه عن ارتجاج في المخ ومش هيقدروا يحددوا مدتها
رد تميم بوجل
_ ربنا يستر
نظر ادهم إلى سلوى وقال بهدوء
_ على فكرة ياطنط وجودك مش هينفعه في حاجة اتفضلي روحي انتي واحنا معاه.
ردت سلوى بإصرار
_ مستحيل أسيبه في الظروف دي كفاية إنه ضحى بنفسه عشان ينقذ بنتي.
خرج توفيق من القسم وهو مقيد فأسرعت إليه سلوى وتميم
_ توفيق.
_ بابا.
نظر توفيق إلى سلوى بعتاب ونهر تميم وبانفعال
_ جيبتها معاك ليه في مكان زي ده؟
نظر لوالدته بعتاب ثم أجاب والده
_ مقدرتش عليها واصرت أنها تيجي تشوفك.
نظر إلى سلوى وقال بأمر
_ روحي انتي وانا إن شاء الله هخرج منها.
هزت راسها بألم وتمتمت ببكاء
_ مش هقدر لازم اطمن عليك الأول.
تقدم منها ادهم وقال بحكمة
_ فعلاً ياطنط وجودك مش هيفيد اتفضلي انتي واحنا معاه.
لم يتركهم العسكري للحديث وأخذه وصعد به سيارة الترحيلات.
❈-❈-❈
في المزرعة
انتبهت ياسمين على صوت بكاء يزن فنهضت مسرعة وهي تشعر بحنين جارف إليه
خرجت من الغرفة لتجد حياة تقف به أمام الغرفة تحاول تهدئته
تقدمت ياسمين منه وما إن رآها حتى بكي ليس خوفًا بل عتابًا لها لتركه
همت بأخذه لكن حياة ابتعدت به بوجل
_ انتي مين؟
قطبت ياسمين جبينها من وقاحة تلك الفتاة وأجابت بروية
_ انا عمته
رمشت حياة بعينيها وتمتمت بـ إباء
_ أني اول مرة أشوفك.
انفعلت من رعونتها ونادت نعمة
_ نعمة
خرجت نعمة من المطبخ فتفاجئت بوجود ياسمين
_ ست ياسمين جيتي ميتى؟
اشارت ياسمين على حياة وسألتها
_ مين دي؟
اجابت نعمة
_ دي المربية اللي جواد بيه چابها لابنه.
رمقتها ياسمين بفتور وقالت بأمر
_ هاتي الولد.
ترددت حياة وكأن روحها في ترك يزن ولكنها لم تمانع تندما مدت ياسمين يدها تأخذه منها عنوة وقد هدئ نحيبه فور حمله ووضع رأسه على كتف ياسمين وكأنه يستمد منها الأمان
وقالت بأمر
_ روحي انتي دلوجت.
شعرت حياة بالغيرة عليه وقد استاءت من وجود ياسمين التي شاركتها في حب ذلك الصغير، لن تسمح بأن يأخذوه منها
هو عوضها عن طفلها الذي أخذ منها ولن تسمح بتكرار الأمر
خرج جواد من غرفته على صوتهم فسأل ياسمين باقتضاب
_ في ايه؟
اجابت ياسمين باندفاع
_ البنت اللي مشغلها عنديك دي مش مرتحالها.
نظر إلى حياة التي دلفت المطبخ خلف نعمة وتحدث بثبوت
_ دي بنت غلبانه متحاوليش تضايجيها.
هم بالعودة لغرفته لكنها أوقفته
_ جواد مردتش عليا لحد دلوجت
استدار إليها ليجيب بحزم
_ لأ ومش عايزك تفتحي التحديت معاي مرة تانية.
استاءت ياسمين من رفضه وسألته بعدم فهم
_ ليه يا جواد أنا من حقي أشوف أمي….
قاطعها جواد بهدر وقد تجمعت شياطين الدنيا كلها أمامها وهو يحذرها بسخط
_ جولتلك الست دي خارچ حياتنا والكلمة اللي جلتيها دي متتكررش تاني في بيتي فاهمة ولا لأ؟
رمشت بعينيها وقد انتفض جسدها إثر صوته الذي بث بداخلها الرعب منه وكذلك طفله الذي استيقظ ليعاود البكاء مرة أخرى على كتف ياسمين مما جعل جواد يستاء من فعلته
فتركهم وخرج من المنزل ذاهبًا إلى خيله كي يتناسى بينهم كل أحزانه.
________________
في النيابة
دلف توفيق ومعه ادهم إلى المكتب
سمح لهم وكيل النيابة بالجلوس وقدم أدهم نفسه
_ أدهم الصاوي حاضر مع موكلي.
اومأ وكيل النيابة وبدأ الاستجواب وقد أصر توفيق بأنه الفاعل فقال الوكيل
_ بس البصمات اللي موجودة على التمثال مش بصماتك ومستنيين تقرير المعمل الجنائي عشان يأكد البصمات دي خاصة بمين؟
زم أدهم فمه باستياء وقد كانت لافتة مدمرة للحدث فقال توفيق
_ لأ اكيد في غلطة أنا اللي ضربته.
عاد يسأله
_ فين بنت مراتك؟
تحدث ادهم بثبات
_ انا شايف إن مفيش داعي لذكرها في الموضوع.
رد الوكيل بثقة
_ بس التحريات بتقول إنها وقت الحادث خرجت من الباب الخلفي للعمارة وهي خايفة وبتجري.
نفى توفيق
_ محصلش بنتي مكنتش موجودة في الوقت ده.
_ كانت فين؟
_ كانت مع ولدتها.
صحح أدهم قوله
_ يقصد إنها خرجت مع ولدتها قبل الحادث وكانت موجودة عند أختى وباتت معها وتقدر تراجع الكاميرات الموجودة في العمارة اللى موجودين فيها.
تحدث الوكيل بتأكيد
_ احنا فعلاً بعتنا نراجع الكاميرات بس الموجودة في العمارة
طرق الباب ودلف المحضر بالاوراق
فقام وكيل النيابة بالاطلاع عليها وقال
_ البصمات بتتوافق مع بصمات توليب وفيق الحسيني
نظر في الأوراق الأخرى
_ والكاميرات اثبتت عدم خروجها قبل الحادث وخروجها بعده من الباب الخلفي للعمارة.
رد توفيق باقتضاب
_ أكيد مش هي.
_ طيب ايه سبب الاعتداء عليك جوة شقتك؟
_ زي ما قلت لحضرتك كان جاي يقعد معايا شوية واتخانقنا
_ خناقه توصل للشروع في قتل؟
لم يجيب توفيق فقال وكيل النيابة للكاتب
_ اكتب ياابني
قررنا نحن النيابة العامة بضبط واحضار توليب على الحسيني وحبس المتهم توفيق واصف الجنيدي بالحبس ثلاث أيام على ذمة القضية.
خرج توفيق من المكتب وقلبه ينتفض بخوف على ابنته فقال لأدهم الذي تعقدت الأمور أمامه وقال له برجاء
_ أدهم ارجوك توليب أمانة في رقبتك لازم تهربها بأي شكل، مستحيل اسيبها تتحبس يوم واحد مش هتتحمل.
اومأ له قائلاً بثقة
_ متقلقيش عليها انا هتصرف، انا بعت رسالة لإلين واحنا جوة عشان تهربها قبل وصول الشرطة لها.
________________
قرأت الين الرسالة ونظرت لتوليب التي جلست بكمد على الفراش تنتظر وصول اي خبر عن والدها
شعرت بالحزن عليها وما تواجهه من مصاعب وقالت بحزن
_ توليب.
نظرت إليها توليب بأمل لم يدوم طويلاً عندما وجدت الحزن المرتسم على ملامحها وقالت إلين بأسف
_ لازم تهربي حالًا
قطبت جبينها بدهشة وسألتها
_ ايه اللي حصل؟
قاطعهم رنين الهاتف والذي لم يكن سوى أدهم
فأجابت إلين بلهفة
_ أيوة ياأدهم أيه اللي حصل.
رد أدهم من الجانب الآخر
_ توليب لازم تهرب حالًا الشرطة جاية في الطريق عشان تخدها
اخذت توليب الهاتف لتفتح مكبر الصوت وسألته بوجل
_ ايه اللي حصل؟
اجاب بحدة
_ قلت لكم مفيش وقت اهربي بسرعة واقفلي موبايلك ومتفتحيش لأي سبب من الأسباب
وجه حديثه لإلين
_ إلين اديها مفتاح الشقة اللي في…… تقعد فيها لحد ما نشوف القضية هتوصل لفين؟
_ حاضر
اغلقت الهاتف ونظرت لتوليب التي الجمتها الصدمة عندما وجدت نفسها أصبحت مجرمة بين ليلة وضحاها
_ توليب قومي بسرعة غيري هدومك
هزت راسها بنفي
_ مش هسيبه واتخلى عنه.
نهرتها بحدة
_ مش وقته الكلام ده اهربي ومتضيعيش اللي عمله عشان وهو أكيد هيخرج منها أدهم معاه ومش هيسيبه
بعد محاولات عدة قامت توليب بتبديل ملابسها والاستعداد للهرب لكن صوت الباب الذي طُرق بقوة جلعهم يتسمروا في أماكنهم
❈-❈-❈
•تابع الفصل التالي "رواية التل" اضغط على اسم الرواية