رواية اليمامة و الطاووس الفصل الخامس 5 - بقلم منى الفولي
اللهم أرزقنا الجنة بلا حساب ولا سابق عذاب
الحلقة الخامسة
سألته باهتمام وفضول: حركات مريبة، هما كانوا بيعملوا أيه؟
أغمض عينيه وهو يزفر بحرقة: ماهو ده بقى طلع السر ورا كل اللي حصل.
تساءلت بتوجس: سر أيه.
ابتسم ياسر متهكما: السر اللي حنن قلب الباشمهندس وخلاه يجي يدور على بنته اللي رماها.
تبرمت مغتاظة متمتمة بحنق: هي فوازير رمضان، ما تقول سر أيه وتحركات أيه اللي مريبة، كانوا بيحضروا عفاريت يعني.
ضحك بمرح : عسل يا قلبي، لا مكانوش بيحضروا عفاريت، بس كانوا بيبعتوها تقضي يوم جمعة هنا، عشان يروحوا يقضوه مع ابن الهانم اللي قالوا أنه عند والدتها.
قضبت جبينها مستهجنة: وأيه الغريب في كده، ما ده طبيعي.
ضحك مشاكسا فضولها: لا مش ده اللي كان مش طبيعي، لكن هي لاحظت شوية حاجات مرتبطة بالزيارة، قبلها بكام يوم كانوا بيتوشوا كتير، وأول ما تدخل يسكتوا، وكانوا يوم الخميس بيعملوا أصناف أكل كتير ويغلفوها وياخدوها معهم، وكمان كانوا بيرجعوا كل مرة معيطين وحالتهم وحشة، ده غير أنها كانت حاسة أنهم مش طايقنها لكن بيمثلوا أنهم بيحبوها خصوصا البنت، والأغرب بقى لما عرفنا من واحد معرفة أن مامت الهانم ماتت من فترة، يعني مفيش جدة أصلا الولد يقعد عندها ويروحولها.
همست بصوت مرتعش من الإثارة: امال كانوا بيروحوا فين!
هاتف ساخطا: مصحة، الهانم طلع ابنها البكري مجرم ومدمن، سرق أكتر من مرة وكل مرة كانوا بيدفعوا اللي سرقه، ويخلوا الناس تتنازل، وأخر مرة كانت مصيبة كبيرة، لأنها كانت سرقة بالإكراه وعور اللي بيسرقه، ولموا الموضوع ودفعوا تعويض كبير، بس اشترطوا عليه عشان يساعدوه أنه يدخل مصحة، والهانم فكرت تجيب له عروسة بنت ناس يمكن يتهدي.
شهقت مصدومة من استنتاجها: نجوى.
غمغم بمرارة: تخيلي، الراجل الواطي اللي كان عامل فيها سبع، ومش قابل أن بنته تعيش في بيت فيه اتنين رجالة أغراب، أول ما المحروس خرج بعد شهرين، رجعه يعيش معهم.
صدمت من تصرف ذلك القذر الذي لا يملك من الأبوة مثقال ذرة: وباباها كان موافق أنه يجوزها ولد زي ده.
ضحك ضحكة مليئة بالقهر: دول عصابة يا ماما، وكانوا مخططين للموضوع من الأول، الأول يخدوها ويحاولوا يخلوها تتعود عليهم، وأول ما المحروس رجع بقوا يخلقوا فرص يسيبوهم مع بعض أطول فترة ممكنة، ده غير التلميحات بقى عن قد أيه لايقين على بعض، ده غير معاكساته هو ليها.
غامت عينيها بدموع حبيسة عينيها وتساءلت بصوت مختنق: ونجوى عملت أيه؟
أطرق عينيه أرضا وهو يقول بمرارة: طبعا هي الأول مكنتش فاهمة، واتخيلت أنهم خبوا موضوع المصحة عشان محرجين، وبعد ما المحروس خرج وابتدوا يعملوا حركاتهم وهو بقى يتجرأ عليها، بقيت تحبس نفسها في أوضتها طول الوقت، مهما حاولوا معها، ولما المحايلة مجبتش نتيجة، بانوا على حقيقتهم، وفهموها أنهم في حكم المخطوبين بمزاجها أو غصب عنها.
همهمت دعاء بصدمة: دول مش طبيعيين أبدا.
زفر بضيق: دول مش بني أدمين أصلا، حبسوها في أوضتها خمس أيام وفهموها أنها مش هتخرج، غير لو وافقت على كتب الكتاب، والدخلة لما تاخد ثانوي، فضلوا يضغطوا عليها، وسحبوا منها تليفونها ومنعوها تيجي هنا، وهما عارفين أن سلوى مستحيل تروح هناك، بس نجوى قدرت تكلم واحدة تعرفها من الجيران من البلكونة، وعرفتنا اللي حصل.
حاولت استنتاج كيف استرجعوها، ولكنها فشلت فتساءلت بفضول: وعملتوا أيه؟
ضحك بسعادة هو يردف بفخر وتشفي: لا الحقيقة محدش عمل حاجة غيري، لأني مديتش فرصة لحد، أول ما جارتنا حكيت الموضوع، خدت بعضي وجريت ساعتها ياسين مكنش هنا، وعمر ومحمود كانوا في شقتي، طلعوا يجروا ورايا وأنا واخد الشارع جري لحد ما وصلت لهناك، كسرت الباب على دماغهم وخدتها ومشيت بعد ما احنا التلاتة رزعنا ابن أمه علقة،علمناه فيها الأدب.
بهتت برد فعله الذي أكد شكوكها بطبيعة علاقته بنجوى: للدرجة دي غيرت عليها.
صك أسنانه بعنف فبعد كل ما رواه ومازالت على أوهامها، وكأنما بذور الحقيقة التي غرسها بعقلها جرفتها سيول الغيرة العمياء،أردف حانقا: أيوه بغير يا دعاء، بغير على عرضي وشرفي، على أختي اللي اتربيت معايا، وأبوها رماها بيده لابن مراته المجرم، [هدأ قليلا، ولان صوته محاولا ألا يخيفها] دعاء أنا عملت اللي عملته، عشان كنت قريب منها كأخ وعارف قد أيه هي بتكره البني أدم ده وهو وأمه، اللي بتعتبرها السبب في موت أمها، يبقى جناني وقتها رجولة وأخوة، مش غيرة وكلام فارغ، أنا محبيتش غيرك، وأظن أن نجوى كانت موجودة قدامي قبل ما أعرفك، ولو كنت عايز أتجوزها كنت أتجوزتها.
زفرت بحرقة فكلامه لامس عقلها ولكن للقلب حسابات أخرى: والله أنا واثقة فيك، بس هي مزودها قوي [باشمئزاز] وبصراحة دلعها زيادة ونحنوحة كده.
عقد حاجبيه مستنكرا: كل اللي قلته ده ولسه بتقولي دلوعة، يا بنتي لو على ألفاظها، ويويو فده تعود مش أكتر، وبوصلها لأن من ساعة اللي حصل واحنا بنخاف عليها خصوصا والزبالة دول معنا في نفس الشارع، والزفت ده حاول يتعرض لها أكتر من مرة لكن الحمد لله عرفنا نوقفه عند حده.
هتفت بمكابرة: طيب ما أديك أهو بتقول أنكم عرفتم توقفوه عند حده، لازمته أيه التوصيل بقى.
ضحك وهو يصفع كفيه بصدمة: هو أنت كنت سمعاني أصلا، باقولك اتهجمت عليهم وضربتهم في بيتهم، وعلى فكرة هما طلبوا البوليس واتهموني بالسرقة، بس الجيران كلهم شهدوا لصالحي، لإنهم مش طايقنهم وإكراما للمرحومة أم البنات، وخصوصا بعد ما الجارة اللي جات لنا عرفتهم أنا عملت كده ليه، ده غير أننا عشان نوقفه عند حده، عملنا نفس الجلسة اللي باباهم عملها لما حب ياخد نجوى وشرحنا الموقف، والناس احتقرته، وخدوا عليه عهد أنه ميتعرضلناش، أما بقى مسألة التوصيل، فهي مش خوفا منه قد ماهو خوف عليها لأن أعصابها بتتعب لما بتمشي في شارع هادي، ده غير أنها ممكن يحصل لها حاجة من الخضة لو قابلته صدفة في الضلمة.
أطرقت بخجل وهي تهمس بتردد: أنا بس...
رفع وجهها إليه وهو يخبرها حاسما: نجوى أختي يا دعاء، وهاوصلها زي ما اتعودنا ومش هاتخلى عنها، وده مينفعش يأثر على علاقتنا، لأنك حاجة وهي حاجة تانية خالص.
لم تجد ما تخبره به، فكل ما لديها مجرد هواجس بلا دليل، وبالفعل عادا لدراستهما، وعاد هو لمصحابة نجوى بدروسها التي كانت معظمها مسائيا، مما زاد من اشتعال غيرتها، خاصة وهي لا ترتاح أبدا لتصرفات تلك الفتاة، التي يراها هو عفوية، بينما هي تراها وقحة، ولكن لا تجرؤ على التصريح برأيها للمكانة الخاصة للفتاة لدى زوجها.
❈-❈-❈
بعد عدة شهور، مساءا بوقت متأخر
دلف ياسر لشقته، ملقيا نفسه على أول كرسي بإجهاد، ينشد بعض الراحة، فاليوم بأكمله كان مرهقا للغاية، ولكن نظرات تلك المستندة على باب غرفتهما، أنبأته أنه لن ينال ما يتمناه من استرخاء، بل بالطريقة التي ترمقه بها أيقن أن لحظاته القادمة ستكون أسوء من يومه كله.
ولم تخيب دعاء ظنه وهي تغمغم متهكمة: حمد الله على السلامة.
زفر بضيق استعدادا لسيل اتهاماتها: الله يسلمك يا حبيبتي.
تحركت تجاهه، مكملة بنفس النبرة المتهكمة، هي الدروس بقيت سواريه كده علطول.
زفر بضيق، ثم حاول أن يتكلم بلين فلا طاقة له على الجدال الأن: معلش يا قلبي أنا عارف أني أتأخرت زيادة النهاردة.
ابتسمت دعاء بسخرية متبرمة: النهاردة، لا ده العادي يا حبيبي، مرة خرجت من الدرس هبطانة وأكلتها، ومرة افتكرت أن عيد ميلاد صاحبتها بكرة؛ ولازم تكون معها الهدية وهي رايحة المدرسة الصبح فاضطريتوا تلفوا تنقوها، وغيره، وغيره.
تبرم بنفاذ صبر وهو ينهض واقفا بمواجهتها: ارحميني النهاردة أبوس أيدك من موال كل يوم ده، أنا فعلا مش قادر، وبالنسبة للنهاردة أنا عارف أني أتأخرت عن كل يوم، بس المستر كان عامل حصة إضافية امتحان، عشان يصفي المجموعة.
علا صوتها وهي تلوح بيدها بغضب: وبكرة هيبقى في سبب تاني وبعده وبعده، أنت ليه مش ملاحظ أن اللي بيحصل ده مش طبيعي أبدا.
انفعل من أسلوبها وتشككها المستمر: يا بنتي دي تالتة ثانوي علم رياضة، وطبيعي جدا أن دروسها تبقى أكتر من كده كمان.
بادلته الصياح بعناد: يا سيدي ربنا يوفقها وينجحها، بس بعيد عننا، أنا مبشوفكش يا ياسر، احنا أه بنروح وبنرجع من الكلية سوا، بس كل واحد فينا على محاضراته، ويدوب بنتغدى معهم وبعدين أنت تشتغل سواق وبودي جارد للهانم، [متهكمة] لا وأنا العبيطة اللي زعلت لما قالتلك تنزلنا جدول، بقيت دلوقتي أقصى أحلامي أنك تعدل ما بينا يا ياسر.
رفع قبضتيه المضمومتين بقوة أمام وجهها، وهو يضغط أسنانه بشدة، مخرجا زمجرة غاضبة، ليرخي قبضتيه فجأة بعنف وهو يتخطاها متجها لغرفة جانبية متجاهلا غرفتهما المشتركة، وهو يهمهم بغضب: الكلام معاكي ملوش لازمة، تصبحي على خير.
انهارت على الكرسي خلفها تبكي بصمت، متعجبة لما لا يرى ما يبدو لها بغاية الوضوح، من مواقف مفتعلة تجتذبه بها تلك المحتالة، وكيف يسمح لها بإبعاده عن من كان يزعم بأنها نبض قلبه، وفعل المستحيل لتصير ملكه، ليتركها الأن تبكي هجره وقسوته.
❈-❈-❈
باليوم التالي بعد الغداء بشقة ياسين
جلست سلوى بجوار ياسر تسأله بفضول: قولي بقى عقبال ما نوجا تجهز، هي دودو تعبانة بجد ولا اتخانقتوا تاني.
غمغم ياسر بضيق: من ده على ده، يعني هي فعلا مقدرتش تاكل لأن القولون شادد عليها من امبارح بعد ما اتخانقنا.
حركت رأسها بأسف وهي تقول بتعاطف: يا قلبي، خلاص أنا هاخلي أم سليمان تعمل الأكل هيلثي طول الأسبوع ده، [متسائلة باهتمام] موضوع سهى برضو.
أومأ ايجابا، مستخدما تلك الشخصية الوهمية التي اختلقها حتى يبث سلوى شكواه دون أن تعلم بأن شقيقتها هي محور خلافاتهم: دي بتغير من خيالها يا سلوى، وفهمتها كذا مرة أن سهى دي زي أختي بالظبط، بس مجرد ما البنت تكلمني أو تحتاجني في خدمة، تنسى كل اللي قولته، ويركبها ميت عفريت، وتنكد علينا حياتنا.
بررت سلوى بتفهم: بتحبك يا ياسر، واللي بيحب ما بيشوفش قدامه وقت غيرته على حبيبه.
غمغم ياسر بضيق: دي مش غيرة دي خنقة المفروض يكون عندها ثقة في نفسها على الأقل لو معندهاش ثقة فيا.
تنحنحت ثم أردفت بجدية: بس يا ياسر، شاب زيك بالنسبة لبنت في ظروف دعاء يعتبر حلم، وأكيد هي بتشوف كتير مستكترينك عليها وده طبيعي يهز ثقتها بنفسها.
اعترض بحدة: وأنا مبتثقش فيا ليه، أيه اللي أنا عملته يحسسها أني ممكن أخونها أو أبوص لغيرها، كل ده عشان علاقة بريئة، رغم أني حلفت لها ألف مرة أن نج..[متداركا بارتباك] سهى مجرد أخت.
ابتسمت بود وهي تناقشه بتعقل: ده اللي أنت تعرفه بما أنك اتربيت في وسط مفتوح، نوادي، ورحلات وكامب، ومدارس خاصة مشتركة، لكن هي اتربيت في حارة؛ كلهم متدخلين في حياة بعض واللي يتعرف أنها على علاقة بحد ولا بتكلم شاب تبقى سيرتها على كل لسان.
زفر بضيق وهو يلوح بيده: وأنا ذنبي أيه، المفروض أنها دخلت الجامعة وآفاقها بقيت أوسع من حارتهم، ده غير أنها اتنقلت ناقلة تانية بجوازنا المفروض تكون قدها.
أردفت بنبرة متعاطفة: معلش يا ياسر، خدها واحدة واحدة وبالهداوة، بص أنت تجيب لها هدية حلوة وتصالحها، وبعدين لما تبقوا كويسين مع بعض هي هتتقبل كلامك أكتر، وهتبقى عايزة تراضيك زي ما بتراضيها.
ابتسم متهكما بمكابرة: كمان أنا اللي هاصالحها وأجيب لها هدية، وهي اللي شاكة فيا ومكرهاني في حياتي.
ابتسمت سلوى مشاكسة: خلاص خلي موضوع الهدية ده عليا أنا يا بخيل، وأنا نازلة الصبح هاجيب لك حاجة على ذوقي، المهم أنت تراضيها ومتسيبهاش زعلانة وتعبانة كده.
ابتسم بمرارة وحنقه على حبيبته يزداد، فهي تشك بأن سلوى تشارك شقيقتها بمخطط لسلبها إياه وإفساد حياتهما، بينما سلوى تتفانى في الدفاع عنها، وتجهاد لإصلاح ذات البين بينهما.
❈-❈-❈
بظهر اليوم التالي، بشقة ياسر
فتح ياسر الباب بخفة بعدما تسلم رسالة من سلوى، ليجدها مبتسمة تحمل ذلك المغلف المزين، هامسة: أحلى أزازة برفيوم أهي، راضيها بقى، ولو مكليتش النهاردة كمان بسببك، حسابك هيبقى معايا أنا.
ابتسم لها شاكرا بامتنان وهو يأخذ منها المغلف ويغلق الباب بهدوء، ليقف للحظات مترددا ثم يزفر بقوة وهو متجه لغرفتهما، ليطرق الباب بهدوء ويفتحه دون أن يسمع الأذن بالدخول، ليجد دعاء متكومة على نفسها وقد انتفخت عينيها من كثرة البكاء وكسا وجهها الحزن، فاقترب واضعا هديته على طرف الفراش، ليجلس خلفها محتويا لها بأحضانه، هامسا بعتاب: ينفع اللي أنت عاملهه فيا وفى نفسك ده، ينفع كده عمالة ترجعي طول الوقت، ده غير عنيكي اللي دبلت من العياط، [تشنجت بحضنه وأرتفع نحيبها، فشدد من احتضانه لها مهدهدا] هششش، أهدي يا قلبي أهدي، والله اللي في دماغك ده ماله أساس.
تشنج جسدها بحضنه، وخرجت كلماتها مختلطة بنحيبها: بس اللي احنا فيه ده مش صح، وأنا مش مرتاحة، واحنا كل يوم بنبعد عن بعض أكتر وأكتر.
قبل رأسها برقة مغمغا بحنان: طيب ممكن نعمل هدنة الشهرين اللي فاضلين في الدراسة، ساعتها الوضع اللي مضايقك، هينتهي بشكل طبيعي، أنا بإذن الله هاتخرج وهاشتغل وهابقى مش فاضي، وهي تخلص ثانوي وتدخل الجامعة، وأنت وهي هتروحوا وتيجوا مع بعض.
رغم عدم ارتياحها، لم تجد لديها حيلة، فلتصبر الشهران، لعل معاناتها تنتهي فعلا، فأومأت إيجابا وهي تتمتم مستسلمة: حاضر.
قبل رأسها ثانية بسعادة مخرجا لها من حضنه متناولا هديته، مشاكسا: طيب شوفي بقى عربون الهدنة.
ابتسمت له بحب وهي تهمس برقة: كفاية أنك فكرت فيا.
فضت المغلف ببطء لتظهر زجاجة العطر الثمينة ذات الرائحة المميزة، لتهتف بحماس: الله دي تحفة، وريحتها تجنن، ربنا ما يحرمني منك.
احتضنها بشوق هامسا بحب: ولا يحرمني منك يا قلبي ولا من ضحكتك الحلوة، بصي النهاردة معلش ياسين مشغول تحت في العيادة، حتى مش هيطلع يتغدى معنا، لكن لما يرجع هاتكلم معه يحاول ياخد يومين ولا تلاتة أجازة من العيادة، ويوديها هو الدروس المتأخرة، والأيام دي أنا هاقولهم ميعملوش حسابنا على الغدا، هتبقى لحبيبة قلبي وبس، ننزل نتغدى بره ونتفسح شوية، و كمان نكمل سهرتنا في البيت، لحد ما تزهقي مني.
احتضنته بقوة، وهي تدس رأسها بصدره تتنفس اهتمامه ليعيد الحياة لقلب اختنق من تجاهله لمعاناتها، حتى لو كان غير مقتنع بأسباب تلك المعاناة.
❈-❈-❈
بموعد الغداء بشقة ياسين
دلفا ياسر ودعاء متشابكي الأيدي، وترتسم آيات السعادة والحب على وجهيهما.
استقبلتهما سلوى بحفاوة وهي تحتضن دعاء وتقبلها بسعادة: أيوه كده الشمس نورت، [متشممة] الله، أيه الروايح الحلوة دي.
اجابها صوت نجوى التي خرجت من غرفتها بتلك اللحظة، قائلة بعفوية: ده فيكتوريا سيكريت، والله دوخنا أكتر من ساعتين بعد الدرس عشان نلاقي الأصلي، بس مش خسارة في دودو، [ضاحكة] وبصراحة كانت فسحة حلوة والأيسكريم يجنن.
اتسعت حدقتي دعاء بصدمة وهي تنظر لياسر بقهر، ثم هرولت لشقتها دون تعليق، تحت نظرات ياسر المصدومة.
لينتزع نفسه من صدمته سريعا سائلا سلوى بحدة: هو مش أنت اللي جيبتي البرفيوم وأنت نازلة.
اجابته ببساطة والدهشة تعتلي ملامحها: لا أنا منزلتش، بس نجوى كان عندها درس بدري فقولت لها تجيب لي اللي محتاجه وهدية دودو وهي راجعة، هي تفرق!
ارتبك ياسر، ووجه سؤاله لنجوى متجاهلا ملاحظة سلوى: اتفسحتي ولفيتي ساعتين وكلتي أيسكريم مع مين.
ضحكت سلوى وهي تجيبه بدلا منها: الواطية مرديتش تشتري لي الهدية والحاجة اللي كنت نازلة اجيبها، إلا لما قلبتني في عزومة أيسكريم ليها ولأصحابها اللي راحو معها.
ابتسم لهما مجاملا، وهو يلعن بداخله سوء حظه وسوء ظن حبيبته وغيرتها المريضة.
❈-❈-❈
بمجرد أن اتبعها لشقته هاجمته الرائحة النفاذة للعطر المتسبب بالمشكلة، ليصدم بأنها قد حطمت القنينة أرضا، بل وتحزم حقائبها استعداد للرحيل.
استنفرت كل شياطينه، فهدر غاضبا: أنتي اتجننتي، أيه اللي بتعمليه ده.
بادلته غضبا بغضب وحدة بحدة: أنا مجنونة لما صدقتك، لما صبرت نفسي وقلت استحملي يابت شهرين ويعدوا، بس خلاص أنا أتأكدت.
أطاح بحقيبة ملابسها من فوق سريره، لتتناثر قطع ملابسها أرضا، وتصطدم الحقيبة بوجهها، ليصعق بفعلته غير المقصودة، ثم تتعالى صراخاته بعدما سقطت أمامه مغشيا عليها.
❈-❈-❈
وقف ياسر أمام باب غرفة نومه بصحبة أخيه، بانتظار أن تطمئنهما الطبيبة التي استدعها للكشف على زوجته، التي لا يعرف أأذتها الحقيبة لدرجة الأغماء، أم أنه قد ضغط على اعصابها أكثر مما يدري بثورة غضبه منها.
فتح باب الغرفة لتخرج الطبيبة وقبل أن تطمئنه انهالت تبريكات سلوى من خلفها له ولياسين: مبروك يا ياسر، مبروك يا ياسين دودو هتجيب لنا بيبي، دودو حامل.
تخطى ياسر الجميع دون كلمة مندفعا لغرفتهما، وقف يتطلع لها بحب وقد اشاحت وجهها بحزن، اقترب يحتضنها رغم رفضها الواهي، مقبلا رأسها وقد احتبس الدمع بعينيه، فبرغم تظاهره بعدم الاهتمام بتأخر حملها الشهور الماضية، إلا أنه كان يحترق داخليا، خاصة وقد كان شاهدا على معاناة أخيه.
شدد من احتضانها وهو يهمس بصوت مختنق، وقد فقد سيطرته على دموعه: والله ما كنت أقصد، أنا بزقها ومتخيلتش أنها هتخبطك، حقك عل...
قطع اعتذاره تلك الطرقات وصوت ياسين المنفعل: ياسر، ممكن أدخل يا ياسر.
ابتعد عنها بسرعة يمسح دموعه، بينما اعتدلت هي جالسة، تضع حجابها وتتأكد من سترة ملابسها، تحت أنظار ياسر الذي هتف بحماس: أتفضل يا دكتور.
دخل ياسين سريعا وقد احمرت عينيه من البكاء، وبصوت متهدج حماسة: ألف ألف مبروك يا أم عبد الرحمن، ربنا يقومك بالسلامة، أهم حاجة متتحركيش من مكانك، ولو نفسك في أي حاجة، لو لبن العصفور أؤمري أنت بس، هيكون عندك.
ضحك ياسر مشاكسا: أيه يا دكتور، هاقول أنا أيه بعد اللي أنت قولته ده.
ضحك ياسين منتشيا: أعز الولد ولد الولد، وأنا عمه وجده، ولا أيه.
هتف ياسر بسعادة: طبعا يا دكتور، [ضاحكا بمشاكسة] أنت بس احرجتني ومبقيتش لاقي حاجة أعملها، وبقى منظري وحش.
هتف ياسين آمرا: أنت تقعد هنا تحت إشارة منها وإياك تزعلها بكلمة، هيبقى حسابك معايا.
رغم ضيقها من اختياره لأسم المولود دون الاهتمام برأيها بهذا الشأن، إلا أنها لمست فرحته الصادقة واهتمامه الجلي.
فانتهزت دعاء الفرصة، هامسة بمسكنة: لا يقعد أيه ده يدوب يلحق يلبس عشان درس نوجا.
هتف ياسين بحماسة: لا طبعا أنت أهم، أنا هوديها النهاردة، أنا لما ياسر اتصل قالي أن اغمى عليكي، خليت السكرتيرة رجعت الكشوفات واعتذرت للمرضى، [مفكرا] وبعدين من بكرة هاشوف سواق يوديها ويجيبها بعربيتي أو عربية سلوى.
شكرته بامتنان وهي تحاول أن تخفي سعادتها تحت انظار ياسر المصدوم: ربنا يخليك لينا يا دكتور.
ضحك ياسين منتشيا: ويخليكي لينا يا أم عبد الرحمن يا غالية، [محذرا ياسر] أنا هسيبكم عشان أم عبد الرحمن ترتاح، حطها في عينيك يا ياسر، وبلاش جامعة لحد الامتحان ومحاضراتكم أنتم الاتنين هتيجي لحد عندكم.
ابتسم ياسر وهو ينظر لها بحب: أكيد.
ابتسم ياسين مؤكدا: أم سليمان هتيجي كل يوم تشوفكم عايزين أيه، وابقوا قولوا لها تحبوا تأكلوا أيه على الغدا؛ عشان تعملهولكم، ولو دعاء محتاجة ترتاح قولولها تجيب لكم غداكم هنا، سلام بقى ومتتعيبهاش، سلام يا أم عبد الرحمن.
ودعه ياسر بسعادة، وهي تسمع توصيات ياسين المشددة لزوجها، الذي عاد مبتسما، ليعاود احتضانها، مقبلا رأسها وهو يهمس بسعادة: ده أنا عينيا لأم عبد الرحمن.
ابتسمت ببرود متسائلة: أنتوا خلاص خلتوه ولد، وسمتوه عبد الرحمن كمان.
ابتسم ياسر متحمسا: بإذن الله ولد، أصل أنت مش عارفة، ياسين من قبل ما يتجوز وهو نفسه يخلف ولد، ويسميه على اسم بابا، [متأثرا] بس ربنا ماأردش أنه يجيب ولاد أصلا، ومن ساعتها وهو نفسه أن أنا اللي أحقق الحلم ده، وأهو ربنا كرمنا، وبإذن الله هيكمل كرمه علينا ويرزقنا بعبد الرحمن.
ابتسمت بجمود وبداخلها يشتعل، هي لا تعترض على الأسم ولكن ما يحزنها هو تهميشهم لها، وكأن لا رأي لها باسم الجنين الذي تحمله، بل هي وسيلة لتحقيق حلمهما، كما أنها رغم سعادتها الجمة بالتخلص من هم دروس نجوى، إلا أنها مستاءة منهما فعلا، فالأن توافرت الحلول البديلة، عندما تعلق الأمر بأملهما المنتظر، ولكن عندما كان يخص راحتها، ومشاعرها فهو أمر لا يستحق عناء مناقشته.
ولكنها قررت استغلال الفرصة على أكمل وجه، وهي تتملم بوهن مفتعل: تسلم لي يا أبو عبد الرحمن.
انتشى للكنية الرائعة وارتسمت السعادة على محياه، بينما هي تفتعل الابتسام لا تصدق أن تلجأ للاحتيال لتحصل على حقها بقربه، الذي انكره عليها، لكنه الأن لا يجد غضاضة في إرضاءها.
❈-❈-❈
بعد مرور شهران، بشقة ياسر
ابتسم ياسر بحب وهو يسألها باهتمام: عايزة حاجة تاني يا قلبي.
ابتسمت دعاء بدلال: تسلم لي يا أبو عبد الرحمن، لا كده خلاص، هاظبط الحجاب بس وننزل علطول.
أمسك بالهاتف لإجراء مكالمة: خلاص هارن على سلوى تخرج.
عقدت حاجبيها متأففة: هي لازم كل مرة تيجي معانا؟
ابتسم مهادنا، وهو يقنعها مدللا: ميصحش يا قلبي، دي مأكدة علينا أكتر من مرة أنها هتروح معانا، دي حتى نوجا زعلانة عشان عندها مراجعة ومش هتقدر تروح.
ابتسمت متهكمة: يا سيدي تروح في داهية بعيد عننا، هي علطول نطالي كده.
زفر بضيق وهو يحاول أن يتمسك بهدوءه: ليه بس كده يادودو، ده من يوم ماحملتي وهما شايلينك من على الأرض شيل، ده غير كمية الهدايا، ده حاجة البيبي كلها تقريبا جت وأنت لسه في التالت.
زفرت بضيق واجابته مستاءة: كتر خيرهم، بس أنا نفسي نروح أنا وأنت مرة لوحدينا، وبعدين ننزل ننقي حاجات البيبي، أنا مش عارفة أفرح بحاجة، حاسة أني متحاصرة.
غير مجرى الحديث فهو لا يريد مضايقتها وكذلك غير مقتنع لموقفها الذي يرجعه لمزاجها المتقلب بسبب الحمل: معلش يا قلبي فرحانين بيكي، ويالا بقى عشان منتأخرش.
أشاحت دعاء بوجهها، لا تعرف لما تجتاحها مشاعر عدم الإرتياح لتصرفاتهم، رغم أنها منذ حملها، حظت بدلال لم تحظى به بعمرها السابق كله.
خرجا من شقتهما بنفس اللحظة التي خرجت بها سلوى هاتفة بحماس: أنا جاهزة أهو، يلا بينا.
ابتسم ياسر بسعادة لحماسها الطفولي، وهو ينظر لدعاء نظرات ذات مغزى ولسان حاله يقول، [أرأيتي كم هي سعيدة من أجلك].
تحركوا باتجاه المصعد ليستوقفهما صوت سلوى المنزعج: يووو، نسيت الظرف، اسبقوا أنتم دقيقة وهاحصلكم، هرولت لشقتها مغلقة بابها خلفها.
تسائلت نجوى مستنكرة: طيب ماكنا طلعناه في أي وقت بدل العطلة دي.
ابتسم ياسر ممتنا وهو يستدعى المصعد: ياسين مصمم أن كل مرة الدكتورة تطمنا، نحط الظرف بالمسجد اللي جنبها، ده حتى مش بيبقى عارف حط كام في الظرف، [مستعجبا] هو الأسانسير بايظ ولا أيه، شكل حد ساب بابه مفتوح.
تبرمت دعاء مستاءة: طيب هاننزل على السلم؟
تحرك ياسر تجاه الدرج آمرا: لا خليكي أنت هنا، عقبال ما سلوى تخرجلك أكون طلعته.
هبط بخفة لدورين متتاليين حتى وصل لذلك الدور الذي تحتله عيادة شقيقه، ليجد باب المصعد مفتوح، استقله متعجبا، فشقيقه بالمستشفى بهذا الوقت ولا يوجد مترددين على العيادة، تحرك المصعد فتخيل أنه قد استمع لصرخة ما، وصل المصعد للدور المنشود، فأخرج رأسه ليدعوهما للركوب، ليفاجأ بأن الممر خالي وبابا الشقتين مغلقان، انتزعه من تساؤلاته ذلك الأنين الصادر من أسفل الدرج، اتجه لتفقد الأمر ليقفز الدرج باقصى سرعته، بينما هو يصرخ باسم زوجته التي ميز جسدها المسجي بأسفل الدرج، ليفتح باب سلوى وتخرج هلعة، تتبع صرخاته لتجده يصرخ محتضنا زوجته الراقدة على الأرض تفترش بركة من الدماء.
❈-❈-❈
تفتكروا هما اللي مزويدنها ولا دعاء هي اللي حساسة، ويا ترى أيه اللي حصلها
***
اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم
•تابع الفصل التالي "رواية اليمامة و الطاووس" اضغط على اسم الرواية