رواية بدون عنوان الفصل السابع 7 - بقلم نورا سعد
الفصل السابع ……
جهز خيري المشواة ووضع الفحم بداخلها وأشعل النيران بها وانتظر حتى أصبح الفحم ساخنا ثم قام بالنداء على ابنته:
-“هاتي الكفتة يلا يا ورد ، الفحم سخن أوي وشكله حلو الصراحة وإن شاء الله الكفتة تستوي كويس”.
أحضرت ورد أسياخ الكفتة ووضعتها فوق المشواة وأخذت تقلبها حتى انتهت من شويها فرفعتها عن النار ووضعتها في الأطباق ثم جلست برفقة والدها على الطاولة وتناولا الكفتة في جو ملئ بالمداعبات والضحك تحت نظرات قاسم الذي كان يتابعهما من شرفة غرفته.
نهضت ورد حتى تحمل المشواة وتضعها جانبا ولكن خرجت منها فجأة صرخة متألمة بعدما سقطت قطعة فحم مشتعلة فوق قدمها ، ذهب خيري نحوها ورفع طرف الفستان حتى يرى الجرح ولكن جحظت عيناه عندما رأى أثار جروح أخرى تشبه إلى حد كبير هذا الحرق ولكن تلك الندبات أقوى وأعمق بكثير.
هتف خيري بذهول وهو يتحسس تلك الأثار ذات المظهر المرعب:
-“إيه الجروح اللي في رجلك دي يا ورد؟! واضح جدا من شكلها أن في حد حيوان لسعك بالنار بالشكل الوحشي ده”.
نظرت ورد إلى الندبات وانتابها صداع رهيب ومؤلم للغاية في الوقت نفسه الذي بدأت تأتيها ومضات رمادية عن رجل وامرأتين يضعان الفحم الساخن فوق قدميها وصوت كريه لأحداهما وهي تقول بنبرة قاسية تدل على عدم وجود رحمة في قلبها:
-“دي يا حلوة عشان تبقي تحترمي نفسك بعد كده ورجلك متعتبش تاني السوبر ماركت عند الحاج فتحي اللي بتشتكيله مننا”.
صرخت ورد برعب وحاولت أن تحرر نفسها من الحبال التي قيدها بها منذر:
-“خلاص والنبي مش هروح هناك تاني ولا هقول أي حاجة خالص”.
أمسكها منذر من شعرها وهتف بخشونة:
-“هو فعلا أنتِ مش هتقولي حاجة ؛ لأنك لو فتحتي بوقك تاني ساعتها الفحم هيتحط على لسانك بدل رجلك”.
وضعت نعمات الفحم على قدمي ورد التي أخذت تصرخ وتحاول تحرير نفسها ولكن دون جدوى وازداد الأمر سوءا عندما كتمت سامية صوت الصراخ بيدها التي وضعتها على فم ورد.
أخذت ورد ترتعش أمام عيني خيري وهي تحاول أن تتذكر تفاصيل أكثر عن هؤلاء الأشخاص الذين حرقوا قدميها بكل برود وكأنهم كائنات منزوعة المشاعر ولكنها شعرت بدوار حاد أدى في النهاية لسقوطها بين ذراع خيري وقاسم الذي حضر على الفور بعدما رأى الفحم يسقط على قدمها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
خرجت نعمات من المنزل بعدما غسلت الملابس ونشرتها ، وسارت وهي تلتفت حولها حتى وصلت إلى بيت بعيد عن منطقة سكنها ثم رنت الجرس ففتح لها شاب سحبها بسرعة للداخل ثم أغلق الباب قبل أن يراها أحد.
اقترب منها الشاب وبدأ يضع يده عليها بشكل مقزز ومثير للاشمئزاز ولكنها كانت سعيدة بتلك اللمسات المقرفة وضحكت بصوت صاخب وهي تقول:
-“مكنتش أعرف أن أنا وحشاك أوي كده يا واد يا تامر”.
هتف تامر بنبرة شهوانية قذرة تثير غثيان أي امرأة شريفة ومحترمة ولكنها أسعدت نعمات التي لا تكترث لحرمانية هذا الذنب البشع الذي ترتكبه بكل أريحية وكأنه لن يأتي اليوم الذي ستدفن به تحت التراب وتحاسب على جميع أفعالها.
-“استنى يا تامر هدخل أغير هدومي وبعدين أعمل حاجة ناكلها”.
جلس تامر ينتظر خروجها من الغرفة بعدما بدلت ملابسها ثم غرقا معا في مستنقع الخطيئة والإثم الذي سيكون له عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.
أما في الخارج فقد كان يقف رجل يراقب منزل تامر وانتظر حتى خرجت نعمات ثم سار خلفها يراقبها بعينيه كالصقر ولم يبتعد إلا بعدما دلفت إلى بيتها.
أخرج الرجل هاتفه من سترته واتصل بوفاء التي سألته بلهفة:
-“ها عملت إيه يا رشيد؟”
أجابها رشيد بجدية:
-“كله تمام يا ست وفاء ، أنا صورت نعمات وهي داخلة بيت تامر وصورتها وهي خارجة وتامر كان بيحضنها”.
ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتي وفاء وهتفت بلهجة ماكرة:
-“تمام يا رشيد ، خليك مراقبها وأول ما أديك الإشارة تبعت الصور لمنذر”.
أنهت وفاء المكالمة ونظرت إلى الذهب الذي فرشته على السرير:
-“لو خطتي نجحت ساعتها هقدر أخلص من منذر ونعمات في ضربة واحدة والدهب كله هيبقى ساعتها ليا ؛ لأن أسماء وفداء ميعرفوش حاجة عن الموضوع وماما لو اتكلمت هقولها نعمات مجابتش حاجة ولو كدبتني فبراحتها خالص هي أصلا مش هتقدر تفتح بوقها وإلا ساعتها هيبان أنها اتبلت على ورد ووقتها البوليس هيعرف أن منذر قتل ورد وخلص من جثتها بمساعدة ماما وده هيخليها تدخل السجن”.
وضعت وفاء الذهب داخل صندوق خشبي وخبأته جيدا في خزانتها ثم خرجت من الغرفة حتى تعد الغداء لزوجها قبل أن يعود من العمل.
قشرت وفاء البطاطس وغسلتها ثم جلست حتى تقطعها وفي تلك الأثناء حضر زوجها “فوزي” ودلف إلى الغرفة يبحث عن بعض الأوراق التي تخصه.
ظل يبحث عن الأوراق في كل مكان بالغرفة ولكنه لم يجد شيئا فتوجه نحو خزانة زوجته وظل يبحث بداخلها وتجمدت يداه فجأة بعدما لمست صندوق خشبي صغير.
أخرج فوزي الصندوق وفتحه واتسعت عيناه بدهشة عندما رأى كمية لا بأس بها من المصوغات الذهبية وقد علم على الفور أن هذا الذهب ملك لحماته ؛ لأنه رأى السلسال الذهبي الذي كانت ترتديه سامية في حفل زفافه من وفاء.
سال لعابة وهو يتحسس السلاسل والخواتم:
-“أه يا ولاد الأبلسة ، اتهمتوا ورد أنها سرقت الدهب وطفشت وطلع في الأخر موجود هنا مع وفاء اللي مخبياه هنا في دولابها!!”
أعاد فوزي الذهب إلى الصندوق ووضعه في الخزانة مرة أخرى وهو يتمتم بخبث:
-“بما أنهم بلغوا البوليس وقالوا أن ورد سرقت الدهب منهم فده معناه أنهم مش هيقدروا يبلغوا البوليس تاني ويتهموني بأني سرقت الدهب”.
▪▪▪▪▪▪▪▪
وضع إياد جهاز قياس الضغط جانبا بعدما فحص ورد والتفت إلى خيري وقال:
-“ضغطها وطي شوية بس خلاص بقى مظبوط دلوقتي”.
لمس خيري كف ابنته وهتف بحنو:
-“أنتِ كويسة دلوقتي يا ورد؟”
هزت ورد رأسها وأجابته بهدوء:
-“أيوة يا بابا ، أنا مش حاسة بأي دوخة”.
سحب قاسم كرسي خشبي وجلس أمامها وهتف بجدية مطلقة:
-“شكلك قبل ما يغمى عليك كان بيقول أنك افتكرتي حاجة عن حروق رجلك ، ياريت تشاركينا بالحاجات اللي افتكرتيها عشان نقدر نوصل للي عمل فيكِ كده”.
أخبرته ورد بكل شيء وهي تعتصر رأسها حتى لا تنسى شيئا ثم غمغمت بحزن:
-“الناس دي كان باين من صوتهم اللي بيتردد لحد دلوقتي في وداني أنهم معندهمش أي شفقة أو رحمة ويقدروا يأذوا أي حد بمنتهى البرود ومن غير ما ضميرهم يأنبهم”.
أومأ قاسم برأسه وأخذ يفكر في وسيلة يجمع بها معلومات عن ماضي ورد وكيف كانت تعيش قبل أن توقع بها الصدفة في طريق خيري.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
حمل منذر سترته ثم خرج من شقته وهبط إلى الأسفل حيث تجلس والدته تتابع التلفاز وبجوارها نعمات تقشر اللب وتأكله.
اقترب منهما قائلا بجدية:
-“أنا هخرج دلوقتي مع أصحابي وهتأخر برة ، ابقوا اقفلوا البوابة عليكم بالمفتاح وأنا لما أجي هبقى أفتحها بالمفتاح اللي معايا”.
التفتت له سامية وقالت:
-“ماشي يا حبيبي”.
خرج منذر من المنزل وذهب إلى شقة أحد أصدقائه حيث تقع صالة المقامرة التي يحضرها الكثير من الفاسدين والضائعين ولا يقتصر نشاط الشقة على لعب الميسر وشرب الخمر وتعاطي المخدرات بل يتم بداخلها أيضا تسهيل أعمال الدعارة.
هتف أحد الشباب بعدما رأى منذر:
-“وأخيرا جيت يا كبير ، ده السهرة النهاردة هتبقى على أخرها واللعب الليلة دي هيكون على تقيل”.
ابتسم منذر بثقة قائلا:
-“وأنا جاهز للعب التقيل”.
-“طول عمرك بتحب التقيل يا منذر”.
نطقت تلك العبارة “جيجي” ثم أعقبتها بضحكة خليعة لا تليق سوى بالساقطات ، ضحك منذر على جملتها وقال:
-“أصيلة طول عمرك يا جيجي ، أنتِ دايما اللي بترفعي معنوياتي”.
سحبته جيجي إلى ركن بعيد وهتفت بجدية:
-“هو حوار مراتك اللي أنتِ قتلتها ده مين اللي يعرفه بالظبط من عيلتك؟”
أمسكها منذر من ذراعها بقسوة وهدر بصرامة:
-“أنتِ عرفتي الكلام ده إزاي؟! انطقي بدل ما أقطعلك لسانك”.
نفضت جيجي ذراعه الغليظة وأردفت بلهجة حادة:
-“تقطع لسان مين ياض ، هو أنت مفكرني الغندورة مراتك ، لا يا حبيبي فوق لنفسك كويس وشوف أنت بتتكلم مع مين ، أنا أبقى جيجي يا بابا يعني أقدر أفرمك وأرمي لحمك لكلاب السكك تنهش فيه”.
ابتلع منذر ريقه وهتف بوداعة محاولا امتصاص غضبها الذي أشعله بكلماته الحمقاء:
-“أنا أسف يا جيجي مكنتش أقصد الكلام اللي قولته ، أنا الفترة دي بمر فيها بأوقات صعبة وخايف جدا من الأيام اللي جاية”.
ضربت جيجي كتفه وهي تلوي فمها بسخرية:
-“طبيعي أنك تكون خايف يا قلب جيجي ، أنت قتلت مراتك وممكن البوليس يعكشك في أي لحظة”.
سألها منذر وهو يجاهد للحفاظ على نبرته الهادئة:
-“مقولتليش بقى يا جيجي ، أنتِ عرفت موضوع القتل ده إزاي”.
أجابته جيجي باستهزاء لاذع:
-“عرفته منك يا موكوس لما كنت سكران امبارح ومش دريان بنفسك ، اشكر ربنا أن محدش غيري سمعك وإلا كان زمانك دلوقتي مرمي في التخشيبة ومستني الحاجة أمك تجيبلك عيش وحلاوة”.
هتف منذر باستعطاف:
-“اوعي يا جيجي حد غيرك يعرف الحوار ده”.
ابتسمت جيجي بلطف وقالت:
-“من الناحية دي اطمن ومتخافش”.
تبدلت نبرتها إلى الجدية التامة وهي تستكمل:
-“بس في حاجة مهمة لازم أقولك عليها”.
شعر منذر بالخوف يدق أوصاله من نبرتها فأخفض صوته وسألها بتوجس:
-“فيه إيه يا جيجي؟”
اقتربت منه جيجي وهمست أمام وجهه بخفوت:
-“أنا شوفت أختك فداء وهي خارجة النهاردة من القسم وكان باين عليها أنها خايفة ومتوترة”.
ضرب منذر رأسه وهتف بتلعثم:
-“فداء!! يا نهار أسود ومنيل”.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية بدون عنوان) اسم الرواية