رواية أشلاء القلوب الفصل السابع 7 - بقلم ندى محمود
تيقن أسيد انه حدث شئ بالفعل عندما رأى علامات الصدمة بادية على وجهه وهو يرمقه بذهول فأنزل الهاتف من على اذنه وهو يتمتم بدهشة :
_ بابا فى حد ضربه بالنار وهو فى المستشفى دلوقتى وبيقولوا أن الرصاصة قريبة من القلب ؟!
كان معتز يقف شامخًا مبتسمًا بأنتصار وهو يقول :
_ ده أول واحد بس لسا كله بالدور !
غار ريان عليه وهو يبرحه ضربًا فأبعده أسيد عنه وهو يصرخ به منفعلًا :
_ أرجع البلد دلوقتى ياريان اطمن على عمى وطمنى وسيبنى معاه هخليه يتمنى الموت وميطلهوش !
وقعت نظرة من ريان على معتز، نظرة مخيفة ولكنها لم تؤثر به.. ثُم أستدار وغادر مهرولًا على عجالة فسحب أسيد معتز الى الخارج وجعله يستقل بالسيارة عنوة وهو مازال مبتسمًا بلؤم لا يبشر بخير …… !!
***
لم يتمكن أحد من أخماد نيران سارة التى تحولت الى صراخ وبكاء هستيرى وهي تقول :
_ انا عايزة اروح البلد اطمن على بابا.. ابعدى يا أسمى سبينى
هتفت ليلى بنظرات مشفقة فى أسى :
_ اهدى ياسارة ياحبيبتى مراد هياجى دلوقتى وياخدنا، اهدى
جثت على الارض وهى تدخل فى نوبة بكاء عنيفة وتنوح بكل ما اوتيت إليها من قوة فرمقت أسمى ملاك الواقفة وملامح وجهها واضح عليها الحزن فصرخت بها فى قسوة :
_ صدقتى ياسارة أننا كان عندينا حق لما قولت أنها جاية تنتقم بس وأهو عمى فى المستشفى دلوقتى، عارفة لو عمى حصله حاجة مش هيكفينى فيكى روحك ولو عندك ذرة دم خدى هدومك يلا وغورى من هنا
هتفت ليلى بخنق وفى خبث :
_ لا تمشى إزاى لاقية أكل وشرب ومكان تنام فيه ببلاش هتمشى ليه كفاية اخوكى اللى بيدافع عنها !
هطلت عبراتها من تلك الكلمات الجارحة التى تلقتها للتو منهم وكأنها خنجر طُعنت به فى قلبها وركضت الى غرفتها وهى تبكى بحرقة.. ثوانٍ وأتى مراد واخذهم وذهب، أما هى فبدلت ملابسها وأخذت حقيبة ملابسها الصغيرة وغادرت المنزل فورًا وعندما حاول الحُراس منعها تحولت إلى وحش كاسر فأفسحوا لها الطريق … عادت مُجددًا إلى التجول فى الطرقات وهي ليس معها شئ سوى حقيبة ملابسها، دموعها تسيل على وجنتيها بصمت، ظلت تسير فى الطرقات وهى لا تعرف إلى أين تأخذها قدماها ومع سدول الظلام واعتكار الليل وأشتداد البرد كانت لا تشعر بأى شئ فقط تفكر فى طريقة تدبر بها تلك الليلة من حيثُ طعام ومكان تنام به.
حققت الأيام جميع مخاوفها فلم يبقى شئ ولم تفقده او تذوقت مرارته، جميعهم مذاقهم مرًا ولكن منهم من كان دواء لأمراض كثيرة ومنهم من سبب لها المرض، توقفت فجأة عندما شعرت بضيق أنفاسها وبعد ثوانٍ محدودة لم تتمكن من أخذ أنفاسها فجثت على الارض وبدأت تفتش فى الحقيبة على دواءها فلم تجده، أستسلمت تلك المرة وأستندت على حائط إحدى البنايات وهي تعافر فى ألتقاط بعض الاكسجين حتى بدأت تفقد وعيها تدريجيًا …………..
***
كان الجميع مجتمع داخل المستشفى منتظرين استعادته لوعيه ولم تتوقف أشجان وسارة عن البكاء فأقترب منهم ريان هاتفًا بنظرات حادة :
_ امى كفاية بكى عاد مش الدكتور عمل العملية وهو كويس، لازم يتحط فى العناية المشددة علشان يبقى تحت العناية الخاصة
صاحت أشجان به فى جنون وعدم وعى لما تقوله :
_ أنت هتسيب اللى عمل كده فى ابوك وتقعد ساكت
تأفف بخنق وهو يهمس بنبرة تحمل فى طيأتها الوعيد :
_ هسيبه فعلًا بس بعد ما أخد روحه بأيدى
خرج صوت ليلى الغاضب الذى لا يخل من اللؤم الدفين :
_ اللى عمل كده كلنا عارفينه كويس أووى !
أستقرت نظرة مراد المنزعجة على أمه عندما فهم مقصدها، فهمت هى من نظرته أنه يأمرها بالصمت بينما ريان فمسح على شعره بزمجرة واضحة وهو يهمس بصلابة :
_ الشخص اللى بتتكلمى عنه يامرات عمى ميقدرش يأذى قطة هيحاول يقتل !؟
أنضم إليهم أسيد اخيرًا وهو يسير مسرعًا نحوهم حتى وصل لهم ووضع يده على كتف ريان هامسًا :
_ اخبار عمى يا ريان؟
غمغم براحة بسيطة فى هدوء :
_ كويس الحمدلله بس فى العناية المشددة ادعيله يا أسيد
_ ربنا يقومه بالسلامة يارب
انحنى على أذنه ليهمس فى غضب عارم :
_ متقلقش عملت معاه الواجب وقاعد فى (….) ، بس مش مرتحله حاسس أنه بيخطط لحاجة مش معقول الهدوء اللى هو فيه ده والراحة دى
همس ريان باسمًا :
_ استنى بس اروحله أنا وهطير الراحة من عينه !
لوى فمه بأعتراض واضح وكأنه لم يعجبه كلامه ثُم سار ليقف فى أحد الأركان بعيدًا بسنتى مترات قليلة عنهم، ساندًا رأسه على الحائط خلفه ويرفع قدم عن الارض ليسندها على الحائط ايضًا عاقدًا ذراعيه أمام صدره، وعندما اغلق عينيه عصفت بذهنه تلك اللحظة التى كان يقف هكذا منتظر خروج الطبيب ليبشره بسلامة زوجته وقدوم صغيره على الحياة، متذكرًا كيف كانت حالته فى تلك اللحظة كيف كان يحاول الصمود على قدميه بصعوبة حتمًا أن كانت أتت عاصفة أخرى كانت ستلقي به إلى الهاوية…….
أنتفض جسده عندما سمع صوت رنين هاتفه فى جيبه فأنتصب فى وقفته واجاب قائلًا :
_ الو مين معايا ؟
خرج صوت رجل يبدو شيخًا قدى فُنى وهو حى :
_ ده رقم أسيد الصاوى
اجابه أسيد بترقب فى أستغراب :
_ ايوة أنا مين معايا ؟!
_فى بنت شابة أكيد أنت تعرفها يابنى لقيتها واقعة فى الشارع ومعاها شنطة جبتها على المستشفى ولما دورت فى التلفون بتاعها كان أنت آخر رقم تكلمه وفى البطاقة بتعتها مكتوب اسمها ملاك
هتف أسيد فى دهشة وقلق شديد :
_ طيب قولى مستشفى إيه بسرعة؟!
اخبره بعنوانها فهم بالتحرك على عجالة من أمره لولا ليلى التى قالت فى فزع :
_ مين فى المستشفى يا أسيد ؟
أسيد بنظرة نارية تنم عن نفس غاضة :
_ هنبقى نتكلم فى البيت يا أمى عن الموضوع ده !
اوقفه ريان قبل أن يرحل وهو يرمقه بنظرات دقيقة هامسًا :
_ ملاك هى اللى فى المستشفى صح ؟!
بخفوت ونبرة رزينة اجابه قائلًا :
_ ايوة متقلقش هطمن عليها واطمنك خليك أنت هنا علشان لو عمى فاق تكون جمبه
اماء له بعبوس شديد فى خنق مجيبًا بنبرة متهمة :
_ استغفر الله العظيم، ماشى يا أسيد ابقى طمنى بالله عليك لاحسن أنا مش حامل توتر اعصاب تانى
رتب على كتفه بنظرة دافئة وأنطلق الى خارج المستشفى مهرولًا …………..
***
ساعات محدودة وكان يقف بسيارته امام باب المستشفى ليترجل منها ويقود خطواته السريعة نحو الداخل متجهًا الى الطابق التى تكمن به بعد أن سأل عن اسمها فى ” الاستقبال ” .. وضع يده على المقبض وهم بفتح الباب فوجد الطبيب يخرج من الداخل وقف يتحدث معه كالاتى:
_ خير يادكتور طمنى ، أنا ابن خالها
بلطف جلى وإبتسامة مشرقة ممتزجة ببعض المزاح :
_ اهدى طيب مفيش حاجة تستدعى القلق ده كله، هى كويسة أوى الحمدلله هو حصل معاها كده بس لأنها اهملت فى علاجها ومكنش معاها وقت الازمة
فغر مُقلتيه بذهول وهو يجيبه بعدم فهم وأستيعاب :
_ أزمة إيه بظبط يادكتور معلش فهمنى
تحولت نبرة الطبيب الى الجدية وبعض الحزن :
_ واضح أنك متعرفش، هى عندها مشاكل بسيطة فى القلب وبسببها بيجليها ضيق تنفس حاد بيأدى للأغماء أنا معرفش لو هى متابعة مع دكتور مقالهاش تعمل عملية ليه لأنها حاجة بسيطة لو عمليه هتصلح المشاكل دي خالص ومش هتكون خطرة وممكن يكون الدكتور قالها وهى رفضت
أغمض عينه بتأثر على تلك المسكينة وهو يتأفف بخنق مجيبًا :
_ تمام يادكتور شكرًا ، كده كده أنا هاخدها عند دكتور متخصص ولو قالها فى عمليه أو حاجة هخليها تعملها
_ تمام جدا ، الف سلامة عليها
ودعه بإبتسامة شبه متصنعة وفتح الباب ليدلف لها، كانت مستلقية فى فراشها نائمة كالملاك وقد بدأ يظهر على وجهها الشحوب مُجددًا، جذب أحد المقاعد وجلس أمامها يتفحص ملامح وجهها المرتخية وأنفاسها شبه المنتظمة، ملامحها، بشرتها البيضاء، شفتيها التى برغم حالتها لم تفقد لونها الوردى الجميل فللحظة شعر بها زوجته لشدة تشابههم فى الشكل وبعض الصفات العناد والرقة ، وتلك الإبتسامة التى كانت تجعله يرفرف جناحيه فى السماء عندما يراها على ثغر زوجته، حساسيتها المفرطة تجاه أى شخص غريب كطفل صغير يخشى الأقتراب من الغرباء.
بدأت تحرك جفنيها تستعيد وعيها ثم وضعت يدها على قلبها وهى تصدر تأوها شديد فهتف هو بهلع :
_ ملاك أنتى كويسة ، ملاك ؟!
فتحت جزء بسيط من عيناها لترى صورته ضبابية وهى تلفظ أنفاسها من بين شفتيها بصعوبة، شعرت أنها ستلفظ انفاسها الاخيرة فى تلك اللحظة وضعت يداها المرتجفة والباردة بشدة على يده هامسة بعدم وعى لم تلفظه :
_ أسيد خليك جمبى ابوس ايدك
نظر إلى يدها بدهشة بسيطة وسرعان ما وضع كفة يده الأخرى فوقها وهو يرتب عليها قائلًا بلطف جميل :
_ أنا جمبك ياملاك ، ثانية هروح انده الدكتور
ذهب وجلب الطبيب فورًا وبعد اجراء الفحص كانت هى تعود لتنفسها بطبيعية ليقول الطبيب باسمًا :
_ هاا يا مدام ملاك بقيتى كويسة دلوقتى
بصوت ضعيف يكاد لا يخرج :
_ الحمدلله يادكتور هو أنا امتى اقدر اخرج ؟
_ مستعجلة كده ليه بس، لو عايزة تخرجى مفيش مشكلة بس متهمليش علاجك ياريت وكمان تشوفى الدكتور اللى متابعة معاه لو قالك على عملية تعمليها بأقرب وقت ياريت لأنك أنتى شايفة وضعك ازاى
رأت نظرة أسيد لها التى تنم عن نفس غاضبة ومتضايقة فهتفت بتوتر بسيط :
_ أن شاء الله يادكتور أنت عارف العملية بتحتاج فـ…….
قاطعها بصرامة ونبرة رجولية وهو يجيب الطبيب :
_ متقلقش يادكتور لو فى عمليه هتعملها فى أقرب وقت
إبتسم الطبيب ثُم ودعهما وأنصرف، فجلس هو على الأريكة الصغيرة وهو يحدق بها بنظرات قاتلة تحاول هى تفادى تلك النظرات المريبة بالنسبة لها فهتفت منفعلة قائلة :
_ بتبصلى كده ليه مكنش قصدى على فكرة أخبى عليك أنت وريان بس قولت ملوش لزمة أقولكم يعنى إذا كان جوزى كان بيدينى فلوس العلاج بالذل والأهانة وبيرميلى الفلوس فى وشي فمرضتيش احس بالشفقة من ريان وخبيت الموضوع ده، مفيش حد يعرف غيرى اساسًا
صاح مُنفعلًا فى أستياء :
_ وأنتى بتشبهينا بال**** ده ياملاك، الموضوع مفهوش شفقة ولا غيره ده موضوع مينفعش نتأخر فيه وكل ما نتأخر فيه هيكون فيه خطر على حياتك
أشاحت بوجهها وهى تجيب بمرارة :
_ ومين قالك أصلًا أنى فارقة معايا حياتى، ده الموت راحة ولله ، على أى حال أنا هشوف الدكتور وأن شاء الله ميقوليش فى عملية وحتى لو قالى مش …………..
مقاطعًا بنظرة نارية ارعبتها قليلًا :
_ هتعمليها ياملاك غصب عنك وأنا بنفسى هروح معاكى عند الدكتور علشان اتأكد
أعتدلت فى جلستها وهى تهتف بغضب فى نبرة محذرة :
_ بس ريان مش هيعرف يا أسيد ولو عرف صدقنى همشى ولا أنت ولا هو هتعرفولى مكان ولا أى حد، كفاية أنت عرفت أنا مكنتش عايزة اقول لحد أصلًا لا ريان ولا زمردة ولا سارة هيعرفوا حاجة
صمتت ثوانٍ وهو يقول بضجر :
_ اممم همشى، زى ماعملتى كده النهردا.. أحنا متفقين إيه يا ملاك وامبارح كنا بنتكلم ومفيش حاجة طلع امتى موضوع المشيان ده فى دماغك، أمي وأسمى قالولك إيه ومن غير لف ودوران تقولى علطول
بثبات تام فى شموخ أجابت :
_ مقالوش حاجة أنا مشيت وحدى محبيتش اقعد اكتر من كده وإلا ابقى ضيفة باردة يعنى مشيت من هناك برغبتى محدش قالى كلمة ولا قالى امشى، واتمنى أنك تفهم رغبتى فى أنى مش عايزة ارجع تانى
هب واقفًا وجذب المقعد ليجلس مقابلها مباشرًا يهمس بمكر :
_ ملاك يمكن أنتى كنتى بتقدرى تضحكى على ريان وتقنعيه بكلامك اللى مش مقنع أساسًا، بس أنا مش ريان ومفيش كلمة من اللى قولتيها دخلت دماغى بس همثل أنى صدقتك وهمشى على كلامك وهتفهم رغبتك.. بس فكرينى أنا قولتلك إيه امبارح، قولتلك أن انتى وزمردة وصية بابا مش كده يعنى متتوقعيش منى أنى هسيبك تلفى فى الشوراع وأنا موجود وكمان قولت أنى دايما كنت معاكى أنا وريان ومازالت معاكى.. مفهوووم الكلام !
حالة من السكون الجميل سادت بينهما، نشبت داخلها روح تضج بالسعادة لم تنكر أنجذابها له منذ اول يوم دخلت فيه منزله ووقف بجانبها امام والدته.. لان الصمت بينهم حتى قطعه هو مُكملًا :
_ ودلوقتى لو مش عايزة تيجى البيت معايا تمام بس هتروحى تقعدى فى بيتى والأفضل أنك تشوفى زمردة تيجى تقعد معاكى علشان متقعديش وحدك ده غير أنى هاخدك بكرة ونروح ننهى موضوع طلاقك ده وتقضى شهور العدة في بيتي مع زمردة
تمتمت بأستغراب بعد أن تفكرت مليًا :
_ أسيد هو ريان ميعرفش ان زمردة بنت عمه صح ؟
اماء لها بإيجاب ثُم هب واقفًا وهو يمد يده لها قائلًا بودٍ :
_ يلا قومى علشان نروح وبليل هجيلك ونروح للدكتور مفهووم
امسكت بيده فساعدها على النهوض وهى تجيب له فى موافقة من دون مقاومة وقد تلونت وجنتيها، حمل حقيبة ملابسها وسارت معه إلى الخارج ، كانت تتبعه كقطة صغيرة تطلب الأمان ! ……………….
***
فى مساء ذلك اليوم ………..
اسرع الجميع إلى ثروت عندما اخبرهم الطبيب انه استعاد وعيه وتحسنت حالته ويستطيعوا الدخول لها، هرولت أشجان وسارة إليه كل واحدة من ناحية تحتضنه وهما يبكيان بشدة فخرج صوته ضعيف قائلًا بمرح :
_ حد قالكم أنى مت بعّدى اكده أنتى وهيا أنا مش حامل صداع
إبتسم الجميع بعذوبة فأبتعدت عنه أشجان قائلة بضيق :
_ اخص عليك يا ثروت
أقترب منه ريان لينحنى ويبقبل يده قائلًا بحنو :
_ حمدلله على سلامتك ياحج، صدقنى ماهسيب اللى عمل كده يتهنى يوم واحد فى حياته
ثروت بهدوء وصوت خافت :
_ سيبك دلوك من الكلام ده ياولدى أنا زين الحمدلله، أنا عارف اللى عمل إكده اختارنى أنا بذات ليه
صاحت أشجان بغضب عارم :
_ حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى عمل إكده
أقترب منه محمد وقال بدفء :
_ حمدلله على سلامتك ياولدى
_ الله يسلمك يا أبوى
سادت الاحدايث بينهم والمزاح والمرح ألى مايقارب ربع ساعة حتى أبتعد ريان عن حشدهم بل غادر الغُرفة بأكملها ليخرج هاتفه ويجرى أتصال با أسيد ليجيبه قائلًا :
_ الو يا ريان طمنى عمى فاق ؟
_ فاق الحمدلله متقلقش يخير، بعدين جهو ده اللى هطمنك يا أسيد أنا قاعد من الصبح على اعصابى مالها ملاك طمنى
نظر أسيد بجوراه لها فأشارت له بحزم أن لا يقول شئ فأردف بجدية :
_ مفيش حاجة تعبت شوية والدكتور قالها انيميا ومبتهتمش بصحتها اليومين دول، معرفتش اكلمك لأنى بعد ما روحلتها كان معايا كام حاجة خلصتها ونسيت خالص، أنا هخلص حاجة كده وهاجى البلد عند عمى ونتكلم على رواقة
همس بخفوت فى أرتياح :
_ طاب الحمدلله كنت قلقان عليها، أول ما افضى هكملها واطمن عليها، يلا مستنيك سلام !
انهى الاتصال معه ثُم نظر لها وهتف بزمجرة مزيفة :
_ ادينى كدبت علشانك ياهانم ياريت بس يطمر وتبطلى عند
افترت شفتاها عن إبتسامة جميلة وهى تقول برقة ممزوجة بمرح :
_ لا دى كدبة بيضة، ربنا يجعلها فى ميزان سيئاتك !!!
ابتسم لها ثم يهتف من بين ضحكاته :
_ طاب قومى يلا شوفى لو فى حاجة نقصاكى علشان نمشى لاحسن نتأخر على الدكتور
بوجه مشرق وثبت واقفة وهى تقول بصوت رقيق :
_ حاضر ثانية هاخد شنطتى وآجى
ثوانٍ وكانت أمامه وهى جاهزة تمامًا ففتح الباب وتبعته هى للخارج وصعدا بالسيارة ثُم رحلا ……………………….
***
فى صباح اليوم التالى ، يوم مشرق اخيرًا شعرت ملاك أن الشمس ستظهر عن جزء من شعاعها بطلاقها اليوم من ذلك الحيوان الذى لا يمتلك فى قلبه ذرة رحمة ……..
كانت تجلس هى وكلٌ من زمردة فى مكتب المأذون منتظرين قدوم أسيد وريان بصحبة أكرم واخيرًا أتوا فصدمت ملاك من منظره فى كل جزء من وجهه يوجد بقعة حمراء أثر الضرب التى تعرض له على يد أسيد ورجاله، توجه وجلس امامها وهو يرمقها شرزًا متوعدًا لها فشعرت ببعض الخوف ولكن أطمئنت عندما تذكرت وجود أسيد وريان معها وأنه لا يستطيع أذيتها بوجودهم فأظهرت القوة والثبات أمامه.. أما المأذون فهتف بدهشة :
_ إيه اللى عمل فيك كده بس يابنى ؟!
نظر إلى أسيد الذى كانت نظراته كالصقر الحاد أنزلت الرعب فى قلبه ثم أجاب بغضب :
_ لا دى مشكلة كبيرة حصلت وولاد الحرام عملوا كده، مش يلا نبدأ بأجراءات الطلاق
حاول مأذون فى البداية أن يردهم عن قرارهم بتذكيرهم أن الطلاق يهتز لعرشه الرحمن وأن أبغض الحلال عند الله الطلاجق وغيرها من النصائح فهتف ريان بشئ من الانفعال :
_ متتعبش نفسك يامولانا مفيش حد فيهم هيتراجع عن الطلاق
تتفس الصعداء بيأس ثُم بدأ بأجراءات الطلاق التى أنتهت بسماع ذلك الوغد وهو يلقى على مسامعها ” أنتي طالق ” كانت فى أشد سعادتها بتلك اللحظة ونظرت إلى زمردة وهى تتنهد بأرتياح وسعادة واضحة فى عيناها ثُم نهضوا جميعًا وغادروا المكتب فنظر أكرم لها وهتف منذرًا :
_ لسا حسابنا مخلصش ياملاك وهدفعك تمن اللى عملتيه ده وابقى قولى أكرم قال
تصدر له ريان وهو يتشدق بصوت رجولى مخيف :
_ ده جرب كده وشوف إيه اللى هيحصلك ؟!
سحبه أسيد من يده بهدوء وهو يغمغم مبتسمًا بخبث :
_ سيبه يا ريان هو عارف كويس هيحصله أيه لو فكر يعمل حاجة من اللى بيقولها لأنه مظنش أنه هينسى اللى حصله فى المخزن، صراحة أنا هكون مستمتع جدًا لو كررتها تانى ولا أنت ايه رأيك ؟
قال آخر جملاته وهو يغمز له بلؤم شبه ضاحكًا فأشتعل فعيل نيرانه وهو ينصرف فورًا و يتوعد لهم جميعًا، التفت ريان الى ملاك ليهمس بنظرة عاشقة :
_ وعدتك أنى هخلصك منه وادينى وفيت ياملاك
برقة طاغية همست :
_ أنا كنت واثقة فيك ياريان علشان كده كنت مرتاحة
كان يتابع أسيد حديثهم مُبتسمًا ثُم أقترب من ملاك وهو يطلب منها القدوم معه بعيدًا عنهم قليلًا فلبت طلبه وأبتعدوا عن مسمعهم وهو يقول بنبرة لا تقبل النقاش :
_ أنتى سمعتى الدكتور قال إيه امبارح صح ، لغاية ماتخلصى شهور العدة هتحافظى على علاجك ياملاك فاهمة علشان بعد ماتخلص نروح للدكتور ونحدد معاد العملية
بعينان تبتسمان من الداخل لسعادتها وهى تهمس بإيجاب :
_ حاضر بس مش هو قالى اعمل تحليل واودهوله النهردا !؟
مسح على شعره وهو يردف بتأسف :
_ اممم تصدقى نسيت الموضوع ده ، طاب يلا هنروح دلوقتى وهخلى ريان يوصل زمردة للبيت وبعد كده أنا ارجعك البيت
كانت نظرة ريان لهم مشتعلة عيناه تكاد تخرج النيران منها ، فقد تأججت نيران الغيرة داخله لاحظت زمردة ذلك فأبتسمت بمكر ولكن اختفت إبتسامتها فورًا عندما رأت نظرته النارية لها فتصنعت أنها لا تراه وهى تحدق بالسماء بأضطراب جلى، أرغمت إياه على الابتسام وهو يتعجب على تلك الفتاة البلهاء التى تعتقد انها كذلك ستهرب بما فعلته
أقترب أسيد من ريان لينحنى نحو اذنه ويهمس بخشونة :
_ ريان خد زمردة ووصلها للبيت وأنا وملاك هنروح مشوار سريع ونيجى وراكم
بغيرة مدمرة وأغتياظ ممزوج بالانفعال :
_ مشوار إيه اللى مينفعش تتكلموا قدامنا فيه، إيه هو سرى للدرجة دى يا أسيد بيه
بأقتضاب اجابه محتجًا :
_ اهاا سرى ياريان اعمل اللى قولتلك عليه يا ابن العم يلا من غير عصبية هااا
***
كانت سارة تقف خارج غُرفة والدها تتحدث عبر الهاتف مع أحد اصدقائها وتشرح لها ما حدث بخصوص حادثة والدها والأسى يستحوذ عليها فرأت مراد يخرج من الغُرفة ليقع نظره عليها ، ويرمقها متغطرسًا عندما أعتقد أنها تتحدث مع ذلك الشاب مجددًا فأنهت الاتصال مع صديقتها فورًا وركضت خلفه وهى تنادى عليه ، فتوقف والتفت لها ليهمس بجفاء :
_ خير ياسارة !!؟
أنزوت نظرها عنه هامسة بتوضيح :
_ أنا مكنتش بكلم أسلام على فكرة دى وحدة صحبتى !
رأت شبح إبتسامة مستنكرة على ثغره وهو يقول بعدم اهتمام :
_ اولًا أنا مسألتكيش بتكلمى مين، ثانيًا دى حاجة متخصنيش إذا كنتى بتكلميه أو لا
غامت عيناها بالعبرات وهى تتمتم معتذرة :
_ مراد بالله عليك بلاش اللى بتعمله ده، ثُم أنى قطعت علاقتى بيه خلاص ومكنش قصدى أنى اعمل حاجة غلط أنا بس قولت أن كلامنا على الفون هيبقى مؤقتًا لغاية ماييجى يتقدملى وتبقى فى حاجة رسمى
غلبه الوجوم وهو يحدج بها بصمت مرير ذلك الصمت احدث فى نفسها ضجيجًا حيث جعل شجونها تهيج من جديد عندما طفق يقول بقسوة :
_ مؤقتًا مش مؤقتًا أنا مليش دعوة ياسارة أنا مش اخوكى ولا ابوكى علشان احاسبك، والأفضل أنك تمشى دلوقتى ومتتكلميش فى الموضوع ده لأن لو حد طلع وسمعك هتكونى فى موقف أنا مش هقدر اعملك فيه حاجة
قال كلمته الاخيرة وهو يستدير ويرحل، فتتصلب هى بأرضها وتسلط نظرها عليه وهو يغادر بأعين منطفئة، نخر الحزن قلبها بلا هوادة، نظرة عدم الثقة وتخييب الامال الذى فى عينه تمزق قلبها اربًا بلا رحمة ……………..
***
خرج مروان باحثًا عن أسمى فى حديقة المستشفى ، وتوقف للحظات يقلب نظره بين الجالسين فلم يجدها من ضمنهم.. أخرج هاتفه وحاول الاتصال بها ولكن كان هاتفها خارج التغطية، شعر بنغزة بسيطة فى قلبه لا يعرف سببها فأنطلق كالمجنون يبحث عنها بكل قطعة فى المستشفى ، وكأن قدماه ألتصقت فى الارض عندما رأها فاقدة الوعى ويحملها رجل، ليدخل بها سيارة كبيرة .. فضربت أشارات الإنذار فى عقله ليصرخ بصوت رجولى هادر قائلًا :
_ أسمى
ركض نحوها محاولًا اللحاق بها ولكن كان ذلك الرجل يضعها بالسيارة وينطلق بها بسرعة البرق …………….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية أشلاء القلوب) اسم الرواية