رواية بدون عنوان الفصل التاسع 9 - بقلم نورا سعد
وصل قاسم بسيارته بالقرب من منزل منذر ، فتطلعت ورد إلى المنزل الذي كان مألوفا جدا بالنسبة لها وهبطت من السيارة واقتربت من البيت فلحق بها قاسم بسرعة ؛ لأنه خشي عليها من هؤلاء الناس.
شعرت ورد بيد رقيقة تسحبها إلى ركن معزول فرفعت بصرها ونظرت إلى صاحبة تلك اليد قائلة باستغراب:
-“أنتِ مين ، وليه سحبتيني كده من إيدي؟!”
احتضنتها فداء ورددت بفرحة:
-“أنا مش مصدقة أني شايفاكِ قدامي يا ورد ، أنا كنت مفكرة أن منذر قتلك بس الحمد لله أنتِ طلعتِ عايشة”.
اقترب قاسم منهما ونظر إلى فداء وقال:
-“أنتِ تبقي فداء أخت منذر مش كده؟”
رمقته فداء بتعجب ثم وجهت سؤالها إلى ورد:
-“مين ده يا ورد؟!”
صمتت ورد ولم تعرف بماذا تجيب فهتف قاسم بهدوء:
-“أنا أبقى جوز المرحومة ياسمين أخت مدام ورد”.
رددت فداء بذهول:
-“أخت ورد!! وهي ورد من إمتى عندها أخوات غير أشرف صاحب منذر!!”
نظر قاسم حوله يرى إذا كان هناك من يسترق السمع ثم هتف بهدوء بعدما اطمئن أنه لا يوجد أحد يتابع حديثهم:
-“ده موضوع طويل ومحتاج شرح ومش هينفع نتكلم هنا ، ياريت تتفضلي معانا يا آنسة فداء نروح نتكلم في أي مكان بعيد عن المنطقة وأنا هفهمك كل حاجة”.
سارت فداء معهما وصعدت إلى سيارة قاسم الذي انطلق بسرعة قبل أن يراهم أحد.
وصل قاسم إلى أحد المطاعم الفاخرة وجلس برفقة ورد وفداء وشرح أمامهم كل شيء فخرجت الكلمات بنبرة متعجبة من شفتي فداء التي لا تزال غير قادرة على استيعاب تلك الحقائق التي سمعتها:
-“يا خبر أبيض ، أنا مش قادرة أصدق الكلام اللي أنا بسمعه ده ، معنى كده أن ورد مش أخت أشرف وعشان كده هو فرط فيها بسهولة جدا ومسألش عليها”.
استكملت فداء بجدية وهي تمسك هاتفها:
-“أنت قولت دلوقتي أن أخوك لما لقى ورد مرمية في الطريق هي كانت مضروبة ومتبهدلة ومكنش معاها أي دهب ، أنا لازم أكلم الرائد مجدي وأقوله على كل حاجة”.
تحدثت فداء مع مجدي وأخبرته بكل شيء فطلب منهم أن يحضروا إلى قسم الشرطة حتى يأخذ أقوالهم فذهبوا بالفعل إلى القسم وتحدث قاسم أمام مجدي بجميع التفاصيل.
زفر مجدي وهتف بجدية:
-“احنا دلوقتي بقينا متأكدين أنهم حاولوا يقتلوا مدام ورد وعشان يخبوا جريمتهم اتهموها أنها سرقتهم وهربت مع عشيقها ولو واجهناهم دلوقتي هينكروا وهيقولوا أن ممكن يكون العشيق ده هو اللي ضرب ورد وسرق الدهب وهرب”.
هتفت ورد بغيظ تملكها من تلك العائلة الحقيرة التي تستحق أن يتم حرقها:
-“المشكلة دلوقتي أننا مش عارفين لحد دلوقتي هما خبوا الدهب فين”.
حك قاسم ذقنه وقال:
-“مش مهم نعرف مكان الدهب ، المهم دلوقتي أننا نثبت أنهم حاولوا يقتلوكِ وأن موضوع الدهب ده مجرد ادعاء منهم عشان يخفوا جريمتهم”.
هزت ورد رأسها قائلة بمكر فهي على الرغم من عدم تذكرها لماضيها إلا أنها سوف تنتقم من العائلة التي عذبتها بشدة فقد شهدت أثار هذا العذاب على جسدها المشوه بالندبات:
-“عندك حق يا قاسم وأنا عندي فكرة ممكن أجيب بيها الدليل بس هحتاج مساعدة فداء”.
هتف مجدي بتساؤل:
-“ممكن أعرف إيه الفكرة اللي حضرتك بتفكري فيها يا مدام ورد؟”
تحدثت ورد وشرحت الفكرة أمام الجميع فابتسم قاسم بإعجاب على ذكاء ورد بينما هتف مجدي بانبهار:
-“دي فكرة ممتازة جدا بس هنحتاج إذن من النيابة ده غير أننا هنعتمد بشكل كبير جدا على الآنسة فداء”.
نظرت ورد إلى شقيقة زوجها تنتظر ردها فحركت فداء رأسها وقالت:
-“وأنا موافقة ومستعدة للمساعدة ، جهز أنت يا حضرة الظابط إذن النيابة عشان التسجيل يبقى قانوني وأنا هظبط كل حاجة عندنا في البيت عشان ورد تقدر تدخل وتواجه منذر من غير ما حد يشوفها”.
عادت فداء إلى المنزل بعد مرور عدة ساعات من الحوار الذي دار بينها وبين ورد في القسم ثم دلفت إلى المطبخ وقامت بتحضير عصير مانجو ووضعت به مادة مخدرة ثم خرجت إلى الصالة وهتفت بابتسامة بعدما استدعت والدتها وشقيقتها نعمات:
-“اتفضلوا يا جماعة ، أنا لقيت المانجو رخيصة النهاردة فاشتريت شوية وعملت عصير للكل”.
تناولت سامية كأسها وفعلت نعمات المثل ، نظرت لهما فداء وأردفت بهدوء بعدما تأكدت من شربهما للعصير:
-“أنا هطلع لمنذر شقته عشان أديله الكوباية بتاعته وهنزل على طول”.
صعدت فداء إلى شقة منذر دون أن تنتظر ردهما وقبل أن تطرق الباب أخرجت من جيب سترتها مخدر يختلف نوعه عن الذي وضعته في كأس سامية ونعمات.
وضعت فداء المخدر في كأس العصير وقلبته جيدا ثم طرقت باب الشقة ليفتح لها منذر الذي رمقها باستغراب فهتفت بسرعة وهي تعطيه الكأس:
-“ده عصير مانجو احنا عاملينه تحت ، اشربه بسرعة وهات الكوباية والصينية عشان أغسلهم”.
-“ماشي”.
تناول منذر الكأس وشرب العصير كله ثم أعطى شقيقته الصينية وأغلق باب الشقة.
هبطت فداء إلى الأسفل وكما توقعت فقد نامت كل من والدتها وشقيقتها ، سارت فداء نحو المطبخ وغسلت الأكواب جيدا ثم توجهت إلى الصالة وقامت بفصل الكهرباء عن المنزل بأكمله.
فتحت فداء البوابة لورد وقامت بإدخالها وأعطتها مفتاح شقة منذر وهي تقول:
-“منذر موجود فوق في الشقة وزمان المخدر عمل معاه مفعول وهتلاقيه دلوقتي مسطول ومش قادر يتحرك وده هيساعدك في أنك تاخدي منه كل الاعترافات اللي أنتِ عايزاها وفي نفس الوقت تضمني أنه مش هيأذيكِ”.
قامت ورد بإشعال المصباح الذي تحمله في يدها ثم صعدت إلى الشقة ودلفت إليها ووجدت منذر يجلس فوق الأريكة ويغمض عينيه بشكل جزئي ولا يستطيع تحريك بدنه.
ارتعش جسد منذر بشدة واتسعت عيناه عندما رأى ورد تحمل المصباح وتقف أمامه بهيئتها المرعبة فقد كانت ترتدي فستانا من اللون الأسود وتضع مكياجا مرعبا ومخيفا على وجهها وأنياب صناعية فوق أسنانها تضغط بهما على فمها الذي يتدلى منه سائل أحمر قاني يشبه الدماء.
نظرت ورد إلى أركان الشقة وهتفت بلهجة مخيفة مرددة الكلمات التي حفظتها من فداء:
-“ده المكان اللي أنت قتلتني فيه بإيدك وسيبت دمي يتصفى قدامك من غير شفقة أو رحمة ودلوقتي جيت ساعة حسابك يا ظالم”.
غطى العرق جبين منذر الذي حاول أن يتحرك ولكنه لم يستطع كما أنه كان مغيبا بشكل جزئي عن الواقع.
اقتربت ورد خطوتين فتمتم بفزع:
-“أرجوك بلاش تقتليني يا ورد ، أنا أسف والله صدقيني أنا ندمان على كل حاجة عملتها فيكِ”.
حاول منذر أن يصرخ ويستنجد بالناس ولكن صوته كان ضعيفا للغاية فضحكت ورد بصوت مخيف بث الرعب أكثر في قلب منذر:
-“ندمان على إيه ولا إيه ، أنا ممكن أسامحك في حالة واحدة بس وهي أنك تقول وتعيد قدامي كل البلاوي اللي عملتها فيا ؛ لأني ساعتها بس هحس أنك ندمان وعايز تكفر عن ذنبك”.
غمغم منذر بصوت مرتعش وهو يقاوم الدوار الذي يشعر به:
-“ندمان أني كنت بضربك وندمان على قتلك وندمت أني سمعت كلام ماما ونعمات وخلصت من جثتك بعد ما رميتها بمساعدة أمي في حتة قريبة من الطريق الصحراوي”.
خشَّنت ورد صوتها وهي تصرخ في وجهه بغصب:
-“ومش ندمان أنك اتهمتني بسرقة الدهب وقولت للناس أني هربت مع عشيقي وأنت عارف كويس أني محترمة ومش بمشي على حل شعري”.
هز منذر رأسه وهتف بصوت متلجج:
-“أنتِ فعلا محترمة وأنا افتريت عليكِ لما قولت أنك سرقتي الدهب وهربتي مع واحد تاني بس صدقيني دي كانت فكرة نعمات وهي أصلا العقل المدبر لكل الحكاية دي”.
تمكن الدوار من منذر وغاب عن الوعي بعدما سجلت له ورد جميع الاعترافات التي أدلى بها قبل لحظات.
ملست ورد على شعره ثم شدته بغل وقالت:
-“ابقى قول لأمك تبقى تجيبلك عيش وحلاوة لما تيجي تزورك في السجن ده لو ما اتقبضش عليها معاك”.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
في اليوم التالي وفي تمام الساعة الثانية ظهرا سمعت سامية صوت طرقات على باب منزلها فنهضت من فوق الأريكة وصاحت بنزق:
-“حاضر يا اللي بتخبط هفتح أهو ، هي الدنيا طارت ولا إيه!!”
اشتد الطرق أكثر فصاحت سامية وقذفت الطارق بوابل من الشتائم السوقية وهي تتوجه نحو الباب حتى تفتح لهذا المزعج الذي يدق الباب بعنف وكأنه يريد أن يكسره.
تيبست أطراف سامية بعدما فتحت الباب فقد رأت أمامها مجدي برفقة بعض عناصر الشرطة.
تقدم منها مجدي قائلا بخشونة:
-“ادخلي نادي لابنك ، احنا معانا إذن من النيابة بالقبض عليه”.
ضربت سامية صدرها ثم أخذت تلطم خديها وهي تصيح بجزع:
-“ليه يا حضرة الظابط؟! ده أنا ابني غلبان ومش بيعمل أي حاجة”.
ابتسم مجدي بسخرية وقال:
-“واضح فعلا أنه غلبان وعشان كده حاول أنه يقتل مراته وباين عليكِ أنتِ قد إيه أم مثالية وده ظهر بوضوح لما أنتِ ساعدتي ابنك في أنه يتخلص من جثة ورد اللي أنتم فكرتوها ميتة”.
انتبهت سامية إلى الثلاث كلمات الأخيرة التي نطقها مجدي فوضعت يدها على قلبها وهتفت بتعجب:
-“فكرناها ميتة!! هي ورد لسة عايشة؟!”
أومأ لها مجدي بابتسامة مستهزئة على حالها الذي انقلب بسرعة البرق بعدما علمت أن زوجة ابنها حية ترزق:
-“أيوة عايشة وقدمت فيكم بلاغ بأنكم حاولتم تقتلوها يعني أنتِ ونعمات هيتقبض عليكم مع منذر”.
أشار مجدي إلى العساكر حتى يحضروا منذر فدلفوا إلى الداخل وقاموا بتفتيش المنزل ولكنهم لم يجدوا أي أثر لمنذر أو لنعمات.
نظر مجدي لسامية بغضب وهتف بخشونة:
-“انطقي يا ست أنتِ وقولي ولادك فين بدل ما هخلي يومك أسود النهاردة”.
هزت سامية رأسها وأخذت تبكي بانهيار فقد خسرت كل شيء وحان الوقت حتى تنال جزائها.
كرر مجدي جملته بصرامة فصرخت سامية بانهيار وهي تجثو أرضا:
-“معرفش هما فين ، والله العظيم ما أعرف مكانهم ، هما خرجوا الصبح بدري ومحدش منهم قال هو رايح فين”.
حصل مجدي على الجواب الذي أراد سماعه من سامية بعدما حضر إلى المنزل صبي صغير في عمر العاشرة وهتف بصوت جهوري:
-“الحقي يا ست سامية ، منذر ابنك قفش نعمات في بيت تامر صاحبه وقتلوا بعض ومحدش منهم خرج عايش”.
صرخت سامية بقلب أم مفجوع على أولادها:
-“يا لهوي!! يا ضنايا يا ابني!!”
لم تتحمل سامية هول الصدمة فسقطت مغشيا عليها أمام مجدي الذي كان ينظر للفتى بذهول.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية بدون عنوان) اسم الرواية