رواية في حي الزمالك الفصل العاشر 10 - بقلم ايمان عادل
السَّيَّارَة 🤎🦋✨
أخذت تسير أفنان بلا وجهه محددة، حتى وصلت إلى سيارات الأجرة التي تمر بالقرب من حي الزمالك، إنه المكان الأنسب لحالتها الآن.. مياه النيل ونسمات الهواء الصافية نظراً لأن فصل الخريف قد بدأ، بالإضافة إلى الهدوء.
بعد خمسة عشر دقيقة تقريباً كانت قد وصلت بالفعل لذا بدأت السير على ‘الكورنيش’ وهي تنظر إلى مياه النيل اللامعة من انعكاس ضوء القمر.
“أفنان؟!” سمعت صوتها يصدر من فم أحدهم لتلتفت نحو الخلف وتجده هو.. رحيم؛ داخل سيارته السوداء الفاخرة.
“أنتي بتعملي ايه هنا لوحدك؟”
“مفيش.. كنت مخنوقة وقولت أتمشى شوية.”
“وأنا كمان..”
“بتتمشى جوا العربية؟” سألت بسخرية وهي تقهقه لينظر نحوها بإزدراء قبل أن يقول:
“مش قصدي يا ظريفة.. عالعموم ما تيجي نتمشى سوا؟”
“مفيش مشكلة..”
“تعالي اركبي.”
“يا ابني هو أنت عندك زهايمر؟ مبركبش أنا عربيات مع حد غريب وبعدين بتقول عايز تتمشى.. نتمشى على رجلنا يعني.”
“طب استني أشوف ركنة الأول.”
“ماشي يا دكترة.”
“دكترة؟ What does that mean؟ ‘ماذا تعني هذه’ “
“يعم انجز وهبقى أقولك.”
“ماشي.” بعد مرور خمسة دقائق عاد رحيم إلى حيث تقف أفنان لكن بدون السيارة.
“حمدلله عالسلامة.”
“الله يسلمك.”
“نتمشى؟”
“قشطة نتمشى عالنيل.” قالت ليبدأو في السير سوياً بالقرب من النيل.
“يلا كلمني عن نفسك.. المايك معاك.”
“أتكلم أقول أيه؟”
“رحيم الدكتور يقول أيه لرحيم الإنسان؟” سألت بسخرية ليُجيبها ساخراً هو الآخر قائلاً:
“سوما العاشق.”
“ما أنت حلو وبتتفرج على أفلام عربي أهو.” اردفت وهي تضحك لكنه أكتفى بالإبتسام وهو يسألها:
“أنا حلو؟”
“أنت ليه بتمسك في كلمة وتسيب الباقي؟” سألت بحنق وهي ترفع أحدى حاجبيها.
“بسمع الكلمة اللي بتعجبني بس.”
“أنت هتقولي؟ ما أنا خدت بالي..”
“طب يا ستي عايزة تسمعي أيه عني؟”
“ممكن تحكيلي على دراستك والشغل كده يعني..”
“بالنسبة للدراسة أنا كنت في British school وبعدها دخلت جامعة خاصة هنا.” تحدث بفتور شديد بينما استمعت إليه في حماس.
“ما شاء الله، ما بين عليك اصلاً.. المهم وبعدين؟ حضرت الماجستير فين؟”
“برا مصر..”
“ومالك زعلان ليه وأنت بتقولها يعني؟”
“يمكن عشان مكنتش مبسوط؟” اردف بنبرة تميل إلى التساؤل لتنظر نحوه بصمت ثم تسأل:
“وأيه اللي خلاك مش مبسوط؟ مش أنت كنت بتدرس حاجة بتحبها وقاعد في دولة كويسة.”
“دي حقيقة.. بس أنا مكنتش عايز ابقى لوحدي..”
“بتخاف من الوحدة؟”
“وهو في حد مبيخفش من الوحدة؟” سأل بنبرة تحمل في طياتها الحزن.
“كلنا بنخاف من الوحدة واللي يقول غير كده كداب.. يمكن كلنا مش بنخاف منها بنفس القدر بس ده ميلغيش الخوف منها عمتاً.” أجابت بنبرة هادئة وهي تشعر أن الحزن الذي كان في نبرته قد تسرب إلى قلبها، ذلك الفتى مُستاء بحق..
“المهم لما خلصت وجيت بقى اشتغلت مع بابي.”
“ايوا بقى يا عم ابن صاحب الشركة المتدلع، مسكت منصب رئيس مجلس إدارة طبعاً.” اردفت أفنان بسخرية وهي تضحك ليُبادلها الضحك ثم يقول:
“عارفة يا أفنان أنا كنت فاكر زيك كده، وجيت بقى أول يوم شغل قومت لبست أشيك بدلة عندي وبريفيوم بقى ريحته تهبل وأغلى ساعة عندي وجيت بقى وراسم في دماغي صورة للموقف بابي هيقوم من مكتبه ويقعدني مكانه أو على الأقل هيقعدني على مكتب خاص بيا مش أقل من مكتبه.” تحدث مع إبتسامة جانبية ساخرة بينما تخللت نبرته بعض الحماس لأنها أظهرت اهتماماً لما يقوله.
“أومال أيه اللي حصل؟”
“لا ولا حاجة ابداً.. دخلت عليه بكل ثقة وتناكة كده قالي روح اعملي قهوة، قولتله نعم؟ قالي انت لسه هتنح يلا؟ اجري اعملي قهوة وخليك جنب ال Office boy ‘ساعي المكتب’ لحد اما اندهلك.”
“بتهزر؟!” سألت بإندهاش وهي تقهقه بقوة فينظر نحوها بصمت وعلى وجهه إبتسامة صغيرة.
“ضحكتك أوي يعني؟”
“بصراحة متوقعتش خالص.” أجابت وهي مازالت تضحك لينظر نحوها بعيناه الخضراء التي لمعت فجاءة وهو يقول:
“مكنتش باخد بالي أن عندك Dimples، شكلها حلو أوي.”
“أنا عندي دمل!!!!!”
“دمل؟ ايه يا بنتي القرف ده! بقولك Dimples.. Dimples يعني غمازات!” تحدث بصوتاً مُرتفع وهو يكاد بفقد عقله من حماقتها لتقهقه ثم تقول:
“ما أنا عارفة بس بحب ارخم عليك.” فسرت لكنها في الواقع كانت تحاول الهرب من الرد على غزله بشأن ضحكتها.
“طب بتستفادي ايه؟”
“بتبسط.”
“خلاص طالما بتتبسطي يبقى مفيش مشكلة.”
“أنت لطيف أوي.” قالت دون استيعاب ثم أدركت ما قالته لتصفع فمها بيدها وتُشيح بنظرها بعيداً عنه.
“وأنتي كمان على فكرة.. لا وأنتي مكسوفة كده شكلك ألطف..” تحدث بصدق لتنظر نحوه بصدمة ثم تشعر بقلبها يكاد يقفز من موضعه.
“احم.. طيب قولي بقى أنت عندك أخوات؟”
“لا.. للأسف، وأنتي؟” اردف بنبرة هادئة استشعرت فيها أفنان الحزن.
“عندي أخت واحدة.. لا و تصدق عندي أخ كمان؟”
“والله؟ اسمه ايه؟”
“رحيم.” اردفت ليتجهم وجهه فتقهقه بشده ثم تعتذر منه قائلة:
“بهزر يسطا متقفش.”
“دمك خفيف أوي، ربنا يحفظك.” علق رحيم بسخرية لتضحك ثم تقول:
“ربنا يحفظك؟ حاسه إني قاعدة مع خالتي والله، المهم.. بقولك أيه في قهوة قريب من هنا تعالى أعزمك على شاي.”
“أيه المشكلة؟ دي دعوة حلوة اصلاً، وبعدين أنا مش عايز قهوة أنا عايز عصير مانجا.”
“واخده ابن أختي معايا ياربي!” علقت بسخرية وهي تقلب عينيها.
“هما الأطفال بس اللي بيشربوا Juice يعني؟”
“لا مش الأطفال بس، على العموم هجبلك اللي أنت عايزه بس خلصنا.” قالت بمزاح وكانوا في طريقهم لمغادرة المكان لكن أوقفهم رنين هاتف أفنان.
“ألو ايوا يا ميرال.. أيه ده ليه؟ طيب ماشي أنا جايه.” تحدثت سريعاً ثم أغلقت الخط لينظر نحوها بقلق.
“في حاجة ولا ايه؟”
“لا مفيش.. في حوار في البيت كده ولازم اروح.”
“بس أحنا ملحقناش نقعد سوا.” اردف بعبوس لتبتسم هي بلطف وتتحدث بجدية قائلة:
“احنا مكناش مختطين نقعد سوا.. ديه صدفة.”
“قدر؟”
“نمشيها قدر.” اردفت بلطف قبل أن تودعه قائلة:
“يلا مع السلامة وخد بالك من نفسك لا تتثبت.”
“خدي بالك أنتي من نفسك.. وعلى فكرة أنا هنفخك في التدريب عشان تعرفي تسخفي عليا أوي.”
“دي حاجة ودي حاجة يا نادر.” أجابت بسخرية من مقطع من أحد الأفلام الكوميدية ليقهقه ثم يلوح لها وتلوح له في المقابل ثم تسير في الإتجاه المعاكس وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة واسعة.
بعد نصف ساعة تقريباً وصلت أفنان إلى منزلها، لتجد الجميع يجلس في الصالون.
“مساء الخير.”
“مساء الخير يا هانم كنتي فين؟” سألت ميرال بنبرة درامية لتنظر نحوها أفنان بحنق وهي تُزيح غطاء رأسها قائلة:
“كنت بشرب حشيش.. هكون بعمل أيه يعني؟ بتمشى.”
“على فكرة بابا زعلان منك.”
“يلاهوي.. أنا أقدر على زعله؟ ده نور عيوني.” قالت أفنان وهي تقترب من والدها وتُقبل رأسه ثم تُضيف:
“قبل ما تتعب نفسك في العتاب.. أنا عارفة أني ممكن أكون رديت بسخافة.. بس يا بابا أنت تعبان ومش حمل كلام سخيف وبصراحة بقى عمتو..يعني مش بتركز هي بتقول أيه.” حاولت أفنان أن توصل وجهه نظرها بألطف طريقة ممكنه دون أن تذم في عمتها بطريقة صريحة.
“وأنا مش قابل التبريرات دي كلها وزعلان منك يا أفنان.. أنتي مبقتيش بنتي بتاعت زمان..” اتسعت عين أفنان وشعرت بغصه في حلقها وكادت أن تتحدث لكن قاطعها انفجار ثلاثتهم في الضحك بقوة.
“كان لازم تشوفي شكلك لما بابا قالك كده.” قالت ميرال وسط ضحكها لتُمسك أفنان بإحدى وسائد الأريكة وتقذفها بها بقوة.
“والله حرام عليكوا!! يعني رجعتوني بدري وجايه جري عشان تعملوا فيا مقلب؟!”
“أنا قولتلهم بلاش أفنان هتزعل بجد بس في الآخر أقنعوني.” قال والدها وهو يضحك لتنظر نحوه أفنان بحزن مصطنع وتقول:
“لا يا بابا أنت بقيت شرير زيهم.. بس كله يهون يا سيدي عشان الضحكة الحلوة دي.”
“ايوا يا سيتي كُلي بعقله حلاوة.” قالت والدتها بمزاح لتنظر نحوها أفنان بغيظ وتقول:
“خلاص خلصتوا ضحك ورخامة عليا كلكوا؟ أنا هدخل احضرلي عشا، حد هيعتشى؟”
“اه كلنا.”
“حيث كده بقى تعالي يا ماما ساعديني.”
“هو مفيش حد بيعرف يعمل حاجة في البيت ده من غيري؟” علقت والدتها بقلة حيله وهي تنهض لمساعدة أفنان، وبعد الإنتهاء من تناول العشاء ذهبت أفنان إلى الحجرة لتلحق بها ميرال.
“نزلتي اتمشيتي فين بقى؟”
“هو أحنا لينا حتة غيرها؟ الزمالك طبعاً.”
“وكنتي لوحدك بقى؟” سألت ميرال لتتوتر معالم أفنان وتتذكر أنه بسبب عمل ميرال وإنشغال أفنان بأمر التدريب لم يكن هناك متسع من الوقت لتُخبرها المزيد بشأن رحيم وبشأن التطورات الأخيرة.
“أكيد كنتي مع نوح..” قالت ميرال بصوت منخفض وبنبرة تميل إلى الحزن لتزفر أفنان براحة ثم تقول:
“لا يا ستي نوح مين؟ أنا كنت مع رحيم..”
“أيه؟ رحيم.. رحيم مين؟!!!!” سألت شقيقتها بحماس شديد وبصوتاً مرتفع.
“ششش وطي صوتك أيه الفضايح دي!”
“طب انطقي مين ده؟ اه.. رحيم بتاع الشركة.”
“ايوا هو رحيم بتاع الشركة.. عالي صوتك كمان، في واحد في المحافظة اللي جنبنا لسه مسمعش.” قالت أفنان بسخرية وهي تتأكد من أن باب الحجرة مغلق تماماً.
“أنا مكنتش مخطته أننا نتقابل.. أنا قابلته صدفة.”
“رب صدفة خير من ألف ميعاد يا سيتي.” اردف ميرال وهي تدفع كتفها بخفة.
“ده حقيقي.. أحنا اتقابلنا يعني واتكلمنا شوية، عن دراسته وشغله وكده.”
“طب حلو أوي، معرفتيش حاجة عن عائلته؟” سألت ميرال بحماس فهي توقعت أن يكون رحيم من عائلة كبيرة حسب وصف أفنان له.
“لا مجبش سيرتهم خالص.. كل اللي قاله بس أنه ملهوش أخوات.”
“عم يا عم، ابن وحيد بقى وهتلاقيه متدلع وهو الكل في الكل.” علقت ميرال وهي تغمز بإحدى عينيها.
“يا ستي ده أبوه كان عايز يشغله أوفس بوي.”
“يا ساتر! ايه الأب ده؟”
“بصي هو الحوار غريب.. بس في نفس الوقت كويس يعني أنه مش بيخليه يتدلع ويتنك على الناس لمجرد أن هو ابن صاحب الشركة.”
“يعني هو مش قاسي وبارد كالجليد زي الروايات ومدير شركة وهو في بداية العشرينات لا وكمان مفتول العضلات وبيضرب اللي بيقرب من البطلة؟ بل وبيضرب البطلة شخصياً.” سألت ميرال بإندهاش لتنظر نحوها أفنان بإزدراء ونقول:
“يا شيخه منها لله الروايات اللي بوظت سمعة الناس اللي شغاله في شركات، رحيم ذوق جداً ولطيف مع الناس واصلاً هو مش مدير الشركة، وبعدين ثواني.. مين البطلة؟!”
“هيكون مين يعني؟ أنتي أكيد.” أجابت ميرال لتنظر نحوها أفنان بأعين متسعة ثم تصفع وجهها بيدها وتقول:
“طب بس هبل ونتكلم جد.”
“طب خلاص.. قوليلي منصبه ايه بقى على كده؟”
“مش عارفة هو المسمى الوظيفي بتاعه أيه بس هو حالياً مسئول عن موضوع التدريبات ده.”
“طب حلو ده والله.”
“حصل، أظن المفروض ننام بقى عشان التدريب الشغل وكده؟”
“ماشي ياختي، تصبحي على خير.”
في الثانية صباحاً داخل منزل حامد البكري، يفتح رحيم الباي بهدوء لأنه من المفترض أن يكونوا الجميع قد خلدوا إلى النوم منذ وقتاً طويل، لكن بمجرد أن توجه إلى الداخل وقبل صعوده الدرج سمع صوت أنثوي حاد بعرفه جيداً يأتي من أحدى الأركان..
“كنت فين يا رحيم؟” سألت والدته بنبرة صارمة ليحمحم رحيم ثم يقول بنبرة تشوبها التوتر:
“كنت سهران عند صاحبي.”
“عند صاحبك ولا كنت سهران في بار؟”
“لا مكنتش في بار، كنا في البيت.” قال رحيم بضيق لتقترب منه والدته فتستنشق فيه رائحة الكحول.
“أنت بتكدب يا ولد؟ أيه ريحة الخمرة دي؟!”
“أنا مشربتش، بس في ناس من صحابنا شربوا وفي كام نقطة جم عالقميص.” فسر رحيم بلا مبالاة لترد عليه والدته بحده قائلة:
“رحيم Don’t lie! قول الحقيقة!”
“والله العظيم ما شربت.. مشربتش! كفاية تحقيقات بقى أنا جبت آخري!” صاح رحيم بصوتاً مرتفع وهو يعيد خصلات شعره إلى الخلف بعصبيه.
“أنت بتعلي صوتك عليا يا رحيم؟!” سألت والدته بإستنكار بنبرة حادة.
“أقولك حاجة.. أنا هسيبلك البيت وأمشي خالص.” اردف رحيم قبل أن يُمسك بمعطف بذلته ويتجه نحو الخارج.
“أنت حر يا رحيم، مش همنعك.” توقف رحيم لثانية حينما سمع ما قالته والدته ليزدرد ما في فمه بصعوبه ثم يُغادر متجاهلاً الآثر البشع الذي تركته تلك الجملة.
كان رحيم يعرف وجهته فهو لن يجد أي مكان يلجأ إليه في مثل هذا الوقت سوى منزل أنس والذي كان برفقته قبل قليل، بعث له رحيم برسالة يُخبره بقدومه لكن الآخر لم يُجيب لذا توجه رحيم إلى منزله على أي حال.
فور وصول رحيم طرق الباب بهدوء كي لا يُزعج الجيران لكن أنس لم يسمع لذا قام الآخر بالضغط على جرس الباب لكن لا شيء لذا اضطر في النهاية أن يصفع الباب بقوة.
“أيه يا عم أنت ودنك باظت ولا أيه؟” سأل رحيم بسخرية فور رؤيته لأنس الذي كان يرتدي منامة بالإضافة إلى خصلات شعر مبعثرة تنم عن أنه كان نائماً.
“اه هجبلها قطع غيار، اتفضل يا ظريف.”
“معلش بنزعج حضرتك يعني.”
“ايه يا عم الهبل ده ادخل وأقفل الباب وراك.” نفذ رحيم ما قاله ثم توجه نحو الأريكة ليتمدد عليها.
“طلعلي بيچاما بقى لو سمحت.”
“أنت هتبات؟” سأل أنس بإندهاش شديد لينظر نحوه رحيم بإمتعاض ويقول:
“لو معترض امشي عادي.” قال رحيم بضيق وكاد أن يغادر مقعده.
“مالك يعم أيه الأقفش ده؟ أنت منور طبعاً ده بيت أخوك يا أهبل.. بس أنا مستغرب يعني أصلك مش بتبات برا عادةً.”
“قصدك عشان مامي هنا يعني؟ أصلي اتخنقت معاها.”
“احلف؟” سأل أنس بمزيج من الدهشة والسعادة.
“أنت ليه بتفرح في أوقات غلط؟”
“مش فرحان عشان اتخنقت معاها أكيد.. بس مبسوط أنك خدت رد فعل.” تحدث أنس بصدق ليتنهد رحيم بضيق ثم يقول:
“الموضوع مش بالساهل يا أنس ما أنت عارف يعني.”
“هي بصراحة مامتك طبعها صعب أوي.”
“وأنا تعبت.. أنا مش صغير، أنا بحاول أمسك نفسي وأتعامل مع آدب عشان هي مامتي وأنا لازم احترمها بس برضوا كل إنسان وله طاقة!”
“متزعلش نفسك هقوم اجبلك حاجة تقولها ولا تشربها.”
“بمناسبة الشرب.. الله يخربيتكوا على موضوع ال Drinks ده مامي شامت ريحة ال Alcohol وعملتلي حوار!”
“يا عم أنا مالي أنا! أنا مشربتش النهاردة اصلاً.”
“أسكت أسكت.”
“بقولك أيه هاتلي Pijama ألبسها بقى قولتلك من شوية ونفضتلي.”
“حاضر بس روق.” اختفى أنس لدقيقتين ثم عاد وهو يحمل ثياب منزليه.
“في أوضة جنب أوضتي فوق متوضبة ممكن تنام فيها.”
“ماشي Thanks.”
في صباح اليوم التالي ذهبت أفنان إلى التدريب ونوعاً ما كانت تتطلع إلى إنهاء الجزء النظري وبدء الجزء العملي كي تقابل رحيم، لكنها حين توجهت المعمل لم تجده.. انتظر الجميع عشرة دقائق تقريباً لكنه لم يظهر، فُتح الباب ليظهر منه شخصاً آخر..
شاباً كان يبدو مألوفاً بالنسبة لها وحينما عرف نفسه تأكدت من أنها تعرفه.
“مساء الخير يا دكاترة، أنا دكتور أنس فريد.” اردف وهو ينظر نحو أفنان ويبتسم ابتسامة جانبية بينما رد الجميع التحية، حمحم ثم أكمل:
“دكتور رحيم مقدرش يجي النهاردة فأنا اللي هشتغل معاكوا العملي النهاردة.” لا تدري لما شعرت بغصه في حلقها فور قوله ذلك.. فهي تعلم أنه كان يشعر بالضيق حينما قابلته صدفة فهل ترى ازدادت حالته سوءاً؟
كانت أفنان تستمع بنصف انتباه فغياب رحيم كان يشغل بالها.
“حضرتك خلصت يا دكتور؟” سأل نوح بعد إقتحامه للمعمل.
“اه يا دكتور نوح.” أجاب أنس، وجه نوح نظره لأفنان وهو يشير بعيناه نحو الخارج أي يطلب منها اللحاق به.
“مالك؟”
“مالي؟ ما أنا كويسة أهو.” اردفت أفنان مع ابتسامو صغيرة.
“شكلك زعلانة.. تعبانة.. سرحانة، كده يعني.”
“أنت مختار كلمات كلها على نفس الوزن ليه كده؟” سألت بسخرية وهي تضحك.
“مش عارفة.. صدفة.”
“أنا بس دماغي مشغولة شوية..”
“ماشي ياختي.”
في مساء ذلك اليوم قررت أفنان أن تبعث برسالة لرحيم لتطمئن عليه، لكن شيء ما داخلها كان يحاول منعها من ذلك، فلما ستفعل ذلك؟ لما يهما أمره إلى تلك الدرجة؟ هو ليس سوى شخص قابلته عن طريق الصدفة في أحدى الشوارع ثم اكتشفت عن طريق المصادفة أنه ابن صاحب الشركة حيث يتم تدريبها..
في النهاية تغلبت على ترددها وبعثت رسالة قائلة:
‘ايه يا هندسة مجتش ليه النهاردة؟’ ضغطت زر إرسال لتظهر علامة أن الهاتف متصل بالإنترنت لكنه لم يجيب.
‘أنت كويس طيب؟’ سألت مجدداً لتظهر علامى أنه متاح الآن ‘أونلاين’ لكنه لم يجيب، أمتعض وجه أفنان على الفور وهي تردف بصوت منخفض:
“تصدق أني غلطانة أني بعبرك!”
مر يومان وحان موعد التدريب مجدداً وثانية لم يظهر رحيم، حاولت أفنان أن تتجاهل قلقها بشأنه لشعورها بالغيظ لعدم إجابته على رسالتها.
“أفنان يلا عشان نروح.” اردف نوح فور خروج الجميع من المعمل وخروج أفنان من بعدهم.
“ماشي يلا، صحيح أحنا هنتغدى أيه النهاردة؟”
“عزمينكوا على آكلة سمك يا ستي.”
“جامد ده، هنجيبه أحنا ولت هنطلبه؟”
“لا هنعدي نجيبه.”
“تمام، بقولك أيه اسبقني عل تحت وهات العربية من الجراچ وأنا هصحلك.” قالت أفنان ليومئ نوح ويرحل، تذهب هي لدورة المياه لتقوم بضبط مظهرهت وإعادة ارتداء الوشاح الذي فسد وبدأ يُزهر بعض خصلات من شعرها الأسود.
انتهت أفنان مما تفعله وتوجهت نحو الخارج لتجد نوح يقف بسيارته أمام مدخل الشركة مباشرة.
“يلا يا أفنان عشان منتأخرش عالغدا.” صاح نوح من شباك سيارته لتُجيبه أفنان وهي تقترب من باب السيارة لتفتحه:
“حاضر، هنجيب السمك منين؟”
“ما أنتي بتركبي عربيات مع ولاد عادي أهو؟” أقتحم رحيم الحديث حيث ظهر فجاءة من اللامكان، تحدث بغيظ وهو ينظر نحو أفنان بحده.
“أنت ازاي تكلمني كده أنت اتجننت؟” سألت أفنان بعصبيه، بينما حاول نوح أن يتحكم في غضبه وسأل رحيم بهدوء قائلاً:
“خير يا دكتور رحيم عايز أيه؟”
“أشمعنى هو يعني؟” سأل رحيم بحنق بينما علقت أفنان بإنفعال وقد بدأ من حولهم في الإنتباه للشجار الذي يدور بينهم:
“أنت مالك اصلاً؟! لو سمحت متدخلش في حاجة متخصكش!”
“رحيم أظن أني بكلمك! أنت عايز أيه؟ ما تركب معايا براحتها، أنت مالك اصلاً؟!”
“وأنا موجهتش كلام ليك يا نوح!” قال رحيم بصوتاً عالً.
“متردش عليه يا نوح، يلا بينا.”
“ماشي يا أفنان.”
“بيعرج يا رحيم.”
“أطلع يا نوح يلا..” اردفت أفنان وهي تجلس داخل السيارة بينما تنظر لرحيم بحده بينما يبادلها هو النظرات نفسها، تحرك نوح بالسيارة مبتعداً عن رحيم.
“أنا عايز افهم بقى ايه قصة رحيم دي؟”
“مفيش قصة ولا حاجة.”
“ازاي يعني؟ وازاي ادتيله مساحة يكلمك بالإسلوب ده؟!” سأل نوح بعصبيه وهو يصفع يده بقوة على مقود السيارة.
“مساحة ايه اللي اديتهاله؟ ده أنا ادتله على دماغه!”
“هاتي من الآخر يا أفنان وقولي أيه علاقتك بيه.”
“لا ما هو مش تحقيق على فكرة وأنا مش ملطشة عشان كل واحد فيكوا يعلي صوته عليا شوية!”
“لو سمحتي يا أفنان قولي أيه علاقتك بيه.”
“نوح لو اتكلمت كلمة كمان عن الموضوع ده دلوقتي والله انزل واسيبك.” قالت بنفاذ صبر وهي تذفر بضيق شديد.
“خلاص سكت.”
ساد الصمت طوال الطريق بينما صدح صوت أفكار أفنان المضطربة، الغاضبة والمشوشة كذلك.. لا تدري كيف حدث كل هذا في خلال بضع دقائق؟ ولما تحدث رحيم بتلك الطريقة؟ ولما شعر بالضيق من البداية لرؤيتها برفقة نوح؟ ولما يتشاجر الأثنين بهذه الطريقة من أجلها؟
أسئلة لم تجد إجابة لها لكن ما تعرفه جيداً أنها مستاءة من رحيم، مستاءة وبشدة..
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية