رواية في حي الزمالك الفصل الثالث عشر 13 - بقلم ايمان عادل
عشر: بَريقٌ 🤎🦋✨
وقفت أفنان لثوانٍ عقلها لا يستطيع ترجمة ما تراه وما قد حدث للتو، وجدت نفسها تلقائياً تسير جهة المصعد بخطوات سريعة أشبه بالروبوت، لكن وقبل أن تبتعد عنهم دفعت الفتاة التي تضم رحيم بقوة بواسطة كتفها حتى كاد كلاً من رحيم والفتاة أن يسقطا ارضاً.. حيث عاد رحيم بضع خطوات إلى الوراء.
“ماشي يا ابن ال… البكري.” همست بالقرب من إذنه بحنق ثم اتجهت نحو المصعد مباشرة والذي كان قد وصل إلى الطابق حيث كان أحدهم داخله.
“أفنان Wait ‘انتظري’ .. معلش Excuse me ‘اعذريني’ دقيقة.” صدح صوت رحيم في المكان طالباً من أفنان الإنتظار ومعتذراً من الفتاة، لكن أفنان تجاهلته ودلفت إلى داخل المصعد ليهرول رحيم ناحيتها وبمجرد أن وصل أمامها انغلق باب المصعد وهو يرى أفنان تنظر نحوه بوجه محتقن بينما نظر هو نحوها بلهفة وتوتر.
“أيه يا رحيم.. where are you going؟ ‘إلي أين أنت ذاهب؟’.” سألت الفتاة ليزفر رحيم بضيق ويقول:
“مش رايح! تعالي اتفضلي عندي في المكتب..”
“مالك يا رحيم؟ أنت متضايق أنك شوفتني ولا أيه؟” سألت بضيق وبلهجة مصرية مُنهكة ليتمالك رحيم أعصابة ويبتسم بلطف ثم يردف:
“لا طبعاً أنتي منوراني..”
“مش باين عليك.. Who was that girl؟ ‘من كانت تلك الفتاة؟’.”
“أفنان.. جايه تتدرب هنا في الشركة.”
“حلو.. بس are you sure she is just a trainee؟ ‘هل أنت واثق أنها متدربة فقط؟’.”
“اه.. يعني أحنا صحاب نوعاً ما..”
“صحاب بس؟” سألت وهي تضم عينيها الخضراوين التي تشبه إلى حد كبير لون خاصة رحيم، كانت نظراتها تحمل في طياتها الشك لتظهر ابتسامة جانبية على ثغر رحيم وهو يسألها:
“عايزة توصلي لأيه؟”
“أصل يعني.. شكلها اتضايقت when we hugged ‘حينما تعانقنا’.” اردفت وهي تُعدل من خصلات شعرها الشقراء القصيرة.
“تفتكري؟”
“اه طبعاً It was so obvious ‘لقد كان الأمر واضحاً للغاية’.” قالت ليبتسم رحيم ابتسامة واسعة، بالطبع سيتعرض للتوبيخ من أفنان وسيبذل الكثير من الجهد ليُصالحها لكن هناك جزء داخله سعيد بشعورها بال.. الغيرة؟!
“مامي مقالتليش أنك جايه.”
“عارفة أنا كنت عايزاها تبقى Surprise ‘مفاجأة’ بس شكلك مش مبسوط.” قالت الفتاة بلطف لينظر نحوها رحيم وهو يُمثل الفرحة قائلاً:
“لا أنا اتفاجئت بصراحة.. بس كان ممكن اتفاجئ في البيت مش لازم الشركة يعني!”
“رحيم أنت ليه رخم كده؟” سألته بغضب طفولي ليقلب عيناها ثم يقول بمزاح:
“أفتكرتك أتعودتي على رخامتي، Anyway ‘على أي حال’ يلا نروح البيت.”
“يلا..”
طوال الطريق كان رحيم شارداً يُفكر في أفنان ويتذكر تعابير وجهها الغاضبة فتظهر ابتسامة جانبية على شفتيه.
“رحيم أنت سامعني؟” سألته لتخرجه من شروده فيرمش مرتين ثم يُجيبها:
“بصراحة لا..”
“كنت عارفة.. Wait ‘انتظر’ مكالمة من London.” قالت ليزفر رحيم براحة حيث ستنشغل هي في المكالمة بينما هو يعود إلى شروده، وصل رحيم إلى المنزل بعد معاناة مع الطريق المزدحم، فور توقف السيارة غادرها رحيم وذهب نحو الجهه الآخرى ليقوم بفتح الباب من أجلها.
“شكراً، صحيح جبتلك هدايا من London.”
“شكراً يا ستي، يلا ادخلي.”
بمجرد اقتراب رحيم والفتاة من الباب فتحته الخادمة من الداخل.
“اتفضلي.. Ladies first ‘السيدات اولاً’.” قال رحيم بذوق لتدلف إلى الداخل ويتبعها رحيم.
“اهلاً.. Auntie ‘خالتي’.”
“اهلاً ميا.. I missed you so much ‘لقد اشتقتُ إليكِ كثيراً’.”
“وأنا كمان حبيبتي….” استمرت المحادثة بينهم والتي كانت معظمها باللغة الإنجليزية عوضاً عن لغتهم العربية الضعيفة، لم يهتم رحيم كثيراً بما يقال وفي نهاية الأمر استأذن من والدته ليصعد إلى غرفته لتبديل ثيابه والحصول على قسط من الراحة.
أما عن أفنان فغادرت مقر الشركة وهي تشعر بغضب غير مبرر وفضول يكاد يقتلها لمعرفة من تكون تلك الفتاة الشقراء.
“وأنا مالي أنا يحضن واحدة ولا يتنيل!!” وبخت نفسها بصوتاً مرتفع نسبياً وهي تسير في الشارع لتُدرك أن هناك من ينظر نحوها بالطبع فهي تتحدث إلى ذاتها في الشارع!
“منك لله يا رحيم الناس فكراني اتجننت!!!”
عادت أفنان إلى منزلها بعد معاناة مع الطريق المزدحم والمواصلات العامة فلا يوجد نوح ليقوم بإيصالها بالسيارة إلى المنزل.
“حمدلله عالسلامة.” اردفت والدتها فور دخول أفنان.
“الله يسلمك يا ماما.. بابا فين؟”
“عند جدتك.” فور سماع أفنان زفرت بضيق ثم اردفت بسخرية:
“يادي النيلة! يارب ميرجعش من هناك ضغطه ٧٠٠٠ بقى.”
“في النهاية هي أمه ودي صلة رحم يعني لازم يزورها..”
“ما أنا عارفة الكلام ده كله يا ماما أكيد.. أنا بس نفسي يبقى عندها شوية رحمة وحنية!”
“ربنا يهدي الحال.. مالك قالبه وشك ليه؟”
“مفيش المواصلات زحمة أوي..”
“أيه ده؟ هو نوح موصلكيش؟”
“أنا ونوح مبنتكلمش يا ماما ده اولاً، ثانياً بقى هو مجاش النهاردة اساساً.. بصي كلمي خالتو اطمني عليه ومتقوليش أني أنا اللي قولتلك.” قالت أفنان وهي تُحذر والدتها من إخبار خالتها أنها من تود الإطمئنان فهي لا تريد أن تضعف وتبادر هي بعمل مصالحة مع نوح.
“ماشي حاضر.. أنتي قلقتيني عليه.”
“ماما أوعي تقعي بلسانك ها؟”
“أيه يأ أفنان أنتي شايفاني هبلة يعني؟!” سألت والدتها بإستنكار لتنظر نحوها أفنان لثوانٍ.
“لا طبعاً يا ماما العفو.” قالت أفنان وهي تحاول ألا تضحك لتقذفها والدتها بنعالها المنزلي.
“أنا عملت أيه طيب؟” تجاهلتها والدتها بعد أن أصدرت تنهيدة ثم أمسكت بهاتفها وقامت بالإتصال بشقيقتها.. والدة نوح.
“ألو ايوا يا حبيبتي ازيك عاملة أيه؟.. اه أحنا بخير الحمدلله، نوح أخباره أيه؟ أصل البت أفنان قالتلي أنه عيان..” سمعت أفنان والدتها وهي تتحدث لتتسع عيناها ثم تصفع جبينها بيديها.
“يالهوي عليا وعلى سنيني!!” اردفت أفنان بصوتاً منخفض وهي تنظر نحو والدتها بغيظ فتُشير إليها والدتها بمعنى ‘ادخلي جوا’ لتذهب أفنان إلى غرفتها وهي تصفع الأرض بقدمها بغضب طفولي، تتجه نحو سريرها مباشرة وتتمدد وهي تُمسك بهاتفها وقبل أن تفتحه تجد الشاشة قد مُضاءة لتعلن عن وصول رسالة من رحيم..
‘طبعاً أنتي قاعدة بتشتميني دلوقتي.. بس اديني فرصة اشرحلك..’ بعث رحيم بهذه الرسالة لأفنان لتنظر نحوها طويلاً ويشعر هو على الجانب الآخر بالتوتر..
‘أشتمك ده في حالة أنك إنسان مهم وشاغل بالي وكده وده مش حقيقي ده اولاً، ثانياً بقى أنت مش هتشرحلي.. ده أنا هشرحك.’
‘إن شاء الله قصدك هشرحلك بس نسيتي حرف ال L’ أرسل رحيم الرسالة ومن بعدها ملصق يحمل صورة قط يبكي، تقهقه أفنان ثم تبعث له قائلة:
‘L? اسمه لام يا أهبل.’
‘يا بنتي بلاش قلة أدب بقى وأديني فرصة أشرحلك!’
‘ملوش داعي تشرحلي.. أنا اصلاً مليش دعوة يكش تتجوزها عرفي أنا مالي.’ اردفت أفنان بغير اقتناع لكنها لم تُريد أن يستشعر غضبها ولكنه قد فعل بالفعل وكي يزيد الطين بلة أرسلها لها الآتي:
‘والله؟ طب مترجعيش تزعلي بقى وتعملي زي الأطفال وتسبيني وتمشي.’
‘اجري ألعب بعيد يَلا هرش مياه.’
‘فين؟’ سألها رحيم حيث لم يستطيع أن يستوعب ما قالته.
‘أوف… أنت level ‘مستوى’ الذكاء عندك بالسالب.’ أرسلت ليُرسل لها رحيم مُلصق لجروب صغير يضرب الآخر، تبتسم أفنان ابتسامة جانبية ثم سرعان ما تختفي هذه الإبتسامة وتُلقي بهاتفها بعيداً حتى تستطيع النوم.
استيقظت أفنان بعد ساعتين على صوت ميرال تتحدث في الهاتف بنبرة أقرب إلى الهمس، فركت أفنان عيناها بكسل ونظرت نحو ميرال التي ارتبكت على الفور وأغلقت الخط.
“أيه ده أيه الجو ده؟”
“اخيراً صحيتي، يلا قومي عشان نتغدى.”
“مرام متصعيش عليا وقولي كنتي بتكلمي مين؟”
“أنا؟ كنت بكلم صحابي.. صحبتي.. صاحبي..” ارتبكت ميرال وبدأت تتفوه بأشياء لا معنى لها لتنظر نحوها أفنان بحاجب مرفوع لتزفر ميرال وتردف بتوتر:
“نوح.. كنت بكلم نوح.”
“طب ومالك بتوشوشيه ليه؟”
“خوفت تضايقي.. عشان يعني أنا بكلمه وأنتوا متخانقين وكده.. بس أصل هو تعبان يعني فكنت بتطمن عليه وهو اعتذارلي عشان مخرجناش سوا زي ما كنا بنخطط…” فسرت ميرال بعبوس لتنظر نحوها أفنان بلطف وتعلق قائلة:
“مش معقولة ال Baby Face ‘وجه طفولي’ دي تبقى أختي الكبيرة.. لا هو استحالة أنك تكوني أختي اصلاً بالهدوء واللطف ده، عالعموم أنا مش زعلانة أكيد أنتي من حقك تكلمي نوح براحتك.”
“شكراً يا ستي.. بس عشان أنتوا زعلانين من بعض.”
“يا حبيبتي وأيه المشكلة؟ أحنا ناس كبير وواعية حتى لو أنا وهو متخانقين فعلاقتك بيه ملهاش دعوة وهو في النهاية ابن خالتنا يعني.. وبعدين ما أنتي عارفة أنا ونوح مولودين فوق روس بعض وطول الوقت بنتخانق..” تحدثت أفنان بصدق لتبتسم ميرال بسعادة.
“بس أنا حاسه أنكوا مزودين العيار حابتين الفترة دي.”
“عشان نوح مش قادر يستوعب أني كبرت.. وبقيت أخد قرارات.. أخد ردود أفعال.. أتعرف على ناس، هو لسه فاكرني العيلة اللي كانت بتلعب معاه في الشارع وبيضرب ولاد الجيران عشانها.”
“يضرب مين عشان مين؟! ده أنتي كنتي بتمسكي العيال تضربيهم.”
“خلاص متمسكيش في الكلمة كده متبقيش رخمة! وبعدين اللي بحكي عنه ده لما كنا صغيرين خالص.” فور انتهاء أفنان من جملتها أقتحمت والدتهم الغرفة وهي توبخهم قائلة:
“يلا يا أختي أنتي وهي مش هعمل الغدا لوحدي وأغرفه لوحدي ياريت يبقى في سِنة من الأحمر!”
“حاضر يا ماما جايين وراكي.” قالت أفنان وهي تستقيم من مقعدها وترتدي نعالها.
“ماشي، ومحدش يجي جنب أبوكوا خالص عشان هو لسه راجع من عند جدتكوا وعلى آخره.”
“حاضر يا ماما.. أي أوامر تاني؟” سألت أفنان وهي تتنهد لتنظر نحوهل والدتها بجدية وتقول:
“لا.. يلا اتفضلوا.”
فور جلوسهم على طاولة الطعام كان الهدوء يسود المكان لا أحد يتحدث بينما كان التلفاز يعمل ولكن صوته كان بالكاد مسموع.. كان يظهر على والدهما الإستياء والإرهاق.
“عارف يا بابا.. أنا عملالك مفاجأة.” قالت ميرال لتقطع الصمت فينظر نحوها والدها بنصف انتباه وعلى وجهه شبح ابتسامة.
“بجد؟”
“اه والله.. جبتلك علبة من الشيكولاتة اللي بتحبها اللي هي ferrero rocher.”
“يا حبيبتي أنا بحبها أوي فعلاً.. بس دي غالية يا ميرال.”
“ما أنت طول عمرك يا حبيبي بتجبلنا الغالي كله وبعدين هو أنا عندي مين أغلى منك..” اردفت ثم انتبهت لوالدتها التي تنظر نحوها بحدة وهي ترفع أحدى حاجبيها لتحمحم ميرال بتوتر وتُعدل من جملتها قائلة:
“أغلى منك أنت وماما طبعاً ربنا يخليكوا ليا.. لينا.”
“ايوا كده اتعدلي، وبعدين ثواني.. ال Ferrero وعرفنا مين اللي جابها أومال أيه الشيكولاتية الغريبة الكبيرة اللي في التلاجة دي؟” سألت والدتها لينفي الجميع علاقته بلوح الشيكولاتة المُريب ذلك عدا أفنان التي وجه ثلاثتهم نظرهم نحوها.
“دي.. دي.. أحم.. شيكولاتة جايه من برا مصر مستوردة..”
“اه وسافرتي جبتيها يعني ولا أيه؟” سألت والدتها ساخرة لتنظر نحوها أفنان نظره تعني ‘هنهزر؟!’
حمحمت أفنان وأجابت مُفسرة:
“الدكتور اللي بيدينا التدريب ادهالي.. زي مكافئة يعني عشان حليت صح بس.”
“غريبة محكتيش يعني؟ ما أنتي بتحكيلي كل حاجة.” علقت ميرال لتدعس أفنان على قدمها.
“أيه يا جماعة مكبرين الموضوع ليه؟ ديه حتة شيكولاتة يعني وبعدين أنا لسه وخداها النهاردة.”
“ماما أحنا هنروح عند خالتو الخميس ده صح؟” سألت ميرال لتترك أفنان ملعقتها وتكاد تعلق لكن والدها يسبقها قائلاً:
“هو مش المفروض أنهم كانوا معزومين عندنا الجمعة دي؟”
“أصل نوح تعبان فكنت عايزة اطمن عليه يعني.. مش عارفة.. يمكن على يوم الخميس يبقى كويس ويجوا.”
“تمام.. حاولي أن هما اللي يجوا أنتوا اللي بتروحولهم على طول وكده عيب يعني بنتقل عليها.”
“ما أنت عارف أني أكيد مش بروح بإيدي فاضية.. أنا تقريباً باخد معايا اللي بناكله وبنشربه.”
“يا حبيبتي أنا عارف بس برضوا.. كده أحسن.”
لم تشارك أفنان في الحوار الذي دار.. ففي كلا الحالتين هي لن تشعر بالراحة، فلا يمكنها تجاهل نوح أثناء تواجده في منزلها ولا يمكنها تجاهله وهي في منزله بالإضافة إلى كونه مريض كذلك..
“سرحانة في أيه؟”
“مفيش.. فكريني أحكيلك حاجة عن الشكولاته.” أجابت أفنان بهمس وأنهت حديثها بإبتسامة لتبادلها ميرال وقد لمعت عيناها من الفضول.
في غرفتهم سردت أفنان ما حدث بإختصار لتنظر نحوها ميرال ويمكنها رؤية القلوب تخرج من عيناها.
“ده عسول أوي يا أفنان.. أكيد عمل حوار الشيكولاتة دي عشانك.”
“اه عسول أوي بأمارة البت الشقراء اللي خدته في ثانية.”
“مش ممكن يكونوا صحاب؟”
“صحاب أيه بس؟ بقولك خدته بالحضن.. رحيم كان جانبي وفي ثانية بقى جوا حضنها!!”
“طب وهو حضنها؟”
“يعني أيه؟ يا بنتي بقولك حضنوا بعض!”
“يعني هو لف ايده حواليها ولا معملش حاجة ولا حاول يبعدها ولا أيه بالضبط؟”
“لا مش عارفة.. أصلي كنت متزرزرة وزقيتهم ومشيت.”
“كل ده وبتقولي مش غيرانة!” علقت ميرال لتشعر أفنان بحرارة في وجهها وتُردف بتوتر:
“لا طبعاً! غيرانة أيه؟ أيه الهبل ده؟!”
“يا شيخة اسكتي بقى ده أنتي نظراتك وأنتي بتحكي فضحاكي مبالك بقى رد فعلك كان ازاي وقتها!”
“شت! يعني تفتكري رحيم خد باله؟ أكيد هيفهم غلط وأني كنت غيرانة وكده وده مش صح..”
“يا بنتي بقى! ده أنتي عنيكي بتطلع شرار وأنتي بتحكي!”
“ما أصل هو مستفز والله.. ثواني ثواني.. أيه ده؟!” سألت أفنان بإستياء وهي تنظر إلى الصورة التي وضعها رحيم ك ‘حالة’ على تطبيق الواتساب، كانت صورته وإلى جانبه تلك الشقراء وقد وضعت يديها على كتفه وكتب تعليق أسفل الصورة قائلاً:
“You were missed ‘لقد أفتقدكِ’.”
“بصي الحيوان!!!!”
“أيه ده؟ ده أمور أوي وشكله ابن ناس فعلاً.” قالت ميرال لتضربها أفنان بالوسادة وهي تردف بغضب:
“وقته ده ها؟ وقته؟”
“وأنتي مالك متضايقة ليه مش قولتي أنك مش غيرانة؟”
“أنا غلطانة أني بتكلم معاكي وهعمله بلوك!” تحدثت أفنان بغضب وهي تُغلق الهاتف وتضعه جانبها وتتمدد على السرير وهي تُجبر نفسها على الخلود إلى النوم بينما قفز إلى عقلها سؤالاً واحداً..
ما الذي جعلها غاضبة بهذا الشكل فور رؤية ما حدث اليوم والصورة الآن؟ حاولت إنكار الإجابة التي تتردد في عقلها فمؤكد أنها لا تشعر بال.. الغيرة؟!!
في عصر اليوم التالي وبينما كانت أفنان تجلس تشاهد التلفاز أثناء ‘تقميع البامية’ كمساعدة لوالدتها وصلتها رسالة من رحيم تحوي صورة وبداخلها نسبة مئوية مرتفعة لإختبار ما، عقدت حاجبيها وهي تنظر إلى الصورة قبل أن تسأله:
‘أيه ده؟’
‘اولاً: صباح الخير، ثانياً: ده IQ Test ‘أختبار ذكاء’ شوفتي النسبة عالية ازاي؟ عشان بتقولي بس أنه بال minus ‘بالسالب’.’
‘على فكرة أنت نونة أوي.’
‘نونة؟’ سأل ثم بعث لها بملصق القط الذي يبكي مجدداً.
‘اه نونة.. ومتتكلمش معايا تاني بقى لو سمحت وبعدين ثواني.. صباح أيه؟ أحنا العصر يا ابني!’
‘مش أنتي قولتيلي مكلمكيش؟ بتكملي كلام ليه بقى؟ وبعدين اه صباح الخير.. ما أنا لسه صاحي، كنت سهران طول الليل إمبارح.’
أرسل متعمداً اثارة غيظها، تنظر نحو الرسالة بإمتعاض وتهز أحدى قدميها بقوة لتنظر نحوها والدتها وتقول:
“أيه مالك؟ أتجننتي ولا أيه؟”
“أنا كويسة.” قالت أفنان وهي تُلقي هاتفها بإهمال بعد أن قرأت الرسالة تاركة رحيم بدون رد.
“هتيجي معايا عند خالتك تطمني على نوح صح؟”
“معرفش..”
“مفيش حاجة اسمها متعرفيش.. عيب يبقى ابن خالتك تعبان ومتطمنيش عليه.”
“ما هو يا ماما.. حاضر..” قالت أفنان بضيق فوالدتها محقة لكن في الوقت ذاته نوح هو من أفتعل المشكلة لذا هو من يجب عليه البدء بعملية الصُلح لا هي!
في صباح اليوم التالي حيث بدأت نسمات الخريف في مداعبة أوراق الأشجار الذابلة التي على وشك السقوط ذهبت أفنان إلى الشركة وبسبب تلك النسمات الخفيفة وسرعة قيادة السائق قد خرب مظهر حجاب أفنان لذا بمجرد وصولها إلى الشركة
توجهت أفنان مباشرة إلى دورة المياه..
فور دخولها كادت أن تصطدم بالفتاة ذات الشعر الأشقر والتي وقفت أمام المرآة التي وُضعت بالقرب من الباب لتقوم بتعديل أحمر الشفاه خاصتها، نظرت نحوها أفنان بطرف عيناها بينما تقوم بضبط حجابها، انتهت أفنان سريعاً وغادرت متجهه نحو القاعة.
قابلت رحيم في طريقها وعلى الفور قامت بإشاحة نظرها عنه وأدرات وجهها نحو الجهه الآخرى محاولة تجاهله.
“أيه ده أيه الحركات دي؟ مش عيب كده؟”
“أخفى من وشي الساعة دي بدل ما أفرج عليك اللس يسوى واللي مايسواش!!” اردفت أفنان بنفاذ صبر بينما وقفت تهز قدميها بغضب.
“رجعنا تاني للكلام الغريب؟ هو Special ‘مميز’ اه بس أنا مش بفهم نصه!”
“مش فايقالك يا رحيم ويلا روح شوف ست باربي بتاعتك.” قالت أفنان بحنق وهي تُشير بيدها لرحيم بالإبتعاد.
“باربي؟ اه قصدك على ميا يعني.” سأل رحيم بتعجب وهو يقهقه.
“اسمها أيه يا أخويا؟”
“م..ي..ا.. ميا!”
“اسم مايع زيها.” علقت أفنان لينظر نحوها رحيم بنصف إبتسامة وهو يستفسر بإندهاش قائلاً:
“مايع؟ يعني أيه مايع دي؟”
“مش عارف مايع؟ هي مشتقة اصلاً من كلمة موائع اللي هي المواد كده مش معروفلها حاجة كده مش مفهومة وخواصها بتتغير في وجود ضغط.. ملهاش ماسكة يعني زي البت الطرية دي!” نظر نحوها رحيم بثغر مفتوح وأعين مضمومة يحاول إستيعاب وترجمة ما تقوله.
“طب تعالي المكتب نتكلم.”
“مكتب أيه يا أبو مكتب؟ أنت مجنون يَلا!” اردفت أفنان بنبرة عالية نسبياً لتلفت رحيم حوله بتوتر ليرى إن كان احد ينظر إليهم أو قد سمعهم.
“ششش هتعمليلي فضيحة!!! مش هنبقى لوحدنا اصلاً! ميا هتبقى معانا.”
“لا والله؟ وأنت عادةً بقى بتقعد معاها في المكتب لوحدكوا؟”
“يا أفنان اخلصي بقى! بقولك أيه حصليني عالمكتب وانجزي قبل ما الدكتور ما يجي ويبدأ شرح.” كادت أفنان أن تعترض لكن رحيم تركها وتوجه نحو مكتبه، انتظرت أفنان دقيقتين حتى رأت تلك الفتاة تدلف إلى داخل مكتب رحيم فلحقت بها.
“أفندم.. عايز أيه بقى؟”
“هي دي أفنان؟ She is so pretty ‘إنها جميلة للغاية’.” قالت الفتاة وكادت أفنان أن تعترض لكن حينما أنهت الفتاة جملتها ابتسمت أفنان بتكلف وشكرتها.
“شكراً.. أنتي كمان.. ها عايز أيه يا دكتور رحيم؟”
“بصراحة أنا اللي عايزة أقول.. مش رحيم.” نظرت أفنان بحيرة وشك نحو كلاهما لتُكمل الفتاة حديثها قائلة:
“أنا ورحيم Are just friends ‘أصدقاء فقط’ وكمانi Hugged him ‘لقد ضممته’ عشان كان واحشني بس.” أوضحت الفتاة ما حدث لكن أفنان لم تبدو مقتنعة كثيراً، نظرت نحو رحيم ليحمحم ثم يقول:
“بصي أنتي فهمتي غلط ومشيتي وأنا ملحقتش أفهمك!”
“تفهمني أيه؟ أنك بتحضن بنت غريبة؟” سألت أفنان بإستياء لينظر رحيم نحو ميا بنظرة ذات مغزى فتذهب لتجلس على الأريكة البعيدة عن المكتب حتى يستطيع أفنان ورحيم التحدث براحة أكثر.
“أولاً هي اللي حضنتني وأنا حاولت أبعدها بس أنتي من العصبية مركزتيش، ثانياً بقى هي صاحبتي وكمان قريبتي..” حاول رحيم تفسير ما حدث لكن ملامح أفنان كان مازال الغضب مسيطر عليها فعلقت بضيق ممتزج بالدهشة قائلة:
“وكل ده يديها الحق أنها تحضنك؟ أنتوا الأحضان عادي في عيلتكوا يعني؟!!!”
“أفنان ميا عايشة في England ‘إنجلترا’ طول حياتها ودي طريقتها في التعامل يعني.. الأحضان عادي بالنسبالها..”
“اه بس مش عادي بالنسبالنا! وشيء مش مقبول ومش صح!”
“عندك حق.. بس.. طيب متزعليش.”
“خلاص مش زعلانة.. وبعدين قريبتك منين؟ دي شكلها أجنبية؟” سألت أفنان بعدم إقتناع لتتوتر ملامح رحيم قليلاً ويحاول تغير الموضوع قائلاً:
“ها؟ هبقى أشرحلك الموضوع ده بعدين، خلاص بقى مش زعلانة صح؟”
“خلاص..يلا أنا همشي بقى عشان النظري هيبدأ.” قالت أفنان واستقامت لتغادر، وفي طريقها إلى القاعة لحق بها رحيم وأوقفها صوته وهو يسألها قائلاً:
“صحيح نسيت اسألك عجبتك الشيكولاتة؟”
“لا.” أجابت أفنان وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة.
“ليه هي وحشة؟” سأل رحيم بحزن وبنبرة أقرب للصدمة.
“مكلتهاش اصلاً.”
“ايه ده ليه؟”
“عشان كنت متعصبة منك ومش طايقاك!” قالت ليقهقه رحيم فتنظر نحوه بحده ثم قالت بسخرية:
“وبعدين أيه يا عم الشيكولاتة دي؟ بتسترخص وجايب ماركة مش معروفة طب هتلي كوفرتينا حتى!” اتسعت أعين رحيم فور سماعه ما قالته لينظر نحوها بإزدراء ثم يردف:
“اه يا جاهلة!!! ما هي مش معروفة هنا عشان هي مستوردة!!! جايبها من Englandd.”
“أحلف؟”
“والله!”
“يا ابن ال… أكيد جايبلي شيكولاتة فيها خمرة؟!! عايزني اسكر يا رحيم!!”
“ششش بس هتفرجي الناس علينا!!! أنتي مجنونة! خمرة أيه وتسكري أيه؟! ديه حلال! هجيب شيكولاتة مش حلال ليه يعني؟!”
“وأنا أيه عرفني يعني؟ ما أنت مش مضمون، وبعدين متتعصبش عليا كده عشان غلط على صحتك.. يلاهوي الدكتور دخل.. يلا سلام.” أنهت جملتها وهي تركض نحو باب القاعة بينما وقف رحيم يراقبها وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية، منذ مدة طويلة لم يشعر بالسعادة عند التحدث إلى فتاة بتلك الطريقة.. والأهم أن أفنان ليست كأي فتاة آخرى.. بل هي مميزة!
فور عودة أفنان إلى المنزل في ذلك اليوم وجدت والدتها تتحدث في الهاتف إلى خالتها ومما سمعته أفنان قد استنتجت أنهم هم من سيذهبون لزيارة خالتها، على ما يبدو أن نوح مازال مريضاً.. شعرت أفنان بغصة في حلقها لأنها ستضطر إلى بدء الكلام مع نوح، بعد ساعة تقريباً عادت ميرال من العمل وهي تحمل حقيبة صغيرة سوداء.
“أيه ده؟ جبتي أيه؟!”
“بسم الله الرحمن الرحيم خضتيني! ولما أنتي صاحية قاعدة في الضلمة ليه؟!!” سألتها ميرال وهي تأخذ نفسها بصوتاً عالٍ من آثر الخوف.
“مفيش كنت بفكر أنام شوية بس خلاص بقى.”
“بصي.. بصراحة كده أنا جبت حاجة صغننه كده لنوح.. مش عارفة هتعجبه ولا لا..”
“أي حاجة منك يا ميرال بتبقى مليانة حب وإهتمام وصدق مشاعر فمهما كانت هدية صغيرة أكيد هتعجبه إن شاء الله، بس ثواني ده مش عيدميلاه.”
“أتمنى بجد.. كلامك حلو أوي على فكرة، واه أنا عارفة هو عيدميلاه مش دلوقتي خلاص بس حبيت اشتريها وخلاص..”
“ده مش مجرد كلام.. دي الحقيقة يا قمري.” قالت أفنان وفي تلك اللحظة قد أدركت أن عليها الإختفاء عن أنظار نوح الليلة وقد قطعت على نفسها عهد ألا تُفسد على شقيقتها ما تحاول فعله حتى وإن كان عن غير عمد..
في مساء تلك الليلة ارتدت ميرال ثوب بلون السماء الصافية ووشاح باللون الأبيض به بعض النقوش لم تضع مساحيق التجميل فلقد أخبرتها أفنان أنها تبدو أجمل بكثير من دون إضافة أي شيء إلى وجهها، حتى تلك الهالات السوداء من الإرهاق قد زادتها جمالاً، تعمدت أفنان ألا ترتدي ثوب مُلفت لتجعل شقيقتها ذات الإطلالة الأجمل.
“يلا يا بنات انزلوا وأنا هحصلكوا عشان أبوكوا هيوصلنا.”
“حاضر يا ماما، طبعاً هتوقفينا ساعة هناك نجيب فاكهة.”
“اه طبعاً مش ابن خالتك عيان ومحتاج يتغذى.”
“مكنش حتة دور برد يعني اللي عاملين عليه حوار كلكوا.” علقت أفنان بسخرية لتضرب والدتها كتفها بخفة، بعد ساعة ونصف تقريباً كانوا يجلسون داخل شقة خالتها، لاحظ كلاً من مريم وخالتهم مظهر ميرال المنمق هذا اليوم.
“هو نوح فين؟”
“مريح شوية في أوضته.. تعالوا.”
“لا يا خالتو خليه مرتاح مش عايزين نزعجه..” قالت أفنان في محاولة لعدم رؤية نوح والتحدث إليه لكن محاولتها فشلت حينما اردفت خالتها:
“لا هو عارف أنكوا جايين، مريم ادخلي لنوح خليه يقعد وبعدها خدي خالتك وبناتها عشان يسلموا عليه.”
“حاضر يا ماما.” نفذت مريم ما طلبته والدتها، بعد بضع دقائق عادت مريم إلى الخارج لتأخذ خالتها وبناتها.
“ازيك يا نوح يا حبيبي عامل أيه دلوقتي؟ سلامتك.”
“الله يسلمك يا خالتو ربنا يخليكي، أنا كويس الحمدلله.. معلش تعبتكوا وخلتكوا تيجوا.” أجابها نوح وهو ينقل نظره بين أفنان وميرال.
“لا يا حبيبي متقولش كده.. طب ثواني وهجيلك تاني عشان مامتك بتنده عليا.”
“سلامتك.” قالت أفناز بصوت خافت وهي تُشيح بنظرها عنه، بينما جلست ميرال على كرسي وُضع جانب سريره وجلست مريم على طرف السرير بينما بقيت أفنان واقفة.
“نوح.. بص.. أنا جبتلك حاجة..”
“أيه ده بجد؟ جبتيلي أيه؟” سأل نوح بحماس طفولي وهو يبتسم لتبادله ميرال الابتسام وتجيبه قائلة:
“مج.. جبتلك مج جديد هدية.. عشان يعني أنا عارفة أنك بتحب الحاجات السخنة وكده وبما أنك عيان وبما أن الجو بدأ يبقى برد يعني..فقولت أجيبه.. وجبته لونه أسود عشان عارفة أنه لونك المفضل..” فسرت ميرال وهي تتحدث بتوتر وتنظر إلى عين نوح من حين لآخر.. بينما نظر نحوها نوح بإبتسامة صافية ولأول مرة ترى مريم بريق داخل عين نوح مماثل للبريق الذي كان يلمع داخل أعين ميرال منذ سنوات…
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية