رواية في حي الزمالك الفصل الخامس عشر 15 - بقلم ايمان عادل
نِقَاشٌ حَادٌّ 🦋✨🤎
“مش ريماس بنتي اتقدملها عريس وشكلنا كده هنوافق، أصله ميتعيبش بصراحة.” قالت عمتها لتتسع أعين كلاً من أفنان وميرال.. لتنظر نحوهم والدتهم بنظرة ذات مغزى.
“مالكوا ساهمتوا كده ليه؟ ما تبركوا لبنت عمتكوا يا بت أنتي وهي!” قالت جدتها لتجفل أفنان لثوانٍ وتُهنئها ميرال على الفور بتلعثم.
“أ.. ألف مبروك يا ريماس.”
“ألف مبروك على أيه؟! قصدي يعني..”
“أيه يا أفنان الغل مخليكي حتى مش عارفة تباركيلها!” علقت عمتها بإنفعال لتنظر نحوها أفنان بسخرية لثوانٍ.
“غل؟ هغل على أيه بس؟ هي حاجة عدلة يعني! وأنتي يا ريماس موافقة؟” سألت أفنان بإزدراء ونبرة مُنفعلة بعض الشيء وهي تحاول التحكم في أعصابها علماً بأن ذلك النقاش لن ينتهي على خير فعلى الأغلب سيضطر أحدهم إلى طلب النجدة لإنهاء ما على وشك أن يبدأ.
“بقولك عريس ميترفضش وبعدين أنا وأبوها وجدتها موافقين.” كانت تتحدث عمتها بشغف بينما لم تبدو ريماس متحمسة كثيراً لما يُقال، وكان يدور في ذهن أفنان سؤال هام.. إذا كان والدها ووالدتها وجدتها والجميع موافقون على ذلك الشاب.. إذاً أين رأي ريماس في الأمر كله؟
“طب يا حبيبتي ربنا يتمملكوا على خير.. بس هي مش صغيرة شوية؟” سألت والدة أفنان بنبرة لطيفة لتُجيبها عمتها بنبرة هجومية قائلة:
“لا يا حبيبتي مش صغيرة وبعدين أنا هستناها لما تبور زي بقيت بنات العيلة ولا أيه؟.” كان من السهل تخمين مقصد عمتها بتلك الكلمات لتنكمش ميرال على نفسها، كانت كلمات العمة مُثيرة لإستفزاز أفنان لذا علقت بدورها قائلة:
“لا يا طنط ارميها لأي حد وخلاص!”
“أرميها ده أيه يا مقصوفة الرقبة أنتي! ده عريس غني أوي وابن ناس كمان، تصدقي مبيقولش جملة عربي من غير ما يبرتم بكلمتين إنجليزي في النص، وطول بعرض ودقن ولبس غالي.” هنا شعرت أفنان بإنقباض في قلبها، كم تصل نسبة حدوث ما تُفكر فيه؟ واحداً إلى المليون؟ فمؤكد عمتها لا تقصد نفس الشخص الذي قفز إلى عقل أفنان، فمن بين بنات العالم كله لن يقع اختياره على ريماس ابنة عمتها أليس كذلك؟
“و.. واسمه أيه بقى العريس ده؟” سألت أفنان بإرتباك وبنبرة مُهتزة غير مُبررة، لتبتسم ريماس ابتسامة واسعة ثم تُجيب قائلة:
“فريد.” هنا تزفر أفنان براحة حينما تتأكد من أنه ليس رحيم، يالسخفها! لما سيقوم رحيم بطلب يد ريماس أو أي فتاة آخرى من الطبقة الإجتماعية ذاتها؟ فمؤكد رحيم حينما سيختار فتاة سيختار فتاة تُشبهه..
“اسمه حلو.. عرفتيه منين بقى ولا دماغه عاملة ازاي؟” سألت أفنان بحسن نية لتنظر نحوها عمتها بطرف عيناها قبل أن تتمتم:
“تعرفه ده أيه؟ أنا بنتي محترمة مبتعرفش شباب يا حبيبتي الدور والباقي عالبنات التانية.”
“لا إله إلا الله…” همست أفنان وهي تزفر بضيق قبل أن تُضيف:
“والله يا طنط أنا مبقولش تصاحب ولاد، أنا بقول إنها لازم تبقى عارفة دماغ اللي قدمها وتبقى متعرفة عليه وكله بإحترام يعني!” وضحت أفنان وجهه نظرها وهي تتحدث ببطء محاولة التحكم في نبرتها بينما رسمت إبتسانة مصطنعة على ثغرها.
“وبعدين في مياصه بنات الإيام دي، ما كلنا اتجوزنا رجالة منعرفهاش وعيشنا عيشة زي الفل.. ده أنا يا بت لما كنت قدك كنت في بيت جوزي متستته ومعايا أبوكي.” علقت جدتها بنبرة مزيج من الغيظ والإستهزاء لتبتسم أفنان ابتسامة جانبية متذكرة كم كان يعامل جدها جدتها بسوء وأنه لم يُحبها قط كما كانت تتذكر في صغرها، أهذه كانت العيشة الهنيئة التي كانت تتحدث عنها جدتها؟!
“اه طبعاً يا تيتة.. المهم يا ريماس طب هو شافك فين ولا هو قريبك من ناحية باباكي؟” كانت تنظر ميرال نحو أفنان بإندهاش، فليس من عادة أفنان أن تُبدي إهتماماً بشئون عمتها أو ابنتها لذا هناك شيء خاطئ هنا إما ما تفعله أفنان هو بدافع الفضول لا أكثر أو أنها تهتم بحق بشأن ريماس وهذا الإحتمال مستبعد بنسبة تسعون بالمئة، صمتت ريماس لثوانٍ وكأنها تفكر ولكن حينما فتح فمها لتُجيب اخيراً قاطعتها والدتها لتُجيب بدلاً عنها قائلة بفخر:
“يعرف أبوها من شغله في الخليج.”
“هو مش مصري؟”
“لا مصري بس طول حياته عايش برا مصر وأيه متريش الله أكبر من عين كل حسود وعنده بزنس كبير أوي.”
لم يبدو حديث عمتها صائباً إلى درجة كبيرة بغض النظر عن كونها تظن أن أفنان قد تحسد ريماس على شيء كهذا، لكن.. كيف لشاب في بداية عقده الثالث أن يملك ثروة هائلة وأن يكون متحكماً في أعمال خاصة بهذه العمر الصغيرة؟! هذا الحديث ينتمي إلى الروايات وليس إلى أرض الوقع، لذا هذا يعني أنه هناك إحتمالاً لا ثالث لهما..
إما أن عمتها تهول الأمور كما تفعل عادةً رغبة في التظاهر بأنها أفضل من كل هي وكل من يخصها أو أن يكون ما تقوله صدق لكن هذا يعني شيئاً واحداً.. أنه ليس شاباً!!!!
“ما شاء الله يا عمتو عمل كل ده؟ وده عنده كام سنة على كده؟” هنا تغيرت معالم وجه ريماس وارتبكت قليلاً لكنها في النهاية أبدت حماس ظاهري وهي تُجيب قائلةً:
“تلاتة وتلاتين.”
“!!!!!!” سعلت أفنان بعد أن ابتلعت ما ارتشفته من كوب الماء الذي أمامها بدلاً من أن تبصقه في وجه عمتها من هول ما سمعتها قبل ثوانٍ، مزيج من معالم الدهشة والتقزز قد ارتسمت على وجه أفنان ولكن ليست وحدها، بل شاركتها والدتها وشقيقتها كذلك!
“تلاتة وتلاتين سنة؟! العريس عنده تلاتة وتلاتين سنة!!!!” صاحت أفنان بصوتاً مرتفع وهي تستقيم من مقعدها ثم تضع كلتها يديها أمام عينيها وتبدأ في عد فارق العمر على أصابع يديها.
“يعني أكبر منك بحوالي اتناشر أو تلاتشر سنه!!!! أنتي مجنونة يا ريماس! ده لو كان اتجوز بدري كان خلف واحدة في سنك يا بنتي!!”
“أفنان اقعدي وبلاش مشاكل! أحنا ملناش دعوة.” همست ميرال في أذن أفنان لتنظر نحوها أفنان بإستنكار.
“اه يا حبيبتي أكبر منها بكام سنة فيها أيه يعني؟ ما الناس زمان كلها كانت بتتجوز بفرق سن كبير وبرضوا كانت عيشتهم زي الفل.”
“منطقي.. منطقي جداً أنه يبقى عنده بزنس خاص بيه لأن البيه قرب على نص التلاتينات!!” تحدثت أفنان بهدوء في بداية حديثها ثم أنهت حديثها بإنفعال.
“اقعدي يا بنت أحمد وقولي لبنت عمتك مبروك واحضنيها وأدعي ربنا تحصليها أنتي وأختك ولا هتفضلوا في بيت أبوكوا كتير.” اردفت جدتها بنفاذ صبر وبنبرة أمرة حازمة لكن أفنان لم تُبدي اهتماماً كثيراً بما قالته بل أضافت الآتي بنبرة هادئة استفزازية:
“والله يا تيتة أني أقعد في بيت أبويا معززة مكرمة لحد ما يجيلي الشخص المناسب بجد أحسن أما أروح أتجوز أول واحد يجي، عشان هي مش بيعة وشرواه!”
“شايفه يا ست رانيا.. شايفة كلامك اللي مليتي بيه دماغ عيالك بوظهم ازاي؟ ما هو أنتي لو كنتي بتقرصي عليهم من صغرهم مكنش ده بقى حالهم!”
“مالها حالتها يا طنط؟ بنتي بتتكلم صح من وجهه نظرها ومن وجهه نظري أنا كمان.. وأظن أنها متعدتش على حرية ريماس في اختيار المناسب ليها، هي بس قالت وجهه نظرها.” دافعت والدة أفنان عن بناتها وتربيتها لهم لكن بطريقة غاية في الأدب في الوقت ذاته.
“اه يا عيني عليك يا ابني.. الله يعينك على أهل بيتك.” تمتمت جدتة أفنان بصوتاً منخفض نسبياً لكنه كان ما يزال مسموعاً لتبتلع والدتها الغصة التي في حلقها وهي تنظر نحو أفنان.
“ألف مبروك يا ريماس.. ويارب يبقى اختيارك صح.”
“الله يبارك فيكي يا أفنان عقبالك.” كاد الحديث أن يقف عند تلك النقطة لكن عمتها فضلت الثرثرة عن الصمت وتهدئة الأمور لذا أضافت:
“وريماس بنتي هتكمل تعليمها طبعاً، بس من بيت جوزها بقى ما هو العريس مش هيستني خمس ولا أربع سنين يعني لحد اما تخلص جامعة.”
“على خير يارب.. وأنتي هتعرفي توفقي بين الدراسة والبيت؟”
“ما هو هيساعدني.”
“هيساعدك ازاي مش فاهمة؟ في شغل البيت يعني؟”
“يخيبك يا أفنان.. شغل بيت أيه يا بت؟ ده عنده خدامين وبعدين ما هو كمان دكتور زيها فهيساعدها في المذاكرة وكده.” فسرت عمتها وهي تتحدث بحماس مُفرط ورائحة الطمع تفوح من حديثها، الآن عرفت افنان سر أصرار عمتها على ذلك ‘العريس’.
“اممم.. دكتور..”
“اه دكتور وكمان قالي أنه ممكن يفتحلي مستشفى.” تكلمت ريماس بنبرة طفولية ساذجة وكأنها ستذهب مع أحدهم ليبتاع لها الحلوى لا أن يُصبح شريكها طوال العمر.
“يااه معقول؟” سألت أفنان بإندهاش مُزيف تفوح منه رائحة الإستهزاء.
“وأنتي قعدتي معاه بقى على كده؟”
“لسه.. يعني اتكلمنا عالفيس بوك، بس هقابله لما بابا يرجع من السفر إن شاء الله عشان هما هيجوا سوا.” أجابت ريماس بحماس مفرط لتبتسم أفنان بصدق وليس بسخرية.
ساد الصمت لبضع دقائق قبل أن يقطعه صوت رنين هاتف أفنان الموضوع أعلى الطاولة التي أمامها لتهرول سريعاً وتُمسك به لتجده.. رحيم!!!
توترت معالم أفنان وهي تنظر إلى الأسم قبل أن تُغلق المكالمة ‘تكنسل’
“مين؟” سألت ميرال بهمس لتنظر نحوها أفنان بإرتباك ثم تهمس هي الأخرة قائلة:
“بعدين هقولك.”
أمسكت أفنان بهاتفها واتجهت مباشرةً إلى محادثتها هي ورحيم لتُرسل له برسالة عتاب :
‘أنت اتجننت؟! بتتصل ليه؟!’
‘أسف بالغلط.’ أرسل هذه الرسالة ومن بعدها مُلصق لقطة مذعورة تختبئ خلف الحائط.
‘هنستعبط؟ ده أنت رنيت لحد ما قرب يفصل.’
‘كنت عايز اسمع صوتك.’
‘خف مياصة شوية يا عم ممس عشان أنا مش في البيت؟’
‘أومال في الغيط؟’ سأل رحيم بسخرية لتنظر أفنان نحو الرسالة بإشمئزاز من سخف دعابته.
‘أتعلمتها منين دي يا ظريف؟ أكيد الواد الشمام اللي بتقعد معاه.’
‘قصدك على أنس؟ هو فعلاً اللي علمهالي، المهم أنتي فين؟’
‘طب بطل تقعد معاه وخليك ولد مؤدب كده، عند عمتو وتيته.’
‘شكلك مش مبسوطة، وبعدين ثواني هو انتوا مش بتقعدوا في البيت عندكوا خالص ولا أيه؟’
‘لا بنقعد بس دي طقوس عائلية كده.’
‘أيه طقوس دي؟ بتحضروا أشباح ولا أيه؟’ سأل رحيم ببلاهة لتبتسم أفنان بسبب سخفة ثم تُعلق قائلة:
‘أيه يا ابني خفة الدم دي؟ قصدي يعني احنا عندنا عادة كده الخميس عند خالتو والجمعة عند تيتا وعمتو.’
‘طب حلو أوي.. ولا أنتي مش بتحبيهم؟’
‘بصراحة بحب خالتو أوي لكن عمتو يعني.. علاقتنا مش أحسن حاجة.’
‘ليه كده!’
‘مش هقولك.’
‘أيه ده في أيه؟ أنا عملت أيه؟’ سأل وقد ألحق الرسالة بصورة لفأر صغير مندهش، لتبتسم أفنان بإتساع غير منتبهة أن انظار الجميع قد وقعت عليها
‘عشان أنت مش بتحكيلي عنك خالص ولا عن عيلتك مع أنك عارف حاجات كتير عني.’
‘اولاً: أنتي مسألتيش.. لو سألتي احتمال ماجوبش اه بس still أنتي مسألتيش، ثانياً: بقى أنا معرفش حاجات كتير عنك.’
‘طيب أنت بتحب مين أكتر عيلة مامتك ولا باباك؟’ سألت أفنان بفضول رغبة في معرفة المزيد عن حياة رحيم.
‘مش عارف..’
‘يعني أيه مش عارف؟’
‘الموضوع complicated ‘معقد’ شوية.. أنا اتربيت وسط عيلة مامي ويمكن شوفت عيلة بابي مرات قليلة أوي بس حسيت معاهم بإحساس مختلف.. دفى يمكن؟’
‘مامي وبابي؟ ده أنت ابن ناس بجد بقى.’
‘هما باقي البشر ولاد أيه؟ مش ولاد ناس برضوا.’
‘مش قصدي يا ذكي.. هي جملة بتتقال كده.. بص اسكت اسكت، أنا هقفل بقى عشان العيلة كلها مركزة معايا وهيشكوا فيا.’ أرسلت قبل أن تُغلق الهاتف سريعاً ثم تتمتم :
“تخيلوا يا جماعة بدأو يعملوا جروبات للمواد بتاعت الكلية من دلوقتي مع أن لسه شوية عالدراسة.”
“لا وأنتي وش دراسة أوي يا أختي.” همست عمتها بسخرية لكن كلماتها اخترقت مسامع أفنان لترد دفاعاً عن ذاتها قائلة:
“اه طبعاً يا عمتو ما أنا بطلع من الأوائل كل سنة.”
في تلك سمعوا صوت طرقات خفيفة على باب المنزل وقد عرفت أفنان من طريقة الطرق أن هذا والدها حيث أن له طرقة مميزة.
“مش معقول أي باب بخبط عليه في أي حته ألاقيكي أنتي اللي بتفتحي.”
“وأنت متضايق ولا أيه؟ وبعدين أنا عندي كام بابا يعني؟” مازحته أفنان بلطف بينما نظرت نحوهم رياس بحده بلا سبب.
“ازيك يا حمادة يا أخويا عامل أيه؟” رحبت عمتها بأكثر نبرة مزيفة في الوجود لينظر نحوها أفنان ووالدتها وشقيقتها في اللحظة ذاتها.
“كويس الحمدلله.. يلا يا رانيا؟”
“على فين بس يا أخويا هو أحنا لحقنا نشوفك؟ ده أنت تحت من ساعة ما جبت مراتك وعيالك.”
“معلش ورايا مشوار مهم الصبح بدري.” فسر بنبرة هادئة جافة ثم ذهب ليقبل رأسه أمه ويأخذ زوجته وابنتيه ويتجه بصمت نحو الخارج.
“مشوار أيه اللي بابا رايحة ده؟” سألت ميرال ببلاهه وهي تتجه إلى خارج العمارة لتنظر نحوها أفنان بضسق وتقول بنفاذ صبر:
“مشوار أيه أنتي كمان؟ أنتي عبيطة يا ميرال؟! ده قال كده بس عشان مش قادر يقعد معاهم.. نِفسه مش قابلة الموضوع بعد المشاكل اللي حصلت آخر مرة وموضوع الفلوس.” همهمت ميرال بتفهم ثم اقتربت من أذن أفنان وقالت:
“تفتكري بابا هيفضل متجنبهم كتير؟”
“مظنش.. بابا قلبه طيب وبالرغم من كل حاجة هو مازال بيحبهم وكمان عشان صلة الرحم.”
“يمكن، بس أنا حاسه أن بابا واخد موقف جامد المرة دي.” قالت ميرال لتتنهد أفنان ثم تعلق قائلة:
“ولسه.. العيلة دي مش ناوية تجبها البر، ربنا يستر.”
“يارب، صحيح هتشوفي رحيم بكرة؟” سألت ميرال بدون سبب وبصوتٍ عالٍ نسبيًا لتقترب منها أفنان على الفور وتضع يدها أعلى فم الآخرى لتجعلها تصمت.
“ششش وطي صوتك وطي صوتك!!!”
“أ..أوعي بوقي.”
“أنتي هتودينا في داهية في مرة بسبب صوتك ده! اه هتنيل أشوفه ما هو أكيد هيبقى موجود بكرة في الشركة.”
“طب سلميلي عليه.”
“لا هسلملك على نوح.” همست أفنان وأنهت كلامها بغمزة بعيناها اليُمنى، لتضربها ميرال على كتفها بخفه.
فور عودتهم إلى المنزل خيم الهدوء على المكان حيث جلس والد أفنان صامتًا يعبث في هاتفه ثم جلس ليقرأ بضع صفحات من المُصحف خاصته، عندما انتهى من القراءة جلست أفنان إلى جانبه وهي تسأله في حنان:
“أنت كويس يا بابا؟”
“الحمدلله يا حبيبتي رضا.” قال بنبرة تفوح منها الحزن لتسأله قائلة:
“هو حصل حاجة أحنا منعرفهاش؟”
“لا.. حاسس أني مرهق شوية متشغليش بالك أنتي.”
“بتخبي عليا؟ هو مش أحنا صحاب يا عم أحمد ولا أيه؟”
“اه طبعًا يا عين أحمد، بس يا حبيبتي أنا مش عايز أشيلك الهم كفاية عليكي اللي أنتي فيه والدراسة ومستقبلك، اه وخدي بالك أنا حاسك متغيرة كده وبقالك كتير مش بتحكيلي بتعملي أيه في يومك.” تحدث بنبرة هادئة كالمعتاد لكن انهى حديثه بنبرة مرحة لتبتسم أفنان تلقائيًا بينما تتوتر معالم وجهها قليلًا.
“ها؟ أنا بس.. أصل في امتحان كده في آخر التدريب فأنا بقضي اليوم بذاكر لما برجع.. لما برجع البيت قصدي يعني..”
“بس بس.. مالك اتوترتي كده ليه؟ شكل في حاجة.. بس عمتًا مش هضغط عليكي.. أنا عارف أنك هتيجي وتحكيلي بنفسك.”
“صح.. يلا تصبح على خير.” أردفت أفنان ثم استقامت من موضعها لتُقبل رأس والدها ثم تتجه نحو غرفتها مباشرة وقد ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغرها.
في صباح اليوم التالي ارتدت أفنان ثوب باللون السماوي بالإضافة إلى وشاح باللون الأزرق الداكن وقد زُين بنقوش بنفس لون الثوب.
اتجهت أفنان نحو الشركة وهي تهرول ظنًا منها أنها ستتأخر لكن في نهاية الأمر وجدت نفسها قد وصلت باكرًا نسبيًا على موعدها، تسير إلى داخل الردهة ثم تتجه إلى الطابق المنشود وبمجرد مغادرتها للمصعد سمعت صوتًا من خلفها يهمس قائلًا:
“أنتي عارفة أن دي أول مرة أحس فيها اللون ال Baby blue ‘السماوي’ حلو أوي.. يمكن عشان اللون بيحلو بحلاوة الشخص اللي لابسه؟” انتفضت أفنان ثم ألتفتت على الفور بحثًا عن صاحب الصوت لتجده رحيم، يقف مستندًا على باب مكتبة وفي يده فنجان من القهوة.
“بسم الله الرحمن الرحيم خضتني!!!”
“أنا عارف الكلام ال Romantic ‘الرومانسي’ بيخض.” تحدث رحيم بنبرة واثقة لتنظر نحوه أفنان بإستهزاء ثم تقول:
“أيه اللي أنت بتقوله ده؟ أنا اتخضيت عشان مفيش حد بيكلم حد فجاءة كده، وبعدين أيه الواقفة دي؟ أنت معندكش شغل.”
“أنا حر، هتحاسبيني على شغلي كمان يا دكتورة ولا أيه؟!”
“لا يا فندم هو أنا أقدر.” اردفت وهي تبتسم ابتسامة ساخرة ليُبادلها هو بواحدة لطيفة، يسود الصمت لدقائق قبل أن تقطعه هي بسؤال:
“صحيح أخبار صاحبتك الأجنبية دي أيه؟”
“أني واحدة؟”
“نهارك أبيض!!! هما كام واحدة؟” سألت أفنان بمزيج من الدهشة والإعتراض ليُجيبها بكل برود:
“مش عارف.. I don’t count ‘مش بعد’.”
“اللي كانت معاك هنا يا رحيم!!! اللي حضنتك يا أخويا ولا أنت بتتحضن كل يوم من واحده؟!!!”
“أيه؟ قولي تاني..”
“أقول أيه تاني؟” سألت بحماقة لينظر إلى عيناها مُباشرة ويُجيبها بنبرة هادئة:
“يا رحيم.. تقريباً أول مرة تندهيني بإسمي.”
“لا متسبليش كده أنا مفطرتش وممكن أقع منك أنا بحذرك.”
“مفطرتيش بجد؟ ليه طيب؟”
“لا والله مفطرتش بجد، أفتكرت أني هتأخر فنزلت جري وفي الآخر وصلت بدري زي ما أنت شايف.” أردفت أفنان بحسرة ممتزجة بالسخرية.
“تمام.. المهم بقى أنتي كنتي بتسألي على ميا صح؟ عمتًا هي راحت تقعد مع صاحبتها في الفيلا بتاعتها كام يوم ومن ساعتها مشوفتهاش في البيت.”
“ثواني بس.. هي قاعدة عندكوا في البيت؟!!!” سألت أفنان بأعين متسعة وبنبرة يفوح من الإعتراض، لينظر نحوها بتعجب ثم يسألها بكل هدوء قائلاً:
“أيه المشكلة؟”
“أيه المشكلة؟! المشكلة أن في جحش قاعد في نفس البيت ومينفعش تبقى معاه!!” علقت أفنان بإمتعاض وبنبرة مُرتفعة نسبياً.
“دي شتيمة صح؟” سأل ببلاهة متجاهلاً حديثها كاملاً.
“لا هو ده حيوان.. مزيج بين الحصان والحمار بيبقى عقيم المفروض و.. اه تعتبر شتيمة عمتًا، بس مش ده موضوعنا دلوقتي!!”
“حسيت برضوا.. طب بصي هقولك حاجة.. ادخلي دلوقتي عشان متتأخريش ونكمل كلام بعد المحاضرة.”
“ماشي يا أخويا.”
“أخوكي؟” سأل بإزدراء لتقهقه على تعابير وجهه ثم تتركه وتتجه إلى المحاضرة والتي كان نوح هو كن سيقوم بشرحها، فور رؤيته ذهبت ببرود لتجلس في مقعدها.. كان يبدو في صحة جيدة مقارنة بليلة الخميس.
“هنستنى خمس دقايق عشان بقية الناس تيجي وبعدها هنقفل باب القاعة ونبدأ الشرح بتاعنا، واعملوا حسابكوا أحنا هنطول شوية النهاردة.” أومئ الجميع وفعلت أفنان المثل بينما أخذت تلوم نفسها لأنها لم تُحضر معها شيئًا للتناوله وستبدأ معدتها في التذمر عما قريب ولن يكون الأمر مُريب أن انتهى بها الوضع تأكل فخذة من تجلس بجانبها.
بدأ نوح في عملية الشرح وقد مرت نصف ساعة بالفعل قبل أن يسمع الجميع صوت طرقات خفيفة على الباب ثم يدخل أحدى العاملين ب ‘كافتيريا’ الشركة وهو يحمل في يده صندوق صغير ومشروب في اليد الآخرى.
“أنا أسف يا دكتور بس الحاجة دي مطلوب مني أوصلها للدكتورة أفنان أحمد.”
“تمام اتفضل، هي اللي قاعدة في الصف الخامس ولابسه طرحه زرقا.” تحدث نوح بهدوء بينما ينظر نحو أفنان بشك والتي كانت تنظر بدهشة نحو الُعلبة والفتى ونوح، وبالفعل كانت الأنظار جميعها موجهة نحوها فلا أحد يعلم سر الإهتمام المُبالغ فيه الذي تحظى به أفنان من الجميع، على أي حال أخذت من الفتى العُلبة والكوب البلاستيكي الذي اتضح أن بداخله قهوة مُثلجة.
“شكراً جداً..” أردفت بعد أن وضعت العُلبة على قدمها والمشروب في يدها ليرحل الفتى.
تفتح العُلبة لتجد بداخلها أربعة قطع من ‘الدوناتس’ ذات ألوان مُختلفة وورقة صغيرة موضوعة في ركن العُلبة كُتب فيها:
‘مينفعش أفطر وأنتي لا، ده فطار صغنن كده لأحلى مُتدربة ودكتورة دخلت الشركة من يوم ما اتفتحت، بالهنا والشفا.. Enjoy ‘استمتعي’ رحيم 🙂.’
قرأت بعيناها ما كُتب بخط عربي مُنمق وبعض الأخطاء الإملائية البسيطة وقبل أن تصل إلى اسم المُرسل كانت قد علمت بالفعل.. فلا أحد بهذا اللطف سواه.. رحيم!
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية