رواية التل الفصل السابع عشر 17 - بقلم رانيا الخولي
رواية الـتـل
رانيا الخولي
الفصل السابع عشر
___________
اسرع مراد للتقدم منها ليمنعها لكنها رفعته في وجهه وقالت بتحذير
_ إياك تقرب.
توقف مراد وأشار بيده أن تهدئ وقال بهدوء
_ طيب اهدي مش هجرب منيكي بس أهدي وسيبي الازاز من يدك.
هزت راسها برفض وتمتمت من بين دموعها
_ انت بتتهمني إني اخطأت بس انت متعرفش الحياة اللي عشتها كانت عاملة إزاي
والدنيا عذبتني اد ايه وانا وأمي من مكان لمكان والدنيا توقعنا ونقوم تاني، كنت بحلم أن يكون ليا أب أو أخ استند عليهم بس مكنش فيه، ولما هو ظهر قدامي اندفعت بمشاعري وجريت ورا سراب
شهقت بألم وهي تتابع ببكاء
_ عرف نقطة ضعفي ودخلي منها وانا انخدعت بكل سهولة وانت جاي تكمل؟
هزت راسها بنفي
_ كفاية لحد كدة لأن خلاص معدش فيا روح للمعافرة.
تقدم مراد بخطوة لكنه تراجع عندما صرخت به
_ متقربش
رفع يده أمامها ليهدئها
_ خلاص مش هقرب بس سيبي اللي في ايدك وخلينا نتفاهم، والله انا بعمل كل ده عشانك وعشان ابنك، فكري فيه وفي مستقبله لو معرفناش نسجله، ليه تحكمي عليه بأنه يعيش في مجتمع مبيرحمش من غير اسم.
اسر غلط بس هو دلوجت بين ايدين ربنا منجدرش نحاسبه بس نجدر نصلح اللي عمله وتعيشي وسطينا بحرية.
انتفض قلب آمال عليها وتقدمت منها لتقول برجاء
_ بلاش يا بنتي تعملي في نفسك إكدة إن مكنش عشان خاطرك انتي عشان خاطر اللي في بطنك؛ نفس هتتحاسبي عليها، احنا بنتحمل جسوة الدنيا ومرارها عشان خاطرهم تجومي انتي تجتليه بيدك.
تطلعت إليها نور بضياع متمتمه
_ على الأقل هرحمه من العذاب اللي هيشوفه على الدنيا.
تقدم مراد منها خطوة دون أن تنتبه وقال بصدق
_ عمري ما هسمح إنه يتعذب لحظة واحدة ولا إن حد يدسله على طرف وعشان إكدة بجولك وافجي وهيكون في رعايتنا كلنا، أني عمري ما وعدت واخلفت فيه.
تلاقت اعيونهم لأول مرة هو برجاء الا تفعلها وهي بعتاب مزق قلبه وجعله يشعر بمدى حقارته معها
تقدم منها خطوة أخرى ومد يده ليأخذ منها قطع الزجاج فيجدها تغمض عينيها وتسقط فيلتقفها هو قبل وقوعها أرضًا
______________
في المساء
وصل جواد إلى منزل توفيق بصحبة المحامي
طرق الباب وفتح تميم الذي سألهم
_ مين حضرتك.
رد جواد بمثابرة
_ أني چاي أجابل استاذ توفيق إذا كان موچود.
تقدم توفيق من الباب وهو يسأله
_ مين يا تميم؟
وفور رؤيته لجواد عرفه فورًا فقد أخبرته توليب بكل شيء لكن لم تخبره بمجيئه
_ حضرتك جواد أخو ياسمين مش كدة
اومأ جواد مؤكداً
_ ايوة أنا جواد
رحب به توفيق رغم قلقه على ابنته وفتح الباب على مصراعية
_ أهلاً يا ابني اتفضل
دلف جواد ومعه المحامي وجلسوا في البهو وسألهم توفيق
_ تشربوا ايه؟
_ احنا مش چايين نتضايف هما كلمتين وهنمشي على طول عشان ميعاد الجطر.
رد توفيق بإصرار
_ بس دي اول مرة تيجي عندنا
نظر لتميم وقال
_ فنجالين قهوة يا ابني بسرعة.
حاول توفيق عدم اظهار مدى قلقه ورأف به جواد قائلاً
_ أني هدخل في الموضوع على طول
بنت حضرتك زي ما انت خابر أنها عندنا في الصعيد وأني عرفت اللي حصلها بالصدفة.
اومأ توفيق بتروي
_ اه هي قالتلي.
نظر جواد إلى المحامي وتابع
_ ده المحامي اللي خلتها توكله لجل ما يمسك الجضية ويتابعها بنفسه وهو چاي عشان يتكلم معاك ومع المحامي اللي عنديكم من لول.
رحب توفيق
_ وانا تحت أمره وهتصل على ادهم عشان يكون متواجد دلوقت
وبالفعل اتصل توفيق على ادهم ولم يتأخر عنهم وجاء مسرعًا بعد أن علم المحامي كل ما حدث من توفيق
جلس ادهم مع عبد المجيد المحامي جانبًا ثم سأل توفيق جواد
_ طيب هي عاملة ايه دلوقت؟
_ ده اللي أني چاي بخصوصه، بصراحة إكدة أني چاي اطلب منك ايد الآنسة توليب على سنة الله ورسوله
اندهش توفيق رغم أنه على علم بذلك إذ اخبرته توليب بكل شيء لكنه يرى انهم تعجلوا الأمر
_ وانت شايف إن ده وقته؟
رفع حاجبيه مؤكداً
_ ده انسب وجت عشان اجدر اساعدها ومن جه تانية ده قرار اخدته انا وهي واظن انك خابر كل شيء زي ما جالتلي.
أكد توفيق قائلاً
_ ايوة هي حكتلي كل حاجة بس أنا بقول نأجل الجواز دلوقت لحد ما نشوف القضية هتوصل لفين.
تحدث جواد بإصرار
_ لأ أني مش هأجل الموضوع ده اكتر من إكدة واني بوعدك إن كل حاچة هتتحل باسرع وجت، ليا دكتور صاحبي هييجي بنفسه يعاين الحالة ولو احتاج لدكتور من برة مصر معنديش مانع بس بلاش ناجل الچواز عايز كتب الكتاب والفرح يكونوا الخميس الچاي.
اندهش توفيق من تسرعه وتمتم باعتراض
_ بس ده بدري أوي وده جواز ليه ترتيبات وحاجات كتير لازم تتعمل.
_ كل حاچة هتكون چاهزة في خلال أيام المهم انت وأمها وأخوها تكونوا موجودين جبلها بيومين عشان تكونوا چانبها أما الحاچات التانية دي مجدور عليها، جولت أيه؟
_ وانا هقول ايه بعد اللي قلته، مادام شايفين كدة انتو حرين.
انتهى أدهم وعمار من تتبع القضية فنهض جواد قائلاً
_ طيب نستئذن احنا بجى عشان الوجت أخر حتى ميعاد الجطر راح علينا.
تحدث ادهم باقتراح
_ طيب ما تباتوا معانا هنا والصبح يبقى امشوا.
_ مرة تانية إن شاء الله
خرجوا جميعاً ما عدا توفيق الذي ظل يفكر في ذلك الأمر
تقدمت منه سلوى لتسأله بلهفة
_ عملتوا ايه؟
تنهد بتعب وتمتم بثبوت
_ اديهم بيعملوا اللي عليهم والباقي على ربنا
_ طيب وهي عاملة ايه؟
عاد توفيق بظهره للوراء وهو يقول بغيظ
_ لا من الجهة دي اطمني بنتك هتتجوز الاسبوع الجاي
عقدت سلوى حاجبيها بعدم استيعاب
_ تتجوز؟! هي مين دي اللي تتجوز متفهمني في ايه؟
_ هتتجوز اخو صاحبتها ياسمين.
انفعلت سلوى وقالت باحتدام
_ وبعدين يا توفيق انت هتنقطني بالكلام متقولي في ايه بالظبط.
شرح لها توفيق كل شيء ومنهم ظروفه الخاصة مما جعلها ترفض باستياء
_ وهي ايه اللي يجبرها تتجوز واحد ارمل ومعاه طفل غير كمان الإعاقة اللي عنده….
قاطعها توفيق بانفعال
_ سلوى حاسبي على كلامك اللي حصله ده كلنا معرضين ليه ومن ضمنهم ابنك، دي حاجة مش بايده وهي مقتنعه بده فـ متدخليش في حاجة زي دي، وإن كان على جوازه قبل كدة مش وصمة عار هي هنحاسبه عليها، بنتك اختارت بارادتها ومبسوطة باختيارها ده،
يعني لا رأيك ولا رأيي هيغير شيء واوعي تتكلمي معها في حاجة زي دي.
______________
عادت الفتيات إلى المنزل بعد يومين من ذلك الحادث فانشغل وهدان بهم لكنه لم يتركها أيضًا وظل يعتني بها
عاد وهدان إليها بعد أن أوى الفتيات إلى الفراش وسألها باهتمام
_ محتاچة حاچة اعملهالك؟
هزت راسها بنفي وقالت بامتنان
_ لا ماشكرة، تعبتك معاي.
جلس على الفراش بجوارها ورد بمزاح
_ يا ستي تعبك راحها وبعدين اني عملت ايه يعني اني اعتبرك بنتي الرابعة.
ابتسمت حياة لذلك الرجل الذي زرع الأمل بداخلها بعد ان كانت صحراء قاحلة وانبتها بزهور وريحان وقالت باعتراف
_ بصراحة انت وچودك في حياتي فرج كتير جوي.
ابتسم بود وتمتم بحكمة
_ اني معملتش حاچة لكل ده، ربنا جال"وجعلنا بينكم مودة ورحمة" يعني اللي بعمله ده واچب عليا وكفاية وجفتك مع بناتي واهتمامك بيهم.
_ دول بناتي وبحبهم بجد وكفاية انهم ملوا الفراغ اللي كان مالي حياتي.
_ بكرة إن شاء الله ابنك يرچعلك ويكون سند ليكي وليهم.
تنهدت بتمني
_ إن شاء الله.
______________
فتحت نور عينيها بتثاقل وهي تشعر بوغز في ذراعها وبرودة تجتاح جسدها
انتبهت على صوت أمال التي تسألها بقلق
_ نور انتي سمعاني؟
لم تقوى على الرد فأومأت بهزة خفيفة من رأسها
وجدت أنامل باردة تحيط برسغها فنظرت إليها ولم تكن سوى يد مراد الذي يتابع نبضها
أرادت جذب رسغها لكن قوتها الواهنه لم تساعدها على ذلك
ترك يدها وهو يتمتم بصوت مطمئن
_ الحمد لله النبض اتحسن.
_ الحمد لله، هروح اخلي البنات يعملوا حاجة خفيفة تاكلها.
خرجت أمال ونظر مراد إليها باشفاق تسمعه في صوته لأول مرة.
_ حاسة بأي تعب؟
رفعت يدها لتتحسس جبينها فوجدت عليه ضمادة فمنعها قائلاً
_ نزلي ايدك ده جرح بسيط محتاجش غرز أو حاجة، ومتقلقيش مش هيترك أثر.
تمتمت بوهن
_ مش هتفرق.
_ ليه؟ انتي لسة صغيرة لساتها الحياة جدامك.
هزت راسها بنفي وتمتمت باستنكار
_ الحياة خلاص قضت عليا ومعدش جوايا قوة اقاوم
تنهد مراد بتعب وتطلع إليها قائلاً
_ شوفي مش هجولك غير كلمتين تحفظيهم زين وتخليهم حلجة في ودانك عشان تجدر تكملي بدون اي مصاعب، وهي إن ربنا مش بيختار غير الصالح لينا يمكن انتي شايفة أنه ابتلاء رغم أنه ممكن يكون طريق للسعادة
وانتي اللي رافضة تشوفيه، ارمي حمولك على ربنا وخلي عندك يقين أنه عمره ما هيخذلك أبدًا، اني هسيبك دلوجت لأن عندي عمليات كمان نص ساعة وهنكملوا كلامنا بعدين.
خرج مراد من الغرفة ودلفت سلمى وهي تحمل لها الطعام وسألتها ببشاشة
_ عاملة ايه دلوقت؟
اندهشت نور من تعامل سلمى الجيد معها، فمن المؤكد أنها عملت بما دار بينهم منذ قليل وردت فعلها تلك تدعوا للقلق
وضعت الطعام على المنضدة وتقدمت منها لتساعدها على الاعتدال لكن نور رفضت ذلك
_ متشكرة يا سلمى بس حقيقي مليش نفس.
لم تقبل برفضها وقالت بإصرار وهي تضع الوسائد خلف ظهرها
_ مفيش حاجة اسمها مليش نفس لازم تاكلي انتي وقفتي قلبنا عليكي الضغط نزل أوي لدرجة أن مراد اول مرة اشوفه خايف كدة.
ظهرت السخرية واضحة على وجه نور مما جعل سلمى تقول برزانة
_ عارفة انك مش هتصدقي بس حقيقي كلنا قلقنا عليكي وأولنا مراد
جلست بجوارها وتابعت
_ مراد مش زي ما انتي متخيلة بالعكس صدقيني مفيش احسن منه في الدنيا بس كل الحكاية أنه عصبي حبتين وغيور أوي، بكرة لما تعرفيه هتتأكدي من كلامي.
اندهشت صدقًا من حديثها وكأنها تتكلم عن شخص أخر وليس زوجها، أين غيرتها من كل ذلك وعندما لاحظت سلمى نظراتها قالت بروية
_ عارفة انك مستغربة بس هكون صريحة معاكي أكتر من كدة
انا مش مثالية زي ما انتي شايفة بس الظروف أحياناً بتجبرنا على حاجات احنا رفضينها ولازم نطاتي عشان الحياة تمشي
أولاً مراد من حقه أنه يحافظ على امانة أخوه
ومفيش غير الطريقة دي اللي يحافظ بيها على مراته وابنه وفي نفس الوقت أنا مقدرش أكون أنانية معاه واقف قصاد سعادته.
قطبت نور جبينها بدهشة وسألتها
_ فين السعادة دي؟
اجابت سلمى وهي تخفي مرارة حلقها
_ بالنسبة ليكي انتي جاية وقريب اوي كمان هتعشيها.
_ وجايبة الثقة دي منين؟
هزت كتفيها بابتسامة اخفت بها آلام قلبها
_ لأني واثقة إن مراد عمره ما هيظلمك
وافقي وبكرة تعرفي قيمة كلامي.
التزمت نور الصمت فهو الأفضل الآن وعليها أن تفكر جيدًا قبل اتخاذ نقطة تندم عليها فيما بعد.
________________
عاد مراد من الخارج ليلاً فيجد مراد جالسًا في حديقة منزله في شرود تام
فعلم ما يفكر به دون السماع إليه
تقدم منه ليجلس على المقعد المقابل له وسأله بملاطفة
_ بتفكر في ايه وشغلك إكدة؟
ضغط مراد على شفتيه ثم هز رأسه قائلاً بحيرة
_ مش عارف بس حاسس إن كل حاچة واجفة ضدي، تايه ما بين واجب بيحتم عليا انفذه وما بين عقلي اللي رافض، لأول مرة مبجاش عارف أنا عايز ايه.
رد مؤيد ببساطة
_ مع إنها واضحة جداً جدامك.
قطب جبينه بعدم فهم وسأله
_ كيف ده؟
_ شوف يا مراد أولاً انت بدأت تميل لنور..
هم مراد بمقاطعته لكنه رفض قائلاً
_ متجاطعنيش واسمعني للآخر
معنى انك تميل لنور مش معناه انك حبيتها؛ نور بالنسبة ليك حمل تجيل اترمى عليك وانت اللي تجلته مع إن الموضوع كان هيبجى اسهل بكتير لو مشيته صح من الأول
كان ممكن تستقبل نور بهدوء وتطلب منها تتأكد بالهداوية إكدة وهي كانت هتقدر خاچة زي دي
بس انت جسوتك عليها وشكك فيها خلاك أول ما اتأكدت من صدقها تتعاطف معها وبتبجى عايز تعتزر بكل الطرق، وبما إنك لا حبيت جبل إكدة ولا تعرفه افتكرت نفسك حبيتها وده خلاك تحس انك بتظلم سلمى ولو هتلاحظ هتلاقي نفسك بتبعد عنها، مش عدم اهتمام بل بالعكس بتبعد لأنك خجلان منها، كلنا عارفين انت اتجوزت سلمى ليه فبالتالي كلنا حاسين بيك ومجدرين.
اندهش مراد أكثر كيف استطاع أخيه أن يعلم ما بداخله دون حتى ان يظهر له شيء فقال بمداعبة كي يلطف به حديثهم
_إنت درست علم نفس من ورانا ولا ايه؟
ابتسم مؤيد وقال برتابة
_ لاه بس كل الحكاية إني خابرك زين ويمكن أكتر من نفسك وحاسس بيك زي ما انت بتحس بينا.
تنهد مراد وعاد بظهره للوراء وتحدث بتعب شديد
_ خايف جوى على سلمى، بس خوفى من ربنا اجوى، أولاً لأني مش هجدر اغضب ربنا وچوازي من نور يبجى مشروط
وفي نفس الوجت خابر إن سلمى مش هتتحمل حاچة زي دي، مهما كانت بتتظاهر بالثبات بس مش هتجدر تتحمل.
_ بس هي عرفت وراضية.
هز رأسه بنفي وتحدث بثقة
_ بس وجت الجد مش هتجدر تتحمل ونروح بعيد ليه عندك سهر لو شافتك بتتلفت بالصدفة وعينك جات على واحدة بتقلب الدنيا، ياترى بقى لو عرفت إنك هتكون لواحدة تانية.
وضع مؤيد يده على عنقه وغمغم
_ هي دايما تهددني بأن موتك ولا انك تتچوز عليا.
ضحك مراد وقال
_ طيب خد بالك بجا لأن مراتك تعملها.
ساد الصمت قليلًا وسؤال في عقل ما مؤيد لا يستطيع صياغته لكن في النهاية سأله
_ بس انت شايف إن الچواز المشروط حرام شرعاً وانت مش ناوي تخلي چوازك من نور على ورج بس، لكن انت بتعمل وزر مماثل وهو النسب.
رد مراد ببساطة
_ ومين جالك إني هنسب الطفل ليا على طول؟
عقد مؤيد حاجبيه مندهشًا وسأله
_ كيف ده يا ولد ابوي انت دماغك دي ماشية كيف؟
_ اني هجولك يا سيدي واريحك.
_______________
في غرفة ياسمين
جلست توليب على الفراش بجوارها وهي تقول بتذمر
_ وبعدين يا ياسمين هتفضلي حابسة نفسك كدة، يا بنتي جبتيلي اكتئاب.
ابتسمت وهي تقول بمكر
_ اكتئاب برضه اومال السعادة اللي طايرة من عينيكي دي اسميها ايه.
لاحت الحيرة بعينيها وتمتمت برهبة
_ بصراحة لحد دلوقت مش مصدقة كأني بحلم.
تذكرت ما عاشته من آلام وقالت بشرود
_ انا اتعذبت عذاب محدش شافه ولا ممكن يشوفه
انا كنت بقضي طول الليل عياط وصلاة وانا بدعي ربنا أنه يخرج حبه من قلبي.
بس كأني بدعي أنه يثبته أكتر، لكن كنت قادرة إني اواصل واتأقلم على حياتي بعيد عنه، انا مكنتش ناوية أجاي عندك ولا فكرت في يوم من الأيام بس لما افتكرت ان المفتاح مش معايا لقيت قلبي بياخدني لعندك ومشيت وراه لدرجة إني أيقنت إن الشر ده بيبقى سبب في خير كبير أوي مش اخدين بالنا منه.
لاح الحزن على ملامح ياسمين وتمتمت بألم
_ بس أني ملجتش الخير ورا الشر اللي عشته بجوازي من خالد
ربتت توليب على يدها وتحدثت بثقة
_ انا واثقة إنك هتلاقية قريب أوي بس بلاش العزلة اللي انتي فيها دي.
يلا تعالي ننزل نقعد في الجنينة شوية، هروح اغير وننزل.
وافقت ياسمين على مضد وعادت توليب لغرفتها كي تبدل ملابسها
تسمرت مكانها عندما وجدت ذلك الثوب الأبيض موضوع بعناية على الفراش
تقدمت منه وهي مأخوذة بجماله لكن تراجعت عندما رن هاتفها فعلمت انه المتصل
تقدمت من المنضدة وأخذته لتجيب عليه فتهادى إليها صوته الرخو
_ عجبك الفستان؟
عادت تنظر إليه وتقدمت منه لتتلمسه بإعجاب
_ متخيلتش أنه يكون بالجمال ده، بس انت عايز تفهمني إنك هتسمحلي البسه وهو عريان كدة؟
_ وايه المشكلة محدش هيشوفو غيري.
اتسعت عينيها بغيظ وتمتمت
_ ياسلام على أساس إني مش هخرج من الاوضة يعني.
_ ومين جال إكدة، هتلاجي علبة كبيرة على الكنبة افتحيها هتلاجي كاب اشتريته مخصوص عشان تخرجي بيه.
اتسعت ابتسامتها وتقدمت من العلبة فوجدت حجاب أبيض يسترسل على الرأس والأذرع باحكام ومعه نقاب مماثل
_ ها عچبك؟
نظرت إليه بانبهار وقالت
_ كل حاجة بتعملها بتعجبني.
_ اعملي حسابك الفرح الخميس الچاي يعني كلها اربع ايام بالظبط وتكوني في حضني.
اغتاظت توليب من جرئته وغمغمت بتحذير
_ جواد.
_ انا جلت حاچة عيب، انا طلبتك من ابوكي وقرينا فاتحة.
رفعت حاجبيها بعدم تصديق
_ يا سلام.
داعب جواد وجه حصانه وتمتم بتأكيد
_ أومال؛ أني كلمتي عهد ولا عندك شك.
جلست على المقعد وتمتمت بثبات
_ لأ معنديش بس ده ميديش ليك الحق إنك تتمادى في الكلام
_ ماشي يا ستي المهم انا بعتلك صور لأوضة النوم اختاري بسرعة وابعتيها عشان تلحق توصل بكرة.
ابعدت الهاتف عن أذنها ونظرت للصور الذي أرسلها إليها وردت قائلة
_ وليه مخترش انت زي الفستان
_ لا انا اخترت حاچات كتير هتاچيلك دلوجت بس مستني العربية اللي هتچيبهم
سألته ببراءة
_ ايه هي.؟
أجاب بخبث
_ لاه دي حاجات تتشاف متتجلش، بس كلها ساعة بالكتير وهتشوفيها، اني من وجت ما خرچت من عند أبوكي وانا بشتري فيها.
ردت على نفس براءتها
_ معلش تعبتك معايا.
_ وماله اتعبيني زي ما انتي عايزة يلا اختاري وابعتي بسرعة
اغلقت معه وبدأت تتطلع إلى الصور
حتى اختارت غرفة نوم بيضاء مرصعة بزهور زهرة التوليب وقامت بإرسالها إليه
"دي حلوة"
راسها برده
"كنت خابر انك هتختاريها"
"لأني واثقة أنك اخترتها بس محبتش تفرضها عليا"
ابتسم جواد وقام بإرسالها لصاحب المعرض كي يبعثها إليه ومعها باقي المفروشات.
_____________
لحظات مرت عليها في سعادة لم ترى مثلها من قبل وهي تشاركه فرحته في توضيب غرفتهما
لكن عند اللحظات الأخيرة رفضت ياسمين دخولهم واغلقت الغرفة بالمفتاح واحتفظت به
جلست تنتظر وصول عائلتها بحنين جارف وقد مرت ما يقارب لأربعة أشهر لا ترى طيفهم يكتفوا فقط بسماع صوتها والاطمئنان عليها
وها قد وصلوا أخيرًا فتزداد فرحتها وتكتمل تلك السعادة التي تمنتها ورفضت ان يعكر صفوها أي شيء
القت نفسها في حضن والدتها والتي حاولت تقبل الأمر رغم رفضها له
لكن حديث توفيق الحازم معها جعلها توافق على مضد
وذلك لم يخفى مطلقًا على توليب لكن إصرارها على تمسكها بالسعادة جعلها لا تبالي بشيء
أما توفيق فقد شعر بمدى بسعادة طفلته وتمنى لها التوفيق في حياتها
جلسوا جميعاً في بهو المنزل وقد استطاع تميم بخفة ظله أن ينثر جو من المرح عليهم
دلفت ياسمين لترحب بهم بسعادة وتدعوهم لتناول العشاء
جلسوا جميعاً حول المائدة ماعدا توليب التي مازالت تحتفظ بنقابها أمام جواد ومعها ياسمين
ولم تخفى على جواد محاولات سلوى الفاشلة بتقبل الأمر
وخاصة عندما نهضت قائلة
_ معلش يا جماعة كان نفسي اقعد معاكم بس جاية مرهقة من السفر وجو الصعيد هطلع ارتاح شوية.
نظرت إلى توليب وقالت بفتور
_ مش هتطلعي معايا.
نظرت توليب لتوفيق الذي زم فمه بضيق وجواد الذي لاح الوجوم على محياة ثم اومأت بصمت وذهبت معها.
في الغرفة
دلفت سلوى والقت حقيبتها على الفراش ثم نظرت الى توليب التي دلفت واغلقت الباب خلفها فقالت بحدة
_ انا عايزة اعرف حاجة واحدة بس، انتي ايه اللي يجبرك تتجوزي واحد بالظروف دي.
قطبت جبينها بدهشة وسألتها
_ ظروف ايه ياماما مش فاهمة
_ انتي فاهمة كويس اوي انا اقصد ايه، واحد ارمل وكمان موضوع رجله…
قاطعتها توليب بانفعال
_ لو سمحتي يا ماما حاجة زي دي تخصني لوحدي ومسمحش لأي حد أنه يتدخل فيها، جواد ده أي واحدة تتمناه أنا حتى بحسد نفسي عليه، فـ مش هسمح لحد أيًا كان يقلل منه أو من قيمته عندي.
_ انا مش بقلل من قيمته بالعكس هو ابن ناس وكويس بس انا بتكلم عن ظروفه.
_ وظروفه دي انا مقتنعه وراضية بيها لو جاية عشان تضيعي فرحتي فانا بقولك مش هيحصل، انا بحب جواد ومتمسكة بيه.
_ انتي حره بس اللي زي جواد ده بيبقى مصاب بالنقص وصدقيني السعادة اللي بتحلمي بيها دي مش هتدوم مع كلمة تخرج منك بدون قصد أو موقف حصل منك ياخده بحساسية، انا نبهتك وانتي حرة.
_ انا هتحمله والنقص اللي بتقولي عليه ده انا هكمله بحبي ليه ارجوكي يا ماما بلاش تحسسي جواد بحاجة
استلقت سلوى على الفراش وتحدثت بحدة
_ انا متكلمتش معاه أصلا عشان أحسسه بحاجة اتفضلي أخرجي دلوقت عشان عايزة أنام.
خرجت توليب من الغرفة وهي تحاول عدم الاهتمام بحديث والدتها
واثناء خروجها صادفت والدها والذي رمقها بنظرة جعلها تنسى كل شيء وتبتسم إليه تلتمس منه الحنان.
بادلها الابتسام وهو ينظر لها بفخر
_ وحشتيني أوي يا تولي.
ردت توليب وعينيها تلمع بامتنان لذلك الرجل الذي عاملها كأبنه وربما أكثر
_ وانت كمان يا بابا وحشتني أوي
عادت لمرحها وهي تردف
_ قولي بقا البيت عامل ايه من غيري؟
أجاب تميم الذي ظهر من خلف والده بمرح
_ لااا بجد البيت ينعم بهدوء وسكينة لم أشرع بهم من قبل، لا دوشة بقا ولا صوت زعيقك مع ماما حتى ماما نفسها كانت مسالمة بشكل عجيب.
ضحك كلاهما وقال توفيق بصدق
_ حقيقي البيت مبقاش فيه روح مش عارفين من غيرك هنعمل ايه.
رمقته بنظرة يملؤها الحب
_ متقلقش هكلمكم كل يوم فيديو لحد ما اقرفكم كمان
تقدم تميم منها وهو يدنو منها ويتمتم بمكر
_ طيب بما انك هتتجوزي صعدي بمخ مقفل خليني بقى ابوسك براحتي قبل ما يكتب الكتاب
قبل تميم وجنتيها من خلف النقاب وقال بخبث
_ الله يبركله.
وكزه توفيق بغيظ
_ ما تحترم نفسك شوية
_ الله وانت شايفني بعمل ايه اختي وبابوسها، وريني يا بنتي هنام فين خليني اريحه من خلقتي
أشارت له على الغرفة المجاوره لها
_ هي دي يا حبيبي
_ طيب تصبحوا على خير
_ وانت من أهله.
دلف تميم الغرفة ونظرت توليب إلى أبيها لتقول برجاء
_ لو سمحت يا بابا حاول تتكلم معها وتقنعها انا خايفة تجرح جواد بكلمة
زم توفيق فمه باستياء وغمغم بروية
_ متقلقيش انا هتكلم معها تاني المهم انتي بلاش تزعلي نفسك وتضيعي فرحتك.
ابتسمت بسعادة كبيرة وقالت بحبور
_ انا لحد دلوقت مش مصدقة كأني بحلم.
_ طيب خليكي في حلمك وخليني انا كمان اروح أحلم لأني مرهق جدًا من الطريق
اومأت له وتركها ليدف الغرفة
_______________
همت هي أيضاً بعودتها لغرفتها لكنها فضلت ان تذهب إليه فمن المؤكد أنه عند السياج الان كحاله كل ليلة
ظل يرمقها بنظراته العاشقة وشموسها الذهبية تلمع بحب خاصته له وحده
وكيف لا وهو مالك القلب والروح
تقدمت منه لتستند بذراعيها على السياج وقد
هالها رؤيته على ظهر الحصان وظهر أمامها بقميصه الأسود كسواد حصانه وليلهما الحالك
ابتسم لها بوله جعلت قلبها تزداد وتيرته، ودون أي تردد فتحت السياج ودلفت كي تشاهده عن قرب
فيفاجئها بأن تقدم منها وظل يدور حولها فتخفي عينيها بيدها من تلك السعادة التي جعلت قلبها ينبض بقوة حتى شعرت بجسدها يهتز مع قوته
وصوته الرخيم يتمتم بوله
_ طول عمري بحلم اطول الجمر بس دلوجت بجى بيني وبينه يومين اتنين.
ازداد خجلها وخاصة عندما توقف أمامها وقال بعشق
_ هيكون فرح بسيط وبس وجت ما تظهر براءتك هعملك فرح يتحاكى به أهل التل كلهم
تطلعت إليه بشموسها الذهبية لتسحره بصفاءهما فيترجل بخفه من على ظهر جواده وتقدم منها فيترك مسافة بينهما ونظر لشموسها قائلاً بحبور
_ وشمس جاءت بليلٍ حالك فتنير ظلمته وينثر دفئها سقيع قلبٍ ألمه الشوق
ويرفرف القلب بهوى الروح يا مهجة الروح.
رمشت توليب بأهدابها فيخرج منهما سربًا من الفراشات فتحوم حولهما في هالة تخطف الأنفاس فلم تستطع النطق بشئ وتركته هو قائدًا لها تنعم بعشقه
لكن قطع سحر تلك اللحظة صوت هاتفه فيزم فمه بضيق وغمغم باسف
_ ارچعي اوضتك دلوجت لاني مضطر اخرج عشان احضر كتب كتاب مراد
نظرت إليه بفرحة وقالت برجاء
_ يبقى اروح معاك.
قطب جبينه بدهشة
_ تروحي فين، انتي خابرة الساعة كام دلوجت؟
هزت كتفيها لتقول برجاء
_ اه عارفة بس عشان خاطري أنا من وقت ما جيت هنا مخرجتش خالص وبعدين انا بحب احضر افراحكم أوي.
_ بس ده مش فرح ولا كتب الكتاب اللي في بالك.
_ أيًا كان انا عايزة أحضره
تنهد بتعب منها وقال باستسلام
_ يلا.
سارت بجواره وعينيها تلمع بسعادة اغمرت قلبه واستقل سيارته وجلست هو بالمقعد المجاور وانطلق بها
•تابع الفصل التالي "رواية التل" اضغط على اسم الرواية