رواية في حي الزمالك الفصل السابع عشر 17 - بقلم ايمان عادل
غَضِب مُزْدَوِج 🦋✨🤎
” عارفة.. كان نفسي اتخانق معاه وأضربه بعد اللي قاله، وده عكس طبيعتي تمامًا أنا شخص مُسالم في العادة مش ضعف ولكن بحس أن الإسلوب والطريقة الحيوانية في حل المشكلات هو شيء بشع، لكن عشانك النهاردة.. كنت مستعد أعمل حاجة عكس طبيعتي.. هو أنتِ بتعملي فيا أيه؟ ازاي ليكي كل التأثير ده عليا؟!”
“أنا.. أنا.. لازم أمشي أصل..” قالت أفنان بتلعثم وهي تستقيم من مقعدها محاولة الهرب من الموقف برمته.
“أقعدي يا أفنان مش هتمشي..” أردف وهو يجذبها بلطف من حقيبة يدها دون أن يلمسها، تجلس وهي تأخذ نفس عميق.. ثم تُلوح بيدها بحثًا عن الهواء.
“أنا عارف أنك شايفة أني مُتسرع.. يمكن عندك حق، بس صدقيني ده معاكي أنتِ بس.. معاكي بعمل كل حاجة عكس شخصيتي.. كأنك سحرالي.. لا.. سحراني..”
“أنا.. أنا مش عارفة أقول أيه بجد.. مش عارفة أرد يعني عالكلام ده.. أنا..”
“أكيد مش متفاجئة.. أصل إنبهاري بيكي كان باين من أول يوم شوفتك فيه، أنتِ مختلفة.. مختلفة عن كل الناس اللي قابلتها في حياتي، مُختلفة بشكل جميل..” حاولت أفنان بكل طاقتها أن تتنفس بصورة طبيعية لكن كلمات رحيم لم تسمح لها، لم تكن تميل أفنان إلى الكلام الحُلو والأحاديث الرومانسية لم تشعر يومًا أنها في حاجة لسماع مثل تلك الكلمات بل كانت تشعر بالتقزز من أفلام الحُب وقصص العشق الدامية البائسة لكن الآن.. هي لا تدري.. كيف تغير شعورها إلى تلك الدرجة؟! كيف استطاعت بضع كلمات من فم رحيم أن تؤدي إلى كل ذلك التخبط في مشاعرها..
“رحيم أنا…” كادت أن تتحدث لكن قاطعها صوت هاتفها بأغنية إنجليزية شهيرة، تنظر إلى الهاتف ويمتعض وجهها قليلًا ليسألها رحيم بفضول:
“ممكن أعرف مين؟ لو مش هتضايقي يعني..” فتحت أفنان ثغرها لثوانٍ قبل أن تتنهد وتُردف:
“خدمة العملاء..” أجابت لينظر نحوها رحيم بشك لذا تجنبت النظر نحوه ثم جعلت هاتفها على الوضع الصامت.
“كنا بنقول أيه؟”
“كنتِ بتتهربي من الرد على كلامي.. بس عمتًا أنا مش قصدي اضغط عليكي نهائي أنا بس كنت بقولك كلام كنت حاسس أني محتاج أقوله لكن مش مستني رد.” قال رحيم بنبرة متفهمة لتنظر نحوه أفنان بإبتسامة صافية وهي تتأمله داخليًا، كيف لشخصًا واحد أن يحمل كل هذا النُبل واللباقة؟ مؤكد يمتلك الكثير من العيوب لكنها ليست ظاهرة بعد لذا لا سبيل للمعرفة سوى البحث عنها أو الإنتظار حتى تُعلن عن نفسها.. هكذا حدثت أفنان نفسها داخليًا قبل أن تفيق من شرودها لتجد أنها كانت تُحدق في رحيم طوال تلك الثوانِ.. نظرت نحوه بحرج وبوجنة مُشتعلة ثم أردفت بتلعثم:
“أنا.. امم.. كنت بفكر في حاجة فسرحت معلش.”
“عادي ولا يهمك، ممكن تاخدي صورة لو حابه It will last longer ‘ستظل لمدة أطول’.” قال بنبرة لعوب وهو يقهقه لتنظر نحوه بإشمئزاز ثم تُردف بسخرية:
“دمك خفيف أوي ما شاء الله.”
“كل الناس بتقولي كده، بمناسبة دمي خفيف وكده أنتي فصيلة دمك أيه؟” سأل رحيم بفضول لتنظر نحوه أفنان بتعابير وجه مُتسائلة وثغر مفتوح لثوانٍ قبل أن تُعلق مُردفة:
“ده أغرب سؤال اتسألته في حياتي.. عمتًا يعني؛ معرفش.”
“معقول في السن ده ومتعرفيش فصيلة دمك؟!!” سأل رحيم بإستنكار وهو يسخر منها.
“تخيل! وبعدين بما أنك بتتفزلك كده قولي أنت فصيلة دمك أيه؟”
“اولًا أنا مش بعمل اللي بتقولي عليه ده، ثانيًا فصيلة دمي AB+” أنصتت أفنان لإجابته بإنصات تام قبل أن تسترد وعيها وتقول بنبرة مازحة مشوبة ببعض الإنفعال:
“ثواني بس! أنا أيه اللي دخلني في الحوارات دي كلها يا عم؟ قاعدة مع أخصائي تحاليل ياربي!”
“ما أنا بتكلم جد مش عاجبك، بهزر مش عاجبك.. أعمل أيه طيب؟”
“اسكت خالص..” أجابته ليعبس وجهه لثوانٍ ثم يُعلق بنبرة صادقة قائلًا:
“ما أنا مش عايز اسكت.. وأنا معاكي بحس أني عايز أتكلم كتير أوي.”
“يا عم رحيم أرحمني.” همست بها أفنان وهي تُغطي وجهها بكفيها.
“من كلامي؟” سأل رحيم بمزيج من الإحراج والصدمة وهو يحمحم لتقهقه أفنان الى مظهره ثم تُجيبه قائلة:
“أنا كنت هقول من كلامك الحلو.. بس بصراحة شكلك كان كيوت أوي وأنت مخضوض كده ياربي..”
“طب يا ستي شكرًا على التريقة عليا، وعلى فكرة حاجة حلوة أنك تحاولي تهزري وتضحكي بس برضوا هنتكلم في اللي مضايقك.”
“يا عم مين قالك أني متضايقة؟ فكك متركزش.”
“أنتي متعودة دايمًا تخبي مشاعرك كده؟” سأل رحيم لتتفاجئ أفنان ولا تُجيب على الفور بل تصمت قليلًا وهي تنظر إلى الجهه الآخرى وكأنها تُفكر قبل أن ترد على سؤاله بآخر:
“عايز الصراحة؟”
“ياريت.”
“بخاف يتقال عني أني أتنشن.. دايمًا باخد كل حاجة بهزار وبفوت.. متعودتش أني أقول كذا زعلني.. أصل زعلي مش هيفرق كده كده فهتعب نفسي وأحاول أفسر مشاعري ليه..”
“غريبة مع أنك بتتخانقي كتير يعني وبتفرغي طاقة الزعل دي.”
“لا ما هو عشان في فرق بين المُضايقة وبين الزعل.. أنت لو ضايقتني ولا رخمت عليا مش هرحمك، بس لما الموضوع بيبقى جرح مشاعر أو كسر خاطر مثلًا بيبقى الوضع مختلف.”
“عشان كده بتتهربي من الكلام عن نوح؟”
ابتسمت أفنان بآلم ثم أمسكت بكوب المياه لترتشف منه وتبتلع بصعوبة وساد الصمت لدقيقة قبل أن تقول:
“أنت فاهمني يا رحيم.. بس يارب تفضل فاهمني للآخر.” همست بهدوء وثبات لينظر نحوها وهو يضم حاجبيه ثم يسأل بفضول:
“الآخر؟ فين الآخر؟”
“قصدي يعني بعد مدة، لما إنبهارك بيا ينطفي والروتين يسيطر عالحوار وتبدأ تحصل مواقف تضايق وسوء تفاهم.. أتمنى ساعتها أنك تفهمني صح ومتفهمش تصرفي بطريقة غلط تضايقك.. أتمنى وقتها أنك متحكمش عليا من غير ما تعرف أسبابي..” تفوهت أفنان ببطء شديد وهي تُفكر في كل حرفًا تتفوهه.
“أوعدك أني عمري ما هفهمك غلط.”
“غشيم.. بتوعد بحاجة عمرك ما هتقدر تنفذها، لإننا كبشر بيحصل بينا سوء تفاهم كتير وكتير لما بنكون زعلانين أو متضايقين من الشخص اللي قدمنا بناخد الكلام بمنعطف تاني خالص، فأنت متقدرش توعدني أنك عمرك في حياتك ما هتفهمني غلط لأن ده وارد يحصل ولو بنسبة ١% مثلًا.”
“أقتنعت.. خلاص أوعدك أني هحاول مفهمكيش غلط قدر الإمكان..”
“كده حلو.. اتفقنا.” اردفت بنبرة طفولية وهي تبتسم لينظر نحوها بلطف، يسود الصمت لثوانٍ ثم تسأله:
“هو أنت ليك صحاب؟ ولا هو البتاع اللي معانا في الشركة ده؟”
“بتاع مين؟ اه قصدك على أنس يعني.. لو سمحتي مبحبش حد يتريق عالكلب بتاعي.” علق رحيم بنبرة جدية مستاءة وهو يُلق دعابة ذُكرت في أحد الأفلام العربية لتصمت أفنان لثوانٍ ظنًا أنه تضايق لكنها قهقهت حينما استوعبت أنه يمزح.
“مبحبوش الواد ده مش بستريحله.”
“اه وأنتي تحبيه ليه أصلًا؟!” سأل رحيم بإستنكار وهو يرفع أحدى حاجبيه لتنظر نحوه بإزدراء ثم تقول بعصبية:
“أيه يا رحيم العبط ده؟ أكيد مش قصدي أحبه بالمعنى الحرفي أحنا ناقصين قرف يا عم الحج، أنا قصدي أني مش بتقبله بصراحة، المهم يعني ليك صحاب تانين عدلين ولا لا؟”
“في صحاب تانين.. بس let me tell you ‘دعيني أخبركِ’ بأن أنس ده أحسن واحد فيهم وأكتر واحد محترم.”
“يالهوي! أنس ده أحسن واحد؟ أومال أوحش واحد عامل ازاي؟!” تحدثت أفنان بإستنكار وبنبرة ساخرة ليقهقه رحيم ثم يقول:
“حرام والله.. أنس يمكن يبان bad boy ‘فتى سيء’ بس هو بجد من أجدع الناس اللي أعرفهم، باقي صحابي التانيين زي ما بقولوا صحاب… صحاب أيه؟”
“صحاب سوء يا ضنايا.”
“أيوا هي دي.” علق بإبتسامة واسعة قبل أن يضم حاجبيه بإستغراب وقبل أن يفتح فمه ليستفسر قاطعته أفنان مُفسرة:
“ضنايا دي يعني ابني ولكن بطريقة شعبية ونفسي أعرف أنت متربي في أني حارة من حواري لندن عالدوشة اللي أنت عاملها دي.”
“لو قولتلك اسم المكان هتعرفيه؟”
“مكان أيه؟ ثواني.. أنا بتريق عليك!” قاطع حديثهم الساخر قدوم النادل بأطباق الطعام ليضع أمام كلًا منهم طبقة وقبل أن يرحل النادل سأل رحيم قائلًا:
“حضرتك تحب تاخد Drink ‘مشروب’ مع الأكل يا فندم؟”
“اه ياريت.”
“تحبوا حضراتكوا Soft drink ‘مشروب غير كحولي’ ولا Hard drink ‘مشروب كحولي’؟” سأل النادل لتعقد أفنان حاجبيها بإستغراب وهي تتسأل متى أصبح وجود الخمور في المطاعم والمقاهي أمرًا عاديًا؟! تهجم وجه أفنان قليلًا لكنه أرتخى حينما سألها رحيم مُردفًا:
“أفنان تشربي بيبسي؟”
“ماشي وأنت هتشرب أيه بقى؟” سألت وهي ترفع أحدى حاجبيها منتظرة رده على أحر من جمر فلو فعل ما تُفكر فيه وقام بطلب مشروب كحولى فأقل ما ستفعله هو أن تُحطم الطاولة على رأسه.
“أنا كمان هشرب زيها، thank you ‘شكرًا لكَ’.”
“كنتي فاكرة أني هشرب خمرة مش كده؟”سألها رحيم بإبتسامة جانبية على ثغره وهو يُريح ظهره على الكرسي.
“كنت هضربك لو كنت عملت كده.” أردفت أفنان بنبرة هادئة ولطيفة لا تتناسب قط مع ما تتلفظ به.
“يا مامي!! أنتِ مُرعبة بجد!!”
“ايوا كده ناس تخاف متختشيش.” قهقه رحيم على ما قالته قبل أن يوجه تريكزه نحو الطعام،
أخذت تراقبه أفنان وهو يُمسك بالسكين في يُمناه والشوكة في يُسراه ويقوم بتقطيع اللحم إلى نسائل صغيرة ثم يأكلها برفق دون أن يُلطخ فمه أو ثيابه، تأملت لُطفة المبالغ فيه بينما شعر هو بمراقبتها له فحمحم ببعض الخجل ثم سألها:
“مبتاكليش ليه؟ الأكل مش عاجبك؟”
“لا حلو جدًا.. هو بس سخن.”
“طب ما ده المطلوب ولا أيه؟” سألها رحيم بإستغراب وهو يبتسم لتُجيبه قائله:
“لا ما هو أنا مش بعرف أكل أو أشرب حاجة وهي سخنة بستنى تبرد شوية يعني..” فسرت أفنان ثم أخذت اثنتين من البطاطا المقلية لتتناولها بنهم.
“وأنتي يا أفنان بقى ملكيش صحاب؟”
“ميرال ومريم.” قالت وهي تضع قطعة الدجاج المشوي في فمها.
“دول صحابك؟”
“ميرال أختي ومريم بنت خالتي.”
“طب والجامعة؟ المدرسة؟ ال Neighbourhood ‘الحي’ وكده.”
“ال أيه يا أخويا؟”
“قصدي يعني.. الناس اللي ساكنة جنبك وكده، الحي..”
“كنا صحاب زمان بس في ناس منهم عزلت وكده وناس بطلنا نتكلم، المدرسة كان ليا فيها صحاب بس كل واحد خد جنب بعد ما دخلنا الجامعة.. وفي الجامعة هما زمايل مرحلة مش أكتر.. بنبقى مع بعض في سكاشن، نذاكر سوا، بروچكت مثلًا لكن أكتر من كده لا..” سردت أفنان بمرارة بينما تمر من أمام عيناها جميع ذكرياتها منذ الطفولة وحتى الآن.
“ده شيء مُحزن أوي.. أنا أسف ليكي.. بس at least ‘على الأقل’ في أختك وبنت خالتك دي.”
“أنت بتحقد عليا عشان عندي أخت وأنت لا؟” سألته بنبرة طفولية متعمدة إثارة غيظه لينظر نحوها بإبتسامة جانبية ثم يُعلق قائلًا:
“يمكن أكون كان نفسي في أخ أو أخت لكنك مش هتقدري تغيظيني لأنك مجربتيش برضوا شعور أنك تبقي الأبنة الوحيدة وكل ال Attention ‘الإهتمام’ يكون ليكي.”
“لا أقنعتني فعلًا.” أردفت وهي تبتسم ليُبادلها الإبتسام ثم يعاود كلاهما تناول الطعام، مرت بضع دقائق من الهدوء قبل أن يقطع هذا الهدوء الآتي..
“يا نهار أبيض عالصدف المهببة!!! قوم بسرعة قوم!!” صدح صوت أفنان فجاءة لينتفض رحيم من مقعده بذعر بينما يلتفت حوله بحثًا عن سبب خوفها وهو يسألها:
“أيه؟ في أيه؟”
“شايف جروب البنات اللي هيدخلوا دول..” قالت وهي تُشير بيدها نحو الفتيات من خلال الزجاج الشفاف للمقهى.
“مالهم؟!”
“واحدة فيهم قريبتي ولو شافتني دلوقتي هيبقى حوار!!!”
“حرام عليكي! You scared me as hell! ‘لقد أخفتيني حد اللعنة’ ، في أيه هو أحنا قاعدين في بار؟ ده كافية عادي.”
“بقولك قريبتي!! ولو شافتني هتعملي فضيحة في العيلة كلها!!” فسرت أفنان سريعًا وهي تلتفت حولها مسببة المزيد من التوتر لرحيم ليُردف بصوت مُرتفع نسبيًا بإستنكار:
“أنتي محسساني أننا ضاربين ورقة عرفي!!! يا بنتي أحنا قاعدين في مكان عام وسط الناس وأنا المُدرب بتاعك في الشركة.”
“مش وقته فزلكه وحياة أهلك، عايزين نخرج من هنا وبسرعة.. هو مفيش باب تاني؟”
“أكيد في بس هيبقى للناس اللي بتشتغل هنا..” بينما كان رحيم يشرح كان الباب يُفتح ويدلف إلى الداخل أصدقاء ريماس لذا بدون سابق إنذار هرولت أفنان نحو المطبخ وهي تدفع رحيم إلى هناك بواسطة حقيبتها.
“لو سمحت ممكن تقولنا عالحساب بسرعة!”
“يا فندم ممنوع حضرتك تبقي هنا، انتظري برا وأحنا هنقولك الحساب.” أردف أحد العاملين بالمقهى لتنظر نحوه أفنان نحوه بإستياء ثم تقول برجاء:
“مش هينفع انجزني بسرعة!!!”
“ثواني يا فندم.. الحساب أهو.”
“حلو أوي، رحيم معلش حاسب وبعدين روح بسرعة الحمام ولا أي حتة المهم تختفي.. متبقاش ظاهر!! وانجز عشان خلاص داخلين!!!” أردفت بتلعثم وتوتر قبل أن تهرول لتعود إلى الطاولة قبل أن تدخل ريماس ولحسن حظها أن الطاولة كانت في مكان بعيد عن الباب لذا لم تلحظها ريماس على الفور سوى حينما كانت تتجول بعيناها في المكان بحثًا عن طاولة فارغة.
“ايه ده أفنان أيه الصدف دي؟”
“ازيك يا ريماس أخبارك أيه؟ صدفة غريبة فعلًا..” تحدثت أفنان مع إبتسامة مزيفة، لتنظر نحوها ريماس بغرور ثم تُردف بسخرية:
“مكنتش أعرف أنك بتقعدي في كافيهات وأماكن زي كده.”
“معقول؟ مع أني على طول بقعد في كافيهات وعمري ما شوفتك يعني..” ردت أفنان كلماتها اللاذعة بكلمات مثلها لتحمحم ريماس بإحراج ثم تعاود السؤال:
“وأنتي هنا لوحدك؟”
“اه.”
“وبتاكلي طبقين؟ نفسك مفتوحة ما شاء الله!” علقت ريماس ساخرة وهي تنظر إلى عين أفنان بعدم تصديق لتحمحم أفنان ثم تقول:
“لا أصل.. صاحبتي كانت هنا وقامت مشيت من شوية.”
” امم.. وصاحبتك دي بقى بتشرب سجاير؟ مش غريبة دي؟!”
“هو ده تحقيق ولا أيه أنا مش فاهمة! وبعدين أيه عمرك ما شوفتي بنت بتشرب سجاير قبل كده؟!”
“وهي مشيت من غير ما تحاسب كده؟” سألت ريماس بخبث لتتوتر أفنان لثوانٍ ثم تُجيبها محاولة الحفاظ على هدوئها قائلة:
“اه ما هي حصلها ظروف طارئة وأنا هدفعلها.”
“وأنتي معاكي فلوس بقى تدفعي ليكي وليها؟” بإستنكار وسخرية سألت ريماس لتنظر نحوها أفنان بإبتسامة مزيفة قبل أن تقول:
“اه يا حبيبتي خير ربنا كتير الحمدلله تحبي أعزمك أنتي وصحابك كمان؟”
“لا شكرًا أصل بابا حبيبي لسه باعتلي مصروف كبير أوي فمش محتاجة حاجة من حد وخصوصًا أنتي يعني.” أردفت ريماس وهي تُعيد خصلات شعرها نحو الخلف بغرور بينما تنظر نحو أفنان بإبتسامة جانبية.
“طب بقولك أيه يا ريماس، على فكرة مفيش مكان فاضي فهتتحطوا waiting list ‘قائمة انتظار’ فالأحسن أنك تاخدي صحابك وتشوفلكوا مكان تاني بقى.” نظرت نحوها ريماس بغيظ وفي تلك اللحظة كانت أحدى الفتيات من رفاقها جاءت لتهمس لهم بأنه لا يوجد طاولة فارغة بالفعل عدا اثنتين وقد تم حجزهم مسبقًا.
“ماشي يا أفنان، همشي وكانت صدفة حلوة أوي أني قابلتك أنتي و…صاحبتك.”
“صدفة رائعة فعلًا.” قالت أفنان بإبتسامة مزيفة قبل أن تستقيم من مقعدها وتقترب من ريماس وكأنها ستضمها وقبل أن تفعل همست في أذنها قائلة بنبرة صارمة:
“لمي الدور يا ريماس بدل ما أعلمك الآدب قدام صحابك، أنا محترمة ومش راضية أحرجك.” ابتعدت عنها أفنان ثم لوحت لها وهي تُضيف:
“أشوفك يوم الجمعة يا حبيبتي إن شاء الله.” مرت بضع دقائق بعد رحيل ريماس ليعود رحيم نحو الطاولة مجددًا وهو يسأل:
“مشيت؟”
“اه.” أجابت بإختصار وهي تحاول أن تُخفي إمارات الضيق التي كان حديث ريماس السخيف سببًا فيها.
“طب أيه يلا كملي أكلك.”
“لا.. نفسي اتسدت خلاص، أنت حاسبت صح؟”
“اه خلاص، طيب بصي خدي الأكل ده Take away ‘للمنزل’.”
“لا مش عايزة..”
“اسمعي الكلام بقى بدل ما تطلع في دماغي اطلبلك meal ‘وجبة’ تانية.” قال رحيم بنبرة مُراوغة لتبتسم أفنان ثم تُعلق مُردفة:
“لا خلاص مش ناقصة.. هاخده معايا ماشي وقولي دفعت كام بقى.”
“ده ليه إن شاء الله؟ أنا عازمك.”
“أنا مبتعزمش أنا، انجز وقول دفعت كام.” سألته بنفاذ صبر بينما نظر نحوها بهدوء تام قبل أن يُردف:
“أفنان أنتي مش هتدفعي جنية واحد طول ما أنتي معايا تمام؟”
“ده على أساس أيه بقى إن شاء الله؟! ماشية مع مكنة ATMM؟”
“على أساس أنه من الذوق والنُبل أن مينفعش أنك كبنوتة كده تدفعي في وجودي.” تحدث رحيم بنبرة لطيفة هادئة مُحاولًا كسب إقتناع أفنان دون بذل جهد في الجدال لكنها لم تقتنع وجادلته قائلة:
“والله اللي أعرفه أن لندن اللي أنت متربي في حواريها دي كل واحد بيدفع حسابه لنفسه ولا رأيك أيه يا دكتاره؟”
“دي حقيقة فعلًا، لكن أنا في النهاية شاب عربي مصري يا أفنان، وبعدين الكلام اللي بتقوليه ده مع أي حد تاني ما عدا أنتي.” فسر رحيم مُنتقيًا كلمات لطيفة حتى لا يُثير غضب أفنان وحتى يستطيع إقناعها دون الخوض في جدال طويل.
“بس أصل أنت مش فاهمني برضوا.. أنا مبرتحش نفسيًا لما حد بيدفعلي!!!”
“معلش تعالي على نفسك المرة دي، يلا نمشي بقى؟” تحدث بنبرة ودودة وهو يمنحها الحقيبة التي تحوي بقية طعامها لتنظر نحوه وقد ارتسمت إبتسامة واسعة على ثغرها مُردفة.
“يلا يا سيدي.”
غادروا المطعم بسعادة وكان كل شيء على ما يرام، لكن أثناء سيرهم نحو سيارة رحيم توقف رحيم لثوانٍ وكأنه قد تذكر أمرًا ما.
“وقفت ليه؟ في حاجة؟”
“لا.. بس كنت ناسي موبايلي Silent ‘وضع صامت’.”
“أنت مستني مكالمة معينة من حد؟” سألت أفنان وهي تشعر بغيظ غير مُبرر.
“لا بس.. معلش ثواني..” نظر رحيم نحو الهاتف بإضطراب وقد ضم حاجبيه، انتقل الإضطراب بالفعل إلى أفنان وهي تراقب تعابير وجهه، كان رحيم ينظر إلى سجل المكالمات والذي أظهر أنه لم يُجيب على عشرة مكالمات فائتة أكثر من نصفهم كان أنس وقبل أن يحاول رحيم أن يتصل به كان قد سبقه أنس وفعل تلك الخطوة.
“ألو..” وقبل أن يتفوه رحيم بحرفًا آخر قاطعه صوت أنس الجاد وهو يُخبره بالآتي بذعر:
“رحيم، مامتك أتصلت بيك كذا مرة وأنت مش بترد عليها.. حاول تكلمها بسرعة عشان هي متعصبة وقالت لو معرفتش توصلك هتروحلك عالشركة.. فحاول تتصرف وبسرعة!!!” استمع رحيم إلى ما قاله أنس ثم أغلق الخط دون أن ينبس ببنت شفه، تنهد تنهيدة طويلة ثم نظر نحو أفنان بضيق مُردفًا الآتي:
“أفنان أنا لازم أمشي دلوقتي..”
“أيه؟ ليه؟ حصل حاجة؟”
“لا.. بس في شغل طلعلي كده مهم ولازم أمشي حالًا، بس متقلقيش هطلبلك عربية توصلك لحد البيت.” أردف رحيم بإختصار شديد دون توضيح، ليظهر الضيق على وجه أفنان وتُعلق قائلة:
“لا شكرًا مش محتاجة توصيلة، أنا هعرف أروح لوحدي.”
“يا أفنان من فضلك! أسمعي الكلام ومتجادليش!” تحدث رحيم بنبرة تميل إلى الحده لتنظر نحوه أفنان بتجهم ثم تُردف:
“لا أنت تكلمني بإسلوب أحسن من كده يا رحيم! نبرتك دي متنفعش معايا!”
“يا أفنان بجد مش وقته اللي أنتي بتعمليه ده.. أنا بطلب عربية أهو، لو سمحتي روحي دلوقتي وأنا هفهمك كل حاجة بعدين، أوعدك.”
وقفت أفنان صامته وهي تعقد حاجبيه وتهز أحدها قدميها بغضب وإستياء والآن بعد أن كانت تشعر بالغضب تجاه نوح وحده، أصبح الضيق والغضب منقسمًا بين رحيم ونوح.. فأحدهم قد استخدام كلمات جارحة وقد أهان كرامتها والآخر يتحول في ثانية إلى شخصًا غامض دون وجود أسباب واضحة.. انتظرت بالفعل قدوم السيارة ليس لأنها تنصاع لما يقوله بل لأن موقعها الآن بعيد المنزل لذا كانت ستضطر في جميع الأحوال أن تطلب سيارة أجرة.
“بصي أنا مش عارف ال Location ‘موقع جغرافي’ بتاع البيت عندك بس لما تركبي العربية حطيه تمام؟ وطمنيني عليكي لما توصلي please ‘من فضلك’.”
لم تُجيبه أفنان بل نظرت نحو الجهه الآخرى وهي تزفر بضيق منتظرة قدوم السيارة وبالفعل خلال دقيقتين جاءت السيارة، يفتح لها رحيم الباب بنُبل فتتحاشى النظر نحوه.. يعبس وجهه لتعاملها لكن من داخله يعلم جيدًا أن لها كامل الحق في ذلك، يلوح لها مودعًا فور تحرك السيارة لتتجاهل أفنان ذلك ايضًا.
يقود رحيم سيارته بأقصى سرعة عائدًا إلى الشركة مجددًا محاولًا الوصول قبل والدته بينما يحاول أن يُهاتفها في الوقت ذاته عله يمنعها من الذهاب إلى الشركة والتحدث في المنزل عوضًا عن ذلك، أما عن أفنان فجلست داخل السيارة تستمع إلى بعض الموسيقى الصاخبة علها تفرغ طاقة الغضب التي تملكتها.
بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا وصلت أفنان إلى منزلها، تنهدت تنهيدة طويلة محاولة أن تُرخي تعابير وجهها متخلصة من مشاعرها السلبية قبل أن تدلف إلى الداخل، تفتح أفنان باب المنزل بهدوء تام وهي تخطو نحو الداخل بخطوات بطيئة لتجد والدتها في وجهها مباشرة وهي تقول بنبرة حاده:
“ما لسه بدري يا أفنان هانم!!”
أردفت والدتها بنبرة مُمتعضة لا تُبشر بالخير وقد ضمت كلتا ذراعيها إلى صدرها بإعتراض مُشكلة علامة X بينما يجلس من خلفها على الأريكة نوح بوجنة مُحمرة وأنف دامي…
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية