رواية في حي الزمالك الفصل التاسع عشر 19 - بقلم ايمان عادل
اِتِّفَاقٌ 🦋✨🤎
“مساء الخير يا أشطر دكتورة،
بصي بقى أنا عارف أنك زعلانة مني بس أحنا هنتصالح دلوقتي أمين؟ أنا بس حبيت أقولك.. اه وأنا جبتلك البوكس ده ومش هقولك جواه أيه عشان تتفاجئ لما تفتحيه بنفسك.. بس لو موافقتيش أنك تاخديه مني هضطر أني أحاول أقنعك قدام المعمل كله.. ففكري كده وأنا تحت أمرك في اللي تختاريه.♥“
نظرت أفنان إلى هاتف بصدمة وبثغر مفتوح قبل أن تبتسم ابتسامة واسعة ثم بدأت تضحك بطريقة هيستيرية لتترك ميرال طبق البوشار الذي كان في يدها وهي تنظر نحو أفنان بخوف ثم تسألها بجدية قائلة:
“أفنان أنتي اتلبستي ولا أيه؟” لم تُجيبها أفنان وأكتفئت بتحريك رأسها ب ‘لا’
“رحيم بعتلي مسدچ يصالحني..”
“وهو قايلك فيها نكت ولا أيه؟ مالك سخسختي على نفسك كده؟” علقت ميرال بحنق وهي تنظر نحو وجه شقيقتها وعيناها التي على وشك أن تشع قلوب حمراء.
“لا هو بيصالحني عادي وبيقولي أنه جابلي هدية..”
“مازلت مش لاقيه حاجة بتضحك في الموضوع!”
“ما أصل هو طريقته ضحكتني أوي! أكيد حد غششه الكلام ده، أصل ده مش أسلوب رحيم في الكلام أنا عارفة طريقته كويس.. أكيد أنس الزفت!”
“يا نهار أبيض! مين أنس ده كمان إن شاء الله؟!” سألتها ميرال بإستنكار وقد اتسعت عيناها بصدمة.
“ده.. ده دكتور في الشركة برضوا.. وصاحب رحيم يعني.”
“ما شاء الله وهو أنتي كمان بقيتي عارفة صحاب رحيم؟”
“يا بنتي مش بشوفهم مع بعض في الشركة..”
“طب وريني المسدچ والهدية.”
“ماشي بس هو عمتًا مش باين أيه الهدية عشان هي محطوطة في بوكس هدايا.”
“ده سرسجي أوي يا أفنان أيه ده؟!!” أردفت ميرال بنبرتها الهادئة المُعتادة وتعابير وجه مُشمئزة لتقهقه أفنان ثم تُعلق قائلة:
“لا لا هو مش كده في الحقيقة خالص!! واضح أن أنس محفظة جملتين يقولهم بس هو بجد أسلوبه بيضحك أوي.. بس أنا برضوا لسه متضايقة منه!”
“عشان مشي وسابك؟”
“عشان خبى عليا موضوع نوح.. مكنش ينفع يعمل حاجة زي دي! أنا طبعًا متضايقة عشان ضربه في العموم وكمان اتضايقت أكتر عشان مجاش يحكي من نفسه وأتدبست أنا في حوار نوح لما جيه هنا!!”
“طب هتعاتبيه ولا هتعملي أيه يعني؟”
“مش عارفة بس غالبًا هتخانق معاه عشان الحوار ده، مش كفاية أني متعصبة منه من الأساس!” أجابتها أفنان بإنفعال بتنظر نحوها ميرال بعدم تأثر وهي تضم كلتا عينيها ثم تقول:
“متأفوريش عشان أنتي عارفة كويس أنكوا هتتصالحوا.”
“دي حقيقة فعلًا بس لازم أعمل جو إثارة وساسبنس وبتاع.”
“هسميكي بعد كده أفنان حوارات!”
“تصدقي وتؤمني بالله.”
“لا إله إلا الله.”
“محدش بيعمل حوارات أكتر من سي نوح بتاعك ده.”
“ملكيش دعوة بنوح وخليكي في الواد التوتو اللي اسمه رحيم ده.”
“فكراني هتخانق معاكي؟ لا مش هتخانق عارفة ليه؟ عشان هو توتو فعلًا.”
“كويس أنك عارفة.”
“طيب نوقف الحوار ده هنا كده، أنا هدخل أنام بقى عشان مش قادرة وأنتي متسهريش أوي عشان عندك شغل الصبح.”
“ماشي يا أختي تصبحي على خير.”
“وأنتي من أهله.” بمجرد أن ذهبت أفنان لتخلد إلى النوم فُتح باب غرفة والديها ليخرج منها والدها ويسير بخطوات هادئة ويذهب للجلوس بجانب ميرال، يُقبل رأسها ثم يسألها قائلًا:
“حبيبة بابا سهرانة بتعمل أيه؟”
“بتفرج عالتلفزيون.. أفنان سابتني ومكملتش الفيلم معايا.”
“ولا تزعلي نفسك نكمله احنا سوا.”
“حبيبي ربنا يخليك، بس مش عايزاك تسهر عشان متصدعش بكرة في الشغل.”
“لا متغشليش بالك بيا، أنا لما كنت في سنك كنت بطبق وبصحى اروح الشغل عادي جدًا.”
“ربنا يديك الصحة وطول العمر يا حبيبي يارب.”
“تسلمي يا حبيبتي، بقولك يا ميرال عايز اسألك على حاجة كده.”
“اتفضل طبعًا، خير إن شاء الله؟” سألت ميرال بقلق وقد اعتدلت في جلستها وهي تنظر نحو والدها بجدية.
“كل خير يا حبيبتي، أنا بس عايز اطمن على أفنان أختك.”
“مالها أفنان بس؟”
“حالها مش عاجبني.. حاسس أنها متغيرة وبقالها فترة مش بتحكيلي كل حاجة زي الأول وواضح أن في مشاكل بينها وبين ابن خالتك بس مردتش أعلق عالموضوع قدام رانيا عشان أنتي عارفة أنها بتضايق لما بقول حاجة عن ولاد أختها.”
“هما فعلًا متخانقين، بس شغل عيال يعني متشغلش بالك يا حبيبي.”
“طيب كويس طمنتي قلبي.. أهم حاجة أنها تبقى بتتكلم معاكي وبتفضفضوا لبعض، أنا كده مطمن عليكوا الحمدلله ماهو أنا مش هعيش ليكوا العمر كله بس أنتوا ربنا يديكوا طول العمر لازم تفضلوا في ضهر بعض دايمًا في الصغيرة قبل الكبيرة.”
“أيه الكلام ده بس يا بابا؟! ربنا يخليك لينا أنت وماما وتفضلوا أنتوا ضهرنا وسندنا دايمًا.” هنا اقترب منها والدها ليضمها برفق ثم يُقبل رأسها مجددًا.
“ريحتي قلبي، أنا دلوقتي هقوم أنام وأنتي كمان نامي عشان تعرفي تصحي للشغل.”
“حاضر يا حبيبي، تصبح على خير.”
في صباح اليوم التالي استيقظت أفنان بنشاط على غير العادة فلقد كانت متشوقة لرؤية الهدية والتحدث إلى رحيم ولكن حماسها قد ازداد أكثر للشجار الذي ستفتعله بسبب لكمه لنوح، ارتدت ثيابها سريعًا ثم تناولت فطورها واتجهت نحو الشركة مُباشرة، وقفت بالقرب من الباب لثوانٍ وهي تأخذ نفس عميق قبل أن تدلف نحو الداخل وهي تدعو بداخلها أن يمر اليوم بسلام وأن تُنهي مشكلة رحيم وألا ترى نوح اليوم…
“دكتور رحيم وصل؟” سألت موظفة الإستقبال والتي أخبرتها أن رحيم قد وصل بالفعل وأنه يجلس في ‘الكافتيريا’ الخاصة بالشركة، ابتسمت أفنان بإنتصار فهذا المكان هو الأنسب للحديث بعيد عن أعين باقي الطلاب، اتجهت إلى هناك مباشرة لتجده يجلس على أحدى الطاولات وأمامه قدح من القهوة وأحد أنوع المخبوزات التي لم تعرفها أفنان بينما يعبث ، اقتربت منه حتى أصبحت تقف أمامه مُباشرة ثم سألته بنبرة ساخرة وهي تضحك قائلة:
“يا ترى مين اللي غششك الكام كلمة العربي اللي كتبتهم صح في المسدچ؟”
“الناس الطبيعية لما بيشوفوا بعض الصبح بيقولوا Good morning ‘صباح الخير’.” أجاب بهدوء وبنبرة جادة وهو يُغلق هاتفه ويرفع عيناه الخضراء ليُقابل خاصتها.
“معلش هو أنا كده، بحب ادخل في الموضوع على طول!” علقت بإقتضاب وهي تسحب الكرسي لتجلس أمامه.
“تشربي أيه؟”
“فطرت قبل ما أجي.”
“قهوة؟ لا أنتي لسه صغيرة عالقهوة هطلبلك عصير مانجو.” سألها متجاهل إجابتها تمامًا ثم في النهاية أتخذ القرار بدلًا منها.
“مانجو؟” سألت أفنان بسخرية وهي تضحك لينظر نحوها بعبوس ثم يقول:
“هي اسمها كده بال English ‘اللغة الإنجليزية’ على فكرة.”
“ما أنا عارفة على فكرة” قلدت نبرته بسخرية ثم صمتت لثوانٍ وبعدها أضافت:
“بغض النظر عن الإستظراف في حوار القهوة ده بس اشطا اطلبلي مانجا.”
“طيب تحبي تشوفي الهدية الأول ولا نتكلم ونتصالح الأول؟” سألها بلطف لتنظر نحوه أفنان وهي تُفكر في كيفية تمكنه من تغير تعبيرات وجهه عدة مرات في الدقيقة ذاتها، أخذت نفس عميق قبل أن تستعد للشجار وهي تقول بعصبية:
“أحب أديك بالجزمة على دماغك عشان أنت مقولتليش أن أنت ونوح ضربتوا بعض!!!” هنا تهجم وجه رحيم قليلًا وقد اضطربت ملامحه، أخذ نفس عميق قبل أن يقول بنبرة مُستفزة بينما ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه قائلًا:
“لا هو أحنا مضربناش بعض.. هو أنا ضربته!”
“مش فارقة كتير!” عقبت أفنان وهي تقلب عيناها بتملل ليُعلق بإستنكار قائلًا:
“لا تفرق طبعًا! أنا مضربتش، وبعدين هو اللي إنسان مُستفز!”
“وهو احنا من أمتى بنضرب الناس اللي بتستفزنا؟!” سألته أفنان بإنفعال ثم هدأت حينما أدركت ما قالته، نظر نحوها رحيم بسخرية ثم علق قائلًا:
“أولًا بلاش أنتي تعلقي على النقطة دي! ثانيًا مش أنا اللي بدأت خناق هو اللي جيه يضربني الأول!”
“يعني هو جيه ضربك من تلقاء نفسه كده؟! يعني عايز تفهمني أن أنت مسخفتش عليه بالكلام ولا استفزيته؟!”
“أنا مش فاهم هو فارق معاكي أوي كده ليه؟ خايفة عليه مني يعني ولا أيه مش فاهم!!”
“فارق معايا أني مش عايزة شكلك يبقى وحش وأن حد يغلطك مثلًا! فارق معايا أن ميحصلش مشاكل بسببي! فارق معايا عشان نوح ده ابن خالتي.” وضحت أفنان بصدق لترتخي معالم رحيم قليلًا ثم يسألها بنبرة لطيفة قائلًا:
“ابن خالتك وبس؟!”
“وأخويا كمان ومتربين سوا واللي حصل ده ضايقني جدًا، سواء منك أو منه!”
“أنا أسف… متزعليش مني بس أنا الدم غلي في عروقي بعد ما سمعت الكلام اللي قالهولك وصدقيني لولا أنك باقية عليه عشان قريبك أنا كنت وريته الوش التاني!” تحولت نبرة رحيم من النبرة الهادئة التي بدأ بها حديثه إلى نبرة حادة مُمتلئة بالغضب حينما تفوه بجملته الأخيرة.
“ايوا كده أنت كده رحيم اللي أنا أعرفه… أو معرفهوش مش متأكدة.”
“أنتي بتبقى ماشية حلو وبعدين الكلام بيبوظ منك.”
“حسيت فعلًا، المهم متعرفش نوح جاي النهاردة ولا لا؟” سألته بتعابير وجه جادة لينظر نحوها طويلًا ثم يُمرر يده على خصلات شعره الناعمة بإستياء وهو يقول:
“والله أنتي لو قاصدة تعصبيني مش هتعملي كده.”
“أنا عملت أيه؟”
“والله؟ عالعموم مش هيجي خالص الأسبوع ده عشان بيخلص حاجات لل Master ‘الماچستير’ بتاعه.”
“يلا أحسن عشان نخلص شوية من حواراته دي!” قالت بدون إدراك لينظر نحوها رحيم بأعين متسعة وهو يسألها بغضب:
“ثواني بس… حوارات أيه؟ هو أتعرضلك تاني؟”
“لا ما هو أصل…”
“أصل أيه! Spit it out ‘مصطلح يعني أخبريني بسرعة’.”
“أصل هو جيه البيت يوميها عشان كده عرفت أنك ضربته.”
“لا wait ‘انتظري’ ثواني كده… هو جيه البيت عشان يقولك أني ضربته؟”
“لا جيه البيت يشتكي لماما أن الدكتور اللي في التدريب ضربه…” قالت أفنان وهي تضم عيناها بعد أن ارادت أن تصفع نفسها لأنها أخبرته بما حدث، ضم رحيم حاجبيه بإقتضاب وإمتعض وجهه بعد أن سمع ما قالته وعلق على ما قالته بإنفعال مُردفًا:
“ولما أقولك هرفده وهخرب بيته بترجعي تزعلي!! يعني هو بجد بيعمل مشاكل بينك وبين طنط مامتك وفي الآخر تقوليلي أنك still ‘مازالتِ’ مهتمه بيه عشان هو ابن خالتك!!!” صفعت أفنان جبتها وهي تتنهد بضيق قبل أن تجبر نفسها على رسم إبتسامة صغيرة على ثغرها وتقول:
“بقولك أيه… مش هتوريني الهدية بقى؟”
“هوريكي الهدية، وعلى فكرة لما سيبتك المرة اللي فاتت واضطريت أمشي بسرعة كان بسبب أن في زيارة فجائية لحد مهم هنا في الشركة وفعلًا مكنش ينفع مرجعش على هنا، أنا عارف أني اللي عملته قلة ذوق بس صدقيني غصب عني.”
“خلاص سامحتك بس لو سمحت متتكررش… أنت بس عرفني أو أديني نبذة عن السبب وأنا بجد هحترم الموضوع لكن لما بتقرر تمشي فجاءة كده أو وشك بيقلب بدون مُقدمات أنا حقيقي بتضايق.
“خلاص وعد مش هتكرر تاني إن شاء الله…” ابتسمت أفنان بسعادة كبيرة حينما قدم المشيئة كما تفعل هي وهي تدعو بداخلها أن يكون قد فعل تأثرًا بها وبطريقة حديثها في العموم.
“يلا افتحي ال Box ‘صندوق’ بتاعك.” سحبت أفنان الصندوق من يده بحماس شديد والذي كان متوسط الحجم، فتحته بسرعة شديدة لتجد بداخله ما يقرب من الخمسة كُتب كانت جميعها متنوعة بين الكيمياء والأدوية ومعلومات عن علم الصيدلة بشكل عام، برقت عين أفنان فور رؤيتها للهدية لتقفز من موضعها بسعادة وهي تُردف بصوتًا عالٍ:
“الله!!! دول حلويين أوي بجد!! والكتاب ده كان نفسي فيه جدًا بس كان غالي شوية بصراحة فكنت مستنية أحوش! ربنا يخليك ليا بجد!!!”
كانت نبرة أفنان صادقة وقد لمعت عيناها بشدة، جلس رحيم في مقعده يتأملها إنها أجمل من أجمل لوحة فنية رأها يومًا بل إنها أجمل ما وقعت عليه عيناه، لم يهتم رحيم لإرتفاع صوتها ولم يهتم لرؤية أحدهم لما يحدث فهو لن يُفسد عليها طريقة تعبيرها عن سعادتها بأي شكلًا كان.
حينما قالت جملتها الأخيرة ‘ربنا يخليك ليا’ شعر رحيم بنبض قوي في قلبه، ابتسم لا إراديًا وهو يُعيد تكرار الجملة داخل عقله… هل هي سعيدة حقًا بأنه إلى جوارها؟ هل هي حقًا تتمنى أن يظل بجانبها؟
حينما أدركت أفنان ما قالته وفعلته أشتعلت وجنتها بالحمرة لتحمحم بإحراج ثم تعاود الجلوس في مقعدها بينما مازال ثغرها مُزين بإبتسامة واسعة.
“أنا فضحت الدنيا وغالبًا كل اللي معدي من هنا بص علينا…”
“مش مهم، المهم أنك مبسوطة.” تحدث بصدق لتتسع إبتسامتها أكثر ثم تحمحم وتقول بنبرة أهدأ:
“أنت حقيقي كلفت نفسك أوي والموضوع مكنش مستاهل يعني… أنا مش هقدر أقبل الهدية دي…”
“بس بلاش هبل please ‘من فضلك’ ، فداكي أي حاجة المهم أشوفك بتضحكي وفرحانة…”
“كفاية يا علي!!!”
“علي مين؟!!!”
“ديه حتة من فيلم! لا ياريت تذاكر الأفلام كويس عشان لما أقول مشهد من فيلم تبقى معايا عالخط.”
“خضتيني بجد! أنا قولت مش كفاية نوح، هيبقى نوح وعلي!!!” علق رحيم بضيق لتقهقه أفنان بقوة على ردة فعله ثم تمتمت مُردفة:
“بهزر يا سيدي بهزر! أيه ده يا نهار أبيض أحنا اتأخرنا عالتدريب!”
“صحيح! أنا نسيت خالص أحنا هنا بنعمل أيه! طب يلا اطلعي وأنا هحصلك عشان متبقيش متضايقة.”
“تمام، أشوفك في العملي بقى… باي.”
بعد انتهاء اليوم عادة أفنان إلى المنزل والذي ظهرت إضاءته خافته من الخارج لذا توقعت أفنان أنه لا أحد بالداخل أو من في الداخل نائمون لذا قامت بإستغلال الأمر ودلفت إلى الداخل بهدوء شديد تحسبًا لوجود والدها أو والدتها، كانت تُعامل الهدية مُعاملة الممنوعات التي يتم تهريبها وبخطوات خفيفة وسرعة اتجهت نحو غرفتها هي وميرال لتضع الصندوق في الداخل، بدلت أفنان ثيابها سريعًا وقررت أخذ قيلولة بعد أن خبأت الصندوق في خزانة ثيابها، بعد ساعتان ونصف استيقظت أفنان على صوت والدها وهو يتحدث بالهاتف لتُغادر غرفتها بهدوء وتتجه نحوه
“والله حمدلله على سلامته…طب مقولتيش ليه كنت روحت خدته من المطار، لا العربية لسه متصلحتش بس كنت هاخد تاكسي يعني… عالعموم حصل خير، المهم ألف مبروك وربنا يتمم بخير… اه أكيد طبعًا هنيجي إن شاء الله، تمام هضبط مع رانيا والبنات… ماشي مع السلامة…” سمعت أفنان تلك الجمل المتقطعة أثناء تحدث والدها بالهاتف ومن الصوت الطفيف الذي صدر من الهاتف استطاعت أن تُميز صوت عمتها الوحيدة.
“خير يا بابا في حاجة؟” سألت أفنان لتخرج تنهيدة طويلة من والدها ثم يُجاهد ليبتسم ويُجيبها قائلًا:
“بنت عمتك جالها عريس أنتي أكيد عرفتي… المهم، جوز عمتك راجع من السفر هو والعريس وهنتجمع كلنا في بيت عمتك عشان نقرأ الفاتحة ونتفق وهي كانت بتقولي يعني عشان أفضي نفسي.”
“شكلك مش مبسوط…” علقت أفنان وهي تأكل قطعة شيكولاتة على الطاولة لا تعلم خاصة من لكنها تناولتها على أي حال.
“ربنا يتمملها على خير لو ليها خير في الجوازة دي ولو شر ربنا يبعده عنها…”
“الحوار مش مريحني بصراحة بس أنت عارف طبعًا لما حد فينا بيتكلم ولا بيحاول ينصح بيبقى رد الفعل عامل ازاي…”
“عارف وأنا والله يا بنتي عمومًا اللي فيه الخير يقدمه ربنا، المهم أنتي فضي نفسك يوم الجمعة عشان نروح لعمتك.”
“حاضر يا بابا بإذن الله.”
“هي ميرال لسه مجتش؟” سألت أفنان والدها لينظر إلى الساعة المُعلقة على الحائط ثم أجابها قائلًا:
“لا لسه، كلمتني قالتلي هتجيب حاجات بعد الشغل.”
“طب تمام، أنا هروح أساعد ماما في الأكل.”
“ماشي يا حبيبتي.”
“بابا… عايز أقولك على حاجة كده…”
“وأنا عايز اسمع.” قال والدها بلطف لتبتسم له بتوتر ثم تذهب لتجلس على الأريكة ويجلس هو على الكرسي المُقابل لها.
“أنا جالي هدية النهاردة.”
“اه البوكس اللي كنتي ماشية بتتسحبي بيه ده.”
“أيه ده أنت كنت موجود؟!”
“اه كنت واخد إذن من الشغل رجعت اجيب حاجة، فكراني نايم على ودني يا بت أنتي ولا أيه، ها مين اللي جابلك الهدية بقى؟ نوح؟”
“لا نوح أيه وبتاع أيه… بصراحة هو الدكتور اللي بيشرحلي في التدريب.” أجابت والدها وهي تتحاشى النظر داخل عينيه بينما تعبث في أصابعها.
“وجابلك هدية بمناسبة أيه؟”
“جابلي كتب في الكيمياء وعلم الصيدلة والأدوية…” أردفت أفنان لتضطرب معالم والدها قليلًا، فما قالته هو آخر ما توقع أن تكون الهدية.
“بمناسبة أيه… بمناسبة أن حصل بينا سوء تفاهم يعني، أنت عارف يا بابا أني بتخانق مع الناس كلها تقريبًا وهو افتكر اني اتضايقت وكده ف… يعني.” أجابت أفنان بتلعثم وبنبرة صوت خافته.
“اممم وبعدين؟”
“أنا طبعًا مكنتش عايزة أقبل منه الهدية دي وكده لأن الموضوع مش مستاهل وكمان الكتب دي غالية بس هو أصر عليا…”
“تمام عمومًا يُشكر يعني، في حاجة تاني؟”
“لا خلاص.” قالت أفنان وهي تبتسم ابتسامة صغيرة.
“خليكي عارفة يا أفنان أني بثق فيكي ومديكي الآمان أتمنى متخونيش الثقة دي ومهما حصل أنا جنبك وفي ضهرك فياريت متخبيش عليا حاجة ابدًا.
“حاضر يا حبيبي… أنا هقوم بقى.” همست قبل أن تتجه نحو المطبخ لمساعدة والدتها ومن داخلها شعرت بالذنب لأنها لم تُخبر والدها بالحقيقة كاملة ولا تدري لما فعلت ذلك… شعرت بنغزة في قلبها لفعلها ذلك وما زاد الطينة بلة هو كلماته الأخيرة.. لذا قررت أنها ستُخبره بكل ما حدث في الفترة الماضية ولكنها ستؤجل الموضوع قليلًا…
“أيه ده الله أكل!!”
“بسم الله الرحمن الرحيم بيطلعوا أمتى دول؟ جيتي أمتى؟”
“لسه داخلة حالًا، جبت حاجات حلوة أوي تعالي أفرجك.”
“بعد الأكل طيب عشان خلاص هنغرف.”
بعد أن انتهوا من تناول الطعام وذهبت الفتاتان إلى غرفتهما أخذت ميرال الحقائب لتُري المشتريات لشقيقتها.
“حلويين أوي مبروك عليكي! بس مكنتش أعرف أنك بتحبي اللون الأزرق للدرجة يعني.” علقت أفنان لغرضًا ما في رأسها، فلم تكن ميرال من مُحبي ذلك اللون للدرجة التي تجعلها تشتري فستانًا وكنزة باللون ذاته مع اختلاف الدرجة قليلًا لكنها فعلت ذلك ببساطة لأن نوح يُحب ذلك اللون بل يعشقه، لم تستطع أفنان أن تلوم شقيقتها على فعل ذلك فلو كانت في موضعها لفعلت المثل…
“اولًا ده زهري مش أزرق، ثانيًا تغير يعني ما أحنا معظم لبسنا ألوانه مكررة ده أنتي لوحدك عندك بتاع ٣ طرح كافية مثلًا.” أجابت ميرال بهدوء ثم سخرت من شقيقتها في نهاية الجملة.
“صحيح استني أوريكي رحيم جابلي أيه.”
“ايوا وريني أنا متحمسة أوي!!!” كانت تتحدث ميرال بحماس وهي تصفق في يدها وازداد الحماس حينما رأت الصندوق الأسود الفاخر المُزين بخطوط ذهبية عشوائية لكن بمجرد أن فتحت أفنان الصندوق ذهب الحماس وتبدل بخيبة ربما أو تعابير غير مفهومة.
“كُتب؟!”
“اه كتب عن الكيمياء والصيدلة والحاجات دي يعني.”
“يعني يوم ما يجيلك هدية من شاب قمر كده تبقى كُتب!!! الدح وصل بيكي لكدة!”
“كل واحد حسب اهتمامه والحاجات اللي بيحبها بقى!”
“على رأيك المهم أن الهدية عجباكي وأنك مبسوطة.”
“اه الحمدلله.. بقولك أيه هو نوح كلمك؟”
“لا.”
“تمام… صحيح عمتك كلمت بابا عشان عمو جيه من السفر هو وعريس ريماس عشان يقعدوا يتقفوا وكده.”
“طب كويس ربنا يتمم بخير بس ياريت يا أفنان تمسكي لسانك ومتعلقيش على أي حاجة خليكي في حالك مش ناقصين وجع دماغ.” أردفت ميرال وهي تحاول جاهدة لإقناع أفنان التي فقط نظرت نحوها طويلًا ثم علقت قائلة:
“أنتي عارفة أني مبقدرش بس هحاول على أد ما أقدر.”
“ماشي ياختي.”
مر الأسبوع بسلام وقد صدق رحيم فنوح لم يأتي قط طوال أيام التدريب لهذا الأسبوع، كانت الأوضاع مستقرة بينها وبين رحيم، وفي يوم الخميس لم تذهب أفنان وأسرتها عند خالتها كالمعتاد فلقد ذهبوا إلى زفاف أحدى فتيات العائلة من جهه والد نوح ومريم وفي صباح يوم الجمعة استيقظت أفنان باكرًا، فتحت عيناها بكسل وفي اللحظة ذاتها أنار هاتفها برسالة من رحيم لتنتفض من موضعها وهي تُمسك بالهاتف لتقرأ محتوى الرسالة.
“صباح الخير، أتمنى يومك يبقى لطيف، قوليلي أيه خططك لليوم؟” قرأت الرسالة عدة مرات وهي تتوقف عند أمنيته أن تقضي يومًا لطيف، آهٍ لو يومها يكون بلطف رسالته تلك!
“صباح النور، أيه اللي مصحيك بدري كده؟ أنا معزومة عند عمتي عالغدا أنا وماما وبابا وميرال.”
“لطيف جدًا Enjoy ‘استمتعي’ ، أنا نزلت أجري شوية الصبح ودلوقتي بتمرن.” قرأت أفنان الرسالة ثم غادرت المُحادثة لثوانٍ لتجد أنه قد أنزل حالة ‘Story/status’ تحوي صورته وهو يرتدي ‘تي شرت’ قطني بدون أكمام وقد ظهرت عضلات ذراعيه وجزء من عضلات صدره بالإضافة إلى ذقنه المُهذبه وخصلات شعره الناعمة المُبعثرة الذي جعلت مظهره أجمل بإضعاف، شهقت أفنان بصدمة بينما تتأمل صورته قبل أن تقول:
“استغفر الله العظيم يارب!!!” ثم أغلقت الصورة على الفور لتستقيظ ميرال بفزع وهي تسألها:
“في أيه عالصبح؟”
“صورة لرحيم… بس صورة مش زي أي صورة!!!”
“مش لابس هدوم ولا أيه؟!!” سألت ميرال وهي تقفز من سريرها لخاصة أفنان بسرعة البرق.
“أيه ده قلة الأدب دي؟! لا بس في الچيم وشعره مبلول كده وحركات وعضلات وبتاع.” فسرت أفنان وهي تغمز بإحدى عينيها بينما نظرت نحوها ميرال ببلاهة قبل أن تقول:
“وريني طيب.”
“لا مش هينفع أنتي أختي وهو شرفي.”
“أفنان متقعديش كتير عالسوشيال ميديا عشان بقيتي تقولي حاجات غريبة.”
“ده تريند يا بنتي بس أنتي اللي نرم، عمتًا كويس أنك صحيتي عشان نقوم نجهز لبسنا ونساعد ماما لحد ما بابا ينزل يصلي ويجي نفطر كلنا.”
“هو أحنا هنروح لعمتك أمتى؟”
“هنفطر وننزل عشان هما عايزنا من بدري.”
“أفنان انتوا صحيتوا؟”
“اه يا ماما اتفضلي.”
“كويس انكوا صحيتوا عشان عايزة أقول كلمتين وياريت يتنفذوا سمعاني يا ست أفنان؟”
“طبعًا يا ماما تحت أمرك.” أردفت أفنان بنبرة درامية لتنظر نحوها والدتها بعدم إقتناع وهي تضم عيناها ثم تُكمل التعليمات قائلة:
“محدش يعلق بحاجة النهاردة خالص! ملكوش دعوة بعمتكوا ولا جدتكوا ولا العريس ولا الكلام ده، أحنا ملناش دعوة أحنا مجرد ضيوف هناخد واجبنا ونقرأ الفاتحة ونتكل على الله فياريت نتجنب المشاكل قدر الإمكان وخاصة أنتي يا سوسة.”
“سوسة؟ الله يكرم أصلك يا ماما، عالعموم حاضر يا حبيبتي.”
“طبعًا أنتي بتاخديني على أد عقلي أنا عارفة، يلا ربنا يستر.”
في تمام الساعة الثانية ظهرًا كانوا قد وصلوا إلى منزل عمتها وقد بدأت مراسم الإستعداد لإستقبال العريس المُنتظر، مثل وضع المفارش البيضاء ناصعة البياض، وضع الشيكولاتة الفاخرة التي احضرها والد ريماس، تناولوا الغداء الذي أعدته عمتها والذي كان أقرب للوليمة منه إلى الغداء العادي فلقد طبخت ما يقرب من الخمسة أصناف ونوعان من الطيور.
“بناتك كبروا يا أحمد ما شاء الله بقوا عرايس حلويين.”
“ربنا يخليك، اه البنات كبروا وكبرونا معاهم.”
“متقولش كده أحنا لسه شباب، صحيح أنا جبت للبنات هدية بسيطة كده يارب تعجبهم.”
“ربنا يخليك مكنش في داعي تتعب نفسك.”
“اه فكريني يا رانيا أبقى أوريكي طقم الدهب اللي جابهولي الحج من برا.”
“مبروك عليكي يا حبيبتي تتهني بيهم.” أجابت رانيا بإبتسامة مُصطنعة، في الحقيقة هي لا تهتم بالماديات وتلك الأشياء فهي يكفيها وجود زوجها وبناتها الأثنتين إلى جانبها.
“يلا يا ماما ناكل بسرعة عشان ألحق ألبس واجهز.”
“تعبان يا عروسة من حقك تتشرطي ده اليوم يومك.” أردفت جدتها لتبتسم لها ريماس وتُرسل قبلة في الهواء بينما تقلب أفنان عيناها بتملل.
بعد مرور ساعة تقريبًا كان الجميع انتهى من تناول الطعام وقد بدأت ريماس في ارتداء ثوبها الجديد والذي كان باللون الأحمر الداكن وقد وضعت أحمر شفاه باللون ذاته وقد تركت خصلات شعرها لتنسدل على ظهرها كانت تبدو جميلة للغاية.
“قمر ما شاء الله.” اردفت أفنان وهي تنظر نحو ريماس بإبتسامة واسعة بينما تقوم بضبط ثوب الأخيرة لتُبادلها ريماس الإبتسام قطع المشهد اللطيف صوت عمتها وهي تقرأ المعوذتين بصوتًا واضح وتُشير بعلامة الكف ‘بتخمس’ بالقرب من أفنان وميرال، تنظر نحوها أفنان بحنق ثم تذهب لتجلس على السرير وقد قررت ألا تُساعد ريماس مجددًا وألا تُعلق بأي شيء.
صدح صوت جرس الباب في الخارج لتتوتر الأجواء قليلًا، تتجه والدة ريماس نحو الخارج لتقوم بإسدال الستائر التي تفصل بين الممر والغرف والمكان حيث سيجلس الرجال.
“ادخلي جوا يا ريماس يلا ومحدش يطلع صوت بقى.” نفذت أفنان ما قالته والدتها، ثم سمعوا جميعًا صوت الباب وهو يُفتح ثم صوت ترحيب.
كانت الفتيات ثلاثتهن يجلسن في غرفة ريماس ومعهم والدتهم وعمتهم حيث جلس الرجال فقط في الخارج وجدتهم.
“يا ماما عايزه اشوفه، هبص بسرعة من ورا الستارة مش هياخد باله!!” ترجت ريماس والدتها كطفلة تُريد الحلوى وقد رسمت وجه جرو لتنظر نحوها والدتها وعلامات الإعتراض مُرتسمة على وجهها لكن في النهاية استسلمت وقالت لريماس الآتي:
“ماشي بس لو شافك هقطم رقبتك أنتي سامعة.”
“ماشي ماشي.” ذهبت ريماس بخطوات خفيفة لتنظر من خلف الستارة ثم تعود نحو الغرفة وهي تبتسم ابتسامة واسعة ثم تُشير لأفنان وميرال أن يأتوا لينظروا هما ايضًا.
كان الشاب والذي يُدعى فريد يجلس بجانب والد ريماس، كان ذو وجه حسن؛ بشر قمحية وعيون سوداء وشارب كثيف منحه هيبة وكان يبدو من هيئته أنه طويل القامة، كان جسده وسطًا بين النحافة والسمنة وكان أقرب قليلًا للسمنة وبالرغم من أنه قريب من منتصف الثلاثينات إلا أنه بدا أصغر في العمر.
عادت الفتيات كلهن إلى الغرفة مجددًا بينما يحاولون سماع الحوار الذي يدور في الخارج لكنهم فشلوا في ذلك، بعد مدة قصيرة جاءهم صوت والد ريماس وهو يقول:
“تعالي يا عروسة سلمي على عريسك.” خرجت ريماس بتوتر نحو الخارج وقد ألقت التحية على الشاب الوسيم الجالس وقد رسمت إبتسامة لطيفة على ثغرها، مر اللقاء بسلام وقد تم الإتفاق بشكلًا جيد، جلس الجميع سويًا بعد رحيل فريد ليبدأو في إلقاء التعليقات حول اليوم وكيف جرى.
“يعني كده يا بابا أنا هتخطب سنة صح؟”
“إن شاء الله أقل من السنة وهتكوني في بيتك.” أجابها والدها لتبتسم والدتها إبتسامة واسعة من الأذن للأذن فلقد كانت تتمنى طوال حياتها أن تتزوج فتاتها قبل فتيات شقيقها أحمد، ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يقطعه صوت عمتهم وهي تقول بنبرة ثعبانية:
“وأنتي يا ميرال مش ناوية تخلينا نفرح بيكي يا حبيبتي؟ ده العمر بيجري يعني..” نظرت ميرال بذهول وصدمة نحو عمتها وهي لا تجد ردًا على كلماتها الجارحة لذا اكتفت بالصمت لكن ذلك لم يُرضي أفنان التي دافعت عن شقيقتها بإندفاع قائلة:
“والله يا طنط ميرال بيجلها عرسان كتير بس هي اللس بترفض.”
“ليه يا حبيبتي شايفالك شوفه ولا أيه؟”
“لا يا عمتو مش كده…” أجابت ميرال بتوتر وتلعثم وكان الحزن باديًا على ملامحها لتنكزها أفنان بلطف وتُكمل الإجابة بدلًا عنها قائلة:
“ما هو يا طنط هي مش بيعة عشان اللي جاي معاه قرشيين يجي يحمل ويشيل عشان احنا بني آدمين مش بهايم، الشخص اللي بيتقدم ده لازم نشوف فكره وثقافته ونشوف مناسب ولا لا.”
“وهو الفكر والثقافة هيصرفوا عليكوا ولا هيعشوكوا بالليل.”
“الفكر والثقافة والتفاهم هيخلي لما ميبقاش في عشاء في البيت هيبقى في أفكار ازاي نجيب عشاء، هيبقى في رضا وقناعة، هيبقى في حب وود يخلينا نتحمل الظروف الصعبة عشان بعض أما بقى لو اعتمادنا كان على الفلوس فوقت ما الفلوس تختفي الجوازة هتبقى فركش.” وضحت أفنان وجهة نظرها بهدوء وبآدب وفي الآن ذاته قد أظهرت كم أن عمتها مُخطئة في تحليلها وحكمها على الأمور، امتعض كلًا من عمتها وجدتها التي لم تتفوه بحرف بل اكتفت بإصدار صوتًا بفمها ‘مسم’
“الله ينور عليكي يا حبيبتي.” علق والدها بفخر وهو ينظر نحوها بسعادة فلقد شعر أن ما بذله في التربية وصنع فكر لأبنته لم يضيع هبائًا.
“اه طبعًا ماهي عمرها ما هتتفرعن كده غير لما أنت اللي تبقى مقويها.” صاحت عمتها بغيظ وإندفاع لينظر نحوها شقيقها بهدوء تام ثم يقول:
“بناتي ولازم أقويهم وأدعمهم أومال أبقى أب ازاي لو معملتش كده.”
“ماهو كده يا أخويا هيفضلوا قاعدين جنبك طول العمر.”
“ينور ويشرفوا… بيتهم وبيت أبوهم ومفتحولهم طول العمر وعلى أد ما نفسي أفرح بيهم على أد ما نفسي يفضلوا في حضني طول العمر.” أجابها أحمد وهو يضم ابنتيه الجالستين إلى جانبه واحدة في الجانب الأيمن والآخرى في الأيسر.
“ماشي يا أخويا…”
“يعني أنت يا خالو مش عاجبك العريس؟ ده معنى كلامك؟” سألت ريماس بتوتر وهي تنظر إلى والد أفنان ليبتسم لها بدفء ثم يُردف بصوتًا منخفض وبنبرة مازحة:
“هبقى أقولك لما مامتك تقوم.”
“ماشي اتفقنا..” قالت ريماس وهي تضحك ثم تصمت لثوانٍ قبل أن تُضيف بصوتًا مسموع ونبرة تحدي:
“إلا قوليلي يا أفنان أخبارها أيه صاحبتك اللي كنتي قاعدة معاها في الكافية دي؟”
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية