رواية سدفة الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم اية شاكر
توقفت نداء تتأمل انفعالتهما وتعبيرات وجههما؛ ابتسامة دعاء فور رؤيته، وكيف مدت يدها وصافحته بحرارة _توحي باستحالة أن يكون هذا أول لقاء لهما_ جلوسه قبالتها والإبتسامة التي لم تفارق محياه وأيضًا الحوار الذي لم تسمع منه شيء سوى حديث أعينهما وتحديقهما ببعضهما بلا رقابة!
عادت خطوتين بظهرها قبل أن تستدير وتهرول نحو لوالدتها…
-كنتِ فين؟ خدي شيلي معايا!
قالتها والدتها بضجر فنظرت لها نداء بشدوه ثم أومات ومدت يدها وحملت بعض الأكياس، وتبعتها في هدوء ظاهري يناقض الضجيج الذي يدوي بداخلها!
سارت وهي تشعر بغصة تتلوى بحلقها، لكم تجاهلت ذلك الشعور الذي أخذ يتسلل لقلبها مؤخرًا! إنه الإختناق بلا سبب يُذكر! وهناك شيء خفي يجثم فوق صدرها لا تدري ما مصدره لكنه يثقل يوم بعد يوم! حتى بلغ ذروته الآن، الآن تريد البكاء لتخفف ذلك العبئ الثقيل! لكن لتنتظر قليلًا ريثما تعود لغرفتها…
التفتت حولها لترى والدتها انشغلت بشراء الليمون، مدت يدها وأمسكت ثمرة ليمون وأخذت تقلبها بين يديها وتخاطبها بصوت هامس:
-تفتكري بتقابله ليه؟ وليه مقالتليش؟ تفتكري يعرفوا بعض من زمان!
كيف لم تلحظ تغير دعاء في أخر فترة، ومحاولتها الدائمة لتشويه صورة علي وتنفيرها منه، تريده لنفسها! انقشعت الغشاوة من أمام عينيها لتنجلب حقيقة دعاء أمام عينيها، أيعقل أن تكون صديقة سيئة! أخذت بعض الأفكار تجذبها يمينًا والأخرى تجذبها يسارًا….
-نداء!
انتبهت من أفكارها على صوت والدتها التي ابتعدت عنها عدة خطوات ولم تلحظ! فقد كانت تقلب الليمونه بين أصابعها شاردة فيها وكأنها تراى الأشياء فيها! وقد تحركت قدميها عدة خطوات دون إدراك فوقفت في منتصف الطريق، بينما يمر الناس من حولها متحاشين الإصطدام بها ويحدجونها بسخط، وفجأة تصاعدت أبواق عربة من خلفها، فأردفت والدتها بتبرم:
-إنتِ واقفه عندك تعملي إيه؟
-أ… أ… جايه…
قالتها متلعثمة بعد أن عادت لرشدها فعادت مسرعة لتضع ثمرة الليمون مكانها وهي تبتسم للبائعة بتصنع ثم هرولت لتتبع والدتها التي حركت رأسها باستنكار قائلة:
-قال وأنا اللي جيباكِ تساعديني وتشيلي معايا طلع إني لازم أخد بالي من حضرتك أصل أنا ماشيه مع عيله صغيره!!
قالت جملتها وسارت أمامها وتبعتها نداء وهي تلوذ بصمتها، بعدما التفتت خلفها لترى بهجة دعاء التي تضحك مع علي….
★★★★★★
وقف يحيى بينما ظلت وئام منكسة الرأس تفرك أصابعها بارتباك، فلا تدري لمَ نهض فجأة حين رآها تُطالعه! وكأنه لُدغ!
لا تعلم أنه يخشى أن يكون كالعاشقين هؤلاء أصحاب القلوب الفارغة الذين لم يتذوقوا حلاوة حب الله فبحثت قلوبهم عن غيره من البشر! فجعلوا لله أنداد يحبونهم كحب الله والعياذ بالله.
لابد أن يستعفف طلما أنه لن يستطيع نكاحها وجعل عشقه مباحًا، جال في رأسه صوت والده: «يا يحيى خذ الكتاب بقوة».
اتخذ قراره وكان سيغادر! لولا دخول شيرين ومعها كوب من العصير وضعته على الطاولة وهي تقول:
-إنت وقفت ليه يا يحيى؟
-هو… هو فين رائد؟
قالها بارتباك، فردت شيرين:
-رائد طلع عند رامي مع صاحبه وجاي حالًا.
ازدرد لعابه وتنحنح ثم قال في اضطراب:
-طيب أنا… أنا…
-أنا حفظت يا شيخ، أسمع؟
قالها عمرو رافعًا رأسه عن مصحفه، ومقاطعًا إياه، حاول يحيى أن يهدأ من روعه ويتمالك نفسه، فابتسم بتصنع وهو يداعب شعر الصغير ثم جلس قائلًا:
-سمع يا شيخ عمرو.
غضن عامر حاجبيه وهو يقول:
-مش لما أخلص أنا الأول يا شيخ؟!
-طيب أسيبكوا أنا بقا تسمعوا…
قالتها شيرين وهمت أن تخرج تزامنًا مع سؤال عمرو:
-هو إنت مجبتش آدم معاك النهارده ليه يا شيخ؟
وعلى ذكر اسم آدم تذكر يحيى الديك الذي تناسى أن يحضره، فنظر ناحية شيرين التي وصلت عند باب الحجرة وقال:
-طنط لحظه واحده كنت عايز أقول لحضرتك حاجه مهمه!
دلفت للحجرة مجددًا وهي تقول بفضول:
-خير إن شاء الله؟
أخذ يحيى نفسًا عميقًا وأشار بسبابته لعمرو وعامر وهو يقول:
-الإتنين دول إدوا لـ آدم ديك صغير من عندكم…
-ديك!! من عندنا إحنا؟
قالتها شيرين بصدمة مغلفة بالتعجب فقد اشترت الدجاج قبل إسبوع واحد لتربيته والإستنفاع به.
جحظت عيني عمرو وركض لخارج الغرفة فزعًا، أما عامر فالتقطته والدته قبل أن يهرب، فرفع سبابته وقال بهلع:
-طيب وحياة سيدك البلبولي عمرو اللي عمل كده وأنا عامر مش عمرو…
-سيدي البلبولي!!! إنتوا اديتوله ديك البرابر!
قالتها شيرين هادرةً بينما كبح يحيى ضحكاته واكتفى بإبتسامة صغيرة سرعان ما إزالها عن مُحياه وضـ ـرب عامر بخفة على رأسه مرددًا:
-سيدك البلبولي! من حلف بغير الله فقد أشرك يا شيخ عامر والكفارة قول لا إله إلا الله…
حدق به عمرو في وجوم ونظراته تتحدث أهذا وقت مثل ذلك الحديث! فهو الأن على حافة العقاب الاذع!
كانت والدته تجذبه من ملابسه قابضة عليه كاللص بينما مسد يحيى على رأسه مردفًا بابتسامة:
-ردد يلا يا بطل لا إله إلا الله.
طالع عامر والدته التي تُطالعه بنظرات لا تبشر بخير وقال بخوف:
-حاضر يا شيخ هنطق الشهادة… أشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله…
ازدرد عامر ريقه وهو يطالع والدته التي لم تتبدل نظراتها قائلًا:
-أنا بقول إنتِ كمان توحدي الله وتهدى يا ماما وأنا هروح أنادي عمرو عشان تاخدي حقك منه…
-أنا تعبت وجبت أخري من شقاوتكم دي!
قالتها شيرين بأسى بينما فلت عامر من قبضتها وركض للخارج وتبعته والدته التي تصر على أسنانها في غيظ وتناديه.
كبحت وئام ضحكاتها فقد جذبها الحوار خارج دائرة تساؤلاتها وحيرتها! كان يحيى يضحك بخفوت وهو ينظر لأثرهما وعندما انتبه لوئام تنفس الصعداء وهو يشيح وجهه عنها فقد عادت إليه مخاوفه، تلاشت ابتسامته شيء فشيء وقبل أن ينبس بكلمة قالت وئام:
-أنا ممكن أسمع على ما يجوا!
نظر يحيى لباب الغرفة المفتوح وجلس على مقعد قبالته مباشرة ثم قال باقتضاب:
-اتفضلي أنا سامعك…
أخذت تسرد عليه ما حفظته ورغم حفظها الجيد إلا أنها تعثرت أكثر من مره، فهز يحيى رأسه يمنة ويسرة وقال:
-لا مش هينفع كده راجعي تاني.
-والله كنت حافظه كويس لكن….
-مش مشكله راجعي تاني.
فتحت مصحفها وأخذت تقرأ مجددًا بينما رمقها يحيى بطرف خفي ثم أشاح وجهه للجهة الأخرى وأطلق تنهيدة طويلة قبل أن يفتح مصحفه هو الأخر وينظر به ثم أغلق عينه وأخذ يستغفر الله…
وبعد فترة من الصمت ارتفع صوت شيرين:
-أنا هلاقيها من الكبار ولا من الصغيرين أنا تعبت والله تعبت…
-دي باين خناقه!!
قالتها وئام وهرولت للخارج بينما لم يُحرك يحيى ساكنًا وظل مطرقًا رأسه لأسفل، فرمقته وئام بسخط قبل أن تغادر فهي تحاول جذبه إليها لكنه يعاملها بجمود شديد لا تعلم أنه يستعفف…
من ناحية أخرى وقفت هيام قبالة والدتها وقالت:
-يا ماما أنا عمري ما هوافق عليه ده شكله أصلًا غلط!
-غلط إزاي يعني؟
-يعني مفيش قبول و… و…
قاطعتها شيرين هادرةً:
-تقومي تقوليله معندناش بنات للجواز!
-كداب… شوفتي أهوه طلع كداب من أولها أنا قولتله أن لا أصلُح للجواز!
أردفت بتهكم:
-وبعدين دا شعره ناعم ومسبسب وأنا مبحبش الشعر الناعم!
أومأت وئام بالإيجاب مرددة:
-فعلًا سبب مقنع جدًا يا ماما أنا كمان مبحبش الشعر الناعم…
خرج يحيى للشرفة بعدما سمع جملة وئام، مسح على شعره الناعم وهو يردد بسخرية:
– ماله الشعر الناعم؟
هز رأسه مستنكرًا ثم أخرج هاتفه ليطلب رقم رائد وسرعان ما تذكر أن هاتف رائد سُرق، نفخ متضجرًا من رائد الذي تركه هكذا وأخذ يتخيل نفسه وهو يزجره ويوبخه فكيف يتركه هكذا!!
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
رغم محاولات رامي لم تخرج من غرفتها ولم تحدثه ولكن عندما سمعت صوت محمد فتحت الباب قليلًا وأرهفت السمع فقد سرد على مسمع رامي كل الحكاية وانتهى بجملة:
-وريم معرفتش إني أخوها إلا من فترة بسيطه.
-أنا بحاول أصالحها وهي اللي مش مدياني وش!
-معلش يا رامي حاول تاني وتالت الامام علي قال إيه؟! واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب…
ابتسم رامي وقال:
-خلاص يا سيدي إنت كلمها كده وحنن قلبها عليا وصالحنا على بعض والجميل ده مش هنساهولك طول عمري.
أومأ محمد قائلًا بابتسامة:
-ماشي يابن عمي…
تلاشت ابتسامته فقد ذكرته بهيام لكنه طرد الأفكار من رأسه سريعًا فلمَ يفكر بها؟!
ربت رائد على فخذ محمد وقال:
– هسيبك بقا تصالحهم وهنزل عشان معايا صاحبي تحت… يلا بالتوفيق..
قالها رائد ثم نهض واقفًا وانصرف بينما دخل رامي لينادي ريم التي خرجت مسرعة وعانقت محمد فور رؤيته فشعر رامي ببعض الغيرة وطفق يقنع نفسه بأنه أخوها عله يهدأ غيرته، قال رامي بتلعثم:
-طيب هروح أجيبلنا حاجه نشربها.
دلف رامي للمطبخ بينما أجلس محمد ريم جواره وقال:
-إيه اللي حصل يا ريمو؟
ابتسمت ريم قائلة:
-متقلقش كل حاجه هتتصلح…
-أتمنى والله يا ريم… جوزك راجل محترم ومحترم جدًا وبيحبك إوعي تخسريه… فاهمه؟
قال أخر كلمة رافعًا سبابته في وجهها كأنه يُحذرها، فقالت بابتسامة:
-فاهمه… وشكرًا إنك جيت…
-أنا أقدر أتأخر على المسكر!
اتسعت ابتسامة ريم وكذلك رامي الذي كان يسمع حوارهما، وهو يقف خلف الحائط حاملًا أكواب العصير قبل أن يدخل للغرفة، فنهض محمد وهو يقول:
-لأ العصير ده تشربوه انتوا أنا نازل أتغدى عند عمي…
وقبل أن يعترض أحدهما أردف:
-هسيبكم تتصافوا وان شاء الله ليا عزومه كبيره عندكم والسفره يكون عليها ما لذ طاب…
اتجه صوب الباب وفتحه رغم إصرار رامي أن يمكث فترة أخرى فقال رامي بقلة حيلة:
-نورتنا يا محمد وأنا سعيد بمعرفتك.
-أنا اللي محظوظ إن يكون ليا إخوات قمر كده ومسكرين….
قالها محمد غامزًا بعينيه فضحك الثلاثة قبل أن ينصرف محمد وينزل معه رامي.
تنهدت ريم بارتياح بعدما اتضح كل شيء، ابتسمت وحمدت ربها وقبل أن تتحرك من مكانها دلف رامي للبيت، فهمت أن ترحل من أمامه لولا أنه جذبها من ذراعها فطالعته بعتاب دون أن تنبس بحرف، قال بندم:
-أنا آسف أرجوكِ سامحيني… والله يا ريم والله ما كنت في وعيي… مش عارف الواد يونس حطلي حاجه في العصير ولا إيه اللي حصلي!
طالعته بصمت، فمسك كلتا يديها وقال باستعطاف:
-هتسامحيني؟
-إنت شكيت فيا يا رامي.
-كنت مغفلٌ.
قالها بابتسامة، فقالت ريم بانفعال:
-إنت مدتليش فرصه يا رامي أفهمك… و… وكمان اللي عملته مكنش سهل عليا…
-ما خلاص بقا يلا نقفل على القديم ونبدأ صفحه جديدة.
جلست على الأريكة وقد لاذت بالصمت فاستطرد:
-ها…. جاهزه تعيشي في إيطاليا؟ هنسافر الإسبوع الجاي…
نظرت له بطرف عينها ولم تعقب فقال:
-أنا آسف والله… والله آسف وندمان.
تركت ريم المكان ودلفت غرفتها فأطلق رامي تنهيدة طويلة وقال:
-شكلك هتتعبيني يا ريم! بس عندك حق..
استغفروا♥️
★★★★★
-يحيى دا يا بقا يا محمد صاحبي الوحيد اللي طلعت بيه من الدنيا.
-كان نفسي يبقا ليه صديق بس للاسف مليش رزق… ليا زمايل كتير أوي بس علاقتنا سطحيه.
قالها محمد بنبرة حزينة، فأشار رائد ليحيى وهو يقول:
-فعلًا الأصدقاء دول رزق وأنا رزقي في ده…
يحيى رافعًا إحدى حاجبيه:
-شوف مهما تقول برده زعلان منك عشان تسيبني لوحدي وتمشي من غير احم ولا دستور…
رائد بنفاذ صبر:
-ما خلاص بقا يا يحيى… ياخي بوست دماغك أعملك إيه تاني.
ظل رائد يداعب يحيى حتى عاد يضحك، فقال محمد:
-بقولك ايه يا رائد متجيبلي أتغدى ولا معندكوش أكل!
-الصراحه معندناش دا إحنا الفار بيدخل بيتنا بيطلع رابط بطنه من الجوع…
ضحك ثلاثتهم فطُرق باب الغرفة، ربت رائد على كتف محمد قائلًا:
-أهو الأكل وصل يا سيدي…
قالت وئام لاهثة وبخفوت:
-بابا بيتخانق مع هيام.
التفت رائد لمحمد ويحيى وقال:
-طيب ثواني وجاي يا شباب.
ارتفع صوت المشـ ـاحنة فقال محمد:
-سامع صوت خناقه بره؟
-أكيد عشان العريس اللي هيام طردته.
حك محمد عنقه وهو يسأل:
-هي هيام طردت العريس؟
قال يحيى بضحك:
-أيوه بتقولك شعره ناعم ومسبسب وهي مبتحبش كده.
ضحكا وخيم عليهما الصمت هنيهة ثم باغته محمد بسؤال:
-يحيى إنت عمرك حبيت؟ يعني قصدي…
فهم يحيى ما يعتمل بصدره فقاطعه بابتسامة:
-الحب أول ما يكون لجاجة ** تأتي به وتسوقه الأقدارُ
حتى إذا اقتحم الفتى لججَ الهوى ** جاءت أمورٌ لا تُطاق كبار.
محمد بابتسامة:
-لأ مش فاهم قوله تاني يمكن أفهم!
أخذ يحيى يكرر الأبيات ثم شرع بتفسرها بقوله:
-من الأخر الحب ده مرض ومن أصعب الأمراض النفسية يعني في الأول تقدر تلحق نفسك لأن لو ملحقتش نفسك هتضيع…
تنهد يحيى وطالع الأفق أمامه مستطردًا:
– وأنا كل ما أحس ببداية أعراض المرض ده باخد علاجي وبلحق نفسي.
-أيوه إيه بقا العلاج… يعني ألحق نفسي ازاي الله يكرمك!
اتسعت ابتسامة يحيى وأكمل:
-غض بصرك واتحكم في تفكيرك واشغل نفسك فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل والعياذ بالله.
أردف:
-وعلى فكره فيه حاجه فوق دا كله ممكن تعملها؟
نظر له محمد بن قبل فأردف:
-انجذبت ليها يبقا تتجوزها ويبقى الحب حلال…
قالها يحيى ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة مهزومة، بينما ردد محمد تلك الكلمة بتفكير:
-أتجوزها!
شرد كل منهما في نقطة ما إلى أن أثار انتباهها هيام التي خرجت من البيت مهرولة وهي تبكي وتبعتها وئام ثم رائد الذي أخذ يجذبها لتدخل للبيت وهو يُحايلها لكنها أفلتت يدها منه، فقال وهو يصر على أسنانه:
-أدخلي يا هيام متفرجيش الناس علينا.
-مش هدخل يا أبيه… بابا ضربني!
-عشان إنتِ غلطانه.
ارتشفت دموعها ونكست رأسها لأسفل فقالت وئام:
-إحنا هنتمشى شويه أنا وهي على ما بابا يخلص تأديب عمرو وعامر وروح إنت عشان أصحابك.
رفع رائد رأسه لأعلى فرأى محمد ويحيى ينظران إليه، فعاد يُطالع هيام وهو يضم وجهها بين كفيه:
-روقي كده متبقيش غلطانه وبجحه!
أشاحت هيام رأسها في وجوم فتأبطت وئام ذراعها وسارتا بينما وقف رائد ينظر لأثرهما لوهلة قبل أن يدخل للبيت…
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين.
★★★★★
إسبوع كامل مر برتابة لم يحدث سوى تحسن طفيف في علاقة رامي وريم والتي قررت أن تسامحه فهما سيسافران بالغد وقد عاقبته بما يكفي ولن ترضى الخراب لبيتها عند أول عائق يقابلها، فيجب عليها أن تتجاوز ما حدث لتستمر الحياة…
*****
طال صمت رائد ولم يأخذ خطوة نحو نداء فقررت هي التعافي من ذلك الداء الذي أصاب روحه، فهذا ليس جبًا بل مجرد إعجاب، والحب لا يأتي بتلك الطريقه! وقد تكون تحت تأثير الهوى، فالهوى خادع يخدر العقل ويُعمي القلب، وقد ران على قلبها؛ فلا وقت لذلك الحديث التافه الذي لا ينفك الناس عن ترديده والوله به! قررت الإستيقاظ من غفلتها ومن وهم دلفت إليه نتيجة خطأ اقترفته.
قررت التركيز على هدفها الأول وهو البحث عن عمل لتساعد نادر فينبغي أن يعود لدروس التخاطب في أسرع وقت فوالديها لا يعطيانه إهتمام وتشعر أنه من مسؤلياتها، كما أنها نظمت وقتها وشرعت في البحث والتنقيب عن طرق الغذاء الصحي لتكتب عنه في روايتها الأولى التي استأنفت كتابتها مؤخرًا…
وضعت لنفسها هدفًا جديدًا ستسعى وراءه وتشغل جُل وقتها لتنسى هذا الهُيام الذي لا يجلب لها سوى الإرهاق النفسي والبدني.
بعد عتمة الليل ونوم عميق انتبه سمعها على صوت العصفورة وتلقائيًا فتحت جفونها، فمذ أن بدأت تضع الخبز الجاف والمياه في نافذتها كل ليلة وتلك العصفورة توقظها بتلك الطريقة وفي نفس الميعاد…
وثبت من فراشها بعد أن ذكرت الله واتجهت صوب مكتبها لترتب مهام يومها، تنفست بعمق وهي تبدأ يومها بتذكر نعم الله عليها كما اعتادت أن تفعل كل صباح كتمرين لطرد التعاسة والحزن؛ فوالديها بصحة جيدة ونادر أيضًا، أما هي فسمع وتبصر وتدرك وتمشي وتعقل، رددت:
-اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر.
ثم خرجت من غرفتها وهي في قمة الرضا والراحة النفسية…
كان والدها يتناول فطوره فحيته وقبل أن تدخل للمرحاض أوقفها صوته:
-كنت عايز الأيفون بتاعك يا نداء على ما أشتري أيفون غير اللي مش عارف اتسرق إزاي ده!
قالت بابتسامة راضية:
-حاضر يا بابا…
-يحضرلك الخير يا مطيعه يا غاليه.
ابتسمت وهي ترمق والدها بحب فقد باتت تلتمس له الأعذار وحتى وإن كان به جانب سيء فسيظل والدها وسيظل عليها بره مهما حدث فلن تسمع للشيطان بالتسلل لها من أي موطن ضعف.
وحين خرجت من المرحاض خاطبتها والدتها:
-يلا يا نداء اقعدي افطري.
-لأ يا ماما مليش نفس و…
-يا بنتي الفطار ده أهم وجبه في اليوم!
حان وقت المجادلة اليومية بتوقيت القاهرة، قالت نداء ساخرة:
-مين اللي قال كده؟ على فكره بقا الأفضل مناكلش أول ما نصحى من النوم ليه بقا؟
انتبه لها والديها فاسترسلت:
-لأن الجسم في الوقت ده بيبدأ يتخلص من السموم الي فيه فاحنا نشرب مايه ونتحرك نص ساعه كده وبعدين نفطر، وكمان في حاجه اسمها الصيام المتقطع ١٤ ساعه للسيدات و١٦ ساعه للرجاله من غير أكل هيساعد في التخلص من الكرش ده…
قالت أخر كلمة بابتسامة عابثة وهي تشير نحو بطن والديها بسخرية فقال والدها بضحك:
-لأ كله إلا الكرش… دا الكرش ده عز يابنتي.
-يا بابا جسم الكمثرى ده غلط على صحتك إنت محتاج تخس… أنا ممكن أساعدك…
طالعها والدها لبرهة بينما يلوك الطعام في فمة فعقبت والدتها بعد أن رمقتها بسخرية:
-سيبك منها كل الطهميه دي هلوه وبسمسم.
-دا إنت اللي هلوه وبسمسم.
قالها رشدي غامزًا بعينه فاتسعت ابتسامة دينا بخجل بينما ضحكت نداء ودخلت غرفتها وهي تهز رأسها باستنكار.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
بقلم آيه شاكر
★★★★
وعلى مر الأسبوع كان يحيى يتهرب من حضور الدروس ببيت رائد بل ابتعد عنه وقلل من محادثته عبر الهاتف، فشعر رائد بتغير صديقه المباغت لذا لم يتردد بالذهاب إلي بيته…
ارتشف رائد من العصير بينما يُطالع يحيى بنظرات متفحصة لأنه يختلق الأعذار والتي لم تنطلي عليه، فقال:
-بقولك إيه يا يحيى متجيب من الأخر! مبقتش تيجي الدروس ليه؟
تنحنح يحيى ثم أخذ يسعل بتصنع وهو يفكر في عذر مقنع، ورائد يُطالعه مغضنًا حاجبيه، فحاول يحيى مصارحته:
-ربنا سبحانه وتعالى قال: «وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله» وأنا….
قاطعه نقرات على باب الغرفة ثم دلوف والدته حاملةً بيدها وعاء يحوي ملابس مغسولة، فوثب يحيى وأخذه من يدها وهو يقول:
-إيه يا أمي بتتعبي نفسك ليه أنا كنت هعملهم.
-إوعي كده يا يحيى أنا أصلًا زعلانه منك.
تنفس يحيى بعمق فلابد أن أثر حوارهم بالليلة الماضية مازال عالقًا برأسها، قال رائد:
-ليه بس يا حجه مزعلك ليه الواد ده؟
جلست السيدة على إحدى المقاعد وخاطبت رائد:
-يرضيك يا رائد مش راضي يتجوز ويفرحني بيه.
أردفت بأسى:
-نفسي افرح بيه وأشوف عياله قبل ما أموت…
-بعد الشر عليك يا أمي… وبعدين يا أمي يا حبيبتي مين اللي هيرضى إن بنته تعيش في شقه واحده مع حماها وحماتها! ومين أصلًا البنت اللي هتوافق على كده!
قالها يحيى، فعقبت والدته:
-والله بنات الأصول كتير بس إنت اللي معقد الدنيا.
نهضت السيدة وحملت الملابس متجهة للشرفة وهي تغمغم:
-قوله حاجه يا رائد يمكن يسمع منك.
-حاضر هقنعهولك بس ليا الحلاوة.
قالها رائد بمرح قبل أن ينهض وهو يخاطبه:
-قوم اتمشى معايا ونتكلم في الطريق عشان باقي على شغلي نص ساعه.
استأذن يحيى من والدته وخرج مع صديقه…
ظل رائد يحدثه بينما يستمع دون تعقيب حتى قال رائد:
-طيب واللي يجيبلك عروسه توافق عليك وبظروفك.
ابتسم يحيى بسخرية وقال:
-بلاش احراج يا رائد يعني إنت تقبل لأختك الوضع ده واحد ملهوش مصدر دخل ثابت ولا حتى عنده شقة.
-يا سيدي ربنا قادر يبدل حالك بين يوم وليلة وإحنا بنشتري راجل دا كفايه إنك حامل لكتاب الله فأكيد ربنا مش هيضيعك…
أطبق عليهما الصمت فقطعه رائد قائلًا:
-هااا أخدلك ميعاد من بابا!
اختلج قلب يحيى وتوقف عن السير فجذبه رائد من يده ليُكمل السير وهو يقول:
-اديني يومين اتنين على ما رامي يسافر وهكلملك بابا وأخليك تتكلم معاها….
-أتكلم مـ… مع مين؟
رائد متخابثًا:
-مع العروسه… هيام… ولا بلاش هيام دي لسه مطفشه عريس الإسبوع اللي فات يلا زي بعضه خليها وئام…
على نحوٍ أخر
ظلت نداء تدور في الطرقات بحثًا عن عمل يناسبها فجذب انتباهها دعاء التي تجلس قبالة علي في مقهى مجاور، ابتسمت نداء بسخرية وأقبلت نحوهما فالآن تريد مواجهتها! وحين رأتها دعاء ابتلعت ريقها بتوجس بينما كان علي يشعل سيجارة وهو يقول:
-يعني إنتِ عايزه تقنعيني إن نداء شمال! طيب ما إنتِ صاحبتها ولو هي شمال تبقي زيها!
تلعثمت دعاء وهي تُطالع نداء بينما تهدر بعلي:
-إنت إيه اللي بتقوله ده!!
سمعت نداء جملة علي فأطلقت ضحكة كالزفرة وقالت:
-ازيك يا دودو مبقتش أشوفك ليه يا بنتي! مشغوله عني!
قالت أخر كلمتين وهو تضغط عليهما وترمق علي؛ الذي نهض واقفًا وألقى السيجارة من يده وهو يقول بقلق:
-نداء خليني أفهمك!
-ملهوش داعي.
قالتها نداء بجمود وانصرفت، فنفخت دعاء بضجر وهرول علي خلف نداء يناديها ولا تستجيب لنداءه، تزامنًا مع مرور رائد جوار المقهى وقوله ليحيى:
-أنا قررت أتقدم لـ نداء بعد ما رامي يسافر علطول…
أثار انتباههما صوت علي فالتفت رائد خلفه ليرى علي يركض خلف نداء، فزم جفونه لبرهة وأطلق ساقيه نحوهما…
التفتت نداء وقالت بصرامة:
-لو سمحت عيب كده متمشيش ورايا!
-أنا عايزك تسمعيني اديني فرصه أشرحلك…
قالها وهو يبتلع ريقه بتوجس فظهر رائد من خلفه وقال وهو يصر على أسنانه:
-إزيك يا علي إيه الصدفه دي!
رمقه علي في سرعة وقال بتلعثم:
-إزيك يا باشا…
طالع رائد نداء وقال:
-ازيك يا نداء… الجماعه أخبارهم إيه وعمي رشدي…
-الحمد لله…
قالتها باقتضاب فبدل علي نظره بينهما واستأذنهم وانصرف، فقال رائد ومازال نظره عالقًا على علي الراحل:
– إنتِ رايحه فين؟
كانت ستجيبه لولا أنها تذكرت أن وئام أخبرتها أن مركز التخاطب الذي يعمل به رائد يحتاج لمدرس جديد، وهي تُجيد لغة الإشارة فقد كانت تتهرب من تلك الوظيفة لكن بعد بحثها لأيام لم تجد عمل مناسب خلالها قررت التقدم لتلك الوظيفة الشاغرة، نطقت:
-هو أنا ينفع أشتغل في مركز التخاطب اللي بتشتغل فيه!
صمت هنيهة ثم قال:
-ابعتِ لي CV بتاعك…
مدت يدها ببعض الأوراق وقالت:
-اتفضل…
قرأ ما به في سرعة وقال برتابة:
-تمام… امشي بقا ورايا لحد ما نوصل المركز…
عاد رائد ليحيى واستأذنه وتبعت نداء خطوات رائد حتى وصلا للمكان فدخل رائد لإحدى الغرف وجلست على إحدى المقاعد تنتظره وبعد فترة خرج فنهضت أقبل نحوها، وقال:
-هتبدئي الشغل من النهارده ومدام أمنيه هتفهمك كل حاجه…
قالها وهو يشير نحو سيده قد تجاوزت عامها الثلاثين وبشوشة الوجه، طالعتها نداء وأومأت رأسها قائلة:
-تمام شكرًا….
ثم أقبلت نحو السيدة التي شرعت في تدريبها…
استغفروا♥️
★★★★
جلست هيام تحيك الملابس للدمية كعادتها وأخذت تسأل والدتها هل أعجبها تصميم الثياب، فقالت شيرين بنزق:
-روحي نظفي البيت بطلي تفاهه… زمان عمتك جايه تسلم على أخوكي.
-وئام بتنظف.
دوى جرس الباب فقالت شيرين:
-طيب روحي افتحي الباب.
فتحت الباب حيث تقف رغدة، قالت هيام بتلعثم:
-اتفضلي يا رغده…
حمحمت رغدة بخفوت وقالت بوداعة:
-كنت جايه أسلم على ريم عشان عندي شغل طول اليوم… هي فوق؟
أومأت هيام قائلة:
-أيوه تعالي هطلع معاكِ…
-طيب قبل ما نطلع ممكن أسلم على طنط شيرين ووئام!
تعجبت هيام من طلبها وشعرب ببعض التوجس، لكن نادت والدتها ووئام، سلمن رغدة على شيرين وقالت:
-ممكن تسامحيني؟
قالت شيرين ببعض التوتر:
-على إيه يبنتي؟
رغده وهي تكاد تبكي:
-سامحيني وبس.
-إنتِ زي بناتي يا حبيبتي أنا مش زعلانه منك عشان أسامحك.
عانقتها رغدة مجددًا وسط تعجب وئام وهيام، طالعت رغدة وئام وقالت بابتسامة:
-ازيك يا وئام؟
ردت باقتضاب:
-كويسه…
-لسه زعلانه مني برده؟
أردفت:
-يا بنتي إحنا اخوات ياريت متزعليش منا دا احنا لسه هنتخانق كتير…
لم تعقب وئام واكتفت بابتسامة سمجة، فقالت رغدة:
-طيب أنا هطلع لريم بقا.
صعدت هيام معها بينما قالت وئام لوالدتها:
-البنت دي مش سالكه! حاسه إنها بتخطط لحاجه؟
-ربما يهديها لنفسها…
*****
وبعدما سلمت رغدة على أختها وعانقتها بحبور خرجت من عندها لتصطدم بمحمد الذي نظر لها مطولًا ثم ألقى السلام فردته وسألت:
-أنا حاسه إني أعرفك شكلك مألوف أوي.
-أنا صاحب رامي.
قالها محمد متلعثمًا بابتسامة، فابتسمت رغدة وقالت:
-فرصه سعيده…
نزلت الدرج وظل محمد يتابعها حتى اختفت فقالت ريم:
– دي رغدة كانت بتسلم عليا…
أردفت بعد أندخل محمد وأغلقت الباب:
– مش عارفه مالها متغيره كده فيها حاجه غريبه…
-ربنا يهديها…
قالها محمد وشرد قليلًا…
★★★★
-اقعد يا نادر بقا خليني أخلص الشغل اللي في إيدي.
أخذ نادر يشد من مئزر والده ويحدثه بالإشارة فطالعه والده لبرهة وقال بضجر:
-مش فاهم عاوز ايه!!
أخذ نادر يشرح له أنه يريد الذهاب لنداء، فدفعه رشدي مغمغمًا بسخط ثم عاد وجذبه من يده لمقعد بعيد وأعطاه الهرة البيضاء قائلًا:
-اقعد هنا العب معاها.
ظل نادر يُطالع الأفق أمامه بتجهم والقطة تقبع بين يديه ثم نهض واقفًا وطفق يُطالع الطريق يمنة ويسرة قبل أن يغادر المكان وهو يحمل الهرة بين يديه…
سار مسافة طويلة ثم ركب سيارة أجرة ودفع من النقود الذي يحمله بجيبه وبعد مسافة ارتجل من السيارة.
سار مسافة طويلة وهو يتحاشي الإصطدام بالسيارات وفجأة توقف يتطلع للطريق لوهلة ثم بكى بعدما وجد نفسه ضالًا في منطقة لا يعرف كنهها، ظل يتجول وهو يتلفت حوله في اضطراب ويشهق باكيًا وبعد مسافة قطعها باكيًا هم أن يقطع الطريق فباغتته سيارة تقبل نحوه في سرعة تصنم مكانه وجحظت عيناه منتظرًا نهايته!
إلى أن ارتطم الطفل بالأرض وتوقفت السيارة لبرهة قبل أن تذر الطفل طريحًا وتنصرف في سرعة…
-إنت مشيت ليه لازم ناخده مستشفى حالًا!
قالتها رغدة هادرةً، فقال يونس:
-مستشفى إيه! إنتِ اتجننتِ؟
-منك لله الواد هيمـ ـوت.
-ما يمـ ـوت هو كان من بقية أهلك…
قالها بابتسامة ساخرة فقالت رغدة:
-إنت قلبك حجر… نزلني هنا.
لم يلبِ ما طلبت فهدرت به:
-بقولك نزلني هنا…
-اسكتي بقا اسكتي…
-نزلنــــي…
-مش هتنزلي واخرسي بقا.
ظلت تصرخ به وهو يتجاهلها مكملًا السير…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام
★★★★★
وبعد انتهاء ساعات التدريب عادت نداء لبيتها وهي ترفرف بجناحيها فرحًا، الآن ستستطيع تعليم نادر بنفسها، ظلت تحمد الله أثناء الطريق حتى وصلت بيتها، تجهم وجهها حين رأت علي بالمحل وصعدت شقتها بعد أن رمقته بغيظ ولم يحرك ساكنًا بل انشغل بعمله وتركها…
أخذت تنادي والدها ووالدتها فلم يجبها أحد، جلست قليلًا فحتى هاتفها بحوزة والدها ماذا ستفعل؟ أتخرج وتسأل علي أو تسأل جيرانها!! أخذت قرارها ونزلت لتسأل جارتها والتي فور رؤيتها سألتها:
-تعالي يا حبيبتي لقيتوا نادر ولا لسه؟
-نادر!!! لقيناه ازاي هو ضايع!!!
-أيوه أبوكي وأمك بيدوروا عليه من الصبح يارب يلاقوه يارب… ربنا يلطف بيهم…
اختلج جسدها وهبت واقفة والأفكار تضـ ـرب رأسها بعـ ـنف كيف اختفى؟ هل خُطـ ـف! هل مـ ـات! أيعقل ألا تراه مرة ثانية؟ كانت كل خلية بداخلها تهتف باسمه «نادر».
ظلت جارتها تتحدث وهي لا تسمع كلماتها خرجت من بيتها مسرعة أخذت تدور في الطرقات تنظر للمارة وتتفرس وجوه الأطفال عله تجده، وانتهى بها السير عند بيت دياب بينما بيته يعج بأفراد عائلته لتشيع ريم ورامي، دقت نداء جرس الباب ففتحت لها ريمان التي خاطبتها ببرود:
-ازيك؟
تجاهلت نداء سؤالها وقالت:
-فين طنط شيرين؟
تفحصت ريمان ملامحها المضطربة وأفسحت لها الطريق قائلة:
-اتفضلي هناديهالك…
كانت تحبس دموعها وهي في حالة من الشدوه، رأتها وئام فأقبلت نحوها وضمتها وكأنها مع تلك الضمة ضغطت زر دموعها فأخذت تبكي وتشهق وانتبه لها الجميع وهي تردد بأنفاس سريعة وأحرف متقطعة:
-نـ ا د ر…
وبعد فترة كان رائد يسير في الطرقات ومعه وئام ونداء ويحيى يحدث والد نداء بين حين وأخر فيخبره أنه مازال يبحث في شوارع المدينه فيكمل رائد بحثه وتفرق كل في جهة وئام ونداء في جهة ويحيى في جهة ورائد في جهة أخرى…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
حل المساء وشيعهما الجميع وأوصلهما دياب وضياء ومحمد للمطار لوحت لهم ريم بدموع وهي تتأبط ذراع زوجها الذي ربت على ظهر يدها بحنو قبل أن يختفيا عن مد بصرهم…
وعند العودة صدع هاتف ضياء بالرنين وبعد السلام قال الطرف الأخر:
-حضرتك والد رغدة ضياء العقيد؟
-أيوه مع معايا؟
-مع حضرتك النقيب كرم عبد الله، ممكن تيجي حالًا قسم الشرطة مركز***
أجفل ضياء واعتدل في جلسته وهو يقول بقلق:
-خير يا فندم؟
-لما تيجي هتعرف إن شاء الله…
أغلق ضياء الهاتف وهو يزدرد ريقه بفزع فسأله محمد الذي كان يقود السيارة:
-فيه إيه يا بابا؟
ضياء بقلق:
-مش عارف يا محمد ربنا يستر… اطلع بينا على مركز***
-في إيه يا ضياء؟!
قالها دياب حين لاحظ وجه أخيه المتوتر، فأخذ ضياء يسرد عليهم ما قاله الضابط….
******
وبعد فترة وصلوا لقسم الشرطة حياهم الضابط وأطرق رأسه للحظة فلا يعلم كيف يخبرهم بالأمر، نهض واقفًا وقال:
-اتفضلوا معايا…
تتبعوا الضابط بينما ارتسم الهلع على وجوههم وسأل دياب بقلب يختلج:
-خير يا حضرة الظابط؟
أطلق الضابط تنهيدة طويلة وقال:
-انا مش عارف أقولكم إيه!! بس… بنتكوا عملت حادثة! وهي في مستشفى ***
وقع قلب ضياء في أخمص قدميه وارتسمت الصدمة على وجهي دياب ومحمد الذي قال بلهفة:
-حادثة إيه!!! طيب هي كويسه؟
تلعثم الضابط وهو يقول:
-هنروح دلوقتي ونشوف الحاله…
ركبوا سيارة الشرطة وسرعان ما وصلوا لإحدى المستشفيات كانوا يتبعون الضابط داعين الله أن تكون بخير، وأثناء الطريق أتى الضابط اتصال وكان يرد باقتضاب وأخر كلمة قالها:
-أنا جاي مع أهلها دلوقتي…
دلفوا لطرقة المستشفى وبينما يسيرون جوار الضابط حاول انتقاء كلماته فلم يرد اخبارهم بالأمر دفعة واحدة، قال:
-بصوا يا جماعه هي حالتها كانت صعبه شويه.
توقف الضابط أمام قسم المشرحة وتنحنح باضطراب وهم يطالعونه بترقب، وينظرون نحو لافتة القسم، استأنف الضابط بنبرة خافتة:
-البقاء لله…دكت الصدمة قلوبهم وخارت قوى ضياء فسنده دياب يشد عضده، بينما قال محمد بصدمة:
-رغدة مـ ـاتت!
تنفس الضابط الصعداء وربت على كتف محمد قائلًا:
-ياريت تتماسكوا عشان تتعرفوا على الجثة لأنها مش حادثة عاديه دي جـ ـريمة قتـ ـل…
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية سدفة ) اسم الرواية