Ads by Google X

رواية في حي الزمالك الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم ايمان عادل

الصفحة الرئيسية

    


 رواية في حي الزمالك الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم ايمان عادل


الِاخْتِبَار النِّهَائِيَّ. 🦋✨🤎

“أنا مش بعمل حاجة غلط يا بابي.. كانت حياتي زمان كلها غلط لكن دلوقتي.. أنا بعمل الحاجة الوحيدة الصح في حياتي.” تحدث رحيم بنبرة هادئة لينظر نحوه والده وهو يفكر، ساد الصمت لبرهة بينما يدور في رأس والد رحيم أن نبرته بدت صادقة ورحيم ليس بالشخص المتهور على أي حال إذًا يجب عليه أن يصدقه وألا يقلق بشأن ذلك الأمر.

“ويا ترى مين بقى السبب في التغير ده كله؟” سأل والده بغتة لتضطرب معالم رحيم ويزدرد ما في فمه بصعوبة ثم يأخذ نفس عميق قبل أن يُجيب بإختصار:


“بنت كده..”

” أكيد حلوة مش كده؟” سأل والده لتتسع ابتسامة رحيم وهو يتذكر ملامح أفنان اللطيفة وغمازاتها الساحرة التي تظهر حين تبتسم وعيناها التي تختفي تقريبًا حينما تضحك بقوة، بدون وعي أجاب رحيم والده مُردفًا:

“زي القمر.”

“زي مامتك كده؟” سأل والده ليحمحم رحيم وهو لا يدري كيف يشرح لوالده الأمر لذا أخذ نفسًا آخر عميق قبل أن يقول:

“مامي ملامحها أوربية يا بابي، البنت دي ملامحها مصرية أصيلة.”

“أيه ده هي مصرية؟” سأل والده ببعض الإندهاش ليحك رحيم مؤخرة عنقه وهو يتمتم:

“اه..”

“بنت مين؟ قصدي مين عايلتها؟ أكيد عيلة كبيرة مش كده؟” سأل والده لتضطرب معالم رحيم وقد بدأ التوتر يتمكن منه إن والده يسأل أسئلة حرجة بالنسبة إليه في الوقت الحالي، لذا قرر رحيم أن يراوغ في إجابته ويقول:

“أنا متعاملتش معاهم شخصيًا لكني واثق من أخلاقهم وسُمعتهم، باين من تربيتهم لبنتهم.”

“طب وأنت أتعرفت عليها فين؟ وهتخلينا نشوفها أمتى؟”

“لما يجي الوقت المُناسب يا بابي مش حضرتك ومامي بس اللي هتشوفوها، الدنيا كلها هتشوفها.” أجاب رحيم والده بأعين لامعة وبنبرة تحمل في طياتها سعادة مخفية ليقهقه والده بنبرة رجولية وهو ينكز رحيم في كتفه بخفه مُردفًا:

“شكلك واخد الموضوع جد.”

“أنا طول عمري باخد كل حاجة في حياتي جد يا بابي وإن شاء الله كل حاجة هتمشي زي ما أنا حاطط في دماغي.” أومئ والده قبل أن يضمه برفق ثم يتجه نحو الخارج لتنتهي المُحادثة عند تلك النقطة ليزفر رحيم براحة أخيرًا وهو في داخله صراع، هل كان من الصواب أن يُخبر والده بما أخبره للتو أم كان عليه أن يتهرب من الإجابة تجنبًا للمتاعب؟ لم يجد إجابه على اسئلته تلك…

مرت عشرة أيام سريعًا وتبقى أقل من سبعة أيام على انتهاء التدريب وموعد الإختبار.. لم تشعر أفنان بمثل هذا التوتر من قبل أو ربما فعلت في اختبارات الثانوية العامة، لكن الآن يقع على عاتقها العديد من الأمور فهي تريد الفوز بالجائزة المادية من أجل والدها، تُريد أن تُثبت لذاتها أنها قادرة على خوض الصعاب بل والنجاح بذلك، كي لا تتعرض للسخرية من قِبل نوح، كي لا تشعر بالخزي تجاه ذاتها وأكبر ما يشغلها هو أنها لن ترى رحيم مجددًا بعد انتهاء التدريب..

“أفنان أنتي سمعاني؟”

“هاه؟ بتكلميني يا ميرال؟” سألت أفنان بشرود لتتنهد ميرال ثم تُعيد ما كانت تقوله مجددًا ولكن بإختصار هذه المرة مُردفة:

“كنت بقولك أن عمتو كلمت بابا إمبارح وقالتله أن الخطوبة اتأجلت أسبوعين.”



“طب كويس جدًا أهو نكون لحقنا نخلص الفساتين اللي بقالها سنه عند الخياط دي.” علقت أفنان وقد نمت على ثغرها ابتسامة ساخرة سرعان ما أختفت لتنظر نحوها ميرال بشك وهي تسألها:

“اه الحمدلله، أنتي مش في الموود خالص بقالك كام يوم، في حاجة حصلت أنا معرفهاش ولا أيه؟”

“موضوع التدريب والإمتحان ده شاغلني أوي.”

“يا بنتي أنتي كده كده هتعدي من الإمتحان ده وهتاخدي الشهادة، ليه شاغله دماغك للدرجة؟”

سألت ميرال لتصمت أفنان فلا إجابة لديها، فهي لا تُريد التحدث بخصوص الجائزة والتي لم تُخبر احدًا بشأنها قط فأفنان تعلم جيدًا أنها كلما تحمست لأمر ما في حياتها وبدأت في مشاركة الأمر مع من حولها مهما كانوا أناس طيبين فالأمر يبوء بالفشل في النهاية وهذا لا يعني أنها تعرضت للحسد أو شيء من هذا القبيل لكنها على إقتناع تام أن كثرة الحديث حول شيء لم يتحقق بعد يُفسده من قبل أن يحدث، لذا فلقد فضلت الصمت حتى ينتهي الأمر على خيرًا كما تتمنى.



“أدعيلي بس يا ميرال ربنا يوفقني ويهديلي الحال كده ويحققلي اللي في بالي وأنا هبقى فايقة كويسة إن شاء الله.”

“هدعيلك يا حبيبتي.”

في صباح اليوم التالي اتجهت أفنان للتدريب بوجه مُمتعض وقلبًا حزين، أخذت تتأمل كل رُكن من أركان الشركة أثناء صعودها لمكان التدريب المُعتاد.. من أكبر العيوب بشخصيتها كانت التعلق والإرتباط الشديد بالأشخاص والأماكن والآن عليها أن تُعاني من فراق هذا المكان والعودة إلى مباني الكلية العريقة الكئيبة وعليها أن تُعاني من فراقه هو ايضًا.. رحيم!

“صباح الخير.” همس رحيم من الخلف لكنها لم تُجيبه بل لم تسمعه من الأساس فلقد كانت مُستغرقة في تفكيرها العميق ليتحرك هو بحركة سريعة مُفاجئة فيُصبح أمامها مباشرةً لتشهق هي بفزع وتعود نحو الخلف خطوتين وهي تصيح وفي الوقت ذاته تضرب رحيم في وجهه بواسطة حقيبة الضهر خاصتها كردة فعل تلقائية:

“أيه ده يخربيتك أنت عبيط ولا أيه؟!”

“في أيه يا مجنونة أنتي؟!”

“رحيم؟!” تفوهت أفنان بصدمة حينما أدركت ما فعلته، فلقد فعلت ذلك دون تفكير لشعورها بعدم الراحة والصدمة، ومن فزعها لم تُدرك من الشخص الذي وقف أمامها فجأة، بل لم تهتم بتاتًا فلا يجب على أي شخصًا كان أن يقترب منها بأي حال من الأحوال.

“ايوا زفت رحيم!” أردف وهو يضع يده على وجهه بآلم لتضع أفنان يدها على فمها بصدمة قبل أن تُعلق على حديثه بنبرة مُوبخة:

“متعملش كده تاني بقى عشان المرة الجايه مش هتبقى خبطة بالشنطة لا ده أنا هكسرلك صف سنانك التحتاني يا قمور ماشي؟!”

“أنا عملت أيه يا بنت أنتي؟ وبعدين قمور أيه بقى وأنتي بتضربيني؟!!!” سألها بحنق وبنبرة جادة بينما مازال يُدلك المنطقة المُصابة في وجهه بواسطة يده.

“جيت وقفت قدامي فجاءة وواقف قريب مني وبتسألني عملت أيه؟ أيه البجاحة دي يا أخي؟!”

“أنا أسف أنا مخدتش بالي مكنتش مركز! وبعدين عرفيني أنك اتضايقتي اتخانقي معايا قوليلي مش مرتاحو لكن مش تكسرلي وشي!”

“متأفورش يا رحيم مكنتش خبطة بالشنطة يعني اللي عمال تنوح عليها دي.” أردفت أفنان بلا مُبالاة لينظر نحوها رحيم بإمتعاض بطرف عيناه بنظره حارقة لتحمحم ثم تقول:

“هي أينعم الشنطة فيها الكتب وملازم وبوك الفلوس وأزازة مياه وأزازه سبراي وكيس أوريو بس برضوا مضربتكش بالنار يعني، وبعدين ما هو أنت اللي بتعمل حاجات غريبة!” نظر نحوها رحيم طويلًا وفتح ثغره ليتكلم وكان من الواضح أنه ينوي توبيخها لكنه أغلق فمه وهو يزفر بضيق قبل أن يتفوه بالآتي:

“أنتي عندك حق أنا أسف، صدقيني أنا بحاول طول الوقت أني اتجنب الحاجات اللي ممكن تضايقك أو الحاجات الغير مقبولة والغلط بس ده كان رد فعل تلقائي مني لما كلمتك ومردتيش، مش هكرر الموضوع ده تاني وهاخد بالي بعد كده من المسافات.”

“بعد كده؟ مفيش بعد كده خلاص ما التدريب هيخلص بقى.” علقت أفنان بنبرة مازحة مشوبه بُحزن مخفي ليُعلق رحيم على الفور قائلًا:

“لا هيبقى في إن شاء الله ملكيش دعوة أنتي.”

“المهم أنت بتقول كلمتني؟ كلمتني أمتى؟” حاولت أفنان تغير الموضوع ليتنهد وهو مازال يتفحص وجهه بيده قائلًا:

“لسه من كام دقيقة كنت بقولك صباح الخير.”

“معلش أنا كنت سرحانة مش مركزة.”

“ولا حتى شميتي ريحة ال perfume بتاعتي؟” سألها وهو يرفع أحدى حاجبيه بإستغراب.

“ما هي دي اللي سطلتني غالبًا.” همست أفنان مُحدثة نفسها بسخرية لينظر نحوها بتعابير وجه مُتسائلة لتُردف:

“لا لا مفيش متركزش معايا، يلا روح ألعب بعيد بقى هنرش مياه.”

“هترشي مياه ليه؟”

“لا رحيم مش طالبه عالصبح!”

“ماشي يا ستي أنا أسف، اتفضلي عالقاعة بقى.” أومئت بحسنًا وكان هو يتقدمني لكنه توقف حينما صدح صوت رنين هاتفه في المكان، نظر إلى الهاتف طويلًا وقد قضب حاجبيه بالكاد استطاعت أفنان النظر إلى هاتفه والذي أظهر أن المُتصل هو رقم خاص أي لا تظهر أرقامه.

“ألو.. ohh Hello ‘مرحبًا’.” همس رحيم وجاءه الرد من الجانب الآخر لتتوتر معالم وجهه، يضغط على فكه السفلي بقوة حتى برزت عظام وجهه بينما يحك ذقنه بيُمناه ويحمل الهاتف في يُسراه، لم تستطع أفنان فهم ما يجري لكنها انتقل إليها شعور رحيم بالتوتر وعدم الراحة..

أقتربت أفنان نحو الأمام قليلًا وهي تسير في طريقها الطبيعي نحو القاعة لكن لا ننكر أنها فعلت ذلك كمحاولة بائسة منها لسماع صوت المُتحدث فقط لتعلم إن كان رجل أم امرأة، وبالفعل استطاعت فعل ذلك فلقد سمعت صوت أنثوي رقيق لكنها لم تستطيع تفسير ما يُقال، على الفور تغيرت معالم وجهها إلى الإستياء ولم يكن هناك سبب منطقي لذلك.. اتجهت نحو الداخل لتجد ثلاثة تقريبًا فقط يجلسون في الداخل كانوا ثلاثتهم يتحدثون وحينما دلفت أفنان نحو الداخل عم صمت، لم تهتم أفنان كثيرًا بالأمر وذهبت لتجلس في مكان بعيدًا عنهم فثرثرتهم هو آخر ما يشغلها في الوقت الحالي.

مر ذلك اليوم ببطء شديد لم ترى أفنان رحيم مجددًا في ذلك اليوم فلقد قام نوح بشرح الجزء النظري وشخصًا آخر تكفل بالجزء العملي لكن رحيم لم يكن له أثر مما تسبب في مُضاعفة غضب وإستياء أفنان فأولًا يتحدث لفتاة ما في الهاتف ولغة جسده المتوترة والمُضطربة تلك كانت توحي بأنها ليست كأي فتاة، ثانيًا لأنه قرر الإختفاء في يوم من أيامهم الأخيرة سويًا.

في صباح اليوم التالي استيقظت أفنان على سالة اعتذار من رحيم عن اختفاءه المفاجئ لكنها لم تتأثر كثيرًا فلقد سئمت من اختفاءه ورحيله دون مقدمات ثم العودة والإعتذار إنها المرة الثالثة أو الرابعة في خلال شهرين منذ أن تعرفت هي ورحيم لذا قررت أن تُجيب عليه ببرود عله يتذوق قليلًا من السوء الذي يُشعرها به.

“عادي ولا يهمك أنا مخدتش بالي أصلًا، عالعموم أنا هقفل نت عشان هذاكر للإمتحان.. سلام.” قرأ رحيم الرسالة وهو يتأفف بحنق لينظر نحوه أنس بإستنكار ثم يُردف:

“يا ابني هو أنت بتيجي البيت عندي هنا تكتئب وتقرفني؟ حصل أيه غير المكالمة النيلة اللي جاتلك امبارح دي.”

“كالعادة أفنان زعلت عشان اختفيت فجاءة.” شرح رحيم ما حدث بإختصار لتتسع أعين أنس ويذم شفتيه ثم يسأله بعدم رضا قائلًا:

“أفنان تاني؟ مش دي اللي نفضتلك وخرجت مع نوح، هو أنت أيه؟ نو كرامة خالص.”

“ايوا صح صح أنت فكرتني براڤو عليك.. قولي بقى يا أنس أنت كنت مع مين لما شوفت أفنان اليوم ده؟”

“كنت مع مين أيه؟ كنت لوحدي طبعًا.”

“كنت لوحدك طبعًا… أنت هتصيع عليا يا أنس؟! أنت فاكرني مختوم على قفايا؟” كان عين رحيم تُطلق الشرار في تلك اللحظة وكأن يعرف أنس أنه قد قُضي عليه بلا شك لكنه قرر أن يسخر من حديث رحيم فهو غاضب على أي حال.

“ألفاظك بقت سوقية جدًا من كتر كلامك مع اللي اسمها أفنان دي.”

“يعني مش من كتر القاعدة معاك؟ تؤ تؤ من كتر كلامي مع أفنان.”

“كنت مع مونيكا وأنا ومونيكا بنحب بعض وهنتجوز أنت سامعني! ومحدش هيقدر يمنعنا!” صاح أنس بنبرة درامية وهو يستقيم من مقعده ويضم يديه لصدره لينظر نحوه رحيم بسخرية ثم يسأله بخُبث:

“هتتجوزوا؟”

“أنا ومونيكا بنحب بعض ومش هنتجوز ومحدش هيقدر يمنعنا.”

“ايوا كده اضبط، أنت بتلعب واللعب آخرته وحشة وأنا اتكلمت معاك مية مرة وأنت اللي في دماغك في دماغك متزعلش بقى من اللي هيحصل.”

“خليك في حالك مش هزعل ولا حاجة، المهم ناوي تعمل أيه؟”

“في أيه؟”

“متستهبلش!”

“أنا مش عايز أشغل بالي بأي حاجة ولا أي حد دلوقتي غير أفنان وبعد التدريب هشوف هعمل أيه.”

“ما بلاش يا رحيم.”

“بلاش أيه بالضبط؟” سأل رحيم ببلاهة مقصودة لتتحول نبرة أنس إلى نبرة جادة قليلًا وهو شيء نادر الحدوث ناصحًا رحيم بالآتي:

“بلاش موضوع الحب بقى والهيام والجو ده.. آخرته وحشة صدقني.”

“أفنان مش زي أي حد وموضوع أفنان غير أي موضوع.”

“تاني يا ذكي؟ تاني؟ أنت مفيش فايدة فيك؟”

“لما يبقى في فايدة فيك يبقى في فايدة فيا وسيبني بقى اقعد اكمل شغل عشان بعمل الإمتحان.”

“اه صحيح أنت هتعملهم لجنة مراقبة بقى والهبل ده؟”

“اه طبعًا وهشرف عليهم بنفسي ومعايا الكائن اللي اسمه نوح ده وتلاتة دكاترة كمان.” كان يشرب أنس الماء في تلك اللحظة فسعل فجاءة حينما سمع ما يقوله رحيم ثم سأله بإستنكار:

“ليه يا ابني هما جواسيس ولا أيه؟ وبعدين أشمعنا أنا مش هقف معاكوا؟”

“عشان عارفك هتغششهم وأنا عايز كل واحد يحل بمجهوده.”

“طبعًا عشان القطة بتاعتك هي اللي تقفل وتاخد المكافأة.”

“لا أفنان شاطرة وبتحل بنفسها ومسمهاش قطة يا بني آدم أنت، وبعدين كده كده الإمتحان نماذج.” علق رحيم وهو يقذف رحيم بالوسادة التي بجانبه لإستخدامه لفظه ‘قطة’ إشارة إلى أفنان مجددًا.

“ده ولا امتحانات الثانوية العامة اللي أنت عامله ده!”

في صباح يوم الإختبار استيقظت أفنان بآلم شديد في الرأس فهي لم تحظى سوى بثلاث ساعات من النوم تقريبًا لأنها قضت الليل كاملًا في مُراجعة واستذكار المعلومات.. ةقفت أفنان أمام خزانة ملابسها هي وميرال لعشرة دقائق تقريبًا تتأمل ثيابها هي وميرال لينتهي بها الأمر وهي تذفر بضيق ثم تهمس:

“يووه! مش لاقيه حاجة ألبسها.”

“خلاص عرفت!!” همست بها بسعادة شديدة وقد وجدت ضالتها اخيرًا.

“أيه ده الجميل لسه منزلش الشغل.” همست بها أفنان فور مُغادرتها لحجرتها وقد بدلت ثيابها، وجدت والدها يجلس على طاولة الطعام وقد وُضع أمامه طعام الفطور.

“أمك ياستي أصرت أفطر معاكوا قبل ما انزل.”

“بألف هنا وشفا يا حبيبي.” أردفت بلطف وهي تضم والدها من الخلف ليقطع المشهد اللطيف صوت والدتها وهي تسألها:

“مش هتقعدي تفطري؟”

“لا مستعجلة عندي امتحان وأنتي عارفاني مبعرفش أكل قبل الإمتحان.”

“ربنا معاكي يا حبيبتي ويسهلك كل صعب، ركزي كده وقولي بسم الله لما تبدأي إجابة وإن شاء الله ربنا هيكرمك وتطلعي الأولى كمان.” علق والدهل لتنظر نحوه أفنان بإمتنان وحب لتقترب منه وتُقبل رأسه وهي تهمس:

“حبيبي يا بابا ربنا يخليك ليا.”

“نفسي اسمعك مرة بتقولي حبيبتي يا ماما.” تمتمت والدتها وهي تضع صحن الفول المُدمس على الطاولة لتتجه نحوها أفنان وتُقبل وجنتها وهي تقول:

“يا ماما يا حبيبتي أنتي حبك جوايا من غير ما أقول.”

“لا أنا عايزاكي تسمعيني ياختي.”

“من عنيا يا ماما، أنا هنزل بقى عشان متأخرش، دعواتكوا.” صاحت أفنان بالكلمات الآتية وهي تأخذ قطعة من الخيار وتأكلها وهي تفتح باب الشقة وتتجه نحو الخارج.

“اه صحيح نوح هيقابلني في نص السكة يوصلني في طريقه للشركة.”

“طيب خدي بالك من نفسك.”

هرولت أفنان خارج العمارة بعد أن ودعت والديها، مشاعر مُتضاربة عصفت بها في ذلك الوقت فهي تشعر بالتوتر من الإمتحان، مازالت تشعر ببعض التحسس تجاه التحدث إلى نوح، تخشى فقدان المكافئة المالية والتي بَنت عليها الكثير من الأهداف واخيرًا تشعر بقلبها يُعتصر لمجرد التفكير في أن رحيم بين ساعة وآخرى سيصبح مُجرد ذكرة لطيفة داخل عقلها..

“ذاكرتي كويس ولا هتكسفينا؟”

“عيب عليك يابا على الله أنت بس متكسفناش وتعرف تخلص الماجيستير بتاعك على خير.” ردت أفنان الصفعة صفعتين عليه لينظر نحوها بطرف عيناه بغيظ شديد.

“طيب أنا هسيبك بقى وهطلع فوق عشان محتاج اضبط كام حاجة كده في الإدارة وبعدين اروح للي اسمه رحيم ده عشان اشوف الإمتحان.”

“قشطة ماشي.”

صعدت أفنان إلى الطابق المُعتاد وبمجرد أن فعلت أقتحمت أنفها عِطر رحيم المُميز والذي لا يضع غيره تقريبًا، كان يقف بشموخ يرتدي بذلة رسمية سوداء اللون وهو يُمسك في يده ظرف باللون الرمادي وقد وُضع عليه شعار الشركة واسمها RHEB، أقتربت أفنان من البقعة حيث يقف وفي تلك اللحظة قد غادر الشخص الذي يتحدث إليه رحيم فألتفت هو نحوها ليراها..

ليرى تلك الفتاة التي ظهرت في حياته من اللامكان منذ مُدة ليس بطويلة ولكنها استطاعت أن تؤثر عليه بشكلًا كبير، ابتسم رحيم ابتسامة واسعة وقد لمعت عيناه حينما أدرك أن أفنان ترتدي نفس الثوب الذي ارتدته في أول مرة رأها لكن ما لم تعرفه هي أن في كل مرة يراها ينبهر بها كأول مرة، ذلك اللون بلون ‘الكافية’ ولون الوشاح الذي يميل إلى الدرجة ذاتها لكن أفتح قليلًا، تلك الحُفر في وجنتيها التي تظهر حينما تبتسم وتلك البشرة الشاحبة والحبوب المُحمرة التي اتخذت أماكن متفرقة في وجهها لكنها لم تزدها إلى جمالًا في عينيه فجمالها هو الجمال الحقيقي وهو ألا تكون كاملة في كل شيء كالدمى البلاستيكية، فعيوبها البشرية هي أجمل ما يُميزها، أقتربت منه أفنان قليلًا ليسألها بنبرته الهادئة المُعتادة:

“مُستعدة للإمتحان؟”

“عيب عليك، I was born ready ‘تعبير معناه لقد وُلدت مُستعدة’.” ابتسم رحيم ابتسامة واسعة حينما سمع جُملتها تلك فلقد أصبحت طريقتها تُشبه خاصته لكن ما لم يُدركه هو أنه أيضًا قد تأثر بطريقتها في الحديث.

“أنا واثق فيكي.” كانت أفنان قادرة من الناحية الذهنية على إجتياز الإختبار لكن بعد سماعها لتلك الجملة أصبحت قادرة على إجتياز الإختبار، التحليق في السماء ورفع المبنى بأكمله بذراعًا واحد فقط بعد سماعها لتلك العبارة المُشجعة، ابتسمت له أفنان بتوتر وإمتنان وأكتفى هو بإبتسامة جانبية صغيرة قبل أن تتحول تعابير وجهه للجادة وهو يتجه نحو قاعة الإمتحانات ويعود إلى تنظيم أماكن جلوس الطلاب.

لم يطلب رحيم من أفنان الجلوس بالصف الأول بمحض الصدفة بل فعل ذلك عن قصد وهذا لعدة أسباب من أهمها ألا يظن أحد أنه قد أجلسها في المؤخرة كي يتسنى لها الغش أو شيئًا من هذا القبيل، ايضًا حتى لا يشوش عليها أحدهم أو يطلب منها أن تقوم بمساعدته في الحل واخيرًا حتى تكون أمام عيناه مباشرةً.

“طيب يا شباب كل واحد هيبقى معاه Model ‘نموذج’ مُختلف عن التاني فياريت محدش يحاول ي.. ي..” تلعثم رحيم وهو يحاول أن يتذكر الكلمة التي يقصدها لترفع أفنان رأسها وتنظر نحوه وهي تهمس إليه:

“يغش.” كان صوتها منخفضًا فلم يسمعها لكن استطاع أن يقرأ شفتيها.

“زي ما كنت بقول مش عايز حد يحاول يغش أظن كلكوا كنتوا بتحضروا وكلكوا شاطرين أصلًا وهتعرفوا تحلوا الإختبار ده لكن في كل نموذج في سؤالين أو تلاتة هما دول اللي هيميزوا الناس عن بعض وكده كده كلكوا تقريبًا هتاخدوا ال Certificate ‘شهادة’ فا Don’t worryy ‘لا تقلقوا’ يعني.” أنهى رحيم حديثه ثم أشار للمُدربين بجواره بأن يبدأو في توزيع الأوراق ليفعلوا ويفعل هو المثل ويبدأ اولًا بمنح أفنان ورقتها.

“الإمتحان مدته 90 minutes ‘تسعون دقيقة’ Good luck ‘حظًا موفق’ يا شباب.” أضاف رحيم حينما انتهى من توزيع الأوراق، تفتح أفنان قلمها وقبل أن تنظر نحو الورقة بدأت تقرأ قصار السور التي حفظتها ثم بسملت قبل أن تبدأ في كتابة بياناتها ثم بدأت تُجيب عن الأسئلة واحدًا تلو الآخر.

كان يتابع رحيم تعبيرات وجه أفنان أثناء إجابة الأسئلة، فتارة تنظر إلى السؤال بتعابير وجه متوترة تتحول إلى الفرح حينما تتذكر الإجابة، تارة آخرى تتحدث إلى نفسها أو إلى السؤال، ازدادت مراقبته لهاحينما وصلت إلى الثلاثة أسئلة المنشودين وفي تلك اللحظة ازداد تركيز أفنان ووضعت أحدى قدميها فوق الآخرى وبمجرد أن رأى رحيم جلستها ضحك بصوتًا خافت لكنها استطاعت سماعه لأنه المسافة بينهم قليلة لتنظر نحوه بحده وهي تسأله:

“في حاجة؟” نظر نحوها بتعابير وجه جادة وهو يخفي ضحكته ثم يُردف بصرامة:

“مفيش بصي في ورقتك يا دكتورة.”

“ماشي يا ابن ال… بكري.” همست لكنه استطاع سماعها ليُدير وجهه بعيدًا عن أعينها وأعين الطلاب ويضحك بصوتًا مكتوم.

“أنت يا دكتور! لو بصيت جنبك تاني هسحب ورقتك وهعتبرك ممتحنتش!” صاح نوح الذي أقتحم المكان من اللامكان لينتفض الجميع ثم يلتفتون نحوه، وضع رحيم يده على أذنه كرد فعل تلقائي على الضوضاء التي تسبب فيها نوح.

“أيه ده في أيه؟” سأل رحيم بضيق لينظر نحوه نوح ببرود ثم يقول:

“مفيش يا دكتور رحيم الولد اللي ورا ده كان بيبص في ورقة اللي جنبه.”

“طيب ماشي أتعامل مع الموقف براحة.” أردف رحيم بنبرة هادئة حتى لا يتسبب في إحراج نوح الذي لم يهتم لمكانة رحيم في الشركة وعلق على حديثه بهجوم قائلًا:

“والله يا دكتور رحيم أنا أدرى.” نظر نحوه رحيم بحده وهو يضم قبضة يده فيُحمحم نوح وقد أدرك الخطاء الذي أقترفه لذا عدل من حديثه ونبرته على الفور مُضيفًا:

“قصدي بحُكم شغلي في الكلية يعني، وعمتًا أنا بعتذر لو شوشت على الدكاترة.” لم تتغير تعابير وجه رحيم المُمتعضة لذا قررت أفنان أن تحاول إلهاء رحيم لذا أشارت إليه وهي تتفوه بالآتي:

“دكتور رحيم ممكن سؤال بعد إذنك؟”

“في حاجة مش واضحة في الورقة؟”

“اه.” أجابت أفنان ليقترب رحيم منها ويدنو بالقرب من الورقة وهو ينظر إلى الأسئلة لكنه لم يجد شيئًا مجهول لتهمس هي له على الفور:

“حقك عليا أنا هو نوح عيل غتت أصلًا.” ابتسم رحيم ابتسامة جانبية ثم قرأ أحد الأسئلة العشوائية ثم أردف:

“السؤال واضح يا دكتورة، ركزي كده وهتعرفي تجاوبي إن شاء الله.”

“سلااامو عليكوا! أيه يا دكاترة الكلام على أيه؟!” صاح أنس فجاءة وهو يدفع باب قاعة الإمتحان بقوة لتتسع أعين رحيم وهو يصفع وجهه بيده قبل أن يتجه نحو أنس ويسحبه نحو الخارج ثم يدفعه نحو الحائط بعيدًا عن باب القاعة وهو يوبخه بإمتعاض:

“أيه يا حيوان أنت داخل غُرزة ولا أيه؟!”

“أيه ده يا ابن اللذينة أنت عارف الغُرزة؟ أنت اتطورت أوي يا رحيم.” تحدث أنس بنبرة غير مُتزنة تخللتها ضحكات عشوائية متقطعة.

“أنت بتستعبط يا أنس؟! أنت داخل قاعة الإمتحان بتهزر وازاي بتتكلم كده اصلًا أنت اتجننت ولا أيه؟”

“أنا عملت أيه يا أبيه رحيم؟”

“أبيه رحيم؟ أنس هو أنت…ثواني كده…”

“أنس Are you freaking kidding me!! ‘ واللعنة هل تمزح معي’ أنت جاي الشغل شارب!”

“أنا مش شارب يا رحيم!” صاح به أنس ليرد عليه رحيم بنبرة عنيفة موبخة وهو يدفعه بقوة نحو الحائط مجددًا وهو يُردف:

“لا متنيل شارب وريحتك باينة! أنا مش عارف أنت بتعمل في نفسك كده ليه بجد؟ ليه يا بني آدم أنت فاهمني؟!”

“في أيه يا رحيم؟ أنت مكبر الموضوع أوي على فكرة!”

“بس Shut up ‘أخرس’ تعالى معايا كفاية فضايح.” قال رحيم من بين أسنانه وهو يضع يده على فم أنس الذي كان يضحك بهستريا بينما غلفت عيناه طبقة بلورية شفافه، أجل إنه على وشك البكاء، جذبه رحيم من ذراعه حتى نهاية الممر حيث يقبع مكتب رحيم، فتح رحيم الباب ودفع أنس نحو الداخل ثم عاد خطوتين نحو الباب ونظر نحو الخارج ليتأكد من عدم رؤية أحد لما حدث قبل قليل ثم دلف للداخل مجددًا ليرى أنس قد تمدد على الأريكة البيضاء دون أن يخلع حذائة.

“أنت مش متخيل يا أنس أنا هعمل فيك أيه لما تفوق بجد!”

“هتعمل أيه؟” سأله أنس بنبرة ساخرة وهو يغمز بأحدى عينيه ليتقدم رحيم منه ويسحبه من ثيابه بقوة بحيث جعل أنس يعتدل في جلسته وهو يسأله بنبرة جادة:

“مالك يا أنس؟ فهمني أيه اللي حصل؟ حصل أيه وصلك للحالة دي؟!” كانت نبرة رحيم أقرب إلى الصياح منها إلى الهادئة ولقد نجحت نبرته تلك في إعادة التركيز ولو بنسبة ضئيلة إلى أنس الذي نظر نحو رحيم بزوجًا من العيون السوداء المُغرورقة بالدموع وهو يُفصح أخيرًا عن ما حدث مُتحدثًا بنبرة مُنكسرة أشبه بالهمس:

“عايزين يفصلوا الأجهزة عن أروى…”

يتبع..


google-playkhamsatmostaqltradent