رواية التل الفصل الثاني والعشرون 22 - بقلم رانيا الخولي
رواية الـتـل
رانيا الخولي
الفصل الثاني والعشرين
…..………...
ترجلت من السيارة وهي تخفي وجهها الذي برغم سنها الذي تعدى عقدها الخمسين إلا إنها مازالت بجمالها الهادئ وعيونها الزيتونية.
تقدمت من المنزل وقلبها يرفرف بأجنحته ولما لا وأخيرًا يمكنها رؤية أولادها عن كثب.
دلفت المنزل وعينيها تجوب المكان برهبة حتى صادفت أم نعمة تلك المرأة الطيبة والتي اوصتها على أولادها قبل رحيلها
لم تعرفها أم نعمة فقد أخبرها عامر بأنها قريبة لهم تود حضور الزفاف فقالت بترحيب
_ أهلًا يا ست هانم اتفضلي.
ردت كندا بلهجتها اللبنانية
_ كيفك أم نعمة والله اشتقتلك.
نظرت إليها أم نعمة بصدمة ولم تستطيع الرد
رفعت كندا نقابها كي تؤكد لها
_ شو بك ما تذكرتيني؟
ابتسمت بسعادة وهمت بالترحيب بها لكنها تراجعت وتلفتت حولها بوجل ثم جذبتها لأحدى الغرف واغلقت الباب خلفها
تطلعت إليها بسعادة
_ ست كندا حمد لله على السلامة.
ابتسمت بامتنان لشعورها الجميل
_ الله يسلمك ام نعمة اشتقتلك أكتير.
_ واني كمان وربنا شاهد بدعيلك في كل وجت بچمعك بولادك
تنهدت كندا بألم
_ وينهم ولادي؟ ما حدا منهم بيعرفني ولا حتى سأل عليْ، أخدوا قسوة چدهم.
نفت ام نعمة
_ محدش منيهم نسيكي بس هما كاتمين حبهم ليكي چواتهم وأكتر ست ياسمين
ارتبكت ام نعمة وتمتمت بقلق
_ بس انتي مش خايفة حد يشوفك ويبلغ حسان بيه
_ ما تقلقي بنوب ما حدا راح يعرفني، أنا چاية كرمال أشوف أولادي واشاركهم فرحتهم لأول مرة.
_ المشكلة أن فايز بيه ومرته موچودين وممكن يعرفوكي من صوتك.
ربتت على ذراعها
_ قلتلك ما تقلقي راح تمر بخير، انت راح تقدميني على إني قريبتك وخلص راح يمشي الحال.
استسلمت ام نعمة رغم قلقها عليها
وذهبت معها حتى وصلت إلى مكان قريب من جواد
كان لرؤيته بتلك السعادة مفعول السحر عليها
وتناست خوفها وكل شيء ولا تذكر شيء سوى فرحته.
أخذت تنظر إليه من بعيد وهو ينظر إلى زوجته بسعادة كبيرة
الآن اطمئن قلبها وتستطيع الرحيل بعد أن ارتاح قلبها وهدئت نيرانه.
نظرت إلى ياسمين النسخة المصغرة منها بعيونها الزيتونية ووجها الهادئ
حزنت على حاله وما أوصله له ذلك الرجل الذي قضى على أولادها.
ابتعد عامر عن المكان بعد أن اشار لها بالمجيء خلفه
كانت تود في تلك اللحظة ضرب تعقلها عرض الحائط والذهاب لأولادها وتنعم معهم بتلك السعادة لكنها ستسمعه تلك المرة وستكون الأخيرة
ذهبت خلفه حتى وصل بها إلى مكان منعزل ونظر إليها بامتعاض من تهورها وقال معنفًا
_ انتي ازاي تتهوري وتاچي لحالك إكدة وكمان انتي بعملتك دي ممكن تدمري كل حاچة
ضاق بها ذرعاً ولم تعد تستطيع التحمل أكثر من ذلك وقالت بانفعال
_ بيكفي عامر بيكفي ما فيني اتحمل أكتر من هيك، ما فيني اضل صابرة وسنة ورى سنة بعيدة عن ولادي وكل مرة تقولي هانت خلص ما بقا عندي طاقة لكل ها الضغوط انا بدي ولادي. تنهد عامر بيأس ثم تحدث بجدية _ بس ده مش وجته، لو ابنك عرف إنك چيتي هتضيعي فرحته لأنه شايفك الأم اللي سابته واتخلت عنه.
_ مو حقيقي وانت بتعرف هيك شي، بيك اللي هددني بالفضيحة وأنه هيسفر ولادي في مدرسة خاصة وما راح اعرف وين طريقهم، ما ترك شي إلا وهددني بيه، ولما سجن خيي في تهمة باطلة كان لازم انسحب، لازم ابني يعرف هيك شي وإني ما تخليت عنهم…
____________
ارتبك مراد عندما وجدها أمامه وحمحم قائلاً
_ نور فاقت ولا لسة.
لاحظ نظرات العتاب التي تخفيها داخل عينيها وردت بثبوت
_ لسة أنا جاية اقولك إن جسمها سخن أوي.
لم يستطيع اخفاء لهفته عليها وتركها واسرع داخل الغرفة يطمئن عليها
تحسس جبينها فوجد حرارتها بالفعل مرتفعة
ازداد قلقه وذهب إلى مكتبه يبحث عن ادواته ثم عاد إليها ليقوم بفحصها وبالفعل وجد حرارتها مرتفعة
بدأ حقنها بخافض للحرارة وبعض الأدية الأخرى داخل المحلول
فهي تبدو أمامه حمة نفاس
كانت سلمى تنظر إلى لهفته وأهتمامه بحيرة
فهي لم تراه يومًا قلقًا بهذا الحد حتى اثناء عمليتها لم ترى بعينيه تلك النظرات
نعم لم يتركها لحظة واحدة ولم يتخلى عنها لكن كأنه واجب وعليه الألتزام به
نظر في ساعته وقال لسلمى بهدوء
_ اني هتصل على مؤيد وتروحي معاه
همت بالرفض لكنه منعها
_ وجودك ملوش عازة دلوجت روحي وطمني أمي وخليكي چانبها.
شعرت بأنه يريد أن يكون معها لحالهم فوافقت على مضد وعادت مع مؤيد
أما هو فقد ظل بجوارها لا يفارقها لحظة واحدة.
حرارتها مازالت مرتفعة وهو يجاهد بكل الطرق كي تنخفض لكن لا فائدة
سمع همهمات تخرج منها
نهض مقتربًا منها ويحدثها بشغف
_ نور انتي سمعاني؟
لم تجيب
عاد يجس حرارتها فيجدها كما هي
ووجهها يتصبب عرقًا
ضغط على زر بجانب الفراش فدخلت بعد لحظات الممرضة تسأله
_ نعم يا دكتور؟
_ هاتيلي كمادات مايه بسرعة.
_ حاضر.
خرجت الممرضة وأضاف بعض الأدوية في المحلول ربما تخفف الحرارة ولو قليلاً
جاءت بعد قليل وهي تحمل وعاء به ماء ومعها محرمة ووضعتهم على المنضدة
_ حاجة تاني يا دكتور؟
_ لا متشكر اتفضلي انتي.
جلس مراد على السرير بجوارها ثم مسح العرق عن وجهها والذي لفت انتباهه بهذا القرب
ملامح هادئة جميلة لكن تتحول لشراسة عندما تنفعل
ثغرها الذي لم تعرف الابتسامة طريقًا له
انفها الذي يحكي عن شموخ وحدة
خصلاتها السوداء كسواد ليل عينيها
بشرتها ناصعة البياض وطابع الحسن الذي زادها جمالاً
لما ألقاها القدر أمامه؟
وأي لعنة سقطت عليه؟
عادت تهمهم بكلمات غير مفهومة وكأنها تشكو لمنامها ما مرت به.
امسك يدها يطمئنها ويخبرها بأنها لن تكون وحيدة بعد الآن.
دقات قلبها أصبحت رتيبة خلاف قلبه الذي بات معلنًا عن غزو لن تفلح قوته الواهنة في التصدى له، وكيف يجابه وهو اعزل ولم يخوض مثل تلك الحرب من قبل
وحده ذلك العقل الذي كان فارسه القوي ولكنه أصبح هزيل كورقة في مهب ريح أمام سطوتها.
الآن فقط يستطيع أن يعلنها ولن يخفيها بعد الآن.
____________
انتبهت توليب لشروده وعينيه التي تنظر للأمام كأنه ينتظر احد ما
_ جواد انت روحت فين؟
انتبه جواد لها
_ ها، معاكي يا قلبي كنتي بتقولي ايه؟
رمقته بغيظ وغمغمت بتوعد
_ هو احنا بدأنا زوغان من اولها؟
ابتسم جواد وتطلع لعينيها التي يعشقها وغمغم بمكر
_ أزوغ مين دا اني ما صدجت ولسة لما نطلع اوضتنا هأكدلك أكتر، بس جوليلي أني جولتلك إنك طالعة كيف الجمر؟
هزت راسها بنفي فيتمتم هو بخبث
_ غلطان ولازمن اكفر عن ذنبي واجولهالك بالبصمة بس لما نطلع.
زمت فمها بحنق وهمت بتعنيفه لكنه منعها بتحذير مرح
_ اوعاكي لأنك لسة مشوفتيش عقابي بيبطى جاسي جوي مهتجدريش عليه.
تطلعت إليه بحيرة وسألته
_ هو انت ليه تفكيرك منحرف كدة؟
_ وانتي ليه بتفهمي كلامي بانحراف إكدة؟ اومال فين حسن النية؟
اغمضت عينيها بيأس منه ثم غمغمت بتوعد
_ بس لما نطلع فوق….
قاطعها جواد بمكر
_ هتعملي ايه؟ ولا اقولك بلاش تقولي فاجئيني أحسن.
تنهدت توليب وقررت الصمت كي لا تسمح له بالتمادي.
انتهى الحفل ونهض جواد بعروسه ودلف بها للداخل ثم نظر لإلين وياسمين قائلاً
_ طلعوها اوضتها وخليكم معها أنا چاي دلوجت
اندهشت توليب وسألته
_ هتروح فين؟
ابتسم لها يطمئنها
_ اطمني أني چاي دلوجت
لم تفهم شيء وأخذت تنظر إليه حتى دلف احدى الغرفة وأغلق الباب خلفه
أخرج جواد الهاتف من سترته وقام بالاتصال على أحد الأرقام وعندما آتاه الرد قال بدون مقدمات
_ الست المنتقبة اللي ظهرت دي واختفت مرة واحدة مين هي؟
_ هي ركبت تاكسي دلوجت وطالعة من المزرعة.
_ اطلع وراها بالعربية وشوفها رايحة فين.
_ حاضر يا بيه.
أغلق الهاتف وزم فمه بحيرة
من هذه المرأة
ولما تسللت خلف والده وأختفى الاثنان
فتح الباب ودلف والده الذي اندهش من وجود جواد وسأله بحيرة
_ جواد! انت بتعمل ايه أهنه وسايب عروستك.
تطلع إليه جواد بوجوم قليلًا ثم رد بثبوت
_ كان عندي مكالمة مهمة وكنت مستني اخلصها.
قطب جبينه بحيرة وسأله
_ مكالمة ايه اللي أهم من مرتك، روحلها بلاش تسيبها لوحدها.
هز جواد رأسه بنفس الوجوم ثم تركه وصعد لزوجته.
في الغرفة له
ساعدت إلين وياسمين توليب بخلع الكاب تحت امتعاضها وقالت بحدة
_ انا مش عارفة انتو عايزيني اقلعه ليه؟
نظرت إليها ياسمين بإعجاب
_ لأن الفستان جميل اوي والكاب مداريه وبعدين انتي خلاص بجيتي في اوضتك.
ايدت فايقة رأي ياسمين
_ صحيح يا بنتي انتي في اوضتك والليلة فرحك بلاش تجيدي نفسك إكدة وعيشي اللحظة.
تحول حديثها لرجاء
_ وارجوكي خلي بالك من جواد واوعاكي تجرحية بكلمة حتى لو مش مجصودة لأنه حساس جوي.
ابتسمت توليب وقالت بتأكيد
_ عمري ما هزعله ولأن ببساطة جواد بقى كل حياتي.
طرق جواد الغرفة فخرجت إليه ياسمين تلاها إلين وزوجة عمه التي باركت له بصدق
_ الف مبروك يا ولدي، مرتك زي الجمر.
اومأ لها بامتنان ثم جاءت ياسمين تحتضنه بحب وتمتمت
_ الف مبروك يا حبيبي.
_ الله يبارك فيكي يا ياسمينا
ابتعدت عنه وهي تقول بمكر
_ اقنعتها بمعجزة ربنا يعينك عليها.
خرجت والدتها وهي تنظر إليه بفتور متمتمة
_ مبروك.
لم يجيبها وأكتفى بإيماءه من رأسه فتركته ودلفت غرفتها مغلقة الباب خلفها.
تداركت زوجة عمه الموقف وقالت برتابة
_ أكيد زعلانة على فراج بنتها بصراحة ربنا يعينها.
قالت إلين بمزاح
_ ربنا يعني أنا هي كدة دلوقت مش هتلاقي غيري تنكد عليه
ضحكوا جميعاً وذهبوا للأسفل.
وضع جواد يده على المقبض وقلبه ينبض بقوة
فتح الباب ببطئ وكأنه يخشى على قلبه من فتحه دفعه واحدة فيتوقف حينها عن نبضه.
تهادت إليه بطلتها التي اسلبت لبه حتى توقف عن التنفس للحظات وهو يراها بذلك الجمال
ظل واقفًا كالمسحور وكأن تعويذة العشق ألقت بثقلها على قلبه فيسقط صريعاً لهواها
تقدم خطوة كي يغلق الباب خلفه لكنه ظل ثابتًا بعدها
فقد هاله انعكاس ضوء الشموع على هيئتها التي تحبس الأنفاس
والورود المتناثرة في كل مكان
وأحرفهم التي كتبت بمختلف أنواع الأزهار على ذلك الفراش الوثير
لن يقترب مرة واحدة كي يرأف بقلبه
فالآن فقط يتحقق حلمه ولن يستعجل توثيقه.
أما هي فقط شعرت بالحياء من نظراته العاشقة وأخذت تلف ذراعيها العاريتين بيدها
وقد أخذها جواد دعوة صريحة للاقتراب.
هيهات أن يكون كل ذلك حلم.
وإذا كان؛ فعليه أن يغتنم كل ثانية تمر به.
دنى منها حتى فصلت بينهم خطوة واحدة
ووضع يده أسفل ذقنها كي يرفع وجهها إليه وينظر داخل عينيها متمتمًا بتيهة
عيناكي رُحمها قساها
أهدابها منتهاها، شفتاكي لا تلين
قلبكي دقاته مستكانة لا يرأف بقلب العليل
مد يده ليمسك يدها ومازال ينظر داخل عينيها وتابع بحشرجة
_ أبحث بعينيكِ عن دواء من داء جعلني صريع الهوى بسهامها
ورحمة من قلب أصاب قلبي بالجنون
بحبك.
مال على يدها يقبلها بحب ووله وعاد لعينيها وحينها انتهى ثباته وتقدم منها الخطوة الفاصلة وبلحظة كانت بين ذراعيها يبثها بحنو وهدوء عذاب اعوام مرت به وهو يحلم بتلك الليلة والتي أقسم أن يغتنم كل ثانيةً بها
وإن كان حلم فليكون إذًا لا يهم
سينعم اولاً برحيقها وبعدها يحدث ما يحدث
كان هادئًا معها يسيطر على لهفته عليها متفهمًا لبراءتها يحاول إخماد رغبته التي تطالبه بالفوز بها الآن لكن عليه التروي كي لا يفزعها
ابتعد عنها قليلًا عندما لاحظ حاجتها للتنفس فوضع جبينه على خاصتها وتمتم بانفاس متقطعة
_ ترفأي بي فأنا لم اعود ذلك الفارس بسيفه القاسي بل أصبحت شخصًا عديم الجدوي أمام سطو عينيكي
رفقًا بقلبٍ لم يعد يملك من أمره شيئًا.
عاد إلى شفتيها يحكي لها عن قصة عشقه وولعه بها وهي تحاول بصعوبة بالغة طرد تلك الذكريات من رأسها
لقد اقسمت أن تعيش تلك اللحظة معه ولا تدع شيئاً يعكر صفوهم لكن لا فائدة
كانت قبلاته هادئة محبة رغم لهفتها ولكن يبدو أن تلك الذكريات أقسمت على التفريق بينهما الآن وقد كان لها ما أرادت
إذ ابتعدت عنه قليلًا عندما جالت بخاطرها تلك الذكريات وتمتمت بإحراج
_ خلينا نصلي الأول وبعدين نتكلم.
تفاهم جواد مع خجلها وقال بحب
_ تمام هدخل الحمام أغير وانتي غيري هنا براحتك.
أومأت له بصمت ثم راقبته وهو يتقدم من الخزانة ويخرج منامه قطنية له ودلف المرحاض
اما هي فقد حاولت طرد تلك الأفكار من رأسها وأن تنعم بدفئه لكن تبدو أنها سيطرت عليها بإحكام
وتساءلت هل سيكون الموقف مشابه
هزت رأسها بنفي بالطبع لا فجواد يحبها ولن يفرض نفسه عليها
المشهد يعاد أمامها حتى إنها اغمضت عينيها تحاول جاهدة أن تتخلص منه لكن لا فائدة
صوته الذي صدح داخل أذنها
ونظراه البغيضة تعريها من ملابسها
فضعت ذراعيها حول جسدها كأنها تحميه
وأنفاسه الكريهة تضرب صفحة وجهها فتجعلها تشعر بالاشمئزاز من نفسها
جلست على الأرضية عندما انتهى ثباتها وقوتها الزائفة وأخذت تنتفض بخوف
خرج جواد من المرحاض وهو ينشف خصلاته فينتبه لأنزوائها بجانب الفراش تخفي وجهها بين ذراعيها وجسدها ينتفض بشدة
ألقى المنشفة من يدها وأسرع إليها يجثو على ركبتيه أمامها وقال بخوف شديد
_ توليب، مالك يا حبيبتي.
صرخت عندما لامست يده ذراعيها مما جعله يفهم ما تمر به فابعد يده عنها وتمتم بتروي
_ طيب أهدي متخافيش انتي معاي محدش هيجدر يأذيكي.
لم تخف ارتجافتها بل شعر بازديادها فتابع بحب
_ حبيبتي انتي في امان معايا ومفيش حاچة هتحصل إلا بموافجتك ورضاكي
هزت راسها بنفي وهي تضع يديها على أذنيها لا تريد سماع شيء
جلس بجوارها وأخذها لحضنه رغم رفضها ومحاولاتها بالابتعاد لكنه لم يترك لها فرصة للابتعاد وهمس بجوار أذنها
_ حبيبتي متخافيش اني چانبك ومش هسمح لحاچة تأذيكي، اهدي ومتخافيش
هدئت رجفتها بعد حديثه وتابع وهو يملس على خصلاتها
_ طول ما اني عايش اطمني وخليكي خابرة زين إني مش هسمحك لحاچة تمسك ولا تأذيكي.
____________
استيقظ مراد الذي غفى على الأريكة بجوار الفراش على صوت نور الواهن
نهض من فوق الأريكة وهو يشعر بألم من تلك الوضعية وتقدم منها يسألها
_ كيفك دلوجت.
رفعت عينيها بتثاقل وتمتمت بخفوت
_ ابني.
طمئنها بثقة
_ ابنك زين الحمد لله متجلجيش عليه.
قام بتبديل المحاليل لها ثم عاد يجلس بجوارها وسألها باهتمام
_ أحسن دلوجت؟
ازدردت جفاف حلقها وتمتمت بوهن
_ ألم شديد في جسمي.
_ ده طبيعي بعد ولادتك الصعبة دي، الحمد لله انها مرت على خير.
اومأت له بصمت
كانت تجاهد كي ترفع عينيها وكأن شيء ما يجثم عليها
سألته
_ فين سلمى؟
_ روحتها مع مؤيد
نهض ليأخذ كوب من الماء من فوق الطاولة وتقدم منها ليضع يده أسفل ظهرها يرفعها ويساعدها على الأرتواء
لم ترفض بل كانت تشعر بحاجتها للماء ويبدو أنه شعر بها.
كان الدوار قد اشتد عليها بعد تحركها
فأعادها مراد للاستلقاء مرة أخرى وعاد هو لمقعده
_ دايخة؟
اومأت له بصمت
ضغط على الزر فدلفت الممرضة بعد قليل فقال بثبوت
_ تعالي ساعديها تاخد دوش بارد عشان السخنية تنزل
رغم اندهاش الممرضة من طلبه إلا إنها وافقت وقامت بمساعدتها على النهوض ودلفت بها المرحاض.
___________
استيقظ جواد ليجد أنهم غفوا في أماكنهم على الأرضية
أبعد رأسه الذي يستند على رأسها كي ينظر إليها فوجدها مستكينة على كتفيه بهدوء رغم ما مرت به منذ قليل.
أبعد خصلاتها عن وجهها وطبع قبلة محب على جبينها
يبدوا انها استيقظت أيضاً إذ رفعت رأسها عن كتفه ونظرت إليه بخجل من نفسها
ابتسم لها يطمئنها وتمتم باحتواء
_ قلقتك؟
هزت راسها بنفي وتمتمت بإحراج
_ أنا صحيت قبلك بس مردتش اتحرك عشان متقلقش، أسفة لو كنت زعلتك مني.
اعتدل جواد في جلسته كي ينظر إليها وقال بتروي
_ أني مزعلتش ولا حاچة كل الحكاية إني خفت عليكي، كل اللي يهمني راحتك وسعادتك، أي حاچة تانية تتأجل لساتنا جدامنا العمر طويل.
ابتسمت لتفاهمه ونظرت إليه بكل الحب الذي تحمله له وتمتمت بخفوت
_ وانا مش عايزة حاجة من الدنيا دي غير سعادتك.
أوما لها بحب ثم نهض وساعدها على الوقوف
_ طيب يلا غيري هدومك وخلينا نبدأ حياتنا بالصلاة، اني هدخل اوضة يزن لحد ما تجهزي وتناديني.
أخذ هاتفه ودلف الغرفة الملحقة لغرفتهم وجلس على المقعد ليجري تلك المكالمة
_ أيوة يا حمدان عملت ايه؟
_ زي ما أمرت چنابك مشيت وراها لجيتها رايحة محطة الجطر اللي رايح القاهرة بس…
قطب جبينه بدهشة وسأله
_ بس ايه؟
تمتم الرجل بعد تردد
_ لجيت عامر به چاي برضك ودخل نفس الكبينة اللي هي فيها.
ازدادت حيرته لكنها لم تدوم طويلاً وقال بأمر
_ تروح وراهم تراجبهم من بعيد لبعيد لحد ما ينزلوا وتشوف ايه اللي هيحصل
أغلق الهاتف وأخذ يفكر في أمر تلك المرأة
ولما تسللت خلف والده وأختفوا بعيدًا
مرت نصف ساعة وهو مكانه حتى مل حقًا من الانتظار والملل بعد برهة اصبح قلق
فتح الباب فيتفاجئ بها أمامه ترتدي ثوب الصلاة ويبدو أنها واقفة منذ فترة
قالت بارتباك
_ أنا جاية أقولك يالا عشان الصلاة
تبسم وجهه بحب وأومأ لها ثم أخذها ووقف على سجادة الصلاة ليؤدوا صلاتهم
في الخارج
ظلت سلوى تزرع الغرفة ذهاباً وإياباً وكأنها تترصد له أي خطأ
خرج توفيق يبحث عنها عندما لاحظ غيابها فوجدها واقفة أمام غرفته
انزعج من فعلتها وتقدم منها يجذبها إلى غرفتهم وأغلق الباب خلفهم وقال بحدة
_ انتي واقفالهم كدة ليه؟
ردت سلوى باستياء
_ عايزة اطمن على بنتي وحضرته قافل فونها.
_ وانتي مالك ومالهم هما حرين يقفلوها يفتحوها براحتهم
هتفت بانفعال
_ لأ مش براحته كان لازم يخليها تطمنا بالفون حتى، مينفعش يسيبنا لحد دلوقت كدة.
انفعل توفيق من ردها وقال بحدة
_ هي داخلة عمليات؟ ده واحد ومراته يوم فرحهم مستنية منهم ايه
رفع سبابته في وجهها وتابع بتحذير
_ سلوى انا بحذرك تدخلي في حياتهم.
ردت سلوى باندفاع
_ يعني ايه مدخلش في حياتهم دي بنتي.
_ وبنتك اختارت حياتها بنفسها بلاش انتي تدخلي فيها ولعلمك الصبح هنرجع القاهرة
همت بمقاطعته لكنه منعها بحزم
_ ولا كلمة تاني انا مش هسيبك تخربي على بنتك عشان الكلام الفارغ اللي في دماغك ده.
عاد إلى فراشه ليستلقى عليه وتركها هي تزم غيظها رغماً عنها.
___________
عاد مراد إلى غرفته فوجد الممرضة تساعدها على الاستلقاء بعد أن تحممت وأبدلت ملابسها بملابس أخرى وسألها باهتمام
_ عاملة ايه دلوجت؟
جذبت الممرضة الغطاء عليه وأجابته
_ الحرارة هديت شوية بس منزلتش أوي.
تقدم منها ليعيد المحلول إلى يدها وقال بثبوت
_ هتنزل بعد ما تخلص المحلول ده إن شاء الله، هتيلها حاچة دافية تشربها ونص ساعة وهاتي الأكل.
خرجت الممرضة وغمغمت نور برفض
_ لأ انا مش بحب أكل المستشفيات ارجوك بلاش.
جلس على المقعد بجوارها
_ بالعكس اكل المستشفيات بيبجى صحي وفي ناس بتشرف عليه.
هزت راسها بنفي وتمتمت باستنكار
_ مش بحبه ارجوك متضغطش عليا.
نظر في ساعته وقال بهدوء
_ باقي نص ساعة بالظبط والفچر يأذن واكلم امي اطمنها وأخليها تبعتلك أكل من البيت.
تطلعت إليه نور بامتنان وشعور غريب يجتاحها وتمتمت بخفوت
_ متشكرة أوي.
عقد حاجبيه متسائلًا
_ على ايه؟
ابتسمت له رغم وهنها وردت بهدوء
_ على وقفتك معايا.
ظهرت ابتسامته التي تراها لأول مرة وتمتم باحتواء
_ مفيش داعي للشكر انتي بجيتي مرتي وده حجك عليا.
تبدلت ملامحها للألم وتمتمت بحزن
_ انا عارفة إني جيت بوظت حياتكم وبالأخص انت وسلمى بس صدقني مكنش قدامي حد غيركم، أنا من وقت بابا ما توفى واحنا بقينا لوحدنا أهل بابا كنا بنشوفهم مرة كل خمس سنين مكنش حد منهم بيسأل عننا
سقطت دموعها بغزارة وهي تتابع
_ وافتكرت بجوازي منه هيعوضني عن الحرمان ده وعشان كدة وافقت بس اقسملك إني مكنتش اعرف أنه حرام ولا كل الحاجات اللي قلت عليها لأني ببساطة ملقتش حد يعرفني كل ده، بس عقاب ربنا كان شديد أوي
غلطت وكنت سبب في موت أمي وفي لحظة لقتني في الشارع…..
قاطعها مراد بتأثر وهو يمسك يدها يطمئنها
_ خلاص أهدي دي مرحلة وعدت بلاش تفكري فيها.
هزت راسها بنفي وردت ببكاء
_ للأسف صعب اوي انساها لأن كل يوم بيمر بشتاق فيه لأمي.
ربت على يدها التي يحتويها وقال بثبوت
_ كلنا بنخطأ بس الأهم إننا نتوب وتكون توبة نصوحة وبعدين انتي خلاص بقيتي واحدة منينا بجى ليكي أم دايمًا بتحاميلك وأخ ممكن ياچي عليا عشان خاطرك وأخت اخدتيها لصفك وسلمى برضك بتعتبرك أخت ليها
مسحت دموعها بألم
_ ودي اكتر حاجة تعباني لأن سلمى متستاهلش مني كدة.
تنهد مراد بألم
_ هي متستاهلش مننا كلنا بس للأسف دي سنة الحياة، نامي دلوجت وسيبي كل حاچة عليا..
ربت على يدها مرة أخرى ونهض خارجاً من الغرفة وهي تفكر في معنى حديثه.
_________________
وقفت توليب أمام المرآة داخل المرحاض تحاول اقناع نفسها بأنه زوجها ويجب عليها طاعته
لقد انتظر تلك الليلة طويلًا ولا يحق لها ان تكسر فرحته
شددت من لف مئزرها حول خصرها وظلت تهدئ ضربات قلبها حتى قررت الخروج من المرحاض فلن تظل به طوال الليل.
خرجت فوجدته مستلقيًا على الأريكة وقد أخذ الملل منه مبلغه
انتبه لخروجها أخيرًا وهي تلف خصرها بذلك المئزار الطويل والذي لفته باحكام حولها.
اراد أن يمحو خجلها فقال بمغزى
_ أنا من رأيي ترجعي للازدال من تاني
نهض ليتقدم منها ونابع بمكر
_ يعني بجالي ساعة جاعد لحالي بفكر فـ اللي هتلبسيه وهيئته ولونه والآخر الجيكي مكفنه حالك إكدة.
زمت فمها بحنق وهمت بالعودة لكنه جذبها إليه مسرعًا
_ لااا أرجوكي بلاش دا اني ما صدقت وخرچتي أني راضي ياستي.
ضحكت توليب واحتواها بين يديه يقربها منه ليقبل جبينها وهو يقول بولع
_ بحبك، وانتي؟
_ وانا ايه؟
_ بتحبيني؟
أومأت برأسها بصمت لكنه لم يقبل بتلك الإيماءه
_ عايز اسمعها.
تهربت بعينيها لكنه منعها ورفع وجهها إليه يرجوها بعينيه أن تريح قلبه وتقولها
نطقتها بكل الحب الذي تحمله بداخلها
_ بحبك يا جـ….
لم يتركها تتابع وقاطعها بقبله اطاحت بعقلها وجعلتها تستسلم لغزوه النازي
عادت إليها تلك الذكريات لكنها قاومتها وتركته يفعل ما يشاء
هي اقسمت أن تعوض نفسها وتعوضه عن ذلك العذاب وعليها أن توفي بقسمها
كان رؤوفًا بها هادئًا لعلمه بما مرت به
محى من عقلها تلك الأفكار التي تركها ذلك البغيض والذي أقسم أن يذيقه فنون العذاب
وكلما تشنج جسدها كلما إزاد احتواءه لها حتى تعود تتجاوب معه وتنسى
وبعد وقت طويل استكانت بين ذراعيه تحيط صدره بذراعها
نظرت توليب إلى النافذة المغلقة وقطرات المطر تسيل على زجاجها في الغسق رفعت عينيها إليه تسأله برقة
_ بتحب المطر.
نظر إليها بابتسامته الساحرة
_ أكيد مين ميحبش المطر.
عادت تضع خدها على طتفه وقالت بشغف
_ انا بقا بحب المطر أوي أوي، كنت اول ما اعرف أنها بتمطر كنت أهرب من ورا ماما واطلع السطوح وافضل اتنطط تحتها
وفي مرة بابا شافني وانا بتسحب وبفتح الباب لقيته بيقولي استني عندك رايحة فين
خفت ل ماما تسمعه شديته لبرة وبعدين قلتله
_ عايزة اطلع فوق عشان اشوف المطر واترحيته ميقولش لماما
وافق وطلع معايا وحكالي عن المطر والغيوم وقالي إن ابواب السماء في الوقت ده بتكون مفتوحة والدعوة بتكون مجابة
كنت صغيرة ومكنتش عارفة ادعي بايه
لحد ما دلوقت
ملس بانامله على خصلاتها وسألها
_ وعرفتي؟
اومأت له بصمت
_ ايه هي؟
قالت بآسى
_ إن قضيتي تتحل واعيش معاك طول العمر
هم بالرد عليها بطريقته لكنه تراجع عندما سمع سرينة الشرطة
•تابع الفصل التالي "رواية التل" اضغط على اسم الرواية