رواية في حي الزمالك الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم ايمان عادل
بِلَوْن الْبَنَفْسَج🤎🦋✨
بعد انتهاء المصور من إلتقاط بضع صور لأفنان ورحيم ولإفنان مع باقي المُدربين أخبرها رحيم أنه يمكنها الذهاب إلى أحد جوانب القاعة كي يلتقط لها المصور بضع صور بمفردها، أومئت هي بسعادة وهي تهبط من الدرجات بينما يتأملها هو في صمت.
“طيب يا شباب أنا هروح اضبط حاجة في المكتب بسرعة وهرجع تاني، محدش يمشي عشان لسه في كام حاجة هنعملها قبل ما تمشوا.” أردف رحيم ثم دنى من أنس وهو يهمس في أذنه:
“خلي بالك على أفنان لحد أما أجي وبالذات من اللي اسمه نوح ده.”
“ماشي يا عم الحبيب.” رمقه رحيم بإزدراء قبل أن يذهب إلى مكتبه تاركًا القاعة وتاركًا أفنان تلتقط بعض الصور.
أما عن أفنان فكانت تبتسم بخجل في معظم الصور وهذا عكس طبيعتها لكن شعورها بأنها محط أنظار الجميع وأن هناك مصور أخذ الأمر من رحيم أن يقوم بتصويرها هي خصيصًا كان أمرًا موترًا لكن ذلك لا ينفي كونه شعور جميل في الوقت ذاته، كانت الأمور مستقرة تمامًا في تلك اللحظة لكن كالمعتاد لا شيء يسير بطريقة جيدة إلى النهاية فقد تبدل الأمر تمامًا حينما أخترق أذن أفنان صوت فتاة ما تُردف:
“أكيد كسبها شفقة أنتوا مش شايفين منظرها عامل ازاي؟”
“فعلًا عندك حق، أنتي مش شايفة Style ‘أسلوب’ لبسها ولا طريقة كلامها!” شعرت أفنان بأن الوقت توقف عند تلك الثواني، آلم كبير اجتاحها وكأن هناك حجرًا كبيرًا جاثمًا على صدرها، في تلك اللحظة تمامًا أدركت أفنان ما لم تُدركه من قبل!
هي حقاً تبدو مختلفة عن الجميع هنا، ولكن ليست مُختلفة بصورة جيدة بل سيئة لكنها لم تشغل بالها يومًا بذلك.. لكنهم محقين فمعظم من أجتمعت بهم هنا من طبقة مختلفة تمامًا، طلاب بجامعات لا تقل مصروفاتها عن آلاف الجنيهات في العام الواحد! مصروفات لو عملت أسرة أفنان كاملة لما حصلت ثمنها، الجميع هنا يملكون سيارات ويسكنون في أفضل المناطق ويرتدون أفخم الثياب، لكن هي… هي مجرد فتاة بسيطة ابنة موظف بسيط، إنها حقًا تختلف عنهم.
لكن ما لم تُدركه أفنان في تلك اللحظة هو اختلافها الجوهري عن أولئك الفتيات والذي يكمن في أنها تفوقهم في أخلاقها العالية، واحترامها للغير وأنها لو كانت في مثل موضعهم لما كانت لتتفوه بشيء يُقلل من شأن شخصا اخر.
“يا جماعة اصلًا جايزة 1500 pounds ‘ألف وخمسمائة جنيهًا’ حاجة عبيطة أوي ورقم صغير بس شوفتوا يا حرام فرحت ازاي؟”
“عندك حق، أنا بصرف أكتر من كده في قاعدة في Cafe ‘مقهى’.”
هنا شعرت أفنان بأنها على وشك الإنفجار، فقدت قدرتها على التحمل ولن تقبل بسماع كلمة آخرى، لم تدري بنفسها سوى وهي تُلقي حقيبتها والشهادة والظرف ارضًا وتهرول إلى خارج القاعة متجهة إلى مكتب رحيم لتقتحمه دون أن تدق الباب لتسأله بنبرة مُستاءة أقرب للصياح وهي تُردف:
“ممكن أعرف هو أنا فعلًا أتكرمت عشان قفلت ال test ‘الإختبار’ ولا أنت عملت كده قاصد؟” نظر نحوها رحيم بفزع جراء إقتحامها لباب مكتبه ولو لم تكن أفنان الفاعلة لكان وبخ من فعل ذلك.
“أيه ده في أيه؟ Calm down ‘اهدأي’ بس وقوليلي في أيه؟” تحدث رحيم بنبرة هادئة وهو يُحاول أن يفهم ما تقوله، ولقد أحبت أفنان نبرته تلك في كل الأوقات الآخرى لكن هدوئه الآن زاد من استياءها حيث نظرت نحوه بحده وهي تصيح قائلة:
“متقوليش أهدي! سألتك سؤال وعايزة إجابة، أنا فعلًا استحق التكريم ده وقفلت الإمتحان ولا أنت بتكدب وعامل كده قاصد؟”
“يعني أيه قاصد؟ وليه هعمل حاجة زي كده أصلًا؟” لقد كان يسألها رحيم بتلعثم فلقد باغتته بتلك الأسئلة وتعبيراتها المُنفعلة تلك، صمتت أفنان لثوانٍ قبل أن تتفوه بنبرة مُتآلمه بالآتي:
“يعني شايفني غلبانة وبتشحتني فلوس.” أتسعت أعين رحيم من قولها ليُجيب على حديثها بعدة أسئلة بنبرة مستنكرة قائلًا الآتي:
“أفندم؟ أنتي بتقولي أيه؟ Are you serious ‘هل أنتِ جادة’؟”
“أنت شايف أن دي حاجة ينفع أهزر فيها؟” سألته بنبرة جادة لينظر نحوها بإستنكار، لم يُجيب على سؤالها بل سألها هو بنبرة أقرب للصياح وهو يغادر مقعده قائلًا:
“أنا عايز أعرف أيه اللي جاب الكلام ده في دماغك؟ مين الحقير اللي قالك كده؟ قوليلي وأنا امسحلك بكرامته البلاط!!!”
“مش مشكلة مين قال ومين عاد، أنا عايزة رد على سؤالي دلوقتي!”
” لا يا أفنان، أنتي اتكرمتي عشان فعلًا جبتي ال Full Mark ‘الدرجة النهائية’!”
“عايزة اشوف الورقة.” تمتمت بصوتًا منخفض وقد عقدت كلتا يديها إلى صدرها ليزم رحيم شفتيه وهو يسألها بعدم رضا مُردفًا:
“فعلًا يا أفنان؟ هو أنتي بجد مش واثقة فيا ولا في كلامي؟” سألها بمزيج من الدهشة واللوم فهو لم يتوقع أن تقوم أفنان قط بتكذيبه، نظرت نحوه أفنان لثوانٍ قبل أن تنبس بإستياء:
“لو سمحت يا دكتور رحيم.. بعد إذنك عايزة اشوف الورقة، أظن ده حقي!”
“لا مش من حقك!” عقب رحيم على حديثها بغضب، لم يكن غاضبًا منها بالطبع بل غاضبًا من الشخص الذي زرع تلك الفكرة برأسها وبالطبع أول من خطر بباله هو نوح، فمن الحوار الذي دار بينه هو وأفنان من قبل وقد سمعه رحيم فبات واثقًا أن نوح قد يجرحها بكلماته دون أن ذرة اهتمام.
“يا رحيم لو سمحت!!” صاحت بإسمه دون لقب وكأنها تتراجاه ومن ثم انفجرت في البكاء وصدرت منها شهقه دون أن تشعر ليشعر بقلبه يتمزق في تلك اللحظة.. لقد اراد إسعادها لكن الأمر تم تخريبه كالمعتاد ولكنها ليست غلطته هذه المرة، في تلك اللحظة ود رحيم لو يضمها بشدة لعلها تهدأ لكن ذلك غير مسموح لذا أثر امنيته داخل نفسه.
استقام من مجلسه واقترب منها وهو يمنحها مناديل ورقية وبدلًا من أن تمسح دموعها وضعتها على وجهها مُحاولة تغطيته فهي تكره أن يراها أحدهم وهي تبكي وخاصة إن كان ذلك الشخص هو رحيم.
عاد إلى مكتبه مجددًا وجلس على كرسيه الجلدي وعلى الفور قام بفتح أحد الأدراج ليخرج منها الورقة التي حدثت بسببها تلك المشاكل.. ورقة إختبار أفنان.
“اتفضلي، عشان تعرفي أني مش بكدب عليكي!”
منحها رحيم ورقة الأسئلة خاصتها ونموذج الإجابة كذلك لتكفكف دموعها بيدها وتأخذ كلاهما منه بيد مُرتجفة، تُقلب سريعًا في الأسئلة لتجد أنها أجابتها جميعًا إجابات صحيحة بالفعل! تنظر نحو رحيم بندم، فلقد صبت غضبها عليه وإتهمته بأنه مُنعدم الضمير بطريقة غير مُباشرة، أخرج رحيم من جيب بنطاله علبة سجائر وأخرج لفافة وكأن على وشك أن يُشعلها لولا أن سبقته يد أفنان التي سحبت السيجارة من يده وألقتها في سلة القمامة.
“على فكرة، أنس هو اللي صحح الورقة بتاعتك يعني مش أنا عشان تفتكري أني بجاملك، وبعدين أنا عايز افهم شحاتة أيه وعطف أيه اللي بتتكلمي عنهم؟ ليه تفكيرك خد السكة دي أصلًا؟”
“أنا أسفة.. بس أنت مسمعتش هما قالولي أيه.. محدش هان كرامتك زي ما أنا اتهنت، أنا مش شخصية مادية يا رحيم لكن لأول مرة أحس أن الفلوس ليها قيمة فعلًا بالنسبة للناس حتى لو مش بالنسبالي وأنا الفلوس هي المعيار اللي بيتحدد على أساسه أنت إنسان كويس وينفع تبقى وسطنا ولا لا!” تحدثت أفنان وهي تحاول منع نفسها من البكاء مجددًا لكن الأمر كان غاية في الصعوبة خاصة أثناء تفوها بتلك الكلمات.
“شاوريلي عليهم! قوليلي مين هما وأنا هطردهم من الشركة كلها من غير ذرة تردد، الفلوس عمرها ما كانت معيار للآدمية يا أفنان، مش هقولك أن الفلوس مش مهمة لكنها مش أهم حاجة وفي ناس كتير معاهم فلوس بس اتحرموا من حاجات تانية أهم زي العائلة مثلًا…”
تحدث رحيم بإنفعال في بداية حديثة فعقله لا يستطيع تقبل فكرة أن أحدهم أهان أفنان أو سخر منها! أولئك الحمقى ألا يدرون أنها ذات أهمية بالنسبة إليه؟ وأنه لن يسمح لأحد بأن يؤذيها على المستوى النفسي أو الجسدي، في منتصف حديثه أعتدلت نبرة رحيم وعادت إلى الهدوء المعهود وهو يُحدث أفنان بكل صدق.
فبقدر معرفة رحيم بأهمية المال ومميزاته إلا أنه يُدرك ايضًا معنى أن تفتقر إلى الكثير من الأمور في مقابل حصولك على هذا المال.
فالمال لم يشكل فارقًا بالنسبة له حينما اضطر إلى تحمل أسلوب والدته الجاف وانشغال والديه الدائم في العمل والسفر، لم يُشكل المال فارقًا حينما شعر رحيم بآلام الوحدة كونه الأبن الوحيد.
“أنا عارفة بس كلامهم…”
“من أمتى يا أفي وأنتي بتهتمي بكلام حد؟” سألها وهو يبتسم لتنظر نحوه بأعين مُحمره وهي تقول بحنق:
“يعني كمان قصدك أني مبحسش!!”
“أنا مقولتش كده! أنا قصدي أنك واثقة من نفسك ومش بيفرق معاكي أي كومنت سخيف من حد.”
“أيوا بس أنا بني آدمة وبحس وبتوجع، أنتوا ليه كلكوا فاكرين أني مش بحس عشان طول الوقت بهزر!”
“مين كلكوا؟ أنا قولتلك كده أمتى أصلًا؟ وليه هفكر في كده أساسًا؟ ما طبيعي You’re a human and you have feelings ‘أنتي بشرية وعندكِ مشاعر’.”
“طب وأما الناس عارفين كده بيجرحوني ليه؟” سألت أفنان سؤال لم يمتلك رحيم إجابة له، فهذا السؤال لا يتعلق بأفنان لشخصها بل بالجميع.. فإن كنا نعلم أن جميع البشر أو لنقول تسعون بالمئة منهم لديهم مشاعر فلما نتعمد جرحها؟
“بقولك أيه تعالي معايا…” أردف رحيم دون أن يُجيب على سؤالها وهو يسير وهي من خلفه ولم تكن تلك من عادة رحيم فهو دائمًا ما يجعل أفنان تسير أمامه كنوع من النُبل لكن في ذلك الموقف تحديدًا الأمر مُختلف وقد فعل ذلك لغاية في رأسه.
“تعالي يا أفنان.. شاوريلي عالبنات اللي اتريقوا عليكي.” تفوه رحيم بنبرة هادئة ولكن بصوتًا مسموع فور إقتحامه للقاعة مع أفنان، تلتفت أنظار الجميع نحوهم وتختفي ابتسامة الجميع على الفور وتتوقف الثرثرة.
كانت أفنان تقف خلف رحيم وكأنه درع حماية لها وقد تعمد رحيم فعل ذلك لكي يمنحها ذلك الشعور، هي في حمايته، يكفي الوقت الذي قضته هي في محاولة حماية نفسها بنفسها جاء الوقت ليستلم هو ذلك الدور بدلًا منها.
“أتكلمي متخافيش.” همس رحيم لتنظر نحوه أفنان بحيرة قبل أن تزدرد ما في فمها ثم تُشير إلى الفتيات.
“أنتوا اللي اتريقتوا على أفنان؟”
“هو ده تحقيق ولا أيه يا دكتور رحيم؟ وبعدين البنت دي كدابة Why would we talk about her anyway ‘لماذا سنتحدث عنها على أي حال’؟” تحدثت أشجعهم بلا مُبالاة ليضم رحيم قبضته بإستياء لكنه يحاول الحفاظ على تعابير وجهه الهادئة.
“اه تحقيق، وعمتًا أنا مش محتاج اسمع منكوا حاجة أنا مُكتفي باللي أفنان قالته.”
“أوكي أكتفي.” هنا فقد رحيم أعصابه تمامًا ولأول مرة تراه أفنان غاضبًا إلى تلك الدرجة لقد كانت عيناه تُخرج شرارًا.
“تمام يا دكتورة، أنتوا التلاتة بقى ملكوش شهادة عندي يعني أعتبروا نفسكوا محضرتوش التدريب أصلًا وكمان هتتحرموا من أي تدريب هيتعمل في الشركة ويلا اتفضلوا مع السلامة.” نظرت نحوه أفنان بثغرًا مفتوح هي لم تتوقع أن يفعل شيئًا كهذا!
“يخربيت دماغك أنت بتعمل أيه؟” سأل أنس بهمس والذي ركض ليقف إلى جانب رحيم.
“خليك في حالك.” همس له رحيم في المقابل، كان الصمت سائدًا في المكان كله ومعالم الدهشة قد ارتسمت على وجه الفتيات، على الأغلب لم يظنوا أن الأمر سيأخذ هذا المنحني ولم يستوعب عقلهم بعد ما قاله رحيم.
“يلا مع السلامة.”
“على فكرة أنا هديكوا review زي الزفت!”
“تمام Do whatever you want.”
غادرت الفتيات الثلاثة وفي تلك اللحظة شعرت أفنان بالإتتصار أخيرًا، لقد شعرت ولأول مرة أنها ليست بحاجة للدفاع عن ذاتها لأن هناك من يفعل عوضًا عنها، لقد شعرت بالإطمئنان وهو شعور عظيم لا يجده المرء بسهولة لكن رحيم قد منحها ذلك الشعور بكل يُسر.
لمح رحيم حقيبة أفنان المُلقاة وإلى جانبها الشهادة والظرف ليذهب ويُحضرهم على الفور ويُسلمهم لأفنان ثم يُشير لها بأن تسبقه نحو الخارج وكان سيتبعها لكنه توقف لثوانٍ وأردف:
“ياريت اللي حصل ده يعلمكوا أننا لازم نحترم بعض وأن مينفعش حد يقلل من التاني، عشان ده فعل مش أخلاقي ونتايجة دايمًا سيئة.” أنهى رحيم كلامه وسط همهمات الجميع لكنه لم يهتم أن يسمع واتجه نحو الخارج ليجد أفنان تنتظره في نهاية الممر بالقرب من مكتبه، بمجرد أن رأته تهللت أساريرها وهي تُردف بنبرة مُمتنة:
“شكرًا يا رحيم… بجد شكرًا على كل حاجة.”
“أنتي عارفة أن دي أحلى مرة سمعت اسمي فيها.”
“احم… أنت عارف أن ماما عاملة حمام النهاردة عالغداء؟” أردفت أفنان بتلعثم وهي تحاول تغير الموضوع لينفجر رحيم ضاحكًا بشدة جاعلًا التنفس أمرًا مستحيل بالنسبة إليها…
“أفنان.”
“اؤمر يا رحي.. يا دكتور رحيم.”
“أنتي دموعك غالية أوي، وأنا مش هسمح لأي شخص أنه يخلي دموعك تنزل تاني.” تحدث رحيم بنبرة هادئة لا تخلو من الجدية وهو ينظر إلى داخل عيون أفنان مجددًا قبل أن تهمس هي بصوتًا منخفض:
“يارب متبقاش أنت السبب فيهم..”
“بتقولي حاجة؟” سألها رحيم وهو يضم عينيه لتُجيبه بإختصار:
“لا..”
” طيب بقولك أيه ممكن نروح نشرب حاجة؟”
“أنت عارف الإجابة…”
“طيب خلاص… قابليني صدفة كمان نص ساعة في الكافية ده.” قال بمكر وهو يُرسل لها الموقع الجغرافي لمقهى قريب من مقر الشركة ثم غمز لها بخضراوتيه قبل أن يتجه إلى مكتبه، لقد وضعها أمام الأمر الواقع بطريقة ما، لقد شعرت أفنان أن الأمر برمته خطأ وأنها ستندم ولكن للمرة الأولى ينتصر قلبها على عقلها…
“هو اللي حصل جوا ده؟ والبنات دول عملولك أيه؟ شكلك بتتبلي عليهم، وبعدين رحيم كان واقف بيقولك أيه؟” سأل نوح الذي ظهر من اللامكان بصيغة تحقيق لتنظر نحوه أفنان من الأعلى إلى الأسفل بإشمئزاز قبل أن تُغادر المكان دون أن تُجيبه.
أما عن رحيم فذهب ليقوم بإنجاز بضع أشياء سريعًا في مكتبه قبل أن يرحل لمُقابلة أفنان، والذي كان في صراع من داخله فعقله يُخبره أنها لن تفعل لكن قلبه يُخبره أنها ستفعل، قطع تفكيره صوت مقبض باب المكتب حينما دلف أنس نحو الداخل وهو يتحدث بنبرة لوم قائلًا الآتي:
“رحيم هو أنت بتستعبط؟ من أمتى وأحنا بندخل اللڤلڤة في الشغل؟!”
“بندخل أيه؟”
“اللڤلڤة مُشتقة من كلمة Love يعني، قصدي من أمتى وأحنا بندخل مشاعرنا في شغلنا؟”
“مشاعر أيه وشغل أيه؟ أفنان جاتلي المكتب منهارة عشان البنات اللي مش محترمين دول اتريقوا عليها وأنا اتصرفت التصرف اللي كنت هتصرفه لو كان أي حد مكان أفنان.”
“متأكد يعني من الموضوع ده؟”
“اه، مش معنى أن أفنان مُتدربة مميزة شوية بالنسبالي أني هاخد قرارات متهورة عشانها.” كذب رحيم أو حاول إقناع نفسه بذلك، فأكثر ما يكرهه رحيم هو أن يختلط العمل بالمشاعر.
“طيب يا رحيم أنا قولت بس أنبهك، وبعدين أنت واخد حاجتك ورايح على فين؟”
“هقعد مع أفنان شوية وبعدها هرجع على هنا تاني.”
“وتفتكر أن القطة هتوافق تخرج معاك عادي؟”
“معرفش بس هجرب حظي، يلا Wish me luck ‘تمنى لي الحظ’.”
“ماشي يا أخويا.”
بعد نصف ساعة كان رحيم يقف أمام المقهى في انتظار أفنان لكنها لم تأتي، انتظر رحيم لمدة عشرة دقائق لكنها لم تظهر أيضًا، بدأ رحيم يشعر بالضيق فأخرج هاتفه ليتصل بها لتُجيبه على الفور:
“ايوا يا رحيم، معلش ميرال أختي تعبت في الشغل ولازم أروحلها حالًا.”
“طب أنتي فين وأنا أجيلك؟”
“أنا راكبة مواصلات ورايحهالها…”
“طيب هي محتاجة مستشفى؟” سألها رحيم بقلق لتبتسم هي ابتسامة صغيرة وهي تُجيبه قائلة:
“لا الحمدلله الموضوع مش مستاهل.”
“طيب ابعتيلي اللوكشن بتاع الشركة بتاعتها وأنا هبعتلك عربية على هناك توصلكوا البيت.”
“بس…”
“مش هاجي متقلقيش، العربية هيبقى فيها ال driver ‘السائق’ هيوصلكوا وياستي أبقي قوليلها أنك طالبة من أي أبلكيشن.”
“تمام… شكرًا بجد يا رحيم.”
أنهت أفنان مكالمتها مع رحيم وهي لا تدري أتشعر بالغضب لما حدث فأفسد يومها أم تكون شاكرة لأنها كانت على وشك الوقوع في الخطأ إذا أمضت اليوم برفقة رحيم وحدهم سرًا…
بالفعل وصلت أفنان إلى ميرال في الشركة والتي كانت فقدت وعيها أثناء فترة العمل، حينما دلفت أفنان إلى الداخل وجدت ميرال مُمددة على أريكة ما، هرولت نحوها أفنان وهي تطمئن عليها مُردفة:
“ميرال أنتي كويسة؟”
“اه.. بس لسه دايخة شوية..”
“طيب يا حبيبتي أرتاحي أنا طلبت عربية هتروحنا البيت.” أومئت ميرال بوهن بينما طالعتها أفنان بقلق، بعد خمسة دقائق أرسل لها رحيم رسالة تحوي لون السيارة ورقمها.
“يلا يا حبيبتي.” أمسكت أفنان بذراع ميرال بيد والآخرى وضعتها على ظهر ميرال كي تساعدها على السير.
“أنت السواق اللي بعته رحيم؟” سألت أفنان الشخص الجالس داخل السيارة ذات الزجاج الأسود والذي منعها من رؤية من في الداخل.
“سواق؟! لا أنا مش السواق ياختي!” صاح أنس فور قيامه بفتح باب السيارة لتعلو ملامح الدهشة وجه أفنان ثم سرعان ما تتحول للإمتعاض وهي تقول:
“هو أنت؟ يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم!”
“طيب دخلي أختك الغلبانة دي طيب وبعدين أتلامضي.” نبهها أنس لتُدرك أفنان أنه ليس الوقت المناسب لتتشاجر معه ولحسن الحظ أن ميرال كانت مُنهكة بالفعل ولم تكن بكامل وعيها لذا لم تنتبه لما يُقال، أدخلتها أفنان ثم جلست بجانبها.
“وأنتي ساكنة فين على كده؟” سألها أنس لتجذب أفنان هاتفه المفتوح بالفعل على الموقع الجغرافي ثم تضع موقع منزلهم.
“ورحيم ملاقاش غيرك يوصلنا؟!”
“مش عاجبك هرميكي جنب أي رصيف وأوصل صاحبتك الغلبانة دي.”
“أختي يعم مش صاحبتي أنت مصطبح ولا أيه؟!”
“منك لله يا رحيم خليت اللي يسوا واللي ميسواش يكلمني.” همس أنس بغيظ لتنظر نحوه أفنان بحده ثم تُردف:
“بتقول أيه سمعني؟”
“مبقولش.”
ساد الصمت من بعد ذلك، حتى أوصلهم أنس إلى وجهتهم وبالرغم من أن أنس يبدو كشخصًا متهور وغير متزن إلا أن طريقة قيادته كانت عكس ذلك تمامًا فلقد كان هادئًا للغاية.
“هو ده البيت؟” سأل أنس بنبرة تميل إلى الدهشة وهو يراقب المنزل بعيناه العسلية.
“اه هو، شكرًا يا دكتور أنس نجاملك في الأفراح إن شاء الله.” أردفت أفنان وهي تُنبه ميرال التي غفت أنهم قد وصلوا بالفعل لتُغادر ميرال السيارة ببطء بينما يُعلق أنس على حديث أفنان قائلًا:
“عفوًا يا ستي، طب مش هتقوليلي أتفضل ولا أي حاجة؟”
“المرة الجاية أديك شايف يعني أختي عاملة ازاي، ياريت يبقى عندنا أحساس شوية.”
“لا في دي عندك حق.”
“سلام.” تفوهت أفنان وهي تتجه نحو المدخل وبرفقتها ميرال، وقف أنس يتأمل المكان قليلًا، عمارات قديمة نوعًا ما، المكان مزدحم بشكلًا كبير والكثير من البائعة المتجولين، أطفال يلعبون ألعابًا مجهولة بالنسبة إليه وأخيرًا لقد كانت الشوارع في تلك المنطقة ضيقة بشكلًا ملحوظ، ألقى نظرة أخيرة على المكان قبل أن يعود إلى داخل سيارته.
صعدت أفنان إلى منزلها لتقوم بشرح ما حدث لوالدتها بإختصار كي لا تقلق، في مساء تلك الليلة وبعد أن اطمئنت أفنان أن ميرال أصبحت بخير أرسلت رسالة شكر لرحيم.
‘مساء الخير يا رحيم، بصراحة مش عارفة أقولك شكرًا على أيه ولا أيه النهاردة.. بس اللي أعرفه أنك إنسان نبيل جدًا ومُحترم وذوق حقيقي، شكرًا على أنك دافعت عني وأنك بعتلي عربية بغض النظر أن أنس هو اللي كان سايق يعني!
وأخيرًا شكرًا على فترة التدريب اللطيفة دي وأشوفك على خير تاني إن شاء الله…’ أرسلت أفنان الرسالة بأصابع مُرتجفة ونبضات قلب متسارعة لكن يقطع قلقها صوت ميرال المُرهق وهي تسألها:
“هو أنتي كنتي بتتخانقي مع كابتن العربية النهاردة؟”
“اه، أصله رغاي أوي بصراحة، هو أنتي سمعتي حاجة؟”
“لا مكنتش مركزة خالص بصراحة.”
“طب الحمدلله.” تمتمت أفنان بصوتًا منخفض لتنظر نحوها ميرال بشك، عاودت أفنان النظر إلى هاتفها وهي تنتظر على أحر من جمر أن يرى رحيم الرسالة وبالفعل رأها وأجاب بإختصار:
‘عفوًا أفي، أنا معملتش حاجة تستحق الشكر ده كله، أهم حاجة أنك اتبسطتي.’ وبالرغم من لُطف الرسالة إلا أن أفنان شعرت وكأنه يُجيبها على مضض، نظرت أفنان نحو الهاتف دون أن تدري بماذا تُجيب بل ولماذا رحيم تجاهل نصف رسالتها تقريبًا ولم يُجيب سوى على جزء صغير منها، أخذت أفنان تقضم أظافرها بتوتر وهي تحاول إقناع نفسها أنه لربما كان منشغلًا لذلك لم يُجيب على رسالتها.
‘لا أنت عملت كتير، رحيم هو أنت متضايق مني عشان متقابلناش في الكافية صح؟’
سألته أفنان وقد ظهر أنه مُتاح ‘Online’ لكنه لم يُجيب، حاولت أفنان إقناع ذاتها مجددًا أنه ربما يكون منشغلًا لكن اليوم مر كاملًا دون أن يُجيب، استيقظت في اليوم التالي بلهفة كي ترى رده وقد جهزت العديد من الدُعابات التي ستقولها كي تجعل رحيم ينسى شعوره بالضيق تجاه ما حدث لكنه لم يُجيب ايضًا، مر يومًا آخر وتلاه آخر وآخر حتى مر أسبوعًا كاملًا ورحيم لم يُجيب على رسالتها…
باتت تسأل نفسها هل هو منشغل لتلك الدرجة التي تمنعه من الإجابة عن رسالة لن تستغرق من وقته سوى ستون ثانية على الأكثر؟ أم أنه مستاءًا منها لأنها لم تذهب معه إلى المقهى؟ أو ربما شعر بالضيق لكونها شككت في عملية التصحيح؟ ولربما يتجاهلها لأنها صرخت في وجهه… الأحتمالات لا حصر لها ولكن النتيجة واحدة وهي أن رحيم يتجاهلها لسببًا ما! ولقد كان ذلك الشعور مؤلم.. فكيف عساها تتأقلم مع فكرة أن الشخص الذي كانت تراه وتقضي معه أكثر من نصف يومها لمدة شهرين قد أختفى! وحتى المحادثات لم يعد يُجيب عنها!
‘رحيم هو أنت مش بترد عليا ليه؟ اللي حصل مش مستاهل أنك تزعل كل ده يعني!’
أرسلت تلك الرسالة وسرعان ما تخلل الندم فكرها، شعرت بأنها حمقاء بإرسالها تلك الرسالة في حين أنه تجاهلها لإسبوعًا كامل! لكن ما لم تلحظه هي أن الرسالة لم تُعطي سوى علامة واحدة وليست اثنتين، مما يعني أن الرسالة قد تم إرسالها لكنه لم يتلقاها لأن هاتفه غير متصل بالإنترنت.
“مالك في أيه؟ حصل حاجة؟” سألتها ميرال فور رؤيتها لوجه أفنان العابس على غير العادة وبمجرد أن سألتها ميرال عن ما حدث أنفجرت أفنان في البكاء، تكسو الحُمرة وجهها ويصدر منها صوت شهقات متقطعة لتهرول نحوها ميرال وتضمها بحنان.
“أنتي تعبانة طيب؟ نوح عملك حاجة؟”
“رحيم…” همست أفنان من بين بكاءها لتفصل ميرال العناق على الفور وهي تسألها بجدية وذُعر:
“عملك حاجة ولا أيه؟ لمسك ولا بعتلك صور مش كويسة ولا أيه؟”
“أيه يا بنتي القاذورات دي؟!! لا مبيردش عليا!”
“يا شيخة وقعتي قلبي حرام عليكي!” تفوهت ميرال وهي تضع يدها على قلبها قبل أن تجذب عُلبة المناديل الورقية وتضعها جانب أفنان التي تاخذ منديل لتكفكف دموعها.
“ممكن تفهميني بقى أيه اللي حصل؟” أومئت أفنان بهدوء قبل أن تشرح لها بإختصار ما حدث.
“وأنتي كنتي ناوية تخرجي معاه؟” سألتها ميرال بنبرة يفوح منها العتاب لتتحاشى أفنان النظر إليها وهي تُردف:
“بصراحة…”
“بصراحة أيه يا أفنان؟ أنتي عارفة أنك كنتي هتخوني ثقة بابا وماما فيكي لو كنتي عملتي كده؟ يعني هما لما بيسمحولك تنزلي بيبقى عشان واثقين أنك مش هتروحي في حتة من وراهم وأنك مش هتخرجي مع حد من غير ما تستأذنيهم وده كمان مش أي حد… ده شاب!”
“أنا عارفة أني كنت هغلط خلاص كفاية تقطيم!”
“ده مش تقطيم دي نصيحة، أنتي أختي الصغيرة وأنا واجبي أني انصحك ولما أشوفك هتغلطي أنبهك! كويس بقى أني تعبت يومها.”
“أيه يا ستي ده! بعد الشر عنك كويس أيه بس… عالعموم خلاص هو أصلًا مش بيرد وأحنا شكلنا هنقطع علاقتنا ببعض.” نبست أفنان بإنفعال في بداية حديثها ثم تابعت بنبرة منكسرة، لقد كانت على علم بأن رحيم سيختفي تدريجيًا من حياتها حينما تنتهي فترة التدريب لكنها لم تُريد من الأمر أن ينتهي على هذا النحو، كان من الممكن أن يودعها بلطف ويضع حد لحديثهم لأن أن يتجاهلها بتلك الطريقة.
“المهم سيبك من كل ده وعايزين بقى نركز في خطوبة بهانة بنت عمتك.” قالت ميرال بنبرة جادة لتبتسم أفنان ابتسامة صغيرة.
“صح عندك حق… بقولك أيه هو بابا صاحي؟”
“اه قاعد في الصالة بيتفرج عالماتش.”
“متقوليش أهلي وزمالك؟”
“اه.”
“نهارنا أبيض!! هتلاقيه متعصب دلوقتي، بس مش مشكلة هخرجله وخلاص.”
استقامت أفنان من سريرها ثم أتجهت نحو أحد أدراج مكتبها لتُخرج منه الظرف الذي يحتوي على نقود التدريب والذي لم تفتحه منذ أن منحها رحيم إياه، قربت الظرف من وجهها لتغمرها رائحة عطر رحيم على الأغلب أنتقلت رائحته إلى الظرف اثناء كتابته عليه، أغمضت أفنان عيناها لثوانٍ وهي تستنشق الرائحة وعلى الفور تسترجع هيئته الجذابة في يوم الحفل قبل أن تسترد وعيها على الفور حينما تتذكر ما حدث بعد ذلك، غادرت حجرتها واتجهت إلى والدها الذي كان يُشاهد التحليل الذي يُذاع بين الشوط الأول والثاني.
“أهلًا حبيبة بابا.”
“ازيك يا حبيبي، الماتش كام كام؟”
“٢-١ للأهلي.”
“طيب جميل جدًا، بابا أنا كنت عايزة أتكلم معاك في حاجة بس أوعدني تسمعني للآخر ومتضايقش ماشي؟” حاولت أفنان أن تتحدث بنبرة بريئة لطيفة على غير العادة لينظر نحوها والدها بشك وهو يقول:
“استر يارب شكل في كارثة.”
“عيب عليك يا حج أنا برضوا بتاعت كوارث؟ هو الموضوع وما فيه… بص يا بابا أنا طلعت الأولى عالتدريب زي ما حضرتك عارف.”
“أيوا يا حبيبتي الحمدلله، فين بقى الكارثة؟”
“كان في مكافأة كده للشخص اللي هيطلع الأول والمكافأة دي فلوس… 1500 جنية، فأنا هاخد منهم 500 لنفسي وهدي لحضرتك الباقي تصلح بيهم العربية.” كان والدها يستمع إليها بإنصات قبل أن تضطرب معالم وجهه في النهاية، أختفت ابتسامة أفنان لأنها تعلم أن والدها سيشعر بالضيق.
“حبيبتي الفلوس دي عشانك أنتي وأنتي تعبتي عشان توصليلها وأنا مش هقدر أخد منهم ولا جنية ومش هقبل نقاش في الموضوع ده، شوفي بقى هتعملي أيه بالفلوس هاتي لبس أو حاجة تشيليها لجهازك.” كانت تُنصت أفنان إلى والدها بحزن وكانت على وشك أن تُجادله كي تحاول إقناعه لكن سرعان ما قفزت فكرة إلى عقلها جعلتها تتراجع وبدلًا من الجدال قررت أن تُمازحه مُردفة:
“جهاز مين بس يا بابا ده أنا هقعد في حضنك طول العمر.”
“يارب بس متغيريش رأيك وتخلي زميلك يجي يتقدم وتقوليلي بحبه يا بابا!”
“لا من الناحية دي أطمن أنا اتخانقت مع زمايلي الولاد كلهم يحج ومحدش بيستجرى يكلمني، هسيبك بقى مع الماتش وهروح أشوف ماما بتعمل أيه.”
ذهبت أفنان لتنفذ خطتها وهي الآتي: ستمنح والدتها المال الذي رفض والدها أخذه منها وستجعل والدته تُخبره بأن ذلك المال هو مال كانت خالتها قد أخذته على سبيل السُفلة وقد اعادته إليها الآن وأنها لم تُخبر والد أفنان كي لا تشعر خالتها بالحرج، لا تعلم أفنان إن كانت الخطة ستنجح أم لا لكن لا سبيل أمامها سوى المحاولة، أبقت أفنان على الظرف مُغلق في حجرتها مجددًا لحين تُخبرها والدتها بموعد تنفيذ الخطة والتي لم تنفذها في وقتها لأن والدها كان سيكتشف الأمر بسهولة.
مر أسبوعًا آخر ومازال الوضع كما هو عليه دون جديد، لم يُجيب رحيم على رسائلها بل ولم يطلع عليها من الأساس، حاولت أفنان تخطي الأمر بل وتخطيه هو شخصيًا لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، أجل هي لم تعرف رحيم منذ مدة طويلة لكنه كان يشغل حيزًا كبير من يومها… لكن لحسن الحظ أن خطبة ريماس قد أقتربت كثيرًا مما جعل أفنان تنشغل عن رحيم بصورة مؤقتة.
في يوم الخطبة جلست أفنان أمام المرآة وهي تضع بعض مستحضرات التجميل قبل أن يقطعها صوت ميرال وهي تطلب من أفنان أن تُسرع مُردفة:
“أفنان أنتي لسه مخلصتيش لبس؟ بابا هيجي يضربنا دلوقتي!”
“خلاص هضبط الطرحة وأجي.” صاحت أفنان من داخل غرفتها وهي تقوم بضبط وشاح رأسها اللامع والذي كان بلون البنفسج تمامًا كلون فستانها والذي كان من قماش ‘التُل’ ذو طبقات عديد ولكن في الوقت ذاته ليس ‘منفوش’ كما يقولون والسبب في ذلك أن أفنان أرادت أن تبدو ريماس مميزة في هذا اليوم بثوبها وألا تخطف أفنان الأنظار منها.
“شوفتي عمتك عملالنا تاج عالفيس بوك في بوست فيه لوكيشن المكان، طب ما تبعته برايڤت لازم تعملنا عريضة يعني؟!”
“معلش سيبك منها لم نرجع نبقى نعملها بلوك، يلا بقى خلصي.” قالت ميرال لتجعل أفنان تصمت وتكف عن التذمر.
“بسم الله ما شاء الله، أحلى بنات في الدنيا ربنا يحفظكوا.” تمتم والدها فور رؤيته لها هي وميرال، جاءت زوجته لتنظر نحوه بعتاب فتظهر ابتسامة بسيطة على ثغره قبل أن يقترب منها ويُقبل رأسها وهو يُردف:
“بس طبعًا جمالكوا وحلاوتكوا ميجيش حاجة جنب جمال رانيا روح قلبي، كل مرة بشوفك فيها لابسة فستان بفتكر أول مرة.” تحدث بحب وهو ينظر إلى داخل عينيها، تنظر نحوهم ميرال بتأثر شديد بينما تُقرر أفنان إفساد اللحظة فتغمز بإحدي عينيها وهي تمازح والدتها قائلة:
“أيه حوار أول مرة ده يا ست ماما؟”
“بس يا بت أنتي! صحيح ميرال كلمي نوح شوفيه فين.”
“تكلم مين؟!!” سألت أفنان بإستنكار وبأعين متسعة لتنظر نحوها ميرال بطرف عيناها وهي تنبس ببطء مُتعمدة إثارة غيظ أفنان:
“نوح.”
“نوح ليه؟ ليه نوح؟ هو مش ده فرح تبع عيلة بابا برضوا؟!”
“ياستي الولد كتر خيره عارف أن عربية أبوكي لسه متصلحتش فقال يوصلنا عشان القاعة بعيد.”
“لا كتر خير أمه فعلًا.” همست أفنان بسخرية وهي ترتدي حذائها الفضي اللامع ذو الكعب العالي، ألتقطت أفنان صورة لنفسها ثم وضعتها على تطبيق أو اثنين من تطبيقات التواصل الإجتماعي.
بعد مرور بضع دقائق هاتفهم نوح مُعلنًا وصوله ليتوجهوا جميعًا إلى خارج المنزل، كانت ميرال تشعر بأن قلبها على وشك أن يقف لا تدري لماذا لكنها كانت متشوقة لرؤية ردة فعل نوح حينما يراها في ثوبها الزهري هذا، بمجرد أن رأها هي وأفنان ابتسم نوح ابتسامة واسعة، قام بتحية خالته وزوجها قبل أن يوجه نظره نحو ميرال ويُردف:
“أيه القمر ده! أومال فين ميرال؟”
“ما بنقولش كدا يا بني آدم أنت!” وبخته أفنان لينظر نحوها نوح بإزدراء ثم يُعلق على جملتها قائلًا:
“ملكيش دعوة أنتي متدخليش بيني وبين ميرال لو سمحتي.”
“عنده حق بتدخلي ليه؟” سألتها ميرال مستنكرة بنبرة مازحة لتنظر نحوها أفنان بغيظ وهي تضربها في كتفها بينما تُردف:
“بقى كده يا ميرال؟”
“اه كده ونص ومش عاجبك حصلينا مشي للقاعة.”
“لولا أن ماما وبابا معانا ومحتاجين التوصيلة كنت جبتلك الأربع فرد على الأرض.”
“الحمدلله أنهم معانا.”
لم يستغرق الطريق سوى أربعون دقيقة تقريبًا بواسطة السيارة، كانت الخُطبة مقامة داخل ڤيلا خاصة بالمناسبات، زُين المكان بالعديد من أفرع النور الرفيعة، كانت المقاعد مُغطاة بقماش أبيض اللون مُزين ب ‘فيونكة’ ذهبية اللون لقد كان المكان لطيف إلى حدًا كبير لكنه لم يكن يُناسب ذوق أفنان.
ذهبت أفنان وأسرتها ومعهم نوح ليقوموا بإلقاء التحية على أفراد العائلة وبعد الإنتهاء من سماع نكات الأقارب المُريبة والضحكات المُزيفة والقُبلات التي لن تستطيع أبدًا أن تُحصي عددها قررت أفنان أن تذهب لأخذ صورة لنفسها، ألتقطت أفنان بضع صور وقبل أن تذهب لتجلس فوجئت بطفلًا صغير يُلقي إليها بوردة بنفسجية اللون وورقة مطوية وقبل أن تسأل أفنان الطفل عن من مُرسل الورقة فتحتها لتقرأ ما فيها وكان الآتي:
“إلى أفي المُبهرة، I never knew i had a favourite color till i saw you today in this dress ‘لم أكن أعلم أن لي لونًا مُفضل إلا عند رؤيتي لكِ اليوم في ذلك الثوب’، دي وردة مني لأغلى وأقيم وردة شوفتها في حياتي.”
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية