Ads by Google X

رواية في حي الزمالك الفصل السادس و العشرون 26 - بقلم ايمان عادل

الصفحة الرئيسية

     


 رواية في حي الزمالك الفصل السادس و العشرون 26 - بقلم ايمان عادل


طَلَبٌ وَتَفْسِيرٌ 🦋✨🤎

لامعت عين أفنان وهي تقرأ ما كُتب في الورقة، طبقة بلورية خفيفة غلفت عيناها وهي تنظر حولها، نبضات قلبها تتسارع بقوة وتشعر بأن التنفس لم يعد بالسهولة ذاتها قبل كل قراءة تلك الكلمات، تقدمت أفنان بضع خطوات نحو الخارج وهي تبحث في كل مكان عنه بلهفة واضحة، غادرت الڤيلا ودققت النظر في المارة وفي السيارات لكنها لم تجده، عاودت النظر إلى الورقة الموضوعة في يدها لتجد أنها ليست مكتوبة بخط اليد بل هي مطبوعة، كان الأمر غريبًا بعض الشيء فلماذا يفعل شيء كهذا؟!

لم تفهم أفنان دلالة ذلك ولم تهتم كثيرًا في تلك اللحظة فكل ما يهم الآن هو أنه مازال يُفكر بها وأنه لم يختفي كما ظنت أنه فعل بل وأنه قريب منها قريب للغاية…


“بتعملي أيه؟ بابا بيدور عليكي.”

“أنا.. مبعملش حاجة..” أجابتها أفنان بتلعثم وهي تُخفي الوردة والورقة خلف ظهرها لتُطالعها ميرال بشك وهي تسألها:

“أنتي مخبية أيه ورا ضهرك؟”

“هوريكي بس متديش رد فعل أوڤر ماشي؟” أومئت ميرال بحماس وهي تنظر نحو يد أفنان بفضول شديد وبمجرد أن رأت الوردة في يد أفنان قفزت بحماس وهي تصيح:

“وريني وريني!!!”

“بس منك لله هتفضحيني!!! يادي الوكسة أهو رحيم شافنا وجاي.” وبختها أفنان بنبرة جادة ومتوترة في الآن ذاته لدرجة أنها ذكرت اسم رحيم بدلًا من نوح.

“رحيم؟” سألتها ميرال بإستنكار وهي ترفع أحدى حاجبيها لتنظر نحوها أفنان بتوتر شديد وعصبية وهي تتفوه بالآتي:


“رحيم مين؟ مين قال رحيم؟ أنتي قولتي رحيم.. أنا مقولتش أنا بقول نوح!”


“في حاجة يا بنات؟” سأل النوح الذي ظهر من اللامكان لتتنهد أفنان بضيق وتُشيح بنظرها بعيدًا عنه قبل أن تُتمتم بالآتي:

“عارف لما الإنسان بيخليه في حاله.. ربنا بيكرمه، أسيبكوا بقى مع بعض وأروح أشوف تيتا بتعمل أيه.” حاولت أفنان التملص من نوح والذهاب للطاولة كي تُخبي الوردة والورقة في حقيبتها الصغيرة اللامعة وقبل أن تذهب غمزت بإحدى عينيها لميرال.

ذهبت أفنان إلى الطاولة وهي تحاول إخفاء الورقة والوردة بين طبقات الفستان خاصتها قبل أن تجلس وتضع كلاهما في الحقيبة؛ على الفور رمقتها والدتها بشك ولكن لحسن الحظ قد وصلت العروس لذا أنشغل الجميع بقدومها لتتنفس أفنان الصعداء.

كانت ريماس ترتدي فستانًا باللون الأزرق السماوي وكان يرتدي هو بذلة كُحلية اللون، كان منظرهم لطيف وكانت السعادة بادية على وجه ريماس لكن العريس كان وجهه متجهم بعض الشيء، همس لريماس بشيء في أذنها لتختفي ابتسامتها هي ايضًا لكن بمجرد أن أقترب الجميع منهم لبدء الإحتفال عاودت الإبتسام؛ وقد كانت بسمتها مزيفة إلى حدٍ كبير.

“فستانها حلو أوي ما شاء الله.”

“اه لونة حلو فعلًا، بس بصي عمتك لابسة دهبها ودهب المنطقة كلها ما شاء الله.” كانت تتحدث أفنان بجدية في بداية حديثها قبل أن تسخر من فعل عمتها، فهي واثقة من أنها تعمدت ارتداء كل الذهب الذي تملكه فقط للفت الإنتباه.

“متبصيش عليها بقى لا تقول أننا بنحسدها.”

“على رأيك مش طالبة وجع دماغ بصراحة.” قاطع ثرثرتهم صوت النوح الذي جاء من اللامكان ليقف في المنتصف بين أفنان وميرال وهو يُردف:

“العروسة حلوة أوي، مش شبهكوا.” عبس وجه ميرال حينما سمعت جملته بينما نظرت نحوه أفنان بغيظ وقد رفعت أحدى حاجبيها بإعتراض وهي تسأله:

“حلوة عشان مش شبهنا؟!”

“أيه ده ده أحنا بنغير ولا أيه؟”

“غيرة؟! أيه يا عم القرف ده أغير أيه؟! هو ده منظر حد أغير عليه؟!” علقت أفنان بإستنكار وبتعابير وجه مُشمئزة لتقهقه ميرال بقوة بينما ينظر نحوها نوح بإعتراض وهو يسألها بإعتراض:

“في أيه يا بنتي هو أنتي بتكلمي واحد جربان؟”

“معرفش أنت أدرى بنفسك، فكرني تاني كده أنت أيه اللي جابك النهاردة؟”

“جيت أوصلكوا..”

“صح يعني أنت دورك النهاردة مقتصر على أنك سواق وأحنا بقى هنكرمك وهنأكلك من البوفية معانا كمان أكتر من كده ملكش حاجة عندنا ماشي؟” تفوهت أفنان بسخرية لتقهقه ميرال ثم تُضيف على حديث أفنان الآتي:

“المرة دي بقى أفنان معاها حق.”

“بقى كده يا ميمي تاخدي صف أفنان مش صفي؟”

“ما أنا دايمًا في النص بينكوا وأنتوا مش بتبطلوا خناق وبعدين هي أختي وأنت…” صمتت ميرال وصُبغت وجنتيها بالحُمرة وهي لا تدري ما الكلمة المناسبة التي تصف نوح بالنسبة إليها، تمتمت أفنان بسخرية وبصوتًا منخفض:

“هي أختي وأنت شرفي.”

“بتقولي حاجة؟”

“مبقولش.”

“بت يا أفنان تعالي سانديني.” أخترق مسامعها صوت جدتها لتتجه نحوها أفنان على الفور وتمد يدها كي تستند عليها جدتها، لم تكن جدة أفنان متقدمة في العمر بدرجة كبيرة فهي مازالت في عقدها السادس لكنها تُعاني من بضع مشاكل في قدمها.

“شايفة بنت عمتك حلوة ازاي؟ عشان بتسمع كلامي وكلام أمها، مش أنتوا يا حسرة.. أمكوا مايلت بخكتوا بإيدها.” علقت جدتها لتحاول أفنان تمالك أعصابها وعدم إظهار ضيقها على تعابير وجهها، تنهدت أفنان تنهيدة صغيرة قبل أن تقول:


“لا يا تيتة أنا بختنا مش مايل ولا حاجة بس لسه النصيب مجاش.”


“ما هما بنات اليومين دول كده يطفشوا العرسان ويقولوا النصيب مجاش.” لم تُعلق أفنان بل اكتفت بإبتسامة مُجاملة صغيرة برغم من أنها أرادت أن تصرخ من شدة الغيظ؛ لكنها في النهاية لم تفعل لأنها تحترم كونها جدتها وكونها تكبرها في العمر بغض النظر عن أن ما تقوله يَسُم بدن أفنان.

“بت مين الشاب الحليوة اللي واقف جنب ميرال ده؟ ده مش من عيلتنا.”

“ده يا تيتا ابن خالتي وجيه يوصلنا، كنت عايزاه يمشي عشان عيب والعدد وكده بس هو مرضيش.”

“يمشي ده أيه يا عبيطة؟ ده أنتي تمشي وهو لا.”

“ازيك يا حبيبي عامل أيه؟ منور.” ألقت جدتها التحية على نوح الذي ابتسم نحوها بآدب وإحراج وهو يُردف:

“بنور حضرتك يا تيتة.”

“أيه ده أنت عارفني؟”

“اه طبعًا ميرال وأفنان بيحكولي عن حضرتك كتير.”

“ويا ترى بيقولوا أيه بقى؟” سألت جدتها بخبث لتتسع أعين أفنان وهي تنظر نحو نوح بنظرات مُحذرة ليبتسم هو بمكر ثم ينبس:

“كل خير طبعًا.”

“طيب، المهم أيه رأيك في الخطوبة؟”

“جميلة ما شاء الله.”

“عقبال خطوبتك أنت وميرال.” أردفت جدتها لترتسم ابتسامة متفاجئة على وجه نوح بينما ميرال كانت تدعو أن تنشق الأرض وتبتلعها في جوفها من شدة الإحراج.

“قصدي يعني نفرح بيكوا وبأفنان وبكل اللي لسه متجوزش.”

“ان شاء الله يا تيتة.”

انقضى اليوم سريعًا فابالرغم من كون أفنان لا تشعر بالراحة كثيرًا وسط عائلة والدها إلا أنها أمضت الوقت في إلتقاط الصور والثرثرة مع ميرال ومشاكسة نوح وبعض الرقص بالطبع، عادت أفنان إلى المنزل برفقة أسرتها وهي لا تشعر بقدميها من شدة الآلم بسبب حذائها وطبعًا لم تخلو الليلة من المزيد من التعليقات بواسطة جدتها وعمتها وخاصة بعد فقرة ارتداء ‘الشبكة’ حيث ابتاع الشاب عدد كبير من الحُلي الذهبي من أجل ريماس.

“يخربيت الكعب وسنينه!!” علقت أفنان فور أن دلفت إلى داخل المنزل وهي تُلقي بجسدها على أقرب أريكة بينما تخلع حذائها بعشوائية.

“قولتلك متلبسيش كعب وبعدين كعب مين يا أفنان فوقي أنتي كنتي قالعة الجزمة نص الخطوبة أصلًا!”

“عيب على فكرة اللي بتقوليه ده.” قالت أفنان ثم انتظرت حتى توجه والديها إلى حجرتهم قبل أن تُضيف أفنان بصوتًا منخفض بينما تتجه نحو حجرتها هي وميرال:

“بقولك أيه أنا هفتح واتساب بقى أكيد رحيم رد عليا.” فتحت أفنان هاتفها بحماس ليُعلن عن وصول العديد من الإشعارات لكن لم يكن اسم رحيم من بينهم، ارتسمت ملامح الخيبة على وجهها وعبست قبل أن تُلقي الهاتف على السرير بإهمال.

“أنا مش فاهمة هو مش بيرد عليا ليه؟!!”

“يمكن… يمكن مشغول.”

“مشغول يرد عليا بس مش مشغول يبعتلي وردة وجواب؟” سألت أفنان بخيبة أمل وعند تلك النقطة لم تجد ميرال مُبرر لأفعاله الغريبة لذا صمتت لبعض الوقت قبل أن تقول:

“عندك حق.. بصي سيبك منه بجد هو لو عايز يتكلم هيتكلم عدل لكن شغل الإختفاء ده مينفعناش، أصلًا الحوار كله مينفعناش وأنتي عارفة.”

“يووه يا ميرال بقى! أنتي نوح بَهت عليكي وكلامكوا بقى واحد.”

“كلامنا مش واحد، الشبه بينا أننا خايفين عليكي أحنا الأتنين وشايفين حاجات أنتي مش شايفاها أو عاملة نفسك مش شايفاها.”

“خلاص يا ميرال أرتاحي أنتي ونوح مبقاش في رحيم ولا زفت خلاص وأساسًا الدراسة كلها كام يوم وتبدأ والصفحة دي هتتقفل نهائي!” صاحت أفنان بإنفعال قبل أن تأخذ هاتفها، وشاح لرأسها وحقيبتها الصغيرة وتغادر الحجرة وتذهب للجلوس في الشرفة وحيدة.

بمجرد أن جلست أفنان على الأرضية الباردة قليلًا عاودت النظر إلى هاتفها مجددًا لكن أعتلت الخيبة ملامح وجهها مجددًا… مازال رحيم لم يُجيب عن رسائلها إذًا لماذا أرسل تلك الرسالة وفعل تلك الحركة الرومانسية المُبتزلة؟ هل يقصد جعلها مشتتة أكثر؟ هل يتعمد أن يُحمسها لعودته ثم يختفي تاركًا إياها في دوامة من التفكير المُفرط…

أخرجت أفنان الرسالة وكادت أن تشقها نصفين لكنها لم تستطيع ودون أن تشعر وجدت نفسها قد شرعت في البكاء بالفعل، لقد حافظت على مشاعرها كل تلك السنوات ليأتي هو ليُبعثرها في أقل من ثلاثة أشهر؟

لعنت أفنان نفسها وهي تمسح دموعها التي لا تدري سببها، رحيم لا يعني لها أي شيء هو مجرد شخصًا قابلته عن طريق المصادفة وقامت بمساعدته على سبيل الإنسانية ثم قابلته مجددًا عن طريق المصادفة كذلك لكنه لم يكن سوى مُدير الشركة والشخص الذي يمنحها التدريب وبالنسبة إليه هي ليست سوى مُتدربة؛ حاولت إقناع نفسها بكل ذلك كي لا تشعر بالآلم… لقد كان نوح مُحق حينما قام بتحذيرها بغض النظر عن كونه وغد لكنه كان يملك نظرة صحيحة.

بعد أن كفكفت أفنان دموعها عاهدت نفسها أنها ستتوقف عن التحدث بشأن رحيم بل أنها ستمنع نفسها من أن يخطر على بالها من الأساس.

مر أسبوعًا على خطبة ريماس والرسالة، عادت الأمور إلى مجراها مجددًا الزيارات العائلية لخالتها وزيارة عمتها لتتحدث كل خمس ثوانٍ عن ‘الشبكة’ باهظة الثمن الذي ابتاعها خطيب ريماس من أجلها، بدأت أفنان استعدادت العودة للدراسة ومازال رحيم لم يظهر بعد وقد توقفت أفنان عن ذكر اسمه حتى وإن كان يقفز إلى عقلها من الحين للآخر، حتى وإن كانت تَشم رائحته في كل مكان وحتى وإن كانت تتذكر صوته، ضحكته، تعابير وجهه في كل ثانية.

‘جاهزة للكلية؟ لو اتأخرتي بكرة عالسكشن هطردك.’

‘نوح بقولك أيه أنا أساسًا على آخري وبعدين هو مفيش معيد غيرك في الكلية كلها ولا أيه؟’

‘ما يمكن عشان سبحان الله المواد اللي قصدك عليها تبع قسم واحد واللي أنا متعين فيه؟! المهم متتأخريش برضوا.’

‘طيب ماشي باي بقى.’

في صباح اليوم التالي استيقظت أفنان بكسل، بدلت ثيابها المنزلية إلى ثياب مُريحة نظرًا لأنها ستمضي وقتًا طويل في الجامعة، وضعت أغراضها والمعطف الطبي في حقيبتها واتجهت نحو الخارج.

“صباح الخير يا بابا صباح الخير يا ماما، ماما أعمليلي تلاتة لانشون واتنين جبنة رومي وخيارة معلش عشان مستعجلة ومتأخرة عالسكشن ومليش نفس.”

“خمس سندوتشات وملكيش نفس؟ أومال لو ليكي نفس هتاكلي دراعي ولا أيه؟”

“كده يا ماما بتعدي عليا اللقمه؟ مكنش العشم بس بكرة أسيبكوا وأمشي وتبقوا بتتمنوا كده أجي أفطر معاكوا.” قالت أفنان بنبرة درامية لتنظر نحوها والدتها بعدم تأثر قبل أن تُعلق بسخرية:

“ليه مهاجرة ولا أيه؟”

“شايف يا بابا بتتريق عليا ازاي؟”

“معلش يا حبيبتي حقك عليا، ما تسيبيها يا رانيا تاكل بالهنا والشفا.”

“والله يعني أنت معاها عليا يا أحمد؟ ماشي.”

“لا يا ماما يا حبيبتي حقك عليا هاتي بقى السندوتشات عشان مستعجلة.” أردفت أفنان وهي تأخذ من والدتها الطعام وتهرول نحو الخارج.

وصلت أفنان في الموعد المحدد الثامنة والنصف وبينما تسير جهة المعمل لمحت بطرف عيناها نوح وهو يتجه نحو المعمل ايضًا مما يعني أنه إذا وصل قبلها بثوانٍ فهو سيمنعها من الدخول لذا وبدون ذرة تردد ركضت أفنان نحو الباب ودفعت نوح نحو الخلف بخفة وهي تهرول نحو الداخل.

“وصلت قبل حضرتك!” قالت من وسط أنفساها المتوقعة وهي تحاول ألا تضحك كي لا تُغضبه.

“هعديهالك المرة دي بس مش هعديلك أنك واقفة في المعمل من غير البالطو.” تفوه نوح بنبرة رسمية وهو يبتسم ابتسامة سمجة لتضغط أفنان على فكها بغيظ وهي تُلقي حقيبتها على أحدى الكراسي وتُخرج منها المعطف وترتديه.

مرت ساعتين من الثرثرة المتواصلة لنوح ومن ثم تبعها ساعة من التطبيق العملي للشرح لينتهي ال “سكشن” في الحادية عشرة والنصف، تتجه أفنان مباشرة بعد ذلك لحضور محاضرة تستمر ايضًا لمدة ساعتين، تنتهي أفنان أخيرًا في الواحدة والنصف لتذهب إلى أحدى المقاعد في ساحة الحرم الجامعي لتجلس لتناول طعامها.

جلست أفنان وأخرجت الشطائر من حقيبتها وأخذت قضمه ومعها رشفة من عصير البرتقال الذي ابتاعته في طريقها إلى الجامعة، قاطع تناولها للطعام صوت أحدهم وهو يسألها بأدب:

“لو سمحتي ممكن أعرف فين شئون الطلبة؟” بمجرد أن أخترق الصوت مسامع أفنان سعلت بقوة لوقوف الطعام في حلقها قبل أن تتفوه بصدمة وسط سعالها بشيء واحد:

“رحيم!!!”

“أفنان Oh my god ‘يا إلهي’ أنتي كويسة؟” لم تُجيبه أفنان بل ظلت تسعل ليهرول رحيم إلى ‘الكافتيريا’ ليشتري لها زجاجة مياه ويمنحها إياها.

“أتفضلي Water will help ‘المياه ستساعدكِ’ عشان ال…”

“الشَرقة؟” سألته من وسط سعالها ليُجيبها بتوتر:

“مش عارف اسمها! بقيتي كويسة دلوقتي؟”

“اه الحمدلله… ثواني بس أنتَ أيه اللي جابك هنا؟”

“جاي اسأل عن اجراءات التقديم على تحضير Master ‘ماچستير’.” أجاب رحيم ببساطة شديدة وهو يضع كلتا يديه خلف ظهره، نظرت نحوه أفنان بعدم تصديق وهي تُضيق عينيها قبل أن تُعلق على حديثه بإنفعال قائلة الآتي:

“أنت هتستعبط يلا؟! ما انت معاك ماجستير!”

“هعمل ماستر كمان هو أنا لازم أحضر واحدة بس يعني؟” تحدث رحيم من وسط قهقهته فلقد أفتقدها كثيرًا وأكثر ما أفتقده هو أسلوبها المُميز وطريقتها تلك، ازدادت تعابيرات وجهها استياءًا حينما رأته يضحك.

“طيب أمشي دلوقتي يا رحيم لو سمحت، نوح لو شافنا هيعملي فضيحة في المكان كله وهنا بقى هو معيد رسمي مش شغال عندك عشان تمنعه!” أخبرته أفنان بتوتر وهي تتلفت حولها بينما نظر نحوها رحيم بلطف وهو يقول بثبات وثقة شديدة:

” طيب خليه يستجرى يعملك حاجة وقبل ما يروح بيتهم هيكون جواب فصله من الجامعة وصل قبله.”

“ده أنت جامد بقى وروش.”

“أنتي بتسخري مني صح؟”

“بتسخري؟ الست زينة هانم.” أردفت أفنان بسخرية وقد ارتسمت ابتسامة جانبيه على ثغرها نتيجة استخدامه لفعل باللغة العربية الفصحة وأكملت سخريتها بجملة من أحدى الأفلام القديمة.

“أنا مش فاهم أنتي بتقولي أيه بس تمام طالما اللي قولته خلاني أشوف ابتسامتك.” تفوه رحيم وهو ينظر إلى أفنان بنظرة حنونة لتُزيل الإبتسامة عن وجهها على الفور مُتعمدة مضايقته، ساد الصمت لثوانٍ كانت أفنان تتأمل فيها عيون رحيم الخضراء الذي زادتها أشعة الشمس جمالًا حيث جعلتها تبدو أفتح، أما عن ابتسامته فلا داعي لوصفها فلقد جعلت أفنان تذوب.

“رحيم أنت عايز مني أيه؟” سألته أفنان بجدية شديدة وهي تعقد كلتا يديها أمام صدرها، يأخذ رحيم نفس عميق قبل أن يُجيب عن سؤالها قائلًا:

“عايزك تسمعيني! عايزك تسمعيني زي ما سمعتك لما أنس شافك مع نوح، اديني فرصة أشرحلك وبعدها قرري هتسامحيني ولا لا!”

“لا مش قصدي في الموقف ده، قصدي أنت عايز مني أيه في العموم؟ مش كل اللي كان بيجمعنا التدريب وأديه خلص، أنت بقى عايز أيه دلوقتي؟”

باغتت أفنان رحيم بتلك الأسئلة، لم يتوقع قط أن تسأله أسئلة كتلك ولم تكن الإجابة حاضرة في ذهنه بالفعل لكن هي.. لقد راودتها تلك الأسئلة طوال الأيام الماضية التي لم تكن تعرف هي سر اختفاءه…

“معنديش إجابة محددة بس كل اللي أعرفه وواثق منه أني وأنا معاكي بكون أحسن version ‘نسخة’ من نفسي، بكون مطمن وبكون على طبيعتي… هل دي إجابات كافية بالنسبالك؟”

أجابها رحيم بصدق وبنبرته الهادئة المُعتادة التي كانت كالسيمفونية في أذن أفنان، تجنبت النظر إليه بينما كان ينظر هو إلى داخل عيناها… بالرغم من التأثير العظيم لتلك الكلمات على قلبها وبغض النظر عن تلك الرجفة التي أصابت يدها إلا أنها شعرت أن الأمر برمته خاطئ.

“رحيم أنت لازم تمشي دلوقتي، الناس بدأت تاخد بالها ما هو مش طبيعي حد يجي الكلية ببدلة سينيه!!”

“على فكرة الناس في ال Graduation party ‘حفل التخرج’ بيلبسوا بدلة.”

“اه ما أحنا مش في حفلة تخرج ولا ده حتى وقت مناقشة مشروع تخرج فا من فضلك أمشي.”

“مش همشي من غيرك، أنا عارف أنك خلصتي ال lectures ‘المحاضرات’ اللي عندك النهاردة So ‘لذا’ يلا نمشي.”

كادت أفنان أن تُجادله لكنها لمحت بطرف عيناها نوح يقف على مسافة ليست ببعيدة ويتحدث إلى بعض الطلاب، تتسع عيناها على الفور وهي تُلملم أغراضها ثم توجه نظرها نحو رحيم وهي تُردف:

“طيب ماشي يلا بسرعة بس، أمشي قدامي أسبقني.”

“مينفعش أمشي قدامك Ladies first ‘السيدات أولًا’.”

“لا مش وقت جنتله خالص وحياة الست الوالدة.” تمتمت أفنان وهي تُسرع من خطواتها لكن رحيم لم يقتنع بحديثها وجعلها هي تتقدمه أثناء السير، وقد فعل ذلك لأنه شعر أنه بحاجة لحمايتها ومراقبة جميع من حولها.

“تحبي نقعد فين؟” سألها رحيم فور أن غادروا مقر الجامعة لتُجيبه أفنان على الفور:

“أي مكان، أقولك بينا عالزمالك في قهوة بلدي هناك جنان.”

“أفي، أفي أحنا هنقعد في restaurant ‘مطعم’ تمام؟”

“أي حتة يا رحيم خلينا نخلص.”

“تمام هطلبلك عربية توصلك.”

أومئت أفنان بحسنًا ولم تُعلق بالمزيد، بعد ثلاثة دقائق جائت سيارة بالفعل، تأكد رحيم من سلامتها ثم اتجه إلى سيارته ليسير خلفها، كانت أفنان طوال الطريق تُفكر في كم هي مستاءة من رحيم لكن ظهوره الغير متوقع وكلماته المعسولة جعلتها تتناسى غضبها الشديد الذي كانت تكتمه داخلها في الأيام الماضية، بعد عشرون دقيقة توقفت السيارة أمام المكان المنشود.

وكالعادة أخذها رحيم إلى مطعم فاخر، لم يكن المكان مزدحمًا نظرًا لأن الوقت مازال مُبكرًا، دلفت أفنان نحو الداخل بعد أن قام رحيم بفتح الباب من أجلها بنُبله المعتاد.

“نجيب ال Menu ‘قائمة الطعام’ دلوقتي ولا نستنى شوية؟”

“أنا جاية لا أكل ولا أشرب يا رحيم، قول الكلمتين اللي عندك عشان أروح لو سمحت عشان مش المفروض أصلًا أني أكون قاعدة معاك دلوقتي.” قالت أفنان بحزم شديد لينظر نحوها رحيم بحيرة قبل أن يسألها:

“ليه غلط؟ أحنا في مكان عام وفي ناس حوالينا وأحنا مش في وقت متأخر.”

“كل دي مش مبررات، غلط عشان مينفعش أقعد مش شاب غريب وكمان بدون علم أهلي عالعموم مظنش أنك جايبني هنا عشان تناقشي في معتقداتي وأفكاري.” كانت أفنان تشعر بذنب شديد لجلوسها مع رحيم بل وتحدثها معه من الأساس.

“طيب أنا هطلب عصير لينا أحنا الأتنين وبعدها هشرحلك سبب اختفائي وهخليكي تمشي عشان متتأخريش.”

“قولتلك مش عايزة أشرب حاجة.”

“طيب عايزة أيه؟”

“أطلبلي نص فرخة.” أردفت أفنان بسخرية مُقتبسة تلك الجملة من أحدى الأفلام الكوميدية، وبعد العديد من المناوشات حول ماذا سيكون طلبهم انتهى بهم الأمر وهو يتناولون طبقًا رئيسي ‘Main dish’ ، ساد الصمت لبعض الوقت بينما تُطالع أفنان رحيم بإستياء بينما ارتخت تعابير وجهه.

“أفنان أنا كنت مسافر England ‘إنجلترا’ كان لازم أسافر ضروري ومكنش في وقت اقولك.”

“ويا ترى أيه اللي خلاك تسافر ملهوف كده إن شاء الله؟” سألت أفنان بحنق شديد وهي تضع أحدى يديها على خصرها، يضحك رحيم حينما يرى ردة فعلها ثم يُغمض عيناه لثوانٍ ويتنهد ثم يُكمل:

“طيب ممكن تديني فرصة أشرحلك من غير ما تقاطعيني؟” أومئت أفنان بهدوء ظاهريًا بينما في داخلها كاد الفضول يقتلها.

“أنا كنت المفروض هقابلك ونقعد شوية بعد الحفلة كنت هخلص معاكي وأطلع عالمطار على طول، أنا عارف أن أسلوبي في الرد عال Message ‘رسالة’ بتاعتك مكنش حلو بس أنا كنت مضغوط جدًا، المهم أني في طريقي للمطار التليفون وقع مني في العربية وما أكتشفتش ده غير لما سافرت.”

“وهناك في بلاد برا مفيش تليفونات يعني ولا أيه؟ عايشين في العصر الحجري.” سألته أفنان بمزيج من الحنق والسخرية لكن رحيم لم يتأثر كثيرًا بل نظر نحوها بهدوء تام وهو يرتشف من كوب الماء الذي أمامه ثم يُحمحم ثم يُجيبها بالآتي:

“لا في تليفونات بس أنا مش حافظ رقمك وأنا أصلًا كنت مشغول جدًا لدرجة مكنش في وقت حتى للأكل والنوم.”

“اه أومال أنت ازاي بعتلي وردة ورسالة على مكان الخطوبة بقي إن شاء الله؟” سألته أفنان بحنق ليضحك رحيم على أسلوبها حيث بدت غاية في اللطف وهي مستاءة.

“عشان أنا قبل ما أسافر كنت Already ‘بالفعل’ متفق مع حد أنه يبعتلك مسدچ وورقة على مكان الخطوبة.”

“وأنت عرفت مكان الخطوبة منين؟ وعرفت منين أصلًا أن في خطوبة؟ أيه ممشي ورايا مُخبر؟”

سألته عدة أسئلة متتالية وهي واثقة من أنه لا يملك إجابة مقنعة فكيف له أن يُرسل تلك الأشياء دون أن يُحضرها هو بنفسه؟! استطاع رحيم قراءة تعابير وجهها والتي لم تبدو مقتنعة كثيرًا بإجابته السابقة، ارتسمت ابتسامة جانبية على ثغره وهو ينبس بالإجابات خاصته والتي بدت منطقية إلى درجة كبيرة.

“سمعتك في يوم بعد تدريب بتكلمي ميرال على الفستان وبعدين ال Location ‘الموقع الجغرافي’ مفيش أسهل منه، أفنان literally ‘حرفيًا’ كان في حد عاملك Tag ‘إشارة’ بمكان وميعاد الخطوبة.”

“يعني أنت مكنتش موجود يومها؟”

“لا.”

“طيب ممكن أعرف أنت سافرت ليه أصلًا؟ ممكن ولو لمرة واحدة تديني مبرر مقنع لإختفائك المفاجئ.”

“كل ديه مش أسباب كافية؟” سأل رحيم بإندهاش شديد لتُحرك أفنان رأسها ب ‘لا’ ثم تُضيف:

“عايزة أعرف كنت مسافر ليه.”

“أول مرة تبقي فضولية، عمرك ما سألتي.”

“عندك حق أنا مش المفروض اسأل أصلًا، سلام.” نبست أفنان بضيق وهي تأخذ حقيبتها وتهم بالرحيل ليجذبها رحيم برفق بواسطة حقيبتها

“استني بس استني… أنا مش هينفع أقولك عشان هي حاجة متخصنيش أنا.”

“أومال تخص مين إن شاء الله؟”

“أنس، والموضوع كبير وملهوش علاقة ببنات متقلقيش.” زفرت أفنان براحة حينما سمعت، كانت نبرة رحيم صادقة وعلى أي حال هو ليس بحاجة للكذب.

“بس كده؟”

“لا كان عندي اجتماع مع شركة هناك في شغل بينا وبينهم وبما إن بابي مكنش فاضي وأنا كنت هناك أصلًا فخلصت الشغل.” كانت تسمع أفنان بإهتمام لكن بمجرد أن قال رحيم لفظة ‘بابي’ انفجرت أفنان ضاحكة حتى دمعت عيناها بينما نظر نحوها رحيم بحيرة وهو لا يدري ما المُضحك في حديثه إلى تلك الدرجة؟!

“هو أنت بجد بتقول لباباك يا بابي؟”

“اه… فين المشكلة مش فاهم؟”

“توتو فعلًا توتو.” علقت أفنان بسخرية وهي تقهقه بقوة لينظر نحوها رحيم بحيرة وهو يسألها بعد فهم:

“توتو؟ أنتي بتقولي أيه؟ أنا مش فاهم.”

“خلاص متزعلش أنا أسفة بس أصل الموضوع غريب أوي بجد.”

“ليه هو أنتي بتقولي ل Uncle ‘عمو’ أيه؟”

“بقوله بابا أو ساعات يا حج ساعات بندهله بإسمه، وممكن أدلعه أقوله يا حمادة كده يعني.”

“لا لا wait a second ‘انتظري لثوانٍ’ أنتي بتقولي لباباكي بإسمه وبتدلعيه؟!” سأل رحيم وقد كانت الدهشة بادية في نبرته لتضحك أفنان في البداية ثم تُدرك أنه حقًا مُنبهر بما تقوله.

“هو أنت مش بتعمل كده؟”

“لا عشان It’s not polite ‘ليس من الآدب’ أني أعمل حاجة زي كده.” قام رحيم بإيضاح وجهه نظره لتنظر نحوه أفنان بإبتسامة صغيرة لا تخلو من التعجب، مرت بضع دقائق من الصمت بينما يتناول كلاهما طعامه لم تُنهي أفنان طعامها لذا نظر نحوها رحيم وهو يُردف:

“هخلي ال Waiter ياخدلك باقي الأكل takeaway ‘تأخذ الطعام للمنزل’.”

“لا لا مش هينفع أروح ببقيت الأكل هما أصلًا في البيت ميعرفوش أني خرجت بعد الجامعة.” أردفت أفنان التي نظرت إلى الساعة في هاتفها وقد كانت تقرب من الخامسة مساءًا.

“حطيه في شنطتك محدش هياخد باله يا أفنان.”

“أنت ناوي تعملي مصيبة بجد…”

“لا لا مفيش مصايب ولا حاجة Don’t worry ‘لا تقلقِ’.”

“طيب رحيم أحنا مش هنتكلم تاني صح؟”

“هستناكي في الشركة عشان تيجي تاخدي الشهادة بتاعتك.” أجاب رحيم على سؤالها إجابة لا تمت بصلة للسؤال خاصتها، نظرت نحوه أفنان بإبتسامة جانبية قبل أن ينظر رحيم إلى ساعة يده الفخمة ثم يُردف:

“أظن المفروض نتحرك عشان متتأخريش.”

“اه يلا بينا.” تمتمت بينما أخذت تتأمل ساعة رحيم الفاخرة، قبل أن تستقيم من مقعدها وتغادر المكان، كان كل شيء على ما يرام عدا أن أفنان لم تنتبه أنها جعلن هاتفها على وضع الصامت.

“أشوفك قريب يا أفي، مش هحسب مقابلة النهاردة لأني ملحقتش أقعد معاكي.”

“ربنا يسهل يا رحيم.. شكرًا عالغداء وعلى الرسالة والوردة.. وكل حاجة.”

“صدقيني دي أقل حاجة ممكن أعملها عشانك بس عمومًا عفوًا يا ستي.”

قام رحيم بطلب سيارة لتقوم بإيصال أفنان إلى المنزل، لوحت له أفنان مودعة إياه من داخل السيارة بينما وقف هو ينظر نحوها بإبتسامة لطيفة بينما يضع يده اليمين داخل جيب بنطاله وهو يلوح بيده الآخرى.

وصلت أفنان إلى منزلها في خلال نصف ساعة تقريبًا وقد كانت الساعة قد وصلت إلى الخامسة والنصف تقريبًا، كانت أفنان ستطرق باب المنزل لكنها قررت أن تستخدم المفاتيح خاصتها بدلًا من ذلك، فتحت أفنان الباب ببطء وبمجرد أن خطت نحو الداخل أخترقت أنفها رائحة عطر رجولي، لم تدري أفنان لمن تلك الرائحة فتلك ليست رائحة والدها ولم تمر سوى بضع ثوانٍ قبل أن تكتشف أفنان صاحب الرائحة…

لقد كان نوح يجلس على الأريكة يرتدي بذلة رسمية سوداء اللون بينما يجلس إلى جانبه والدها وعلى الأريكة الآخرى جلست خالتها ومريم إلى جانبها بينما وُضع أمام نوح على الطاولة عُلبة شيكولاتة فاخرة وباقة زهور، لم يستطيع عقل أفنان إستيعاب ما يحدث وكادت أن تسأل الجميع لكن قبل أن تفعل قاطعها صوت نوح وهو يقول الآتي بنبرة لا تخلو من التودد:

“طبعًا يا عمو أحمد حضرتك اللي ربتني بعد وفاة بابا الله يرحمه وكان ليك فضل كبير جدًا عليا وعشان كده أنا النهاردة اتجرأت وجيت عشان أطلب من حضرتك طلب.”

“طبعًا يا حبيبي أتفضل.” عقب والد أفنان بسعادة شديدة ليبتسم نوح بتوتر وخجل قبل أن يُحمحم ويُردف:

“عمو أحمد أنا طالب القرب من حضرتك.”


google-playkhamsatmostaqltradent