رواية في حي الزمالك الفصل الحادي و الثلاثون 31 - بقلم ايمان عادل
طَلَب مُتَابَعَة. 🦋🤎✨
أكتر حاجة أخدتها جد في حياتي، أنس أنا قررت أتهور…”
“رحيم أوعى تكون بتفكر في اللي جيه في دماغي!!!” صاح أنس في وجهه ليحك رحيم جبهته بيده بينما يسأل بمزاح:
“أيه اللي جيه في دماغ طيب؟ أنت أصلًا دماغك قذرة فحدد من فضلك.”
“نفس اللي في دماغك وأنا بصراحة مش مقتنع ومش موافق.”
“أيه ده؟! أنت مالك أصلًا؟!!”
استنكر رحيم وهو ينكز أنس بخفه بينما صاح الآخر مُعترضًا ومحاولًا أن يُعيد رحيم إلى صوابه:
“ده كمين يسطا عشان تتقدملها، بتختفي بقى عشان تجري وراها وبتاع، فوق!!!”
“طب وايه المشكلة لما أتقدملها؟”
“شيت! يعني بتفكر تتقدملها فعلًا؟!”
“أنا مش عارف… أنا مش هقدر أبعد عنها ولا هقدر أشوفها مع حد غيري فأنا عايز أبقى جنبها بالطريقة اللي تريحها وتخليها مبسوطة، فين المشكلة مش فاهم؟”
“المشكلة انك هتقول نعمل فترة خطوبة عشان نتعرف على بعض اكتر بما أنك متعرفهاش كويس، فترة وهتزهق وعشان تحاول تخلع من الجوازة هتلاقي أهلها دبسوك في شبكة وعفش وأجهزة وترتيبات الهاني مون عقبال ما تحاول تفلفص ولا تفوق لنفسك هتلاقيك بقيت معاك عيلين وكرشك دلدل!!!”
فسر أنس وجهة نظرة وبالرغم من أن حديثه كان مشوب بالسخرية إلا أن تعابير وجهه كانت جادة تمامًا لينظر نحوه رحيم بإزدراء قبل أن يُردف الآتي:
“أنس أنا شاكك أن عندك fear of commitment ‘خوف من الإلتزام’ بس أنت شرحت الموضوع بأحقر طريقة ممكنه.”
“هو أنا أكيد عندي اه، بس أنا بكلمك بالعقل يا ابني ده كفاية أصلًا المشاكل اللي هتبقى بين عائلتك وعائلتها!”
كان أنس مُحقًا في تلك النقطة لكن رحيم لم يتفق معه، فرحيم يرى أن الأمور يجب أن تؤخذ ببساطة أكثر فلا داعي للتعقيدات لذا علق رحيم على حديثه مُردفًا:
“ليه كل ده؟ ما هو يمكن نعرف نتفاهم!”
“طبعًا لازم تقول كده، أنت مشوفتش هي ساكنة فين أو بيتهم عامل ازاي أو الشارع نفسه والمنطقة!”
“بس أنا هتجوز أفي لوحدها مش هتجوز كل الحاجات دي معاها وبعدين مالو بيتها يعني؟ ما هو زي أي بيت!”
تمتم رحيم مستنكرًا حديث أنس، فنظرة رحيم للزواج كانت أوربية بحتة حيث يظن أنه بعد عقد القران سيكون له حياة مستقلة تمامًا هو وأفنان بعيدًا عن عائلته وعائلتها وأنهم لن يذهبوا لزيارتهم سوى في الأعياد والمناسبات الرسمية لكن ذلك الوضع لا يتماشى مع المجتمع العربي بصورة عامة والمصري بصورة خاصة، فهو لن يقدر على عزل نفسه وأفنان بعيدًا عن الجميع وتدخلهم وتعليقاتهم والزيارات المتكررة بداعي وبدون.
“لا يا رحيم، بيت صغير في حارة مش زي قصر في الزمالك صدقني أنا مش قصدي أتكلم بطبقية زي ما أكيد باين من نبرتي وعارف أن أنتَ ممكن تحاول بكل طاقتك أنك تتجاهل الحاجات دي بس الحاجة إيڤلين هتوافق عالكلام ده؟”
سأل أنس سؤاله بوضوح ودون مراوغة وقد كان الحديث مُباغتًا لرحيم الذي بصق المياه التي في فمه وهو يسعل بقوة فلقد نسي تمامًا أمر والدته حينما كان يحلم بحياته الوردية برفقة أفنان، قهقه أنس بقوة على ردة فعل رحيم ليرمقه الآخر بحدة بينما يجذب المناديل الورقية ليجفف فمه ولحيته.
“ألحق جبنا في سيرة القط جيه ينط!”
“أيه؟!”
“أبوك بيتصل عليك.” عقد رحيم حاجبيه قبل أن يسحب الهاتف من يد أنس ويُجيب على والده وقد كانت المُحادثة كالآتي:
‘بابي، خير في حاجة؟’
‘لو أنس جنبك روح أتكلم بعيد.’ حمحم رحيم قبل أن يستقيم من مقعده ويتجه نحو الحديقة الأمامية دون أن يتفوه بحرفًا واحد بينما كانت أعين أنس تراقبه بشك.
‘في حاجة حصلت ل Uncle فريد؟’
‘عرف أن أروى مش في المستشفى وقلب الدنيا.’ أعلن والده بنبرة جادة هادئة ليلعن رحيم أسفل أنفاسه لكنه حافظ على ربأطة جأشه وعاود السؤال بهدوء:
‘وبعدين؟ عرف يوصل لحاجة؟ وبعدين هو عرف منين أصلًا؟’
‘مراتة راحت تزور أروى ملقتهاش وطبعًا اتخانقت في المستشفى واتصلت بفريد وهو راحلها على هناك.’
‘لا لا ثواني بس، هي مامت أنس خرجت أمتى؟’ هنا بدأت نبرة رحيم تختلف قليلًا وقد كان واضحًا فيها الإضطراب لكنه سرعان ما حاول خفض صوته لكي لا يصل إلى الجالس بالداخل.
‘معرفش المهم دلوقتي أن أنت تفضل عندك شوية لحد ما الدنيا تهدأ وكمان عشان أنس لو رجع دلوقتي المشاكل هتكبر ونفسيته هتتعب زيادة.’
‘تمام يا بابي، شكرًا لحضرتك.. تصبح على خير.’
تنهد رحيم بضيق قبل أن يُخرج لفافة تبغ من العُلبة الفاخرة الموضوعة بإحدى جيوبه، ينفث الدخان بقوة وكأنه يحاول أن يُخرج همومه مع دخان السجائر، ازداد اضطراب مشاعره الآن.. هو حقًا يشعر بالحزن اتجاه أنس، المسئولية، والخوف هو حقًا يخاف فقدان صديقه أو رؤيته في حالة نفسية سيئة كما كان في الماضي.
“فريد عرف صح؟” باغته أنس بسؤاله ليُغمض رحيم عيناه وهو يسب أسفل أنفاسة، لم يلتفت نحو أنس لكن الأخير تقدم بضع خطوات ليقف أمامه، يُدير رحيم وجهه نحو الجهة الآخرى متحاشيًا النظر إلى وجه أنس.
“رد عليا يا رحيم.”
“لا.”
“أومال uncle حامد بيكلمك في وقت متأخر زي ده ليه؟”
“أنس أنا حقيقي مش قادر أتكلم دلوقتي أنا مُرهق جدًا، تعالى ننام دلوقتي ونتكلم الصبح” حاول رحيم الهروب من تساؤلات أنس وفضوله وقد نجح في ذلك حيث نبس أنس بقلة حيله:
“ماشي يا رحيم، على راحتك.”
في صباح اليوم التالي استيقظ رحيم على صوت رنين هاتفه وفي الوقت ذاته صوت جرس الباب، نهض بكسل وهو يتأفف متجهًا نحو الباب ليقوم بفتحه على الفور دون أن ينظر من الطارق، وقد كانت المفاجأة أنه وجد ناتالي تقف أمامه ومازال يبدو عليها بعضًا من آثار الثمالة، حك رحيم مؤخرة عنقه وهو يُردف بنبرة لا تخلو من التساؤلات:
“أوه ناتالي مرحبًا ما الذي جاء بكِ إلى هنا ‘Oh Natalie Hello, what brought you heree.؟!”
“صباح الخير رحيم، ألا تظن أن ذلك كان وقحًا قليلًا ‘Good morning Rahem, don’t you think thiw was a little bit rude’؟”
سألته بنبرة تجمع بين الجدية والسخرية في الوقت ذاته ليحمحم رحيم ويُدرك حقيقة كونه وقحًا بالفعل لذا حاول إصلاح الأمر قائلًا:
“أعتذر لم أقصد ذلك… أنا فقط… I am sorry, I didn’t mean.. I am jsut’..”
“مين عالباب يا رحيم؟ يا فضحتي!!!” تفوه أنس وهو يُغطي صدره العاري بإحدى الوسادات فور تحرك رحيم بعيدًا عن الباب فيفاجئ أنس بناتالي تُحملق به بتعجب.
“أنتي ازاي تدخلي على اتنين رجالة لوحديهم كده؟ الناس تقول علينا أيه؟” سأل أنس بنبرة ساخرة خليعة لتنظر نحوه بتعجب وحيرة بينما رمقه رحيم بحده قبل أن ينظر نحوها وهو يُعيد خصلات شعره المُبعثرة نحو الخلف بقوة وهو لا يدري كيف يصوغ كلماته التي على وشك أن يتفوه بها بطريقة لائقة بينما طالعته هي بإندهاش شديد لأنه لم يعرض عليها أن تدلف إلى داخل المنزل بل على العكس تمامًا وقف أمام الباب وكأنه يمنعها من المرور.
“أعتذر ناتالي لا يمكنني إدخالكِ انتظريني في الحديقة الخلفية من فضلك سأبدل ثيابي وألحق بكِ I am sorry Natalie i can’t let you in, please wait for me in the backyard i will change my clothes and follow you.”
كانت كلمات رحيم نبيلة كالمعتاد فهو لا يستطيع السماح لها بالدخول وفي الوقت ذاته لن يقوى على طردها أو فعل شيء من هذا القبيل لكن ناتالي كانت فطنة كفاية لتستوعب ما يرمي إليه رحيم لذا منحته ابتسامة باردة وهي تنبس بالآتي:
“لا أنا سأغادر الآن وسأتصل بكَ لاحقًا لكي نقضي الليلة معًا ”No thank you, i’ll leave now & i will call you later to spend the night with you’.”
“للأسف رحيم سيكون منشغلًا طوال اليوم ‘Unfortunately Rahem will be busy all dayy’.”
“حسنًا، وداعًا ‘Fine, Bye’.”
بصقت كلماتها بإستياء شديد قبل أن تجذب حقيبتها وتُغادر، لقد كان أنس وقحًا وقد تعمد فعل ذلك، رمقه رحيم بحده قبل أن يلحق بناتالي ليودعها ويقوم بإيصالها إلى سيارتها، عاد بعد بضع دقائق ليجد أنس قد تمدد على الأريكة وقد قام بتشغيل أحدى الأفلام على التلفاز.
“أيه يا ابني قلة الذوق دي؟”
“قلة ذوق اه، روح شوفلك حاجة تعملها يا رحيم وأبعد عني.. أنا بحاول بكل طاقتي أن مقومش أكسر الشاشة دي على دماغك.”
“طيب، أنا هنزل ال Basement ‘القبو’ أدور على كام حاجة كده.”
“ماشي يا أخويا، أتكل على الله.”
تركه رحيم واتجه نحو القبو والذي قد كسته الأتربة فلم تعد له أي ملامح، كان كبير نسبيًا وذو شرفه صغيرة ويمكنك الوصول للقبو عن طريق سُلم معدني قديم، خطى رحيم نحو الداخل بحظر وهو يبحث عن مصدر للإضاءة حتى وجد واحدًا بالفعل، تعجب رحيم من كون المكان بهذا السوء بالرغم من هوس والدته بالنظافة لكن ربما لا تهتم هي كثيرًا بهذا المكان فقد اعتبرته مقبرة جماعية لكل الذكريات التي لا قيمة لها؛ والتي أغلبها تنتمي لرحيم.
كان رحيم مُنتبهًا لخطواته وما تلمسه يده فبلا شك سيجد العديد من الحشرات الزاحفة هنا، بعد دقائق من العبث الذي لا جدوى منه وجد رحيم صندوقًا خشبيًا باللون الأزرق الداكن يعرفه جيدًا، ذلك الصندق يحوي أغلب صور المرحلة الجامعية خاصة رحيم وبضع صور لطفولته، ابتسامة واسعة شقت وجهه وقد لمعت عيناه من الحماس وهو يجذب الصندوق الثقيل نوعًا ما ويصعد نحو الأعلى، لم يجد أنس لذا توقع أنه ذهب لشراء بعض الأغراض أو ربما التسكع في الجوار، اتجه رحيم للجلوس في حجرته ومشاهدة الصور على ألحان أغاني أوروبية عريقة قد قام بتشغيلها على الحاسوب المُتنقل خاصته.
أمسك رحيم بعدة صور مُتجمعة سويًا جميعها تخص حياته الجامعية وبالتحديد السنة الأولى، كان يدرس رحيم في بريطانيا وقد كان أنس برفقته منذ اليوم الأول كما كان معاه منذ اليوم الأول في الروضة، ضحكة هادئة غادرت فم رحيم حينما نظر إلى أسلوبه في تمشيط شعره وذوقه في اختيار ملابسه فهي الآن مُضحكة للغاية لكن في وقتها كانت أكثر صيحات الموضة انتشارًا وكان رحيم وقتها من أوسم ثلاثة فتيان في كُليته فهو يمتاز بملامح عربية لا مثيل لها هناك بالإضافة إلا نكهة أوروبية لا تخفى عن الجميع كلون عيناه الخضراء مثلًا.
كانت ضحكات رحيم تنساب واحدة تلو الآخرى وهو ينظر إلى الصور وإلهي كم كان سعيدًا بمعطفه الأبيض الخاص بالجامعة حتى أن والده قد أمر بصنع واحدًا خصيصًا من أجله قد طُرز عليه أول حرفًا من اسمه، اسم والده واسم العائلة كذلك، بعد ثوانٍ اختفت ابتسامته حينما أمسك بأول صورة تظهر بها ناتالي، أميرة الجامعة، ذات الخصلات البُنية الداكنة المشوبه ببعض من اللون الذهبي والذي لم يعلم رحيم قط هل هذا لونًا طبيعي أم هي من قامت بصغبه لكن ذلك لم يُشكل فارقًا فهي بدت غاية في الجمال على أي حال، كانت ممشوقة القوام وتمتاز بساقين طويلتين جسدها كان أشبه بجسد عارضة أزياء ولم تكن تعمل هي في ذلك المجال حينها، عيناها خضراء مشوبه بالزرقة وليست كخاصة رحيم.
أخذ رحيم يُقلب الصور بين يديه حتى وصل إلى صورة له برفقة ناتالي كانت في أحدى حفلات الجامعة، ترتدي هي فستان باللون الوردي ورحيم يرتدي بذلة باللون الأسود ولقد كان أكثر نحافة من الآن، كانت ناتالي تقف بين أحضانه وتبتسم بينما يلف ذراعيه حولها ويبتسم ابتسامة واسعة، مازال يذكر شعوره في ذلك الوقت منذ أكثر من خمس سنوات، كيف كان سعيدًا في ذلك الوقت بل قد شعر بأنه يملك العالم أجمع، أموال لا نهاية لها، تفوق دراسي وشعبية عالية، وسامة يُحسد عليها وحبيبة مُبهرة مُخلصة يتمناها أي شخص… مُخلصة؟!
سأل رحيم نفسه بسخرية قبل أن يُمسك بالصورة بعنف وكاد أن يُمزقها لكنه سرعان ما تذكر كلمات أنس حول الإحتفاظ والذكريات حُلوها ومُرها فحتى وإن استطاع تمزيق الصورة التي في يده فكيف له أن يمحو تلك الذكريات من رأسه؟!!
“رحيم!” صاح أنس فور اقتحامه لغرفة رحيم ليقفز الآخر من موضعه وهو يوبخ الآخر مُردفًا:
“خضتني يا بني آدم أنت! وبعدين أنت كنت فين؟”
“كنت بجيب أكل و… موبايلك رن و… أنا رديت بصراحة…”
تفوه أنس وهو يلهث بقوة لتضطرب معالم رحيم ظنًا منه أن المتصل والده وأن أنس قد علم بشأن ما حدث لكن ما قاله أنس كان عكس ذلك حيث كانت معالمه تجمع بين التوتر والأمل ربما.
“أتصلوا من المستشفى وعايزينا نروح دلوقتي.”
“خير إن شاء الله، Good news or bad news ‘أخبار جيدة أم سيئة’؟”
“مش عارف… المفروض Good news ‘أخبار جيدة’.”
أومئ رحيم بهدوء ووضع الصور الفوتوغرافية جانبًا واستقام على الفور لتبديل ثيابه وبعد مدة قصيرة نسبيًا وصل كلاهما إلى المستشفى، تسارعت نبضات قلب أنس كلما أقترب من حجرة شقيقته وقد رأى الطبيب على مرمى البصر يقف هناك بإنتظارهم وبالرغم من أنه يعلم أنه على وشك سماع أخبار سعيدة من المفترض إلا أنه شعر بقلبه على وشك التوقف من كثرة التوتر.
اقترب أنس بخطى بطيئة ليضع رحيم يده على كتف أنس وهو يمنحه ابتسامة صغيرة دافئة لعلها تجعله يهدأ قليلًا، رحب بهم الطبيب ثم أخبرهم بالمُستجدات في حالة أروى، وقد كان الأمر كالتالي: مؤشراتها الحيوية في تحسن وقد بدأت في تحريك يدها بحركات بسيطة وكذلك استطاعت فتح عينيها نسبيًا لكن بالطبع الرؤية ليست واضحة كليًا ربما لم تكن تطورات كبيرة لكنها مؤشر جيد على التحسن خاصة في حالة كحالتها تلك.
“أنس مُستعد تدخل؟” سأله رحيم بعد أن منحه عناقًا صغير ليُبادله أنس ثم يفصل العناق وهو يتمتم:
“لا أنا خايف.. أنت.. هتستناني هنا صح؟”
“اه، متخافش أجمد كده أول لما تخرج هتلاقيني واقفلك هنا.”
“تمام.” نبس أنس وكان على وشك الدخول إلى الحجرة لولا أن أوقفه صوت رحيم وهو ينصحه بالآتي:
“أنس خليك حاطت في بالك أن هي فاقت بس مش في كامل وعيها عشان متحطش توقعات عالية ماشي؟”
“عارف.. متقلقش..”
دلف أنس نحو الداخل ليجد شقيقته مُمدة على سريرها الأبيض كنقاء قلبها، كان وضعها يُشبه ما رأه سابقًا عدا أنها قامت بتحريك يدها حينما همس بإسمها وهو لا يدري هل قامت بتحريك أصابعها كردة فعل لسماع صوته أم أنها لم تسمعه وقامت بتحريك يدها من تلقاء نفسها لكن ذلك لم يُهم أنس في تلك اللحظة، فكل ما كان يشغله هو أن شقيقته تتحسن وقد أصبح تحسنها ملحوظًا، دنى من شقيقته ليُقبل يدها والتي بللتها العبرات التي انهمرت من عيناه بدون مُقدمات.
فتحت أروى عيناها نسبيًا وببطء شديد، أعين زائغة ورؤية مشوشة لكنها كانت خطوة إيجابية في طريقها نحو الشفاء، اعتدل أنس وأقترب من وجهها قليلًا علها تستطيع رؤيته بينما شعر بقلبه يكاد يقفز خارج صدره من شدة السعادة والفرح أما عن عقله فقد توقف عن العمل لحظيًا ولم يشعر بنفسه سوى وهو يُردد كلمات الحمد والشكر لله بإستمرار دون توقف بينما يُمسك بيد شقيقته برفق.
بالعودة إلى مصر ففي صباح ذلك اليوم وبمجرد أن استيقظ والد أفنان بدل ثيابه واتجه مباشرة نحو منزل شقيقتها ليوبخها ومن ثم يضع حدٍ لما حدث مع ريماس، لم يُفسر لزوجته أي شيء حيال ذلك الأمر فهو لا يريد أن ينتشر الخبر بين الجميع ففي النهاية ريماس مثل ابنتيه تمامًا، بعد ساعة تقريبًا كان والد أفنان يقف أمام منزل شقيقته.. يطرق الباب بهدوء عكس الغضب والضجيج الذي كان بداخله.
“ايوا… خالو؟”
“صباح الخير يا حبيبتي، ماما صاحية؟”
“هي… هي أفنان حكتلك حاجة؟”
سألت ريماس بتوتر شديد وهي تُقرب ثيابها من جسدها في محاولة لإخفاء الكدمات، لم يُعلق أحمد بكلمة بل ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يضع يده على كتفها بلطف بينما يطلب منها الآتي:
“ممكن تندهيلي ماما وتدخلي أوضتك؟”
“حاضر… اتفضل يا خالو.”
“صباح الخير يا أخويا يادي النور يادي النور.”
“صباح النور يا سميرة، أخبارك أيه؟ وجوزك أخباره أيه؟”
تحدث برسمية شديدة وبتعابير وجه جامدة بينما كانت الإبتسامة تزين وجه شقيقته لكنها سرعان ما أختفت حينما تفوه بإسمها لتسأله بقلق:
“خير يا أحمد؟ قلقتني أول ما تندهني بإسمي بعرف أن في مصيبة.”
“أنتي عارفة أن خطيب ريماس بيضربها؟” سأل بنبرة هادئة مُحاولًا بدأ الحديث دون شجار، أجابته شقيقته بنبرة كاذبة واضحة مُردفة:
“أيه؟ مين اللي قالك الكلام الفارغ ده مفيش حاجة من الكلام ده حصلت.”
“أنا مش بسألك هو بيضربها ولا لا، أنا بسألك أنتي عارفة ولا لا.”
“وأنا بقولك بنتي محدش بيضربها… أيه أصلًا اللي جاب الفكرة دي في دماغك؟ أكيد المزغودة أفنان بنتك هو ده كلامها.” تحدثت بنبرة هجومية لم تُحسن من وضع الحوار الذي يدور بينهم بل جعلت والد أفنان يستشيط غضبًا وهو يُوبخ شقيقته قائلًا:
“متدخليش بنتي في الكلام يا سميرة، أنا بسألك سؤال ومش عايز كذب! أنتي ازاي كده؟ أنتي بجد بني آدمة طبيعية يعني؟”
“مالك يا أحمد في أيه؟ دي أول مرة ترفع صوتك عليا من سنين في أيه مستاهل كل ده؟!”
“أيه مستاهل كل ده؟ يعني صحة وكرامة بنتك متستاهلش أني أتعصب وأكسر الشقة على دماغك أنتي وجوزك اللي محدش فيكوا واخد باله من بنتكوا!”
صاح بصوتًا مُرتفع والشرار يتطاير من عينيه على عكس طبيعته الهادئة في الأوقات العادية، كانت ريماس تراقب ما يحدث من بعيد بينما تنهمر دموعها في صمت وكانت تتمنى أن يستيقظ والدها لعله يستطيع نصرها وأن يكون في جانب خالها لكن ذلك لم يحدث نظرًا لكبر مساحة منزلهم فقد كانت غرفة والديها منعزلة في نهاية الشقة، كما أن والدها لم يكن ليأخذ ردة فعل قوية كخاصة خالها.
“هي اللي عصبته! وبعدين ما كل الستات بتضرب عادي في أيه يعني؟!”
“كل الستات بتضرب؟ مين كل الستات اللي بيتضربوا دول يا سميرة؟ وحتى لو ده السائد هل أنتي شايفة أن دي حاجة كويسة؟ أنتي مدركة أنتي بتقولي أيه؟ دي بنتك ضناكي المفروض متستحمليش عليها الهواء!” كان يتحدث والد أفنان بصدمة شديدة فعلقه لا يقدر على استيعاب ما يسمعه، شقيقته تتفوه بذلك الحديث الفارغ وهي تتحدث عن ابنتها!
“أنت مكبر الموضوع! البت عصبته وهو مستحملش مجراش حاجة يعني وبعدين ما أبونا كان بيضرب أمنا ولا أنت نسيت؟”
“لا منستش وعشان كده من يوم ما أتجوزت وأنا خدت عهد على نفسي أن أيدي متتمدش على مراتي ولا على بناتي وتتقطع ايدي لو عملت حاجة زي كده، أنا شوفت تعامل أبونا الله يرحمه مع أمنا ربنا يديها الصحة وعشان مكررش المأساة دي تاني قررت أكسر الدايرة دي وأبقى مختلف وأحسن.”
“طبعًا ما أنت الملاك البرئ وأنا دايمًا الشيطان، ما هو أنت مشوفتش فرق المعاملة اللي بيني وبينك من وأحنا عيال!”
“سميرة بطلي تعيشي دور الضحية، لأن حتى لو اتظلمتي وأنتي طفلة فأنتي دلوقتي كبيرة ومسئولة عن كل تصرفاتك، وإن كان بابا الله يرحمه كان بيميزني عنك زمان فأنا كنت بدافع عنك طول الوقت ومصروفي كنت بجبلك بيه اللي نفسك فيه ومبجبش لنفسي حاجة، ومن ساعة ما بابا مات وماما بتدوس عليا وعلى حقوقي عشانك.”
“بقولك أيه خلاصة الموضوع ملكش دعوة بريماس، دي بنتي وأنا حرة فيها أطلع أنت منها.”
حاولت إنهاء الحديث عند ذلك الحد ظنًا منها أن شقيقها سيستسلم لكنه باغتها بسؤاله عن زوجها مُردفًا:
“جميل أوي الكلام ده، جوزك هنا؟”
“ملكش دعوة بجوزي ولا ببنتي واتفضل يا أحمد من غير مطرود.”
“لا يا خالو متمشيش، أنا هصحي بابا.”
“أنتي يا بت خدي هنا.”
“ازيك يا أبو حميد عامل أيه؟ منور.” تحدث بودٍ شديد لكن الآخر لم يبادله الإسلوب ذاته فلقد كان الإستياء مُسيطرًا عليه بالفعل.
“بنورك يا سامح، معلش عايزك في كلمتين على إنفراد.”
“طبعًا يا أحمد تعالى نقعد في ال Living جوا.”
بعد مرور خمسة عشرة دقيقة تقريبًا كان أحمد قد سرد كل ما يعرفه لزوج شقيقته والذي كانت تعابير وجهه مزيج بين الدهشة والغضب لكن أحمد شعر بالإحباط والإستياء فقد كان يظن أن ردة فعله على ما يقول ستكون أكثر حدة.
“أنا هجيب الولد ده وأهزقه عاللي عمله، هو فاكر أن ملهاش أهل؟”
“وبعد ما تجيبه؟”
“هخليه يعتذرلها ويبوس رجليها كمان.”
“وبعدين يعني؟”
“وبعدين أيه مش فاهم؟”
“مش هتخليها تفسخ خطوبتها يعني؟ هو أنت بتفكر ازاي أنت ومراتك دي؟! أنتوا والله ما تستاهلوا تبقوا أب وأم، أنا ماشي.”
“استنى بس يا أحمد الكلام أخد وعطاء، المواضيع مش بتتاخد بالطريقة دي.”
“أبقى حلها أنت بطريقتك، أنا ماشي ولعلمك هاخد ريماس معايا تقعد مع أخواتها.”
“مش هقدر أقولك حاجة ما هي بنتك زي ما هي بنتي وهبقى مطمن عليها وهي مع بناتك، أنا هتكلم مع سميرة وهشوف حل في موضوع فريد ده.”
في عصر اليوم التالي عادت أفنان من الجامعة لتجد والدتها ترفع رأسها نحوها بشك بمجرد أن تخطو أفنان إلى داخل المنزل لتنظر نحوها أفنان برعب وهي تُردف:
“يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، في أيه يا ماما خير إن شاء الله؟”
“أنتي يا سوسة أنتي العقل المُدبر للكوارث اللي بتحصل كلها، عملتي أيه في أبوكي خلتيه ينزل على ملا وشه كده النهاردة؟”
“يووه! أنا عملت أيه؟ تلاقيه رايح لمراته التانية شكلك ضايقتيه يا رورو.” داعبت أفنان والدتها مُتعمدة إثارة غيظها لتضع والدتها يدها على خصرها وضيقت أحدى عينيها وهي تُردف:
“خلصي يا أفنان وقولي عملتي أيه الجو ده مش هياكل معايا وبعدين مراته التانية مين ده لو لف العالم كله مش هيلاقي زيي هو أنتوا في حد يستحملكوا غيري أصلًا؟!”
“الله! طب ليه الغلط ده يا حجة؟ اللي حصل إن… لا مش هينفع أحكيلك، سيبيني بقى أدخل أغير ده أنا من تمانية ونص واقفة على رجلي في السكشن.”
“خلاص براحتك… طب بقولك أيه غيري هدومك وتعالي أقفي معايا في المطبخ شوية.”
“بس كده؟ من عنيا.”
علقت أفنان لتبتسم والدتها بنصر ثم تصطحبها إلى المطبخ، جلست أفنان على الطاولة الصغيرة التي توسطت المطبخ وهي تقوم ‘بتفصيص’ قروزن البازلاء التي أشترتها والدتها بينما تسرد لها كل ما حدث فلقد وضعتها والدتها في خانة اليك فلا أحد يستطيع مقاومة جلسة المطبخ برفقة والدته دون أن يتفوه بكل خباياه.
“بس يا ستي دي الحكاية من طق طق لسلامو عليكوا، فبابا غالبًا رايح يشوف حل للمشكلة دي مع عمتو بس يا ماما أوعي تفتني وتقولي أنك عرفتي.”
“متقلقيش سرك في بير.”
“سري في بير؟ أعتبره كده أتنشر بينك وبين خالتو وبين مية أربعة وسبعين آخرون.”
“بقولك أيه سيبي البسلة اللي بقالك ساعة بتعمليها دي وشوفيلك حاجة تانية تعمليها، أنا بتخنق لما يبقى في حد معايا في المطبخ.”
“والله؟ دلوقتي بقيت بتتخنقي يا ماما؟ طبعًا ما أنتي استفردتي بيا خلاص وعرفتي اللي عايزة تعرفيه! صحيح واقفة المطبخ ملهاش آمان.”
نبست أفنان بنبرة درامية مُبتذلة قبل أن تقهقه هي ووالدتها لكن يقطع صوت ضحكهم صوت باب المنزل وهو يُصفع بقوة، تنتفض أفنان من قوة الصوت ثم تستقيم من جلستها لتذهب لرؤية من تسبب في ذلك وقد توقعت أن والدها قد نسي شيئًا وعاد في الغالب لكنها على عكس توقعها لم تكن سوى ميرال.
“أبقي دغدغيلنا الباب المرة الجاية بقى عشان قفلتيه براحة أوي.”
“مش فايقه لهزارك خالص.”
“أيه ده في أيه؟ وشك مقلوب كده ليه؟”
“مفيش.”
“أقعدي هنا هو أيه اللي مفيش؟ ده شكله يوم نكد عالمي النهاردة.”
“قولتلك مفيش بطلي زن بقى وسيبيني في حالي!” صاحت ميرال في وجه شقيقتها لتجفل أفنان لثوانٍ من نبرة ميرال الغريبة تلك فهي بالعادة لا تتحدث إليها بتلك الطريقة.
“اسيبك في حالك؟ بقى أنا يا ميرال الكلب تفضحيني وتحكي لبابا على موضوع رحيم؟!”
“أيه؟ لا طبعًا… محصلش!”
“يا شيخة كفاية كذب ده أنتي كذابة كذب الإبل، بابا فتن عليكي.” وبختها أفنان بحنق ممتزج بالسخرية لتُعلق شقيقتها بالسخرية ذاتها قائلة:
“ما شاء الله أحنا أسرة كلها بتفتن على بعضها، وبعدين أنا عملت كده عشان كنت خايفة عليكي وبعدين أحمدي ربنا ده أنا كده أمتصيت شوية من عصبية بابا.”
“ماشي في دي عندك حق، قوليلي بقى أيه اللي مزعلك وبعدين ثواني.. هو أنتي مش راجعة بدري شوية ولا أنا بتهيألي؟ اتخانقتي مع نوح صح؟”
“لا طبعًا، هو في اتنين مخطوبين هيتخانقوا في الأول كده؟!” استنكرت ميرال حديث أفنان وهي تبتسم ساخرة لكن نبرتها لم تكن مُطمئنة كثيرًا بالنسبة لأفنان.
“متأكدة؟ أصل عادي ده في ناس بتتخانق وهما قاعدين في الكوشة.”
“بصراحة أصل المدير بتاع الشركة أتعصب عليا النهاردة ونوح كان معايا عالتليفون.. المدير كان مضغوط أصلًا وأتعصب علينا كلنا وبعدها أعتذر لكن نوح فضل متضايق ورأسه وألف سيف أني أسيب الشغل…”
“الله! ده عبيط ده ولا أيه؟ أحنا هنبتديها تحكمات من أولها يا سي نوح؟!”
“هو مش قصده هو خايف عليا… أكيد هو كمان مضغوط.”
“صح فعلًا، أصل الناس كلها مضغوطين وأنتي قاعدة بتلعبي بالية، ما أنتي كمان مضغوطة يا بني آدمة! مش من حق حد يطلع عصبيته عليكي! طب عالأقل المدير أعتذر الدور والباقي على نوح!”
“ما هو عشان كده مكنتش عايزة احكيلك عشان هتطلعي نوح غلطان في كل حاجة.”
“يا خبر أبيض على بنات العيلة اللي طلعوا بيعشقوا الرجالة التوكسيك، ده انتوا ربنا يشفيكوا والله.”
“نوح مش توكسيك ده أولًا، ثانيًا بقى مين بنات العيلة؟ ليه صيغة الجمع دي؟”
“لا مفيش حاجة سيبك أنتي متشغليش بالك.”
“هو ده صوت باب الشقة؟ هو كلكوا بتتعاملوا مع الباب بعنف ليه النهاردة؟ ده الباب لو بينطق كان سبلنا.” علقت أفنان بسخرية لتقلب ميرال عيناها بتملل وهي تتمدد على السرير وهي تنبس بالآتي:
“طب قومي بسرعة افتحي، ماما شكلها بتصلي.”
“هقوم، هو ده يا بابا يا عم محمد بتاع الكشك طالع ياخد الخمسة جنيه بتاعته اللي عندي.”
“بابا حمدلله.. على سلامتك؟! متكوا… حمدلله على سلامتكوا، أهلًا يا ريماس ازيك؟” تلعثمت أفنان في حديثها حينما وقعت عيناها على ريماس التي وقفت خلف والدها بخجلًا شديد، أخذت تنظر أفنان نحوهم ببلاهة بينما يحاول عقلها ترجمة ما يحدث.
“طب وسعي السكة خلينا ندخل.” نبهها والدها حينما وجدها تقف كالصنن بصدمة لتفيق أفنان من شرودها وهي تُتمتم:
“اه لا مؤاخذه يا حج، اتفضلوا.”
“هي ميرال رجعت من برا؟”
“اه خدت إذن من الشغل، منورة يا ريماس.”
“شكرًا ربنا يخليكي.”
“اتفضلي اقعدي يا حبيبتي.” قال والد أفنان لتذهب أفنان لتجللس فيضحك والدها بصوتًا خافت لتنظر نحوه أفنان بإندهاش لكن سرعان ما تستوعب أن جملته لم تكن موجهة إليها بل لريماس، يمتعض وجهها على الفور لأن والدها قد لقب ريماس ‘بحبيبته’ في حين أنه يدري أن أفنان شديدة الغيرة عليه وكذلك شعرت بالحنق لأن والدها لم يُخبرها بأنه سيُحضر ريماس برفقته إلى المنزل.
“ممكن تنادي رانيا وميرال؟”
“حاضر يا بابا من عيوني.”
“ماما بابا برا ومعاه ريماس.” أعلنت أفنان لتُلقي والدتها الملعقة الساخنة التي كانت في يدها بعد أن أحرقت يديها بها عن طريق الخطأ نتيجة سماعها لما قالته أفنان لتُعلق بإستياء وسخرية:
“ما شاء الله على أخبارك اللي زي وشك يا ست أفنان، هو أبوكي كان قايلك أن هي هتيجي معاه؟”
“لا والله ابدًا، مجبش سيرة ده أنا حتى مندهشة زيي زيك، اخرجيلهم بقى عقبال ما أنادي ميرال.”
بعد أن انتهت التحيات المُبتذلة جلس جميعهم على الأرائك، كانت ريماس مُحرجة ومنكمشة على ذاتها على غير العادة بينما جلست أفنان مُتربعة على الكُرسي مُنتظرة سماع ما سيقوله والدها.
“ريماس هتنورنا كام يوم كده، هتقعد معاكوا في الأوضة طبعًا وهي جابت شوية هدوم معاها وكده.”
“تنور طبعًا البيت بيتها.”
“أنا عارفة… أنا عارفة أن وجودي مش حاجة لطيفة بالنسبالكوا بس صدقوني أنا مش هبقى ضيفة تقيلة خالص…”
“لا طبعًا يا حبيبتي متقوليش كده أنتي زيك زي أفنان وميرال وتقعدي زي ما أنتي عايزة، أسيبكوا أنا بقى وأقوم أشوف الأكل اللي عالنار.”
“طيب يا حبيبتي، وأنتوا يا بنات خدوا ريماس تغير وشوفوا هتضبطوا النومة ازاي.”
“حاضر يا بابا.”
“أفنان خدي عايزك.”
“اؤمرني يا حجوج.”
“براحة على ريماس ها، البنت مش هتستحمل جنانك.”
“أنا يا حاج؟ ده أنت ظالمني ده أنا نسمة، متخافش أنا هشيلها على كفوف الراحة… وأهبدها عالأرض.”
“نورتي بيتنا يا أخت ريماس، هقولك دلوقتي شوية قواعد كده هنمشي عليها طول فترة إقامتك الكريمة، اولًا أي أكل أمي هتعملوه هتاكليه وأنتي ساكتة حلو بقى وحش متفتحيش بوقك، وده مش استقصاد ليكي إطلاقًا هو أحنا بنضطر نعمل كده برضوا، زي ما أنتي شايفة دي أوضتنا اللي بقالك سنين مشوفتيهاش فيها سريرين واحد كبير وواحد صغيرة، هنام أنا وميرال عالكبير وأنتي نامي عالصغير.”
ألقت أفنان التعليمات على مسامع ريماس وميرال وقد كانت تنتظر من ريماس أن تُبدي اعتراضها لكن على عكس توقعاتها لم تتفوه ريماس سوى بكلمة واحدة وهي:
“حاضر.”
“يا سلام عالأدب والأخلاق يا سلام.”
“شوفتي؟ عشان تعرفي أني مؤدبة.”
“وماله، ميرال بقولك مشوفتيش تليفوني؟”
“أهو خدي.”
أمسكت أفنان بهاتفها لتجد العديد من الإشعارات فهي قد تركت الهاتف منذ مدة، كانت هناك العديد من الرسائل الخاصة ب ‘جروبات الدفعة’، لفت انتباهها اشعار من تطبيق ‘الإنستجرام’ لذا قامت أفنان بفتحه بدافع الفضول لتجد أن هناك طلب مُتابعة من أحدهم، لم تقرأ أفنان الإسم وقامت على الفور بالدخول إلى الحساب لتفقده نظرًا لأنه لم يكن خاصًا ‘Private’.
من الوهلة الأولى استطاعت أفنان أن تعرف أن تلك الفتاة ليست عربية.. ثيابها، المناطق التي تم إلتقاط الصور بها وملامحها بالطبع.. وبذكر ملامحها قامت أفنان بالتدقيق في ملامح الفتاة ولم تستغرق سوى بضع ثوانٍ ليقوم عقلها بترجمة الوضع لتصيح بعدها بحنق:
“وكمان عملالي فولو ريكويست ياختي!!!”
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية