رواية في حي الزمالك الفصل السادس و الثلاثونن 36 - بقلم ايمان عادل
ألْمَاسّ🤎✨🦋
“خلاص يبقى أتصل بوالد البنت وحدد معاه معاد وكمان خلي حد يكلم الجواهرجي اللي بنتعامل معاه عشان يجهز أغلى شبكة عنده.”
أعلن والد رحيم لتتسع أعين رحيم بحماس شديد تلم يجد التعليق المناسب على حديث والده لذا استقام من مقعده وانقض على والده في عناق حار ليُبادله الآخر العناق وهو يقهقه على طفولية ابنه.
“أنا هكلم أنس وهحل المشكلة وأنت شوف بقى هنقابل والد البنت أمتى، ياريت يبقى Weekend ‘عطلة نهاية الأسبوع’ عشان أنا عندي Meetings ‘اجتماعات’ طول الأسبوع الجاي.”
“يووه! يعني لسه هنستنى للأسبوع الجاي؟؟” تذمر رحيم بغضب طفولي وهو يُعيد خصلات شعره نحو الخلف ليُطالعه والده بضحكة ساخرة وهو يسأله بإستنكار:
“مستعجل أوي؟ أومال لو قالك سنتين خطوبة هتعمل أيه؟”
“سنتين أيه لا طبعًا كتير أوي، هي بس تخلص جامعة ونتجوز على طول إن شاء الله.”
“أنت بتقرر لوحدك؟ مش تسمع منها الأول، مش يمكن هي عايزة تطول فترة الخطوبة شوية عشان تتعرفوا على بعض أكتر؟” سأل والده ولقد كان مُحقًا لكن ذلك لم يخطر على بال رحيم بتاتًا فهو يظن أن أفنان تمتلك الحماس ذاته بشأن إتمام زواجهم في أقرب فرصة ممكنه.
“اه صح.. حضرتك عندك حق.”
“متسبقش الأحداث أحنا هنروح عند الناس ونشوف هما في نيتهم أيه ومش هنختلف معاهم يعني.”
“تمام حضرتك عندك حق..”
في عشية اليوم التالي جلست أفنان برفقة أبويها وشقيقتها لتناول طعام الغداء لكن قاطع ما يفعلونه صوت رنين هاتف والدها لتستقيم أفنان على الفور باحثة عنه، ضحكة ساخرة تصدر من ثلاثتهم على ما فعلته أفنان وكيف بدت ملهوفة.
“مين يا أفنان؟”
“بابا!! بابا رحيم بيتصل!” تفوهت أفنان بمزيج من الحماس والتوتر لكن باغتها سؤالًا من والدها جعل الدماء تهرب من وجهها وقد كأن سؤاله الآتي:
“أنتي حافظه رقمه؟”
“أيه؟ لا.. ده التطبيق اللي بيجيب اسم اللي بيتصل، يلا يا بابا قوم رد عليه.”
“طب ما تستني يا بنتي ياكل ويكمله.” علقت والدتها لتتأفف أفنان وهي تقول:
“يووه.. هو الأكل هيطير يعني؟”
“يعني وهو سي رحيم بتاعك ده هيطير؟”
“خلاص يا رانيا خلاص يا أفنان، هاتي أنا هرد عليه.”
أخذ والدها الهاتف من يدها وغادر طاولة الطعام متجهًا نحو الشرفة ليتحدث بالداخل بعد أن أغلق الباب من وراءه، استقامت أفنان من مقعدها مجددًا وهي تتسلل بخطى هادئة محاولة التصنت على والدها ومعرفة الحوار الذي يدور بينه وبين رحيم لكن بعد المسافة النسبي وصوت والدها الهادئ لم يُمكنها سوى من سماع همهمه غير مفهومة.
“يا بنتي ودنك دي اللي هيخش فيها السيخ المحمي من التصنت! حرام وعيب كده اقعدي بقى.” وبختها والدتها لتقلب أفنان عيناها بتملل بينما علقت ميرال ببعض الفضول:
“يا ماما ما تسيبيها تسمع عايزين نعرف.”
“بس يا بنت أنتي كمان، تعالي أقعدي يا أفنان ولما أحمد يخلص هيجي يحكلنا كل حاجة.” قالت والدتها لكن أفنان لم تُنفذ بل ظلت واقفة في موضعها وبمجرد أن لمحت طرف والدها أقتربت منه وهي تسأله بتوتر:
“ها يا بابا طمني؟”
“مش عارف أقولك أيه..”
“حصل حاجة ولا أيه؟ أهله مش موافقين؟ ولا هو غير رأيه ولا في أيه؟ يا بابا متخبيش عني!!!”
“للأسف… هيجوا يوم الجمعة يا ستي، جهزي يا رانيا عشاء حلو بقى يومها عشان نعمل الواجب مع الناس.”
تفوه والدها بنبرة حزينة في البداية لكن أنهى حديثه بنبرة مرحة لتقفز أفنان في موضعها ثم تنقض على والدها لتضمه بقوة وتُلثم وجنتيه ورأسه بالقبل.
“حرام عليك يا بابا وقعت قلبي!”
“لا وأنتي لسه قلبك هيقع ياختي.”
“طيب يعني هو جاي مع مامته وباباه ولا أيه؟”
“هو قالي أنه هيجي مع باباه وأخوه ولا صاحبه ده اللي اسمه أنس.”
“أنس تاني؟ الواد ده عامل زي القراده لازق في رحيم في كل حتة.” تمتمت أفنان بصوتٍ منخفض، لم يستطع والدها تفسير ما تقوله لكن فهم أنها مُعترضة لذا علق عليها ساخرًا:
“أنتي على طول معترضة على كل الناس كده؟ ده شاب لذيذ أوي وشكله محترم برضوا.”
“ما علينا، عايزين نبدأ ترويق بقى وكده.”
“هنروق وهنعمل كل حاجة أنتي عايزاها وأنا هساعد معاكوا فأي حاجة تحتاجوها بس الأول خدي الفلوس دي وأنزلي أنتي وميرال هاتوا فستان جديد ليكي.. أي فستان يعجبك ولو الفلوس مكفتش خدي من ميرال وأنا هبقى أديها تاني.”
“ربنا يخليك يا حبيبي شكرًا، بس ده كتير أوي يا بابا.”
“هو أولًا مفيش حاجة تغلى عليكي، ثانيًا بقى رحيم قالي أنه لو اتفقنا مع باباه ممكن نقرأ الفاتحة وننزل نشتري الشبكة.”
حالما سمعت أفنان ما قاله والده شعرت بنبضات قلبها تتزايد بقوة ووجنتها على وشك الإشتعال من فرط الحماس والصدمة في الوقت ذاته، عقلها يأبى استيعاب أنها حقًا على بعض خطوات من أن تكون في علاقة رسمية ذات مسمى بينها وبين رحيم.. ومجددًا وبدون وعي أطلقت أفنان زغرودة عالية ليقهقه ثلاثتهم على تصرفاتها الغير مُعتادة مؤخرًا.
“أظن بقى لازم خالتك تبقى معانا، مش معقول هننزل نشتري الشبكة من غير خالتك.”
“يختاي يا ماما ملحقتش أفرح حرام عليكي، خالتو مين اللي هتيجي معانا؟ هو أحنا رايحين الصاغة اللي تحت بيتنا؟ أكيد يا ماما هنجيب دهب من حتة بعيد وهما هيخدونا معاهم بالعربية مثلًا فمينفعش نفرض عليهم إن ناس تانية تيجي معانا وبعدين أفردي مثلًا عزمونا عالعشاء ولا عملنا حاجة بعدها؟”
“أفنان عندها حق في النقطة دي، أنا عارف أنك فرحانة وبتحبي تشاركي أختك فرحتك أنا كمان طاير من الفرحة ونفسي نشارك الحبايب كلهم بس استني لما القاعدة تتم على خير ونبقى نقعد شهرين تلاتة نحتفل بالخطوبة يا ستي.” أردف والد أفنان مؤيد حديثها ليتجهم وجه والدتها ثم تقول بغضب طفولي:
“ماشي بس خليك عارف يا أحمد أنك كل مرة بتيجي عليا عشان خاطر بناتك.”
“أنا أقدر برضوا يا رورو؟ طب أيه رأيك بقى إن أنا وأنتي هننزل نتمشى ونجبلك طقم جديد ما هو أنتي أم العروسة برضوا ومن حقك تدلعي.”
“أيوا يا ست ماما بابا بيدلعك أهو عشان ميبقاش ليكي حجة.. ولا أيه يا ميرال معمولة Silent ‘على وضع الصامت’ ليه كده؟”
“مفيش نوح بيكلمني.” تمتمت ميرال بنصف انتباه وهي تقرأ الرسائل التي أرسلها نوح وقبل أن تُجيبه كان قد هاتفها بالفعل، استقامت ميرال من مقعدها بحماس لتقلب أفنان عينيها بعدم رضا وهي تزفر بضيق.
بعد مرور بضع دقائق عادت ميرال للجلوس وعلى وجهها ابتسامة واسعة وهي تُردف:
“بابا ممكن بعد إذنك نوح يعدي علينا بعد بكرة آخر النهار نخرج؟ وهياخد ماما وأفنان معانا كمان وأهو بالمرة نشوف اللبس الجديد.”
“ماشي مفيش مشكلة.”
أردف والدها لتتسع ابتسامة ميرال في حماس طفولي، زمت أفنان شفتيها وهي تُفكر هل نوح لا يُطيق قضاء وقته مع ميرال وحدهم؟ بغض النظر عن كون جلوسهم وحدهم أمرًا صائب أم خطأ، لكنه لا يحاول حتى قضاء الوقت معها ومنحها بعض الإهتمام دون أن يُقحم أفنان بينهم، ودت أفنان أن تعترض على ما قيل لكنها علمت أن ذلك لن يُجدي نفعًا بل سيتسبب في شجار بينها وبين والدتها وشقيقتها.
“سلام عليكوا، ازيك يا خالتو.. ازيك يا أفنان، ازاي القمر اللي زعلان مني؟”
“أيه ده أنتوا زعلانين من بعض؟” سألت والدة أفنان ببعض الدهشة لتتسع أعين ميرال ثم تُخفي وجهها بيدها.
“أيه ده هي ميرال محكتش؟ أصيله يا ميرال والله هتبقي زوجة صالحة بتداري أسرار بيتك وكده.” علق نوح بنبرة ساخرة ممازحًا ميرال لتنظر نحوه أفنان بإزدراء وكأنها على وشك التقيؤ.
“أيه يا ميرال أنتي لسه زعلانة بجد ولا أيه؟ ما تفكي التكشيرة الوحشة دي ده أنا حتى جايبلك هدية.”
“بجد؟” سألت ميرال بحماس شديد وقد ارتسمت ملامح السعادة على وجهها وذلك ليس بسبب شراءه هدية من أجلها فميرال لا تهتم كثيرًا بالماديات بل ما جعلها سعيدة هو أنه قرر فعل شيء لمصالحتها.
“جبتلك دي.” تمتم وهو يُخرج من أحدى جيوبه عُليه قطيفة حمراء صغيرة، منحها لميرال والتي أخذتها منه على استحياء لتفتحها على الفور فتجد بداخلها سلسال فضي يحمل حرف ال N وقد تشابك مع حرف ال M، أي الحرف الأول من اسمها واسمه باللغة الإنجليزية، لمعت عين ميرال وهي تتأمل الهدية بينما ينظر نحوها نوح بإبتسامة صغيرة.
“كليشية أوي.” تمتمت أفنان لتضربها والدتها بخفة وهي تُردف:
“ربنا يخليكوا لبعض يا حبيبي تعيش وتجبلها.”
“ربنا يخليكي يا خالتو، ها يلا بينا؟” تمتم نوح قبل أن يدلف داخل السيارة ويتبعه ثلاثتهم.
بعد مرور ثلاثة ساعات تقريبًا من السير المتواصل والتجول داخل المحلات وجدت أفنان ما تبحث عنه، ثوب فضفاض باللون الأرجواني الزاهي يزينه حزامًا من اللون ذاته بالقرب من منطقة الخصر ووشاح للرأس يحوي أشكالًا عشوائية رقيقة مزيج من لون الفستان وبضع ألوان آخرى.
“أنا تعبت من اللف أنا هستناكوا عند العربية، وبالمرة أحط الفستان عشان ميتبهدلش مني.” نبست أفنان وهي تتنهد بتعب، أومئ كل من والدتها وشقيقتها أما نوح فقرر مرافقتها وهو يقول:
“هقف معاكي عشان محدش يضايقك.”
“يا عم أتنيل هو حد يقدر.” همست أفنان ساخرة وهي تتجه نحو السيارة لتستند عليها بينما تنظر إلى داخل الحقيبة بإبتسامة واسعة بلهاء وهي تتخيل ردة فعل رحيم حينما يراها في هذا الثوب في ليلة الجمعة لكن اخرجها من تخيلاتها صوت نوح الهادئ والذي لا يخلو من الإستياء الواضح قائلًا:
“عمري ما شوفتك فرحانة ولا متحمسة لحاجة بالشكل ده قبل كده، حتى لمعت عينيك دي أول مرة أشوفها.”
“طب الحمدلله، مش دي حاجة المفروض تفرحك يعني ولا أيه؟”
“طبعًا تفرحني، ولازم تفرحك أنتي كمان ما هو مش هتفرحي ازاي وأنتي هيبقى معاكي ڤيلا وعربية وهتاخدي لقب أفنان هانم، مش هو ده اللي كنتِ بتسعي ليه من الأول؟ مش حتة مُعيد كحيان بياخدله كام آلف آخر الشر.”
بصق نوح كلماته القاسية بنبرة مزيج من الإنكسار والغرور والكِبر في آن واحد، امتعض وجه أفنان فورًا قبل أن تفتح ثغرها لتوبخ نوح لكن الأمر استغرق بضع ثوانٍ وهي تحاول الحفاظ على رباطة جئشها لكن انتهى بها الأمر وهي تنفجر في وجه نوح موبخة إياه قائلة:
“أنت ازاي بتفكر كده؟ بتحسب الأمور ازاي؟ من أمتى وأنا نظرتي مادية للأمور يا دكتور يا محترم؟ أنا طول عمري بدور عالإحترام، الأمان والتقدير في الطرف التاني وأنا عمري ما لاقيتهم غير من رحيم.. خد بالك رحيم مش انسان ساذج ولو أنا كنت طمعانة فيه ولا حاطه عيني على فلوسه كان هيقفشني من أول مرة لأن رحيم ياما اتحط في مواقف زي دي، والمعيد الكحيان اللي أنت بتقول عليه ده مينفعنيش ولا عمره كان هينفعني سواء في وجود رحيم أو عدمه.”
“ليه بقى؟ فيا أيه غلط؟ فهميني!” سأل نوح مُستنكرًا لتنظر نحوه أفنان بغضب شديد بينما يحاول عقلها استيعاب تلك المحادثة التي تجري الآن..أجابته أفنان بنبرة أقرب إلى الصراخ قائلة:
“فيك أن أنت خطيب أختي! فوق بقى يا نوح فوق! أنت واعي لنفسك ولا الكِبر والغرور والأنانية عموك ولا أيه؟”
“أنتي! أنتي عميتيني!”
“وأنا كنت وعدتك بإيه أصلًا ولا عمري قولتلك أيه؟ أنت انسان مريض يا نوح وأحسنلك تبعد عن أختي يأما والله هتشوف مني وش مش هيعجبك أنت فاهم! شكل وحشك أوي القلم اللي خدته مني قبل كده.” لم يكن حديث أفنان مجرد تهديد فهي قد اكتفت من هراء نوح ولن تسمح له بجرح شقيقتها واحزانها مرة آخرى.
“في أيه؟ أنتوا كويسين؟” سألت ميرال بشك فور عودتها إليهم بغتة لتنظر نحوها أفنان بصدمة وثغر مفتوح وهي لا تدري ماذا عساها تقول..
“أحنا كويسين جدًا يا روحي، أفنان بس كانت بتعاتبني عشان زعلتك وأنا وعدتها أني عمري ما هزعلك تاني ابدًا.. أنتي الحاجة الوحيدة اللي هتبقى مهمة في حياتي بعد كده أنتي وبس.”
تبدلت نبرة نوح على الفور وهو يتمتم بتلك الكلمات المُزيفة، نظرت نحوه ميرال بعدم فهم وإن كانت قد رسمت ابتسامة على شفتيها بينما أخذت تُطالعه أفنان بنظرات حارقة وبوجه مُمتعض وهي لا تكاد تُصدق أذنيها كيف استطاع نوح أن يُبدل نبرته بتلك السرعة وتعابير وجهه ايضًا؟ عقلها يأبى استيعاب أن ذلك الشخص البشع الذي أمامها هو نفسه ابن خالتها الذي قضت معه طفولتها ومراهقتها بل وجزء من شبابها كيف له أن يكون بهذا السوء؟ بهذه الأنانية! كيف يسمح لنفسه بجرح شقيقتها والكذب عليها بل والزواج منها فقط لإثارة غيظ أفنان لأنها لم توافق على زواجها منه.
“أنا تعبانة وعايزة أروح، كمان ورايا جامعة بكرة الصبح بدري.”
“أنا كمان تعبت من اللف وعندي شغل الصبح.”
“خلاص يلا هوصلكوا عشان منتأخرش أكتر من كده.”
ساد الصمت طوال الطريق عدا من بعض المحادثات الخفيفة بين ميرال ونوح والتي لم تشارك أفنان بها فلقد كان عقلها منشغلًا بالمحادثة التي جرت اليوم بينها وبين نوح وهي تُفكر هل يجب عليها اخبار ميرال؟ أم أنها لن تُصدقها.. وماذا عن والدها على سبيل المثال؟ ربما مريم شقيقة نوح…
“ياريت تبقى تجيب مريم يوم الجمعة بدري يا نوح عشان تحضر معانا قراية الفاتحة، وصلها وبعدين روح عشان دي قاعدة ناس كبيرة.” أردفت أفنان فجاءة لتقطع الصمت لينظر جميعهم نحوها بإندهاش، تدعس ميرال الجالسة جانبها على قدمها لكن أفنان لم تُبدِ ردة فعل، رمقها نوح بحدة في المرآة وهو يُردف من بين أسنانه:
“أصلًا أنا مشغول يوم الجمعة، على العموم هجبهالك تبات عندكوا من الخميس.”
“اه يبقى أحسن برضوا.”
بمجرد وصولهم إلى المنزل دلفت أفنان إلى حجرتها بعد أن ألقت التحية على والدها وأخبرته أنها ستذهب لإرتداء الثوب الجديد كي يراه عليها.
“أنتي يا بنتي مفيش فايدة في قلة الذوق بتاعتك دي؟” بإستنكار تفوهت ميرال فور دخولها إلى حجرتها هي وشقيقتها، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُجيبها أفنان ببرود:
“لا مفيش.”
“نفسي افهم نوح عملك أيه عشان كل ده؟ وبعدين يعني نوح وخالتو ميجوش ومريم تيجي؟”
“اه، عشان مريم طول عمرها أختنا التالتة وهتزعل جدًا لو مجتش.. خالتو وماما أصلًا لو اتجمعوا مع بعض احتمال يبوظوا الجوازة فملهاش لازمة خالص خالتو تيجي وطبعًا نوح ولا أنا ولا رحيم بنطيقه.”
“يا بنتي أنتي ازاي بتفكري كده؟ عيب جدًا مريم تيجي وخالتو لا مينفعش!”
“خلاص يبقى الإتنين ميجوش، ميرال أنا مش عايزة وجع دماغ أبوس إيدك.” حاولت أفنان إنهاء المُحادثة وقد نجحت في ذلك بالفعل.
في صباح يوم الجمعة، اليوم المنتظر… وقف رحيم أمام مرآة دورة المياه الخاصة بحجرته وهو يُمسك بمكينة الحلاقة الكهربائية ليقوم بتهذيب خصلات ذقنه التي ازدادت طولًا عن المعتاد، قاطعه عن ما يفعله صوت طرقات على باب الحجرة لذا غادر دورة المياه وذهب ليفتح الباب ليجد أنس واقفًا أمامه وفي يده بذلة رسمية وفي اليد الآخر حقيبة ظهر يحملها في يده بدلًا من كتفه.
“اخيرًا شرفت؟”
“لو مش عاجبك هاخد حاجتي وأمشي عادي ولا يهمني.”
“وأهون عليك تمشي ومتبقاش معايا في يوم مهم زي ده؟ ده أنت الوحيد اللي وقف معايا لما روحنا ل Uncle أحمد المرة اللي فاتت.”
تبدلت نبرة رحيم على الفور في محاولة لإقناع أنس بالعدول عن فكرة الرحيل ولم يستغرق سوى بضع ثوانٍ قبل أن يقتنع أنس ويُردف:
“طب كويس أنك عارف يا أخويا، على الله يطمر فيك بس.”
“في أيه يا أنس يا أوڤر هو أنا عمري سيبتك في حاجة؟ ما أنا على طول بقف جنبك مكنش موقف اختلفنا فيها وحتى مكنش فيه خلاف أصلًا أنت…”
“قفل السيرة دي يا رحيم من فضلك، اه على فكرة أروى عرفت أن أنت هتخطب أنا حكيتلها كل حاجة تقريبًا.. هي لسه مش بتقول جمل مفيدة ويمكن وعيها مرجعش بالكامل بس الدكتور قالي أنها سمعاني كويس.”
“ربنا يقومها بالسلامة، Don’t worry i am keeping her in my prayers all the time ‘لا تقلق، إنها في دعائي/صلاتي طوال الوقت’.”
“بسم الله ما شاء الله، لتحميل أدعية بصوت الشيخ رحيم اضغط الرقم ١.” علق أنس ساخرًا وهو يقهقه ليرمقه رحيم بطرف عيناه وهو ينبس بإزدراء:
“تصدق أني غلطان أني بتكلم معاك أساسًا.”
“خلاص أسف، بقولك أيه هنروح بعربيتي زي المرة اللي فاتت؟”
“لا، بعربية بابي عشان أكبر وال Driver ‘السائق’ هو اللي هيسوق.”
“والسواق بتاعكوا هيعرف يروح؟ وبعدين ده أحنا مش محتاجين عربية الإزاز بتاعها فاميه ‘أسود غير شفاف’ عشان أبوك ميشوفش الطريق ده أحنا محتاجين نديله منوم.”
“بلاش أوڤر يا أنس بقى، أنت عارف إن بابي زي ما بيقولوا… مش عارف بس في جملة كده معناها إنه راح كذا حتة كتير يعني.”
“ابن بلد؟”
“اه هي دي.”
“ده ربنا يستر في مقابلة النهاردة، ده أنا المفروض اشتغل مترجم فوري عندكوا تخيل أنت وأبوك تكلموا الراجل English وأنا أقعد اترجم كلمة كلمة.”
“عارف يا أنس if you earn one 1euro each time you translate what we say to people you would become a millionaire ‘إذا ربحت يورو واحد في كل مرة تترجم فيها ما نقوله للناس فإنك ستصبح مليونيرًا’.”
“تصدق فكرة حلوة، هعتمدها.. بقولك أيه أحلق هنا بقى عشان هدخل أخد Shower وألبس.”
“هتلبس من دلوقتي ليه؟”
“اه يا سافل يا رينبو! أومال هقعد بالفنلة الحمالات ولا أيه؟!” نبس أنس بنبرة درامية وهو يُشدد على ثيابها ليُطالعه رحيم بإشمئزاز ثم يقذفه بإحدى الزجاجات البلاستيكية التي أمامه وهو يُردف موبخًا إياه:
“أيه ده أنت بتقول أيه حيوان أنت! أنا قصدي هتلبس البدلة من دلوقتي ليه؟ لسه بدري أوي.”
“عندك حق، بس أنا هسبقك عشان هجيب ال Chocolate والحلويات وبوكية الورد وكده.”
“ايوا صحيح.. طيب please ‘من فضلك’ عايز حاجات تكون ال Quality ‘الجودة’ بتاعتها أحلر وأعلى من المرة اللي فاتت وأغلى كمان لو ينفع.”
“مظنش أفنان وأهلها أكلوا في حياتهم حاجة زي اللي جبناها قبل كده عشان يكونوا منتظرين حاجة أحسن المرة دي.”
“حتى ولو وأنا أصلًا مش قصدي أني أجيبهم عشان أبينلهم أنا معايا فلوس أد أيه أنا عايز أجيب بس حاجة من مقامهم بالنسبالي.”
“يااه كبرت يا رحيم وبقيت تقول حكم، لسه فاكر وأنا بشيلك في حضني وأنت صغير وبغيرلك هدومك.” تمتم أنس وهو يقترب من رحيم ويضع كلتا كفيه على وجه رحيم ليقلب الأخير عيناه بتملل وهو يُبعد يديه بينما يُعلق ساخرًا:
“أنس أولًا أنت مخلفتنيش ونستني، ثانيًا بقى أنا أكبر منك أساسًا.”
“بهزر معاك متبقاش سِمج كده، بقولك أيه هي أفنان ملهاش أخت، أم بنت عمة بنت خالة تجوزهالي؟”
“أم؟!! أم؟!! أنت مش طبيعي والله! وغور بقى استحمى ولا شوف هتعمل أيه متجننيش!” صاح رحيم في وجه أنس وهو يدفعه بعيدًا حتى كاد الأخير أن يسقط لولا أنه تماسك في اللحظة الأخيرة، قهقه أنس وهو يسحب ثيابه ويتجه إلى دورة المياه صافعًا الباب في وجه رحيم.
في السادسة والنصف، في منزل في أفنان تجلس هي أمام المرآة بعد أنت انتهت من ارتداء ثوبها الجديد.. أخذت تنظر أفنان إلى ثوبها الهادئ والمائل إلى البساطة إلى حدٍ كبير وهي تُفكر بأنه ربما بحاجة إلى بعض اللمسات النهائية الأخيرة ولكن ماذا سترتدي من الُحلي خاصتها؟ أخذت تُفكر طويلًا حتى تذكرت السلسال الذي أهداها إياه رحيم، فلا بأس أن ترتديه اليوم بعد ما أصبح الأمر مُعلنًا أليس كذلك؟
أخرجت أفنان العُلبة التي قد خبأتها في أحد الأدراج ومن ثم أخذت السلسال لترتديه بخفة وكم جعل مظهرها النهائي مُبهرًا للغاية.
“أيه القمر ده بس؟ أحلى عروسة في الدنيا.”
“حبيبتي والله يا ميرو، بس شايفة الحبوب اللي طلعت في وشي؟ ولا كأني بعيد سن المراهقة من الأول.. معرفش بشرتي عرفت منين إن النهاردة قراية فاتحتي!”
“خلاص داريها بالميك أب معلش وأكيد مش هتبقى باينة أوي في الصور.”
“تفتكري؟”
“اه بس متكتريش بقى عشان بابا بيتضايق.”
“حاضر.”
“بنات خلصتوا لبس؟ مريم بنت خالتك وصلت.”
“خليها تدخل يا بابا.” صاحت أفنان من الداخل ليبتسم والد أفنان وهو يُخبر مريم بأنها بإمكانها الدخول، أقتحمت مريم الحجرة وهي تُطلق زغرودة عالية بينما تضم أفنان بقوة.
“ألف مبروك، عيشت وشوفت أفنان اللي مخوفة نص شباب الجيزة بتحب وتتخطب يا ناس!!”
“ما شاء الله سمعتي سبقاني!”
“عايزين نشوفه بقى اللي شقلب كيانك وغيرك أوي كده.”
“هتشوفيه هتشوفيه متقلقيش، هو خلاص على وصول أصلًا…” قالت أفنان بتلعثم وهي تضحك ضحكات متقطعة في منتصف حديثها.
“أفنان رحيم كلمني وبيقول أنهم على وصول فخليكوا جاهزين، مريم معلش ممكن تساعدي خالتك في المطبخ؟ وأنتي يا ميرال خليكي مع أفنان عشان لما تخرجوا تسلموا سوا.”
“حاضر يا عمو من عنيا.”
“حاضر يا بابا.”
“أنتي وشك قلب ألوان ليه كده؟” سألت مريم وهي تضحك لتأخذ أفنان نفس عميق ثم تُجيبها قائلة:
“متوترة أوي بجد.. مش عارفة أهله هيتعاملوا ازاي وهيحصل أيه..”
“متقلقيش إن شاء الله المقابلة هتعدي على خير.”
“يارب..” همست أفنان وهي ترفع كفيها وتُقربهما من بعضهما البعض تعبيرًا عن الدعاء.
بعد بضع دقائق سمعت أفنان صوت جرس الباب يصدح في المكان ليزداد توترها ومن بعدها تسمع صوت الباب وهو يُفتح.
“مساء الخير.” تسلل صوت رجولي رخيم إلى أذن أفنان، صوتًا غير مألوف.. ليس صوت والدها ولا رحيم وبالطبع ليس أنس لذا استنتجت أنه والد رحيم، أخذت أفنان تُدقق السمع لتعرف عدد الزوار وقد كانوا ثلاثة ولا آثر لصوت حذاء أنثوي.. أين والدته إذن؟!
“تقريبًا مامته مش معاه..” همست أفنان لميرال وهي تحاول النظر من خلال الثُقب الخاص بمفتاح باب الحجرة لكنها لم ترى بوضوح وجاءها صوت والدها المُحبب إلى قلبها وهو يُرحب بالضيوف:
“أهلًا وسهلًا اتفضلوا نورتونا.”
“أهلًا بيك يا أستاذ أحمد.”
“ازيك يا رحيم يا ابني؟ ازيك يا أنس.”
“الحمد لله بخير.”
“تحبوا تشربوا أيه؟ ساقع ولا سخن ولا تحبوا نتعشى الأول؟” عرض والد أفنان عليهم جميع الخيارات في محاولة منه لتلطيف الأجواء ليُجيبه رحيم على الفور:
“بص يا Uncle أحنا هنعمل كل اللي حضرتك تطلبه وهناكل ونشرب وكل حاجة بس نتفق الأول.”
“ما أحنا هنتفق بإذن الله مفيش داعي للإستعجال.”
“خير البر عاجله يا عم أحمد.” تمتم أنس بإريحية شديدة ليدعس رحيم على قدمه بخفة، ساد الصمت لبرهة قبل أن يبدأ والد رحيم حديثه كالتالي:
“طيب خليني ابدأ كلامي بعيدًا عن المقدمات المبتذلة..”
“هو أبوك هيخطب ولا أيه؟” علق أنس ساخرًا ليقرصه رحيم بخفة.
“رحيم جيه طبعًا أتكلم مع حضرتك قبل كده ولظروف عائلية خاصة مقدرتش أنا ووالدته أننا نيجي الزيارة اللي فاتت وللأسف والدته مسافرة المرة دي كمان لكن هتقابل حضرتكوا قريب.. المهم إن رحيم كان لوحده مع أنس.. رحيم حكالي عن رد حضرتك المرة اللي فاتت وأنا حقيقي حابب أشكر حضرتك أنك موافقتش لأن اللي حضرتك عملته هو الأصول واللي خلاني مترددش لحظة أني أجي مع رحيم النهاردة عشان نطلب أيد الآنسة أفنان بنت حضرتك.”
تحدث والد رحيم بصدق شديد بينما كان والد أفنان يستمع إليه في هدوء شديد مع ابتسامة صغيرة قبل أن يُعلق على حديثه قائلًا:
“ده شرف لينا يا دكتور حامد.”
“الشرف لينا أحنا يا أستاذ أحمد أننا نمد فرع عيلتنا عشان يناسب ناس بأخلاقكوا وأصلكوا… لحظة هو أنا شوفت حضرتك قبل كده؟”
“ربنا يبارك لحضرتك يا دكتور حامد، اه هو أنا برضوا كنت بشبه على اسم حضرتك ولما شوفتك النهاردة اتأكدت.. حضرتك كنت بتخلص ورق للشركة وكان معصلج شوية وأنا اللي خلصته لحضرتك.”
“بجد؟ سامحني مكنتش فاكر بالضبط لأن حضرتك عارف ال Business بتاعي بيخليني أشوف ناس كتير طول الوقت.”
“مفهوم طبعًا ربنا يزيد حضرتك.”
“طيب نرجع لموضوعنا، أحنا تحت أمرك في أي طلبات وكل حاجة الآنسة أفنان تطلبها هتتنفذ.”
“العفو يا دكتور حامد احنا ملناش أي طلبات.. أنا كل اللي عايزة أن رحيم يحافظ على بنتي ويسعدها وميزعلهاش ابدًا غير كده صفر عالشمال.”
نبس والد أفنان بصدق وبالرغم أن مثل تلك الجمل تُستخدم عادة كشعارات وكعبارات مُبتزلة إلا أن والد أفنان كان صادقًا فهو لا يهتم بالماديات إطلاقًا بل كل ما يريده هو الإطمئنان على ابنتيه قبل أن يرحل عن هذه الدنيا.
“متقلقش ابدًا يا عمو.. أفنان في عيني وفي قلبي، وأنا عندي استعداد أموت ولا أني أزعلها في يوم.”
“بعد الشر عنك يا حبيبي، القصد أننا مش هنختلف في أي حاجة والتقسيمة برضوا مش هتفرق.”
“طيب يا uncle زي ما قولت لحضرتك أنا عندي ڤيلا في الزمالك مش بعيد أوي عن هنا يعني.. الڤيلا جاهزة بس هنجيب الأوضة بتاعتنا وأوضة لل Babies ‘الأطفال’ ولو أفنان مثلًا عايزه تغير أي حاجة في ال decorations ‘الديكور’ أو ال… اسمها أيه يا أنس..؟” أنهى رحيم حديثه بسؤال بنبرة طفولية ليخمن أنس الكلمة التي يقصدها رحيم:
“الأثاث؟”
“اه هي دي.”
“طب وأحنا كده هنجيب أيه يا ابني؟ مينفعش منجبش حاجة.” أردف والد أفنان وهو يعتدل في جلسته ليُعلق رحيم على حديثه على الفور:
“لا يا Uncle أنا بس عايز أفنان تيجي بهدومها بس أو حتى من غير…”
“قصده أن هو ممكن يتكفل بالهدوم وبكل حاجة هي ممكن تحتاجها!” صحح أنس سريعًا جملة رحيم التي بدت مُريبة إلى حدٍ كبير كي لا يُسئ والد أفنان فهمه فذلك الأحمق ذو اللغة العربية الرديئة يتسبب في وضع نفسه في مواقف حرجه.
“وبعدين يا حضرتك عارف يا أستاذ أحمد إن في الأصل العريس هو اللي بيجيب الجهاز كله ولكن عشان ظروف المعيشة الصعبة الناس بتقسم الحاجة بينها بس بما إننا عندنا المقدرة أننا نجهز كل حاجة فمفيش داعي إن حضرتك تكلف نفسك.”
“يبقى على بركة الله، يا رانيا تعالى قدمي الحاجة الحلوة.”
توجهت والدة أفنان نحو الخارج وبرفقتها مريم لتقديم الحلوى والمشروبات وقامت بإلقاء التحية على الجالسين قبل أن يُقاطع والد أفنان التعارف وهو يقول:
“مش هتندهي العروسة تسلم على خطيبها وحماها ولا أيه؟ عايزين نقرأ الفاتحة.”
“حاضر من عنيا.” استغرقت والدة أفنان دقيقتين تقريبًا لتُحضرها من الحجرة.
“تعالي يا عروسة سلمي على عريسك وحماكِ.”
نبس والدها بنبرة ودودة وهنا انقسم المكان لشقين، شق يخص مشاعر رحيم والآخر لأفنان ولنبدأ برحيم أولًا.. بمجرد أن أقتحمت تلك الكلمات أذنه أعتدل في جلسته وشدد يديه على معطف بذلته الرسمية ببعض التوتر يشعر بنبضات قلبه تتسارع وكأنها خيولًا عربية أصيلة في سباق وقد أوشكت على كسر حواجز النهاية.. عيناه تلمعان كما لم تفعلا من قبل..
وقعت عيناه عليها، تلك التي سحرته منذ اليوم في الأول في ذلك الزقاق المُظلم.. الفتاة الجسورة ذات الرأس الصلب التي استطاعت أن تُوقعه في شباك الغرام والحب الذي كان قد أقسم لنفسه أنه لن يخطوه مرة آخرى فأصبح عليه كفارة للقسم الآن، الإبتسامة الرقيقة ذاتها والحُفرة في وجنتها والبشرة الشاحبة حتى تلك الحبوب المُحمرة التي حاولت إخفائها جاهدة بمساحيق التجميل وتمنى رحيم لو لم تجعل تلك الأشياء تمس بشرتها الطبيعية المُحببة إلى قلبه.
أما عن أفنان فمبجرد أن فتحت باب الغرفة أقتحمت أنفها رائحة عطر رحيم الثقيل التي تسرقها إلى عالمٍ آخر، تسير بخطوات بطيئة وبأقدام مُرتعشة، تتأمل عيناها على إستحياء ذلك الشاب الوسيم ذو البذلة الرسمية التي أضفت عليه المزيد من الوسامة، ملامحه الرجولية الهادئة ولحيته المُهذبه حديثًا على ما يبدو، لا تدري ماذا تفعل.. أقتربت لتقف إلى جانب والدها الذي استقام من جلسته.
استقام رحيم من مقعده في المُقابل وهو يُعدل من بذلته ويمد يده ليصافح التي أمامه والتي أرتبكت لتنقل عدوى الإرتباك للذي أمامها فيُعيد يديه إلى موضعها بتوتر مُتذكرًا أنها لا تُصافح أي ذكر أجنبي عنها، يضع يده أمام قلبه كتحية لها مع إنحناءه بسيطة لتبتسم له في خجل ممتزج بالإمتنان.
“أهلًا بحضرتك يا عمو..”
“عمو بس؟ مفيش ازيك يا رحيم؟” سأل أنس مُتعمدًا زيادة خجل الأثنين لتضحك أفنان وقد صُبغ وجهها بالحُمرة وهي تُتمتم:
“ازيك يا رحيم.”
“بقيت كويس.. دلوقتي بقيت كويس.” تفوه رحيم بنبرة حالمة وهو يتأمل أفنان بمشاعر مفضوحة، حمحم والد أفنان بغيرة ليفيق رحيم من شروده في عين أفنان ويعاود الجلوس، يقطع الصمت المُريب صوت والد أفنان الحنون وهو يقول:
“طيب يا رانيا مش تجيبي ميرال تسلم عالضيوف عشان نقرأ الفاتحة بقى.”
“حاضر يا حج.”
“مين ميرال؟” سأل أنس هامسًا ليهمس له رحيم في المُقابل دون أن يبعد ناظريه عن أفنان:
“أخت أفنان.”
“اه صحيح دي ليها أخت.” تمتم أنس حينما تذكر تلك المرة حينما مرضت شقيقتها في عملها واضطر أنس للذهاب لإحضارهم ومن ثم إيصالهم إلى المنزل.
رفع أنس عيناه نحوها ثم أخفضها ثم رفعها سريعًا مجددًا، مشاعر مختلطة عصفت بقلبه في تلك اللحظة ونسمة هواء باردة لفحت وجهه، قشعريرة غلفت جسده وهو يفكر كيف للصدفة أو القدر ربما أن يجمعه بتلك الفتاة التي رأها منذ أسبوعًا واحدًا.. كانت تبكي بإنهيار والآن هي تقف إلى جانب أفنان وتبتسم ابتسامة واسعة؟! كان على وشك أن يقترب منها يسألها عن اسمها أو ربما يجثو على ركبتيه ويطلب الزواج منها لولا أن لوحت بيدها فظهر ذلك الخاتم الذهب الذي حاوط بإصبعها البنصر فكان بمثابة خنجر يطعن في قلبه!
لم تنتبه ميرال له كثيرًا فلم تكن لتُدقق في ملامح أي شخص أمامها وخاصة إن كان شابًا، جلست إلى جانب والدها ووالدتها بينما وقفت أفنان بحيرة لا تدري أين تجلس.
“أنس تعالى جنبي وخلي أفنان تقعد جنب رحيم.” طلب والد رحيم لتتسع ابتسامة رحيم على الفور وتتوتر معالم أفنان أكثر لتخطو ببطء لتجلس إلى جانب رحيم وقد صُبغ وجهها باللون الأحمر.
“معلش استنوا ثواني..” أردفت ميرال ثم هرولت نحو الحجرة لتُحضر قالب خشبي مُزين بالورود قد نُقش عليه عبارة ‘قرينا الفاتحة’ وقد نُقش عليه كذلك الحرف الأول من اسم رحيم والأول من اسم أفنان باللغة الإنجليزية، لمعت عين أفنان بسعادة وتفاجئ قبل أن تنقض على شقيقتها وهي تضمها غير مهتمة بمن حولها.
“ده حلو أوي يا ميرال بجد! أنتي مقولتليش أنك هتجبيها.”
“قولت أعملها مفاجأة، يلا بقى اقعدي عشان نقرأ الفاتحة.”
عاودت الجلوس إلى جانب رحيم مع ترك مسافة مناسبة بينهم بالطبع، بدأو جميعًا في قراءة الفاتحة، والتي كان الجميع يتلوها في صلاتهم يوميًا لكن تلك المرة كانت ذا اثر مُختلف على قلوب الجميع وبشكلًا خاص أفنان ورحيم، كان رحيم يختلس بعد النظرات نحو أفنان أثناء القراءة لتُلاحظ هي فتبتسم خجلًا.
“أنتِ عارفة أننا بنقرأ الفاتحة كل يوم ١٧ مرة؟ بس المرة ال ١٨ ليها شعور مُختلف!”
همس رحيم لتضحك أفنان بخفوت وهي تضع يدها أمام ثغرها بخجل ويتأمل ضحكتها هو في صمت وكأنها أجمل ما خُلق في الكون وأثمن ما وقعت عليه عيناه.. قاطع اللحظات الرومانسية صوت أنس وهو يحمحم لينتبه رحيم أنه أطال النظر إليها، يأخذ نفسٍ عميق ثم يُردف:
“طيب لو حضراتكوا معندكوش مانع ممكن ننزل نختار الشبكة.”
“د.. دلوقتي؟” سألت أفنان بتلعثم شديد بالرغم من أنها كانت تعلم نيتهم في فعل ذلك من قبل مجيئهم اليوم لكن سماعها للجملة قد جعلها تضطرب كثيرًا.
“مش عايزة ننزل النهاردة؟”
“لا عادي أنا بسأل بس..”
“طيب نخلي العشاء قبل ولا بعد الشراء؟” سألت والدة أفنان بود ليُجيبها والد رحيم:
“نشتري وبعدها نتعشى، مش لازم تتعبوا نفسكوا أحنا هنتعشى برا.”
“لا لا مينفعش ده رانيا محضرة أكل كتير أوي عشانكوا.”
“طيب خلاص طالما الهانم أتكرمت وعملت عشاء فلازم نتعشى.”
“طيب هنروح كلنا بعربية Uncle حامد مش لازم حضرتك تتعب نفسك وتسوق.”
“وهي العربية هتكفي يا ابني؟” سألت رانيا بعدم اقتناع ليمنحها رحيم ابتسامة حنونة وهي يُجيبها قائلًا:
“العربية فيها ٣ كنبة يا Auntie متقلقيش.”
“ما هو كده مش هيبقى في كمان ليا يا أنا يا السواق بقى.”
“طيب خلاص ممكن نخلي السواق يروح وهسوق أنا وخلاص.”
“تمام ده حل كويس.”
بعد بضع دقائق كان جميعهم داخل السيارة ولسوء الحظ لم تستطع أفنان الجلوس إلى جانب رحيم فلقد كان جالسًا إلى جانب أنس في الأمام.
“ده طلع قمر أوي يا أفنان عندك حق بصراحة!”
“بت لمي نفسك أنا بغير!!”
“خلاص ياختي أنا أسفة.”
“وأنتي يا ميرال سرحانة في أيه؟”
“نوح.” انساب الإسم من فم ميرال دون تفكير ليرمقها كلًا من أفنان ومريم بإبتسامة خبيثة.
توقفت السيارة أمام محل مجوهرات فاخر يحوي كل أنواع المجوهرات تقريبًا بمختلف أنواعها لكن كان يطغى على المكان المجوهرات الماسية والذهب الأبيض، غادروا جميعهم السيارة وسار رحيم بخطوات بطيئة في انتظار أفنان لتصبح إلى جانبه وبمجرد أن فعلت سألته بصوتٍ منخفض:
“رحيم هي مامتك مجتش ليه؟”
“هقولك بعدين، متركزيش في أي حاجة دلوقتي غيرنا.”
“صح عندك حق أنا مالي بأمك أصلًا.”
“أيه رأيك في ده؟ أو ده؟” كان رحيم يُشير إلى عدة خواتم في وقتٍ واحد ليُزيد من حيرة أفنان، كانت مشاعرها مختلطة وكانت هذه أصعب مرة قد وُضعت فيها في موضع الإختيار فهي لا تقوم بشراء زوج من الجوارب بل تشتري خاتم الزواج الذي سترتديه طوال العمر إن شاء المولى عز وجل كما أنه باهظ الثمن بل ثمنه يفوق كل الأشياء التي ابتاعتها في حياتها كلها.
“أنا مش عارفة.. أنا احترت.. اختارلي أنت حاجة واللي هتختاره لو المقاس مضبوط هناخده.”
“ده حلو أوي ومُختلف.. زيك.” تمتم رحيم بصوتٍ مسموع لكنه همس في الكلمة الأخيرة، يُزين ثغرها ابتسامة صغيرة بينما يمنحها ‘الجواهرجي’ الخاتم الذي اختاره رحيم.. خاتم من الألماس يحوي ثلاثة فصوص فص كبير في المنتصف يحاوطه فصين أصغر في الحجم من اليمين واليسار.. كانت الفصوص دائرية بما يسمح بإرتداء ‘دبلة’ من الذهب أسفلها، على أي حال كان رحيم سيكتفي فقط بخاتم الزواج لكن أنس قام بتنبيهه أن خواتم الزواج الماسية ليست منتشرة في مصر والوطن العربي وأن المُتعارف عليه هو ‘الدبلة’ المصنوعة من الذهب لذا قرر رحيم شراء الإثنين من أجل أفنان فلا شيء ثمين مقارنة بها عنده.
“حلو أوي بجد.. ربنا يخليك يا رحيم بجد.”
“تعيش وتجبلها يا حبيبي.” تمتمت والدتها قبل أن تُطلق زغرودة عالية وتُشاركها مريم، تُزيين ابتسامة واسعة ثغر رحيم وأفنان بينما يُقهقه والد رحيم من لُطف الموقف والأجواء المُبهجة التي قد افتقدها منذ زمن بعيد.
“ألف مبروك.”
“عقبالك يا أنس وأخلص منكوا أنتوا الإتنين مرة واحدة.”
“إن شاء الله يا Uncle…” نبس أنس بإبتسامة يشوبها بعض الحزن وقد رفع عيناه نحو ميرال بيأس.
“كده يا حامد بيه Total الحساب ٧٨ ألف جنية و ٩٠٠ ده طبعًا بعد الخصم علشان حضرتك Special cliten ‘عميل مميز’.” أعلن الرجل ببساطة شديدة وأخرج رحيم بطاقته الإئتمانية بكل سهولة وهو يسأل أفنان:
“أفي مش عايزة تزودي حاجة تانية؟ أي حاجة أنتي عايزاها.” ساد الصمت لبرهة ولم تُجيبه أفنان فلقد كان عقلها يحاول ترجمة الرقم الذي قاله البائع قبل قليل، كيف لرحيم أن يبتاع لها شيئًا باهظ الثمن بتلك الدرجة الرهيبة بل ولم يبدو عليه التأثر عند سماع المبلغ وكأنه سيقون بدفع بضع جنيهات فقط.
“أفي أنا بكلمك أنتي سمعاني؟”
“سمعاك سمعاك.. وبعدين أعوز أيه بس بالرقم اللي أتقال ده؟!! ده أنت هتقسط فيه طول حياتك!” ضحك رحيم ساخرًا على ما قالته فلقد كانت جملتها تنم عن كم هائل من السذاجة التي لم يعهدها في أفنان.
“أنتي بتقولي أيه بس يا أفي؟ وبعدين مفيش حاجة تغلى عليكي.”
“ايوا يا رحيم بس ده تمنه غالي أوي مش الأحسن كنت جبت دبلة ومحبس والموضوع أتلم في ٧٠٠٠ ولا ٨٠٠٠ جنية!”
“لو أنتي بتحبي الGold ‘الذهب’ يعني ممكن نجيب برضوا بس الرقم اللي أنتي قولتيه قليل أوي وطالما أنا قادر اجيب حاجة قيمة أكتر يبقى ليه لا؟”
“أما أنتوا يا أغنياء عليكوا حاجات.” همست أفنان ساخرة لكن رحيم استطاع سماع ما تقوله ليضحك ضحكة هادئة كانت كفيلة بجعل أفنان تذوب لولا أن نبهتها مريم أنها أطالت التحديق لذا حمحمت أفنان وهي تسأل رحيم الآتي:
“طيب رحيم هو أحنا من هنجبلك دبلة؟”
“رحيم مش بيلبس خواتم اصلًا مش بيحبها.” أجاب أنس سريعًا لتلتفت أفنان نحو رحيم بنبرة نارية مُتسائلة ليحمحم رحيم بتوتر وهو يقول:
“بس هلبس طبعًا الدبلة بتاعت أفي، بس أنا مظنش أن هيبقى عنده خواتم فضة هنا.”
“طب خلاص أنا هجبلك أنا الدبلة هي أصلًا بتبقى هدية من العروسة.”
“الله هدية من أفي!”
“أيه السعادة دي؟ دي دبلة تمنها ميزدش عن ٢٥٠ جنية شوف أنت دافع كام قصادها.”
“ما هي مش بالفلوس يا أفي، هي بغلاوة الشخص اللي بيقدم الهدية مهما كانت بسيطة.”
“لا لا يا رحيم تو ماتش مشاعر ورومانسية في يوم يوم واحد أنا كده ممكن أفطس منك.”
“عندك حق والله يا أفنان، ما كفاية نحنحة بقى ده عمو أحمد فاضله ثانية ويجي يضربك.”
قاطع محادثتهم أو لنقل شجارهم البسيط صوت رنين هاتف أنس، نظر إلى الرقم لكنه لم يُجيب بل جعل الهاتف على وضع الهزاز ومن ثم وضعه في جيب بنطاله ولكن بعد مدة قصيرة دق هاتفه مجددًا وتجاهل الأمر مجددًا لكن هاتفه استمر في الرنين خمسة مرات على التوالي تقريبًا، اضطربت معالم وجهه حيث يبدو أن الأمر جاد.. ابتعد عن الجميع وغادر المكان ليُجيب على الإتصال الطارئ على ما يبدو.. لم تستغرق المكالمة سوى دقيقة واحد زُف فيها الخبر كالصاعقة على أذن أنس، أنهى المكالمة بعد أن تفوه بكلمة واحدة تقريبًا ثم ابتسم ابتسامة واسعة وهو يغلق الهاتف ومن ثم دلف إلى الداخل وعاود الوقوف إلى جانب رحيم وكأن شيئا لم يكن.
“كنت فين يا أنس؟”
“كان معايا مكالمة.. مش يلا ولا أيه؟”
“اه يلا.. هي الشبكة المفروض تكون مع مين؟” سأل رحيم بحيرة وبادلته أفنان تعبيرات الوجه ذاتها لتُجيب والدتها عن السؤال مُردفة:
“مش هتفرق يا حبايبي، خليها عندك يا رحيم وجيبها معاك يوم الخطوبة.”
“أيه ده ثواني.. بابا أحنا متفقناش على ميعاد الخطوبة!”
“اه عشان أنا طلبت أننا نأجلها لأجازة نص السنة عشان تكوني خلصتي امتحانات.” أجاب والد أفنان ببساطة شديدة ليعبس وجه رحيم على الفور، تومئ أفنان بعد سماعها للإجابة ثم تعاود السؤال مجددًا:
“ايوا صح.. طب وهنعملها فين؟”
“يا حبيبتي لما نتفق على ميعادها هنبقى نتفق هنعملها فين.” أردف والدها مجددًا ويسود الصمت مرة آخرى لكن يقطعه رحيم وهو يسأل
“أنس أنت كويس؟”
“اه، هستناكوا في العربية تمام؟”
“تمام.”
انتهى رحيم من عملية الشراء وأخذ العُلبة وتوجه إلى السيارة التي كان أنس يجلس بداخلها صامتًا على غير المُعتاد، توقع رحيم منه أن يتذمر لتأخرهم لكنه لم يُعلق ايضًا، بداخل السيارة كان الجميع يثرثرون في مواضيع شتى وقد حاول رحيم فتح حوارات جانبية مع أنس ولكنه كان يكتفي بقول كلمة أو اثنتين على الأكثر وفجاءة أثناء انشغالهم بالحديث وضحك الفتيات دعس أنس على مكبح السيارة بقوة شديدة وفجاءة ولولا أنه يرتدي حزام الأمان لكان رأسه ارتطم بقوة في عجلة القيادة..
شهقات صدرت من الجميع ولم يُعلق أنس بحرفًا واحد بل قاد السيارة بالقرب من أحد الأرصفة وتوقف ليأخذ نفس عميق قبل أن يشعر بسخونة بالقرب من أنفه.. قرب سبابته من أنفه ليستشعر وجود سائل دافئ لزج يسيل من أنفه.
“أنس أنت كويس؟”
“ممكن تسوق مكاني؟”
“ممكن، حطلي بس ال Location بتاع المكان.” اومئ أنس وهو يضع منديلًا ورقيًا بالقرب من أنفه سريعًا لكي لا يُلاحظ أحد أنفه الدامي، غادر السيارة وقام بتبديل المقعد مع رحيم ومن ثم اعتذر على الفور من الجميع بحجة أنه شرد أثناء القيادة وكاد يصطدم بالسيارة التي كانت أمامه.
“يلا اتفضلوا يا جماعة أنتوا مش حد غريب.” تمتم والد أفنان بلطف وهو يدعوهم إلى الجلوس إلى طاولة الطعام، جلس والد أفنان على رأس المائدة وعلى يمينه والد رحيم إلى جانبه رحيم ثم أنس وعلى الجهة الآخر جلست الفتيات ووالدة أفنان.
استقامت والدة أفنان وبدأت في وضع الطعام في الأطباق والذي كان متنوعًا بين أطباق مصرية شهيرة أو عربية بشكل عام مثل الملفوف، الدجاج المشوي، الأرز وطاجن المعكرونة.
“رحيم هو أنت بتاكل أيه من الحاجات دي؟”
“مش عارف.. أي حاجة أنا هدوق كله.”
“أيوا أنا عايزاك تدوق أكلي وتقول رأيك بصراحة وخد بالك بقى أفنان هي اللي عاملة البانية والسلطة والباقي أنا وميرال.” داعبت والدة أفنان رحيم والتي بدأت تعتاد عليه وقد كان رحيم لطيفًا يضحك على مُزاحها ويُحاول اجراء محادثات مع الجميع، لقد كان منزل زوجته المستقبلية مُبهجًا ودافئًا كذلك على عكس قصره الكبير الواسع حيث يقطن مع والديه.
“أنس أنت مش بتاكل ليه الأكل مش عاجبك؟”
“لا لا ده حلو أوي تسلم ايديك..”
“حلو أيه أنت ممدتش ايدك أصلًا، استنى.” علقت ميرال بعبوس ومن ثم استقامت لتضع المزيد من الطعام في صحن أنس والذي حاول جاهدًا أن يُقنعها بألا تفعل لكنه استسلم لها في النهاية، وبينما كانت تفعل ميرال شعرت بأن ملامح أنس مألوفة بالنسبة إليها لا بل هي واثقة أنها رأته في مكان ما لكن لا تتذكر أين وكانت على وشك أن تسأله لولا أن سبقها هو بسؤال والدها عن مكان دورة المياه.
“عمو هو ممكن بعد إذنك اروح ال Toilet ‘دورة المياه’.”
“اه طبعًا يا حبيبي اتفضل، آخر الطرقة دي.. استنى هقوم معاك.”
“لا لا مفيش داعي أنا هعرف أروح.” أردف أنس وهو يستقيم من مقعده بصعوبة غير ملحوظة، أخء يسير بخطى بطيئة حتى وصل إلى دورة المياه.
“ميرال معلش ممكن تجيبي مياه من المطبخ؟”
“حاضر يا بابا من عنيا.”
قالت ميرال ومن ثم غادرت الطاولة وذهبت لإحضار المياه وهي في طريقها إلى الداخل كادت أن تصطدم بأنس الذي غادر دورة المياه للتو، وقفت هي في موضعها بصدمة وتوقعت أن يبتعد هو لكنه لم يفعل بل ظل ينظر إليها بأعين غائمة لثوانٍ قبل أن يُغلق عسليتاه ويختل توازنه ومن ثم يسقط ارضًا…
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية