رواية ديجور الهوى الفصل السابع و الثلاثون 37 - بقلم فاطمة طه
“بعض القلوب لا يمكن أن تتكرر أبداً كقلبك تماماً يا أخي”
#مقتبسة
يسأل نفسه هل هو رجل مخصص لأن تبكي النساء على صدره؟! هل هو قد وهب عمره للمواساة فقط؟!..
رغم مشاعره وضيقه إلا أنه قرر أن يمرح مع ذاته…
فهو أتى ليطمئن عليها، ووجدها جالسة على الفراش تبكي فأخذ يسألها عن سبب بكائها..
ولكنها لم تكن تجيب عليه فقط ألقت نفسها بين أحضانه تطلق العنان لدموعها…
على الرغم من حنان كمال عليها وحبه لها إلا أنه أكثر شخص كان قاسيًا معها وقتها، ولكنه مهما حدث هو شقيقها الحبيب..
مر وقت مناسب وبدأ يشعر بسكونها حتى أنها ابتعدت عن أحضانه، وهنا سألها كمال محاولًا أن يكون هادئ قدر المستطاع:
-بتعيطي ليه يا أفنان؟!! أنتِ اتخانقتي مع داغر؟! قوليلي مالك أنا مش هقعد أخمن اخوكي مبقاش عنده طاقة للتخمين كمان..
عقبت أفنان وهي تمسح دموعها بأناملها قائلة بنبرة مرتجفة:
-داغر قالي…
صمتت بعدها ليسألها كمال بنفاذ صبر تلك المرة:
-ماله داغر عمل ايه ولا قالك ايه؟! هو أنا هشحت منك الكلام يا أفنان قولي علطول..
تحدثت أفنان بتوتر:
-قالي أنه مبيخلفش…
أنهت حديثها وأنتظرت أن تلمح في وجهه أي علامة تخبرها عن صدمته ودهشته أو ضيقه ولكنها وجدت ملامحه هادئة تمامًا مما جعلها تتحدث بنبرة متوجعة:
-أنتَ كنت عارف صح؟!.
هز كمال رأسه في إيحاب لتسأله بلومٍ:
-عارف من امته وليه مقولتليش؟!.
أردف كمال بتوضيح:
-عارف من ساعة ما جه من السفر يا أفنان وهو مقالش لحد غيري تقريبا ومرضتش اقولك علشان ميزعلش حبيت انه يعرفك بنفسه، وبعدين يعني كنتي محتاجة تعرفي مني أنا ليه؟! كنتي هتعملي ايه يعني لو أنا قولتلك قبله؟!.
حقًا ماذا كانت ستفعل؟!
هو معه حق..
لم يجد رد منها…
فسألها كمال للمرة الثانية بنبرة جادة بعض الشيء فهو لن يتهاون في أمر يخصها فهو يدرك أنها عانت ما عانت ويكفي ان تتعرض للمزيد فهي أخذت عقابها منذ زمن.
-هو قالك ازاي؟! اتخانقتم يعني ولا ايه؟! عمل حاجة ضايقتك؟!.
قالت أفنان نافية:
-لا متخانقناش والله..
كانت دومًا متحفظة في شأن داغر…
حتى يوم عقد قرانها حينما تلقت منه تلك الصفعة لم تخبر أحد، تعنيفه لها بالحديث وكل شيء لم تخبر شريف به الذي كان أقام الدنيا على داغر وقتها لو علم فهو لا يخق له معاقبتها…
لا تدري لم تفعل ذلك وقتها لادراكها بأنها أخطأت وعليها أن تتقبل عقابها من الجميع، بالنهاية داغر من يتستر عليها، هل كان هذا سبب صمتها؟!!
أم أنها لم ترغب أن تكون وقتها في موضع الفتاة الوقحة التي تذهب لتشتكي من شيء تستحقه من وجهه نظرها؟! ولم ترغب وقتها في أن يشب شجار بين داغر وشريف تحديدًا…
وكانت المصائب لا تنقص تفاهتها…
كل الأمور كانت تدفعها أن تصمت وألا تخبر أحد بمعاملته لها؛ بالتأكيد لن يقوم بفرش الورود على الطرق التي تسير عليها بعد فعلتها…
-اومال؟!.
هتفت أفنان موضحة الأمر:
-داغر قالي انه هيسيب البيت وهيفتح بيت اهله وأنه هيمشي بعد ما افك الجبس وخيرني انه يا يطلقني يا اقعد معاه هناك ونكمل جوازنا، وقالي ان في شيء لازم اعرفه لو اختارت اكمل معاه انه مبيخلفش.
ابتسم لها كمال مخففًا عن الحرج والذعر البادي عليها:
-معاه حق علشان لو عايزة تكملي معاه تكملي معاه وأنتِ عارفة كل حاجة، اهم حاجة الصراحة في كل حاجة، فايه المشكلة دلوقتي بتعيطي ليه وليه الانهيار ده كله؟!.
عقبت أفنان على حديثه بتلقائية:
-زعلانة علشانه وحاسة بالذنب، وفي نفس الوقت مش لاقية كلام اقوله احنا ازاي جرحناه بموضوع فهد..
قال كمال بنبرة جادة ورزينة:
-وليه متقوليش أن فهد عوض ليه؟! ليه متقوليش ان فهد جه علشان هما الاتنين يعوضوا بعض؟!! ليه دايما بتفكري من الناحية الوحشة؟! بالعكس انا شايف داغر متقبل فهد اكتر من اي حاجة ولولا أن فهد بيداوي جرحه في الموضوع ده كان داغر هد الدنيا فوق دماغنا مهما كان بيعمل خاطر ليا او لجدك..
نظرت له تحاول أن تفكر في كلماته التي قد ترحمها قليلا، وقد تخفف عما تحمله بصدرها…
أسترسل كمال حديثه بتفاؤل لا يدري لما مازال يشعر بالأمل رغم كل ما مر عليهم:
-وليه متقوليش ان ربنا ممكن يكرمه في المستقبل ويخلف عادي؛ ياما كان في حالات كان مفقود فيها الأمل ولما ربنا بيريد خلاص..
ثم سألها بنبرة ذات معنى:
-هو الموضوع هيفرق معاك في قرار هتقبلي تكوني معاه او ترفضي؟!!.
صدقًا هي لا تعلم…
كمال يسألها على شيء لا تدركه..
هل أساسا تستطيع هي أن تكون زوجة فعلية له بالمقام الأول؟! لتفكر في أمر الانجاب؟!.
لا تعلم تجربتها الأولى في الإنجاب كانت قاسية نفسيًا قبل أن تكون جسديًا لم تكن لتتقبل الأمر كانت تقضي أسابيع طويلة في المستشفى بسبب حالتها النفسية التي أثرت بشكل كبير على جسدها وعلى حملها وبالرغم من ذلك استمر الحمل، لا تدري كم مرة دعت رغمًا عنها بأن تموت ويموت معها وهو بداخلها لعلها تخلص عائلتها وتحديدًا شريف من هذا العناء……
وهل داغر..
داغر الذي اعترف لها بحبه، والتي يهتم بها منذ الحادث وكأنها قطعة من الزجاج يخاف خدشها أو لمسها ممكن أن يمنعها من الاستمرار معه هو الإنجاب!!
هل يقارن حبه بطفل؟!! طفل أخر…
فهي تمتلك فهد بالفعل….
لا تظن بأن الأمر يعني لها..
هي فقط حزينة لأجله وتشعر بالذنب مدركة الجنون الذي كان يصيبه….
غير كمال الحديث متحدثًا بهدوء:
-شريف بيكلمك؟!.
هزت رأسها بإيجاب ولكنها قالت:
-ايوة بيكلمني يوميا بس حساه متغير في حاجة شاغلاه وكل ما أساله يقولي مفيش حاجة..
هو مازال يتذكر تلك المرأة التي سمع صوتها ويأويها في منزله:
-انا بفكر اروح القاهرة أقابل هلال اعتقد هو اكتر واحد عارف ماله او اروح اكلمه هو نفسه مبقتش عارف والله…
____________
صاحت سوسن بذهول وهي تتذكر ثرثرة حارس البناية عن زوجة “ثائر بيه” كما يسميه:
-بقا بتفولي عليا وتقوليلهم امي ماتت؟!!!.
كانت تلك أول كلمات خرجت من فم سوسن ما أن دخلت إلى الشقة وأغلقت شمس الباب خلفها…
قالت شمس بنبرة هادئة:
-ربنا يطول في عمرك، والله ما أنا اللي قولت ده ثائر علشان يلاقي حجة منطقية يعني، وأنا قولتله الصبح في واحدة من جيراني جاية وانه يطلعك علطول…
ثم سألتها بتحذير ونبرة جادة:
-اوعي تكوني قولتي لجوزك اي حاجة ولا اني كلمتك؛ ولا يكون عارف أنك هنا؟!.
تحدثت سوسن بنبرة تماثلها:
-هو أنا عبيطة؟! وبعدين عبدة اصلا من امبارح مش بايت في البيت وانا قولتله رايحة اشم هواء لاني حابسة نفسي في البيت، وبالمرة اشتري طلبات البيت.
ثم أسترسلت حديثها بنبرة عاطفية وانهمرت الدموع مرة واحدة من عيناها..
-كده يا شمس يا بنتي تبعدي عني كل ده ولا أنا عارفة أنتِ كويسة ولا لا؟! وال*** ده يبقى عارف مكانك ويكون هو اللي مقعدك وميطمنش قلبي هو اللي مقويكي على امك…
هتفت شمس بنبرة منفعلة قليلًا:
-متغلطيش في ثائر يا ماما، ثائر راجل وسيد الرجالة وبيساعدني وخايف على مصلحتي وعليا، كفايا انه ربط نفسه بيا قدام الناس هنا اللي عارفينه، فمتتكلميش عليه ده اكتر واحد وقف جنبي، وبعدين وقت ما روحتيله هو فعلا مكنش يعرف عني حاجة.
صدق أو لا تصدق!!
شمس هي التي قامت بالاتصال بوالدتها تخبرها بمكانها ولا تدري كيف أتت بها الثقة لتجعلها تفعل ذلك..
ولكنها كانت ترغب في رؤيتها اشتاقت لها وكان هذا شيء عجيب فلم تكن العلاقة بينهما يومًا علاقة أم وابنتها…
لكن بالرغم من ذلك كان هناك شيء بداخلها يخبرها بأن تكف عن تعذيبها فهي بالتأكيد قلقة وكانت تخشى أن تصيبها نوبة قلبية او تمرض بسببها.
والآن تأملت دموعها الصادقة بالفعل الغير مفتعلة..
مما جعلها تعقب في عدم تصديق:
-أول مرة اشوفك بتعيطي..
هتفت سوسن بنبرة ساخرة:
-عيطت كتير زمان لدرجة اني كنت فاكرة أن دموعي نشفت..
غمغمت شمس بهدوء:
-على كده طلعت غالية عليكي.
أردفت سوسن بنبرة جادة:
– طبعا غالية ودي محتاجة كلام؟! هو انا ليا غيرك يا بنتي، وبعدين انا عارفة اني مكنتش ام كويسة ومتاكدة من ده بس انا متحملش تبعدي عني ولا اكون مش عارفة مالك، شمس انا اتظلمت كتير.
قاطعتها شمس بجدية شديدة:
-هتقوليلي ابويا مين وهسمعها منك ولا هتستني لما اعرف لوحدي؟!.
هتفت سوسن بهدوء:
-هحكيلك نص الحكاية…
صاحت شمس بسخرية شديدة وهي تتذكر كلمات عبدة:
-لا أنا مش عايزة اعرف نص الحكاية أنا عايزة اعرف الحقيقة كلها، علشان شبعت من شغل نقطة نقطة ده ده.
تمتمت سوسن بنبرة جادة متجاهلة حديثها:
-كنت في يوم من الأيام شبهك وزيك، حتى قعادك هنا في الشقة دي بيفكرني بنفسي.
أردفت شمس بعدم فهم وهي تعقد حاجبيها:
-مش فاهمة قصدك ايه؟!.
قالت سوسن بنبرة متهكمة:
-كنت عايشة لوحدي مليش اي حد ومش لاقية شغل، ابويا وامي اتوفوا ورا بعض ومفيش فرق كبير ما بينهم وانا وحيدة مليش اخوات، والقرايب يتعدوا على الصوابع فضلوا يجوا ايام العزاء ويومين بعده وخلاص مبقتش بشوف حد، كان عندي خمسة عشر سنة معتمدة على الحاجات اللي الناس بتبعتها، ايويا كان راجل ارزقي ولا ليه معاش ولا غيره كان اليوم بيومه عايشين وامي كانت ست غلبانة محليتهاش حاجة..
ابتلعت ريقها ثم غمغمت بوضوح:
-فضلت كده لغايت ما اللي كان بيبعت زهق وبيعت حتة حتة في البيت مكنش باقي غير السرير اللي بنام عليه، اشتغلت كل حاجة تقريبًا، لغايت ما بقى عندي ثمانية عشر سنة تقريبًا…
كانت شمس تنظر لها بعدم فهم لا تعلم حقًا ما تنوي فعله او قوله ولكنها تركتها تتفوه بما تريده..
أسترسلت سوسن حديثها بألم:
-كنت مش ثابته في اي شغل، مكنتش مخلصة تعليمي، لغايت ما واحد جارنا جابلي شغل عند المحل بتاع ابوكي وساعتها روحت واتعرفت عليه مكنتش اعرف غير انه قاعد في اسكندرية وانه من محافظة تانية، حبيته وهو حبني، شوفته راجل مختلف بيعرف يعامل الست اللي قصاده، وكان حنين عليا وعلى كل اللي شغالين ووقف جنبي كتير..
ابتلعت ريقها ثم قالت بمرارة:
-بعد ما حبيته واتعلقت بيه اعترف ليا انه متجوز وعنده ابن بس انه كان جواز صالونات علشان مصالح عيلته مع عيلتها، ساعتها انهارت وزعلت انه خبى عليا، بس خلاص مكنش في مفر أنا اتعلقت بيه وحبيته، ومع ضغطه ومع كلامه، وافقت اتجوزه جابلي شقة في عمارة أنا محلمش اني اعدي من جنبها، بقيت ادخل أماكن مكنتش احلم حتى ابص عليها او تيجي في خيالي.
تنهدت وهي تتذكر تلك الأيام الجميلة والاشهر الأولى بينهما، لتسترسل حديثها..
-عشت أجمل شهور عيشتها في حياتي معاه، لغايت ما اهله عرفوا، معرفش عرفوا ازاي بس عرفوا وقتها قرر يطلقني علشان ابوه واهل مراته، قرر يفرط فيا وميفرطش فيها هي..
قالت شمس بذهول وهي تلتمس صدق امها معها للمرة الأولى تقريبًا:
-يعني ايه؟! يعني طلقك وأنتِ حامل فيا؟!! يعني سابني؟!! أنا مش فاهمة حاجة..
هنا توفقت عن سرد الحقائق وحاولت قول أي شيء تستطيع غلق الموضوع به..
-اه كنت حامل لما طلقني، بس مكنش هو يعرف.
سألتها شمس بعدم فهم:
-ومعرفتهوش ليه؟!.
كيف تخبرها بأنها بدلا من أن تخبره..
بحملها قامت بسرقته واختفت دون أن تقبل بتعويضه لها، ظنت أنها هكذا تنتقم منه….
أردفت سوسن بنبرة كاذبة:
-كنت خايفة وعايزة اعاقبه في الأول لغايت ما اختفي ومحله اتقفل ورجع بلده وانا معرفش حاجة عنها، مكنتش اعرف غير مطعمه، وعلشان كده بقولك متكرريش اللي انا عملته، ثائر هيكون زيه زي ابوكي مفيش راجل بيقف جنب واحدة غير انه عايز منها حاجة، مفيش حاجة اسمها حب دي حاجة بنقولها احنا علشان بس نصدق الكدبة، دي حاجة بيجروا رجلنا بيها.
تمتمت شمس وهي تلوي فمها بتهكم وجنون:
-أنتِ هتسيبي المصيبة اللي أحنا فيها وهتفضلي تمسكيلي في ثائر؟!!! المبررات اللي أنتِ بتقوليها دي مش طبيعية انك تخبي على الراجل اللي كان جوزك انك حامل مهما كان في بينكم وتخليني اعيش في سني ده معيش لا بطاقة ولا اي إثبات شخصية؟!!!.
ثم تحدثت مرة أخرى بانفعال وهي ترمقها بنظرات مذهولة:
-لا وكمان تخلي جوزك يشغلني رقاصة ويستغلني زي ما هو عايز بحجة ان انا ولا معايا شهادة ولا معايا حاجة..
عقبت سوسن بتردد:
-يابنتي متلوميش على تصرفي وقتها انا كنت صغيرة، صغيرة ومش مستوعبة اللي بيحصل..
قاطعتها شمس بنبرة ساخرة:
-ولما كبرتي عملتي ايه؟! صلحتي اللي عملتيه وروحتي قولتيله ولا سيبتي جوزك يتحكم فيا؟!.
أردفت سوسن بنبرة متوترة:
-عبدة مش وحش اوي كده، ما أنتِ قعدتي معاه عشرين سنة بيصرف علينا.
تحدثت شمس بعدم تصديق:
-أنتِ لسه بدافعي عنه؟!!.
قالت سوسن بنبرة جادة:
-انا بقول الحق، وسيبك من عبدة خالص أنتِ مش سيبتي البيت خلاص وعملتي اللي في دماغك ناوية علي ايه؟!! واللي اسمه ثائر ده ايه حدود علاقتك بيه واصله لفين متسيبهوش…
قاطعتها شمس بعد أن لوت فمها بتهكم صريح:
-والله بلاش جو الأم المثالية علشان مش لايق عليكي، وثائر راجل نضيف أنضف من اي راجل ممكن تكوني شوفتيه في حياتك، هو بيساعدني وبس ومش مستني مني اي مقابل، ولا هيفكر في رقاصة انا واحدة صعبانة عليه وخلاص.
ولم تضغط شمس عليها..
ولم ترغب أن تخبرها عن والدها المزيد لأنها ادركت لن والدتها تتفوه بما تريده ولا تضيف حرف زائد مهما ضغطت عليها، وهي تثق به بأنه سوف يحل الأمر…
تمتمت شمس مسترسلة حديثها بتحذير:
-ولأخر مرة بقولك متخليش جوزك يعرف مكاني ومتجيش تاني بعد كده لو عوزت اقابلك هتصل بيكي نتقابل في اماكن بعيدة ولو احتاجتي اي حاجة عرفيني…
قالت كلماتها الأخيرة باهتمام واضح، فهي والدتها مهما فعلت، مهما كانت سيئة تبقى والدتها…
قالت سوسن بجدية:
-المهم اني اطمنت عليكي ومتقلقيش عبدة مش هيعرف حاجة اهم حاجة خلي بالك أنتِ على نفسك بس..
______________
كم من مشتاق نصحتنا بالابتعاد عن نفس الطريق المؤلم، لكن عذابه غير مسبوق ، فكيف أحافظ على قلبي بعيدًا عن هذا الشعور الرائع؟
#مقتبسة
شَوقٌ بِعَينَيها و لا تتكَلّمُ أخْفَتْ عَظيمًا و الذي بِي أعظَمُ
غازَلْتُها فَتَبسَّمَتْ فَفَهِمتُها انّ اللّبيبَ بِالإشارَةِ يَفهمُ .
#مقتبسة
لا يُبرهن الحب في رسائل الصباح ولا رسائل المساء، يُبرهن في أن يكون حبًا حقيقيًا صادقًا مستمرًا طوال الوقت فيه من الوداعة والفهم والسؤال والصبر والمراعاة والتماس العذر والمبادرة.
#مقتبسة
لحظاتهما المرة الماضية التي قطعها فهد دون أن يدري كانت معه بمشاعرها كلها رغم ضعف تجاوبها، ولكن اليوم رغم أنها فكانت مستعدة لتقديم الكثير والكثير إلا أنها لم تكن بخير وكأنها تبحث في لمساته عن ضالتها…
كانت تائهة بشكل لم يعهده من قبل رغم أنها للمرة الأولى تمنح بسخاء إلا عند النقطة الأخيرة رغبت منه بواسطة دموعها أن يتوقف فهو نفسه أخبرها بأنه سوف يلتزم ببعض الحدود -السخيفة- كما أخبرها…
ظلت تلازم الفراش حتى الثامنة مساءًا رغم أنه أخذ حمام بارد وبعدها قضى فرضه وذهب إلى غرفة أمه وإلى شقيقته وها هو يعود لها من جديد ليجدها في تلك الحالة تنظر في اللاشيء..
هل هي نادمة؟!
على تلك اللحظات؟!!
أم ما الذي يصيبها؟!!….
لا يعلم هل هي تنوي على أصابته بالجنون بتصرفاتها المتناقضة….
أقترب منها لتمسك ذراعه وتضعها أسفل عنقها وتمسك بها بكفيها وهي تعطيه ظهرها، وكأنها كانت تنتظره، ليحاول أن يسترخي بجسده متحدثًا وهو يحاول أن يداعبها:
-أنا كنت فاكر إني هتفوق على مفعول المنوم أنا كده تفوقت على سد الحنك مش أكتر.
ضحكت رغمًا عنها وخرجت من حالة الصمت التي احتلتها على غير العادة….
عقلها على وشك الانفجار..
هي بالفعل مشوشة بشكل كبير الصورة لا تذهب من خيالها، ستموت من فرط الأفكار التي تضرب رأسها، حتى جعلتها بين يداه أن تبكي…
بدلا من الاستمتاع بين يديه…
وهذا ما جعله يتوقف حقًا ليس فقط حديثها ولم يرغب في مناقشتها في تلك النقطة وفي الموقف الحساس الذي لا يحتمل المناقشة رغم أنه لا يعلم حقًا ما الذي أبكاها لكنه وقتها أخذها في أحضانه محاولا تهدئتها…
لا يعلم لما تبكي؟!!!!
هل تظن أنه بعد تلك السنوات من الانتظار والصبر الرهيب والتهذيب الذي مارسه معها على نفسه وعلى سلوكه ومشاعره وحتى انفعالاته أنه قد يرغمها أو على الأقل يبتزها عاطفيًا ليتمم الأمر؟!!..
لو كان يرغب في علاقة كهذه قد لا ترضيه لكان فعل منذ وقت طويل، ولكنه لا يرغب بها بهذا الشكل.
بكائها كان سبب يخبره بأن فردوس ليست على ما يرام..
وهذا هو حالها الطبيعي ولكن هناك شيء جديد!!.
ليست فردوس الشرسة الهجومية قد تبكي في موقف هكذا كانت أقلها استعملت كلماتها الجافة والتي تستطيع جرح كبرياء رجولته بلا شفقة بها كما أعتادت ولكنها لم تفعل..
كانت هشة بشكل كبير..
سألها كمال بنبرة حانية وهو يترك قُبلة على رأسها:
-فردوس أنتِ كويسة؟!.
كانت ترغب هي في سؤاله لما يشعر بأن هناك خطبٍ ما بها؟!!
لم تكن حياتهما طبيعية وهذه هي تلك المرة التي تمنعت بها عنه، ولكنها لا تدري أنه يفهمها..
يدركها أكثر مما تدرك هي نفسها..
تنهدت ثم قالت بنبرة خافتة:
-كويسة يا كمال مالي يعني؟!.
لم يعتاد منها هذا الصمت والسكون…
حتى قبل حفل زفافهما كانت دومًا ثرثارة…
تتحدث في كل شيء وأي شيء، تشاكسة دومًا بشكل محبب إلى قلبه، وبعد حفل الزفاف تحولت المشاكسة إلى هجوم دائم…
فهو لا يعرف تلك المرأة الصامتة أبدًا…
والتي بكت بين أحضانه متعلقه بعنقه….
تخشي من المجهول ومن الشيء الذي من الممكن أن تكتشفه.
كانت كطفلة خائفة ترغب في من يحتويها…
لم يرغب كمال في أن يطيل الأمر..
رغم شعوره بأن هناك شيء كبير، لذلك أردف بنبرة هادئة:
-ماشي ياست الكويسة.
قالت فردوس بتساؤل:
-كنت فين؟!.
هتف كمال بنبرة جادة:
-روحت اشوف ماما بس لقيتها صلت العشاء ونامت شوية، وشوفت أفنان….
أفنان..
اللغز كله أفنان لدرجة أنها تود ولو تذهب صارخة بوجهها وتجعلها ترى الصورة لعلها تتحدث ولكنها تردع نفسها بصعوبة بالغة…
عقبت فردوس على حديثه بغيظ حاولت كتمه:
-عاملة ايه دلوقتي صحيح؟!..
تحدث كمال بنبرة عادية:
-هتروح بكرا للدكتور تقريبا علشان دماغها والجرح اللي فيها…
عند ذكر رأسها…
الجرح…والآن تذكرت ذلك اليوم…
….عودة إلى الماضي….
تقف في بهو منزلهما الذي يعمل به العاملين في الطابق العلوي يحاولون إنهاء غرفته بأسرع وقت ممكن…
فهو يرغب في المكوث في المنزل قبل حفل زفاف شقيقته الذي لم يتبقى عليه سوى عدة ايام…
لذلك قرر بأن تنتهي غرفته أول شيء…
وهو على عجلة من أمره..
شهقت فردوس حينما وجدت اللاصق الطبي على رأسه فهي أتت له دون أن تخبره عن زيارتها فمرت مع أحدى صديقاتها إلى المتجر الذي يقوم بتفصيل فستانها لعمل البروفة الأخيرة، وقررت أن تأتي له بعدها
تمتمت فردوس بنبرة قلقة وهي تضع يدها على كتفه:
-حسن، ايه اللي حصل لدماغك..
توتر قليلًا..
مازال لا يصدق بأنه خرج من المنزل قبل أن يشاهده أحد في وسط الظلام بعد أن شبع غرائزه وفعل فعلته انتبه أخيرًا للجرح الذي احدثته بالاباجورة التي حاولت مقاومته به في البداية لم يهتم ولم يظن بأن الأمر قد يكون عميقًا إلا أن ابتعد عنها وهو يلهث ووجد الدماء تهبط من رأسه….
يبدو الآن متوترًا ونادمًا بعض الشيء..
تلك الفتاة لن تحل عن رأسه، لعله استطاع السيطرة على شهوته ورغبته بها حتى لا يحدث مشكلة، ولكنه سوف يستمر في طريقه للترهيب يعلم خوفها الكبير وذعرها أنها لا تمتلك المقدرة على أن تخبر أحدهم بما حدث وذلك ما يجعله يشعر بالاطمئنان قليلًا..
-اتخبطت في طرف الكوميدنو وانا نايم متكبريش الموضوع حتى الدكتور قالي مش محتاجة خياطة..
عقبت فردوس:
-مش تخلي بالك، وبعدين مقولتش ليه؟!.
تحدث حسن بنبرة منفعلة بعض الشيء مقاطعًا حديثها:
-فردوس الموضوع مش مستاهل خلاص انا مش عيل صغير..
ثم حاول تغيير مجرى الحديث متمتمًا:
-فستانك خلص؟!.
عقبت على حديثه وهي تهز رأسه بعدم ارتياح:
-ايوة…
ثم سألته وهي تتأمل سترته السميكة والتي تخفي ذراعيه وجسده وحتى عنقه ولا تناسب تلك الأجواء أبدًا..
-مش الجو حر أوي على اللي أنتَ لابسه ده؟!..
يعلم ما تقصده..
حتى أن العم اسماعيل علق تعليقًا مرحًا بشأنها وأخبره حسن على مضض بأنه يشعر بالاعياء لذلك رغب في ارتداء شيء سميك..
كان هذا أنسب شيء يخفي بها أسنانها وأظافرها التي غرزتها بجسده تحاول تعنيفه فعلت كل شيء يقع على عاتقها كي يبعد ولكنه أحبط أي مقاومة منها ولم يتركها إلا حينما فعل ما يريد وهو إطفاء النيران المتواجدة به…..
فعلت كل شيء على أمل أن يبتعد ولكنه لم يفعل…
لأنه يعلم بأن الشيء الوحيد الذي لن تقدر على فعله هو الصراخ…
تمتم حسن بنبرة منفعلة بعض الشيء:.
-ما خلاص يا فردوس ألبس اللي البسه أنتِ اسئلتك كتير النهاردة ليه؟! صحيت من النوم سقعان وعندي برد لا اكتر واقل…
…عودة إلى الوقت الحاضر….
انتفضت فردوس على صوته لتتحدث بنبرة مذعورة:
-في ايه يا كمال؟!.
تحدث كمال بنبرة ساخرة:
-دي خامس مرة انادي عليكي رغم اني لازق فيكي ومش سمعاني، ايه اللي شاغل بالك للدرجاتي؟!.
عقبت فردوس بسماجة وهي تنظر له بأعين تطاير منها الشرار تلك المرة ولا تدري لما:
-أنا بالي علطول مشغول ايه اللي جد يعني؟! وبعدين أنتَ بتعلي صوتك عليا ، وعضتني و…
سألها بتسلية واستمتاع:
-وايه كمان؟!!.
قالت فردوس بنبرة مترددة وأكثر خفوتًا:
-ولا حاجة مش عايزة اقول حاجة.
-كويس الحمدلله اتراضينا يعني، ومفيهاش محاضر ولا أقسام؟!.
هزت رأسها ببطئ نافية…
وعقلها مشغول بالفعل…
تلك الذكرى داهمتها مرة واحدة، تحاول تذكر أفعاله وارتباكه، عصبيته التي تظهر للمرة الأولى في الليالي ما قبل زفافها وكانت وقتها تحاول تبريرها بأنه يحزن رُبما لفراقها وزواجها فلم يفترقا يومًا وهي عائلته كما يخبرها وابنته، وبعد مقتله كانت تخبر ذاتها بأن الميت يشعر بقُرب هلاكه لذلك رُبما كانت تلك هي العلامات!!!
كل شيء في عقلها غير واضح الكثير من النقاط ولا تستطيع ربطها مع بعضها…
تمتمت فردوس بخفوت:
-كمال…
-ايه يا حبيبي؟!.
كان دومًا يفضل استخدام (حبيبي) بدلا من (حبيبتي)..
كانت وقتها تخبره بأنه لا يروق لها الأمر ولكن فيما بعد اعتادت…
أردفت فردوس بتردد:
-يعني كنت عايزة اخد منك الأذن لو حبيت في يوم اعزم ايمان على الغداء…
فردوس التي منذ مدة قريبة جدًا كانت ترفض تناول الطعام وتنفق من أموالها ثمن ما تتناوله وتقوم بطلبه..
الآن ترغب في أن تقوم بدعوة صديقة لها؟!
وليست أي صديقة…
هتف كمال باستفسار:
-اشمعنا؟!.
عقبت بنبرة جادة:
-مش أنتَ اللي قولت أن البيت بيتي..
لم يعد وصف مجنونة قد يليق بمحبوبته فهي تخطت تلك المراحل، الآن هي تكرر كلماته السابقة التي اخبرها بها ووقتها احتجت وثارت عليه مخبره أياه بأن هذا ليس منزلها…
والغريب أنها لم تذكر أمر الطلاق!
أتر الأمر في عقله فردوس التي يعرفها لكانت تفوهت بها اليوم فقط مئة مرة في الدقيقة الواحدة..
تحدث كمال بنبرة رزينة:
-طبعا البيت بيتك وأنتِ عارفة ده، تجيبي فيه اللي أنتِ عايزاه وتعزمي فيه اللي أنتِ عايزاه ومن غير ما تاخدي اذني، أنا بس مستغرب..
حاولت فردوس التبرير:
-صراحة إيمان بتعاني من الضغط الايام دي من امها علشان عايزاها تتجوز وأنا كنت عايزاها تقضي وقت معايا بس مش عارفة اصلا هينفع تيجي ولا لا اللي فهمته ان امها مش عايزاها تقابلني تاني لاني شايفة اني انا اللي بحرضها متتجوزش مع اني والله مش بعمل كده
هتف كمال بعدم اكتراث -هكذا بدى لها-:
-كلام كويس، عايزة تجبيها اهلا وسهلا مفيش مشكلة.
كان يرغب في أن يثني بنفسه ويقدم امتنانه إلى تلك المرأة فهو حقًا يكره إيمان دون أن تفعل شيئًا وكل أفكاره نحوها غير جيدة بالمرة…..
ثم تحدث بنبرة غامضة:
-مش شايفة أن مامتها ممكن تكون عندها حق، يعني شايفة أن وجودك في حياتها هو اللي مخليها مش عارفة تستمر يمكن بتفكريها.
يبدو أنه يحاول استفزازها بكل الطرق التي تجعلها تثور كما أعتاد منها ولكنها صامتة تمامًا لا يصدر منها اي رد فعل وهذا ما جعله يتأكد من أن هذه ليست تلك المرأة التي أعتاد عليها لسنوات…
-يعني أنتَ بتقول كده علشان ارجع في كلامي ومعزمهاش؟!.
عقب كمال بنبرة هادئة:
-هاتيها يا فردوس هي ولا هتنقصني ولا هتزودني.
كانت ترغب في سؤاله عن سر وجوده هنا حتى الآن وجلوسه بأريحية كبيرة…
ولكنها تذكرت كلماته حينما أتى يخبرها بأن زوجته في منزل عائلتها؛ ولكن كانت تظن بأنه سيذهب لها بعد وقت، حسنًا هي ليست تلك المرأة المتحضرة التي ترغب في ان يهتم زوجها بأخرى بكامل إرادتها حتى ولو تعطيها العذر وتعلم ما تمر به، بالتأكيد هناك شعور بداخلها بالضيق والغيرة ولكنها تحاول نفضه، لكن الآن رغبت في أن يذهب لها أو إلى أي مكان…
هي مرتبكة من أفكارها المشحونة والغير مرتبة وليست مفهومة، وبسبب مشاعرها الهوجاء، ولحظاتها معه التي لم تحظى بها من قبل فكان الأمر مُربكًا، فهي خجلة جدًا من وجوده حتى الآن…
-مش ناوية تقومي تتحركي، تاخدي دش وتصلي، تأكلي، هتفضلي طول اليوم نايمة؟!
-حاضر.
تلك الطاعة سوف تتسب بأن يرتفع ضغطه هو…
وجدها تسترسل الحديث قائلة برفق:
-طنط نجوى هتروح تزور مراد يوم عشرة وكنت عايزة اسالك لو ينفع اروح معاها الزيارة.
هتف كمال بنبرة جادة:
-انا عارف ان مراد زي اخوكي وانك بتقدريهم هو وطنطك نجوى دي بس انا مش كل مرة هكون متهاون في كل مرة لأني بغير عليكي حتى لو عارف ان مفيش سبب يخليكي اغير؛ ولو كنت بقبل دايما بمقابلتك ليهم علشان كنت بسكت نفسه انه زي اخوكي وعارف انه كده بس مش دايما هتحمل الموضوع، خصوصا انه كبر خلاص مش لسه عيل صغير.
سألته فردوس بنبرة لا تحمل أي هجوم حتى ولو طفيف:
-يعني خلاص أنتَ مش موافق؟!
-اه.
-طيب..
هي ليست مشتاقة لرؤية مراد بالمعنى الحرفي لتذهب تلك المسافة لزيارته ولكنها تعلم بأن لديه خبرة في تلك الأمور “الحاسوب وغيره” لذا يجب عليها أن تتصرف هي لن تنتظر…..
هتف كمال مداعبًا أياها رغمًا عنه:
– ضغطي العالي في السماء من خناقاتنا هينزل لسابع ارض مرة واحدة وده خطر على الصحة برضو.
أبعدت يده التي كانت تمسكها وملفوفه حول عنقها وحاولت النهوض قائلة بنبرة قد تبدو مرحة:
-أنتَ مش عاجبك حاجة…
اختفت عن انظاره حتى توجهت إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها، وهنا ألتقط هاتفه، وفتح صندوق الدردشة وهو يبحث عن الرقم الذي قام بتسجيله أثناء تواجده في العمل حينما ألتقى بالطبيبة رقية، طبيبة نفسية وهي عميلة مميزة لديهما وتجمعه بها علاقة طيبة ولأول يوم يقوم بتسجيل رقمها..
وأرسل لها بأنه يريد حجز موعد في عيادتها وبعدها أغلق الهاتف..
____________
أول مرة…
بالفعل كانت أول مرة يسمعوا فيها صوت هلال الغاضب وهو يتشاجر مع آخر شخص قد يأتي بعقلهما أن يتشاجر معها وهي مساعدته “مريم” التي تحل مكانه وتكون متواجدة بالنيابة عنه في كل شيء..
لمع اسمها بجانب اسمه دومًا…
منذ سنوات وهي تعمل معه تحديدًا بعد أن ترك والده العمل ترك كل شيء على عاتقهما…
كانت تبكي ومن حولها تقف بشرى وملك…
فحاولت ملك كالعادة أن تخفف من حزنها قائلة:
-معلش بقا حقك علينا، ده واضح انها عيني، انا اللي كنت باصة في علاقة الشغل دي، وبقول هو بيقدرك وأنتِ الوحيدة اللي في المكتب ليكي كلمة، والله هي عيني المدورة السبب في الخناقة دي.
ابتسمت مريم من وسط دموعها لتتحدث بشرى بمرح هي الأخرى:
-أنا برضو أول ما سمعت الصوت قولت دي عين ملك.
هتفت مريم وهي تمسح دموعها بالمنديل الورقي:
-خلاص روحوا على شغلكم، حصل خير انا شوية وهكون كويسة…
“ياريت زي ما سمعتوا أستاذة مريم قالت ايه كل واحدة على شغلها”.
قبل أن تعقب بشرى أو ملك على حديثه كان صوته هز بدنهما…
كان يتحدث بنبرة صارمة للغاية جعلتهما يعودا إلى مكتبهما في ثواني ولاحظت بشرى أنه يتجنب النظر لها على غير المعتاد منذ الصباح…
لا تدري هل هي التي تقوم بتضخيم الأمر أم انه يتجاهلها بالفعل؟!…
أقترب هلال من مكتب مريم متحدثًا بنبرة هادئة:
-حقك عليا يا مريم انا بس كنت متعصب شوية والفترة دي انا مش متحمل أي غلط.
هتفت مريم بهدوء وعفوية:
-ولا يهمك انا كمان مضغوطة في البيت علشان كده انفجرت شوية يمكن حصل خير مش اول مرة نختلف على حاجة.
تمتم هلال بجدية:
-اهم حاجة متزعليش، وعلى العموم أنا نازل دلوقتي، ورايا كذا مشوار وغالبا مش هرجع النهاردة هكلمك اقولك برضو ولو كده قبل ما تمشي ادي المفاتيح لأحمد وهو يقفل كل حاجة.
-تمام.
أنهى حديثه ورحل دون إضافة كلمة واحدة، وما أن هبط من المبنى وجد الشخص ذاته بسيارته يقف على الرصيف من الناحية الآخرى…
فتوجه صوب سيارته بهدوء وخطوات ثابتة وفتحها وقام بوضع المفتاح بها…
ليراقب الوضع لمدة دقائق…
ليجدها هابطة من البناية بعد دقائق قليلة وهي تعبر الطريق وتتوجه صوب سيارته وتقف ناحية الباب الخاص به..
مما جعله ينطلق على الفور بالسيارة…
“عند سيارة جمال”
قالت بشرى بنبرة متضايقة:
-في ايه يا جمال ايه اللي جابك تاني أنتَ مرجعتش البلد؟!!.
أشار لها قليلا أن تبتعد وابتعدت ليهبط من السيارة وهو ممسكًا حقيبة..
-لا كان ورايا حاجات وخلاص رايح بني سويف وروحت اتغديت وقولت اجيبلك اكل معايا..
تمتمت بشرى بنبرة منفعلة بعض الشيء:
-مكنش له داعي تتعب نفسك يا جمال، أنا باكل من بدري وبعدين يعني ملهوش لازمة كل ده المفروض أنكم سايبين ليا وقت أفكر وانا موافقتش…
تحدث جمال برفقٍ:
-مش ملاحظة أنك علطول متعصبة ومضايقة من غير سبب، مش معنى اني جيبتلك اكل يعني اني عملت جريمة، وعارف انك موافقتيش لسه، انا بس جايبلك أكل بحسن نية ولا بضغط عليكي ولا غيره، هدي نفسك شوية.
كان جمال يقدر بشرى يكن لها مكانة خاصة بداخله لا يعلم هل أحبها بالفعل أم لا…
ولكنه يكن لها مشاعر مميزة جدًا وصافية..
ويعلم ما تمر به من حالة نفسية مضطربة بسبب المشاكل التي دومًا في عائلتها لذلك لا يغضب من تصرفاتها تحديدًا لصغر سنها…
وحتى قبل أن يفكر في خطبتها هو دومًا يسأل عنها..
مد يده وأعطاها الحقيبة لتأخذها منه على مضض:
-شكرا.
-العفو، مش عايز اعطلك عن شغلك اطلعي خلاص.
تمتمت بشرى على مضض تحاول ألا تكون فظة معه أكثر من ذلك:
-توصل بالسلامة.
-الله يسلمك.
______________
وجاء حنونًا بشكل مفرط كأنه يعتذر عن كل من آذاني، كأنك مواساة في ظِل ركام الهزائم، مددت يدك لي، حين لم يفعل أحد.
#مقتبسة
منذ الصباح لم تجب عليه…
حاول ثلاث مرات وفي كل مرة لم تكن تجيب فبعد رحيل والدتها كانت تشعر بالحزن الشديد، تشعر بالندم يراودها لأنها قامت بالاتصال بها وجعلتها تأتي…
ليس لخوفها من معرفة عبدة إلى مكانها فهي لا تخشي شيء، وهي قررت الابتعاد ولن تذهب للرقص مرة أخرى مهما حدث، حتى ولو كان الموت في انتظارها ستذهب للموت ولن تعود…
لكن ما اغضبها هو إصرار والدتها على إخفاء الحقائق عنها، ومحاولاتها الدائمة للتشكيك في نوايا ثائر تجاهها، هي تثق به أكثر من نفسها ولكن حديث والدتها يغضبها، هل مرآة الحب عامية؟! فهي بالرغم من معرفتها بأنه يعيش باسم اخر وحياة أخرى وقتل شخص لم تشك به أو تغضب حتى ولو مقدار ذرة، هل هي عمياء؟!..
لم يكن عليها التفكير أكثر بعد أن صدع رنين الجرس، فنهضت لتنظر في (العين السحرية) لتجده أمامها يقوم بقرع الجرس بضيقٍ كبير، فتحت الباب ليجدها أمامه بملامح غير مفهومة لكن لا شك أنها حزينة..
أغلق الباب خلفه ما أن ابتعدت خطوتين ثم تحدث وهو يكز على أسنانه:
-أنتِ مبترديش على الموبايل ليه؟!.
تمتمت شمس كاذبة:
-مشوفتهوش، تليفوني كان صامت ومكنتش فاضية.
سألها شريف بنبرة ساخرة:
-مكنتش فاضية يعني بتعملي ايه معطل جنابك انك ولا تردي عليا ولا تبعتي رسالة؟!.
لم تجد أجابة مقنعة يبدو أنها كانت حمقاء حينما تفوهت بهذا العذر، أمرأة مثلها تجلس في المنزل طوال الوقت ليس لديها أي شيء قد يقوم بتعطيلها، وقبل أن تفكر في حجة منطقية تحدث هو سابقًا أياها بنبرة غاضبة وفي أقصى مراحله الجنونية:
-اقولك انا وراكي أيه، وراكي انك تجيبي امك هنا…
ابتلعت شمس ريقها بتوتر ثم غمغمت بتردد:
-أنتَ عرفت منين؟!
تحدث شريف بنبرة منفعلة:
-فاكرة اني مش هعرف يعني؟! عرفت من البواب انا قايله يعرفني كل حاجة، ولما قالي أن في واحدة ست جت تشوفك مجاش في بالي غير امك وأنتِ كنتي قايلاله ان في واحدة جاية تعزيكي مش كده، ايه وحشك الشغل وعايزة ترجعي؟!! لو عايزة ترجعي محدش مانعك…
هتفت شمس بنبرة منفعلة:
-ملهوش لزوم الكلام ده يا ثائر ولا لازم تذلني يعني؟!، انا ولا عايزة ارجع الشغل ولا غيره ولو كنت عايزة ارجعله او شاكة اني مش قد قراري مكنتش خرجت من بيتنا من الأساس ولا سيبته.
تحدث شريف بنبرة محترقة وهو يحاول أن يهدأ من الثورة المقامة والمشتعلة بداخله فهو لا يتحمل أبدًا فكرة عودتها، هو لا يتحمل أساسًا تلك الفيديوهات والتعليقات التي متواجدة على المقاطع الخاصة بها، يموت ألف مرة ولكن يحاول ادعاء انه لا يهتم:
-اومال تفسري بايه اللي عملتيه؟!!..
لم تجب عليه ليتحدث بنبرة غاضبة:
-ردي عليا، انا مش بكلم نفسي…
هتفت شمس بهدوء محاولة أن تتمالك أعصابها:
-وحشتني وحبيت اشوفها، ما هي امي ومن حقها تطمن عليا، حسيت أن اللي بعمله غلط، وخوفت عليها يحصل ليها حاجة زي المرة اللي فاتت وتدخل المستشفى بسببي…
هتف شريف بضبقٍ:
-هحاول أصدق اللي بتقوليه، بس ازاي ميجيش في فردة الجزمة اللي اسمها دماغك انها تقول لجوزها على مكانك وينطوا ليكي هنا ويجبروكي والمفروض تحترمي أنك قدام الناس شايلة اسمي واني متحمل مسؤوليتك فمينفعش تتصرفي بمزاجك…
تحدثت شمس بنبرة واضحة:
-انا عمر ما حد اجبرني ارقص انا بعمل كده بمزاجي او علشان عايزة مصلحة منهم واخر مرة انا رجعت علشان اعرف اي معلومة عن ابويا لا أكتر ولا أقل انا مش صغيرة علشان حد يجبرني هو بيبتزني بس، وهي مش هتقوله حاجة اطمن، وحقك عليا انا عارفة انك متحمل كتير.
أردف شريف وهو يكور قبضة يده:
-عارفة ياريتك قولتي بيجبرك واتخرستي كان أرحم من الضمير اللي عند اللي خلفوكي ده، انا موتي هيكون على ايدك..
تمتمت شمس بلهفة:
-ان شاء الله وأنتَ لا، وبعدين انا عايزاك تشوفلي حوار ابويا ده بسرعة لو فعلا مش عايز حد يأثر عليا لازم الاقيه..
هتف ثائر بنبرة هادئة:
-انا بكرا هقابل هلال وهو كلمني وقالي ان لازم اقابله بخصوص موضوعك، رايحله دلوقتي وياريت تقفلي الباب عليكي بالمفتاح ومتعمليش اي حاجة من دماغك تاني أنتِ سامعة؟؟!!.
-حاضر حقك عليا، مش هعمل حاجة تاني من وراك وبعدين متقلقش والله أنا اول مرة اثق فيها وهي لو كانت ناوية تقوله حاجة مكنتش جت لوحدها.
تمتم شريف بنبرة ذات معنى:
-ماشي يا ست شمس واياكي مترديش عليا تاني، وبالنسبة لموضوع امك دي أنا هحتاجه قريب..
سألته شمس باستغراب:
-تحتاجه في ايه مش فاهمة؟!
هو علم بأن عبدة هو من يقوم بنشر الفيديوهات بعد حديثه إلى أحد المسوؤلين عن تلك الصفحات الإلكترونية لذلك هو لن يرحمه….
-هقولك ساعتها، خلي بالك على نفسك أنتِ بس.
تحدثت شمس بنبرة جادة وصادقة:
-انا بثق فيك اكتر من اي حاجة في الدنيا يا ثائر، ومتاكدة انك هتحل ليا كل حاجة.
ابتسم لها دون أن يعقب بشيء، ثم فتح الباب خرج منه فهو لم يتقدم خطوة كان يقف خلف الباب من الداخل…
______________
“ مخيفٌ ما بوسع الحب أن يفعله، إنه يحول إنسانًا إلى فراشة، وآخر إلى جثة .”
#مقتبسة
جذوري اليابسة لا يعيد شغف إخضرارها غير صوتكِ.
#مقتبسة
خلد فهد إلى النوم في غرفته التي كانت ترافقه بها حتى ذهب قي سبات عميق، ووقتها استندت على عكازيها وعادت إلى الغرفة تنتظره….
لقد تأخر الوقت…
وتأخر هو ايضًا أو بمعنى أدق هو يتعمد التأخير حتى يأتي وتكون قد ذهبت في النوم..
حتى لا يواجهها..
ولكنها لن تنم قبل أن تراه وتتحدث معه، مرت أكثر من ساعة وهي تقوم بالتقليب في هاتفها دون هدف حقيقي هي تحاول السيطرة على نفسها حتى لا تذهب في النوم….
فهي تشعر بالنعاس بالفعل…
وأخيرًا ها هو يلج إلى الغرفة ويغلق الباب خلفه بحذر ظننًا منه أنها قد ذهبت في النوم ولكنه وجد إضاءة هاتفها منبعثة وهي تعبث به وهنا فتح المصباح قائلا بنبرة خالية من التعبير..
-ايه اللي مصحيكي لغايت دلوقتي؟!.
بعفوية كانت تجيب أفنان عليه:
-اكيد مستنياك تيجي وأنتَ اتأخرت عليا.
لن يعقب بشيء بل توجه إلى الخزانة ليخرج ملابس لها ليسمعها تتحدث بهدوء:
-هو أحنا مش هنكمل كلامنا؟!.
أستدار بجسده لينظر لها وهو يضيق عيناه متحدثًا بتلقائية:
-كلامنا خلص الصبح مكنش في كلام ناقص يتقال انا قولت اللي عندي.
تحدثت أفنان بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-في دي عندك حق أنتَ كل مرة بتقول اللي عندك وبتسيبني وبتمشي من غير ما تسمع ردي على أي حاجة.
سألها داغر بنبرة تماثلها في السخرية ولكن زاد عليها لمحة من الألم:
-وأنتِ هيكون ردك أيه يعني على اللي قولته؟!.
بثقة كانت تجيبه:
-ردي اني لو عايزة أكمل معاك أنا هكمل معاك علشانم أنتَ مش علشان لا خلفه ولا غيره في الأول والآخر دي نصيب، لكن أنتَ كالعادة بترمي الكلام في وشي وتروح ماشي من غير ما تديلي فرصة ارد.
استوقفه تلك الجملة: “لو عايزة”
هذا يعني أنها لا تريد الأمر حتى الآن؟!.
ألا تريد الاستمرار معه؟!!..
يبدو أنه يقوم بإعادة المواقف مرة أخرى..
أفنان لا تكن له أي شيء…
فقط هو المستمر في حب لا تبادله اياه…
عقب داغر بنبرة غامضة:
-والله شكرا على كلامك اللي ينفع يتكتب بيه موضوع تعبير منمق ومظبوط بس مش نافع معايا والله.
أردفت أفنان بنبرة أكثر عاطفية وجدية:
-لو قولت اني مش هستني افك الجبس علشان ادي رأيي واني عايزة أكمل معاك وندي علاقتنا فرصة، كده الكلام ممكن ينفع؟!.
عقب في ذهول صاحبه ابتسامة رُسمت على ثغره رغمًا عنه:
-يعني الاجابة والكلام كده يتبلع شوية، واقدر اتقبله يمكن يداوي.
وسرعان ما اختفت ابتسامته وهو يقول بنبرة جادة:
-بس ياريت ده ميكنش علشان ردك للجميل وشعورك بالاحراج والذنب مش علشان أنتِ عايزة..
كان بالفعل يخشى أنها تفعل هذا بسبب حرجها منه..
رد للجميل الذي فعله من أجلها والتي اعترفت به هي أكثر من مرة، ولكن بالرغم من الحماقة التي تتملكها أغلب الأوقات إلا أنها لن تكرر أن تبني علاقة حقيقية معه من أجل امتنانها….
هزت رأسها نافية وهي تقول بحرج وخجل كبير:
-اكيد لا، انا بقولك موافقة ندي علاقتنا فرصة…
اكتفت بتلك الإجابة..
ليس بوسعها أن تقوم بتوضيح الأمر أكثر وهي أنها ترغب في المحاولة من أجله ومن أجل حبه..
من أجل المشاعر الغريبة والجديدة كليًا التي تشعر بها ولم يسبق أن تتكون بداخلها حتى مع حسن في البداية، الآن هي تشعر بمشاعر ناضجة تمامًا ومختلفة…
مشاعر صادقة ليست نابعة عن مجرد أوهام…
كان سوف يجلس أمامها على الفراش ولكنه تراجع من أجل ساقها الممدة فجلس بجانبها على الفراش…
تمتمت أفنان بنبرة خافتة:
-يعني انا موافقة ده لو كنت لسه عايز ومغيرتش رأيك.
هل تسأله؟!
هل تظن بأنه قد يغير رأيه تحديدًا بعد موافقتها الكلية على الأمر؟!.
لو كان يستطيع التوقف عن حبها أو التوقف عن رغبته في الارتباط بها لكان فعل ذلك منذ وقت طويل…
وقت طويل جدًا…
هتف داغر وهو يحاوطها بأحدي ذراعيه:
-يوم ما هغير رأيي ده معناه اني بطلت احبك، ولو كنت اعرف اعملها كنت عملتها من زمان، فاستحالة بعد العمر ده كله أعرف اعملها..
كلماته توترها..
تجعل دقات قلبها تتسارع بشكل مخيف…
شكل لم تعهده فهو يمتلك عليها تأثير لا تفهمه حقًا…
جذبها إلى أحضانه لتضع رأسها على صدره تتوسده رغمًا عنها، تحدثت أفنان بخفوت:
-في حاجات المفروض نتكلم فيها ونقط معينة.
تمتم داغر بنبرة هادئة:
-بعد الفرصة اللي ادتيها لعلاقتنا اعتقد النهاردة مش وقت النقاش ممكن نأجله لبكرا أو ليوم تاني..
شعرت بالسكينة في أحضانه وبدأت بالفعل تشعر بالنعاس، استسلمت لرغبته في ألا تتحدث أكثر وأن يأجلا الحديث …..
بسبب الصمت رحلت في النوم رغمًا عنها فهي أنتظرته طويلًا….
حينما شعر بانتظام أنفاسها علم بنومها ابتسم ثم نهض بخفة ليجعلها تنام على الوسادة وقام بوضع الغطاء عليها مدثرًا أياها بحنية وحب وكأنها طفلته، طفلته التي مهما حاول أن يقسو عليها لا يستطيع أبدًا…
وبعدها قرر أن يذهب إلى المرحاض ليأخذ حمام دافئ ويغير ملابسه ثم عاد يصفف خصلاته مقررًا النوم في أحضانها..
ما أن لمح العكازيين التي رغبت بأن تأخذهما سندًا من دونه ألقاهم بالشرفة وأغلقها على الأقل لينساهم حتى الصباح..
بعد فعلته المجنونة تلك توجه إلى الفراش ليأخذها بين أحضانه….
___________
في اليوم التالي…
“أنتَ بتتكلم بجد؟!”
كان هذا تعقيب شريف، بعد أن اخبره هلال بأن يذهب معه الآن إلى بني سويف ليخبر الرجل بالحقائق كلها واحدة تلو الأخرى…
لا يعرف شريف ما الذي جعل هلال يرجح اقتراح هكذا بعد أن رفضه منذ عدة أيام -حينما اقترحه شريف واخبره بأن يتريث- فما الذي جعله الآن يرغب في هذا الآن؟!! غير ملامحه الغاضبة ونبرته المكتومة بشكل لم يعهده عليه…
تحدث شريف رغمًا عنه والاثنان يتناولا قهوتهما..
-وايه اللي جد يعني؟! ليه عايز نروح ودلوقتي؟!.
تمتم هلال بنبرة ساخرة:
-مش ده اللي كنت عاوزه انك تخلص من الموضوع وابوها يعرف، فأنا حسيت أن معاك حق لازم نخلص من الموضوع، واديني مش رايح المكتب النهاردة وهنروح بني سويف بعد ما نخلص القهوة.
تمتم شريف بهدوء:
-ده اللي أنا عاوزه بس مكنش عاجبك ولا كنت موافق عليه.
كز هلال على أسنانه ثم تحدث بنبرة مغتاظة:
-معلش يا سيدي حقك عليا اصلي لما قعدت وفكرت مع نفسي عرفت ان حضرتك الصح وان أنا اللي غلط.
هناك شيء غريب به..
هلال لا شيء يغضبه ولا شيء يجعله على وشك أن ينقض على أي شخص، فهو دومًا بارد، جامد مهما حدث يسيطر على انفعالاته التي دومًا ما تكون ثابتة..
تمتم شريف بنبرة عملية:
-خلاص نحلص القهوة ونطلع على بني سويف
ثم سأله بعفوية:
-صحيح البنت اللي هي بنته واختها دي عاملة ايه؟!.
-قصدك بشرى؟!.
هز شريف رأسه بهدوء متحدثًا بنبرة شبة ساخرة:
-ايوة دي بنسى اسمها، عاملة ايه؟! وهي في بني سويف ولا فين؟!.
تمتم هلال بنبرة مقتضبة أو هكذا ظن ولكنها كانت مشحونة بعض الشيء:
-عادي كويسة جدا، هيكون مالها يعني؟!.
قال شريف بنبرة غامضة:
-ماشي ياعم في ايه بنسأل سؤال، أنتَ مش طايق نفسك ليه؟!.
-انا كويس مفيش حاجة أنتَ اللي دماغك فاضية، ما لو في حاجة هقول، مش يلا نمشي بقا ونخلص من الحوار ده.
______________
من الطريق إلى القاهرة إلى بني سويف…
كان هلال يسير وفقًا للموقع والعنوان الذي أخبره به الرجل الذي أتى بالمعلومات عن منير، فهو لا يعرف موقع منزلهم ففي المرة السابقة ذهب إلى المستشفى…
حينما وصلا إلى بنى سويف؛ كلما يضل الطريق يسأل أحد المارة ويقوم بإخباره كيف يسير…
وخلال الطريق استطاع شريف بمهارة كبيرة أن يعرف ما الذي يزعج هلال وهو ذلك الرجل مجهول الهوية الذي أتى إلى أسفل مقر عمله مرتين في اليوم ذاته…
رجل مجهول الهاوية بالنسبة له ولكن على ما يبدو أنه مهم بالنسبة لها، أو رُبما تجمعه بها علاقة!
هو لا يعلم، هو فقط يخبره ما يغضبه هو أن عمله ليس مقرًا لتلك الأشياء فلتفعل ما تريده بعيدًا عن مكتبه والعمل…
كانت المبررات مجرد هراء بالنسبة إلى شريف هو فقط أدرك علته…
توجها إلى المنزل بعد أن أصطف هلال بسيارته أسفله…
ثم صعد الاثنان ناحية البوابة وقرع شريف الجرس لتفتح له أمرأة تبدو في الأربعينات من عمرها تعمل في المنزل قائلة بنبرة عملية:
-مين حضراتكم؟!!!.
تمتم هلال بنبرة متوترة:
-انا هلال، استاذ منير موجود؟!.
-ايوة موجود حضرتك مين؟!!.
أردف هلال بنبرة مترددة على ما يبدو قد أخطأ هو من كان عليه أن يتريث:
-المتر هلال صاحب المكتب اللي بتشتغل فيه الآنسة بشرى..
جاءت من خلف المرأة زينب تستند على عكازها وهي تقول قبل أن تتضح لها الرؤية:
-مين يا سيدة…
وكانت قد اقتربت قبل أن تتفوه المرأة بشيء..
لتنظر باستغراب كبير..
هي استطاعت التعرف عليه رغم أنها لم تراه سوى مرة واحدة وكانت تجهل هاوية الرجل الذي يتواجد معه، ولكنها قالت مرحبة رغمًا عن أنفها…
-اهلا يا ابني اتفضل…
تمتم هلال بنبرة مرتبكة لأول مرة تقريبًا:
-انا متأسف اننا جينا من غير ميعاد ومرة واحدة كده بس في موضوع مهم جدا عايزين نتكلم فيه مع استاذ منير، صحته عاملة ايه دلوقتي؟!..
عقبت المرأة بعدم فهم ما الشيء الهام الذي عليهما التحدث فيه؟!.
-الحمدلله بخير اتفضلوا وأنا هناديه ليكم..
ولج بالفعل هلال برفقة شريف وجلس الأثنان على الأريكة حيث أشارت لهم المرأة الكبيرة بعد أن عقبت بترحاب:
-شوفي يشربوا ايه يا سيدة.
ثم رحلت وهنا تحدث شريف بنبرة هادئة موجهًا حديثه إلى العاملة:
-لو سمحت الحمام فين؟!.
هنا عقب هلال بنبرة منزعجة:
-هو ده وقته؟!.
أردف شريف محتجًا بصوت منخفض:
-مهوا دي حاجة ملهاش وقت تلبية نداء الطبيعة ده في أي وقت..
قال هلال شيء في سره وتصنع شريف بأنه لم يسمع كلماته البذيئة التي نادرًا ما تخرج منه..
أشارت له المرأة ووصفت له مكان المرحاض الخاص بالضيوف ليذهب بالفعل وكان بالقُرب من “المكتب الخاص بمنير الذي يتواجد في الطابق السفلي”.
‘في المكتب’
رغم أن العلاقة بينهما عادت جيدة نوعًا ما منذ أن خضع إلى القسطرة، باتت تخشى عليه وتهتم به لكن اليوم عاد الشجار مرة أخرى يحتل مكانه كبيرة في حياتهما بعد مكالمة بشرى تشتكي وتحتج على إتيان جمال إلى عملها أكثر من مرة، وتخبرهم للمرة الألف بأنها لا تريده ولا تريد الزواج ولا تريد أي شيء..
تحدثت نرمين بحدة:
-انا اصلا مش فاهمة ازاي جمال وابوه جالهم الجراءة انهم يفتحوا موضوع زي ده وأنتَ تعبان.
تمتم منير بنبرة عادية:
-وهما قالوا ايه يعني دول عايزين الخير، وبصراحة بقا أنا شايف شاب زي جمال ميترفضش الايام اللي زي دي صعب تلاقي حد جاهز ومحترم ومتربي وبيحب بنتك هتعوزوا ايه تاني أكتر من كده؟!
قالت نرمين في نبرة أخترقت أذنيه بالفعل وشبة صارخة:
-المفروض أنتَ أكتر واحد عارف هتعوز ايه تاني، بعد الحياة الجحيم اللي عشناها مع بعض وأنتَ كل يوم والتاني مع واحدة ومش مكتفي بيا، لازم تعرف اني مش هخلي بنتي تعيش نفس مصيري تاني…
صاح منير هو الآخر:
-جمال بيحبها وهو مش جواز مصلحة ولا غيره، في فرق كبير، واكبري واعقلي وبطلي كل شوية تفتحي في القديم..
أنه جلاد ماهر يظن أنه التي في عمرها لن يؤلمها ذلك الحديث ولكنه احرجها وازعجها، احزنها بشكل كبير وكأنه يقوم باخبارها للمرة الألف بأنه لم يحبها أبدًا….
تمتمت نرمين بنبرة غاضبة:
-ماشي اعمل حسابك أنتَ لو مخلصتش الموضوع ده، انا بنفسي اللي هكلم جمال وابوه واقولهم ان بنتي رافضاه، انا مش هكرر حياتي في حياة بنتي..
-بنتك بنتك، على أساس أنك مهتمة اوي باحوال بنتك اللي شجعتيها تروح تقعد في القاهرة لوحدها لمجرد تعندي فيا.
قالت نرمين ببرود:
-لو معملتش حاجة كويسة في حقها عمري كله زي ما بتحاول تقول وتحسسني، فدي الحاجة اللي هعملها في حقها اني مش هجوزها واحد هي مش متقبلاه.
فتحت زينب الباب قائلة بنبرة حادة ولكنها خافتة:
-صوتكم عالي كده ليه؟! هو مينفعش تقعدوا كام يوم كويسين الناس بتكبر تعقل وأنتم بتكبروا تتجننوا أكتر…
وقبل أن يعقب أي أحد على حديثها كانت تقول:
-هلال اللي بشرى بتشتغل في مكتبه برا ومعاه واحد تاني.
ضيق منير عيناه قائلا بدهشة:
-هو جاي يعمل ايه ده؟!.
تحدثت زينب بدهشة لا تقل عنه:
-بيقول انه عايزك في موضوع، اخرج شوفه عايز ايه لأن الموضوع مقلقني..
أردفت نرمين بابتسامة لا تعرف حقًا سرها:
-واحنا هنقلق ليه، بشرى لسه مكلماني من شوية وكويسة جدًا مفيش أي حاجة.
تمتم منير بفضول:
-هنشوف عايز ايه دا كمان.
بعد أن انهى حديثه غادر الغرفة لتتحدث زينب بعتاب:
-هو أنتِ مش هترحمي ابني بقا، يعني في عز ما هو لسه خارج من العمليات من كام يوم، أنتِ برضو مش رحماه عايزاه يحصله ايه تاني؟!..
قالت نرمين بنبرة منزعجة:
-هكون عايزة ايه يعني؟! وبعدين ابنك مستفز وأنتِ فعلا لو بتحبي حفيدتك زي ما بتقولي لازم تحبي مصلحتها انها تتجوز واحد بتحبه ويحبها علشان الزمن ميعدش نفسه تاني…
“في الخارج”.
كان شريف يجلس بجانب هلال على الأريكة بعد أن أتى من المرحاض، أتى منير فنهض الاثنان وقام كلاهما بمصافحته وقام هلال بتعريف شريف لوالد بشرى، بأنه ثائر صديقه..
جلس الأثنان فأخذ هلال يسأله عن صحته وعن أحواله فأردف منير بنبرة هادئة:
-الحمدلله احسن دلوقتي والدكتور قالي مع الالتزام بالعلاج الدنيا هتكون افضل.
تمتم الاثنان في نفس واحد..
“ان شاء الله”
تمتم منير بنبرة جادة وهو يوجه حديثه إلى هلال:
-حضرتك تنور يا ابني في اي وقت بس أنا مستغرب ايه الموضوع المهم جدًا اللي انتَ جاي وعايز تكلمني فيه من غير ميعاد؟!
أردف هلال بنبرة عملية:
-يعني هو الموضوع حساس شوية، بس حسيت انه لازم نتكلم فيه علشان…
قاطع شريف الحديث مخترقًا أذن هلال:
-من غير مقدمات هلال الكتيرة، هلال جاي يطلب ايد بنت حضرتك الانسة بشرى….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية