رواية في حي الزمالك الفصل الرابع و الاربعون 44 - بقلم ايمان عادل
صَفْعَة 🦋✨🤎
“وه! هو ده الأتيلية؟” أردفت أفنان بإنبهار لتصدر ضحكة صغيرة من رحيم على ردة فعلها قبل أن يُجيبها قائلًا:
“اه هو، هنشوف فيه فستان ليكي وليهم branch ‘فرع’ رجالي هنشوف فيه suit ‘بذلة’ ليا.”
“أنتَ بجد بتخليني أروح أماكن عمري ما كنت هروحها ولا هعرف أنها موجودة… تجربة أي حاجة معاك مختلفة بكل المقاييس عن أي حد تاني، حتى المعاكسة الحقيرة اللي كانت من شوية دي.”
تمتمت أفنان بنظرة حالمة وهي تبتسم بلطف ليضحك رحيم وهو يُعيد خصلات شعره نحو الخلف بينما يُعلق على حديثها قائلًا:
“يااه أنتِ لسه فاكرة؟ المهم أنا مديهم خبر أننا جايين وهما جهزوا أكتر من dress ‘فستان’ من ال collection ‘المجموعة’ الجديد عشانك، ونفس ال size ‘مقاس’ بتاعك كمان.”
“وهما عرفوا مقاسي منين؟” سألت أفنان بمزيج من الجدية والسخرية وهي تستخدم عبارة من أحد الأفلام الكوميدية الشهيرة، يقلب رحيم عيناه بتملل وهو يُردف ساخرًا:
“أيه يا أفي الذكاء ده؟ أنا اللي قولتلهم أكيد.”
“وأنتَ عرفت مقاسي منين إن شاء الله؟” سألت أفنان وهي تُضيق عيناها بشك بينما تعقد ذراعيها أمام صدرها، ليصفع رحيم جبهته بيده بينما يهمس:
“صبرني يارب… استغفر الله العظيم.”
“بتقول حاجة يا رحيم؟”
“بستغفر ربنا يا حبيبتي بستغفر ربنا!” تمتم رحيم بنفاذ صبر وهو يُعيد خصلات شعره نحو الخلف قبل أن يُضيف:
“أفي حبيبي ركزي شوية، فستان الخطوبة أنا جبته معاكي وعرفت ال Size ‘مقاس’ بتاعك من الفساتين اللي جربتيها وقولت بدل ما نقعد ندور هنا على style و size نحاول نكسب وقت ونختصر.”
“طب ما كنا اختصرنا كل ده ولبست أي حاجة من عندي وخلاص.”
“مينفعش، مفيش حاجة عندك هتبقى مناسبة للمكان.” أجاب رحيم ببساطة شديدة لتعقد أفنان حاجبيها بإمتعاض وهي تقول بحنق بينما تضع يديها على خصرها:
“قصدك أني مبعرفش ألبس؟ ولا لبسي مش قد المقام؟”
“ليه؟ ليه بجد؟” سألها رحيم بإستياء شديد وهو يُخفي وجهه بكلتا يديه لترمقه بحيرة وهي تسأله:
“ليه أيه؟”
“ليه ال system ‘نظام’ بتاع دماغك بيترجم كل حاجة بطريقة سلبية ووحشة؟ أنتِ فعلًا معندكيش حاجة مناسبة، أنتِ مش عارفة شكل المكان أو ال style اللي الناس هتلبسه… واللي أحنا الإتنين المفروض نلبس زيه عشان نبقى زي الناس الموجودين…”
قام رحيم بتفسير وجهة نظره لأفنان والتي اسأت فهمها كالمعتاد، لم تُعلق أفنان على ما قاله رحيم ليمتعض وجهه لثوانٍ قبل أن يقترب من أفنان قليلًا وهو يسحب يدها الصغيرة بين كفيه وينظر إلى داخل عيناها قبل أن يُردف بهدوء:
“يا أفي أنا كل اللي عاوزه أنك تبقي أحلى من كل الموجودين وإن محدش يعلق على لبسك ويضايقك أو إن حد يحسسك إنك أقل منه.”
“مش ملاحظ أنك سطحي شوية يا رحيم؟ حتى لو شكلي بقى شبهم أكيد لما هفتح بوقي هيبان أني مش شبه الناس اللي هنبقى وسطهم… الناس اللي شبهك وشبه عائلتك.”
“ماشي يا أفي أنا نظرتي سطحية أنا موافق، بس الفئة اللي إحنا هنبقى وسطهم بيهتموا بالمظهر وده اللي بيفرق معاهم وأنا مش عايز حد يسمعك كلمة تضايقك ونضطر نعمل مشكلة!”
“أنا مش مقتنعة باللي أنتَ بتقوله ومش شايفة غير إنك محرج مني ومن لبسي وسط الناس دي.”
أردفت أفنان بإندفاع لكن حاولت قدر الإمكان ضبط نبرة صوتها كي لا تبدو حادة كثيرًا وكي لا يعلو صوتها على رحيم، تنهد هو بتعب فور سماع ما قالته قبل أن يُعلق على ما قالته بهدوء تام قائلًا:
“أفي أنا بجد مُرهق وأحنا راجعيين من فترة راحة أصلًا من الخناقات ومش حابب نتخانق تاني… لو أنتِ مصممة تلبسي حاجة من عندك ليكي كامل الحرية بس لو سمعتي تعليق معجبكيش أو حد بصلك بصة مش حلوة مترجعيش تزعلي.”
“وأنتَ وقتها مش هتدافع عني؟” سألت أفنان بدهشة وغيظ ليقلب رحيم عيناه بتملل قبل أن يُجيبها قائلًا:
“هدافع عنك أكيد، بس أنتِ اللي هتبقي اتسببتي في ده لنفسك.”
“أنا برضوا مش قادرة افهم وجهة النظر في اللي بتقوله!”
“وجهة النظر يا أفي إننا رايحين فرح لناس من Category ‘فئة/طبقة’ معينة وطبيعي الإنسان بيلبس حاجة مناسبة للمكان اللي هو فيه، فرح للطبقة المخملية فلازم نلبس حاجة قيمة، فرح في منطقة شعبية… هنلبس حاجة حلوة بس مش بنفس القيمة أو ال Style… رايحة job interview ‘مقابلة عمل’ هتلبسي حاجة حلوة ولكن Formal ‘رسمية’ ، بس… هو ده الموضوع بكل بساطة.”
قام رحيم بتفسير الأمر كاملًا بهدوء شديد ولطف كالمعتاد وكانت وجهة نظره مُقنعة إلى حدٍ كبير وكان يظن أن أفنان ستتفهم وجهة نظره وسينتهي الجدال عند هذا الحد لكن ذلك لم يحدث حيث زاد حديثه الطين بلة… لم تقتنع أفنان بحديثه ورمقته لبضع ثوانٍ قبل أن تسأله بإستنكار:
“يعني أنا بالوضع ده المفروض طول حياتي معاك هبقى مضطرة ألبس على مزاجك وأفضل أحط في مكياج وألبس حاجات معينة عشان يعجب؟ دي مش هتبقى عيشة دي يا رحيم!”
“أنا مقولتش كده، أنا بقول دي مناسبة معينة يا أفي وبعد ما تخلص اعملي اللي أنتِ عايزاه!”
“خلاص اختارلي أنتَ فستان وجزمة وطرحة وأنا هختارلك البدلة.”
“تمام مش هتفرق لأني كده كده لازم ابقى Matching ‘مطابق/متماثل’ معاكي.”
“الله! بجد؟”
“طبعًا، مش أنتِ حرم رحيم البكري لازم كل الناس تعرف ويبقى ظاهر علينا.”
“واو هتعرفني بقى عالطبقة المخملية وبعدين بقى واحدة تحبك وتحاول تخطفك مني وتروح موقعة خمرة عالفستان بتاعي عشان اروح الحمام اغسل الفستان وهي تستفرد بيك.”
قامت بالثرثرة عن السيناريو الدرامي خاصتها ليُطالعها رحيم بسخرية قبل أن يُعلق ممازحًا:
“مطبقة أنتِ على مسلسل تركي صح؟”
“هندي.”
“لا حول ولا قوة إلا بالله.. طيب يا أفي ممكن ندخل عشان الشمس وبشرتنا هتتأذي.”
“يااه هنبقى sun kissed ‘اكتسب لون بسبب أشعة الشمس’.” لم يُعلق رحيم على ما قالته بل أخذ يُحرك رأسه يمينًا ويسارًا وهو يبستم بسخرية.
بمجرد أن صعد درجات السُلم انتبه لأفنان التي تسير بخطوات بطيئة ولا تواكب خطواته السريعة، انتظر صعودها السُلم ليضع ذراعه على كتفها برفق وهو يقوم بفتح الباب سامحًا بها بالدخول أولًا، نسمات الهواء الباردة من مُكيف الهواء تضرب وجهها فتُصيبها بالإنتعاش بالإضافة إلى رجفة صغيرة.
كان المكان ذو طراز راقٍ وهادئ، ثلاثة أرائك متقابلة ولكن تفصلهم مسافة كبيرة و ‘استندات’ كبيرة تحمل عشرات الفساتين من مختلف الألوان والتصاميم وفي أحد أركان المكان هناك غرف تبديل الملابس مع إضاءة قوية بالقرب من المرايا المتعددة لكي تسمح للشخص الواقف أمامها من رؤية إنعكاسه بوضوح ورؤية جيدة.
“مساء الخير يا دكتور رحيم.”
“مساء النور، أفنان.. مراتي.”
“أهلًا وسهلًا يا هانم، الحاجات اللي حضرتك طلبتها كلها جاهزة هوفر لحضرتك بنت أو اتنين حالًا يكونوا assistants ‘مساعدين’ لأفنان هانم يساعدوها في القياس.”
“رحيم أنا اتخنقت ما تختار حاجة وتخلصني كلهم حلويين أوي أصلًا أنتَ بس اللي واخد دكتوراه في التحنيك وكل فستان تقولي مش حلو!”
“عشان أنا عايز حاجة معينة، وعايز كمان لون يبقى مناسب عشان هلبس cravat ‘ربطة عنق’ نفس اللون وبعدين ثواني بس يعني أيه الكلمة اللي قولتيها دي؟”
“يارب صبرني… مش وقت مراجعة قاموسي اللغوي دلوقتي، والله بدل الدوشة دي كنت نزلت جبت فستان من العتبة ولا الوكالة ولا حتى جبت قماش من الأزهر وفصلته عند طنط أم ابراهيم.”
“أفي… أفي please ‘من فضلك’ متفتحيش بوقك لحد أما نخلص، قال ننزل مش عارف فين… بتقولي أيه أنتِ؟”
“بقى يا جاهل مش عارف الوكالة والعتبة؟ طبعًا ما أمثالك بيضحك عليهم تدفع الشيء الفلاني من المحلات البراند والحاجة ممكن تتجاب بنص التمن أصلًا يلا ما علينا.”
بعد مرور نصف ساعة آخرى وجد رحيم ضالته أخيرًا، ثوب باللون الأحمر الداكن أو ما يُسمى ‘نبيتي’.
كان اللون مناسبًا تمامًا للون بشرة أفنان وقد أكسبها نضارة تفتقرها بشرتها خاصة عند ارتداء الألوان الباهتة حيث تظهر بشرتها باهتة كذلك، ابتسمت أفنان براحة عندما رأت تلك اللمعة المميزة في عين رحيم وقد استنتجت أن هذا هو التصميم الذي كان يبحث عنه منذ البداية.
كان الثوب فاخرًا بحق وقد استخدمت المصممة خامات باهظة الثمن، بدت أفنان مُختلفة تمامًا عن أي مرة ارتدت فيها فستانًا من قبل، كان الثوب فضفاض إلى درجة كبيرة وكان طويلًا بحيث يُغطي ساقيها والأرضية من بعدها.
“ها يا أفي هنشتري ده تمام؟”
“اه… حلو أوي مش كده؟”
“أي حاجة هتبقى حلوة عليكي.” أردف رحيم بنبرة لطيفة وهو يضع يده على خصر أفنان بلطف لترتجف الأخيرة وتبتعد عنه لتذهب لإحضار حقيبتها بينما تهمس بغيظ:
“يا كداب… يا كداب ده أنت خلتني أقيس كل حاجة هنا.”
“أفي حبيبي خدي مفتاح العربية في حد هيخرجلك ال dress تحطيه واستنيني في العربية مش هتأخر.” طلب منها رحيم بلطف وقد لمحت أفنان المحفظة الخاصة به في يده لذا أستوعبت أنه لا يُريد منها أن تعرف ثمن الثوب، أومئت له أفنان وهي تأخذ المفاتيح منه وتتجه نحو السيارة.
“اتأخرت عليكي؟”
“لا، كنت عايزة أقولك حاجة.. بص أنا مش هسألك أنتَ دفعت كام في الفستان عشان ملهاش لازمة نتخانق… بس يا رحيم من فضلك مش كل مناسبة هتخليني اشتري حاجة غالية كده، أنا مش بيفرق معايا الماديات وأنتَ عارف ده فملهاش لازمة تقعد تبعزق في فلوسك كده.”
باحت أفنان بما يجول في صدرها منذ فترة وبالرغم من أنها قامت بتنبيه رحيم إلى تلك المسألة من قبل إلا أنه تجاهل ما قالته حتى بعد نقاش دام لمدة طويلة وكانت تنتظر منه أن يبدأ في الجدال ليؤلم رأسها ورأسه هو شخصيًا لكن ما حدث عكس ما توقعت تمامًا فلقد نظر نحوها رحيم بهدوء شديد بينما أردف جملة مُختصرة تمامًا بلطف قائلًا:
“حاضر يا أفي.”
“بس كده؟”
“اه، مش أنتِ طلبتي مني حاجة؟ أنا بقولك حاضر هسمع كلامك، ملهاش لازمة نقعد نتناقش ساعة في الموضوع يعني.” قام رحيم بالإجابة على سؤالها وتوضيح وجهة نظره بإيجاز لتضحك أفنان بينما تُردف بمزاح:
“يا أخي ربنا يكتر من أمثالك والله.”
“تعالي نتغدى الأول وبعدين نشوف ال suit بتاعتي.”
“هتأكلني فين؟”
“عايزة تاكلي فين؟ بس أوعي تقولي كبده!”
“لا لا مش للدرجة دي، كنت هقول كشري بس خلاص اختار أنتَ.”
مر الوقت سريعًا بعد تناولهما وجبة الغداء، لم تستغرق أفنان الكثير من الوقت في اختيار بذلة من أجل رحيم، فبذلة سوداء برابطة عنق باللون الأحمر الداكن كانت جيدة كفاية بالنسبة لها.
“بصي أحنا تعبنا أوي النهاردة فمش هنقدر نلف أكتر من كده، هبعتلك عالبيت Heels ‘حذاء ذو كعب عالي’ على مقاسك وكمان شنطة صغيرة مش عارف بيبقى اسمها أيه والفستان مش محتاج accessories أظن كفاية الخاتم والدبلة.”
“أنا مبهورة بجد، ازاي مجهز كل حاجة كده؟ بتعمل حساب الحاجة قبل ما تخطر على بالي حتى.”
“حب بقى وحركات، وبالنسبة لل Makeup هبعتلك حد برضوا.”
“عقبال أما أتعبلك في فرحك يا رحيم يا ابني.”
“ابنك؟!! وبعدين ما هو فرحي هو فرحك ما هنتعب أحنا الإتنين في الترتيبات!”
“لا تقتل المتعة يا مسلم! بهزر يا عم! بقولك أيه روحني عشان أنت خنتقتني بصراحة.” أردفت أفنان بمزاح ليقهقه رحيم وهو يقوم بتشغيل السيارة قبل أن ينطلق نحو منزلها.
“بصي أعتذرلي لباباكي أنا مش هينفع أطلع معاكي النهاردة عشان ورايا شغل لازم يخلص.”
“هتروح الشركة بليل كده؟”
“هروح الشركة وهعدي عالمصنع كمان، السهرة هطول شوية النهاردة وأنس هيبقى معايا على فكرة لو عايزة تراقبيني ولا حاجة.”
“لا متقلقش أنا واثقة فيك، كده كده أنس فتان لو عملت حاجة هيقولي.” قلب رحيم عيناه بتملل لتضحك على تعبيراته قبل أن تقوم بتوديعه والدخول إلى المنزل.
“مساء الخير… أيه ده؟ ريماس عندنا؟!” سألت أفنان بدهشة بينما كادت أن تتعثر أثناء دخولها بسبب حملها للحقيبة الضخمة التي تحوي الثوب خاصتها.
“مفاجأة مش كده؟ كنت جايه اطمن على خالو عشان وحشني.” تمتمت ريماس بلطف وهي تُمسك بمعصم خالها لترمقهم أفنان بغيظ قبل أن تُردف بسخرية:
“متشوفيش وحش ياختي، منورة… هغير بسرعة وأجيلكوا، أنتي قاعدة شوية صح؟” استأذنت أفنان فهي لا تُريد من ريماس أن ترى ما تحمله أفنان فتذهب لإخبار والدتها، وأثناء توجه أفنان إلى الحجرة سمعت رد ريماس والذي كان كالتالي:
“يعني ساعة كده ولا حاجة.”
“تمام مش هتأخر.” دلفت أفنان إلى الحجرة لتجد ميرال جالسة على السرير بينما تقوم بتزيين أظافرها بطلاء الأظافر، وضعت أفنان أغراضها على السرير قبل أن تسألها ميرال بفضول:
“أيه ده؟ جثة دي ولا أيه؟”
“اه، جثة أنس يا ظريفة.”
“بعد الشر يا شيخة أيه ده؟! ده فستان سوارية صح؟”
“اه أنا ورحيم معزومين على فرح فهو قال يجبلي فستان يعني ويجيب لنفسه بدلة.”
“طب ما تفرجيني، ولا استني لما المونيكير ينشف عشان أعرف اتفرج براحتي.”
“استني لما ريماس تروح طيب حفاظًا على خصوصيتي يعني، وبعدين هو أنتِ أيه اللي مقعدك هنا لوحدك؟”
“ما أنتِ عارفة ماما وبابا بيتخنقوا من ريحة المونيكير وبعدين ريماس كانت عايزة بابا في موضوع فقولت اسيبهم على راحتهم يعني.”
“لا والله؟ موضوع أيه إن شاء الله؟ أنا هخرج أشوفهم.” قالت أفنان بحنق وغيظ وهي تتجه نحو الخارج وكان الحوار كالتالي:
“أنا يا خالو عايزاك تفهم ماما أني رافضة تمامًا ومش ناوية أكرر التجربة دي ابدًا، أنا كفاية عليا الدراسة وحضرتك عارف إن الطب مشواره طويل ومش عايزة حاجة تعطلني.”
“أنا معاكي في الكلام ده، بس مفيش مشكلة لو قعدتي مع الولد يمكن ترتاحيله.”
“لا يا خالو مش عايزة…”
“ايوا جدعة، أصلًا أنا ضد الجواز والإرتباط في سن صغير.” صاحت أفنان مُفصحة عن رأيها الذي لم يطلب أحد سماعه، ارتسمت معالم الدهشة على وجه ريماس وهي تُضيق عيناها بينما تسأل أفنان بسخرية:
“ضد أيه يا حبيبتي؟ بالنسبة إنك اتجوزتي وأحنا من سن بعض عادي؟”
“لا ما هو… أنا قبل ما أقابل رحيم كنت ضد الموضوع ده وحواري أنا ورحيم ليه ظروف خاصة وفعلًا أنا أجلت الجواز لحد لما أخلص بعيدًا عن كتب الكتاب يعني.”
“بغض النظر عن اللي أنتِ بتقوليه ده بس أنا فعلًا مشواري في الطب طويل لسه امتياز وماچيستير ودكتوراه… مش حابه حاجة تعطلني خاصة إنها جوازة تبع ماما وبابا تاني يعني غالبًا الموضوع هيفشل قبل ما يبدأ.”
“لا في دي معاكي حق بصراحة.”
أكدت ريماس على ما قالته أفنان وهذه المرة الأولى تقريبًا التي تشاركها فيها الرأي ذاته، طالعهم والد أفنان بحنان قبل أن يُعلق وهو يمازح أفنان متعمدًا إثارة غيظها قائلًا:
“ما بس بقى يا بوتجاز أنتِ أديني فرصة أكلم بنت عمتك.”
“يااه يا بابا… للدرجة دي وجودي تقيل على حضرتك؟” سألت أفنان بنبرة درامية وهي تضع يدها فوق موضع قلبها ليرمقها والدها لبرهة وهو يضحك قبل أن يُجيبها قائلًا:
“اه، قومي اعمليلنا كوبيتين شاي بقى لو سمحتي.”
“ياااه يا بابا هي دي بقت كل علاقتك بيا؟ كوبيتين شاي؟ مكنش العشم يا حجوج والله.”
“لا لا مفيش داعي للشاي يا خالو أنا لازم أروح عشان ماما متقلقش عليا… مبسوطة أني شوفتك يا أفنان.”
“وأنا كمان، أبقي كرري الزيارة.” ودعت أفنان ريماس وبعد رحيلها ذهبت لتجلس على الأريكة المقابلة للكرسي الذي يجلس عليه والدها، ابتسم والدها بلطف حينما لاحظ عبوس وجهها فهو يدري تمامًا سبب ذلك العبوس… ابنته الصغرى تشعر بالغيرة لتحدثه مع ريماس ومزاحه معها لذا قرر أن يُصلح الأمر قائلًا:
“أيه يا حبيبة بابا مش هتحكيلي عملتي أيه مع رحيم النهاردة؟ وجبتي أيه؟ شوفت معاكي حاجة فرجيني بقى.”
“ثواني وأكون جبت الحاجة.” أردفت أفنان بحماس وهي تهرول نحو الغرفة لتُحضر الثوب الجديد خاصتها والحذاء وسط قهقه والدها على ردة فعلها تلك.
في صباح يوم الزفاف، استيقظت أفنان باكرًا لتستعد ليومها الطويل لتجد ميرال تقف أمام المرأة بينما تقوم بإرتداء وشاح رأسها.
“أنتِ رايحة فين؟”
“عندي شغل وهخلص وهروح للدكتورة عندي جلسة النهاردة.”
“هتروحي مع أنس برضوا؟”
“لا أنا مالي بأنس يا أفنان؟! هو بيحجزلي والعيادة بتكلمني تأكد عليا الميعاد بس، وبعدين قولتلك أنا مش بتكلم معاه خلاص.”
أجابت ميرال بطريقة هجومية وبنبرة حادة نسبيًا لتعقد أفنان حاجبيها قبل أن تقول:
“ماشي ياستي تمام أنا مقولتش حاجة، خدي بالك بس من نفسك، بس ثواني أيه ده؟! يعني مش هتشوفيني لما ألبس الفستان الجديد وأخلص الميك أب وكده؟”
“أبقي ابعتيلي صور وبعدين لو خلصتوا الفرح بدري أبقي كلميني لو كنت لسه مروحتش عدوا عليا بالعربية نروح سوا.”
“خلاص اتفقنا، خدي بالك من نفسك.” أردفت أفنان بلطف وهي تستقيم من مقعدها وتذهب لمعانقة شقيقتها.
بعد بضع دقائق رحلت ميرال لتبدأ أفنان في التجهيزات ومن ثم انتظار خبيرة التجميل التي قام رحيم بإرسالها من أجلها كي تأتي لمساعدتها في لف الوشاح ووضع مساحيق التجميل.
في المساء وتحديدًا في الساعة السادسة، دلفت ميرال إلى داخل العيادة ليُصيبها التوتر مجددًا لكن حالتها كانت أفضل من المرة الأولى، اقتربت من المساعدة لتتأكد من وجود اسمها في قائمة الحالات التي ستُقابلهم الطبيبة اليوم، وقفت بالقرب من المكتب بذهن شارد قليلًا فلم تنتبه إلى الواقف إلى جانبها إلا حينما قال:
“أيه ده ميرال أيه الصدفة الحلوة دي؟”
“صدفة؟”
“اه يا محاسن الصدف أحنا الإتنين عندنا جلسة النهاردة مع الدكتورة!”
“صدفة؟ أنتَ بتستهبل ومرتب المواعيد صح؟”
“بستهبل؟ عيب يا أستاذة ميرال والله! هو أنا بلعب معاكي في الشارع ولا أيه؟ وأيه بتستهبل دي كمان؟ ده لفظ يطلع من بنت مؤدبة كده؟ أكيد من كتر القاعدة مع أفنان!”
تجهم وجه ميرال وقوست شفتيها بعبوس وقليلًا من الصدمة، أخذت تعبث في أصابع يدها المتشابكة بينما يحاول أنس جاهدًا أن يكتم ضحكاته قبل أن يُردف بينما يحك مؤخرة عنقه:
“بصراحة بستهبل اه.. كنت عايز أشوفك حتى لو مش هنتكلم.”
“على فكرة أنت رخم والله العظيم!”
“أستاذة ميرال الدكتورة في انتظارك.”
“تمام حاضر.” أردفت ميرال بلطف وهو توجه نظرها نحو المساعدة قبل أن ترمق أنس بنظرات حادة وإن بدت لطيفة بالنسبة لأنس ليقهقه هو بينما يُعلق بحزن مُصطنع:
“طب مش هتقوليلي مع السلامة طيب؟”
“بقولك أيه.. متمشيش استناني.”
“هستناكي.” تمتم أنس مع ابتسامة كبيرة بلهاء ارتسمت على وجهه وبمجرد أن غابت على انظاره قام أنس بتغطيه وجهه بكلتا يديه وهو مازال يضحك من السعادة، كيف لجملة بسيطة منها أن تجعله يفقد عقله إلى تلك الدرجة؟
دلفت ميرال إلى الداخل لتُرحب بها الطبيبة بإبتسامة لطيفة وبعد ذلك تجلس ميرال أمامها على الكرسي، لم تدرِ ميرال كيف تبدأ الحديث واستطاعت الطبيبة فهم ذلك بسهولة من لغة جسدها مثل عبثها في أصابعها حركة قدمها المتتابعة، ثغرها الفارغ وكأنها فقدت الكلمات كلها.
“أنا ملاحظة إن باين عليكي إنك أحسن من المرة اللي فاتت، يمكن لسه متوترة شوية وقلقانة بس في تحسن ولا أيه رأيك؟”
“فعلًا، حتى أني كنت مبسوطة أني جاية لحضرتك وكان في دماغي كلام كتير بس لما دخلت… حسيت أني نسيت، وكلام أنس ومقابلته لغبطة دماغي أكتر.”
أجابت ميرال بعدم راحة وهي تضحك ضحكات متوترة بينما تعبث بأصابعها، كانت تستمع إليها الطبيبة بتعابير وجه هادئة حتى سمعت الجملة الأخيرة لتسأل ميرال بدهشة:
“هو أنس برا؟”
“اه، بيقول عنده جلسة… بس أنا مش مصدقه بصراحة حاسه أنه عامل كده قاصد.”
“لا لا هو عنده جلسة النهاردة فعلًا، بس هو جاي بدري شوية عن ميعاده… المهم قوليلي أيه اللي حصل من وقت الجلسة الأولى؟”
“مفيش جديد… أنا وأفنان شبه اتصالحنا، متكلمناش في الموضوع بشكل مباشر… حضرتك عارفة علاقة الأخوات مش بتبقى رسمية في الحاجات اللي زي دي؛ يعني جبتلها الفاكهة اللي بتحبها وهي روقت مع ماما الشقة بدالي كده يعني.”
“طب وأنتِ شعورك أيه؟ حاسة إنك خلاص مش متضايقة ولا حاسه بغيرة ولا بتحاولي تتأقلمي مع الوضع وخلاص؟”
“أنا عايشة طول عمر بتأقلم على أي حاجة… لدرجة أني فقدت القدرة على اتخاذ القرارات أصلًا لأن كل حاجة الدنيا والظروف بتفرضها عليا، يمكن أول قرار أخدته بمزاجي وبعد تفكير طويل هو انفصالي عن نوح…”
“جميل، يمكن أول قرار أخدتيه كان صعب جدًا وقاسي بس كان اختيار مضبوط تمامًا، بالمناسبة أنتِ بطلتي تتعاملي معاه تمامًا صح؟”
“اه، يعني معملتش بلوك أو كده بس بطلنا نتكلم، ومبقتش أشوف أي حاجة بينزلها، بطلت أزور خالتو بقيت بس بكلمها في التليفون وكانت كل حاجة تمام لحد ما… لحد أما اتقابلنا صدفة…”
“صدفة؟” سألت الطبيبة بإهتمام وهي تراقب لغة جسد ميرال عند تحدثها عن نوح.
“مش صدفة أوي.. هو جيه تحت البيت بيقول كان عايز يقابل ماما وبابا ويسلم عليهم… حاول يتكلم معايا بس أنا قفلت معاه في الكلام وطلعت.”
“طيب وحسيتي بإيه وقتها؟”
“حسيت أني مخضوضة… اتخدت كده ومكنتش عارفة اعمل أيه، كان نفسي الأرض تنشق وتبلعني وكنت حاسة أني هضعف عشان بجد أنا مفتقده وجوده… حتى لو كان وجوده كان مُزيف بس قررت أني أواجه وأدوس على قلبي وروحت هزقته وطلبت من أنه يمشي.”
“أنا مبسوطة منك جدًا يا ميرال وفخورة بيكي كمان.”
“بجد؟ حضرتك فخورة بيا؟ يعني أنا اتصرفت صح؟” سألت ميرال بحماس طفولي واضح، لم يكن من الصعب على الطبيبة أن تجد الطريقة المناسبة وأن تختار الكلمات المناسبة لتحفيذ ميرال ومساعدتها على التحسن…
ببساطة ميرال تفتقر إلى الدعم، الإهتمام والحب… إن استطاعت الطبيبة أن توفر تلك المشاعر لبعض الوقت ستتحسن حالة ميرال ولكن الأكثر أهمية من ذلك هو أن تساعدها على تقبل ذاتها، أن تُحب نفسها وأن ترضى بكامل عيوبها قبل مميزاتها ثم تحاول العمل على إصلاحها، يجب أن تساعدها على إدراك أنها ليست بحاجة دائمة إلى دعم خارجي بل يكفي أن تدعم نفسها بنفسها.
“بصراحة عشان مكدبش أنا حسيت بالذنب شوية، أنا على طول بحس بالذنب تجاه أي حد وأي حاجة بقولها حتى لو اللي بقوله هو الحق… بس أنا خفت أوي أضعف وأرجع تاني لنقطة الصفر فكان الحل الوحيد أني أتكلم معاه بحزم وأدوس على جرحي…”
أكملت ميرال الإفصاح عما يجول في خاطرها وقد أخبرت الطبيبة بكل ما تشعر به وبعد نقاش استمر لساعة تقريبًا طمئنت الطبيبة ميرال بأنها ليست بحاجة إلى أدوية بكل تأكيد بل يكفي القدوم على فترات من أجل الجلسات بالإضافة إلى بعض النصائح التي أخبرتها بها الطبيبة وبعض الممارسات الصغيرة التي ستساعدها على تصفية ذهنها والتخلص من الطاقة السلبية والغضب.
غادرت حجرة الطبيبة لتجد أنس جالسًا في الخارج يرتدي سماعة الأذن خاصتها وكان شاردًا وكأنه يُفكر تفكيرًا عميق، شعرت ميرال بالفضول نحو ما يجول في خاطره في ذلك الوقت وتمنت لو بإمكانها مساعدته على حل مشكلته ولكن وضع أنس غاية في التعقيد لسوء الحظ… أقتربت ميرال قليلًا لتقف أمامه وهي تلوح بذراعه ليخرج من شروده ويرمش مرتين قبل أن ينزع سماعات أذنه اللاسلكية وهو يُردف:
“كويس متأخرتيش أوي.”
“متأخرتش؟ أنا تقريبًا قعدت ساعة ونص أو أكتر… أنتَ مش مدرك للوقت ولا أيه؟”
“لا… مُدرك بس يعني سرحت شوية مع الأغاني، المهم كنتي عايزاني في أيه؟”
“بص يا سيدي دي أول دفعة من أقساط فلوس الدكتورة.”
“هتدفعيلي أول جنية ونص ولا أيه؟” سأل أنس ممازحًا وهو يضحك لتُبتسم ابتسامة صغيرة وهي تُخرج ظرفًا صغير من حقيبة يدها ذو لون وردي لطيف وقد دون عليه الآتي:
‘أول قسط بتاريخ ../../.. إلى أنس بيه’
قهقه أنس بشدة فور قراءته لما كُتب قبل أن يقوم بفتح الظرف بهدوء ليجد مئتان جنيهًا على ورقتين كل واحد بمئة، عقد حاجبية لثوانٍ قبل أن يُردف:
“حتة بمتين جنيه مرة واحدة؟”
“حتة؟ لا حتتين.”
“طب بصي تجنبًا للخناق ووجع الدماغ أنا هاخد مية والشهر الجاي هاخد المية التانية.”
“لا ما هو بالوضع ده هيبقى قسط لمدى الحياة بقى.”
“هنبقى نكتبهم في القايمة متشغليش بالك.”
“أيه؟”
“أيه؟”
“أنتَ! بتقول أيه؟”
“بقولك فلوس الكشف مش غالية أوي زي ما أنتِ فاكرة فأنا هاخد دي بس والظرف وخلي التانية معاكي يلا سلام.”
قام أنس بتعديل ما قاله على الفور وهو يبتسم ابتسامة جانبية قبل أن يأخذ الظرف وورقة واحدة ويترك الثانية بجانب ميرال ثم يستقيم من مقعده على الفور ويدلف إلى حجرة الطبيبة تاركًا ميرال بثغرٍ فارغ من الحيرة وعدم الإستيعاب.
اقترب أنس من باب الحجرة وهو يطرق على الباب بطريقة أقرب للقرع على الطبول قبل أن يفتح الباب ويدلف إلى الداخل ليجد الطبيبة قد استقامت من مقعدها بحيرة ولكن بمجرد رؤيته تنهدت قبل أن تقول:
“كان لازم أتوقع إن ده أنتَ.”
“أنا قولت بدل ما العيادة كئيبة أعمل جو وبتاع.”
قال أنس ساخرًا وهو يُغلق الباب من خلفه ثم يقترب ليجلس من الكرسي الذي أمام المكتب خاصتها، جلست الطبيبة وهي تسأله لائمة:
“هو ده يا أنس اللي اتفقنا عليه؟”
“أيه ده أحنا اتفقنا على حاجة؟ مش فاكر… اه قصدك موضوع ميرال؟”
راوغ أنس في حديثه لتُضيق الطبيبة عيناها لبرهة قبل أن تقوم بإرخاء تعبيرات وجهها وهي تسأله بنبرة جادة:
“مش أنتَ اتفقت معايا إنك هتبعد عنها خالص لحد ما أنتوا الإتنين تكونوا مستقرين نفسيين وبعدها تشوف إذا كنت فعلًا منجذب ليها ولا ده مجرد وهم في دماغك ودماغها.”
“لا ثواني.. هي قالتلك إنها منجذبة ليا؟” سأل أنس بعد أن انتفض من موضعه لتبتسم الطبيبة ابتسامة صغيرة بينما تقوم بشبك أصابع يديها أمامها بينما تُردف بمراوغة:
“أنا مجبتش سيرتها أصلًا أنا بقول أنتَ منجذب ليها.”
بتلعبي بالجمل والألفاظ؟ أما أنتوا يا دكاترة عليكوا حاجات.”
“مش كفاية هزار ونبدأ الجلسلة ولا أيه؟”
“يلا…”
بالإنتقال إلى رحيم وأفنان، كان رحيم قد حضر أمام منزل أفنان في الموعد المتفق عليه، كان يجلس داخل السيارة في انتظارها ولحسن الحظ لم تتأخر أفنان على غير العادة ودلفت إلى السيارة في الموعد المتفق عليه، بمجرد أن رأها رحيم لمعت عيناه بشدة وهو يقول بإنبهار واضح:
“أنا… مش عارف أقول أيه! أفي You look gorgeous ‘تبدين فائقة الجمال’.”
“يووه متكسفنيش يا سي رحيم.” تمتمت أفنان بنبرة مُصطنعة وهي تضحك بينما تضرب كتف رحيم بخفة لينظر نحوها بإزدراء لدقيقة قبل أن يُردف بنبرته اللطيفة الهادئة المُعتادة:
“بعيدًا عن اللي بتقوليه، بس بجد يا أفي كل مرة بشوفك فيها بتبقي أحلى من المرة اللي قبلها وحقيقي مش عارف أما أنتِ قمر كده دلوقتي أومال بال Wedding dress ‘فستان الزفاف’ شكلك هيبقى عامل ازاي؟”
“هسيبك لخيالك بقى، طبعًا أنتَ زعلان عشان مقولتش أنك شكلك حلو… يا أخي حسبي الله ونعم الوكيل! أنت زي القمر في كل حالاتك مش محتاجة كلام يعني.” تمتمت أفنان بجدية لقهقه رحيم بصوتٍ عالٍ بينما يهمس مُردفًا:
“مش طبيعية والله!”
“يلا نتحرك بقى عشان منتأخرش عالفرح.” أومئ رحيم وقام بتدوير السيارة ومن ثم انطلق إفى وجهته.
بعد ساعة توقفت السيارة أمام المكان المنشود، قصر فخم ولكنه لا يُشبه خاصة والدي رحيم فهذا القصر كان يبدو عتيقًا قليلًا في حين أن قصر والدي رحيم قد تم تعديله ليُصبح ذو تصميم مُعاصر وحديث، ازداد معدلات نبضات قلب أفنان بمجرد أن تجولت عيناها في المكان ولمحت الحضور المتوجهون نحو الداخل.
“يلا يا حبيبي؟”
“يلا…”
أمسك رحيم بيد أفنان برفق وهو يُربت عليها مرتين قبل أن يُقبل يدها بحنان ثم يقوم بشبك أصابعها بأصابعه، يُصبغ وجهها باللون الأحمر وارتجفت أناملها ليبتسم رحيم تلقائيًا قبل أن يُردف:
“متقلقيش يا أفي، كل حاجة هتبقى كويسة… أنتِ أحلى واحدة في المكان وأشيك واحدة في المكان كله، خليكي واثقة من نفسك.”
أومئت له أفنان وهي تبتسم ابتسامة صغيرة، فلقد قرأ أفكارها فلقد شعرت بالتوتر والقلق بمجرد أن شاهدت القصر من الخارج فماذا سيحدث لها إن دلفت إلى الداخل؟ تخشى أن تتعرض للسخرية، تخشى أن تلفت فتاة غيرها نظر رحيم، تخشى أن تسمع كلماتٍ قاسية عن كونها لا تليق به… لم تكن أفنان قليلة الثقة بالنفس عادةً بل كانت دومًا تشعر بأنها الأفضل لكن في هذا الموضع وهذا المكان تشعر بالعكس تمامًا.
“هي مامتك جوا؟”
“اه، هي وبابي من جوا من ساعة تقريبًا… كمان ميا موجودة.”
“الله الله! وست ناتالي كمان؟” سألت أفنان بحنق وهي ترفع أحدى حاجبيها ليضحك رحيم قبل أن يُجيبها مُردفًا:
“لا طبعًا يا حبيبي، ناتالي أيه اللي هيجبها هنا؟ هي تعرفهم منين أصلًا؟”
“طب واشمعنا ميا؟”
“يا أفي ركزي معايا شوية… ميا من العائلة، قريبتي أنا قولتلك قبل كده.”
“ماشي خلاص.”
“بصي لو حد عرض عليكي أي Drink ‘مشروب’ أشكريهم وارفضي بأدب، وأنا هبقى اجبلك حاجة تشربيها تمام؟”
“ليه؟”
“عشان في الغالب أي مشروب هيتقدم هيبقى فيه Alcohol ‘كحول’ وأكيد أحنا مش بنشرب يعني فهجبلك أنا أي Soft drink ‘مشروب غازي’.”
“يخربيت النجاسة من أولها…”
“بنسوار يا هانم.” تمتم رحيم فور رؤيته للسيدة بثينة وهو ينحني ليُقبل يدها بلطف ثم يُصافح يد زوجها ونجلها، قبل أن يُشير إلى أفنان وهو يُردف:
“أفنان، مراتي.” صافحت أفنان يد السيدة بُثينة بلطف وهي تحاول أن تُخفي التوتر، ابتسمت الآخرى ولكن ابتسامة متكلفة قليلًا وهي تقول:
“فرد جديد انضم لعائلة البكري، مبروك… عرفت تختار.”
“ميرسي لذوق حضرتك.”
“نورتي يا مدام أفنان.” وكاد ابنها الشاب أن يقترب من أفنان ليُقبل يدها لولا أن تحركت يد رحيم سريعًا وهو يُشير له بأن يتوقف قبل أن يُفسر بأدب وهو يحاول أن يُخفي غيرته قائلًا:
“عذرًا ‘Sorry’ مراتي مش بتسلم على حد غريب.” بدت نبرة رحيم حادة قليلًا ليحمحم الشاب بإحراج وهو يقول بنبرة هادئة:
“تمام، مفيش مشكلة… اتفضلوا.”
توجه رحيم وأفنان نحو الداخل، كانت أفنان تتابع المكان بإنبهار شديد حاولة جاهدة أن تُخفيه، كان المكان أشبه بقصور الأميرات من أفلام الكرتون والحضور كانوا يُشبهون كثيرًا الممثلين والممثلات، نوعية من البشر لم تتعامل أفنان معهم من قبل ومن سذاجتها في السابق في فترة التدريب كانت تظن أن الطلاب برفقتها من طينة آخرى إذًا ماذا عن هؤلاء؟!
“تعالي نسلم على مامي وبابي.”
“يلا.” في طريقهم إلى والدي رحيم قابل رحيم العديد من أصدقاء والده ليُلقي عليهم التحية بأدب ورسمية بينما كانت تكتفي أفنان بالإبتسام بلطف.
“أهلًا حبيبي، ازيك يا أفنان عاملة أيه؟”
“الحمدلله بخير، حضرتك عامل أيه وحضرتك يا طنط؟”
سألتهم أفنان بأدب ولطف ولكن كان صوتها مرتفع قليلًا بسبب الموسيقى التي تُعيق عملية السمع، بمجرد أن تفوهت أفنان بكلماتها تلك أتسعت أعين والدة رحيم ومن ثم اقتربت قليلًا من أفنان وهي توبخها بنبرة حادة ولكن بصوت منخفض مُردفة:
“طنط؟ أيه طنط دي؟! وبعدين وطي صوتك وأنتِ بتتكلمي مش عايزين فضايح مش كفاية إن باين أوي إنك مش شبهنا، من فضلك متحرجيش ابني وسط الناس.”
عبس وجه أفنان على الفور وصُبغ وجهها بالحمرة لشعورها بالإحراج الشديد مما قالته والدة رحيم، في تلك اللحظة تحولت معالم وجه رحيم من الهدوء إلى الإستياء الشديد وهو يُعلق على حديثه والدته قائلًا بحنق:
“مامي لو حقيقي مش عايزة فضايح يبقى متتكلميش مع مراتي بالإسلوب ده، أفنان تعمل اللي هي عايزاه وتتكلم بالإسلوب اللي يعجبها وأنا فخور بيها وعمري ما هتحرج منها ابدًا.”
“رحيم! I missed you so much buddy ‘اشتقتُ لكَ كثيرًا يا صاحبي’.” أردفت ميا بحماس شديد والتي ظهرت من اللامكان لتقطع حديثها الجدي وهي تفتح كلتا ذراعيها على استعداد لإحتضان رحيم، هرولت أفنان سريعًا لتحتضنها هي بدلًا من رحيم.
“أيه يا ميا يا حبيبتي رايحة فين يا ماما؟ وأنتِ كمان وحشتيني أنا ورحيم جوزي، ها جوزي أنا… جدًا بجد.”
قهقه رحيم بشدة على ما قالته أفنان، كانت أفنان على وشك أن تُضيف شيئًا ما لكن حينما تخللت أذنها صوت ضحكات رحيم ورأت ملامح وجهه اللطيفة فقدت كل كلماتها وأخذت تتأمله في هدوء، بادلها النظرات اللطيفة لبضع ثوانٍ قبل أن يوجه نظره نحو ميا وهو يسألها:
“ازيك يا ميا عاملة أيه؟”
“ممكن أرد عادي يا أفنان ولا أيه؟”
“اه عادي طالما في مسافة بينكوا وأنا واقفة يبقى رد عادي.”
“أيه ده؟ هي دي بقى العروسة اللي كانوا عايزينك تتجوزها؟!”
“مالها؟ مش حلوة؟”
“مش حلوة أيه يا راجل دي صاروخ! أنا لو مكانك كنت اتجوزتها أحنا هنهزر!” تحدثت أفنان بنبرة مزيج بين الجدية والسخرية وهي تقهقه لينظر نحوها رحيم بريبة وهو يسألها مستنكرًا:
“أنتِ بتقولي أيه؟ أيه الرعب ده؟” تجاهلت أفنان ما قاله وتابعت تأمل العروس بينما تُثرثر في أذن رحيم بنبرة أقرب إلى الهمس قائلة:
“بس مش فستانها مفتوح شوية وقصير شوية برضوا… مفتوح كتير بصراحة، مفيش حد لابس حاجة حشمة غيري ده حتى ست ميا لابسة 5 سنتي قماش بس.”
“عشان أنتِ غير أي حد هنا يا حبيبي.”
“رحيم أفنان Stop whispering to each others ‘توقفوا عن الهمس لبعضكم البعض’ وبعدين أنتوا مش هترقصوا ولا أيه؟ كل ال Couples ‘الأزواج’ بيرقصوا مع بعض.”
“مش بعرف أرقص ومتحاولش تعلمني دلوقتي عشان أحنا مش في فيلم عربي قديم، ههرس رجلك بالكعب وهيبقى شكلنا متخلف.”
قهقه رحيم على ما قالته قبل أن يُردف:
“خلاص يا أفي على راحتك، بس على فكرة أحنا هناخد Dancing classes ‘دروس رقص’ قبل فرحنا إن شاء الله.”
“طب خلاص رحيم، Come and dance with me ‘تعال وارقص معي’.”
تمتمت ميا بحزن مصطنع وهي تضع يدها أعلى ذراع رحيم لتقترب منها أفنان وهي تُزيح يدها عن رحيم ببعض العنف بينما تُطالعها بنظرات حادة وابتسامة مُصطنعة دبت الرعب في قلبها بينما تسألها مُردفة:
“يعمل أيه يا حبيبتي؟”
“خلاص خلاص أنا أسفة… I was just joking ‘لقد كنت أمزح فقط’.” قالت ميا وهي تضع يدها أمام وجهها وكأنها تُعلن استسلامها لترمقها أفنان بطرف عيناها وهي تبتسم ابتسانة جانبية قبل أن تقول:
“خلاص سامحتك، بقولك يا رحيم ما تيجي نتصور صورتين كده.” طلبت أفنان من رحيم ليومئ لها ويذهب كلاهما لإلتقاط بعض الصور معًا وقد تبعتهم ميا لتقوم هي بإلتقاط الصور من أجلهم.
على الجانب الآخر وداخل ‘ڤيلا’ تبعد عن مكان حفل الزفاف بمسافة كافية كان يجلس أنس على أحر من جمر داخل منزله في انتظار شقيقته والتي عاد من الخارج ليُفاجئ بأنها غادرت المنزل وحدها ودون أن تُخبره، لم تكن وحيدة تمامًا ولكنها بدون أنس وبدون حراسة فقط برفقة سائق السيارة…
كان أنس يتحرك ذهابًا وإيابًا بحركات متتابعة دون توقف، عقله لا يكاد ينفك عن وضع سيناريوهات جميعها تفوق بعضها سوءًا ورعبًا… شقيقته شعرت بالتعب الشديد وتم نقلها إلى المستشفى وحالتها خطرة فلم يستطع أحد إخباره، ذهبت للشراء شيء وحدها وتعرضت للتحرش أو المضايقة وذهبت إلى قسم الشرطة، ذهبت للتمشية وقام أحدهم بإختطافها… ولربما قرر أحد رجال الأعمال المنافسين للراحل والدهم أن ينتقم وقد قرر إيذاء أروى…
لكن كل تلك الفرضيات اندثرت بمجرد رؤية أنس لشقيقته التي دلفت إلى الداخل بهدوء وبصحة جيدة، لم تكن بحاجة إلى استخدام المفتاح لفتح الباب لأن أنس تركه مفتوحًا بالفعل.
“أروى روحتي فين؟ من الصبح قلقان عليكي ومش بتردي كمان عالتليفون.”
صاح أنس بإستياء شديد ناجم عن القلق الذي شعر به منذ أن استيقظ، ضم شقيقته بقوة وهو يحمد الله بداخله أنها بخير، فصلت أروى العناق برفق وهي تُردف بينما تضحك:
“في أيه يا أنس؟ كنت في مشوار عادي.. أنا مش صغيرة يعني أنا أختك الكبيرة.”
“مشوار أيه؟ أيه ده؟” كان يسأل أنس بهدوء قبل أن يُلاحظ شيء غريب ليسألها مجددًا، اضطربت معالم أروى بينما ابتسمت ابتسامة مزيفة وهي تُجيب على سؤاله بسؤال:
“هو أيه؟”
“ال Scarf ‘وشاح’ ده جبتيه منين؟”
“يعني أيه منين؟ من الدولاب عادي.” أردفت أروى بنبرة بلهاء مصطنعة، ازداد الغضب على وجه أنس وهو يأخذ نفس عميق قبل أن يُعيد جملتها بنبرة ساخرة ثم يُضيف:
“من الدولاب عادي؟ والله؟ وال perfume ‘عطر’ اللي أنتِ حطاها دي عادي برضوا؟”
“أيه يا أنس المشكلة؟ ده perfume ‘عطر’ حريمي!” أجابته بنبرة حادة قليلًا ليأخذ أنس نفسًا عميق ثم يضرب قبضة يده بالطاولة وهو يصيح بحنق:
“عارف إنها حريمي، وممكن أقولك اسم ال brand ولون الإزازاة لو تحبي… بصي يا أروى أنا هحاول متعصبش وهحاول أقنع نفسي إني فاهم غلط عشان معملش مشكلة دلوقتي.”
“لا يا أنس أنتَ فاهم صح، أنا كنت عند مامي.”
“برضوا يا أروى؟ برضوا بتتصرفي من دماغك وبتروحي عند الست دي؟ أنتِ أيه مش عملالي أي اعتبار خالص؟ مش فارق معاكي زعلي ولا عصبيتي؟ كل اللي فارق معاكي إنك تعملي اللي في دماغك وبس! أنا تعبت يا أروى تعبت!”
صاح أنس بغضب حقيقي ومن ثم اتجه نحو الطاولة التي تتوسط المكان ليقوم بإلقاء ما عليها بعصبية شديدة لترتجف أروى بسبب نبرة صوته المُرتفعة وتحركاته العصبية المتتابعة والتي لم تعتد أروى أن تصدر من أنس قط بل كان والدهم من يقوم بمثل هذه التصرفات…. قررت أروى أن تحاول جعل أنس يتوقف عند حده وهي تصيح في المقابل مُردفة:
“أنس! متعليش صوتك عليا أنا أختك الكبيرة! أنا مغلطتش فحاجة أنا بزور أمي… وحشة أو حلوة هي هتفضل مامتنا ومفيش حاجة في الدنيا هتقدر تغير حقيقة إننا أولادها!”
“أمنا؟ الست المجنونة دي أمك أنتِ لوحدك يا أروى مش أمي، ناقص تقوليلي تعالى نعمل كولدير مياه على روح الخمورجي أبونا!”
بصق أنس كلماته بحنق شديد وهو يُشيح بيديه أمام أروى التي أفلتت أحدى العكازين من يدها ورفعت ذراعها في الهواء ليهوي كفها على وجه أنس… يسود الصمت للحظات وكأن الزمن توقف وقد تجمدت كل الموجودات… صُعقت أروى من ردة فعلها التلقائية التي لم تقصدها بينما انهمرت دمعة من أحدى عيني أنس قبل أن يهرول نحو الباب بحنق وصدمة…
حاولت أروى الإمساك بذراعه لكنه أفلت منها وقبل أن يصل إلى باب المنزل سقط أرضًا مُغشيًا عليه بينما اتخذت قطرات الدماء الدافئة طريقها نحو فمه…
يتبع..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في حي الزمالك) اسم الرواية